قضية رقم 149 لسنة 33 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المن عقدة يوم السبت الرابع عشر من مارس سنة 2015م، الموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1436هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس المحكمة
وعضـوية السادة المستشارين: أنور رشاد العاصى والدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طـه ورجب عـبد الحكيم سليم وبـولس فهمـى إسكـندر والدكتور حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/محمد ناجى عبدالسميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 149 لسنة 33 قضائية"دستورية".
المقامة من
السيد/ على إبراهيم محمد داود
ضد
1- السيد رئيس الجمهورية
2- السيد رئيس مجلس الشعب
3- السيد المستشار وزير العدل
4- السيدة/ زينب كمال أحمد محمود
5- السيد رئيس مجلس الوزراء
"الإجراءات"
بتاريخ 25 من يوليو سنة 2011، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباًً الحكم بعدم دستورية نصوصالمواد 42، 221، 222 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة لنص المادة221 من قانون المرافعات، ورفضها فيما عدا ذلك.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرتالدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
"المحكمة"
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق- تتحصل فى أن المدعى عليها الرابعة كانت قد أقامت ضد المدعىالدعوى رقم 295 لسنة 2009 إيجارات كلى أمام محكمة الإسماعيلية الابتدائية، بطلب الحكم بإخلائه من الشقة موضوع عقد الإيجار المؤرخ 1/12/2003، وتسليمها لها خالية،على سند من انتهاء عقد الإيجار بانتهاء مدته، وبجلسة 27/12/2009 قضت المحكمة بإخلائه من العين محل التداعى، وتسليمها للمدعية – المدعى عليها الرابعة فىالدعوى الماثلة – وإذ لم يرتض المدعى هذا القضاء فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 180 لسنة 35 قضائية أمام محكمة استئناف الإسماعيلية، وبجلسة 27/4/2010 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف، وبعدم اختصاص محكمة الإسماعيلية الابتدائية قيمياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القنطرة غرب الجزئية، وأضحى هذا الحكمباتًّا بعدم الطعن عليه فى المواعيد القانونية، ونفاذًا لذلك أحيلت الدعوى إلى محكمة القنطرة غرب الجزئية، وقيدت أمامها برقم 106 لسنة 2010 مدنى جزئى القنطرة غرب، وبجلسة 25/10/2010 قضت المحكمة بانتهاء عقد الإيجار موضوع الدعوى، وإخلاء المدعى من عين النزاع، وإلزامه بتسليمها خالية، فطعن المدعى على هذا الحكم بالاستئناف رقم 551 لسنة 2010 مدنى مستأنف أمام محكمة الإسماعيلية الابتدائية، وأثناء نظر الاستئناف دفعت المستأنف ضدها بعدم جواز نظر الاستئناف لانتهائيةالحكم المستأنف، وردًّا لذلك دفع المدعى بعدم دستورية نصوص المواد 42، 221، 222من قانون المرافعات، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت له برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام دعواه الماثلة، وبجلسة 27/11/2011 قضت محكمة الإسماعيلية الابتدائية بعدم جواز الاستئناف لصدور الحكم المستأنف فى حدود النصاب الانتهائىللمحكمة الجزئية، بعد أن قدرت قيمة الدعوى الموضوعية بمائة جنيه بحكم بات.
وحيث إن المادة 42 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007 تنص على أن"تختص محكمة المواد الجزئية بالحكم ابتدائيًّا فى الدعاوى المدنية والتجاريةالتى لا تجاوز قيمتها أربعين ألف جنيه ويكون حكمها انتهائيًّا إذا كانت قيمةالدعوى لا تجاوز خمسة آلاف جنيه.
وذلكمع عدم الإخلال بما للمحكمة الابتدائية من اختصاص شامل فى الإفلاس والصلح الواقىوغير ذلك مما ينص عليه القانون".
وتنص المادة 221 من هذا القانون المعدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007 على أن "يجوزاستئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من محاكم الدرجة الأولى بسبب مخالفة قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام أو وقوع بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءاتأثر فى الحكم.
وعلىالمستأنف فى هذه الأحوال أن يودع خزانة المحكمة الاستئنافية عند تقديم الاستئنافعلى سبيل الكفالة مائة جنيه، ويكفى إيداع أمانة واحدة فى حالة تعدد الطاعنين إذاأقاموا طعنهم بصحيفة واحدة ولو اختلفت أسباب الطعن ويعفى من إيداع الكفالة منأعفى من أداء الرسوم القضائية.
ولا يقبل قلم الكتاب صحيفة الطعن إذ لم تصحب بما يثبت هذا الإيداع، وتصادر الكفالةبقوة القانون متى حكم بعدم جواز الاستئناف لعدم مخالفة قواعد الاختصاص أو لانتفاءالبطلان".
وتنص المادة 222 من القانون المذكور على أن "ويجوز أيضًا استئناف جميع الأحكام الصادرة فى حدود النصاب الانتهائى إذا كان الحكم صادرًا على خلاف حكم سابق لم يحزقوة الأمر المقضى، وفى هذه الحالة يعتبر الحكم السابق مستأنفًا بقوة القانون إذا لم يكن قد صار انتهائيًّا عند رفعالاستئناف".
وحيث إن المقرر فى قضاء هـذه المحكمة أن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – قوامها أن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فىمسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو فى شق منها فى الدعوى الموضوعية، ويتحدد مفهومها على ضوء عنصرين أوليين يحددان مضمونها، أولهما: أنيقيم المدعى – وفى حدود الصفة التى اختصم بها النص التشريعى المطعون فيه – الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق به، ويتعين أن يكون هذا الضرر مباشرًا، مستقًلابعناصره، ممكنًا إدراكه ومواجهته بالترضية القضائية، وليس ضررًا متوهمًا أو نظريًا أو مجهًلا، وثانيهما: أن يكون مرد الأمر فى هذا الضرر إلى النص التشريعى المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق على المدعى أصلاً، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، فإن المصلحة الشخصية المباشرة تكون منتفية، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعًا،لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عند رفعها.
وحيث إن الثابت من الأوراق أن محكمة القنطرة غرب الجزئية أصدرت بجلسة 25/10/2010 حكمها بصفة انتهائية فى الدعوى رقم 106 لسنة 2010 مدنى جزئى ضد المدعى بانتهاءعقد الإيجار المؤرخ 1/12/2003، وإخلائه من العين موضوع النزاع، وإلزامه بتسليمها للمدعى عليها الرابعة، واستأنف المدعى هذا القضاء أمام محكمة الإسماعيلية الابتدائية بالاستئناف رقم 551 لسنة 2010 مدنى مستأنف، لأسباب حاصلها وقوع بطلانفى الحكم، وبطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم، وكذا الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله، وقد دفعت المدعى عليها الرابعة– فى الدعوى الماثلة – الاستئناف بعدم جواز نظره لكون الحكم المستأنف صدر فى حدود النصاب الانتهائى لمحكمة أول درجة،وردًّا لذلك دفع المدعى أمام محكمة الموضوع بعدم دستورية نصوص المواد 42، 221،222 من قانون المرافعات، وهى النصوص التى اختصمها فى دعواه الراهنة، لما كان ذلك،وكان عجز الفقرة الأولى من المادة 42 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 76لسنة 2007 هو الحاكم للمسألة المعروضة، بما قرره من انتهائية الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية فى الدعاوى التى لا تجاوز قيمتها خمسة آلاف جنيه، فإن القضاء فى المسألة المتعلقة بدستورية هذا النص، سيكون له انعكاس على النزاع الموضوعى والطلبات المطروحة به وقضاء محكمة الموضوع فيها، ومن ثم تضحى للمدعى مصلحة شخصيةومباشرة فى الطعن على هذا النص.
وحيث إن المادة 221 من قانون المرافعات تجيز استئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائيةبسبب مخالفة قواعد الاختصاص المتعلقة بالنظام العام أو وقوع بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم، كما أجازت المادة 222 من القانون ذاته استئنافهذه الأحكام إذا كانت صادرة على خلاف حكم سابق لم يحز قوة الأمر المقضى، بما لازمه إفادة المدعى من هذه الأحكام التىتجيز له استئناف الأحكام الانتهائية التى تصدر من المحاكم الجزئية، الأمر الذىتنتفى معه مصلحته الشخصية المباشرة فى الطعن عليها، أما بالنسبة لما لم يتضمنه نص الفقرة الأولى من المادة ذاتها من إجازة الطعن بالاستئناف فى الأحكام الصادرة من المحاكم الجزئية بصفة انتهائية بسبب الخطأ فى تطبيق القانون أو تأويله فقد سبقللمحكمة الدستورية العليا أن حسمت المسألة الدستورية المتعلقة به، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 9/6/2002 فى الدعوى رقم 148 لسنة 22 قضائية "دستورية" الذى قضى برفض الدعوى، وإذ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بعددها رقم 25 (تابع) بتاريخ20/6/2002، وكان مقتضى نص المادة (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والمادة 195 من الدستور الحالى، أن يكون لقضاء المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية حجية مطلقة فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته، ومن ثم فإن الخصومة فى هذا الشق من الدعوىتضحى غير مقبولة.
وحيث إن المدعى يهدف من دعواه الدستورية إطلاق أسباب الطعن بالاستئناف على الأحكاما لانتهائية الصادرة من المحاكم الجزئية، ومن ثم فإن مصلحته الشخصية المباشرة تتحدد بالطعن على عجز الفقرة الأولى من المادة (42) من قانون المرافعات فيما نصت عليه من أنه "....... ويكون حكمها انتهائيًّا إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز خمسة آلاف جنيه، وبهذا النص وحده يتحدد نطاق الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه – محددًا نطاقًا على النحو المتقدم – مخالفة نصوص المواد 4، 8، 40، 68 من دستور سنة 1971، قولاً منه بأن اتخاذ قيمة المنازعةأساساً لجواز الطعن فى الحكم الصادر فيها بالاستئناف يُخل بالحق فى التقاضى، كماأن التمييز فى فرص الطعن فى الأحكام استنادًا إلى قيمة المنازعة فيه إخلال بمبدأالمساواة وانحياز للأثرياء على حساب الفقراء بما يتعارض مع الأسس الاشتراكية التى أقرها دستور عام 1971، فضلاً عن أن التقاضى على درجتين فيه تمكين للقضاة من إصدار أحكام بعيدة عن الظلم، كما أنه يتيح فرصًا متساوية أمام المتقاضين جميعًا للطعن على الأحكام الصادرة ضدهم.
وحيث إن من المقرر أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إنهذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً صون الدستور المعمول به وحمايته من الخروج على أحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وعلى ذلك فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه، من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر سنة 2014.
وحيث إن المشرع الدستورى المصرى بدءًا من التعديل الذى أدخل على الدستور الصادر سنة1971 فى سنة 2007، قد عدل عن انتهاج الفكر الاشتراكى وإتخاذ النظام الإشتراكى أساسًا للنظام الاقتصادى، وترك للمشرع العادى حرية اختيار النظام الاقتصادى للدولة، وهو ما سلكه الدستور الحالى الذى لم يحدد نظامًا اقتصاديًّا معينًاللدولة، واكتفى بتحديد مجموعة من الأهداف التى يتعين على النظام الاقتصادى تحقيقها، ضمنها نص المادة 27 منه، ومن بينها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، وضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية.
وحيث إن الدستور الحالى، وإن حرص فى المادة 4 منه على كفالة مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، باعتبارها أساسًا لبناء المجتمع وتحقيق وحدته الوطنية، وقواعد ضابطة لسلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق والحريات والواجبات العامة للمواطنين،كما قرن العدل بالعديد من نصوصه كالمواد 8، 27، 81، 91، 99 منه، غير أنه خلا فى الوقت ذاته من تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل سواء بمبناه أو أبعاده لا يعدو –كما جرى قضاء هذه المحكمة – أن يكون منهجًا متواصًلا منبسطًا على أشكال من الحياة تتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلا تكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافًا، والإ صار القانون منهيًا للتوافق فى مجال تنفيذه، متصادمًا لمبادئ العدل، وغدا إلغاؤه لازمًا.
وحيث إن مضمون مبدأ تكافؤ الفرص الذى تلتزم الدولة بتحقيقه بين جميع المواطنين دون تمييز، طبقًا لنصوص المواد 4، 9، 27 من الدستور الحالى، إنما يتصل – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة بالفرص الى تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعما له يقع عند التزاحم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية – فى مجال الانتفاع بها – لبعض المتزاحمين على بعض، وهى أولوية تتحدد وفقًا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام.
وحيث إن مبدأ المساواة الذى كفلته المادتان 4، 53 من الدستور الحالى مؤداه– على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه لا يجوز لأى من السلطتين التشريعية أو التنفيذية أنتباشر اختصاصاتها التشريعية التى ناطها الدستور بها بما يخل بالحماية المتكافئة التى كفلها للحقوق جميعها، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها أو التى حددها القانون، وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التى اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التى تضمنها تحقيق أغراض بذواتهامن خلال الوسائل التى حددها، وكلما كان القانون مغايرًا بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعًا فيما بينها، وكان تقديره فى ذلك قائمًا على أسس موضوعية، مستلهمًا أهدافًا لا نزاع فى مشروعيتها، وكافلاً وحدة القاعدة القانونية فى شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يتجاوز متطلباتها، كان القانون واقعًا فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع.
وحيث إن من المقرر أن الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حدودًا لها، وفواصل لا يجوز تجاوزها، وعلى ذلك فليس ثمة تناقض بين كفالة المادة 97 من الدستور لحق التقاضى كحق دستورى وبين تنظيمه تشريعيًّا، بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلىحظر حق التقاضى أو إهداره، كما أن قصر التقاضى على درجة واحدة، هو مما يستقل المشرع بتقديره بمراعاة أمرين: أولهما: أن يكون هذا القصر قائمًا على أسس موضوعية تمليها طبيعة المنازعة، وخصائص الحقوق المثارة فيها، وثانيهما: أن تكون الدرجةالواحدة محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى من حيث تشكيلها وضماناتها والقواعد المعمول بها أمامها، وأن يكون المشرع قد عهد إليها بالفصل فى عناصر النزاع جميعها– الواقعية منها والقانونية– فلا تراجعها فيما تخلص إليه فى ذلك جهة أخرى.
وحيث إنه متى كان ما تقدم – وكان الأصل هو عدم جواز استئناف الأحكام الصادرة فى حدود النصاب الانتهائى للمحكمة الجزئية، وهى الدعاوى التى لا تجاوز قيمتها خمسة آلافجنيه، ويرجع الأساس فى عدم جواز استئناف هذه الأحكام – كما أوضحت المذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 وتعديلاته بالقوانين أرقام 91 لسنة 1980 و23 لسنة 1992 و18 لسنة 1999 و76 لسنة 2007 – إلى ضآلة قيمة هذه الدعاوى، وأن هذا التحديد يأخذ فى اعتباره أثر القيم المالية على أهمية الدعوى ذاتها، وهى الأهمية التى تحدد المستوى الذى يجب أن تحسم الدعوى عنده نهائيًّا، والذى يكون من شأنه كذلك تخفيف العبء عن محاكم الاستئناف ومحكمة النقض،لما يترتب عليه من تقليل عدد القضايا القابلة للطعن عليها أمامها، ومن ثم فإنتبنى المشرع لقيمة الدعوى كمعيار لجواز استئناف الحكم الصادر فيها، وقصره التقاضى بالنسبة لبعض الدعاوى على درجة واحدة تأسيسًا على ذلك، إنما يستند إلى أسس موضوعية تبرره، التزم فيها المشرع نطاق سلطته التقديرية فى تنظيم حق التقاضى، دون افتئات منه على مبادئ العدالة، أو إهدار لمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة، الأمر الذى تضحى معه مناعى المدعى على النص الطعين مخالفته لنصوص الدستور المتقدمة فىغير محلها حقيقة بالالتفات عنها.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع حكم آخر فى الدستور، فإن القضاء برفض الدعوى يكون متعينًا.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق