الدعوى رقم 4 لسنة 40 ق "دستورية" جلسة 9 / 10 / 2021
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة وعضوية السادة
المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور
عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب
رئيس المحكمة .
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع مــــن أكتوبر سنة 2021م،
الموافق الثاني من ربيع الأول سنة 1443 هـ.
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 4 لسنة 40
قضائية "دستورية".
المقامة من
عباس سيد عباس محمد
ضد
1 - رئيس الجمهورية
2 - رئيس مجلس النواب
3 - وزير العدل
4 - النائب العام
5 - عطية ملاك فانوس
--------------
" الإجراءات "
بتاريخ الخامس عشر من يناير سنة 2018، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نصى المادتين (163،
222) من القانون المدني. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم،
أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها. ونُظرت
الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
--------------------
" المحكمـــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق -
في أن المدعى كان قد تقدم بتاريخ 7/ 11/ 2015، بطلب لقاضي الأمور الوقتية بمحكمة
بنى سويف الابتدائية، لاستصدار أمر أداء، قيد برقم 38 لسنة 2005، بإلزام المدعى
عليه الأخير بأن يؤدى له مبلغ مائتين وخمسين ألف جنيه، على سند من أنه يداينه بهذا
المبلغ بموجب إيصال أمانة. رفض القاضي إصدار الأمـــر، وحدد لنظر الموضوع جلسة 8/
12/ 2015، أمام المحكمة المختصة، وقيدت الدعوى أمام محكمة بنى سويف الابتدائية
برقم 3104 لسنة 2015 مدنى كلى، وحدد المدعى طلباته فيها، بإلزام المدعى عليه
الأخير بأن يؤدى له المبلغ المشار إليه، وأثناء نظر الدعوى طعن المدعى عليه الأخير
بالتزوير على إيصال الأمانة سند الدعوى، وبجلسة 26/ 1/ 2016، قضت المحكمة بندب قسم
أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي بالقاهرة لمباشرة المأمورية الواردة
بمنطوق الحكم. باشر الخبير المأمورية، وأودع تقريره عنها، خلص فيه إلى أن المدعى
عليه الأخير هو الكاتب بخط يده لتوقيعيه الثابتين بالإيصال، وكذا بيان اسمه
المناظر بصلب السند، إلا أن التوقيعين وبيان الاسم المناظر، وكذا بيان رقم البطاقة
قد اختلسا، حيث إنها قد جاءت على عبارات أخرى تم إزالتها حراريًا، وتم بناء
الإيصال عليها باستخدام إحدى الطابعات الإلكترونية، وحررت باقي البيانات الواردة
بصلب الإيصال، لتصبح جزءًا منه.
وبتاريخ 28/ 6/ 2016، أقام المدعى عليه الأخير دعوى فرعية، ضد المدعى،
بطلب إلزامه بأداء مبلغ خمسمائة ألف جنيه، تعويضًا نهائيًا عن الأضرار المادية
والأدبية التي أصابته من جراء تزوير إيصال الأمانة المشار إليه. وبجلسة 27/ 9/
2016، قضت المحكمة برد وبطلان إيصال الأمانة موضوع الطعن بالتزوير، وإعادة الدعوى
للمرافعة لجلسة 25/ 10/ 2016، ليتناضل الخصوم في موضوع الدعوى.
وبجلسة 29/ 11/ 2016، قضت المحكمة برفض الدعوى الأصلية، وبقبول الدعوى
الفرعية شكلاً، وفي الموضوع بإحالتها للتحقيق ليثبت المدعى بكافة طرق الإثبات أن
فعل المدعى يُعد خطأ من جانبه أصابه بأضرار، مع بيان نوع الضرر، والتعويض الجابر
له، وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر. وباشرت المحكمة التحقيق في الدعوى طبقًا لما
ورد بمنطوق حكمها، وبجلسة 31/ 1/ 2017، قضت بإلزام المدعى بأداء مبلغ أربعين ألف
جنيه للمدعى عليه الأخير، تعويضًا ماديًا وأدبيًا عن الأضرار التي أصابته. وإذ لم
يلق قضاء المحكمة في الدعويين الأصلية والفرعية قبول طرفي الخصومة، فقد طعنا عليه
أمام محكمة استئناف بنى سويف، بالاستئنافين رقمي 338 و358 لسنة 55 قضائية مدنى،
وقررت المحكمة ضمهما للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وأثناء نظرهما تقدم المدعى
بجلسة 11/ 11/ 2017، بمذكرة، دفع فيها بعدم دستورية نصى المادتين (163 و222) من
القانون المدني، فقررت المحكمة بهذه الجلسة تأجيل نظر الدعوى لجلسة 18/ 1/ 2018،
لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، وتقديم ما يفيد ذلك، فأقام المدعى دعواه
المعروضة، بطلباته المتقدمة.
وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى
للتجهيل بالنص التشريعي المطعون فيه، فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه لا يلزم
أن يكون تعيين النص المطعون فيه مباشرًا، وإنما يكفى لتحديده أن يكون المدعى أو
حكم الإحالة، قد أبان عنه ولو بطريق غير مباشر. متى كان ذلك، وكان الثابت من
الأوراق أن المدعى تقدم أثناء نظر الاستئنافين رقمي 338 و358 لسنة 55 قضائية
بمذكرة، دفع فيها بعدم دستورية نصى المادتين (163، 222) من القانون المدني، وكان
تقدير محكمة الموضوع لجدية هذا الدفع، وتصريحها بإقامة الدعوى الدستورية، قد انصب
في حقيقته على هذين النصين، وقد توجهت إليهما حقيقة طلبات المدعى التي ضمنها صحيفة
دعواه المعروضة، وقصد إلى اختصامهما فيها، مما مؤداه أن صحيفة هذه الدعوى تكون
استوفت البيانات الجوهرية التي أوجبت المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية
العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تضمينها صحيفة الدعوى. ولا ينال من ذلك
الخطأ المادي في رقم النص التشريعي المطعون فيه، الواقع من محكمة الموضوع بمحضر
جلسة 11/ 11/ 2017، أو بصحيفة الدعوى المعروضة، بالإشارة إلى المادة (136)، الذى
تلتفت عنه المحكمة، بعد أن حدد المدعى حقيقة مقصده في اختصام نص المادة (163) من
القانون المدني، وذلك بالمذكرة المقدمة منه إلى محكمة الموضوع بالجلسة المشار
إليها، التى ضمنها دفعه بعدم الدستورية، وكذلك بإيراد مضمون نص هذه المادة بمدونات
صحيفة دعواه المعروضة، والطلبات الختامية الواردة بها، الأمر الذى يكون معه الدفع
بعدم قبول الدعوى في غير محله، حريًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المادة (163) من القانون المدني تنص على أن: " كل خطأ
سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ". وتنص المادة (222) من هذا
القانون على أن : 1 - يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضا، ولكن لا يجوز في هذه الحالة
أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق، أو طالب الدائن به أمام القضاء. 2
- ومع ذلك لا يجوز الحكم بتعويض إلا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما
يصيبهم من ألم جراء موت المصاب. وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء
المصلحة، المبدى من هيئة قضايا الدولة، فهو مردود : ذلك أن المصلحة الشخصية
المباشرة، وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها - على ما جرى به قضاء هذه
المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية،
وذلك بأن يكون الحكم في الدعوى الدستورية مؤثرًا في الطلبات المرتبطة بها،
والمطروحة على محكمة الموضوع.
لما كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع بالنسبة للدعوى
الفرعية، المقامة من المدعى عليه الأخير - وهو نفسه المضرور - ضد المدعي، قد انصب
على طلب الحكم بإلزامه بأداء مبلغ (50000) جنيه، كتعويض عن الأضرار المادية
والأدبية التي أصابته من القيام بتزوير إيصال الأمانة موضوع الدعوى الأصلية،
ونسبته إليه، التي قضت فيها محكمة بنى سويف الابتدائية بجلسة 31/ 1/ 2017، بإلزام
المدعى بأداء مبلغ (40000) جنيه، كتعويض للمدعى عليه الأخير، عن الأضرار المادية
والأدبية التي أصابته، وهو محل كل من الاستئنافين رقمي 338 و358 لينة 55 قضائية
مدنى بنى سويف. وكانت المادة (163) من القانون المدني قد تناولت بالتنظيم الأحكام
العامة للمسئولية التقصيرية، مقررة إلزام كل من ارتكب خطأ سبب ضررًا للغير بتعويض
المضرور عنه. وكان صدر الفقرة الأولى من المادة (222) من القانون ذاته، فيما نصت
عليه من أن " 1- ويشمل التعويض الضرر الأدبي أيضًا"، هو الحاكم لاستحقاق
التعويض عن الضرر الأدبي، دون باقي أحكام تلك المادة، التي تتعلق بقواعد انتقال
الحق في التعويض عن هذا الضرر إلى الغير، وذلك بمقتضى اتفاق، أو إذا طالب به
الدائن أمام القضاء، وكذا تحديد المستحقين له من الأزواج والأقارب حتى الدرجة
الثانية، عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب، ومن ثم فإن القضاء في دستورية نص
المادة (163)، وصدر الفقرة الأولى من المادة (222) المشار إليهما، في حدود الإطار
المذكور، سيكون ذا أثر وانعكاس أكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها،
وقضاء محكمة الموضوع فيها، لتضحى بذلك المصلحة الشخصية المباشرة متحققة بالنسبة
لهما، دون باقى أحكام نص المادة (222) من القانون المدني السالفة الذكر، مما يتعين
معه القضاء بقبول الدعوى بالنسبة لهذين النصين في حدود النطاق المتقدم، وبعدم
قبولها فيما جاوز ذلك.
وحيث إن المدعى ينعى على النصين المشار إليهما - في حدود النطاق
المتقدم - مخالفته نصى المادتين (2، 97) من دستور سنة 2014، بقالة مخالفتهما
لأحكام الشريعة الإسلامية، وحق التقاضي، من حيث مناط استحقاق التعويض عن الضرر
ومقداره ومداه والقضاء به، وما يستلزمه ذلك من وجوب صدور حكم بات يثبت الخطأ كأحد
عناصر المسئولية التقصيرية، وقيام علاقة السببية بينه وبين الضرر، كشرط لاستحقاق
التعويض. فضلاً عن ما يمثله التعويض عن الضرر الأدبي من تعويض رمزي، عن ما يلحق
الشخص من أضرار، تشمل كل ما يؤذى الإنسان في شرفه واعتباره أو يصيب عاطفته وإحساسه
ومشاعره، وبالتالي فإن تقدير القاضي له يجب أن يخضع لظروف الحال، بحيث لا يكون
سبيلاً لإثراء المضرور بلا سبب، أو بناء على غش، وهو ما لم يكفله النص المطعون
فيه. كما نعى المدعى على هذين النصين مخالفة المواثيق والمعاهدات الدولية. وحيث
إنه عن نعى المدعى مخالفة كل من النصين المطعون فيهما للمواثيق والمعاهدات
الدولية، فقد جاء مجهلاً، دون تحديد المواثيق والمعاهدات الدولية المُدعى
مخالفتهما لها، هذا فضلاً عن أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية لا تعتبر جزءًا من
دستور جمهورية مصر العربية، وإنما تكون لها بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها،
وفقًا للأوضاع المقررة، قوة القانون. ومن ثم فإن الفصل فيما إذا كان النصان
المطعون فيهما قد وقعا بالمخالفة لها، هو مما يخرج عن ولاية المحكمة الدستورية
العليا، التي مناطها - على ما جرى به قضاؤها - مخالفة النص لقاعدة تضمنها الدستور،
ولا شأن لها بالتعارض بين نصين قانونيين جمعهما قانون واحد أو تفرقا بين قانونين
مختلفين، ما لم يكن هذا التعارض منطويًا بذاته على مخالفة دستورية، مما يتعين معه
الالتفات عن هذا النعي.
وحيث إنه عن نعى المدعى مخالفة نص المادة (163) من القانون المدني
لمبادئ الشريعة الإسلامية، ونص المادة الثانية من الدستور، فإنه مردود: ذلك أن
قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية
المصدر الرئيسي للتشريع، طبقًا لنص المادة الثانية من الدستور الصادر سنة 1971،
بعد تعديلها بتاريخ 22/ 5/ 1980 - وتقابلها المادة الثانية من الدستور الحالي
الصادر سنة 2014 - لا ينصرف سوى إلى التشريعات التي تصـدر بعد التاريخ الذى فرض
فيه هذا الإلزام، بحيث إذا انطوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية،
يكون قد وقع في حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ،
فلا يتأتى إعمال حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها، لصدورها فعلاً من قبله، أي
في وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائمًا، واجب الإعمال، ومن ثم فإن هذه
التشريعات تكون بمنأى عن إعمال هذا القيد، وهو مناط الرقابة الدستورية، وهو القيد
الذى يبقى قائمًا وحاكمًا لتلك التشريعات، بعد أن ردد الدستور الحالي الصادر سنة
2014 الأحكام ذاتها في المادة الثانية منه. متى كان ذلك، وكان نص المادة (163) من
القانون المدني الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 لم يلحقه أى تعديل بعد التاريخ
المشار إليه، ومن ثم فإن النعي على هذا النص مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية،
والمادة الثانية من الدستور - أيا كان وجه الرأى في تعارضها مع مبادئ الشريعة
الإسلامية - يكون في غير محله، حقيقًا بالرفض.
وحيث إنه عن نعى المدعى مخالفة نص المادة (222) من القانون المدني -
في حدود نطاقها المتقدم - لمبادئ الشريعة الإسلامية، ونص المادة الثانية من دستور
سنة 1971 - ويقابلها المادة الثانية من الدستور الحالي - فإنه مردود: ذلك أن هذه
المحكمة سبق لها أن قضت بحكمها الصادر بجلسة 4/ 4/ 1987، في الدعوى رقم 70 لسنة 6
قضائية "دستورية"، برفض الدعوى، المقامة طعنًا على نص الفقرة الأولى من
المادة (222) من القانون المدني، ونشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم
(16) بتاريخ 16/ 4/ 1987، وكان مبنى الطعن الوحيد الذى اقتصرت في قضائها المذكور
على التصدي له، هو مخالفة ذلك النص للمادة الثانية من الدستور، ومبادئ الشريعة
الإسلامية، وأسست القضاء المتقدم على أن القيد المقرر بمقتضى النص المار ذكره بعد
تعديله بتاريخ 22/ 5/ 1980، المتضمن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة
الإسلامية، لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة عليه، وأن الفقرة الأولى من
المادة (222) المطعون فيها لم يلحقها أي تعديل بعد التاريخ المشار إليه، وأن النعي
عليها بمخالفـة نص المادة الثانية من الدستور يكون في غير محله. غير أن قضاء هــذه
المحكمة في الدعـوى السالف ذكرها لا يعتبر - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة -
مطهرًا لذلك النص مما قد يكون عالقًا به من مثالب أخرى، ولا يحول بين كل ذي مصلحة
وإعادة طرحه على المحكمة لأوجه مخالفة أخرى غير ما تقدم، الأمر الذى يضحى معه
الدفع بعدم قبول الدعوى المبدى من هيئة قضايا الدولة، على سند من سابقة الفصل في دستورية
هذا النص في الدعوى رقم 70 لسنة 6 قضائية " دستورية" السالفة الذكر، في غير
محله، حقيقًا بالالتفات عنه.
وحيث إنه عن نعى المدعى على النصين المطعون فيهما مخالفتهما لنص
المادة (97) من الدستور الحالي، فهو مردود: ذلك أن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن
الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق - ومن بينها حق التقاضي - أنها سلطة
تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع
محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها،
وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه،
إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي
التزامها. وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التنظيم التشريعي لحق التقاضي -
الذى كفلة الدستور الحالي في المادة (97) منه - وكلما كان منصفًا، لا يناقض وجـود
هذا الحق ولا يقتحم الدائرة التي يتنفس فيهـا، وأن هذا التنظيم لا يتقيد بأشكال
جامدة لا يريم المشرع عنها، تُفرغ قوالبهــا في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز
أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء الأوضاع التي
يباشر هذا الحق عملاً في نطاقها، وبما لا يصل إلى حد إهداره، ليظل هذا التنظيم
مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن
أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا
بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن حق التقاضي يفترض ابتداء وبداهة أن
لكل شخص _ وطنيًا أو أجنبيًا _ نفاذًا ميسرًا إلى الجهات القضائية على اختلافها،
فلا توصد أي منها أبوابها في وجهه، بل يكون الفصل في الخصومة التى يطرحها عليها
مقتضيًا عرضها علي محكمة تتوافر لها، ومن خلال حيدتها واستقلالها وحصانة أعضائها،
وعلى ضوء الأسس الموضوعية لضماناتها العملية، المقاييس المعاصرة، التي توفر لكل
شخص حقًا مكتملاً فيه مع غيره، في مجال الفصل في الحقوق التي يدعيها إنصافًا، وعلانية،
وخلال مدة لا تستطيل دون مبرر، وبمراعاة أن تشكيل المحكمة وقواعد تنظيمها، وطبيعة
الضوابط الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها، هي التي تقيم
لها صحيح بنيانها.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن لحق التقاضي غاية نهائية
يتوخاها، تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر
الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يدعونها، وتندمج هذه
الترضية _ بافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون _ في الحق في التقاضي،
باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، لأنها ترتبط بصلة وثيقة بالأغراض النهائية التي
تستهدفهــا الخصومة القضائية، ذلك أن هذه الخصومة لا يقيمها ذوو الشأن فيها للدفاع
عن مصالح عقيمة نظرية في طبيعتها وخصائصها، وإنما غايتها اقتضاء منفعة يقرها
القانون، وبها تتحقق للخصومة جوانبها العملية، فلا تعمل في فراغ.
وحيث إن البين من استعــراض الأحكام التي تضمنها نص المادة (163) من
القانون المدني، أنه قد وضع المبدأ العام في المسئولية التقصيرية، فاستظهر - على
ما أوضحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون - حكم تلك المسئولية في عناصرها الثلاثة،
الخطأ والضرر، ثم علاقة السببية التي تقوم بينهما. وثبوت تلك العلاقة شرطً لازمً
لقيام هذه المسئولية، والقضاء تبعًا لذلك بالتعويض الجابر للضرر. وتقوم المسئولية
التقصيرية على الإخلال بالتزام قانوني يفرض على الكافـة عــدم الإضرار بالغير،
ومخالفة هذا النهى يُشكل عنصر الخطأ، ولا يمكن حصر صوره في بيان جامع مانع، مما
استوجب ترك تحديده لتقدير القاضي، وقوامه كل عمل غير مشروع ألحق ضررًا بحقوق
الغير، يستوى في ذلك أن يكون ضررًا ماديًا أو أدبيًا. والأصل في المسئولية
التقصيرية، بوجه عام - كما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدني - أن تناط بخطأ
يقام الدليل عليه، لذلك ألقى عبء الإثبات فيها على عاتق المضرور. وليبقى استخلاص
الفعل المكون للخطأ، وعلاقة السببيـــة بين الخطأ والضرر، وتحديد التكييف القانوني
للفعل، وما إذا كان يُكَوّن عنصر الخطأ في مجال المسئولية التقصيرية، أم ينتفى عنه
هذا الوصف، وتعيين العناصر المكونة للضرر، التي يجب أن تدخل في حساب التعويض،
وتقديره بما يتكافئ مع هذا الضرر، هي من المسائل التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع
في ضوء القواعد الضابطة لتلك المسئولية، والتحقق من ثبوتها بعناصرها المختلفة، التي
تسهم في تكوين عقيدة القاضي في هــــذا الشأن. مما مؤداه أن التنظيم الذى تضمنه نص
المادة (163) من القانون المدني، إنما يمثل الإطار العام الحاكم لقيام المسئولية
التقصيرية، وشكلاً للحماية القضائية التى ارتضاها المشرع سبيلاً لحماية حق المضرور
في التعويض عن ما أصابه من أضرار من جراء خطأ الغير، في صورته الأكثر اعتدالاً.
والبديل الذى اختاره المشرع، وقدر مناسبته لتحقيق الترضية القضائية المبتغاة من سن
تلك الأحكام، هو مما يدخل تقريره في نطاق السلطة التقديرية للمشرع في مجال تنظيم
حق التقاضي، ولم يتجاوز فيه نطاق القيد العام الذى ضمنه الدستور نص المادة (92)
منه، وبموجبه لا يجوز للقانون الذى يتناول الحق أو الحرية بالتنظيم أن يقيدها بما
يمس أصلها وجوهرها، وليبقى دومًـــا استقرار هذه المسئولية والتعويض المقضي به،
خاضعًا للنصوص القانونية المنظمة لطرق الطعن في الأحكام القضائية، الأمر الذى يضحى
معه نعى المدعى على هذا النص مخالفة نص المادة (97) من الدستور في غير محله،
خليقًا بالرفض.
وحيث إن صدر الفقرة الأولي من المادة (222) من القانون المدني تنص على
أن " (1) يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضًا"، ومفاد ذلك أن المشرع عمد
إلى تقرير حق المضرور في التعويض عن الضرر الأدبي إلى جانب التعويض عن الضرر المادي
الذى أصابه، وذلك بعد أن "استقر الرأي في العصر الحاضر - على ما جاء بالمذكرة
الإيضاحية للقانون المدني _ على وجوب التعويض عن الضرر الأدبي بوجه عام، بعد أن
زال ما خامر الأذهان من عوامل التردد في هذا الصدد"، مما مؤداه أن المشرع قد
استهدف بهذا النص تحقيق الترضية القضائية للمضرور، بتعويضه عن الضرر الأدبي، الذي
يصيب مصلحة غير مالية للشخص. ولا يوجد معيار لحصر أحوال التعويض عن الضرر الأدبي،
فيتسع ليشمل كل ما يؤذي الإنسان في شرفه واعتباره، أو يصيب عاطفته وإحساسه
ومشاعره، ويجب أن يكون هذا الضرر محققًا كالضرر المادي. وعلى ذلك فإن تعيين
العناصر المكونة للضرر الأدبي، التي يجب أن تدخل في حساب التعويض، وسلطة القاضي في
تقديره، هي من المسائل القانونية التي عني المشرع بتنظيمها، ووضع الضوابط الحاكمة
لاستحقاق هذا التعويض، والقضاء به، بحيث يراعى في تقديره أن يتكافئ مع الضرر،
جابرًا له، أو بديلاً عنه، بما يحقق العدل، الذى اعتمده الدستور في المادة (4)
منه، كأساس لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، ويحول دون أن يكون تقريره سبيلاً
لإثراء المضرور بلا سبب على حساب المسئول عن الخطأ، ودون إخلال بحق المسئول في دفع
مسئوليته عن ذلك بالوسائل القانونية التى يكفلها له حق التقاضي، المقرر بمقتضى نص
المادة (97) من الدستور، وحق الدفاع الذى كفله له الدستور في المادة (98) منه،
ليضحى ما ينعاه المدعى على هذا النص مخالفته لنص المادة (97) من الدستور، في غير
محله، وغير قائم على أساس سليم، حقيقًا بالرفض.
وحيث إن النصين المطعون فيهما لا يتضمنان مخالفة لأى نص آخر في الدستور،
الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات،
ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق