الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 1 يونيو 2015

الطعن 13853 لسنة 65 ق جلسة 2 / 10 / 1997 مكتب فني 48 ق 149 ص 995

  برئاسة السيد المستشار / محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / مجدى الجندى ووفيق الدهشان وابراهيم الهنيدى نواب رئيس المحكمة . ومحمود مسعود شرف .
---------------
1 - ان القانون لم يرسم شكلا او نمطا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها بل يكفى ان يكون مجموع ما اورده الحكم كافيا فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة .

2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد اورد مؤدى اقوال المبلغ .... وفحوى ما اورده تقرير خبير الاصوات - والتى كانت من بين الادلة التى استخلص منها الادانة فى بيان يكفى للتدليل على ثبوت الصورة التى اقتنعت بها المحكمة واستقرت فى وجدانها فانه تنحسر عنه دعوى القصور فى التسبيب ويكون ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد فى غير محله .

3 - لما كان الثابت من مدونات الحكم وما رد به على الدفع ببطلان التسجيلات ان المحكمة لم تبن قضاءها بصفة اصلية على فحوى الدليل المستمد من هذه التسجيلات وانما استند اليها كقرينة تعزز بها ادلة الثبوت التى اوردتها فانه لا جناح على الحكم ان هو لم يورد مؤدى هذه التسجيلات على نحو مفصل ما دام انه قد عول على تلك القرينة تأييدا وتعزيزا للادلة الاخرى التى اعتمد عليها فى قضائه ولم يتخذ من هذه التسجيلات دليلا اساسيا على ثبوت الاتهام قبل الطاعن ومن ثم فان ما يثيره الطاعن من عدم بيان مؤدى الدليل المستمد من التسجيلات وقصور الحكم فى الرد على دفاعه بشأنها يكون غير مقبول .

4 - من المقرر انه لا يوجد فى القانون ما يمنع محكمة الجنايات عند اعادة محاكمة المتهم الذى كان غائبا من ان تورد ذات الاسباب التى اتخذها الحكم الغيابى الساقط قانونا اسبابا لحكمها ما دامت تصلح فى ذاتها لاقامة قضائها بالادانة .

5 - من المقرر ان الدفع بصدور الاذن بالتفتيش بعد الضبط انما هو دفاع موضوعى يكفى للرد عليه اطمئنان المحكمة بالادلة السائغة التى اوردتها - الى وقوع اجراءات التسجيل وما تبعها من اجراءات الضبط والتفتيش بناء على هذا الاذن .

6 - لما كان لا يلزم فى الادلة التى يعول عليها الحكم ان ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى لان الادلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر الى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الادلة بل يكفى ان تكون الادلة فى مجموعها كوحدة مؤدية الى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها الى ما انتهت اليه - كالحال فى هذه الدعوى - ومن ثم فان ما يثيره الطاعن من منازعة حول استدلال الحكم باقوال الشاهد ..... بشأن اصطحابه للمبلغ الى مكتب الطاعن حيث تقابلا معه والمحكوم عليه الاخر ودار حوار بينهم بشأن طلب رشوة وسببه برغم ان بلاغ المجنى عليه ومحضر التحريات خلوا من هذه الواقعة لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز اثارته امام محكمة النقض .

7 - لما كان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى مفادها ان الطاعن توسط لدى المبلغ ليعطى للمحكوم عليه الاخر مبلغ خمسائة جنيه على سبيل الرشوة مقابل امتناعه عن اتخاذ الاجراءات القانونية الواجبة بشأن ما شاب العقار المملوك للمبلغ من مخالفات وان ما اثبته الحكم بمدوناته بشأن المقابلة التى تمت بالمصنع بين المبلغ والمحكوم عليه الاخر والتى انكر خلالها الاخير علاقته بالطاعن وسبق تسلمه مبلغ مائه وخمسين جنيها منه وطلبه ان تكون علاقه المبلغ به مباشرة ووعده بان يرد له المبلغ الذى تسلمه الطاعن منه لم يكن سوى تسجيل لهذه المقابلة وما دار فيها من حوار ، هذا الى ان ما اورده الحكم بمدوناته من ان كلا من الطاعن والمحكوم عليه الاخر طلب - على حدة - مبلغ خمسمائة جنيه ، على سبيل الرشوة ثم اورد فى موضوع اخر منه ان التحريات اكدت صحة طلب المتهمين معا للمبلغ المذكور لا يعد تناقضا لما هو مقرر من ان التناقض الذى يعيب الحكم هو الذى تتهاتر به اسبابه بحيث يمحو ما يثبته بعضها الاخر ومن ثم فان ما يثيره الطاعن بهذا الوجه من الطعن يكون فى غير محله .

8 - من المقرر ان تقدير جدية التحريات وكفايتها لاصدار الامر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التى يوكل الامر فيها الى سلطة التحقيق تحت اشراف محكمة الموضوع فمتى كانت المحكمة - على افصحت عنه فيما تقدم - قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التى بنى عليها امر تسجيل المحادثات والتفتيش وكفايتها لتسويغ اصداره واقرت النيابة على تصرفها فى شأن ذلك فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون

9 - من المقرر انه يجب لقبول وجه الطعن ان يكون واضحا ومحددا ، وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن ماهية الغموض والابهام اللذين شابا اذن التفتيش فان النعى على الحكم فى هذا الشأن يكون على غير سند .

10 - ان قانون الاجراءات الجنائية لم يستوجب فى مواد الجنايات ان تعاد المحاكمة امام ذات الدائرة التى اصدرت الحكم الغيابى على المتهم فى حالة حضوره او الحكم عليه قبل سقوط العقوبة المحكوم بها بمضى المدة - كشرط لصحة الاجراءات - بل كل ما تطلبته المادة 395 من ذلك القانون فى هذه الحالة هو اعادة نظر الدعوى امام المحكمة بما مفاده ان القانون لم يرتب البطلان فى حالة نظر الدعوى عند اعادة اجراءات المحاكمة امام ذات الدائرة التى اصدرت الحكم الغيابى ومن ثم فلا تثريب على المحكمة ان هى التفتت عن طلب احالة الدعوى لدائرة اخرى - بفرض اثارته امامها - ومن ثم فان منعى الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون سديدا .

11 - لما كان الثابت من الاوراق انها حوت دعوى جنائية واحدة فصل فيها بحكم جنائى حضوريا للمحكوم عليه الاخر وغيابيا للطاعن الذى اعيدت اجراءات محاكمته الراهنة ومن ثم فإنه بفرض ان المحكوم عليه الاخر طعن بالنقض فى الحكم الصادر ضده بالادانة فان ذلك لا يقيد محكمة الموضوع التى تنظر دعوى الطاعن ومن ثم فان الدفع الذى ابداه المدافع عن الطاعن بوجوب وقف الدعوى تعليقا يكون دفعا ظاهر البطلان فلا تثريب على المحكمة ان هى سكتت عنه ايرادا له وردا عليه ويضحى منعى الطاعن على الحكم فى هذا الصدد بالاخلال بحق الدفاع غير سديد .

12 - ان اعادة المحاكمة الجنائية طبقا لنص المادة 395 من قانون الاجراءات الجنائية هى بحكم القانون بمثابة محاكمة مبتدأة ، ولمحكمة الاعادة ان تفصل فى الدعوى بكامل حريتها . واذ كان ذلك ،وكانت اجراءات محاكمة الطاعن امام محكمة الاعادة قد تمت صحيحة - وهو ما يسلم به الطاعن فى اسباب طعنه - بمحاكمته امام محكمة امن الدولة العليا فانه غير مجد ما يتمسك به من بطلان الحكم الغيابى لصدوره من محكمة غير مختصه ولائيا ولعدم اعلانه فى المحاكمة الغيابية - بفرض صحة ذلك - ولا تقبل اثارته ذلك امام محكمة النقض ومن ثم فان منعاه فى هذا الصدد لا يعدو ان يكون دفاعا قانونيا ظاهر البطلان ولا على المحكمة ان التفتت عنه ولم ترد عليه .
---------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر سبق الحكم عليه بأنه توسط فى ارتكاب جريمة طلب وأخذ رشوة بأن اتفق مع المتهم الآخر على ارتكابها وطلب من ..... لحساب المتهم الأخر مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل الرشوة وأخذ منها مبلغ مائة وخمسين جنيها كدفعة أولى من المبلغ المطلوب مقابل امتناع المتهم المذكور - الأخر - عن إتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة بشأن ما شاب العقار المملوك له من مخالفات هندسية - وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 103 ، 104 ، 107 مكررا من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وبتغريمه ألف جنيه .
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ..... إلخ .
------------
المحكمة
من حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الوساطة في طلب وأخذ رشوة قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع ذلك بأن الحكم لم يستظهر أركان الجريمة في حق الطاعن وخلا من بيان الأفعال التي أتاها كوسيط في جريمة الرشوة ولم يورد مؤدى أقوال المبلغ ..... التي عول عليها في الإدانة, كما لم يبين الحكم مضمون الدليل الذي استمده من التسجيلات ووجه استدلاله به على ثبوت الجريمة في حق الطاعن لاسيما وأنه دفع ببطلان هذه التسجيلات لتمامها قبل صدور إذن من النيابة العامة بها ولاستحالة سماع ما سجل منها حوار كما دفع ببطلان عمل خبير الإذاعة الذي قام بنسبة صوت الطاعن بالتسجيلات له برغم أنه في تاريخ التفريغ لم يكن قد قبض عليه أو أخذت بصمة صوته بيد أن الحكم رد على هذه الدفوع برد غير سائغ وردد ذات أسباب الحكم الغيابي الساقط بشأن إطراحها. كما استدل الحكم على صحة الواقعة بأقوال الشاهد .... من أنه اصطحب المبلغ إلى مكتب الطاعن حيث تقابلا معه والمحكوم عليه الآخر ودار حوار بينهم في شأن طلب الرشوة وسببه في حين أن بلاغ المجني عليه ومحضر التحريات خلوا من تلك الواقعة, هذا إلى أن الحكم اعتنق صورتين متعارضتين لواقعة الدعوى حيث أثبت أن المحكوم عليه الآخر "المرتشي" هو الذي أصل بالمبلغ وتوجه إلى مصنعه بمفرده دون الطاعن وأن المحادثة التي دارت بين المرتشي - والمبلغ أنكر خلالها الأول علاقته بالطاعن وسبق تسلمه منه مبلغ مائة وخمسين جنيها وطلب أن تكون علاقة المبلغ به مباشرة دون الطاعن ووعده بأن يرد له المبلغ الذي تسلمه الطاعن منه ثم عاد الحكم ودانه بجريمة الوساطة في الرشوة كما وأن الحكم أثبت بمدوناته أن كلا من المتهمين على حدة طلب مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل الرشوة في حين أثبت في موضع آخر منه أن التحريات أكدت صحة طلب المتهمين معا للمبلغ المذكور وفي كلا الحالين فإن المحكوم عليه الآخر "المرتشي" يكون هو الذي طلب الرشوة بشخصه بما لا حاجة معه لتوسط غيره, هذا بالإضافة إلى أن الطاعن دفع بعدم جدية التحريات لكونها مجرد ترديد لأقوال المبلغ, كما دفع ببطلان إذن التفتيش لما شابه من غموض وإبهام وطلب إحالة الدعوى لدائرة أخرى لوجود مانع قانوني لدى الهيئة التي تنظرها لأن رئيس الدائرة التي رأس جلسة محاكمة الطاعن الغيابية هو نفسه الذي كان يرأس الدائرة التي تنظر هذه الدعوى, كما طلب وقف الدعوى وقفا تعليقيا لحين الفصل في الطعن المقدم من المحكوم عليه الآخر في الحكم الصادر بجلسة 28/11/1993 والذي صدر غيابيا ضد الطاعن وحضوريا للمحكوم عليه الآخر وذلك لاستحالة تصور أن يكون هناك رأي لرئيس الدائرة في الدعوى الراهنة يتعارض مع رأيه المسطر بالحكم الأول بيد أن المحكمة لم تعرض لدفوعه ولم تستجب لطلباته وأخيرا فقد دفع الطاعن أيضا ببطلان الحكم الغيابي الصادر ضده لصدوره من محكمة غير مختصة ولائيا إذ صدر من محكمة جنايات في حين أن الاختصاص ينعقد لمحكمة أمن الدولة العليا ولعدم إعلانه بإجراءات المحاكمة مما يجعل الخصومة منعدمة بيد أن الحكم المطعون فيه التفت عن هذا الدفع إيرادا وردا. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الوساطة في طلب وأخذ رشوة التي دان الطاعن بها, وقد حصل الحكم واقعة الدعوى بما مفاده أن المتهم الأول ..... - الذي سبق الحكم عليه - يعمل مهندسا للتنظيم بحي ... محافظة القاهرة ويختص بحكم وظيفته بالمرور على منطقة عمله ومراقبة ما يقام في دائرته من أبنية وما إذا كان مرخصا لصاحب البناء بإقامته من عدمه ومدى مطابقته للمواصفات وشروط الترخيص وخط التنظيم وتحرير محاضر بالمخالفات التي يقوم بضبطها لأصحاب الأبنية المخالفة وعندما شرع ..... في إقامة بناء على قطعة أرض يملكها .... قام المتهم المذكور بالمرور عليه وكلفه بالحضور إليه في مكتب المتهم الثاني "الطاعن" الذي أبلغه بأن المتهم الأول قد حرر له محضر مخالفة للمباني التي يقوم بها وطالبه بمبلغ خمسمائة جنيه للتغاضي عن السير في إجراءات المحضر فضلا عن مبالغ مماثلة نظير كل دور يقوم ببناءه بعد ذلك, كما حضر المتهم الأول الذي سبق الحكم عليه بدوره وأكد ذلك الطلب, فقام صاحب البناء بإبلاغ رئيس مباحث مرافق شمال القاهرة الذي أجرى تحريات وأسفرت عن صحة البلاغ, فعرض الأمر على السيد المستشار المحامي لنيابة شرق القاهرة الكلية فأذن له وكيل النيابة بتسجيل المحادثات التي تدور بين المبلغ وبين المتهمين وتتعلق بالتوسط وطلب الرشوة وضبطهما حال قبضيهما أو أحدهما لهذا المبلغ فأجرى تسجيل هذه الأحاديث التي أكدت طلب الرشوة والتوسط فيها وتم ضبط المتهم الأول الذي سبق الحكم عليه حال تلبسه بها "ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة على النحو السالف بيانه أدلة مستمدة من إجراءات الضبط والتفتيش وأقوال الشهود ..... و.... و.... بمحضر التحقيق الابتدائي والتي تعززت بما أجري من تسجيلات صوتية أجريت مع المتهمين وما أوراه خبير الهندسة الإذاعية بشأن هذه التسجيلات وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك القانون لم يرسم شكلا أو نمطا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها بل يكفي أن يكون مجموع ما أورده الحكم مؤديا إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة - كما هو الحال الدعوى المطروحة, ولما كان الحكم المطعون فيه قد أورد مؤدى أقوال المبلغ .... وفحوص ما أورده تقرير خبير الأصوات - والتي كانت من بين الأدلة التي استخلص منها الإدانة - في بيان يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها فإنه تنحسر عنه دعوى القصور في التسبيب ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح الدفوع المتعلقة ببطلان التسجيلات لاستحالة سماع ما سجل منها وعدم أخذ بصمة الطاعن في تاريخ التفريغ في قوله: "..... وكانت تقريرات شهود الإثبات التي تعززت بما من تسجيلات قد حددت دور كل منهم في الواقعة وأن اللقاء قد تم بين المبلغ وبين كل من المتهمين وأن حديثه إلى كل منها قد أصبح دور كل منها على حده بما يضحى معه دفاع المتهم في شأن التشكيك في وجود صلة بين كل من المتهمين أو إنكار المتهم الماثل (الطاعن) صلته بالواقعة مجرد دفاع مرسل تدحضه الأدلة القولية والفنية التي تضافرت على النحو سالف الذكر في إثبات الاتهام في حق كل من المتهمين ودور كل منهما في ارتكاب الواقعة وإثبات أركانها وحقيقة قصد كل من المتهمين منها". لما كان ذلك, وكان الثابت من مدونات الحكم وما رد به على الدفع سالف الذكر أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من هذه التسجيلات وإنما استندت إليها كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتها فإنه لا جناح على الحكم إن هو لم يبين مؤدى هذه التسجيلات على نحو مفصل مادام أنه قد عول على تلك القرينة تأييدا وتعزيزا الأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ولم يتخذ من هذه التسجيلات دليلا أساسيا على ثبوت الاتهام قبل الطاعن ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من عدم بيان مؤدى الدليل المستمد من التسجيلات وقصور الحكم في الرد على دفاعه بشأنها يكون غير مقبول هذا فضلا عن أنه لا يوجد في القانون ما يمنع محكمة الجنايات عند إعادة محاكمة المتهم الذي كان غائبا من أن تورد ذات الأسباب التي اتخذها الحكم الغيابي الساقط قانونا أسبابا لحكمها مادامت تصلح في ذاتها لإقامة قضائها بالإدانة ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة بالأدلة السائغة التي أوردتها - وهو الحال في الدعوى الماثلة - إلى وقوع إجراءات التسجيل وما تبعها من إجراءات الضبط والتفتيش بناء على هذا الإذن ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديدا. لما كان ذلك, وكان لا يلزم في الأدلة التي يعول عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كالحال في الدعوى - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول استدلال الحكم بأقوال الشاهد .... بشأن اصطحابه للمبلغ إلى مكتب الطاعن حيث تقابلا معه والمحكوم عليه الآخر ودار حوار بينهم بشأن طلب الرشوة وسببه برغم أن بلاغ المجني عليه ومحضر التحريات خلوا من هذه الواقعة لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى مفادها أن الطاعن توسط لدى المبلغ ليعطي للمحكوم عليه الآخر مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل الرشوة مقابل امتناعه عن اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة بشأن ما شاب العقار المملوك للمبلغ من مخالفات وأن ما أثبته الحكم بمدوناته بشأن المقابلة التي تمت بالمصنع بين المبلغ والمحكوم عليه الآخر والتي أنكر خلالها الأخير علاقته بالطاعن وسبق تسلمه مبلغ مائة وخمسين جنيها منه وطلبه أن تكون علاقة المبلغ به مباشرة ووعده بأن يرد له المبلغ الذي تسلمه الطاعن منه لم يكن سوى تسجيل لهذه المقابلة وما دار فيها من حوار, هذا إلى أن ما أورده الحكم بمدوناته من أن كلا من الطاعن والمحكوم عليه الآخر طلب - على - مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل الرشوة ثم أورد في موضوع آخر منه أن التحريات أكدت صحة طلب المتهمين معا للمبلغ المذكور لذا يعد تناقضا لما هو مقرر من أن التناقض الذي تتهاتر به أسبابه بحيث يمحو بعضها ما يثبته بعضها الآخر ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بهذا الوجه من الطعن يكون في غير محله. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعن بعدم جدية التحريات وأطرحه في قوله: "..... وكانت التحريات التي أجراها الرائد .... وأثبتها بمحضره المؤرخ 7/10/1992 قد تمت بعد البلاغ الذي قام به ..... وأثبته في محضره بتاريخ 3/10/1992 وإثر مرور المتهم الأول الذي سبق الحكم عليه .... بموقع البناء الذي شرع في إقامته وتحديده مكانا للقاء بمكتب المتهم الثاني الماثل .... المحامي, وإثر إتمام اللقاء بالفعل مع كل من المتهمين ووضوح لغرض من ذلك الاستدعاء واستغرقت تحرياته الفقرة من تلقي البلاغ حتى تاريخ محضره في 7/10/1992 وأسفرت عن البيانات الكاملة عن المبلغ وعمله وبيانات البناء الذي شرع إقامته وبيانات كل من المتهمين وعمل كل منها ومقره والدور الذي يقوم به كل منها وأسفرت التحريات كذلك عن صحة البلاغ وسوء سمعة المتهم الأول الذي سبق الحكم عليه في عمله وكيفية استغلاله لطبيعة عمله في وتقاضي مبالغ الرشوة وكيفية تهديد المخالفين لقوانين البناء والفئات التي اعتاد طلبها, وكان تقدير جدية هذه التحريات منوط بالنيابة العامة وتخضع في تقدير إياها لرقابة محكمة الموضوع وإذ اطمأنت إليها بحق أصدرت إنها للرائد .... أو من ينوب عنه أو يعاونه من مأموري الضبط المختصين في إجراء تسجيل المحادثات الشفهية بالوسائل الفنية المتاحة والتي تدور في الأماكن الخاصة بدائرة قسم ..... بين المبلغ وأي من المتهمين وتتعلق بهذه الواقعة ومن ثم كان اطمئنانها لتلك التحريات له ما يسانده من الواقع وتطمئن إليه هذه المحكمة بدورها ومن ثم كان نعي الدفاع بشأن جدية التحريات لا أساس له وتلتفت عنه المحكمة: وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فمتى كانت المحكمة - على ما أفصحت عنه فيما تقدم - قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر تسجيل المحادثات والتفتيش وكفايتها لتسويغ إصدارات أقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون على غير أساس لما كان ذلك, وكان من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحا محددا, وكان الطاعن لم يكشف بأسباب طعنه عن ماهية الغموض والإبهام اللذين شابا إذن التفتيش فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون على غير سند. لما كان ذلك, وكان قانون الإجراءات الجنائية لم يستوجب في مواد الجنايات أن تعاد المحاكمة أمام ذات الدائرة التي أصدرت الحكم الغيابي علي المتهم في حالة حضوره أو القبض عليه قبل سقوط العقوبة المحكوم بها بمضي المدة - كشرط لصحة الإجراءات - بل ما تطلبته المادة 395 من ذلك القانون في هذه الحالة هو إعادة نظر الدعوى أمام المحكمة بما مفاده أن القانون لم يرتب البطلان في حالة نظر الدعوى عند إعادة إجراءات المحاكمة أمام ذات الدائرة التي أصدرت الحكم الغيابي ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي التفت عن طلب إحالة الدعوى لدائرة أخرى - بفرض إثارته أمامها - ومن ثم إن منعى الطاعن في هذا الخصوص لا يكون سديدا. لما كان ذلك, وكان الثابت من الأوراق أنها حوت دعوى جنائية واحدة فصل فيها بحكم جنائي حضوريا للمحكوم الآخر وغيابيا للطاعن الذي أعيدت إجراءات محاكمته الراهنة ومن ثم فإنه يفرض أن المحكوم عليه الآخر طعن بالنقض في الحكم الصادر ضده بالإدانة فإن ذلك لا يقيد محكمة الموضوع التي تنظر دعوى الطاعن ومن ثم فإن الدفع الذي أبداه المدافع عن الطاعن بوجوب وقف الدعوى تعليقا يكون دفعا ظاهر البطلان فلا تثريب على المحكمة إن هي سكتت عنه إيرادا له وردا عليه ويضحى منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد بالإخلال بحق الدفاع غير سديد. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن إعادة المحاكمة الجنائية طبقا لنص المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية هي بحكم القانون بمثابة محاكمة مبتدأة، ولمحكمة الإعادة أن تفصل في الدعوى بكامل حريتها. وإذ كان ذلك, وكانت إجراءات محاكمة الطاعن أمام محكمة الإعادة قد تمت صحيحة - وهو ما يسلم به الطاعن في أسباب طعنه - بمحاكمته أمام محكمة أمن الدولة العليا فإنه غير مجد ما يتمسك به من بطلان الحكم الغيابي لصدوره من محكمة غير مختصة ولائيا ولعدم إعلانه في المحاكمة الغيابية - بفرض صحة ذلك - ولا يقبل إثارة ذلك أمام محكمة النقض ومن ثم فإن منعاه في هذا الصدد لا يعدو أن يكون دفاعا قانونيا ظاهر البطلان ولا على المحكمة إن التفتت عنه ولم ترد عليه. لما كان ما تقدم,  فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق