الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 7 أكتوبر 2021

الطعنان 1964 ، 1968 لسنة 91 ق جلسة 8 / 7 / 2021

محكمــة النقــض
الدائرة المدنية والتجارية
برئاسة السيد القاضي/ نبيل أحمد صادق نائب رئيـس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ سمـير حسن ، محمد عاطف ثابت ، إسماعيل برهـان أمر الله ، ياسر الشريـف نواب رئيـس المحكمة

وبحضور السيد رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض/ هشام الشافعي .

والسيد أمين السر/ محسن الديب .

في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بالقاهرة.
في يوم الخميس 28 من ذي القعدة سنة 1442هـ الموافق 8 من يوليو سنة 2021م.
أصدرت الحكم الآتي
في الطعنين المقيدين في جدول المحكمة برقمي 1964 ، 1968 لسنة 91 قضائية.
"المرفوع أولهما 1964 لسنة 91 ق من"
السيد / رئيس مجلس الإدارة لهيئة ميناء دمياط بصفته الممثل القانوني لهيئة ميناء دمياط "مصر".
يعلن بمقرها في ميناء دمياط - ص . ب 13 - محافظة دمياط.
حضر عنه الأستاذ الدكتور / ..... المحامي.
ضـــد
السيد / الممثل القانوني لشركة دمياط الدولية للموانئ "ديبكو" ش . م . م بصفته.
يعلن بمقرها الدور الثالث جناح رقم/ 354 المبنى الاستثماري ميناء دمياط الدولي - محافظة دمياط.
حضر عنه الأستاذ / ..... المحامي.

"والمرفوع ثانيهما رقم 1968 لسنة 91 ق من"
السيد / الممثل القانوني لهيئة ميناء دمياط " مصر ".
يعلن بمقرها ميناء دمياط - محافظة دمياط ومحله المختار مكتب الأستاذ الدكتور/ ..... الكائن .... - القرية الذكية - الكيلو 28 طريق القاهرة/ الإسكندرية الصحراوي - السادس من أكتوبر - الجيزة.
حضر عنه الأستاذ الدكتور / ...... المحامي .
ضـــد
السيد / الممثل القانوني لشركة دمياط الدولية للموانئ ( ديبكو ) "ش . م . م". يعلن بمقرها الدور الثالث - جناح رقم 354 - المبنى الاستثماري - ميناء دمياط الدولي - دمياط ومحله المختار مكتب الأستاذ/ أبو السعود الكائن في 1 ش أمريكا اللاتينية - جاردن سيتى - القاهرة.
حضر عنه الأستاذ / ..... المحامى.

--------------

" الوقائع "

في الطعن رقم 1964 لسنة 91 ق"
في يوم 6/ 2/ 2021 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر بتاريخ 9/ 12/ 2020 في الاستئناف رقم 48 لسنة 137 ق وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعن بصفته الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكـم المطعون فيه.
وفى اليوم نفسه أودع الطاعن بصفته مذكرة شارحة وحافظة بمستنداته.
وفى 7/ 3/ 2021 أُعلنت الشركة المطعون ضدها بصحيفة الطعن .
وفى 17/ 3/ 2021 أودع وكيل الشركة المطعون ضدها مذكرة بدفاعها مشفوعة بمستندات طلب فيها رفض الطعن .
ثم أودعت النيابة العامة مذكرتها وطلبت فيها قبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه .
وبجلسة 17/ 5/ 2021 قررت هيئه المحكمة ضم هذا الطعن للطعن رقم 1968 لسنة 91 ق للارتباط لنظرهما بجلسة 21/ 6/ 2021 والتي بها عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت لنظره جلسة 8/ 7/ 2021 للمرافعة، وبها سمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم كل من محامى الطاعن والمطعون ضدها والنيابة كل ما جاء بمذكرتها - والمحكمة قررت إصدار الحكم بذات الجلسة.

وفي الطعن رقم 1968 لسنة 91 ق"
في يوم 6/ 2/ 2021 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر بتاريخ 9/ 12/ 2020 في الاستئناف رقم 48 لسنة 137 ق وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعن بصفته الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكـم المطعون فيه.
وفى اليوم نفسه أودع الطاعن بصفته مذكرة شارحة وحافظة بمستنداته.
ثم أودعت النيابة العامة مذكرتها وطلبت فيها قبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه .
وبجلسة 21/ 6/ 2021 عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت لنظره جلسة 8/ 7/ 2021 للمرافعة وقررت المحكمة ضم الطعن رقم 1964 لسنة 91 ق للطعن الماثل ليصدر فيهما حكم واحد.
وبجلسة 8/ 7/ 2021 سمعت المرافعة أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم كل من محامى الطاعن والمطعون ضدها والنيابة كل ما جاء بمذكرتها - والمحكمة قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم .

-------------
" المحكمـة "
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر/ نبيل أحمد صادق "نائب رئيس المحكمة" والمرافعة ، وبعد المداولة.
وحيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية .
وحيث إن الوقائع على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعنة في كلا الطعنين أقامت الدعوى رقم 48 لسنة 137 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة طعناً بالبطلان على حكم التحكيم الصادر في الدعوى التحكيمية رقم (C-21413/ DDA) 21341/ MCP/ DDA/ AYZ بتاريخ 9 فبراير2020 من محكمة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية (I.C.C.) والصادر بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي كمقر للتحكيم بالقاهرة وذلك في دعوى التحكيم الأصلية المقامة من المطعون ضدها قِبل الطاعنة بطلب بطلان اتفاق التسوية الودية المؤرخ 5/ 5/ 2009 وملحقيه وإلزام الطاعنة بنفقات التحكيم والتعويض عما لحقها من خسارة جراء إخلالها بالتزاماتها التعاقدية المترتبة على منحها عقد امتياز تحويل وإنشاء وتشغيل محطة حاويات ميناء دمياط المؤرخ 8/ 5/ 2006، والصادر أيضاً في دعوى الطاعنة التحكيمية المقابلة عن ذات العقد قِبل المطعون ضدها بطلب الحكم برفض دعوى التحكيم الأصلية وإلزام المطعون ضدها بنفقات التحكيم والتعويضات عما لحق الطاعنة من خسارة جراء إخلال المطعون ضدها بالتزاماتها التعاقدية عن ذات العقد وإلزامها بكل ما ترى هيئه التحكيم الحكم به من مبالغ لصالح الطاعنة، وإذ قضى أغلبية المحكمين بتاريخ 9 فبراير 2020 بعدم نفاذ اتفاق التسوية المؤرخ 5/ 5/ 2009 وملحقيه (1) و (2) وإلزام الطاعنة (المحتكم ضدها في الدعوى الأصلية) بالتعويضات والمصاريف وبرفض دعوى التحكيم المقابلة فأقامت الطاعنة دعوى البطلان سالفة البيان، وبتاريخ 9 من ديسمبر 2020 قضت محكمة استئناف القاهرة برفض دعوى البطلان. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض بالطعنين رقمي 1964 و 1968 لسنة 91 قضائية وأودعت النيابة مذكرتين أبدت فيهما الرأي برفضهما، وإذ عُرض الطعنان على هذه المحكمة في غرفة المشورة قررت ضمهما وحددت جلسة لنظرهما وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه بما أوردته من أسباب لطعنيها مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والبطلان إذ أيد أسباب حكم التحكيم محل دعوى البطلان فيما قضى به من عدم نفاذ عقد التسوية الودية المؤرخ 5/ 5/ 2009 وملحقيه رقم (1) و (2) لعدم استيفاء موافقة مجلس الوزراء المصري على اتفاق التسوية وملحقيه - المشار إليهم - للإطار الشكلي المطلوب مقارنة بقرارات مماثلة في الدعوى منتهياً إلى عدم صدوره وهو ما ترتب عليه إهدار كل أثر لموافقة مجلس الوزراء المصري بجلسته رقم 97 بتاريخ 13/ 3/ 2010 على اتفاق التسوية وملحقيه رغم كون الموافقة الصادرة عن مجلس الوزراء هي قرار إداري تختص ولائياً محاكم مجلس الدولة وحدها بالرقابة على مشروعيته ويترتب على مخالفة ذلك البطلان لتعلقه بالنظام العام المصري. وهو ما ينسحب أيضاً على قضاء الحكم المطعون فيه بتأييد حكم التحكيم محل دعوى البطلان بعدم مشروعية القرار الصادر بفسخ عقد الالتزام فضلاً عن بطلان الحكم المطعون فيه لاستبعاده أحكام القانون الإداري المصري وأحكام المحاكم الإدارية من التطبيق على المنازعة والمتعلقة بعقد إداري لإنشاء ومنح امتيار تشغيل مرفق عام هي محطة حاويات ميناء دمياط، وهي أحكام القانون المصري الواجب التطبيق بموجب اتفاق الأطراف الوارد في العقد وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه من المقرر أن العقود التي يبرمها أشخاص القانون العام بمناسبة ممارستهم لدورهم في تسيير وإدارة المرافق العامة منها ما يُعَد إدارياً تأخذ فيه جهة الإدارة بوسائل القانون العام بوصفها سلطة عامة وهي بهذه المثابة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بها المتعاقد معها سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً وفي هذا النوع من العقود تعبر جهة الإدارة بما تصدره بشأنها من قرارات عن إرادتها لا يحدوها في ذلك إلا تحقيق الصالح العام وعلى ذلك فإن علاقة المتعاقدين في هذه العقود لا تستند فقط إلى الشروط التعاقدية وإنما أيضاً إلى القواعد التنظيمية للمرفق العام تغليباً للصالح العام على المصلحة الخاصة ويكون المتعاقد مع جهة الإدارة على علم بهذه الطبيعة الاستثنائية لتلك العقود وقابل لها وهو ما تعكسه موافقته على التعاقد مع جهة الإدارة ومع ذلك لا تؤثر تلك الطبيعة الاستثنائية على حقوقه المالية المتفق عليها والتي تظل مصانة لا تستطيل إليها آثار السلطات المخولة للإدارة في هذه العقود. والطبيعة الاستثنائية لهذه العقود والتي تعقدها جهة الإدارة بوصفها سلطة عامة تظل سمة لتلك العقود حتى لو جاءت في صورة مركبة أو مختلطة مثل العقد محل النزاع الماثل، باعتباره صورة مستحدثة لعقد من عقود الأشغال العامة والتزام المرافق العامة ذات البعد الاستثماري يرتبط بإنشاء مرفق عام وتشغيله لمدة محددة وإعادته لجهة الإدارة بعد انتهائها وهي العقود المعروفة دولياً باسم عقود الــ ( B.O.T ) ، وعلى ذلك فإن العقد محل المنازعة باعتبار أن أحد طرفيه هيئة ميناء دمياط ( الطاعنة ) وهي بلا خلف عليه شخص اعتباري عام، وأن الغرض منه تسيير مرفق عام تأخذ فيه الطاعنة كسلطة عامة بأسباب القانون العام فضمنته من الشروط الاستثنائية ما حصلت بموجبها المطعون ضدها على ترخيص بإنشاء وإدارة محطة الحاويات على أرض مملوكة للدولة، فإن هذا العقد - وعلى ما استقرت عليه مبادئ وأحكام القضاء المصري - هو من العقود الإدارية بطبيعتها وتكون المنازعات الناشئة عنه منازعة إدارية تحكمها المبادئ المستقرة في النظام القضائي المصري والخاصة بهذا النوع من المنازعات، وأياً كان العقد الذى تبرمه جهة الإدارة كسلطة عامة أو حتى تلك التي لا تدخل فيها الإدارة بهذه الصفة وتأخذ فيها بوسائل القانون الخاص، فإن العقد- وعلى ما استقرت عليه مبادئ وأحكام القضاء المصري - يمر بمراحل تستلزم اتخاذ جهة الإدارة لإجراءات تمهد بها لنشأة وإتمام أو تعديل أو حتى فسخ تلك العقود، ومن تلك الإجراءات ما يتم عن طريق إصدار السلطة المختصة لقرارات لها خصائص القرارات الإدارية ومقوماتها من حيث كونها إفصاح جهة الإدارة عن إرادتها الملزمة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني تحقيقاً لصالح عام تغياه القانون ومن صور تلك القرارات ما يصدره رئيس مجلس الوزراء وما يصدر عن مجلس الوزراء من قرارات نهائية إعمالاً لحكم المادة (171) من الدستور المصري والتي منها ما يكون متصلاً بالإذن بتكوين العقد أو إتمامه أو تعديله أو حتى فسخه - حسب الأحوال - وهذه القرارات تظل خارجة عن العقد مستصحبة طبيعتها كقرار إداري يجيز بهذه المثابة الطعن عليه بدعوى الإلغاء استقلالاً عن العلاقة العقدية الأصلية ذاتها وفق ما استقرت عليه المبادئ القضائية للمحاكم العليا المصرية تطبيقاً لمبادئ القانون الإداري المصري أحد أفرع القانون المصري الذي اتفق طرفي النزاع في الدعوى التحكيمية على تطبيقه. والولاية القضائية للإلغاء هنا محلها وعلى ما سلف بيانه، دعوى الإلغاء وهي من دعاوى المنازعات الإدارية التي تدخل حصراً في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة المصري إعمالاً لأحكام الدستور بالمادة (190) منه والتي أرست قاعدة أساسية وجوهرية باختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في كافة المنازعات الإدارية بما فيها قضاء الإلغاء المتعلق بالقرارات الإدارية وهو أيضاً ما أكدته الفقرة الخامسة والحادية عشر والرابعة عشر من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 المعدل. لما كان ما تقدم وكان المقرر أن تحديد الاختصاص الولائي في النظام القضائي المصري وفق نص المادة (109) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض هو من القواعد الأساسية والجوهرية المتعلقة بالنظام العام وهي بذلك تتسم بأقصى درجات الحيوية للنظام القضائي المصري لارتباطها بتحديد ولاية الجهات القضائية وانضباط عملها بما ينعكس حتماً على المصالح الاقتصادية والاجتماعية للدولة وهو الأمر الذي يُلقى التزاماً على الجهات القضائية بالاعتداد بها وعدم مخالفتها فيما تصدره من أحكام، فإن هي لم تفعل بات حكمها صادراً فيما لا ولاية لها بنظره ويجئ وقد اعتوره البطلان الذى يعدم حجيته وكل أثر له، ومن ناحية أخرى لا يكون لأطراف النزاع الاتفاق أو التوافق على مخالفتها، وفى جميع الأحوال فإن تلك المخالفة تستنهض أقصى رقابة قضائية على تلك الأحكام فتمارسها المحكمة التي تنظر الدعوى من تلقاء نفسها وهو الأمر ذاته الذي ينسحب على الأحكام الصادرة من هيئات التحكيم باعتبار أنها - بموجب أحكام القانون المصري - مثله في ذلك مثل الأنظمة القانونية في غالبية الدول الأخرى - تُعَد من الجهات القضائية التي يُعتَد بأحكامها وتنزل منه منزلة الأحكام الصادرة من المحاكم المصرية، ومن ثم وجب على هيئات التحكيم، فيما تصدره من أحكام في مصر أو يكون مآلها التنفيذ بها، الالتزام بتلك القواعد الأساسية والجوهرية المتعلقة بالنظام العام المصري من تلقاء نفسها، لما كان ذلك وكانت الرقابة القضائية على مشروعية القرارات الإدارية وجوداً واستيفاءً للشكل متى تطلبه القانون ومن حيث نهائيتها - وعلى ما سبق بيانه - تدخل في الاختصاص الولائي المصري لمحاكم مجلس الدولة وكانت الطاعنة قد تمسكت أمام محكمة البطلان المطعون في حكمها، ببطلان حكم التحكيم محل دعوى البطلان لمخالفته النظام العام المصري حين قضى بعدم الاعتداد بالقرار الصادر من رئاسة مجلس الوزراء بجلسته رقم 97 في 13/ 10/ 2010 بالموافقة على اتفاق التسوية الودية المؤرخ 5/ 5/ 2009 وملحقيه (1) و (2) واعتباره لم يصدر وفق ما تطلبته المادة 4 مكرر من قانون الموانئ التخصصية رقم 1 لسنة 1996 المعدل، منتهياً إلى عدم نفاذها متصدياً بذلك للفصل في مدى مشروعية القرار الإداري المشار إليه رغم خروج ذلك عن ولاية هيئة التحكيم، وكان الحكم المطعون فيه قد واجه دفاع الطاعنة - سالف البيان - بما ضمنه للبند 29 من أسبابه من أن "هيئه التحكيم اعتبرت مسألة الحصول على موافقة لاحقه في شكل قرار يصدر من مجلس الوزراء يعد شرطاً لازماً لسريان ونفاذ اتفاقيات أو عقود التسوية وذلك بسبب انطوائها على تعديلات أساسية في عقد الامتياز الأصلي، هذا الشرط الذى يتطلبه القانون الذى ينظم الموانئ التخصصية لم يثبت حصوله في الواقع وبحسب أسباب الحكم فإن مجلس الوزراء لم يُفرغ موافقته المتصلة بتعديل شروط منح الامتياز، وفقاً للإطار الشكلي المطلوب مقارنة بحالات مماثلة أخرى كانت مطروحة في دعوى التحكيم"، وبأن الكتاب الذى تمسكت المدعية ( المحتكم ضدها في الدعوى التحكيمية الأصلية - الطاعنة ) هو رسالة وظيفية لا ترقى لمرتبة القرار الإداري المطلوب قانوناً لتعديل شروط الالتزام الممنوحة ، وكان قضاء أغلبية المحكمين على النحو المتقدم ببطلان وانعدام أثر القرار الصادر من مجلس الوزراء - وعلى ما حصله الحكم المطعون فيه بدعوى البطلان الماثلة - يعد فصلاً في مدى وجود هذا القرار وصحته من حيث الشكل وينطوي على قضاء ضمني بالاختصاص بالنظر في مشروعية القرار الإداري وتصدياً للفصل فيه بما يخالف المبادئ الأساسية للنظام العام المصري لتغوله على الاختصاص الولائي الحصري لمحاكم مجلس الدولة - وفق ما سبق بيانه - وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن تلك المخالفة الصارخة للقواعد الأساسية والجوهرية المتعلقة بالاختصاص الولائي مؤيداً نهج حكم التحكيم ومعتبراً أن ذلك يعد من قبيل القواعد الموضوعية التي لا رقابة على محكمة التحكيم إذا رأت عدم إعمالها، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه عن هذا الشق من السبب، ومن ناحية أخرى وعما ضمنته الطاعنة لهذا الشق من السبب من نعى على الحكم المطعون فيه قصوره وإخلاله بحق الدفاع إذ التفت عما تمسكت به أمام محكمة البطلان من مخالفة حكم التحكيم للنظام العام المصري لتصديه بالفصل في مشروعية القرار الإداري بفسخ عقد الامتياز والصادر عنه قرار مجلس الوزراء رقم 2769 بتاريخ 21/ 9/ 2015 واستبعاد حكم التحكيم للقانون الواجب التطبيق بعدم إعمال قواعد القانون الإداري المصري الذى يتفق وطبيعة عقد النزاع، فهذا النعي في أساسه سديد ذلك أنه واستصحاباً لما سبق من مبادئ ولما كان المقرر أن روابط القانون العام تختلف في طبيعتها عن روابط القانون الخاص باعتبار أن الأولى تجد تبريرها استناداً إلى غرض حيوي وجوهري هو كفالة حسن سير المرفق العام واستقرار أوضاعه وهو الأمر الذى جعل للعقود الإدارية طبيعة مميزة وأحكام خاصة لا تتسع لها العلاقات التعاقدية التي تخضع لروابط القانون الخاص. ولا يعنى ذلك استبعاد كل تطبيق لقواعد القانون الخاص في منازعات العقود الإدارية ولكن إعمالها فيما تتسع له من العلاقات الناشئة عن العقود الإدارية أو المبادئ منها واجبة التطبيق لتعلقها بالأصول العامة للالتزامات، وعلى ذلك فإنه لا ينبغي على القاضي وهو بصدد الفصل في منازعة تتصل بعقد من العقود الإدارية أن يُعمل فقط روابط القانون الخاص تغليباً لها على روابط القانون العام التي تتفق وطبيعة العقود الإدارية، ما لم يوجد نص ملزم بذلك ، باعتبار أن روابط القانون العام تمنح جهة الإدارة كسلطة عامة طرف في عقد إداري يتصل بتسيير مرفق عام بعض الامتيازات تغليباً لوجه الصالح العام، وهى غايه حيوية وجوهرية يستصحبها القاضي عند تقديره لمسلك والتزامات جهة الإدارة في المنازعات الإدارية وباعتبار أن تلك القواعد والنصوص القانونية المنبثقة عن روابط القانون العام هي الأكثر قرباً واتفاقاً وطبيعة تلك الأنزعة وبهذه المثابة فهى تعد من الضمانات الأساسية للتقاضي التي ينبغي على القاضي مراعاتها في حكمه وعدم تجاهلها أو الإمساك عن مواجهتها بالالتفاف عليها بتحليلات يخرج بها عن نطاق الخصومة المطروحة وبما لا يحتمله واقعها أو أدلتها ومستنداتها ودفاع ودفوع الخصوم فيها بما ينتهى به إلى تسبيب لحكمه لا يواجه طلبات ودفاع ودفوع الخصوم فيها ويأتي غير كافٍ لحمل ما انتهى إليه من قضاء في موضوعها، والحكم في ذلك خاضع لرقابة محكمة النقض باعتبار أن الغاية الأساسية من تسبيب الأحكام وفقاً لمقتضى نص المادة (178) من قانون المرافعات هي توفير الرقابة القضائية على عمل القاضي والتحقق من حسن استيعابه لوقائع النزاع ودفاع ودفوع أطراف الدعوى بما يبرر ما انتهى إليه من قضاء فيها، لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه - رداً على دفاع الطاعنة - قد انتهى في أسبابه إلى وصف عقد النزاع بكونه من عقود (B.O.T) التي تتصل في جوهرها بمصالح عامة وأشخاص عامة وبنية مجتمعية أساسية كونه مزيجاً مختلط بين المقاولة وبين منح امتياز من الدولة لمشروع متصل بمرفق عام وأنه في مراحله الأولى عقد مقاولة يطبق عليه أحكام ومسئوليات عقود المقاولات وفى مرحلة لاحقة تصبح القواعد العقدية أكثر وأشد وضوحاً وصرامة لاتصالها بفكرة النفع العام وواجبات مرفقية عامة ومصالح لها وزنها وسلطات دولة تنظيمية وإشرافية ورقابية، وفى موضع آخر من الأسباب انتهى إلى أنه وبنظرة فاحصة لم يمس حكم التحكيم صلاحيات الإدارة أو المزايا الاستثنائية التي يخولها المشرع للسلطة العامة، وهذا الذى أورده الحكم المطعون فيه من سمات لعقد النزاع يعكس بوضوح الطبيعة الإدارية لهذا العقد باعتباره عقد التزام الأشغال العامة والتزام المرافق العامة، بما يستوجب عند نظر الأنزعة المتعلقة به إعمال المبادئ المستقرة في القانون المصري الواجب التطبيق والأكثر توافقاً مع العلاقات المتولدة عن هذا النوع من العقود الإدارية والأكثر قرباً لطبيعتها وهي القواعد المنبثقة عن روابط القانون العام باعتبار أن جهة الإدارة تتمتع بموجبها وبوصفها سلطة عامة، بامتيازات وسلطات واسعة تتعلق بالرقابة والإشراف والتوجيه والتعديل والفسخ بالإرادة المنفردة، لا يتمتع بها الطرف الآخر الذى ورغم تلك الامتيازات والشروط الاستثنائية لجهة الإدارة تظل حقوقه المالية المتفق عليها غير قابة للتغيير إلا بتوافق إرادة طرفي العقد، وما تتمتع به جهة الإدارة على النحو المتقدم يرتكز في الأساس إلى غاية حيوية وجوهرية هي حسن سير المرفق العام وانضباطه تحقيقاً للصالح العام وهو أمر - وفق ما سبق بيانه - محل علم وقبول من الطرف الآخر ، يعكس ذلك قبوله وموافقته على التعاقد مع جهة الإدارة بما لا يكون معه لهذا الطرف إنكارها تغليباً لمصلحته الخاصة، كما لا يجوز لجهة الإدارة التنازل عنها كونها ليست من الحقوق التي تقبل الصلح أو ذات طبيعة مالية تقبل التنازل عنها وهو الأمر الذى يجعل تلك السلطات والخصائص - وعلى ما استقرت عليه مبادئ وأحكام القضاء المصري - أمراً جوهرياً يتعلق بالنظام العام وهي تعد بذلك واقع قانوني يكون حاضراً عند بحث التزامات ومسلك جهة الإدارة فيما يتعلق بتلك العقود يترتب عليه عدم جواز استبعادها من التطبيق والالتفات عنها وتجاهلها لما هو مستقر عليه بقضاء النقض من أن تطبيق القانون على وجه صحيح وكذا الإجراءات المتصلة بمسائل التقاضي المتعلقة بالنظام العام الواجبة التطبيق على واقع الدعوى، هي من الأمور التي يتعين على قاضي الموضوع إعمالها من تلقاء نفسه دون طلب أو دفع أو دفاع من الخصوم ويوجب على محكمة النقض أن تعرض له وتزنه بميزان القانون لاستظهار مدى انطباقه على الدعوى كمسألة قانونية صرفه. لما كان ذلك وكان عقد النزاع هو عقد أحد طرفيه جهة الإدارة باعتبارها سلطة عامة ويتصل العقد بنشاط مرفق عام هو محطة حاويات ميناء دمياط وتأخذ فيه جهة الإدارة ( الطاعنة ) بأسلوب القانون العام فمنحت المطعون ضدها ترخيصاً لإنشاء وتشغيل محطة الحاويات على الأرض المملوكة للدولة وبذلك يعد هذا العقد عقد التزام الأشغال العامة والتزام المرافق العامة وهو عقد إداري بطبيعته يمنح جهة الإدارة سلطات وصلاحيات تتعلق وعلى ما سلف بيانه بالنظام العام، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى اعتبار عقد النزاع عقد من عقود القانون الخاص وأخرجه من دائرة رقابة محكمة البطلان وأمسك عن إعمال المادة ( 53/ 2 ) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 المعدل وحجب نفسه بذلك عن مراقبة حكم التحكيم محل دعوى البطلان فيما قد يتضمنه من مخالفة لما تقدم من المبادئ المتعلقة بالنظام العام الأمر الذي يعيبه بالقصور في التسبيب الذى جره إلى الخطأ في تطبيق القانون ويوجب نقضه عن هذا الشق أيضاً.
ولما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً كلياً عن هذا السبب بشقيه دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعنين المنضمين.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه وإعمالاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة (269) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المعدل، فإن المحكمة تتصدى للفصل في موضوع دعوى البطلان في نطاق حالات البطلان الواردة حصراً بالمادة (53) من القانون رقم 27 لسنة 1994 المعدل المشار إليه.
ولما كانت الفقرة الثانية من المادة (53) سالفة البيان قد خولت المحكمة التي تنظر دعوى البطلان سلطة القضاء ببطلان حكم التحكيم من تلقاء نفسها متى تضمن الحكم ما يخالف النظام العام وكان المقرر أن ما يصدر عن هيئة التحكيم من أحكام هو عمل قضائي تفصل به في منازعة بحكم ملزم للخصوم متى ذُيِل بالصيغة التنفيذية بما يترتب عليه أن المحكمين مثلهم مثل قضاة الدولة، ملزمون بالتقيد بالقواعد الأساسية والجوهرية المتعلقة بالنظام العام المصري والتي تتسم - وعلى ما سبق بيانه - بأقصى درجات الحيوية للنظام القضائي في الدولة المصرية ومن بينها تلك المتعلقة بالاختصاص الولائي - على النحو المتقدم ذكره - وعلى ذلك فإن الخروج على تلك القواعد يشكل ولجوهريتها مخالفة صارخة لقواعد النظام العام المصري تصيب حكم التحكيم بالعوار الذى يستلزم إهدار كل حجية وأثر له، وخروجاً على الأصل العام في النظام القانوني المصري بعدم جواز الطعن في أحكام المحكمين بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات، أجاز المشرع إقامة دعوى بطلان أصلية طعناً في حكم التحكيم الذى اعتوره عدم الالتزام بالمقومات والضمانات الأساسية للتقاضي باعتبار أن هذا المسلك يهوى بحكم التحكيم من رفعة وحصانة السلطة التقديرية لهيئة التحكيم إلى درك حالات البطلان الواردة حصراً بنص المادة (53) من قانون التحكيم سالف البيان، لما كان ذلك وكانت المدعية قد تمسكت في صحيفة دعواها ببطلان حكم التحكيم محل دعوى البطلان لمخالفته النظام العام وكان الثابت بالبند رقم (893) من حكم التحكيم تمسك المدعية في دعوى البطلان ( الطاعنة - المحتكم ضدها في دعوى التحكيم الأصلية ) بصدور قرار مجلس الوزراء بجلسته رقم 97 بتاريخ 13/ 10/ 2010 بالموافقة على اتفاق التسوية الودية المؤرخ 5/ 5/ 2009 وملحقيه (1) و (2) وكان حكم أغلبية المحكمين محل دعوى البطلان قد ضمن أسبابه الواردة بالبنود (910) حتى (927) أن " أغلبية المحكمين ترى زوال جميع الآثار المترتبة على اتفاق التسوية وملحقيه على أساس من أنه لم يثبت بالأوراق صدور قرار رئاسة مجلس الوزراء بشأنها والواجب صدوره إعمالاً لحكم المادة 4 مكرر من القانون رقم 1 لسنة 1996 كونها تضمنت تعديلاً لشروط وأحكام عقد الامتياز، وأنه بخصوص المستند الوحيد المبرز في ملف الدعوى والمتعلق بالملحق رقم (2) والذى هو عبارة عن رسالة صادرة عن أمين عام مجلس الوزراء بتاريخ 14/ 10/ 2010 موجهة لوزير النقل يشير فيها إلى موافقة مجلس الوزراء بجلسته رقم (97) المنعقدة بتاريخ 13/ 10/ 2010، على مقترح ملحق التسوية الودية مع شركة دمياط الدولية للموانئ، فإن أغلبية هيئة التحكيم وبعد رجوعها للقرارات الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء بشأن تعديلات لعقود مشابهة لا يمكنها التعويل على تلك الرسالة حيث أنها لا تستوفى متطلبات نص المادة 4 مكرر"، وكان ما ذهب إليه أغلبية المحكمين بأسباب حكم التحكيم محل دعوى البطلان ، تبريراً لقضائهما بعدم نفاذ عقد التسوية المؤرخ 5/ 5/ 2009 وملحقيه - وعلى ما سلف بيانه - إنما هو تصدياً بالفصل في مدى مشروعية هذا القرار الإداري الصادر بشأنهم ( قرار رئاسة مجلس الوزراء ) من حيث وجوده واستيفائه للشروط الشكلية التى يتطلبها القانون وهو الأمر الذى يخرج عن ولاية هيئة التحكيم ويدخل في الاختصاص الولائي الحصري لمحاكم مجلس الدولة المصري بموجب أحكام الدستور المصري في مادته رقم (190) والفقرتين الخامسة والرابعة عشرة من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 المعدل والتي خولت محاكم مجلس الدولة وحدها ولاية الرقابة على مشروعية القرارات الإدارية وهو الاختصاص المتعلق بالنظام العام وفق حكم المادة (109) من قانون المرافعات المصري وأكدته العديد من المبادئ التي أرستها أحكام المحاكم العليا المصرية باعتبار أن ذلك يتعلق بأسس وضمانات التقاضي في النظام القضائي المصري والذى لا يتصور أن يكون قد غاب عن خبرة أغلبية المحكمين التي كان يتعين عليها من تلقاء نفسها ولو لم يتم إثارة هذه المسألة أمامها، أن تمسك عن الفصل فيها وأن توقف الإجراءات حتى يصدر فيها حكم نهائي من جهة الاختصاص إعمالاً لحكم المادة (46) من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 المعدل - سالف البيان - باعتبار أن وجود هذا القرار واستيفائه للشروط الشكلية متى تطلبها القانون هي مسألة أولية تخرج عن ولاية هيئة التحكيم ولازمة للفصل في موضوع الدعوى التحكيمية لتضمن عقد التسوية المؤرخ 5/ 5/ 2009 وملحقيه محل قرار مجلس الوزراء المشار إليه، لتعديلات في عقد الامتياز وفق ما أكده أغلبية المحكمين بأسباب حكمهما والواردة بالبند رقم (910) من أن " أغلبية المحكمين لا يساورها أدنى شك في أن اتفاق التسوية قد عدل من شروط وأحكام عقد الامتياز وفى أمور تعتبر جوهرية." إلا أن أغلبية هيئة التحكيم تجاهلت تلك المبادئ ومضت إلى الفصل في مدى وجود القرار الإداري لرئاسة مجلس الوزراء بالموافقة على عقد التسوية وملحقيه، وتوافقه والإطار الشكلي وفق المادة 4 مكرر سالفة البيان وهو ما يخرج عن ولايتها ويبطل حكمها محل دعوى البطلان، وهو ما تقضي به المحكمة إعمالاً لحكم الفقرة الثانية من المادة (53) من قانون التحكم رقم 27 لسنة 1994 المعدل ، ومن ناحية أخرى وإن كانت دعوى بطلان حكم التحكيم لا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع أو تعييب قضاء المحكمين بشأن تقديرهم وتفسيرهم للنصوص أصابوا أم أخطأوا ، إلا أنه إذا انطوى ذلك على مخالفة لمبادئ وأسس النظام العام ، يتعين التصدي له إعمالاً لحكم المادة ( 53/ 2 ) من قانون التحكيم سالف البيان، وكان المقرر أن العلاقة بين أطراف العقد الخاضع لروابط القانون الخاص تقوم على أساس من التكافؤ والمساواة بين مصالح الأطراف بينما العلاقة بين طرفي العقد الإداري المرتبط بنشاط المرفق العامة ، وكان أحد أطراف العقد جهة الإدارة كسلطة عامة تضطلع بتحقيق غاية حيوية وجوهرية هي الأساس في منح جهة الإدارة ( الطاعنة ) في مثل هذا النوع من العقود ومنها عقد النزاع - عقد الأشغال العامة والتزام المرافق العامة - سلطات وصلاحيات واسعة في الإشراف والتوجيه والرقابة والتعديل للشروط والفسخ بالإرادة المنفردة والتي تجد تبريرها في تلك الغاية وهى حسن سير واستمرار وانتظام المرفق العام تحقيقاً للصالح العام وعلى ذلك فمصالح أطراف هذا النوع من العقود تكون غير متكافئة لتغليب الصالح العام على المصلحة الخاصة للمتعاقد مع جهة الإدارة التي لا يجوز لها - من جانب آخر وعلى ما سبق بيانه - التنازل عن تلك السلطات والصلاحيات كونها ليست حقوقاً مالية أو تقبل الصلح وبهذه المثابة فهي أمر يتعلق بالمبادئ الأساسية للنظام العام. وعلى ذلك لا ينبغي تجاهلها ويتعين استصحابها عن تقدير مسلك والتزامات جهة الإدارة المترتبة على العقد وهو الأمر الملزم لمحاكم الدولة وكذلك هيئات التحكيم تعمله من تلقاء نفسها لتعلقه بالنظام العام - على النحو سالف البيان - فإذا ما تم هجر تلك المبادئ والقواعد الأساسية والحيوية الحاكمة لهذا النوع من العقود ومنها عقد النزاع والاعتداد بعلاقات متكافئة بين طرفيه فإن ذلك يعد إخلالاً بمبادئ وأسس جوهرية وحيوية تتعلق بالنظام العام، وإذ كان ما تقدم وكان حكم التحكيم محل دعوى البطلان وإن كان قد اعتد بما تقدم من مبادئ وسلطات لجهة الإدارة ( المدعية ) عند بحثه للمنازعة بشأن التزامات الطرفين المتعلقة بعرض الحوض وعرض الشرخ لرصيف الميناء باعتبارها أمر يرتبط بهيئة حكومية مبتغاها ضمان وديمومة محطة الحاويات " المرفق العام " على ما تضمنته أسباب الحكم في البنود ( 943 إلى 964 ) إلا أنه وعند بحثه لباقي الالتزامات الواردة بعقد الامتياز تجاهل استصحاب تلك المبادئ والسلطات المخولة للمدعية بموجب العقد المشار إليه - وعلى النحو السابق تفصيله - خاصة عند بحثه للمنازعة بشأن مسألة خطاب الإقرار الموقع من المدعية بتاريخ 5/ 5/ 2009 وكذلك منح حق التدخل للجهات المقرضة عند تقاعس المدعى عليها عن السداد ( البند 841 وما بعده )، فتناولتها في إطار من علاقات متكافئة بين الطرفين مثل تلك المتولدة عن علاقات القانون الخاص مهدرة ما لعقد النزاع - باعتباره عقد من عقود التزام المرافق العامة - من ارتباط بتسيير ونشاط مرفق عام هو محطة حاويات ميناء دمياط محل عقد النزاع ولم تضع هيئه التحكيم في اعتبارها أن منح حق التدخل للمقرضين ضماناً لحقوقهم ينصب على محطة الحاويات والتي هي مشروع لمرفق عام يمثل أمراً حيوياً وجوهرياً يمس مصالح متعددة منها الاقتصادي ومنها ما يتصل بالأمن القومي يستوجب الدراسة واتباع القواعد والنظم القانونية التي تحكم منح هذه الحقوق والتي تقيد جهة الإدارة في إصدار قرارها في هذا الخصوص لا سيما وأنه ليس التزاماً تعاقدياً وفقاً لبنود عقد النزاع وإنما معلق على موافقة المدعية في ضوء الغاية من التعاقد وهى تحقيق الصالح العام فضلاً عن أن منح حق التدخل - من ناحية أخرى - ليس أمراً روتينياً كما أشار حكم التحكيم إلا في العلاقات التي تحكمها روابط القانون الخاص التي تقوم - وفق ما سلف بيانه - على مبدأ تكافؤ المصالح والذى اتخذه حكم التحكيم أساساً لقضائه بما انطوى على إهدار واستبعاد لما للمدعية كجهة إدارية من السلطات والصلاحيات التي سلف الإشارة إليها وهى عنصراً حيوياً وجوهرياً يتعلق بالنظام العام يترتب على مخالفة حكم التحكيم له بطلانه وهو ما تقضي به المحكمة عملاً بحكم المادة (53/ 2) من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 المعدل عن هذا الشق أيضاً.
ولما تقدم يتعين القضاء ببطلان حكم أغلبية المحكمين الصادر بتاريخ 9/ 2/ 2020 بطلاناً يمتد ليشمل كل أجزائه لارتباطها الوثيق وابتناء كل جزء منها على الآخر بما يجعله غير قابل للتجزئة.
لــذلـك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه في الطعنين وألزمت المطعون ضدها فيهما المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وحكمت في موضوع دعوى البطلان رقم 48 لسنة 137 قضائية محكمة استئناف القاهرة ببطلان حكم التحكيم الصادر في الدعوى التحكيمية رقم (C-21413/ DDA) 21341/ MCP/ DDA/ AYZ) محكمة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية (I.C.C.) والصادر بالقاهرة كمقر للتحكم بتاريخ 9 فبراير2020 بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، بطلاناً كلياً وألزمت المدعى عليها المصروفات ومبلغ مائة وخمسة وسبعين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق