الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

دستورية المادة 341 عقوبات

اصدرت المحكمة الدستورية العليا اليوم حكما برفض الطعن بعدم دستورية المادة 341 عقوبات وحيث إننا لم نطلع على الحيثيات بعد .
فهذا رد على هذا الدفع كنت قد نشرته منذ عام 2007 على مدونتي السابقة على مكتوب 

اثارت مقالة قانونية نشرت بجريدة الاهرام منذ عام تقريبا الكثير من اللغظ والجدل القانوني بشأن الغاء المادة 341 عقوبات الخاصة بجريمة التبديد او ما يسمى عرفا بخيانة الامانة .

على اساس انضمام مصر الى اتفاقية دولية تم التصديق عليها ومن ثم فقد اصبحت كجزء من التشريع الوطني الداخلي واجب الاعمال .
وفور نشر تلك المقال اندفع المحامون من كل حدب وصوب يدفعون امام المحاكم بكافة درجاتها بعدم دستورية المادة 341 عقوبات ..................
لمخالفتها لنص المادة 151 من الدستور .
والغاء المادة بمقتضى القانون المدني الذي يبين في مواده الاولى الغاء النصوص .
ولما كان هذا الدفع غير سديد بل وعار تماما من الصحة فقد رأيت انه يجب أن اوضح الرد عليه على النحو التالي :
وحيث أنه عن الدفع بإلغاء المادة 341 عقوبات بالمادة 11 من الاتفاقية والمادة 2 من القانون المدني :
فهو دفع قانوني ظاهر البطلان : وذلك للأسباب التالية :
أولا : إذ أن مقتضى قاعدة شرعية الجريمة والعقاب أن القانون الجنائي يحكم ما يقع في ظله من جرائم إلى أن تزول عنه القوة الملزمة بقانون لاحق ينسخ أحكامه وهو ما قننته المادة الخامسة من قانون العقوبات بنصها على انه " يعاقب علي الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها . " .
فالتشريع لا يلغى أو يعدل إلا بتشريع لاحق مماثل له أو أقوى منه ينص صراحة على ذلك أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم وينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع .
وكانت عبارة المعاهدة الدولية لا تعدو أن تكون مصطلحاً عاماً Ceneric term يمتد إلى كل أشكال الاتفاق الدولي فيما بين دولتين أو أكثر إذا دون هذا الاتفاق سواء في وثيقة واحدة أو أكثر وأيا كان نطاق المسائل التي ينظمها أو موضوعها ومن ثم يندرج تحتها مما يتصل بمفهومها من صور هذا الاتفاق سواء كان عهداً أو ميثاقاً أو إعلاناً أو بروتوكولاً أو نظاماً أو تبادلاً لمذكرتين .
(الطعن رقم 30 سنة 17 ق مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا مكتب فني 7 جلسة 2 / 3 / 1996 ص 507)
وإذ كان البين مما جاء بديباجة الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية التي اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 2200 المؤرخ في 16 كانون الأول / ديسمبر 1966 تاريخ بدء نفاذها 23 آذار / مارس 1967 ، طبقا للمادة 49 منها . والتي وقعت عليها مصر بتاريخ 4/8/1967 وتم اعتمادها بموجب القرار الجمهوري رقم 536 لسنة 1981 الصادر في أول أكتوبر سنة 1981 .والمنشور في الجريدة الرسمية في العدد 15 في 15 ابريل 1982 . غايتها تعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان وحرياته ومراعاته . وقيام تعاون ومراقبة دوليين دائمين لتحقيق تلك الغاية .
وكان البين من استقراء نصوص تلك الاتفاقية واخصها المادة 2/2 والتي جرى نصها على انه " تتعهد كل دولة طرف في الاتفاقية الحالية ، عند غياب النص في إجراءاتها التشريعية القائمة أو غيرها من الإجراءات ، باتخاذ الخطوات اللازمة ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولنصوص الاتفاقية الحالية ، من اجل وضع الإجراءات التشريعية أو غيرها اللازمة لتحقيق الحقوق المقررة في الاتفاقية الحالية . " أنه لا تعدو أن تكون مجرد دعوة إلى الدول بصفتها أشخاص القانون الدولي العام إلى القيام بعمل منسق لضمان فاعلية التدابير المتخذة لتمكين الفرد من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية وكذلك بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . 
وأن هذه الدعوة لم تلغ أو تعدل – صراحة أو ضمنا – أحكام قانون العقوبات المعمول بها في الدول التي تنضم إليها . بل لقد حرصت على ألا تفسر نصوصها بشكل خاطئ ، فعندما نصت المادة 15/1 على استفادة المتهم من أي نص قانوني يصدر بعد ارتكاب الجريمة إذا جاء متضمنا لعقوبة اخف . فجاء النص في المادة 15/2 على انه ليس في هذه المادة ما يحول دون محاكمة أو معاقبة أي شخص عن أي فعل أو امتناع عن فعل إذا كان ذلك يعتبر وقت ارتكابه جريمة طبقا للمبادئ العامة للقانون المقررة في المجتمع الدولي .
كما أجازت مادة 12/3 " تقييد الحقوق بأية قيود ينص عليها القانون وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد "
ثم نصت المادة 40/1 على " تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بوضع التقارير عن الإجراءات التي اتخذتها والتي من شأنها أن تؤدي إلى تامين الحقوق المقررة في هذه الاتفاقية وعن التقدم الذي تم إحرازه في التمتع بتلك الحقوق . " 
فيكون ما ورد ذكره بالمادة 11 من الاتفاقية من أنه " لا يجوز سجن أي إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي فقط " . دعوة للدول الأعضاء لتنبيه المشرع بها لمراعاة ذلك مستقبلا .
وهو ما برز من خلال التعليقات العامة المعتمدة من اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ((وثيقة الأمم المتحدة رقم HRI/GEN/1/Rev.3 في 15 أغسطس/ آب 1997)) 
فقد جاء في التعليق أنه طبقا لأحكام الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان فإن الدول الأطراف في الاتفاقية ملزمة بتقديم تقارير أولية ودورية إلى اللجان التعاهدية المختصة بالإشراف على تنفيذ الاتفاقية ، وتختلف المدة الزمنية من اتفاقية إلى أخرى بشأن تنفيذ الدولة لالتزاماتها الدولية في مواجهة الدول الأطراف في الاتفاقية وبشكل رئيس بشأن تطبيق ونفاذ الاتفاقية على الصعيد الوطني، ومدى وفاء الدولة بالتزاماتها في اتخاذ التدابير الإدارية والتشريعية اللازمة لتعزيز واحترام حقوق الإنسان، وأيضا مدى اتفاق ممارسة السلطات الوطنية المنوط بها تطبيق وإنفاذ الاتفاقية على الصعيد الوطني ، وأحكام الاتفاقية . 
وفى نهاية مناقشة التقرير تقوم اللجنة بالإشارة إلى الجوانب الإيجابية في التطبيق وتفسير العهد أو الاتفاقية والجوانب السلبية حيث تسدي إلى الدولة الملاحظات التي يجب عليها أخذها في الاعتبار عند تطبيق العهد بشأن التشريعات أو الممارسات أو تفسير العهد على الصعيد الوطني والتي يجب على الدولة استدراكها في المستقبل وعند إعداد تقريرها الدوري القادم . 
ثانيا : أن المادة 11 من الاتفاقية حظرت سجن أي شخص ، والعقوبة الواردة بالمادة 341 عقوبات هي عقوبة الحبس وليس السجن . 
وكانت عقوبة السجن وفقا للمادة 14 من قانون العقوبات والمستبدلة بالقانون رقم 95 لسنة 2003 المنشور بالجريدة الرسمية العدد رقم 25 تابع في 19 يونيو 2003 هي وضع المحكوم عليه في أحد السجون المخصصة لذلك قانوناً ، وتشغيله داخلها في الأعمال التي تعينها الحكومة ، وذلك مدة حياته إذا كانت العقوبة مؤبدة ، أو المدة المحكوم بها إذا كانت مشددة .
وكانت عقوبة الحبس وفقا للمادة 18 من القانون ذاته هي وضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية المدة المحكوم بها عليه ولا يجوز أن تنقص هذه المدة عن أربع وعشرين ساعة ولا أن تزيد علي ثلاث سنين إلا في الأحوال الخصوصية المنصوص عليها قانوناً .
فنص المادة 11 من الاتفاقية بفرض انطباقه يحظر توقيع عقوبة السجن لا عقوبة الحبس .
ثالثا : أن الفقه والقضاء قد استقرا على أن لقانون العقوبات ذاتية خاصة أي استقلال خاص في مفاهيمه عن أي قانون آخر فإذا أورد المشرع مفهوما خاصا بلفظ معين في القانون الجنائي يختلف عن مفهومه في قوانين أخرى غير جنائية تعين على القاضي تفسيره بالتزام المفهوم الذي أورده القانون الجنائي وذلك للأصول المبني عليها من حماية امن الجماعة ومراعاة شخصية المجرم وعلى ذلك يجوز العقاب على جريمة التبديد حتى لو كان العقد باطلا وفقا لقواعد القانون المدني . ويجوز العقاب على إصدار شيك بدون رصيد ولو كان متحصلا من دين قمار . 
وقد أكدت محكمة النقض هذه الذاتية في مواجهة القانون الدولي حين قضت بأن " القانون الجنائي قانون جزائي له نظام قانوني مستقل عن غيره من النظم القانونية الأخرى وله أهدافه ، إذ يرمي من وراء العقاب إلى الدفاع عن امن الدولة وحماية المصالح الجوهرية فيها وعلى المحكمة عند تطبيقه على جريمة منصوص عليها فيه وتوافرت أركانها وشروطها أن تتقيد بإرادة الشارع في هذا القانون الداخلي ومراعاة أحكامه التي خاطب بها المشرع القاضي الجنائي فهي الأولى في الاعتبار بغض النظر عما يفرضه القانون الدولي من قواعد أو مبادئ يخاطب بها الدول الأعضاء في الجماعة الدولية " 
(الطعن رقم 3487 - لسنة 71 ق جلسة 19 / 10 / 2003 ، نقض 13/5/1958 مجموعة أحكام النقض س 19 رقم 135 ص 505 ، نقض 19/2/1959 مجموعة أحكام النقض س 10 رقم 37 ص 169 ، نقض 6/3/1972 مجموعة أحكام النقض س 23 رقم 70 ص 301 ) 



وحيث أنه عن الدفع بعدم دستورية المادة 341 عقوبات لتعارضها مع المادة 151 من الدستور :
فهو دفع غير سديد متعين الاطراح : فالدفع بعدم الدستورية غير ملزم للمحكمة لعدم تعلقه بالنظام العام ، والبين من نص المادتين 29 ، 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 أنه يشترط للتحقق من جدية الدفع بعدم دستورية قانون أو لائحة أن يبين الطاعن النص التشريعي المطعون فيه والنص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه ومواطن المخالفة التي بنى عليها الدفع ، وذلك حتى يتكشف للمحكمة جدية أو عدم جدية هذا الدفع . 
ولما كان ذلك وكان المتهم قد دفع في عبارات مرسلة مخالفة المادة 341 عقوبات للمواد 68 ، 151 من الدستور فهو دفع – فضلا عن كونه غير جدي تلتف عنه المحكمة – فهو دفع غير صحيح لما هو مستقر عليه من أن مجتمعنا الحالي يحكمه مبدأ سيادة القانون ، أيا كان مصدره ، وهو ما يقتضي التزام جميع أعضاء المجتمع وسلطات الدولة جميعا باحترام القانون كأساس لمشروعية الأعمال ، وهو ما عبر عنه الدستور المصري في المادة 46 منه بأن " سيادة القانون أساس الحكم في الدولة " .
ولذلك لا تسمو الاتفاقيات الدولية والمعاهدات الخاصة بحقوق الإنسان في مصر على القانون الداخلي ، وإنما تكون لها قوة القانون ، بعد إبرامها والتصديق عليها ، ونشرها وفقا للمادة 151 من الدستور والتي جرى نصها على أن " رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان ، وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة .على أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضى الدولة أو التي تتعلق بحقوق السيادة أو التي تحمل خزانة الدولة شيئا من النفقات غير الواردة في الموازنة تجب موافقة مجلس الشعب عليها.
وكان الثابت أن الاتفاقية قد تم التصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية على النحو المار ذكره ، بل ووفقا لحافظة المستندات المقدمة من المتهم فيكون نعيه على المادة 341 غير صحيح .
وقد أجازت المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية نصوص الاتفاقيات الدولية ، التي تخرج عن نطاق أعمال السيادة ، وبالنسبة لقوتها الإلزامية نلاحظ أن نفاذ هذه المعاهدات إلى القانون الداخلي يتم بإرادة الدولة ، لا بقوة الاتفاقية في حد ذاتها ، فنفاذ الاتفاقية يتم بأحد طريقين :
الأول : تستوجب بعض الدول أن ينص المشرع على مبادئ الاتفاقية في صورة تشريع وطني داخلي ، فلا تكتفي بالتصديق .
الثاني : أن تعتبرها الدولة جزءا من التشريع بمجرد التصديق عليها ، وهو الوضع في مصر ، فتصبح للاتفاقية نفس قوة القانون الداخلي ، وتصبح هي الواجبة التطبيق ، باعتبار أنها القانون الأحدث وأن القانون اللاحق ينسخ السابق . إلا أن ذلك لا يكون في القواعد الجنائية التي يشترط أن تكون فيها نصوص الاتفاقية صريحة صالحة بذاتها للإعمال الفوري ، بأن تكون في صياغتها بعيدة عن القواعد العامة والعبارات المطاطة التي تتنافى مع سياسة التجريم والعقاب ووجوب أن يكون النص الجنائي واضحا محددا منضبطا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق