جلسة 29 من ديسمبر سنة 1982
برياسة السيد المستشار/
محمد وجدى عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ ابراهيم حسين
رضوان، حسين كامل حنفى، محمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسى.
-------------
(223)
الطعن رقم 2014 لسنة 52
القضائية
1 - حكم "تسبيبه.
تسبيب معيب". أسباب الإباحة "الدفاع الشرعي".
حالة الدفاع الشرعي. مناط
توافرها؟
تجريد المجنى عليه من آلة
العدوان وطعنه بها تنتفى بها حالة الدفاع الشرعي. حد ذلك؟
2 - دعوى مدنية. مسئولية
جنائية. ضرر. أسباب الإباحة "الدفاع الشرعي".
صدور خطر من المضرور
واستلزم الفعل الضار. مؤداه انتفاء مسئولية المتهم مادام لم يجاوز في دفاعه القدر الضروري.
أثر ذلك: وجوب رفض الدعوى المدنية. م 166 مدنى.
-------------
1 - من المقرر قانونا أن
حالة الدفاع الشرعي تتوافر بوقوع فعل إيجابي يخشى منه المتهم وقوع جريمة من
الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي سواء وقع الاعتداء بالفعل أو بدر من المجنى
عليه بادرة اعتداء تجعل المتهم يعتقد لأسباب معقولة وجود خطر حال على نفسه أو على
نفس غيره أو ماله، أنه وان كان الأصل أن تجريد المجنى عليه من آلة العدوان ثم طعنه
بها يعد محض عدوان ولا يعد من قبيل الدفاع الشرعي، إلا أنه اذا كان تجريد المجنى
عليه من آلة العدوان ليس من شأنه - بمجرده - أن يحول دون مواصلة العدوان، فأنه يحق
للمعتدى عليه أن يستعمل القوة اللازمة لدرئه مع الأخذ في الاعتبار ما يحيط
بالمدافع من مخاطر وملابسات تتطلب منه معالجة الموقف على الفور مما لا يصح معه
محاسبته على مقتض التفكير الهادئ المتزن الذى كان يتعذر عليه وهو محفوف بالمخاطر.
2 - لما كان الفعل الضار
الصادر عن المتهمة، لم يدفع إليه ضرر خارجي، وإنما استلزمه خطر صادر من المضرور
نفسه، فهو بذاته محدث ذلك الخطر الذى توفرت به حالة الدفاع الشرعي عن النفس، فان
مسئولية المتهمة تنتفى بتاتا، ما دامت لم تجاوز في دفاعها القدر الضروري، بما يوجب
رفض الدعوى.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعنة بأنها (أولا) قتلت....... عمدا بأن طعنته في صدره بمدية وأطلقت عليه عيارا
ناريا من مسدس قاصدة بذلك قتله فأحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة
التشريحية والتي أودت بحياته. (ثانيا) أحرزت بدون ترخيص سلاحا ناريا مششخنا
(مسدس). (ثالثا) أحرزت ذخائر "ثلاث طلقات" مما تستعمل في السلاح الناري
آنف البيان دون ان يكون مرخصا لها بحيازتها أو إحرازها. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتها
إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك.
فأدعى المدعون بالحق المدني مدنيا قبل المتهمة بإلزامها بدفع مبلغ قرش صاغ واحد
على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من
قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954
المعدل بالقانونين رقم 546 لسنة 1954، ورقم 57 لسنة 1958 والبند ( أ ) من القسم
الأول من الجدول رقم 3 الملحق بمعاقبة المتهمة بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة
عما اسند إليها وبإلزامها بان تدفع للمدعين بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على
سبيل التعويض المؤقت. فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض. وبتاريخ 12
نوفمبر سنة 1980 قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون
فيه فيما قضى به في الدعويين الجنائية والمدنية وبإعادة القضية إلى محكمة جنايات
الجيزة للفصل فيها مجددا من دائرة أخرى والزمت المدعين بالحقوق المدنية المصاريف
المدنية ومبلغ عشرين جنيها مقابل أتعاب للمحاماة. ومحكمة جنايات الجيزة (بدائرة
أخرى) قضت حضوريا أولا: في الدعوى الجنائية بمعاقبة المتهمة بالأشغال الشاقة لمدة
عشر سنوات. ثانيا: في الدعوى المدنية بإلزامها بان تدفع للمدعين بالحق المدني مبلغ
قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف.
فطعنت المحكوم عليها في هذا
الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية) وقضت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع
بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة لنظر الموضوع.
المحكمة
من حيث إن النيابة العامة
أسندت إلى المتهمة أنها بتاريخ 5 نوفمبر سنة 1977 أولا: قتلت زوجها..... عمدا بأن
طعنته في صدره بمدية وأطلقت عليه عيارا ناريا من مسدس فأحدثت به الإصابات الموصوفة
بتقرير الصفة التشريحية التي أودت بحياته. ثانيا: أحرزت سلاحا ناريا مششخنا
"مسدسا" بدون ترخيص. ثالثا: أحرزت ثلاثة طلقات مما يستعمل في السلاح الناري
دون أن يكون مرخصا لها بأحرازه وركنت النيابة العامة في أثبات الاتهام إلى أقوال
المتهمة في التحقيقات وتقرير الصفة التشريحية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى
تجعل فيما أبلغت به المتهمة أن زوجها المجنى عليه قد داب على ضربها وتهديدها بإطلاق
النار عليها، وفى صباح يوم الحادث شجر بينهما خلاف فضربها ثم حاول أن يطعنها بسكين
في رقبتها فقاومته لتدرأ عدوانه فأصيب في صدره نتيجة التماسك فهم بالتقاط مسدس من
فوق السرير بيد أنها سبقته إليه فتوجه صوب بندقية معلقة فوق الحائط فأطلقت عليه
عيارا من المسدس إصابة في رأسه. وقد تبين من تقرير الصفة التشريحية أن المجنى عليه
أصيب في مؤخرة الرأس من عيار ناري معمر بمقذوف مفرد يتعذر تحديد نوعه وعياره أطلق
عليه من مسافة تجاوز مسافة الإطلاق القريب ونظرا لان الرأس عضو متحرك فأنه يتعذر
فنيا تحديد اتجاه الإطلاق على وجه الدقة وان كان المقذوف قد اتخذ مسارا أساسيا في الرأس
من الخلف إلى الأمام ويميل بسيط لأعلا وانحراف قليل إلى اليسار، كما أصيب بثلاث إصابات
طعنية بالصدر نفذت اثنتان منها إلى تجويف الصدر محدثة تمزقات بالقلب والرئة اليمنى
ومن الجائز حدوثهما بعد تمكن المتهمة من آلة الاعتداء، ولم تنفذ الثالثة وهى جائزة
الحدوث أثناء التماسك وفق تصويرها، وأنه لا يوجد فنيا ما ينفى احتمال أن المجنى
عليه كان - بعد إصابته بطعنتي الصدر مباشرة - في حالة تسمح له أن يتجه لالتقاط
مسدس من فوق السرير ثم يحاول تناول سلاح معلق فوق الحائط، وتعزى الوفاة إلى إصابة
الرأس وإصابات الصدر مجتمعة. ويتبين من الكشف الطبي على المتهمة أن بها إصابتين
بمقدم أعلا الفخذ ومفصل الركبة اليمنى يجوز حدوثها نتيجة الاعتداء عليها بجسم أو
أجسام صلبة راضة في وقت يتفق وتاريخ الحادث كما تبين أن بها حروقا نارية نتيجة
الكى وكدمات بالفخذ الأيسر وأثار التئام بظهر اليد اليسرى يجوز حدوثها من المصادمة
بجسم صلب ذي حافة كسكين وأثر التئام بالعضد الأيمن يجوز حدوثها من خدش أظافر نتيجة
التماسك وهذه الإصابات قديمة يجوز حدوثها نتيجة الاعتداء عليها في تواريخ مختلفة
سابقة على الحادث.
ومن حيث إن كلا من......
عن نفسه وبصفته وليا شرعيا على القاصرة..... ادعى مدنيا بمبلغ قرش صاغ على سبيل
التعويض المؤقت.
ومن حيث إن الدفاع عن
المتهمة طلب القضاء ببراءتها لأنها كانت في حالة دفاع شرعي عن نفسها.
ومن حيث أنه من المقرر
قانونا أن حالة الدفاع الشرعي تتوافر بوقوع فعل إيجابي يخشى منه المتهم وقوع جريمة
من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي سواء وقع الاعتداء بالفعل أو بدر من
المجنى عليه بادرة اعتداء تجعل المتهم يعتقد لأسباب معقولة وجود خطر حال على نفسه
أو على نفس غيره أو ماله، أنه وان كان الأصل أن تجريد المجنى عليه من آلة العدوان
ثم طعنه بها يعد محض عدوان ولا يعد من قبيل الدفاع الشرعي، إلا أنه اذا كان تجريد
المجنى عليه من آلة العدوان ليس من شأنه - بمجرده - أن يحول دون مواصلة العدوان،
فأنه يحق للمعتدى عليه ان يستعمل القوة اللازمة لدرئه مع الأخذ في الاعتبار ما
يحيط بالمدافع من مخاطر وملابسات تتطلب منه معالجة الموقف على الفور مما لا يصح
معه محاسبته على مقتض التفكير الهادئ المتزن الذى كان يتعذر عليه وهو محفوف
بالمخاطر. لما كان ذلك، وكان الثابت من أقوال المتهمة - التي تسترسل المحكمة
بثقتها إليها - أن المجنى عليه حاول طعنها بسكين في رقبتها فأمسكت بيده ولوتها مما
أدى إلى إصابته بجرح قطعي في صدره تبين من تقرير الصفة التشريحية أنه جائز الحدوث
أثناء التماسك وفق تصويرها، فإنها تكون في حالة دفاع شرعي، ولا يحول دون ذلك ما
ورد بالتقرير الطبي الشرعي أنه من الجائز أن تكون المتهمة قد طعنت المجنى عليه بعد
ذلك طعنتين في صدره بعد ان تمكنت من السكينة، ذلك أن انتزاع السكين من يده في هذه
الحالة - ليس من شأنه أن يضع حدا لمخاوف المتهمة من مواصلة العدوان عليها، وقد كان
لهذا التخوف أسباب معقولة تتمثل في محاصرتها في حجرة موصدة بها أكثر من سلاح ناري،
ولم ينف التقرير الطبي الشرعي أن يكون المجنى عليه بعد إصابته في صدره - في حالة
تمكنه من أن يحاول تناول المسدس ثم يتوجه لمحاولة تناول البندقية، وقد عزز مخاوفها
أنه سبق أن أعتدى عليها أكثر من مرة مخلفا بها إصابات أثبتها التقرير الطبي الشرعي،
بل ومحاولة الفتك بها منذ نحو ثلاثة أشهر سابقة على الحادث عندما ضربها وألفى بها
من سيارته أثناء عودتهما ليلا إلى منزلهما وهو ما شهد به رئيس المتهمة في العمل
أنها أبلغته به في حينه. لما كان ذلك، فان الظروف التي نشأ عنها حق الدفاع الشرعي
تكون قد توافرت بما يبيح للمتهمة طعن المجنى عليه في صدره بالسكين واطلاق العيار الناري
عليه من المسدس الذى سبقته إليه، إذ كانت بذلك تدرأ عن نفسها خطر عدوان حال خشيت
لأسباب معقولة أن يسفر عن موتها أو إصابتها بجراح بالغة، مما يبيح لها قتل المعتدى
عمدا، وبالتالي أحراز أداة القتل وهى السلاح موضوع التهمتين الثانية والثالثة،
وذلك عملا بنص المادتين 245، 249 أولا من قانون العقوبات، ويتعين من ثم الحكم
ببراءتها مما نسب إليها عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية.
ومن حيث إنه بشأن الدعوى
المدنية، فانه لما كان الفعل الضار الصادر عن المتهمة، لم يدفع إليه ضرر خارجي، وإنما
استلزمه خطر صادر من المضرور نفسه، فهو بذاته محدث ذلك الخطر الذى توفرت به حالة
الدفاع الشرعي عن النفس، فان مسئولية المتهمة تنتفى بتاتا، مادامت لم تجاوز في دفاعها
القدر الضروري، بما يوجب رفض الدعوى عملا بصريح نص المادة 166 من القانون المدني
والزام رافعها مصاريفها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق