جلسة 21 من يناير سنة 2010
برئاسة السيد المستشار/ أنور جبري نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ نير عثمان, أحمد عبد القوي أحمد ومصطفى الصادق نواب رئيس المحكمة وجمال حليس.
--------------
(9)
الطعن 37030 لسنة 72 ق
(1) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جريمة الوساطة في الرشوة المعاقب عليها بالمادة 107 مكرراً عقوبات. مناط تحققها؟
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على الوساطة في جريمة الرشوة.
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محاماة. محكمة الجنايات " الإجراءات أمامها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وجوب أن يكون بجانب كل متهم بجناية محام يتولى الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات. أمر الدفاع. متروك للمحامي يتصرف فيه بما يرضي ضميره وما تهديه خبرته القانونية.
مثال.
(3) اختصاص "الاختصاص الولائي" "اختصاص القضاء العسكري". قانون "تفسيره". قرارات وزارية. دفوع "الدفع بعدم الاختصاص". قضاء عسكري. محكمة عادية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
المادة 99 من القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة. مفادها؟
قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بشأن تنظيم القضاء العسكري. مؤداه؟
صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي. شرطه؟
التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية. أثره: وجوب تطبيق النص الأول باعتباره أصلاً للائحة.
خروج قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 عن حدود التفويض المرسوم له في القانون. أثره: عدم سلبه اختصاصات النيابة العامة أو المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة بالفصل في كافة الجرائم المعاقب عليها بالقانون العام أو بقانون خاص. حد وأساس ذلك؟
التشريع. لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أو أعلى منه أو مساو له. شرط ذلك؟
دفع الطاعن القانوني بصدور قانون يستثني أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام. غير مقبول. علة ذلك؟
(4) دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ لاطراح الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
(5) قانون "تفسيره". دفوع "الدفع بعدم الدستورية". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدفع بعدم الدستورية".
نص الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بشأن المحكمة الدستورية. مفاده؟
اطراح المحكمة الدفع بعدم الدستورية استثناء لعدم جديته لأسباب سائغة. النعي عليه بشأن ذلك. غير صحيح.
(6) نقض "أسباب الطعن. تحديدها".
وجه الطعن. وجوب أن يكون واضحاً محدداً.
نعي الطاعن بإعراض المحكمة عن مستنداته التي قدمها دون إفصاحه عن ماهيتها ووجه استدلاله بها. غير مقبول. علة ذلك؟
-------------
1 - من المقرر أن جريمة الوسيط المعاقب عليها بالمادة 107 مكرراً من قانون العقوبات تتحقق بتدخل الوسيط بين الراشي والمرتشي لعرض الرشوة أو لطلبها أو لقبولها أو لأخذها متى وقعت الرشوة بناء على هذا التدخل، وكان مؤدى ما حصله الحكم في معرض بيانه لواقعة الدعوى ولأدلة الثبوت أن المتهم الثالث - الطاعن الأول - والمتهم الرابع - مستخدم المتهم الثاني - سعيا لدى موظف عمومي هو المتهم الأول - الطاعن الثاني - واتفقا معه على أن يرفع اسم المتهم الثاني من قوائم الممنوعين من السفر في مقابل رشوة يحصل عليها مقدارها خمسين ألف جنيه نصفها معجل والآخر مؤجل إلى ما بعد عودة المتهم الثاني من سفره وأن يحصل الطاعن الأول في مقابل سعيه هذا على ثلاثة آلاف جنيه من المتهم الرابع وخمسة آلاف جنيه من الطاعن الثاني وإن جريمة الرشوة وقعت نتيجة لهذا الاتفاق وذلك السعي فإن ما أورده الحكم من ذلك يتحقق به العناصر القانونية لجريمة الوساطة في الرشوة ودور الطاعن الأول فيها ويكون منعاه على الحكم بالقصور في هذا الصدد غير سديد.
2 - من المقرر أن القانون قد أوجب أن يكون بجانب كل متهم بجناية محام يتولى الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات إلا أنه لم يرسم للدفاع خططاً معينة لأنه لم يشأ أن يوجب على المحامي أن يسلك في كل ظرف خطة مرسومة بل ترك له - اعتماداً على شرف مهنته واطمئناناً إلى نبل أغراضها - أمر الدفاع يتصرف فيه بما يرضي ضميره وعلى حسب ما تهديه خبرته في القانون، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المحامي "...." الموكل الذي حضر مع الطاعن الأول قد حضر إجراءات المحاكمة من أولها إلى نهايتها وترافع في موضوع الدعوى وأبدى من أوجه الدفاع ما هو ثابت بمحضر جلسة .... فإن ذلك يكفي لتحقيق غرض الشارع ويكون الجدل الذي يثيره هذا الطاعن حول كفاية هذا الدفاع غير مقبول.
3 - لما كانت المادة 99 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تنص على أنه "يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية، كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميين في كل ما يتعلق بخدمتهم، وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة" فقد دلت بذلك - وعلى ما يبين من وضوح عبارات النص - أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب وليس أدل على ذلك من النص على أن توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية والجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عليه في الفقرة 11 من المادة 80 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة والفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على ضباط الصف وجنود الدرجة الأولى وكذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه "...... وتوقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي ...." ذلك أن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1968 بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام - وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 المذكور والتي لا لبس فيها ولا غموض بل وهو ما يؤكده نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذه المادة والتي جاء بها "احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الوارد في المادة 1 من القانون رقم 61 لسنة 1964 من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية، فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة وليست جهازاً عسكرياً إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة وإنما هي هيئة مدنية نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة وخاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته" وإذن فمتى كان ذلك وكانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية - بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور كما أناطت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون وإذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بتاريخ 24 من أبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري متضمناً في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة والتصرف في هذه القضايا، كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري "النيابة العسكرية" اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها بالقانون رقم 25 لسنة 1966 وكذلك على اختصاص المحكمة العسكرية العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقاً للقانون، فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقا بجرائم القانون العام. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضارب بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه، وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة. ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به ولا يكون له أي أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة، كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما استثني بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص. وإذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع. وإذ كان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر استثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد يكون غير مقبول بل يعد منه دفعاً قانونياً ظاهر البطلان.
4 - لما كان الحكم قد انتهى إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم .... لسنة ..... مركزية تأسيساً على اختلاف موضوعها عن موضوع وقائع الدعوى الراهنة باعتبار أن الواقعة التي تمت محاكمة الطاعن الثاني عنها في تلك الدعوى هي مخالفة أوامر وتعليمات الضبط والربط العسكري في شأن استخدامه لجهاز غير خاص به في حين أن موضوع الاتهام المسند إليه في الدعوى الراهنة - محل الطعن - هو الارتشاء وهذا الذي أورده الحكم سائغ ويتفق وصحيح القانون وكاف في الرد على دفع ذلك الطاعن في هذا الشأن.
5 - لما كان مفاد الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها التقديرية رأت أن الدفع بعدم الدستورية غير جدي وردت عليه بأسباب سائغة تتفق وصحيح القانون فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الشأن يكون غير سديد.
6- من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، وكان الطاعن الثاني لم يفصح عن ماهية المستندات التي قدمها ولم تعرض لها المحكمة ووجه استدلاله بها حتى يتبين مدى أهميتها في الدعوى فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
-------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1- ... (طاعن) 2- ... 3- ... (طاعن) 4- ... بأنهم: أولاً: المتهم الأول: بصفته موظفاً عمومياً. "أمين شرطة ثاني بقسم التحديث الآلي بإدارة القوائم بمصلحة الجوازات والهجرة الجنسية" طلب وأخذ لنفسه عطية للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب من المتهم الثاني بواسطة المتهمين الثالث والرابع مبلغ خمسين ألف جنيه أخذ منه مبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل قيامه برفع اسم المتهم الثاني المدرج على قوائم الممنوعين من السفر من الحاسب الآلي المعد لذلك.
ثانياً: المتهم الثاني: قدم رشوة لموظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن قدم للمتهم الأول مبلغ خمسة وعشرين ألف جنيه مقابل قيامه برفع اسمه المدرج على قوائم الممنوعين من السفر من الحاسب الآلي المعد لذلك.
ثالثاً: المتهمين الثالث والرابع: توسطا في جريمة الرشوة موضوع التهمة الواردة بالبند أولاً.
وأحالتهم إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأول والثالث والرابع وغيابياً للثاني عملاً بالمواد 104، 107 مكرراً، 110 من قانون العقوبات مع إعمال أحكام المادة 17 من القانون ذاته: أولاً: بمعاقبة كل من .... الأول و... الثالث بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبتغريم كل منهما مبلغ خمسة آلاف جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة المضبوط.
ثانياً: بمعاقبة ... الثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه مبلغ خمسين ألف جنيه.
ثالثاً: ببراءة ... الرابع مما نسب إليه.
فطعن المحكوم عليهما الأول والثالث في هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ.
---------------
المحكمة
حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان ثانيهما بجريمة طلب وأخذ رشوة وأولهما بجريمة الوساطة فيها، قد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه خلا من بيان دور الطاعن الأول - المتهم الثالث - في الواقعة والذي لم يحظ بدفاع جدي يتحقق به غرض الشارع من إيجاب حضور محام مع كل متهم بجناية، وردت المحكمة برد غير سائغ على دفوع الطاعن الثاني - المتهم الأول - بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وانعقاد الاختصاص بنظرها للقضاء العسكري باعتباره أحد أفراد هيئة الشرطة، وبعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها، وبعدم دستورية نص المادة 107 من قانون العقوبات، ولم تعرض للمستندات المقدمة منه. كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين بهما وأورد على ثبوتهما في حقهما أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهمين الأول - الطاعن الثاني - والرابع وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكانت جريمة الوسيط المعاقب عليها بالمادة 107 مكرراً من قانون العقوبات تتحقق بتدخل الوسيط بين الراشي والمرتشي لعرض الرشوة أو لطلبها أو لقبولها أو لأخذها متى وقعت الرشوة بناء على هذا التدخل، وكان مؤدى ما حصله الحكم في معرض بيانه لواقعة الدعوى ولأدلة الثبوت أن المتهم الثالث - الطاعن الأول - والمتهم الرابع - مستخدم المتهم الثاني - سعياً لدى موظف عمومي هو المتهم الأول - الطاعن الثاني - واتفقا معه على أن يرفع اسم المتهم الثاني من قوائم الممنوعين من السفر في مقابل رشوة يحصل عليها مقدارها خمسين ألف جنيه نصفها معجل والآخر مؤجل إلى ما بعد عودة المتهم الثاني من سفره وأن يحصل الطاعن الأول في مقابل سعيه هذا على ثلاثة آلاف جنيه من المتهم الرابع وخمسة آلاف جنيه من الطاعن الثاني وإن جريمة الرشوة وقعت نتيجة لهذا الاتفاق وذلك السعي فإن ما أورده الحكم من ذلك يتحقق به العناصر القانونية لجريمة الوساطة في الرشوة ودور الطاعن الأول فيها ويكون منعاه على الحكم بالقصور في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان القانون قد أوجب أن يكون بجانب كل متهم بجناية محام يتولى الدفاع عنه أمام محكمة الجنايات إلا أنه لم يرسم للدفاع خططاً معينة لأنه لم يشأ أن يوجب على المحامي أن يسلك في كل ظرف خطة مرسومة بل ترك له - اعتماداً على شرف مهنته واطمئناناً إلى نبل أغراضها - أمر الدفاع يتصرف فيه بما يرضي ضميره وعلى حسب ما تهديه خبرته في القانون، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المحامي "...." الموكل الذي حضر مع الطاعن الأول قد حضر إجراءات المحاكمة من أولها إلى نهايتها وترافع في موضوع الدعوى وأبدى من أوجه الدفاع ما هو ثابت بمحضر جلسة ... فإن ذلك يكفي لتحقيق غرض الشارع ويكون الجدل الذي يثيره هذا الطاعن حول كفاية هذا الدفاع غير مقبول. لما كان ذلك، وكانت المادة 99 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تنص على أنه "يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون الأحكام العسكرية، كما يخضع للقانون المذكور أمناء ومساعدو الشرطة وضباط الصف والجنود ورجال الخفر النظاميين في كل ما يتعلق بخدمتهم، وتوقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية ويحدد وزير الداخلية بقرار منه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور للجهات المبينة فيه كما يصدر القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة" فقد دلت بذلك - وعلى ما يبين من وضوح عبارات النص - أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب وليس أدل على ذلك من النص على أن توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية والجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عليه في الفقرة 11 من المادة 80 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة والفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على ضباط الصف وجنود الدرجة الأولى وكذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على رجال الخفر النظاميين ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون بأنه "..... وتوقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي إلى ما لها من اختصاص جنائي ...." ذلك أن الإحالة إلى الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1968* بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة وليست العقوبات الجنائية بالمعنى الصحيح والمقررة لجرائم القانون العام - وهذا المعنى واضح من صريح عبارات نص المادة 99 المذكور والتي لا لبس فيها ولا غموض بل وهو ما يؤكده نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة والذي جاء فيه أن الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية وما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا المادة والتي جاء بها "احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة الشرطة الوارد في المادة 1 من القانون رقم 61 لسنة 1964 من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية وبذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية، فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة وليست جهازاً عسكرياً إلا أنها تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة وإنما هي هيئة مدنية نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة وخاصة واجب المرؤوس في طاعة رئيسه وواجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه والسيطرة على القوة الموضوعة تحت قيادته" وإذن فمتى كان ذلك وكانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير الداخلية - بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور كما أناطت به إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون العسكرية الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة فإن هذا التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة ولا يجوز لوزير الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون وإذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بتاريخ 24 من أبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكرية متضمناً في المادة الأولى منه النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة ومن ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة والتصرف في هذه القضايا، كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري "النيابة العسكرية" اختصاصات النيابة العسكرية المنصوص عليها بالقانون رقم 25 لسنة 1966 وكذلك على اختصاص المحكمة العسكرية العليا بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري واختصاص المحكمة المركزية بنظر كافة الجنح والمخالفات التي تقع في اختصاصها طبقاً للقانون، فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما نص عليه متعلقاً بجرائم القانون العام. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضارب بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه، وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحته التنفيذية فإن النص الأول هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة. ومن ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف الذكر الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به ولا يكون له أي أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون كاملة كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما استثني بنص خاص عملاً بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ويستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى قانون خاص. وإذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع. وإذ كان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر استثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم القانون العام فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الصدد يكون غير مقبول بل يعد منه دفعاً قانونياً ظاهر البطلان. لما كان ذلك، وكان الحكم قد انتهى إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم ...... مركزية تأسيساً على اختلاف موضوعها عن موضوع وقائع الدعوى الراهنة باعتبار أن الواقعة التي تمت محاكمة الطاعن الثاني عنها في تلك الدعوى هي مخالفة أوامر وتعليمات الضبط والربط العسكري في شأن استخدامه لجهاز غير خاص به في حين أن موضوع الاتهام المسند إليه في الدعوى الراهنة - محل الطعن - هو الارتشاء وهذا الذي أورده الحكم سائغ ويتفق وصحيح القانون وكاف في الرد على دفع ذلك الطاعن في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان مفاد الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا أن محكمة الموضوع وحدها هي الجهة المختصة بتقدير جدية الدفع بعدم الدستورية، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها التقديرية رأت أن الدفع بعدم الدستورية غير جدي وردت عليه بأسباب سائغة تتفق وصحيح القانون فإن ما يثيره الطاعن الثاني في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يتعين لقبول وجه الطعن أن يكون واضحاً محدداً، وكان الطاعن الثاني لم يفصح عن ماهية المستندات التي قدمها ولم تعرض لها المحكمة ووجه استدلاله بها حتى يتبين مدى أهميتها في الدعوى فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق