الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 4 يونيو 2015

دستورية تمييز العامل بسبب نشاطه النقابي

قضية رقم 120 لسنة 20 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
  بالجلسة العلنية المن عقدة يـوم السبتالرابع عشر من مارس سـنة 2015م، الموافق الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة 1436هـ .
برئاسة السيد المستشار / عدلى محمود منصور     رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : عبدالوهاب عبدالرازق والدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر
والدكتور حمدان حسن فهمى        نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / محمود محمد غنيم                  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبدالسميع    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
          فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 120 لســنة 20 قضائية " دستورية "
المقامة من
السيد /محمد حسن فج النور
بصفته رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة الشرق الأقصى
ضـــــــــد
1- السيد رئيس الجمهوريـــــــــــــة
2- السيد رئيس مجلس الشعـــــــــــــــــب
3- السيد رئيس مجلس الـــــــــــــــــــوزراء
4- السيد وزير العــــــــــــــــــــدل
5- السيد /محسن عبد الله عبد المعطي أبو سعدة
الإجراءات
بتاريخ الرابع من يونيه سنة 1998، أودع المدعي صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا في ختامها الحكم بعدم دستورية نصي الفقرتين الثانية و الثالثة من المادة (48) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة1976.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى، كما قدم المدعى عليه الخامس مذكرة بدفاعه، طلب في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضيرالدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرتالدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى عليهالأخير، وهو عضو باللجنة النقابية للعاملين بالبنك المدعي، كان قد أقام الدعوى رقم639 لسنة 1997"عمال" أمام محكمة الجيزة الابتدائية؛ طالبًا الحكم بصفة مستعجلة : بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس إدارة البنك المدعي الصادر بنقله من المركزالرئيسي للبنك الكائن بشارع النيل بالجيزة إلى فرع البنك للمعام لات الإسلاميةالكائن بشارع مصدق بالجيزة، وفي الموضوع : بإلغاء هذا القرار، مع إلزام البنكبتعويضه عن الأضرار المترتبة على ذلك؛ استنادًا إلى ما تنص عليه المادة (48) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976 من عدم جواز نقل عضومجلس إدارة المنظمة النقابية من المنشأة داخل أو خارج المدينة التي يوجد بها مقرعمله خلال مدة الدورة النقابية إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك. وبجلسة11/4/1998 دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (48) من قانون النقابات العماليةالصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعيبإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (48) من قانون النقابات العمالية الصادر بالقانون رقم 35 لسنة 1976المستبدلة بالقانون رقم 1 لسنة 1981 تنص على أنه :"لا يجوز وقف عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية عن العمل بالمنشأة التابع لها احتياطيًّا أو تأديبيًّا أوتوقيع عقوبة الفصل عليه إلا بناءً على قرار أو حكم من السلطة القضائية المختصة.
كما لا يجوزندبه لمدة تزيد على أسبوعين أو نقله من المنشأة داخل أو خارج المدينة التي يوجدبها مقر عمله خلال مدة الدورة النقابية إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك.
وتسري أحكامالفقرتين السابقتين على المرشح لعضوية المنظمة النقابية خلال فترة الترشيح لهذهالمنظمة.
ويُعتبرباطلاً كل قرار يصدر بالمخالفة لأحكام أي من الفقرات السابقة".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية مؤثرًا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول صحة القرار الصادر بنقل المدعى عليه الأخير، وهو عضو باللجنة النقابية للعاملين بالبنكالمذكور، ومن ثم فإن مصلحة المدعي الشخصية المباشرة تكون متحققة في الطعن على ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (48) السالفة الذكر من عدم جواز نقل عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية من المنشأة داخل أو خارج المدينة التي يوجد بها مقر عملهخلال مدة الدورة النقابية إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك، وفيها ينحصر نطاق الدعوى الماثلة، ولا يمتد لغيرها من أجزاء النص المطعون عليه.
وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه مخالفته لنصوص المواد (7) و(8) و(40) و(41)و(65) و(68) و(165) من دستور سنة 1971، وذلك تأسيسًا على أنه يمايز - دون مسوغ -بين العامل عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية وزميله العامل في المنشأة ذاتها؛ بأنمنح الأول حصانة عدم نقله من مقر عمله، ووضع قيودًا على حرية رب العمل في تنظيممنشأته؛ فأعدم بذلك سلطته المستمدة من العقد المبرم مع العامل النقابي، ومن القانون الذي أعطاه حق نقل العامل من وظيفة إلى أخرى بلا معقب عليه في هذا الشأن،ما دام أن هذا النقل قد تم طبقًا لمقتضيات مصلحة العمل وخلا من إساءة استعما لالسلطة، بالإضافة إلى أن هذا النص قد منح العامل النقابي معاملة تفضيلية تنافي حقائق العدل وتخل بمباشرة السلطة القضائية لولايتها؛ عن طريق إضفاء حصانة خاصةعليه دون سواه من أعضاء النقابات المهنية الأخرى، مما يُعد معه النص المطعون فيهمخلاًّ بالتضامن الاجتماعي ومهدرًا مبدأ المساواة، فضلًا عن مخالفته حق التقاضي ومبدأ خضوع الدولة للقانون.
وحيث إنالرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنهاالدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنماتستهدف أصلاً -على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة -صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها من خلال أحكام الدستور الحالي الصادر سنة 2014 باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إنمبنى الطعن مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المواد (7) و(8) و(40) و(41) و(65)و(68) و(165) من دستور سنة 1971، وكانت نصوص هذه المواد تتضمن الأحكام الدستوريةذاتها التي تنص عليها المواد (8) و(9) و(53) و(54) و(94) و(97) و(184) من دستور سنة 2014.
وحيث إن المادة (76) من الدستور تنص على أن:"إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطيحق يكفله القانون. وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم.
وتكفل الدولة استقلال النقابات والاتحادات، ولا يجوز حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي،ولا يجوز إنشاء أي منها بالهيئات النظامية".
وحيث إن الدستور قد كفل - بهذا النص - جوهر الأحكام التي انتظمتها كل من الاتفاقية السابعةوالثمانين في شأن الحرية النقابية، التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العملالدولية في دورته الحادية والثلاثين، والنافذة أحكامها اعتبارًا من 4 يوليه سنة1950، والاتفاقية الثامنة والتسعين في شأن التنظيم النقابي، التي اعتمدها المؤتمرذاته في دورته الثانية والثلاثين، والنافذة أحكامها اعتبارًا من 8 يوليه سنة 1951،وتُعتبر مصر طرفًا في هاتين الاتفاقيتين بتصديقها عليهما؛ وقد خولت أولاهما العمال- دون تمييز من أي نوع - الحق في تكوين منظماتهم التي يختارونها بغير إذن سابق،ودون تقيد بغير القواعد المنصوص عليها في دساتيرها وأنظمتها، وهي قواعد تصوغهابإرادتها الحرة وتنظم
بها – على الأخص - طرق إدارتها وبرامجها ومناحي نشاطها وبما يحول بين السلطة العامة والتدخلفي شئونها، أو الحد من ممارستها لتلك الحقوق أو تعطيلها، كما لا يجوز حل تلكالمنظمات أو تعليق نشاطها عن طريق الجهة الإدارية. وكفلت ثاني الاتفاقيتين المشار إليهما لكل عامل الحماية الكافية من أى أعمال يقصد بها التمييز بين العمال في مجالاستخدامهم؛ إخلالاً بحريتهم النقابية، ويكون ضمان هذه الحماية لازمًا بوجه خاصإزاء الأعمال التي يُقصد بها تعليق استخدام العامل على شرط عدم الانضمام إلى منظمةنقابية، أو حمله على التخلي عن عضويته فيها، أو معاملته إجحافًا لانضمامه إليها أولإسهامه في نشاطها بعد انتهاء عمله.
وحيث إنمؤدى ما تقدم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن حرية العمال في تكوينتنظيمهم النقابي، وكذلك حرية النقابة ذاتها في إدارة شئونها، بما في ذلك إقرارالقواعد التي تنظم من خلالها اجتماعاتها وطرائق عملها وتشكيل أجهزتها الداخليةوأحوال اندماجها في غيرها ومساءلتها لأعضائها عما يقع منهم بالمخالفة لنظمها، لا ينفصلان عن انتهاجها الديمقراطية أسلوبًا وحيدًا يهيمن على نشاطها ويكفل الموازنةبين حقوقها وواجباتها، وكذلك بناء تشكي لاتها وفق الإرادة الحرة للعمال المنضمينإليها. ولا يجوز - بوجه خاص - إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق، أو تعلقتمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها، ولا أن يكون تأسيسها رهنًا بإذنمن الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة في عملها بما يعوق إدارتها لشئونها، ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابًا لها، ولا أن تحل نفسها محل المنظمة النقابيةفيما تراه أكفل لتأمين مصالح أعضائها والنضال من أجلها. وهذه الحقوق التي تتفرع عنالحرية النقابية تُعد من ركائزها، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها، وبوجه خاصلرد خطرين عنها لا يتعادلان في آثارهما، ويتأتيان من مصدرين مختلفين، ذلك أن المنظمة النقابية ذاتها قد تباشر ضغوطها في مواجهة العمال غير المنضمين إليها لجذبهم لدائرة نشاطها توصلاً لإحكام قبضتها على تجمعاتهم، وقد يتدخل رجال الصناعة والتجارة في أوضاع الاستخدام في منشآتهم أو بالتهديد بفصل عما لهم أو بمساءلتهمتأديبيًّا، أو بإرجاء ترقياتهم؛ لضمان انصرافهم عن التنظيم النقابي، أو لحملهم علىالتخلي عن عضويتهم فيه.
وحيث إن ماتقدم مؤداه أن ثمة تدابير تشريعية يتعين ضمانها في شأن أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية من أجل كفالة الحماية اللازمة لهم لأداء دورهم بصفتهم ممثلين مفوضين عنزملائهم العمال الذين أولوهم ثقتهم للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم؛ وأخصها حرية أولئكالعمال في تكوين تنظيمهم النقابي، فضلًا عن حرية النقابة ذاتها في إدارة شئونهاعلى أساس ديمقراطي، وهو عين ما حققه النص الطعين؛ إذ كفل استمرار عضو مجلس إدارةالمنظمة النقابية بالمنشأة التي يعمل بها خلال مدة الدورة النقابية، وتبعًا لذلك؛فلا يجوز نقله من مقر عمله خلال تلك المدة إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك.
وحيث إن ما ينعاه المدعي على النص المطعون فيه مردود أولًا: بأن تأسيس المواطنين لمجتمعهم علىقاعدة التضامن الاجتماعي وفقًا لنص المادة (8) من الدستور، مؤداه تداخل مصالحهم لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تعارضها بما يرعى القيم التييؤمنون بها؛ فلا يتقدم على ضوئها فريق على غيره انتهازًا، ولا ينال قدرًا من الحقوق التي يكون بها - دون مقتض - أكثر امتيازًا من سواه، بل يتمتعون جميعًابالحقوق عينها - التي تتكافأ مراكزهم القانونية قبلها - وبالوسائل ذاتها التيتعينهم على ممارستها، فإن تدخل المشرع بكفالة الحماية القانونية للعامل عضو مجلس إدارة المنظمة النقابية، بعدم جواز نقله من مقر عمله خلال مدة الدورة النقابية إلا بعد موافقته الكتابية على ذلك، بهدف إقرار حرية العمال في تكوين تنظيمهم النقابيفضلًا عن حرية النقابة في إدارة شئونها؛ فإنه لا يعد بذلك متصادمًا مع مبدأالتضامن الاجتماعي المقرر بنص المادة (8) من الدستور.
ومردودثانيًا: بأن مضمون مبدأ تكافؤ الفرص، الذي تكفله الدولة للمواطنين كافة وفقًا لنص المادة (9) من الدستور، يتصل بالفرص التي تتعهد الدولة بتقديمها، وأن إعما له يقععند التزاحم عليها، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقرير أولوية في مجالالانتفاع بها لبعض المتزاحمين على بعض، وهي أولوية تتحدد وفقًا لأسس موضوعية يقتضيها الصالح العام. إذ كان ذلك فإن مجال إعمال مبدأ تكافؤ الفرص في نطاق تطبيق النص المطعون فيه يكون منتفيًا؛ إذ لا صلة له بفرص قائمة يجري التزاحم عليها، بما لا مخالفة فيه - من هذا الوجه - لأحكام الدستور.
ومردود ثالثًا: بأن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة (53) من الدستور، لا يعني - وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، ولا يقوم كذلك على معارضة جميع أشكال التمييز أيًا كانت مبرراتها الموضوعية؛ ذلك أن صور التمييز المجافية للدستور - وإن تعذر حصرها - هي وحدها التي يكون قوامها كل تفرقة أو تقييدأو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق أو الحريات التي كفلها الدستور أو القانون. لما كان ذلك، وكان إعمال مبدأ المساواة يفترض التماثل في المراكز القانونية، وكان المركز القانونى للعاملين أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية يختلف عن المركز القانونى لغيرهم من العاملين بالمنشأة من ناحية، كما يختلف عن المركز القانونى لغيرهم من أعضاء النقابات المهنية غير الخاضعة لأحكام قانون النقابات العمالية المشار إليه من ناحية أخرى فإن قالة الإخلال بمبدأ المساواة لا يكون لها محل.
ومردود رابعًا: بأن حرية التعاقد التي يندرج مفهومها تحت الحرية الشخصية التي كفلها الدستور بنص المادة (54) منه، لا تعني على الإطلاق أن يكون لسلطان الإرادة دور كامل ونهائي في تكوين العقود وتحديد الآثار التي ترتبها ، وقد يورد المشرع في شأن العقود - حتى ما يكون واقعًا منها في نطاق القانون الخاص - قيودًا يرعى على ضوئها حدودًا للنظام العام لا يجوز اقتحامها، وقد يعيد إلى بعض العقود توازنًا اقتصاديًا اختل فيما بين أطرافها، وهو يتدخل إيجابيًّا في عقود بذواتها محورًا من التزاماتها انتصافًا لمن دخلوا فيها من الضعفاء، مثلما هو الأمر في عقود الإذعان والعمل، وما زال يقلص من دور الإرادة في عقود تقرر تنظيمًا جماعيًّا ثابتًا؛ كتلك التي تتضمن تنظيمًا نقابيًّا، بما مؤداه أن للمشرع أن يرسم للإرادة حدودًا لا يجوز أن يتخطاها سلطانها، ليظل دورها واقعًا في إطار دائرة منطقية، تتوازن الإرادة في نطاقها، بدواعي العدل وحقائق الصالح العام، ومن ثم لا تكون حرية التعاقد - محددة على ضوء هذا المفهوم - حقًّا مطلقًا، بل موصوفًا، فليس إطلاق هذه الحرية وإعفاؤها من كلقيد، بجائز قانونًا، وإلا آل أمرها سرابًا أو انفلاتًا . إذ كان ذلك، وكان القيد الذي فرضه النص المطعون فيه على سلطة رب العمل في شأن العاملين أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية، غايته كفالة الديمقراطية النقابية إعمالًا لنص المادة (76) من الدستور، فإن النعي عليه إخلاله بحرية التعاقد، ومخالفته بالتالي لنص المادة (54)من الدستور، يكون على غير أساس.
ومردودخامسًا: بأن ضمان الدستور لحق التقاضي - بنص المادة (97) منه - مؤداه ألا يُعزل الناس جميعهم أو فريق منهم أو أحدهم عن النفاذ إلى جهة قضائية تكفل، بتشكيلها وقواعد تنظيمها ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها، حدًّا أدنى من الحقوق التي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابه ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا، وكان لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإذا أرهقها المشرع بقيود تعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق. لما كان ذلك؛ وكان النص المطعون فيه لا يتضمن أي قيود تحول دون النفاذ إلى القضاء أو تعسر الحصول على الحقوق المطلوبة أو تحول دونها، فإن قالة مخالفته لنص المادة (97) من الدستور، لا يكون لها من محل.
ومردود سادسًا: بأن مبدأ خضوع الدولة للقانون - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة -مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يُعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًّا لقيام الدولة القانونية، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وشخصيته المتكاملة، كما أن استقلال السلطة القضائية، وإن كان لازمًا لضمان موضوعية الخضوع للقانون ولحصول من يلوذون بها على الترضية القضائية التي يطلبونها عند وقوع عدوان على حقوقهم وحرياتهم، إلا أن حيدتها عنصر فاعل في صون رسالتها لا تقل شأنًا عن استقلالها بما يؤكد تكاملهما. إذ كان ذلك؛ وكان النص المطعون فيه لا ينطوي على أي إخلال بمبدأي خضوع الدولة للقانون واستقلال القضاء، فإن النعي عليه بمخالفته أحكام المادتين (94) و(184) من الدستور، يكون على غير أساس.      
وحيث إنهمتى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يُعد مخالفًا لأحكام المواد(8) و(9)و(53) و(54) و(94) و(97) و(184) من الدستور، كما لا يخالف أي أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق