جلسة 4 من فبراير سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عثمان زكريا، ومحمد أبو حمزة مندور، وحسن أبو الفتوح الشربيني، وأحمد ضياء الدين حنفي.
--------------
(41)
الطعن رقم 592 لسنة 34 القضائية
(أ) إثبات. "الإقرار". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الإقرار غير القضائي".
الإقرار المكتوب الصادر في غير مجلس القضاء. غير ملزم حتماً. خضوعه لتقدير قاضي الموضوع.
(ب) عمل. "وقف تنفيذ فصل العامل". حكم. "حجية الحكم المستعجل". قضاء مستعجل.
الحكم بوقف تنفيذ فصل العامل الصادر من القضاء المستعجل لا يقيد محكمة الموضوع عند نظر دعوى التعويض عن الفصل.
(ج) عمل. "إثبات تقاضي الأجر". إثبات. "عبء الإثبات". نظام عام.
الأصل أن العامل غير مكلف بإثبات ما يدعيه من متأخر الأجر. جواز الاتفاق على مخالفة ذلك صراحة أو ضمناً. قواعد الإثبات ليست من النظام العام.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن محمد صالح الفخفاخ قدم شكوى إلى مكتب العمل بدمنهور ضد محمد أبو المجد علي، طالباً وقف تنفيذ قرار فصله الصادر في 4/ 1/ 1962، ولم يتمكن المكتب من تسوية النزاع وأحاله إلى قاضي الأمور المستعجلة بمحكمة دمنهور وقيد بجدولها برقم 32 سنة 1962، وفي 27/ 2/ 1962 حكمت المحكمة بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار الفصل وبإلزام المدعى عليه بأن يؤدي إلى المدعي أجره بواقع اثنى عشر جنيهاً شهرياً من تاريخ الفصل الحاصل في 4/ 1/ 1962 وبإحالة موضوع النزاع إلى محكمة بندر دمنهور، وقيدت الدعوى برقم 214 سنة 1962 بندر دمنهور وطلب الحكم بإلزام المدعى عليه محمد أبو المجد بأن يدفع له مبلغ 1208 ج والمصروفات، وقال بياناً للدعوى إنه التحق بالعمل في وظيفة كاتب حسابات لدى مورث المدعى عليه بأجر شهري قدره 12 ج من أغسطس سنة 1943 وأن المدعى عليه خلف مورثه في إدارة العمل بعد وفاته في 20/ 7/ 1959، وأنه استمر في خدمته حتى 23/ 12/ 1961 حيث عهد إليه بعمل آخر قصد فصله، وكلفه القيام ببعض الأعمال ثم فصله في 4/ 1/ 1962، وإذ يستحق مبلغ 630 ج فرق علاوة غلاء المعيشة في المدة من 30/ 3/ 1950 حتى ديسمبر سنة 1961 بواقع 4 ج و500 م شهرياً، 148 ج و500 م مقابل إجازات بواقع مرتب نصف شهر عن كل سنة و15 ج باقي مرتب في ذمة المورث و248 ج مكافأة نهاية الخدمة و16 ج و500 م مرتب شهر بدل الإنذار و150 ج تعويضاً عن الفصل التعسفي فقد انتهى إلى طلب الحكم له بطلباته. وبتاريخ 16/ 4/ 1962 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة دمنهور الابتدائية وقيدت بجدولها برقم 311 لسنة 1962 كلي دمنهور وأدخل فيها المدعي باقي ورثة المرحوم أبو المجد علي، وطلب الحكم بإلزام جميع الورثة مع المدعى عليه بصفته الشخصية بأن يدفعوا من تركة مورثهم مبلغ 1208 ج والمصاريف. وبتاريخ 11 مايو سنة 1963 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي، أنه كان يعمل عند مورث المدعى عليهم المرحوم أبو المجد علي ومن بعده المدعى عليه الأول ابتداء من أغسطس سنة 1943 بمرتب شهري قدره اثنى عشر جنيهاً، وأن هذا الأخير فصله في 4/ 1/ 1962 بدون مبرر ودون عذر مقبول، وليثبت كذلك أنه كان يداين المورث بمبلغ خمسة عشر جنيهاً قيمة أجر متأخر وأنه لم يحصل على إجازته السنوية، ولم يحضر أحد من الطرفين شهوداً. وبتاريخ 21 ديسمبر سنة 1963 حكمت المحكمة برفض الدعوى واستأنف المدعي هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته وقيد هذا الاستئناف برقم 699 سنة 69 قضائية. وبتاريخ 29 أكتوبر سنة 1964 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم، وطلب الحارس على المطعون ضدهما الأول والسادس رفض الطعن، ولم يحضر باقي المطعون عليهم ولم يبدوا دفاعاً وقدمت النيابة العامة مذكرة، وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السببين الأول والثالث، أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب وخالف الثابت بالأوراق من وجوه، (أولها) أن الطاعن تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه كان يعمل كاتب حسابات لدى مورث المطعون عليهم بمرتب مقداره 12 ج في الشهر من 1/ 8/ 1943 حتى وفاة المورث سنة 1959، واستمر في عمله لدى المطعون عليه الأول حتى فصله دون مبرر في 4/ 1/ 1961، واستدل على ذلك بإقرار المطعون عليه الأول بقيام الطاعن بعمله واستحقاقه في تركة المورث مبلغ 162 ج و600 م مكافأة عن مدة خدمته واستحقاقه مرتب شهر ديسمبر سنة 1959 متأخر في ذمة المطعون عليه الأول حسبما هو ثابت بالمستندات التي وقع عليها، وهي كشف مؤرخ 20/ 1/ 1960 وإقرار مؤرخ 17/ 5/ 1960 ومحضر جرد تركة مورثه، ولكن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدعوى استناداً إلى أن الطاعن عجز عن إثبات ما يدعيه، وأغفل الرد على دفاعه، ولو أنه عنى ببحث هذه المستندات لتغير وجه الرأي في الدعوى (وثانيها) أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدعوى، في حين أن الوقائع المتقدمة أوردتها محكمة أول درجة في حكمها الصادر قبل الفصل في الموضوع بتاريخ 4/ 5/ 1963 ولم ينفها المطعون عليهم (وثالثها) أن الثابت بأسباب الحكم الصادر في الدعوى رقم 32 سنة 1962 مستعجل دمنهور أن الطاعن لم يترك العمل إلا بعد إخطاره شفوياً بالفصل، وأن المطعون عليه الأول سمح له بالقيام بعد ذلك ببعض الأعمال حتى 4/ 1/ 1962. وإذ أرسل الإنذار في 3/ 1/ 1962 إلى الطاعن الذي استلمه في 9/ 1/ 1962 قبل مضي خمسة أيام على انقطاعه عن العمل فإنه لا يكون للمطعون عليه الأول الحق في فسخ العقد دون سبق إعلان ودون مكافأة أو تعويض، ولكن الحكم المطعون فيه خالف الثابت بأسباب ذلك الحكم، وأقام قضاءه على اعتبار أن الطاعن تغيب عن العمل عشرة أيام متوالية دون سبب مشروع رغم سبق إنذاره.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول، بأنه علاوة على أن الطاعن لم يقدم بملف الطعن الكشف المؤرخ 20/ 1/ 1960، ولا يوجد بالأوراق ما يدل على أنه قدمه إلى محكمة الموضوع، وأن الإقرار الثابت بالورقة المؤرخة 17/ 5/ 1960 وبمحضر جرد تركة المرحوم أبو المجد علي المودعتين بالملف الابتدائي المنضم إنما صدر من المطعون عليه الأول، ويقتصر أثره عليه ولا يتعداه إلى غيره من المطعون عليهم الذين لم يوقعوا على هذا المحضر، أو تلك الورقة، فإن الإقرار المكتوب الذي يصدر في غير مجلس القضاء لا يكون ملزماً حتماً، بل يخضع - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لتقدير قاضي الموضوع الذي يجوز له مع تقدير الظروف التي صدر فيها أن يعتبره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة، أو مجرد قرينة، كما يجوز له ألا يأخذ به أصلاً، وإذ كان ذلك، وكان الثابت بالدعوى أن الطاعن استند في طلب التعويض والمكافأة إلى أنه التحق بالعمل لدى مورث المطعون عليهم في وظيفة كاتب حسابات بمرتب 12 جنيه في الشهر ابتداء من 1/ 8/ 1943، وأنه استمر في تنفيذ العقد بعد وفاة المورث في سنة 1959 حتى فصله المطعون عليه الأول الذي خلفه في إدارة العمل فصلاً تعسفياً دون مبرر في 4/ 1/ 1962، وجرى الحكم الابتدائي الذي أحال الحكم المطعون فيه إلى أسبابه على أن "المدعى عليهم، ورثة صاحب المنشأة المرحوم أبو المجد علي، فتكون علاقة العمل مستمرة بينهم وبين المدعي، هذا ولا يعتبر إدراج ما يستحقه المدعي من مكافأة محتسبة حتى تاريخ وفاة المورث إنهاء لعمله أو فصله منه" ورتب الحكم على ذلك قضاءه برفض الدفع المبدى من المدعى عليه بسقوط الدعوى بمضي سنة من تاريخ وفاة المورث، وأقام قضاءه برفض طلب التعويض والمكافأة استناداً إلى أن "الثابت من شكوى العامل المؤرخة 28/ 12/ 1961 أنه ضمنها القول بأنه في يوم 23/ 12/ 1961 كلفه المدعى عليه بتسليم العمل لآخر قاصداً فصله مما يستفاد منه انقطاعه عن العمل من اليوم التالي الموافق 24/ 12/ 1961 والمدعي لم ينكر ذلك، وثابت كذلك من الخطاب المؤرخ 3/ 1/ 1962 الذي تسلم للمدعي في 9/ 1/ 1962 كالثابت من علم الوصول المرفق بالأوراق أن المدعى عليه قد أنذره بالعودة إلى العمل وإلا اعتبر تاركاً له منذ انقطاعه عنه، الذي أرجعه المدعى عليه إلى يوم 21/ 12/ 1961 والخطاب مؤرخ 17/ 1/ 1962 أرسل بطريق البريد الموصى عليه مع علم الوصول أخطر المدعى عليه المدعي بفصله من العمل دون مكافأة أو تعويض لتغيبه بدون سبب مشروع أكثر من عشرة أيام متوالية وقد تسلم هذا الخطاب في 18/ 1/ 1962 كالثابت من علم الوصول" وإلى أن "ما زعمه المدعي أمام مكتب العمل من قيامه ببعض الأعمال يوم 4/ 1/ 1962 فلا دليل عليه" وهي تقريرات موضوعية سائغة، تنفي وصف التعسف عن الفصل، وتجعله مسنداً إلى تغيب الطاعن بدون سبب مشروع أكثر من عشرة أيام متوالية رغم سبق إنذاره كتابة من صاحب العمل بعد انقطاعه خمسة أيام وهي حالة يجوز فيها لصاحب العمل وفقاً لنص المادة 76 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 فسخ العقد دون سبق إعلان العامل ودون مكافأة أو تعويض، فلا يقبل من العامل الاحتجاج في هذه الحالة بإقرار رب العمل بمقدار ما كان يستحقه من المكافأة عن مدة خدمته أثناء سريان العقد قبل فسخه، ولا يكون الحكم إذ أطرح إقرار المطعون عليه الأول الصادر في محضر جرد تركة مورثه المتوفى سنة 1959 أو في الورقة المؤرخة 17/ 5/ 1960 قبل فسخ العقد قد شابه قصور في التسبيب. والنعي مردود في الوجه (الثاني) بأن الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه قضى برفض طلب علاوة الغلاء والأجر المتأخر ومقابل الإجازات، استناداً إلى أن هذه الأمور كانت موضوع الحكم الصادر في 11/ 5/ 1963 بالإحالة إلى التحقيق، وأن الطاعن لم يشهد أحداً على ما كلف به وعجز عن إثبات ما يدعيه. ومردود في الوجه (الثالث) بأن الحكم الصادر في الدعوى رقم 32 لسنة 1962 مستعجل دمنهور بوقف تنفيذ قرار الفصل هو حكم يصدره قاضي الأمور المستعجلة بإجراء وقتي وفقاً لنص المادة 75 من قانون عقد العمل لا يمس أصل الحق ولا يعتبر فاصلاً فيه، وهو لا يجاوز في تقديره نطاق الدعوى المستعجلة فلا يقيد محكمة الموضوع عند النظر في دعوى التعويض عن الفصل بغير مبرر، وهو ما يؤكده النص المشار إليه في عبارته التي تجري بأن "على هذه المحكمة أن تفصل في الموضوع بالتعويض إن كان له محل" ومن ثم يكون في غير محله التحدي بأن الحكم المطعون فيه خالف الثابت بالحكم الذي صدر بوقف قرار الفصل.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه قضى برفض طلب المتأخر من الأجر ومقابل الإجازات وفرق إعانة غلاء المعيشة ومكافأة نهاية الخدمة مستنداً في ذلك إلى عجز الطاعن عن الإثبات، هو من الحكم خطأ في تطبيق القانون من وجهين (الأول) أن رب العمل هو المكلف بإثبات الوفاء بأجر العامل، وأن المادة 14 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 لا تجيز لرب العمل إثبات الوفاء إلا بالكتابة، ولم يقدم المطعون عليهم هذه الدليل، ولكن الحكم الصادر من محكمة أول درجة بالإحالة إلى التحقيق كلف الطاعن بالإثبات. (الثاني) أن الحكم اقتضى إقامة الدليل على إثبات استمرار الطاعن في العمل لدى المطعون عليه بعد وفاة مورثه وعلى مكافأة نهاية الخدمة، في حين أن المطعون عليه اعترف بذلك في محضر جرد التركة والإقرار المؤرخ 17/ 5/ 1960 وفي الدعوى رقم 32 سنة 1962 مستعجل دمنهور.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه الأول أن النص في المادة 14 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 على أنه "يجب على صاحب العمل تحرير سركي من صورتين لكل عامل يسلمه إحداها ويحتفظ بالأخرى ولا تبرأ ذمة صاحب العمل من الأجر إذا لم يوقع العامل بتسلمه" - وإن كان يدل بالاقتضاء على أن العامل غير مكلف بإثبات ما يدعيه من متأخر الأجر قبل استبعاد نظام السراكي بنص المادة 49 من القانون رقم 91 سنة 1959، إلا أن قواعد الإثبات في المواد المدنية ليست من النظام العام، فيجوز الاتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً. ولما كان الثابت بالأوراق أنه ورد بالمذكرة التي قدمها الطاعن إلى محكمة أول درجة وأشر عليها وكيل المدعى عليه الأول باستلام صورتها بتاريخ 7/ 4/ 1963 أن المدعي على أتم الاستعداد للإثبات بكافة الطرق وأن المحكمة قضت بتاريخ 11/ 5/ 1961 بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ما يدعيه, ويبين من محاضر التحقيق أن الطاعن طلب تأجيل التحقيق أكثر من مرة لإعلان شهوده وأجابته المحكمة إلى طلبه، ولكنه لم يقدم شهوداً ولم يبد اعتراضاً على هذا الحكم في مذكرته التي قدمها أثناء حجز الدعوى للحكم، كما لم ينع في استئنافه على قضاء ذلك الحكم شيئاً, فإن هذا يكون قاطعاً في الدلالة على قبوله للإثبات بالبينة يمتنع معه على محكمة الاستئناف أن تتعرض له، ولا يكون الحكم المطعون فيه إذ أيد الحكم الابتدائي في هذا الخصوص قد أخطأ في القانون. والنعي في الوجه (الثاني) مردود بأن الحكم المطعون فيه على ما سبق الرد به أقام قضاءه برفض مكافأة نهاية الخدمة على أن فصل الطاعن كان بسبب فسخ العقد إعمالاً لنص المادة 76 من قانون عقد العمل، فلا يصلح الاحتجاج في هذه الحالة بمقدار المكافأة التي أقر بها صاحب العمل أثناء سريان العقد، ولا يكون الحكم إذ لم يعتد بهذا الإقرار قد خالف القانون.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق