قضية رقم 6 لسنة 34 قضائية المحكمة الدستورية العليا "منازعة تنفيذ"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المن عقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنـة 2015م، الموافـق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة1436 هـ .
برئاسة السيد المستشار / عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : أنور رشاد العاصى والدكتور حنفى على جبالى وسعيد مرعى عمـــــــرو ورجب عبد الحكيـم سليم وبولس فهمى اسكندر والدكتور حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد /محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجـدول المحكمـة الدستورية العليـا برقـم 6 لسنة 34 قضائية " منازعة تنفيذ " .
المقامة من
السيد / جورج إسحاق جرجس
ضـــــــــــــد
السيد رئيسالجمهوريــــة
الإجـــراءات
بتاريخ التاسع من شهر يوليو سنة 2012 ، أودع المدعى صحيفة الدعوى قلم كتاب المحكمة طلبا للحكم بصفة مستعجلة : بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2012 الصادر بتاريخ8/7/2012 .
وفى الموضوع: الاستمرار فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية"دستورية" ، بمنطوقـه وأسبابـه، وإزالة أية عقبات تحول دون استمرار هذاالتنفيذ .
ونظرت المحكمة الشق العاجل من الدعوى، وبجلسة 10/7/2012 قضت بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 11لسنة 2012 .
وأودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها فى الشق الموضوعى من الدعوى .
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم
المحكمة
بعد الاطلاع علىالأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى شيد طلباته فيها على سند من القول بأن المحكمة الدستورية العليا سبق لها أن أصدرت حكمهـا فى الدعــوىرقم 20 لسنة 34 قضائية "دستورية" بجلسة 14/6/2012 والذى يقضى بعدم دستورية بعض نصوص قانون مجلس الشعب التى تمت بناء عليها انتخابات ذلك المجلس، وهو ما يترتب عليه بطلان تشكيل مجلس الشعب برمته، وقد نُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية ، وأصبح طبقاً لنص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا ملزمً الكافة سلطات الدولة . وبتاريخ 15/6/2012 أصدر رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة القرار رقم 350 لسنة 2012 ناصًّا على أنه " نفاذًّا لحكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية " دستورية " يُعتبر مجلس الشعبمنحلًّا اعتبارًا من يوم الجمعة الموافق 15 يونيه سنة 2012 ".
وبتاريخ 8/7/2012 ،أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 11 لسنة 2012 متضمنًا سحب القرار رقم 350 لسنة2012 باعتبار مجلس الشعب منحلًّا، وعودة مجلس الشعب المنتخب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها بالمادة (33) من الإعلان الدستورى .
وأضاف المدعى ، بعداستعراضه أحكام المواد ( 46 ، 48 ، 49 ، 50) من قانون المحكمة الدستورية العليا،أن قرار رئيس الجمهورية المشار إليه من شأنه إهدار حجية حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الذكر ، ومن ثم يُعد عقبة تحول دون تنفيذه،وذلك بالمخالفة لنص المادتين (48 ، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا ، وكذلك أحكام المواد (24 ، 30 ، 46) من الإعلانالدستورى الصادر بتاريخ 30 مارس 2011، فضلًا عن أنه قد نال من مبدأ سيادة القانون وخضوع الدولة له والذى يمثل الأساس الوحيد لمشروعية أية سلطة. واستطرد المدعى أنه كان قد ترشح على المقعد الفردى فئات فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة فى دائرة بورسعيد ، ولم يحالفه النجاح ، لما شاب النصوص القانونية التى أجريت الانتخابات على أساسها من عوار دستورى على نحو ما استظهرته المحكمة الدستورية العليا فى حكمها سالف الإشارة ، مما تتوافر به المصلحة الشخصية المباشرة. وإذ ارتأى المدعى أنتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا لم يتم وفقًا لطبيعته وعلى ضوء الأصل فيه قانونًا ، بل اعترضته عوائق تحول بمضمونها وأبعادها دون اكتمال مداه ، فقد خلص إلىطلباته المتقدمة.
وبجلسة 10/7/2012 حكمت المحكمة فى الشق العاجل من الدعوى بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة2012، وأمرت بتنفيذ الحكم بمسودته وبغير إعلان .
وحيث إن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى ممارستها لسلطاتها – أيًّا كانت وظائفها أو غاياتها – بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن هى جاوزتهـا، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه – وأيًّا كان القائمون عليها – لا تُعتبرامتيازًا شخصيًّا لمن يتولونها، ولا هى من صنعهم ، بل أسستها إرادة الجماهير فى تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لايجوز النزول عنها، ومن ثم تكون هذه القواعد قيدًا على كل أعما لها وتصرفاتها، فلا تأتيهـا إلا فى الحدود التىرسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.
وحيث إن من المقرر أنقضاء المحكمة الدستورية العليا – فيما فصل فيه من المسائل الدستورية - إنما يحوزحجية مطلقة فى مواجهة الكافة ، وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها، وعلى امتدادتنظيماتها المختلفة ، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو السعى لنقضه من خلال إعادة طرحه على هذه المحكمة لمراجعته. ذلك أن الخصومة فى الدعوى الدستورية –وهى بطبيعتها من الدعاوى العينية – قوامها مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور تحريًا لتطابقها معها إعلاءً للشرعية الدستورية، ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هى موضوع الدعوى الدستورية ، أو هى بالأحرى محلها، وإهدارها بقدرتهاترها مع أحكام الدستور ، هى الغاية التى تبتغيها هذه الخصومة . وقضاء المحكمة فى شأن تلك النصوص ، هو القاعدة الكاشفة عن حقيقة الأمر فى شأن صحتها أو بطلانها ،ومن ثم لا يعتبر قضاء هذه المحكمة باستيفاء النص التشريعى المطعون فيه لأوضاعه الشكلية أو انحرافـه عنهـا، أو اتفاقه مع الأحكام الموضوعية فى الدستور أو مروقهمنها ، من صرفًا إلى كل من كان طرفًا فى الخصومة الدستورية دون سواه ، بل منسحبًاإليه وإلى الأغيار كافة، ومتعديًا إلى الدولة التى ألزمها الدستور بالخضوع للقانون، وجعل من علوه عليها، وانعقاد السيادة لأحكامه، قاعدة لنظامها ومحورًا لبناء أساس الحكم فيها، بما يردهم عن التحلل من قضاء هذه المحكمة أو مجاوزة مضمونه ، ويلزم كلشخص بالعمل على مقتضاه، وضبط سلوكه وفقًا لفحواه ، ذلك أن هذه المحكمة تستمدمباشرة من الوثيقة الدستورية ولايتها فى مجال الرقابة الدستورية، وكلمتها فى شأندلالة النصوص التى يضمها الدستور بين دفتيه هى القول الفصل، وضوابطها فى التأصيل،ومناهجها فى التفسير، هى مدخلها إلى معايير من ضبطة تحقق لأحكام الدستور وحدتهاالعضوية، وتكفل الانحياز لقيم الجماعة فى مختلف مراحل تطورها، وليس التزامهابإنفاذ الأبعاد الكاملة للشرعية الدستورية إلا إرساء لحكم القانون فى مدارجهالعليا وفاء بالأمانة التى حملها الدستور بها ، وعقد لها ناصية النهوض بتبعاتها،وكان حتمًا أن يكون التقيد بأحكامها مطلقًا ساريًا على الدولة والناس أجمعين، وعلى قدم من المساواة الكاملة .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قوام المنازعة المتعلقة بتنفيذ حكم صادر عنها بعدم الدستورية؛ أن يكون تنفيذ هذا الحكم لم يتم وفق طبيعته، وعلى ضوء الأصــــل فيه،بل اعترضته عوائق تحول قانونًا – بمضمونها أو أبعادها – دون اكتمال مداه؛ وتعطل بالتالى أو تقيد اتصال حلقاته، بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان . ومن ثم،تكون عوائق التنفيذ هى ذاتها موضوع منازعة التنفيذ ؛ تلك المنازعة التى تتوخى فىختام مطافها إنهاء الآثار المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبةعليها ؛ ولايكــون ذلك إلا بإسقاطها، وإعدام وجودها لضمان العودة بالتنفيذ إلىحالته السابقة على نشوئها . بيد أن تدخل هذه المحكمة لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها فى الدعاوى الدستورية؛وتنال من جريان آثارها ؛ إنما يفترض أن تكون هذه العوائق – سواء بطبيعتها أوبالنظر إلى نتائجها – قد حالت فعلاً، أو من شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذًا صحيحاً مكتملاً، أو مقيدة لنطاقها، على أن يكون مفهومًا أنالتنفيذ لا يبلغ غايته إلا إذا كان كافلاً انسحاب أثر الحكم إلى يوم صدور النص المقضى بإبطاله؛ فإذا أعاق انسيابه أى عارض، ولو كان تشريعًا أو حكمًا قضائيًّا أوقرارًا إداريًّا أو عملاً ماديًّا ؛ جاز لهــذه المحكمـة التدخل لترفع من طريقهذلك العارض، وسبيلها إلى ذلك – تعينهــا عليه سلطات الدولة كل فى مجال اختصاصها –الأمر بالمضى فى تنفيذ الحكم بعـدم الدستورية، وعدم الاعتداد بذلك الحائل الذىعطَّل مجراه .
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا كانت قد أصدرت بجلسة 14/6/2012 حكمها فى الدعوى رقم 20 لسنة 34قضائية " دستورية" ، والذى يقضى :
أولاً: بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعبالمستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011.
ثانياً: بعدم دستوريةما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من هذا القانون المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 من إطلاق الحق فى التقدم بطلب الترشيح لعضوية مجلس الشعب فى الدوائر المخصصة للانتخاب بالنظام الفردى للمن تمين للأحزاب السياسية إلى جانبالمستقلين غير المن تمين لتلك الأحزاب.
ثالثاً: بعدم دستورية المادة التاسعة مكرر ( أ ) من القانون المشار إليه المضافة بالمرسوم بقانون رقم108 لسنة 2011 فيما نصت عليه من تضمين الكشف النهائى لأسماء المرشحين بالنظامالفردى بيان الحزب الذى ينتمى إليه المرشح .
رابعاً: بعدم دستورية نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 123 لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011، وبسقوط نص المادة الثانية منه.
وقد أو ردت المحكمة فىأسباب حكمها أنه :" متى كان ذلك، وكانت انتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها، فإن مؤدى ذلك ولازمه -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن تكوين المجلس بكامله يكون باطلاً منذ انتخابه، بما يترتب عليه زوالوجوده بقوة القانون اعتبارًا من التاريخ المشار إليه، دون حاجة إلى اتخاذ أى إجراءآخر، كأثر للحكم بعدم دستورية النصوص المتقدمة، وإنفاذًا لمقتضى الإلزام والحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، طبقًا لصريح نص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، إلا أن ذلك لا يؤدى البته إلى إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات، وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة، وحتى تاريخ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية، بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة، ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة، وذلك ما لم يتقررإلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً، أو يُقضى بعدم دستوريتها بحكم من المحكمة الدستورية العليا إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير ما بنى عليه هذا الحكم" .
وحيث إنه متى كان ماتقدم، وإذ أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 11 لسنة 2012 بتاريخ 8/7/2012 مشيرًا فىديباجته إلى الحكم المشار إليه – وناصاًّ فى مادته الثانية على عودة مجلس الشعبالمنتخب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته المنصوص عليها فى الإعلان الدستورى ، ومن ثم يكون ذلك القـرار عقبـة أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الإشارة، بحيث يجوز لكل من أُضير من إعما له أن يتقدم إلى هذه المحكمة طالبًا إزالة هذهالعقبة .
وحيث إن المحكمة الدستورية العليا بقضائها فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية "دستورية" ،قد كشفت عن بطلان تكوين مجلس الشعب بكامله منذ انتخابه ، وذلك نزولاً على أنالأصـل فى الأحكام القضائيـة أنها كاشفة وليست منشئة، إذ هى لا تستحـدث جديدًا ولا تنشئ مراكز أو أوضاعًا لم تكن موجودة من قبل، بل هى تكشـف عن حكـم الدستـور أو القانون ، الأمر الذى يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعى كنتيجة حتمية لطبيعتهالكاشفة، بيانًا لوجه الصواب فى دستوريـة النص التشريعـى المطعون فيه منذ صـدوره ،وما إذا كان هذا النص قد جاء موافقًا للدستور ، فتتأكد للنص شرعيته الدستوريةويستمر نفاذه، أم أنه صدر متعارضًا مع الدستور فينسلخ عنه وصفه وتنعدم قيمته بأثرينسحب إلى يوم صدوره.
وحيث إنه متى كان ماتقدم، فإن قرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2012، يعد عقبة تحول دون تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية "دستورية" ، وترتيب آثاره كاملة دون أمت ولا عوج ، الأمر الذى يتعين معه عدما لاعتداد بذلك القرار، والاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 20 لسنة 34 قضائية " دستورية " .
وحيث إن القرار موضوعالمنازعة يشكل كلًّا لا يتجزأ فإن القضاء بعدم الاعتداد به برمته يكون لازمًا ،إعما لاً للسلطة المخولة لهذه المحكمة بموجب حكم المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بالاستمرار فى تنفيذ الحكم الصادر فى القضية رقم 20 لسنة 34 قضائية " دستورية" بجلسة 14/6/2012 وعدم الاعتداد بقرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2012 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق