الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 يوليو 2017

عدم دستورية التمييز بين المنتهية خدمتهم بالمعاش المبكر عن المنتهية بالمعاش القانوني (السن أو العجز أو الوفاة)

الطعن 61  لسنة 31 ق " دستورية " المحكمة الدستورية العليا جلسة 6 / 5 /2017
منشور في الجريدة الرسمية العدد 19 مكرر أ في 15/ 5/ 2017 ص 14
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من مايو سنة 2017م، الموافق التاسع من شعبان سنة 1438هـ
برئاسة السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة 
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد غنيم وحاتم حمد بجاتو والدكتور محمد عماد النجار نواب رئيس المحكمة 
وحضور السيد المستشار الدكتور/ طارق عبد الجواد شبل رئيس هيئة المفوضين 
وحضور السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر 
أصدرت الحكم الآتي 
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 61 لسنة 31 قضائية "دستورية".

----------
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعي كان قد التحق بالعمل لدى إحدى شركات القطاع العام بتاريخ 1964/1/24، وقدم استقالته وفقا لنظام المعاش المبكر بتاريخ 1984/11/15، وفقا لنص البند (5) من المادة (18) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، ولم يكن عمره حينذاك يجاوز الأربعين سنة، مما أدى إلى انتقاص معاشه عن الأجر الأساسي بنسبة 15% عملا بنص الفقرة الأولى من المادة (23) من القانون المشار إليه، وعدم احتساب معاش عن الأجر المتغير، وفقا لنص الفقرة الثانية من تلك المادة. وإذ ارتأى أن تسوية معاشه عن الأجرين الأساسي والمتغير لم يتم وفق صحيح القانون، فقد تظلم منه بتاريخ 2006/1/30، لدى اللجنة المختصة بهيئة التأمين الاجتماعي، ولرفضها التظلم، أقام بتاريخ 2006/4/9، الدعوى رقم 1845 لسنة 2006 عمال، أمام محكمة المنصورة الابتدائية، ضد المدعى عليهما الثالث والرابع، طالبا الحكم بأحقيته في إعادة تسوية معاشه عن الأجرين الأساسي والمتغير، من تاريخ إحالته إلى المعاش، وصرف ما يستحق له من فروق تأمينية حتى صدور الحكم في الدعوى. وبجلسة 2008/11/27، قضت المحكمة بسقوط حقه بالتقادم الخمسي، إعمالا لنص المادة (1/375) من القانون المدني، لمرور أكثر من عشرين سنة من تاريخ إحالته للمعاش المبكر، وتقديم تظلمه إلى اللجنة المختصة بهيئة التأمين الاجتماعي. ولم يصادف هذا القضاء قبول المدعي، فطعن عليه بالاستئناف رقم 818 لسنة 60 قضائية، أمام محكمة عمال مستأنف المنصورة، طالبا الحكم بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجددا له بطلباته. وحال نظر الاستئناف بجلسة 2009/2/15، دفع بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي المشار إليه، والجدول رقم (8) المرافق له، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة
بتاريخ الثامن من مارس سنة 2009، أو دع المدعي صحيفة هذه الدعوى، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 وتعديلاته، والجدول رقم (8) المرافق له، وأحقيته في تسوية معاشه عن الأجر الأساسي والأجر المتغير، دون خصم أي نسبة منه لفارق السن، وصرف الفروق المستحقة له عن تلك التسوية
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليا بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، واحتياطيا برفضها. وقدمت الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي مذكرة، طلبت فيها الحكم أولا: بعدم قبول الدعوى بشأن الطعن على دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (23) المطعون عليها لسابقة الفصل في دستوريتها في القضية الدستورية رقم 310 لسنة 24 قضائية، بجلسة 2008/5/4، ثانيا: برفض الدعوي بشأن الطعن على دستورية الفقرة الأولى من تلك المادة
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 2017/4/1 إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، مع التصريح بتقديم مذكرات في أسبوع، أودعت خلاله الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي مذكرة، طلبت فيها الحكم أصليا برفض الدعوى، واحتياطيا - في حالة القضاء بعدم الدستورية - إعمال أثر هذا الحكم من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. وأودع كل من المدعي وهيئة قضايا الدولة مذكرة، صمم فيها على طلباته.

--------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة
وحيث إنه عن الدفع المبدى من الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بعدم قبول الدعوى بشأن الطعن على دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، لسابقة صدور حكم بعدم دستوريتها في القضية رقم 310 لسنة 24 قضائية "دستورية"، بجلسة 2008/5/4. فمردود بأن الدفع بعدم الدستورية المبدى من المدعي أمام محكمة الموضوع لم يشمل نص تلك الفقرة، كما لم يضمن صحيفة دعواه الدستورية طعنا عليها، مما يتعين معه الالتفات عن هذا الدفع
وحيث إن المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 - قبل استبدالها بالقانون رقم 107 لسنة 1987، ثم إلغائها بالقانون رقم 130 لسنة 2009 - كانت تنص فقرتها الأولى على أن "يخفض المعاش المستحق لتوافر الحالة المنصوص عليها في البند (5) من المادة (18) بنسبة تقدر تبعا لسن المؤمن عليه في تاريخ استحقاق الصرف وفقا للجدول رقم (8) المرافق". 
وقد ورد بالجدول المشار إليه نسب خفض المعاش تبعا لسن المؤمن عليه في تاريخ استحقاق الصرف، لتكون 15% لمن هم أقل من 45 سنة، 10% لمن هم بين 45 سنة وأقل من 50 سنة، و5% لمن هم بين 50 سنة وأقل من 60 سنة
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة 
الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان النزاع الموضوعي، في شق منه، يتعلق بطلب إعادة تسوية معاش المدعي عن الأجر الأساسي، دون استقطاع نسبة منه نظير خروجه إلى المعاش المبكر بالاستقالة قبل بلوغه 45 سنة في تاريخ استحقاق المعاش، على نحو ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، قبل استبدالها بالقانون رقم 107 لسنة 1987، والجدول رقم (8) المرافق للقانون المشار إليه، وذلك في مجال إعماله على هذا النص، فإن الفصل في مدى دستورية نص تلك الفقرة يرتب انعكاسا أكيدا ومباشرا على الطلبات في الدعوى الموضوعية وقضاء محكمة الموضوع فيها، ومن ثم تتوافر للمدعي مصلحة شخصية مباشرة في الطعن عليها
وحيث إنه لا يغير من ذلك أن نص المادة (23) من القانون رقم 79 لسنة 1975 المشار إليه، قد تم استبداله بالقانون رقم 107 لسنة 1987، ثم إلغاؤه بالقانون رقم 130 لسنة 2009، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن استبدال المشرع لقاعدة قانونية بغيرها، أو إلغاءها، لا يحول دون الطعن عليها بعدم الدستورية من قبل من طبقت عليه خلال فترة نفاذها، وترتبت بمقتضاها آثار قانونية بالنسبة إليه، تتحقق بإبطالها مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن الأصل في تطبيق القاعدة القانونية، هو سريانها على الوقائع التي تتم في ظلها وحتى إلغائها، فإذا ألغيت هذه القاعدة، أو حلت محلها قاعدة قانونية أخرى، فإن القاعدة الجديدة تسري من الوقت المحدد لنفاذها، ويقف سريان القاعدة القانونية القديمة من تاريخ إلغائها، وبذلك يتحدد النطاق الزمني لسريان كل من القاعدتين، فما نشأ مكتملا في ظل القاعدة القانونية القديمة من المراكز القانونية، وجرت آثارها خلال فترة نفاذها، يظل خاضعا لحكمها وحدها. متى كان ذلك، فإن استبدال النص المطعون فيه بالقانون رقم 107 لسنة 1987، ثم إلغاءه بموجب المادة الثالثة من القانون رقم 130 لسنة 2009، لا يمنع هذه المحكمة من إعمال رقابتها الدستورية عليه، باعتباره قد طبق على المدعي خلال فترة نفاذه، وترتب بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة له
وحيث إنه لا ينال مما تقدم، الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، تأسيسا على أن المدعي أقام دعواه الموضوعية بعد أن صار ربط المعاش نهائيا، فضلا عن سقوط حقه في المطالبة بفروق المعاش بالتقادم الخمسي، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه يكفي لتوافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية أن يكون الحكم فيها مؤثرا في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها رحى الخصومة في الدعوى الموضوعية، دون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى، أو مدى أحقية المدعي في الدعوى الدستورية في طلباته أمام محكمة الموضوع، والتي تختص المحكمة الأخيرة – وحدها - بالفصل فيها
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه تقويضه نظام التأمين الاجتماعي الذي تتكفل الدولة بمقتضاه تهيئة أفضل الظروف التي تفي باحتياجات من تقرر لمصلحتهم والارتقاء بمعيشتهم، ومخالفته مبدأ المساواة بتمييزه في الحقوق التأمينية بين من انتهت خدمته بالمعاش المبكر، ومن انتهت خدمته ببلوغ السن القانونية للإحالة إلى المعاش، رغم وفاء كل من أفراد الطائفتين بالتزاماته التأمينية، وتساويهم بالتالي في المركز القانوني، واعتدائه على حقوقهم الشخصية التي سعى الدستور إلى صونها، الأمر الذي يشكل إخلالا بأحكام المواد (7، 17، 34، 40) من دستور سنة 1971 الذي أقيمت الدعوى المعروضة في ظل العمل بأحكامه، المقابلة لنصوص المواد (8، 17، 35، 53) من الدستور القائم الصادر في 2014/1/18
وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن حماية هذه المحكمة للدستور إنما تنصرف إلى الدستور القائم، إلا أنه إذا كان هذا الدستور ليس ذا أثر رجعي، فإنه يتعين إعمال أحكام الدستور السابق الذي صدر القانون المطعون عليه في ظل العمل بأحكامه، طالما أن هذا القانون قد عمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه أو استبدال نص آخر به خلال مدة سريان أحكامه. متى كان ذلك، وكان نص المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون 79 لسنة 1975 قد تم استبداله بالقانون رقم 107 لسنة 1987، ثم إلغاؤه بالقانون رقم 130 لسنة 2009، وذلك قبل العمل بأحكام الدستور القائم الصادر بتاريخ 2014/1/18، ومن ثم فإنه يتعين الاحتكام في شأن دستورية النص المطعون فيه إلى ما ورد في دستور سنة 1971، الذي صدر القانون المشتمل على هذا النص، وعمل بمقتضاه إلى أن تم إلغاؤه في ظل العمل بأحكامه
وحيث إن ما نعاه المدعي على النص المطعون فيه سديد في مجمله، ذلك أن دستور سنة 1971 قد حرص في المادة (17) منه على دعم التأمين الاجتماعي حين ناط بالدولة مد خدماتها في هذا المجال إلى المواطنين بجميع فئاتهم في الحدود التي يبينها القانون، من خلال تقرير ما يعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم، ذلك أن مظلة التأمين الاجتماعي التي يحدد المشرع نطاقها، هي التي تفرض بمداها واقعا أفضل يؤمن المواطن في غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعي التي يقوم عليها المجتمع وفقا لنص المادة (7) من ذلك الدستور، بما يؤكد أن الرعاية التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هي ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها في مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم، بما مؤداه أن التنظيم التشريعي للحقوق التي كفلها المشرع في هذا النطاق يكون مجافيا أحكام الدستور منافيا لمقاصده إذا تناول هذه الحقوق بما يهدرها
وحيث إن الأصل في المعاش متى توافر أصل استحقاقه وفقا للقانون، فإنه ينهض التزاما على الجهة التي تقرر عليها مترتبا في ذمتها بقوة القانون، بحيث إذا توافرت في المؤمن عليه الشروط التي تطلبها القانون لاستحقاق المعاش أستقر مركزه القانوني بالنسبة إلى هذا المعاش بصفة نهائية، ولا يجوز من بعد التعديل في العناصر التي قام عليها أو الانتقاص منه
وحيث إن المشرع قد استهدف من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 التأمين ضد مخاطر بذاتها تندرج تحتها الشيخوخة والعجز والوفاة وغيرها من أسباب انتهاء الخدمة التي عددتها المادة (18) من القانون المشار إليه، ومن بينها حالات انتهاء الخدمة لغير الأسباب التي عددتها البنود (1، 2، 3) من هذه المادة، والتي يدخل فيها المعاش المبكر، متى كانت مدة الاشتراك في التأمين لا تقل عن 240 شهرا، ليفيد المؤمن عليه الذي يخضع لأحكام هذا النص، وتوافرت له شروط استحقاق المعاش عن الأجر الأساسي، من المزايا التأمينية المقررة به عند تحقق الخطر المؤمن منه، فإذا ما تقرر له معاش عن مدة اشتراكه في التأمين عن هذا الأجر، واستقر مركزه القانوني بالنسبة لهذا المعاش، بات حقه فيه، والوفاء به كاملا دون نقصان أو تعديل، التزاما قانونيا في ذمة الجهة المختصة لا تستطيع منه فكاكا، وهو ما لم يلتزمه النص المطعون فيه الذي انتقص من هذه المزايا والمتعلقة بالمعاش المستحق عن الأجر الأساسي، بتخفيضه بنسبة تقدر تبعا لسن المؤمن عليه في تاريخ استحقاق صرف المعاش وفقا للجدول رقم (8) المرافق لهذا القانون، والذي ورد به مقدار هذا الخفض بنسب تتراوح بين 5% و15%، بما مؤداه انتقاص قيمة المعاش المستحق عن هذا الأجر، والذي توافر أصل استحقاقه وفقا للقانون، الأمر الذي يتعارض مع كفالة الدولة لخدمات التأمين الاجتماعي الواجبة وفقا للمادة (17) من دستور سنة 1971
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة بين المؤهلين للانتفاع بها. كما أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، المنصوص عليه في المادة (40) من دستور سنة 1971، والذي رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتبرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وقيدا على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والتي لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التي تتحدد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، فإن خرج المشرع على ذلك، سقط في حمأة المخالفة الدستورية
وحيث كان ما تقدم، فإن ما قرره النص المطعون فيه من تخفيض المعاش المستحق عن الأجر الأساسي على النحو السالف بيانه، لمن تنتهي خدمتهم بالاستقالة (المعاش المبكر) يكون منطويا على تمييز تحكمي بين هذه الفئة وبين غيرهم من المؤمن عليهم، والتي تنتهي خدمتهم ببلوغ السن القانونية أو العجز أو الوفاة، رغم تكافؤ مراكزهم القانونية، لكونهم جميعا مؤمنا عليهم، أوجب نص المادة (17) من الدستور على الدولة كفالة حقهم في المعاش. وكان هذا التمييز غير مستند إلى أسس موضوعية يقوم عليها، ذلك أن الخطر المؤمن ضده متوافر في شأن أفراد الفئتين، وجميعهم قاموا بسداد اشتراكات التأمين عن الأجر الأساسي، وخلال المدد المقررة، بما يتوافر معه أصل استحقاق المعاش لكل منهم، ومن ثم يكون النص المطعون فيه معارضا لمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أن الحماية التي أظل بها الدستور الملكية الخاصة، لضمان صونها من العدوان عليها وفقا لنص المادة (34) من دستور سنة 1971 تمتد إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها، باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية سواء كان هذا الحق شخصيا أم عينيا أم كان من حقوق الملكية الأدبية أو الفنية أو الصناعية. لما كان ذلك، وكان الحق في صرف معاش الأجر الأساسي إذا توافرت شروط استحقاقه ينهض التزاما على الجهة التي تقرر عليها، وعنصرا إيجابيا من عناصر ذمة صاحب المعاش أو المستحقين عنه، تتحدد قيمته وفقا لأحكام قانون التأمين الاجتماعي بما لا يتعارض مع أحكام الدستور، فإن النص المطعون فيه وقد ترتب عليه انتقاص المعاش المستحق لمن انتهت خدمتهم بالاستقالة (المعاش المبكر) رغم توافر شروط استحقاقهم وفقا لمدة اشتراكهم وقيمة أقساط التأمين المقررة عن هذه المدة، فإنه يشكل عدوانا على حق الملكية الخاصة المصون دستوريا بمقتضى نص المادة (34) من دستور سنة 1971
وحيث إنه في ضوء ما تقدم يكون النص المطعون فيه مخالفا لأحكام المواد (7، 17، 34، 40) من دستور سنة 1971، بما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته، وما يترتب على ذلك من سقوط الجدول رقم (8) المرافق لذلك القانون في مجال إعمال النص المحكوم بعدم دستوريته
وحيث إن هذه المحكمة، تقديرا منها للآثار المالية التي ستترتب على الأثر الرجعي للقضاء بعدم دستورية النص المطعون فيه، فإنها تعمل الرخصة المخولة لها بنص المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وتحدد اليوم التالي لنشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية تاريخا لسريان آثاره، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية النص المطعون فيه
فلهذه الأسباب 
حكمت المحكمة
أولا: بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (23) من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، قبل استبدالها بالقانون رقم 107 لسنة 1987، وسقوط الجدول رقم (8) المرافق للقانون المشار إليه، في مجال إعمال هذا النص
ثانيا: بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية تاريخا لإعمال آثاره
ثالثا: بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق