منشور في الجريدة الرسمية العدد 45 مكرر (و) في 16 / 11 / 2016 ص 24
بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق –
في أن المدعين وهم من خريجي كلية الشرطة دفعة 2000، كانوا قد التحقوا بالعمل فور
تخرجهم بالإدارات المختلفة بوزارة الداخلية، واستمر الحال حتى سنحت لهم فرصة
الالتحاق بالنيابة العامة، غير أنهم فوجئوا بمطالبة وزارة الداخلية لكل منهم بسداد
المصروفات والنفقات التي أنفقت عليهم خلال السنوات الدراسية بالكلية، إضافة إلى
مبالغ أخرى كغرامات ومصاريف إدارية حتى تقبل استقالاتهم، فقام كل منهم بسداد المبالغ
المطالب بها طمعاً في نيل شرف الالتحاق بالنيابة العامة، وهو ما اعتبره المدعون
استكراهاً لهم، فأقاموا الدعوى رقم 20891 لسنة 57 قضائية أمام محكمة القضاء
الإداري بالقاهرة "دائرة العقود الإدارية والتعويضات" بطلب الحكم
بأحقيتهم في استرداد ما قاموا بدفعه من مبالغ مالية لوزارة الداخلية دون وجه حق،
وإبان نظر الدعوى بجلسة 9/5/2006 قدم الحاضر عن المدعين مذكرة دفع فيها بعدم
دستورية نص المادة (33) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية الشرطة وسائر
النصوص اللائحية التي ألزمت المدعين بسداد المبالغ محل المنازعة، والتمس من
المحكمة الأمر بإحالة الأوراق للمحكمة الدستورية العليا للفصل في المسألة
الدستورية المثارة، وذلك عملاً بنص المادة (29) من قانونها، وبجلسة 21/9/2006،
صرحت المحكمة للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، فأقاموا دعواهم المعروضة.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد استقر على أن نص المادة
(175) من دستور عام 1971 – والتي تقابلها المادة (192) من الدستور الحالي – مضفراً
بأحكام المواد (25 و27 و29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون
رقم 48 لسنة 1979، قاطعة في دلالتها على أن اختصاص المحكمة في مجال الرقابة على
الدستورية، ينحصر في النصوص التشريعية أياً كان موضعها، أو نطاق تطبيقها، أو الجهة
التي أقرتها أو أصدرتها، ذلك أن هذه النصوص هي التي تتولد عنها مراكز قانونية عامة
ومجردة، وما يميزها كقواعد قانونية، هو أن تطبيقاتها مترامية، ودائرة المخاطبين
بها غير متناهية، والآثار المترتبة على إبطالها – إذا أهدرتها هذه المحكمة
لمخالفتها الدستور – بعيدة في مداها، ولا كذلك القرارات الإدارية الفردية إذ لا
تمتد إليها هذه الرقابة مهما بلغ خطرها، أو درجة انحرافها عن أحكام الدستور، أو
أوجه خروجها عليه، فتلك القرارات لا تتولد عنها إلا مراكز قانونية من طبيعتها؛ إذ
لا تعدو المراكز القانونية التي تنشئها أو تعدلها أن تكون مراكز فردية أو خاصة
تقتصر آثارها على أشخاص معينين بذواتهم، وأنه وإن صح القول بأن القرارات الإدارية
الفردية هي تطبيق لقاعدة أعلى، إلا أن صدورها إعمالاً لها لا يغير من خصائصها، بل
تظل في محتواها منشئة لمراكز فردية أو ذاتية أو معدلة لها، وهي مراكز تختلف
بالضرورة عن ذلك المركز القانوني العام المجرد المتولد عن القانون.
وحيث إن المدعين في الدعوى المعروضة، ينعون بعدم الدستورية على قرار
وزير الداخلية الصادر بالتصديق على ما قرره المجلس الأعلى للشرطة، بجلسته المعقودة
بتاريخ 28/10/1998، بعدم إعفاء ضابط الشرطة الذي ينقل إلى أية جهة حكومية من سداد
النفقات الدراسية، إذا لم يكن قد أمضى عشر سنوات في خدمة الوزارة من تاريخ تخرجه،
وهو ما صاغه المدعون في ختام صحيفة دعواهم باعتباره قراراً إدارياً يتمثل في
الامتناع عن إعمال الإعفاء الوارد بنص المادة (33) من قانون أكاديمية الشرطة.
وحيث عن المادة (33) من القانون رقم 91 لسنة 1975 بإنشاء أكاديمية
الشرطة معدلاً بالقانون رقم 129 لسنة 1981، تنص في فقرتها الأولى على أن
"يلتزم خريج أي من كليتي الشرطة والضباط المتخصصين بخدمة الشرطة مدة لا تقل
عن عشر سنوات من تاريخ التخرج، وإلا التزم برد ضعف نفقات الدراسة التي تكبدتها
الأكاديمية، ومع ذلك يجوز لوزير الداخلية بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للشرطة إعفاء
الضابط من هذا المبلغ أو جزء منه إذا كان تركه خدمة هيئة الشرطة للالتحاق بعمل من
أعمال الدولة المختلفة .....".
والمستفاد من حكم هذه المادة أنها أتت بحكمين: أولهما – وهو الأصل –
يتمثل في وجوب تمضية خريج كلية الشرطة، مدة لا تقل عن عشر سنوات من تاريخ تخرجه،
في خدمة جهاز الشرطة، وإلا التزم بسداد ضعف نفقات دراسته بالكلية، وثانيهما –
استثناء – يتمثل في منح وزير الداخلية، سلطة تقديرية، بعد أخذ رأي المجلس الأعلى
للشرطة، بإعفاء الضابط الذي يريد ترك الخدمة، من كل أو جزء من هذا المبلغ، إذا ما
حصل هذا الترك قبل مضي الأجل المضروب، شريطة أن يكون ذلك بغرض الالتحاق بالعمل في
أي من أجهزة الدولة الأخرى.
وحيث إن مؤدى ما تقدم أن الأصل هو وجوب سداد المبلغ الذي تم إنفاقه
على الطالب أثناء دراسته بكلية الشرطة، وهذا الإلزام يترتب بقوة القانون دون حاجة
إلى صدور قرار من جهة الإدارة بتقريره، وذلك متى تحققت شرائطه المعينة آنفاً، أما
ما أوردته الفقرة الثانية من المادة (33) من القانون رقم 91 لسنة 1975 السالف
الذكر للإعفاء من هذه المبالغ، فهي سلطة استثنائية خص بها المشرع وزير الداخلية
والمجلس الأعلى للشرطة، كي يعملاها متمتعين في ذلك بسلطة تقديرية، باعتبارها مكنة
تملكها الجهة الإدارية، وتستطيع بموجبها أن تخرج حالة فردية محددة أو عدد من
الحالات الفردية المعينة عن مجال إعمال نص الفقرة الأولى من المادة (33)، وتدلف
مبتعدة عن أحكام المركز القانوني العام المجرد الذي عينته تلك الفقرة، إلى غيره
حسبما ورد بالفقرة الثانية منها، مما مؤداه أن المركز القانوني الذي يتولد عن
تطبيق الفقرة الثانية من تلك المادة، لا يترتب بقوة القانون، وإنما يلزم لانطباقه
على شخص الضابط تارك الخدمة، صدور قرار فردي يتعلق بشخص هذا الضابط – أو هؤلاء
الضباط – الذي تقدر جهة الإدارة وفق ما تملكه من سلطة تقديرية، استثناءه من الحكم
العام المقرر بالفقرة الأولى من تلك المادة، ومن ثم فلا يرقى هذا القرار لمصاف
القواعد التشريعية أو اللائحية، وتبعاً لذلك فإن القرار الصادر بإعمال حكم تلك
الفقرة، لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً فردياً يتصل بشخص محدد أو عدد محدود من
الحالات المتشابهة، وهو ما تنحسر عنه الرقابة القضائية على دستورية القوانين
واللوائح المنوط بالمحكمة الدستورية العليا مباشرتها تطبيقاً لحكم المادة (192) من
الدستور والمادة (25) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، الأمر الذي
يتعين معه القضاء بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وألزمت المدعين المصروفات
ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق