جلسة 27 من يناير سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم علام، وسليم راشد أبو زيد.
----------------
(26)
الطعن رقم 300 لسنة 31 القضائية (1)
(أ) نقل "نقل الأشخاص". مسئولية. "مسئولية عقدية". التزام "الالتزام بتحقيق غاية".
عقد نقل الأشخاص يلقي على عاتق الناقل التزاماً بضمان سلامة الراكب. التزام بتحقيق غاية. إثبات إصابة الراكب أثناء تنفيذ العقد. كفايته لقيام مسئولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى إثبات وقوع خطأ من جانبه.
(ب) مسئولية "دفع المسئولية" نقل "نقل الأشخاص".
دفع مسئولية الناقل بالقوة القاهرة أو خطأ من الراكب المضرور أو خطأ من الغير. شرطه خطأ الغير الذي يعفي الناقل من المسئولية إعفاء كاملاً ألا يكون في مقدور الناقل توقعه أو تفاديه وأن يكون هذا الخطأ وحده هو الذي سبب الضرر للراكب. مثال
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع، على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 4390 سنة 1959 كلي القاهرة على الطاعن بصفته طالباً الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 5000 ج والمصروفات وقال شرحاً للدعوى إنه في يوم 14 من أكتوبر سنة 1956 استقل قطار السكة الحديدية من محطة الإسكندرية قاصداً القاهرة واتخذ مقعده إلى جوار إحدى النوافذ التي لم يتمكن من إغلاقها بسبب وجود كسر بها فظلت مفتوحة، وأثناء سير القطار فوجئ بجسم صلب ألقي عليه من الخارج فأحدث بعينه اليمنى إصابة تخلفت عنها عاهة مستديمة وأجرى عن هذه الواقعة تحقيق قيد جناية بالمادة 240/ 1 عقوبات ضد مجهول وحفظت لعدم معرفة الفاعل. وأنه إذ كانت مصلحة السكك الحديدية الطاعنة مسئولة عن تعويضه عما أصابه من ضرر فقد أقام هذه الدعوى ضدها مطالباً بهذا التعويض. وفي 31 من مايو سنة 1960 قضت المحكمة بإلزام المصلحة الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ 300 جنيه على سبيل التعويض والمصروفات المناسبة استأنفت المصلحة الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 1429 سنة 77 ق القاهرة طالبة إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى وأسست استئنافها على أنها غير مسئولة عن الحادث إذ أنها نفذت التزاماتها كأمين للنقل وأن النافذة التي كان المطعون ضده يجلس بجوارها كانت سليمة ولم يقم أي دليل على أنها كانت مكسورة. وفوق هذا فإن الحادث إما أن يكون قد وقع بخطأ المضرور (المطعون ضده) لأنه لا بد كان يطل من النافذة ورأسه للخارج فأصيب، وأما أن يكون قد وقع بالتصوير الذي صوره به المطعون ضده والذي يدل على أن الحادث وقع بفعل الغير وهو الشخص المجهول الذي قذف الحجر على القطار وهو أمر ما كان في مقدورها أن تتوقعه. وفي 2 مايو سنة 1961 قضت محكمة استئناف القاهرة بتعديل الحكم المستأنف وإلزام السيد وزير المواصلات بصفته (الطاعن) بأن يدفع للمستأنف عليه (المطعون ضده) مبلغ 200 جنيه والمصروفات المناسبة. وفي أول يونيه سنة 1961 طعنت المصلحة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم وعرض الطعن على دائرة الفحص فقررت بجلسة 12 من يناير سنة 1965 إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين يتحصل ثانيهما في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك تقول المصلحة الطاعنة إنها دفعت بانتفاء مسئوليتها بالسبب الأجنبي لأن إصابة المطعون ضده حدثت بفعل الغير وهو الشخص المجهول الذي قذف الحجر على نافذة القطار أصاب المطعون ضده ولكن الحكم التفت عن هذا الدفاع وأقام قضاءه على أن دخول الجسم الصلب من نافذة عربة القطار سببه بقاء هذه النافذة مفتوحة لوجود كسر بها الأمر الذي تتوفر معه رابطة السببية بين خطأ المصلحة الطاعنة وإصابة المطعون ضده وترى الطاعنة أن هذا الذي قرره الحكم ينطوي على خطأ في القانون ذلك أن وجود نافذة مكسورة في القطار أثناء سيره لا يعتبر هو السبب المنتج للضرر بل مجرد سبب عارض أما السبب المنتج فهو فعل الغير الذي قذف الحجر الذي أصاب المطعون ضده - والمسلم به أنه يجب في تحديد المسئولية الوقوف عند الأسباب المنتجة للضرر وعدم التعويل على الأسباب العارضة ويتحصل السبب الأول في أن الحكم مشوب بفساد الاستدلال ذلك أنه أقام قضاءه بشأن توفر علاقة السببية بين الخطأ والضرر على أن وقوع الحادث من حجر قذفه مجهول على نافذة القطار لا تنتفي به علاقة السببية بين خطأ المصلحة الطاعنة وإصابة المطعون ضده لأن الأخير قرر أمام محكمة الدرجة الأولى وفي الشكاوى التي تقدم بها للشرطة وللنيابة. أن النافذة التي كان يجلس بجوارها كانت مفتوحة لوجود كسر بها لم يستطع معه إغلاقها ولم ينكر عليه أحد ما ادعاه في هذا الخصوص أو يثبت ما يخالفه وأن قول المصلحة الطاعنة لأول مرة أمام محكمة الاستئناف أن نافذة القطار كانت سليمة هو قول لم يقم عليه دليل في أوراق الدعوى. وترى الطاعنة أن هذا الذي قرره الحكم لا أصل له في الأوراق وينطوي على مخالفة لقواعد الإثبات إذ أن المطعون ضده لم يذكر في التحقيقات أن النافذة كان بها كسر منعه من إغلاقها وإذا كان قد ضمن شكاياته أو صحيفة دعواه هذا القول فإن قوله هذا لا ينهض بمجرده دليلاً ضد المصلحة على أن النافذة كانت مكسورة مع إنكارها لهذا الادعاء وتمسكها بأن النافذة كانت سليمة. كما أن الحكم إذ اعتبر الطاعنة مسئولة لأنها لم تقدم دليلاً على أن النافذة كانت سليمة يكون قد قلب عبء الإثبات إذ أن المطعون ضده هو المكلف بإثبات ما ادعاه مخالفاً للظاهر.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بمسئولية مصلحة السكة الحديدية الطاعنة فيما أقامه على قوله "من المقرر فقهاً وقضاءً أن أمين النقل يترتب في ذمته بموجب عقد النقل التزام بكفالة السلامة وهذا حتى بالنسبة لعقد نقل الأشخاص ويترتب على ذلك أن أمين النقل إن لم يقم بهذا الالتزام عيناً حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ما لم يثبت أن عدم قيامه بتنفيذ التزامه ناشئ عن سبب أجنبي لا يد له فيه. وحيث إن مصلحة السكة الحديدية لم تقم في الدعوى الراهنة بإثبات أن إصابة المستأنف عليه نشأت عن خطئه هو وحده دون سواه بأن أصيب وهو مطل برأسه من خارج نافذة عربة القطار ومن ثم تلتفت المحكمة عما تدعيه في هذا الخصوص. كما تلتفت المحكمة أيضاً عن تصوير المصلحة للحادث بأي شكل آخر يخالف تصوير المستأنف عليه له ما دامت لم تقدم بإثبات هذا التصوير الذي تدعيه والذي تهدف منه إلى القول بأن الحادث إنما نشأ عن سبب أجنبي لا يد لها فيه إذ تترتب مسئوليتها كما سبق القول على مجرد عدم قيامها بما هي ملزمة به، ما لم تثبت أن ذلك ناشئ عن سبب أجنبي لا يد لها فيه" - وهذا الذي قرره الحكم المطعون فيه صحيح في القانون وكاف لحمل قضائه ذلك أن عقد نقل الأشخاص يلقي على عاتق الناقل التزاماً بضمان سلامة الراكب بمعنى أن يكون ملزماً بأن يوصله إلى الجهة المتفق عليها سليماً وهذا الالتزام هو التزام بتحقيق غاية فإذا أصيب الراكب فإنه يكفي أن يثبت أنه أصيب أثناء تنفيذ عقد النقل ويعتبر هذا منه إثباتاً لعدم قيام الناقل بالتزامه فتقوم مسئولية الناقل عن هذا الضرر بغير حاجة إلى إثبات وقوع خطأ من جانب الناقل ولا ترتفع هذه المسئولية إلا إذا أثبت هو أن الحادث نشأ عن قوة قاهرة أو عن خطأ من الراكب المضرور أو خطأ من الغير ويشترط في خطأ الغير الذي يعفي الناقل من المسئولية إعفاء كاملاً ألا يكون في مقدور الناقل توقعه أو تفاديه وأن يكون هذا الخطأ وحده هو الذي سبب الضرر للراكب ولما كانت مصلحة السكك الحديدية لم تقدم إلى محكمة الموضوع ما يدل على أنه لم يكن في مقدورها توقع خطأ الغير الذي قذف الحجر على القطار ومنع هذا الخطأ بل إن قذف الأحجار على قطارات السكك الحديدية هو من الأمور التي توقعتها المصلحة (الطاعنة) فقضت في المادة 13 و25 فقرة أولى من القرار الخاص بنظام السكك الحديدية الصادر في 4 من مارس سنة 1926 على معاقبة من يرتكب هذا الفعل بعقوبة المخالفة كما أنه كان في مقدور المصلحة تفادي عواقب هذا الفعل لو أنها اتخذت الاحتياطات الكفيلة بمنع قذف الأحجار على قطارات السكك الحديدية أو على الأقل بمنع ما يترتب على احتمال قذف الأحجار عليها من ضرر للركاب ولا يهم ما قد تكبدها هذه الاحتياطات من مشقة ومال إذ طالما كان في الإمكان تفادي عواقب خطأ الغير بأية وسيلة فإن هذا الخطأ لا يعفي الناقل من المسئولية إعفاءً كلياً - لما كان ما تقدم، فقد كان حسب الحكم المطعون فيه لإقامة قضائه ما أورده من أسباب سبق بيانها ويكون ما قرره في شأن الادعاء بكسر النافذة وعدم إمكان غلقها هو من قبيل الأسباب الزائدة التي يستقيم الحكم بدونها ومن ثم فإنه بفرض وجود عيب فيها فإنه لا يؤثر في سلامة الحكم وبالتالي يكون النعي عليه لهذا العيب غير منتج.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته غير سديد ويتعين رفضه.
(1) راجع نقض 26/ 4/ 1962 بمجموعة المكتب الفني س 13 ص 522.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق