الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الاثنين، 1 ديسمبر 2025

التعليق على اتفاقية جنيف الأولى / المقدمة

عودة الى صفحة التعليق على اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، 1949 👈 (هنا)


المقدمة 

تعليق 2016                                             Commentary of 2016


1. مشروع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتحديث التعليقات

1-1. معلومات أساسية عن المشروع ونطاقه

1 - تشكل اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 1949 والبروتوكولان الإضافيان المؤرخان في 1977 أساس القانون الدولي الإنساني اليوم. فهذه الصكوك تتضمن قواعد القانون الإنساني الأساسية التي تحمي المدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال وأفراد الخدمات الطبية والدينية، بالإضافة إلى مجموعة من الأعيان المحمية كالأعيان ذات الطبيعة المدنية والوحدات الطبية والنقل الطبي. وفي الوقت الذي كان فيه هذا التعليق قيد الإعداد كانت اتفاقيات جنيف إما مصدقًا عليها أو ملتزمًا بها على مستوى عالميٍّ. وزيادة على ذلك، فالغالبية العظمى من البلدان، أي أكثر من خمسة بلدان من كل ستة، أصبحت أطرافًا في البروتوكولين الإضافيين المؤرخين في 1977.[1]

2 - بمجرد إقرار اتفاقيات جنيف في عام 1949، انبرت مجموعة من الخبراء القانونيين التابعين للجنة الدولية للصليب الأحمر، الذين شاركوا في صياغة تلك الاتفاقيات وفي المفاوضات التي جرت بشأنها، في كتابة تعليق تفصيلي على كل حكم من أحكامها. وكان نتيجة ذلك نشر تعليق على كل من الاتفاقيات الأربع بين عامي 1952 و1960، تحت الإشراف العام على التحرير للسيد/ جان بيكتيه.[2] وبالمثل، عندما أقر البروتوكولان الإضافيان في عام 1977، انطلق الخبراء القانونيون الذين شاركوا في المفاوضات بشأنهما إلى كتابة تعليق على كل منهما، ونشر التعليقان في 1986-1987.[3]

3 - وعلى مر الأعوام، أصبح ينظر إلى تعليقات اللجنة الدولية للصليب الأحمر الستة على أنها تعليقات جديرة بالاحترام وتفسيرات مرجعية لاتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين المؤرخين في 1977، وأنها جوهرية لفهم القانون وتطبيقه.[4]

4 - استندت التعليقات الأولى بشكل رئيسي إلى تاريخ المفاوضات التي أجريت بشأن هذه المعاهدات، حسبما شهدها المعلقون شخصيًّا، واستندت كذلك إلى الممارسات السابقة للدول، ومن ثم تحتفظ تلك التعليقات بقيمتها التاريخية. وتحتوي هذه التعليقات في عدة مواضع منها على مقارنة تفصيلية بالاتفاقيات السابقة، كعرض مقارنة بين الاتفاقيات المؤرخة في 1949 واتفاقيات جنيف بشأن الجرحى والمرضى وأسرى الحرب المؤرخة في 1929.

5 - ولكن مع مرور الوقت وتطور الممارسة، أدركت اللجنة الدولية للصليب الأحمر حاجة حقيقية إلى تحديث التعليقات. ومن ثم، قررت أن تبدأ مشروعًا طموحًا لتحقيق ذلك الغرض. ويسعى هذا التحديث إلى توضيح الممارسات التي تطورت في تطبيق الاتفاقيات والبروتوكولين وتفسيرها عبر العقود منذ إقرارها، مع الحفاظ على عناصر التعليقات الأولى التي لا تزال ملائمة. والهدف من ذلك هو التأكد أن الإصدارات الجديدة تعكس الممارسات والتفسير القانوني المعاصرَين. ومن ثمَّ فإن الإصدارات الجديدة لهذه التعليقات جاءت أكثر تفصيلًا لأنها انبنت على تطبيق اتفاقيات جنيف على مدى أكثر من 60 عامًا - وأكثر من 40 عامًا في تطبيق البروتوكولين الإضافيين المؤرخين في 1977 - وما قدمته الدول والمحاكم والباحثون من تفسير. وتوضح التعليقات الجديدة تفسيرات القانون الحالية، إن وجدت، التي ذهبت إليها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن كان ثم تفسيرات، إلى جانب توضيح تبايُن وجهات النظر الرئيسية عند الوقوف عليها.

6 - يحتفظ التحديث بالنمط الأصلي للتعليقات، أي إنه يعرض تحليلًا لكل من مواد وأحكام اتفاقيات جنيف والبروتوكولين واحدة تلو الأخرى. وصيغت التعليقات على المواد المشتركة في الاتفاقية الأولى بحيث تغطي الاتفاقيات الأربع. وعدلت تلك التعليقات بحيث تلائم سياقات معينة في الاتفاقية المعنية، كأن يضاف تعريف لكلمة "غرقى" في سياق الاتفاقية الثانية.

7 - المجلد الذي بين يديك هو الجزء الأول من سلسلة من ستة تعليقات محدثة. ولا يدخل ضمن إطار هذا المشروع التعليق على البروتوكول الإضافي الثالث الذي نشر في عام 2007.[5]


1-2. دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في التعليق على اتفاقيات جنيف والبروتوكولات

8 - أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تكليفًا بكتابة التعليقات الأولى انطلاقًا من دورها بوصفها حارسًا على القانون الإنساني وداعيًا إليه، ويصدق عين القول على الإصدار الحالي المحدث. وهذا الدور أقره النظام الأساسي والنظام الداخلي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، وبشكل خاص دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهو "العمل على فهم ونشر القانون الدولي الإنساني الواجب التطبيق في النزاعات المسلحة وإعداد أي تطوير له"،[6] وانطلاقًا أيضًا من دورها "[بالاضطلاع] بالمهام الموكلة إليها بموجب اتفاقيات جنيف" و"العمل من أجل التطبيق الأمين للقانون الدولي الإنساني الواجب التطبيق في النزاعات المسلحة، وأخذ العلم بأي شكاوى مبنية على مزاعم بانتهاكات هذا القانون".[7] وفي الكثير من الحالات، تجعل هذه المهامُّ لزامًا على اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تفسر معاهدات القانون الدولي الإنساني التي يرتكز عليها هذا التكليف. وبناءً على ما سبق، فإن تفسير القانون الإنساني يقع في صلب العمل اليومي للمنظمة عبر جميع أنشطتها.

9 - وهناك أيضًا مجموعةٌ كبيرة من الأطراف الفاعلة الأخرى تصدت إلى تفسير الاتفاقيات والبروتوكولات، وبشكل خاص الدول (عن طريق الخبراء القانونيين في الوزارات، والقادة العسكريين، وضباط أركان الحرب والقانونيين، والمحامين أمام المحاكم)، والمحاكم الوطنية والدولية، وهيئات التحكيم، والمنظمات الدولية، ومكونات حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والمنظمات غير الحكومية والأكاديميين. ولقد أخذنا في الحسبان، عند الملاءمة، في إعدادنا هذا التعليق التفسيرات التي خرجت بها تلك الأطراف الفاعلة، وعلى الأخص تفسيرات الدول وقرارات المحاكم، وهي من ضمن أهم المصادر التي تعين على التفسير.

10 - بالإضافة إلى ما سبق، ما يميز التعليقات المحدثة التي كلفت بإعدادها اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن التعليقات الأكاديمية الأخرى هو أن من أسهموا في إعداد تلك التعليقات استطاعوا الاعتماد على الأبحاث المودعة في محفوظات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مع حفاظهم على طبيعتها السرية، من أجل تقييم تطبيق الاتفاقيات والبروتوكولات وتفسيرها منذ إقرارها.


2. عملية الصياغة

11 - نفذ عمليتي البحث والتنسيق بشأن إعداد هذا التعليق فريقُ مشروع تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر. وقد صاغ الفريق هذا التعليق بالتعاون مع مجموعة من المشاركين الخارجيين وعدد من القانونيين الإضافيين في فريق عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وسلمت جميع مسودات التعليقات بغرض المراجعة إلى مجموعة من المشاركين، أي لجنة القراءة.

12 - وفي الوقت ذاته، أسند إلى طاقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر مراجعة عدد من المسودات، لا سيما العاملون في مجال دمج القانون والترويج له، والسياسات، والتعاون في حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والحماية والمساعدة. وجرت مشاورات إضافية مع قانونيين حكوميين، أو عسكريين أو تابعين لجمعية الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر بشأن أمور معينة.

13 - قُدمت مسودات التعليقات بعد ذلك بغرض المراجعة إلى لجنة التحرير المؤلفة من اثنين من قدامى الخبراء في القانون الإنساني، أحدهما يعمل لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر والآخر خبير خارجي. واستنادًا إلى تعليقات اللجنة، أعدت مسودات جديدة وانتقلت إلى عملية مراجعة نظراء شاملة نفذتها مجموعة من 60 باحثًا وممارسًا اختيروا من جميع بقاع العالم، وهم ممن يعملون في دراسة القانون الإنساني وتطبيقه. وبناءً على التعليقات الناتجة عن مراجعة النظراء، أعد فريق المشروع مسودة نهائية لتعتمدها لجنة التحرير. وبناءً على ما تقدم، فإن النص النهائي أتى نتاجًا لعملية تعاونية.[8]

14 - كان الهدف من هذه الخطوات المتعددة من التشاور والمراجعة هو التحقق من أن التعليق المحدث، الذي كتب بعد التعليق الأول الصادر عام 1952 بعد نيف وستين عامًا، يعكس الممارسات الحالية بأقصى قدر ممكن من الدقة، ويقدم تفسيرات قانونية حديثة تستند إلى أحدث الممارسات والسوابق القضائية والملاحظات الأكاديمية وخبرة اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ويمكن الحصول على التفاصيل الخاصة بالمعاهدات والمستندات الأخرى والأدلة العسكرية والتشريعات الوطنية والسوابق القضائية الوطنية والدولية التي رجعنا إليها في الجداول الخاصة بكل من تلك الأصناف من المراجع في نهاية هذا المجلد.

15 - جرى إعداد التعليق المحدث لكي يفيد منه مخاطبون كثر وعلى الأخص من يطبقون القانون الدولي الإنساني كالقادة العسكريين وضباط أركان الحرب والقانونيين العسكريين، والقضاة والقانونيين أمام المحاكم الوطنية والدولية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومكونات أخرى من مكونات حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وموظفي المنظمات غير الحكومية، إلى جانب الأكاديميين والباحثين.


3. المنهجية

3-1. المقدمة

16 - يطبق التعليق المحدث منهجية تفسير المعاهدات حسبما أوردتها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المؤرخة في 1969، في المواد من 31 إلى 33 على وجه التحديد.[9] ومع أن هذه الاتفاقية أُقرت بعد مرور عشرين عامًا من اتفاقيات جنيف، فإن تلك القواعد ينظر إليها عمومًا على أنها تعكس القانون الدولي العرفي. [10]

17 - يعرض النص التالي كيفية تطبيق هذه المنهجية على تفسير اتفاقيات جنيف، وعلى الأخص الاتفاقية الأولى.

18 - عملًا بالمادة 31 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، يجب أن تفسر المعاهدات "بحسن نية ووفقًا للمعنى العادي الذي يعطى لألفاظها في السياق الذي ترد فيه وفي ضوء موضوعها والغرض منها". ومع أن قاعدة التفسير هذه تحتوي على عناصر، مشروحة أدناه تحت عناوين منفصلة، يجب أن يضم التفسير نفسه تلك العناصر جميعًا.[11]

19 - ينبع الالتزام بتفسير بنود المعاهدة بحسن نية من الالتزام العام باحترام ما تنص عليه المعاهدات من التزامات بحسن نية، وهو المبدأ القانوني المعروف العقد شريعة المتعاقدين (pacta sunt servanda) ("وجوب احترام الاتفاقيات").[12]


3-2. المعنى العادي للألفاظ

20 - يسهل التحقق من المعنى العادي لأغلب الألفاظ في اتفاقيات جنيف، فالاتفاقيات تكتب عادةً بلغة بسيطة جلية وتحوي التفاصيلَ المهمة في الأحكام نفسها (انظر الكثير من الأحكام المفصلة في الاتفاقية الثالثة على سبيل المثال).

21 - وفي سبيل تحقيق اتفاقيات جنيف الغرض منها، فقد صيغت بطريقة يسهل معها على الجنود وعلى قادتهم فهمها، وكذلك المدنيين. تشترط الاتفاقيات إدراج دراستها ضمن برامج التعليم العسكري،[13] وأن تعلق نسخة من الاتفاقية الثالثة بكاملها في معسكرات الأسرى "بلغة أسرى الحرب، في أماكن يمكن فيها لجميع الأسرى الرجوع إليها".[14] والغرض من ذلك هو أن يكون الأسرى قادرين على قراءة الاتفاقية وأن يكونوا على علم كامل بحقوقهم بموجب الاتفاقية أثناء فترة اعتقالهم. بالمثل، تستشرف اتفاقية جنيف دورًا يؤديه السكان المدنيون في البحث عن المصابين والمرضى وجمعهم على سبيل المثال، ومن ثم فمن المهم أن يكون المدنيون قادرين على فهم النص (الواضح) للاتفاقيات. وإضافة إلى ذلك، فإن المدنيين محميون بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، ما يجعلنا ندرك تمام الإدراك أهمية فهمهم الكامل لهذه المعاهدة.

22 - ولكن، حسبما أظهرت الممارسات في تطبيق اتفاقيات جنيف وتفسيرها عبر العقود الستة الماضية، فإن معاني ألفاظ الاتفاقيات لا تكون واضحة دائمًا أو قد يؤدي عدم وضوحها إلى الحاجة إلى مزيد من التفسير. يحدد هذا التعليق المعنى العادي للألفاظ عند اللزوم بالرجوع إلى معاجم مرجعية في اللغة الإنجليزية الفصحى مثل Concise Oxford English Dictionary، أو معاجم قانونية مثل Black’s Law Dictionary.

23 - لقد صيغ التعليق المحدث باللغة الإنجليزية، ومع ذلك كان الكتّاب يرجعون باستمرار إلى النسخة الفرنسية من الاتفاقية، وهي على القدر نفسه من الحجية، ويقارنونها بالنسخة الإنجليزية.[15] وعند تبين فروق بين النسختين، يقترح التعليق تفسيرًا يوفق بينهما.[16] وفي سبيل التحقق من معاني الألفاظ في النسخة الفرنسية للاتفاقية، لجأ المعلقون إلى معاجم مرجعية في اللغة الفرنسية الفصحى مثل Le Petit Robert أو Le Petit Larousse.


3-3. السياق

24 - عملًا بالمادة 31(1) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، يجب، في سبيل تحديد المعنى العادي الذي سيُعطى لألفاظ الاتفاقية، وضع تلك الألفاظ "في السياق الذي ترد فيه". ووفقًا للمادة 31(2)، لا يشمل السياق الواجبة مراعاته لتفسير المعاهدة نصَّ المعاهدة فحسب، وإنما الديباجة والملاحق كذلك.

25 - للاتفاقية الأولى ملحقان: الأول هو مشروع اتفاق يتعلق بمناطق ومواقع الاستشفاء، والثاني نموذج لبطاقة تحقيق الهوية لأفراد الخدمات الطبية والدينية الملحقين بالقوات المسلحة. ويشار إلى هذين الملحقين عند الملاءمة في سياق حكم محدد.[17] لم تخضع التعليقات على الملحقين للتحديث لانتفاء الأهمية العملية التي تستوجبه من منظورنا.

26 يشمل السياق كذلك بنية الاتفاقيات وعناوينها وعناوين الفصول ونصوص المواد الأخرى. وتعدُّ الوثيقة الختامية والأحد عشر قرارًا الملحقة بها التي أقرها مؤتمر جنيف الدبلوماسي لعام 1949 جزءًا من السياق أيضًا لغرض تفسير كل من تلك المعاهدات.[18]

27 - وفي حالة اتفاقيات جنيف، العناوين الهامشية ليست جزءًا من النص ولا جزءًا من السياق، فقد وضعها الوديع، وهو مجلس الاتحاد السويسري، بعد المؤتمر الدبلوماسي، بغرض تسهيل الرجوع إلى الاتفاقية. فمواد الاتفاقيات غير معنونة على عكس مواد البروتوكولات.[19] ولقد غُيرت العناوين الهامشية لبعض المواد تغييرًا طفيفًا في هذا التعليق لتحديد موضوعات المواد على نحوٍ أفضل.


3-4. الموضوع والغرض

28 - تحريًا للدقة، يمكن القول إن موضوع المعاهدة يشير إلى الحقوق والالتزامات التي تنص عليها،[20] أما الغرض فيشير إلى الغاية التي يرجى تحقيقها من أحكام المعاهدة.[21] ومع تلك التفرقة يستخدم لفظا "الموضوع والغرض" بحسبانهما "وحدة واحدة".[22] وبناءً على ذلك، يشار إلى موضوع المعاهدة والغرض منها على أنهما "سبب وجودها"،[23] أو "جوهرها الأساسي"،[24] أو "محتواها الجوهري".[25]

29 - النظر بحسن نية في الموضوع والغرض هو ما يكفل فاعلية بنود المعاهدة:

إذا قبلت معاهدة تفسيرين، أحدهما يمكّن من إنشاء الآثار المتوخاة منها، والآخر لا يمكّن من ذلك، فإن حسن النية وأهداف المعاهدة وأغراضها تفرض إقرار التفسير الأول.[26]

وكما يمكن أن نرى من هذا الاقتباس، وحسب ما أقرته محكمة العدل الدولية، قد تتعدد موضوعات المعاهدة الواحدة وأغراضها.[27] والموضع الذي نجد فيه عادةً الموضوع والغرض هو الديباجة.[28] والديباجة في اتفاقيات جنيف شديدة الاقتضاب ولا تقدم إلا إرشادًا محدودًا، على العكس من البروتوكولات الإضافية ذات الديابيج الأوسع نطاقًا.[29] ولكن، فيما تتجاوز الديباجة، يجب النظر في نص الاتفاقيات بالكامل بما في ذلك العناوين والملاحق عند التحقق من موضوعها والغرض منها.[30]

30 - وعلى هذا الأساس، يمكن التحقق من أن موضوع الاتفاقية الأولى وغرضها الشاملين هما كفالة احترام الجرحى والمرضى وحمايتهم، بالإضافة إلى الموتى، في النزاعات المسلحة الدولية. وصيغت الأحكام الأخرى للاتفاقية بما يهدف تحقيق هذا الغرض، على سبيل المثال قواعد البحث عن الجرحى والمرضى والموتى وجمعهم. وبالإضافة إلى ذلك، فالقواعد التي تُلزم باحترام أفراد الخدمات الطبية والدينية وحمايتهم، واحترام الوحدات الطبية والنقل الطبي وحمايتهما، والشارات المميزة، تخدم جميعها غرض حماية الجرحى والمرضى ومعالجتهم. أخيرًا، هناك عدد من الأحكام الأخرى التي قصد منها احترام الاتفاقية عن طريق الترويج لها وتطبيقها وإنفاذها.

31 - تضيف المادة 3 المشتركة إلى الاتفاقية الأولى، بل وإلى الاتفاقيات الأربع جميعها، موضوعًا وغرضًا آخرين، حيث تهدف إلى حماية الأشخاص غير المشاركين في أعمال عدائية في حالات النزاع المسلح غير الدولي، أو أولئك الذين توقفت مشاركتهم فيها.

32 - الموازنة بين الاعتبارات الإنسانية من جهة، والضرورة العسكرية من الجهة الأخرى، هي سمة مميزة للقانون الإنساني الدولي. وتنعكس تلك الموازنة في نص الاتفاقيات التي أقرها المؤتمر الدبلوماسي لعام 1949.


3-5. عناصر إضافية في التفسير

33 - عملًا بالمادة 31(3) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، يجب أن يراعي التفسير الوارد في التعليق، بالإضافة إلى سياق المعاهدة، الأمور التالية:

(أ) أي اتفاق لاحق بين الأطراف بشأن تفسير المعاهدة أو سريان نصوصها؛

(ب) أي ممارسة لاحقة في مجال تطبيق المعاهدة بما يؤسس اتفاق الأطراف على تفسيرها؛

(ج) أي قاعدة ملائمة من قواعد القانون الدولي واجبة التطبيق على العلاقات بين الأطراف.

البندان (ب) و(ج) هما اعتباران لهما أهمية خاصة عند تفسير اتفاقيات جنيف. فمن المهم التحقق من الممارسة اللاحقة في تطبيق الاتفاقيات الذي تراكم عبر عشرات السنين منذ إقرار الاتفاقيات.

34 - ومن الممكن أن تظل الممارسات اللاحقة التي لا تحقق معايير هذا الحكم، أي التي لا تؤسس لاتفاق الأطراف على تفسير معاهدة ما، مفيدةً بحسبانها وسيلةً تكميلية للتفسير بموجب المادة 32.[31] وهذه الممارسات تتألف من سلوك طرف أو أكثر في تطبيق المعاهدة بعد إبرامها.[32] ويعتمد وزن تلك الممارسات على مدى وضوحها ودقتها، ووتيرة تكرارها.[33] ولقد شهدت العقود الستة التي انقضت منذ إقرار اتفاقيات جنيف تطورًا لأوجه الممارسات المتعددة، وهو أمر مفيد في هذا الصدد بشكل خاص.

35 - تتضمن أحكام القانون الدولي الأخرى ذات الصلة القانونَ الإنساني العرفي والبروتوكولات الثلاثة الإضافية، بالإضافة إلى معاهدات القانون الدولي ذات الصلة، لا سيما القانون الجنائي الدولي وقانون حقوق الإنسان حال انطباقهما.[34] ولقد كانت تلك المجالات القانونية عندما أقرت اتفاقيات جنيف في عام 1949 في مرحلة وليدية، لكنها تطورت بشكل ملحوظ منذ ذلك الحين. وكما ذكرت محكمة العدل الدولية: "يجب أن تفسر الصكوك الدولية وتطبق في إطار النظام القانوني الكامل السائد وقت التفسير".[35]


3-5-1. القانون الجنائي الدولي

36 - عند النظر إلى القانون الجنائي الدولي على سبيل المثال، نجد أن الركام المتعاظم من السوابق القانونية والأعمال المختلفة للمحاكم الجنائية الدولية فضلًا عن المحاكم الوطنية، يوضح الطريقة التي طبقت بها، وفسرت، تلك المحاكم مفاهيم متطابقة أو متشابهة في القانون الدولي الإنساني بغرض تقدير المسؤولية الجنائية الفردية. ولقد درسنا ذلك الإرث حسب درجة وثاقة صلته بتفسير الاتفاقيات.

37 - فعلى سبيل المثال، أصبحت الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن لعام 1979 نقطة انطلاق لتفسير مفهوم أخذ الرهائن. وتثبت الممارسات اللاحقة ذلك المفهوم أيضًا، على سبيل المثال جريمة الحرب المتمثلة في أخذ الرهائن الواردة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتعريف أركان الجرائم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية لعام 2002، والسوابق القضائية.[36]

38 - وهكذا فمن المهم إبراز أن الإلزام الذي تفرضه المعاهدة الإنسانية قد يكون أكثر اتساعًا من الأقسام المعنية بالتجريم في قاعدة ترد في صك من صكوك القانون الجنائي الدولي. والالتزام بمعاهدة إنسانية هو التزام قائم بذاته مستقلًّا عن قاعدة القانون الجنائي الدولي التي انبنت على أساسها السوابق القضائية، ومن ثمَّ قد لا يتطابق مضمون الالتزام في مجموعتي القوانين ويشار إلى الاختلافات حيث وجدت.


3-5-2. القانون الدولي لحقوق الإنسان

39 - من المعترف به بشكل عام في اتفاقيات جنيف، بشأن العلاقة بين القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، أن قانون حقوق الإنسان واجب التطبيق في مواقف النزاعات المسلحة يكمل الحماية التي يكفلها القانون الإنساني، لأن كلا القانونين تجمعهما قيمة واحدة وهي حماية الحياة والكرامة الإنسانيتين.[37] بيد أن العلاقة بينهما معقدةٌ ولا تزال خاضعة للمزيد من التوضيح والتطور. وهذه العلاقة هي أيضًا علاقة شديدة الارتباط بالسياق ومن ثمَّ يتوقف التفاعل بين القانونين على المسألة المطروحة. ولا يزعم هذا التعليق أنه يضع نظرية عامة للعلاقة التي تنطبق على كل التفاعلات المحتملة بين كل قاعدة من قواعد الاتفاقيات وكل قاعدة من قواعد حقوق الإنسان، وهذا التعليق يعالج العلاقة لكل حالة على حدة استنادًا إلى مسلمة الطبيعة التكاملية التي يتسم بها القانونان.

40 - وعليه، رجعنا إلى قانون حقوق الإنسان عند ارتباطه بالموضوع بهدف تفسير المفاهيم المشتركة (كالمعاملة القاسية واللاإنسانية والحاطَّة بالكرامة). بيد أن هذا لا يعني إمكانية تحول قانون حقوق الإنسان وتفسيراته تلقائيًّا إلى أحكام في القانون الإنساني. وأشرنا إلى الاختلافات بينهما عند الملاءمة. فتعريف التعذيب منصوص عليه في اتفاقية مناهضة التعذيب المؤرخة في 1984 على سبيل المثال، مع أن السوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة وأركان الجرائم الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية فسرتا هذا المفهوم على أنه أكثر اتساعًا في القانون الإنساني منه في اتفاقية مناهضة التعذيب.[38]

41 - يأتي الحديث عن قانون حقوق الإنسان، وإن كان يحتفظ بوجوده ونطاق تطبيقه المستقلين، في سياق اتفاقيات جنيف عندما يتأثر تطبيقها بالتزامات قانون حقوق الإنسان الدولي. ولم يكن التعليق على المادة 3 المشتركة على سبيل المثال (إضافة إلى المادتين 100 و101 من الاتفاقية الثالثة، والمادة 86 من الاتفاقية الرابعة) التي تتحسب لاحتمال استخدام عقوبة الإعدام، ليكتمل دون الإشارة إلى المعاهدات الدولية الهادفة إلى إلغاء عقوبة الإعدام.[39] ولا ترد هذه الإشارات على سبيل تفسير الالتزامات التي تفرضها اتفاقيات جنيف عن طريق قانون حقوق الإنسان، ولكن على سبيل ذكر التزامات موازية لتقديم نظرة كاملة للقواعد القانونية الدولية.


3-5-3. البروتوكولات الإضافية

42 - العلاقة التي تربط اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الإضافية لعام 1977 ولعام 2005 هي مسألة ذات طبيعة خاصة، حيث صيغت التعليقات الأولى على الاتفاقيات قبل إقرار البروتوكولات الإضافية. وتهدف التعليقات المحدثة إلى عرض مضمون الالتزامات المنصوص عليها في كل مادة من مواد الاتفاقيات، في ضوء الالتزامات التي تفرضها البروتوكولات الإضافية على الدول الأطراف فيها في أوضح صورة.

43 - وبناءً على ما سبق، توضح التعليقات المحدثة الأثر القانوني للقواعد ذات الصلة الواردة في البروتوكولات على تفسير الاتفاقيات، عندما يكون ذلك الإيضاح مفيدًا. ويوضح التعليق على البروتوكولين الإضافيين بالتفصيل كيف غيرت قاعدةٌ في البروتوكول قاعدةً مقابلة لها في الاتفاقيات أو كملتها أو عززتها، أو جميع ما سبق. على سبيل المثال، يُذكر بإيجاز أثرُ التعاريف التي أوردتها المادة 8(ك) من البروتوكول الإضافي الأول لأفراد الخدمات الطبية والوحدات الطبية والنقل الطبي على الأحكام ذات الصلة من الاتفاقية الأولى، في حين يعرض التعليق على المادة 8 من البروتوكول نفسه هذه التعاريف بمزيد من التفصيل.


3-5-4. القانون الدولي الإنساني العرفي

44 - مسألة أخرى هي العلاقة التي تربط قانون المعاهدات والقانون الدولي الإنساني العرفي. اتفاقيات جنيف صدقت عليها 196 دولة، وهي تعدُّ بشكل عام جزءًا من القانون العرفي.[40] ومع ذلك، عند وضع أحد أحكام الاتفاقية في السياق العام للقانون الدولي، أشير إلى القواعد ذات الصلة في القانون الدولي الإنساني العرفي حسبما ذهبت إليه المحاكم الدولية والأجهزة الأخرى، أو من واقع دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لهذا الموضوع.

45 - ومع ذلك، لا تسعى التعليقات المحدثة إلى تقرير ما إذا كان كل حكم يرقى إلى مرتبة القانون العرفي لأن ذلك يقع خارج نطاقها، ولأن اتفاقيات جنيف، كما ذكر سابقًا، تعدُّ - بصفة عامة - عرفيةً. وعليه، يجب ألا يفسر عدم الإشارة إلى الوضع العرفي لحكم ما على أنه يعني أن ذلك الحكم ليس جزءًا من القانون الدولي العرفي، وإنما كل ما في الأمر أن تلك المسألة لم تطرح للبحث بوصفها جزءًا من تحديث التعليقات.


3-6. المعنى الخاص للألفاظ

46 - عملًا بالمادة 31(4) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، "يعطى معنى خاص للفظ معين إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك". وفيما يخص الاتفاقية الأولى، يجب تطبيق هذه القاعدة على تعريف الجرحى والمرضى على سبيل المثال وهما أوسع وأضيق في الآن ذاته من المعنى العادي لهاتين الكلمتين.[41]


3-7. الأعمال التحضيرية

47 - وأخيرًا، عملًا بالمادة 32 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، "يمكن اللجوء" إلى الأعمال التحضيرية للمعاهدة وملابسات عقدها لتأكيد المعنى الناتج عن تطبيق قاعدة التفسير العامة، أو لتحديد المعنى عندما يؤدي تطبيق القاعدة العامة إلى استمرار المعنى على غموضه أو التباسه، أو إلى نتيجة بيّن تهافتها أو عدم استساغتها عقلًا.

48 - تعطي هذه الصيغة "يمكن اللجوء إلى" انطباعًا بأن الرجوع إلى الأعمال التحضيرية هو أمر اختياري. ولكن عمليًّا، تدرس غالبية التعليقات الأكاديمية على المعاهدات الأعمال التحضيرية بحسبانها مسألة أساسية من مسائل البحث، ولا يقتصر استخدامها فقط على الحالات التي يكون فيها المعنى غامضًا أو ملتبسًا، أو عندما يؤدي إلى نتيجة بيّن تهافتها أو عدم استساغتها عقلًا.[42]

49 - وتأكيدًا على ما سبق، يبدو من المنطقي أن يأخذ الفحص المفصل لكل المسائل الأعمال التحضيرية في الحسبان حتى وإن أدت قاعدة التفسير العامة إلى نتيجة مُرضية. وهذا يساعد المعلق، أيضًا، على فهم "ألفاظ الاتفاقية في سياقها" وهو شرط بموجب القاعدة العامة (انظر المادة 31 (1) و(2) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات). ويكتسي اللجوء إلى الأعمال التحضيرية أهمية خاصة عند عدم الوقوف على شكل حديث من أشكال الممارسة بشأن موضوع معين، كما هي الحال في المادتين 33 و34 من الاتفاقية الأولى التي تختص بمصير مباني الوحدات الطبية التابعة للقوات المسلحة وموادها وجمعيات الإغاثة بعد أن تقع في أيدي العدو.

50 - ترِد، في نهاية هذا المجلد، قائمةٌ بالأعمال التحضيرية التي درسناها لإعداد هذا التعليق.


3-8. غياب التطبيق وإهمال النص

51 - هناك أحكام معينة من الاتفاقية يبدو أنها لم تكن قد طبقت تطبيقًا كثيفًا إبان العقود الستة الماضية. بيد أن عدم التطبيق العملي لحكم ما لا يؤدي في حد ذاته إلى سقوط ذلك الحكم في دائرة الإهمال. ويعني السقوط في دائرة الإهمال أن قاعدة في معاهدة ما لم تعد ممكنة التطبيق أو جرى تعديلها، وهذا استخلاص يجب ألا نترخص في الوصول إليه. فسقوط النص في دائرة الإهمال يخضع لشروط صارمة ويتطلب الاتفاق، بين الأطراف، اتفاقًا ضمنيًّا على الأقل، أو ظهور قاعدة غير متسقة من قواعد القانون الدولي العرفي.[43]

52 - أمثلة على أحكام تنص عليها الاتفاقية الأولى لم تطبق عمليًّا على وجه الإطلاق أو طبقت تطبيقًا محدودًا:

- المادتان 8 و10 بشأن الدول الحامية وبدائلها، لم تطبق إلا نادرًا منذ عام 1949؛

- المادتان 11 و52 بشأن التوفيق وإجراءات التحقيق، التي لم يُعتمد عليها بذلك المعنى في النزاعات الحديثة؛

- المادة 26 بشأن موظفي جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الوطنية الموضوعين تحت تصرف الخدمات الطبية للجيش، وهو أمر ندر حدوثه منذ 1949. ولم تطبق المادة 34 بشأن ممتلكات هذه الجمعيات عمليًّا.

- المواد 27 و32 و43 بشأن الوحدات الطبية التابعة لجمعيات الإغاثة للبلدان المحايدة وموظفي تلك الوحدات لم تطبق منذ عام 1949.

- المواد 28 و30 و31 بشأن استبقاء أفراد الخدمات الطبية والدينية، هذه المسألة لم تكن ذات بال إلا فيما ندر في النزاعات المسلحة الحديثة.

لكن يستمر بقاء هذه الأحكام بوصفها قواعد سارية من قواعد المعاهدة، ويجب تطبيقها عند توفر شروط تطبيقها.


4. هيكل التعليقات

53 - يعرض كل تعليق نص الحكم محل الدرس، وأضيف ترقيمٌ للفقرات في المواد متعددة الفقرات حتى يسهل الرجوع إليها. وتُعرض، بعد نص الحكم، قائمة بالتحفظات والإعلانات السارية وقت نشر التعليق.

54 - جدول المحتويات الذي يقدم الوصف العام للموضوعات محل النقاش يسبق التعليق نفسه. ويتيح هذا الجدول للقارئ يُسر تصفح التعليق وسرعة تحديد أقسام التعليق التي تهمه أكثر من غيرها. وجميع التعليقات مقسمة بطريقة واحدة وهي:

55 - المقدمة: تؤدي المقدمة وظيفة الملخص الوافي للتعليق، فهي تبرز الموضوعات الرئيسية المعروضة وتقدم عرضًا سريعًا للموضوع الذي تعالجه المادة المعنية. ويمكن الحصول على المزيد من التفاصيل في القسم المعنون "المناقشة". وفي بعض الحالات تدمج المقدمة مع القسم التالي لها وهو القسم المعنون "الخلفية التاريخية".

56 - الخلفية التاريخية: يبرز هذا الجزء المراحل الأساسية في تطور حكم معين، بدلًا من السعي نحو تقديم عرض شامل لتاريخ الصياغة بأكمله. ويتوقف مدى استفاضة هذا الجزء على أهمية الخلفية التاريخية للفهم الحالي للحكم، وعلى حجم التغير والتطور اللذين طرأا على ذلك الحكم بعينه بمرور الوقت. وترشد الهوامش أدنى كل صفحة القارئ إلى التفاصيل الضرورية.

57 - عناصر تاريخ الصياغة ذات التأثير المباشر على تفسير وجه معين من أوجه الحكم تأتي تحت القسم المعنون "المناقشة".

58 - وفي حالة المواد متعددة الفقرات، كالمادة 3 المشتركة، يركز هذا القسم على الخلفية التاريخية العامة للمادة نفسها وليس لكل فقرة من فقراتها. وقد يعرض - بعد ذلك - الخلفية التاريخية لفقرة معينة في قسم منفصل، أو قد يدخلها ضمن متن المقدمة أو المناقشة.

59 - المناقشة: يشكل هذا الجزء قلب التعليق. وبخصوص المواد ذات الفقرة الواحدة يقسم هذا الجزء إلى أقسام حسب الموضوع، أما المواد التي يكون قوامها أكثر من فقرة، تقسم المناقشة حسب الفقرات، وقد تضم فقرات فرعية حسب الموضوع. ويبرز التعليق مضمون الحكم ويشرحه. وكما أشرنا، يتبع التعليق قواعد التفسير التي تنص عليها اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. ويتوقف المضمون الدقيق لقسم المناقشة على المادة قيد البحث، لكن بشكل عام تضم أهدافه العامة ما يلي:

- تفسير المعنى العادي للنص في ضوء السياق الذي ورد فيه وموضوعه والغرض منه؛

- تحديد ما جرى اتباعه في تنفيذ حكم ما، إذا كان هذا يعين على إيضاح نطاقه ومضمونه؛

- الوصف التحليلي لتفسيرات المحاكم الدولية للمادة المعنية؛

- تحديد المجالات التي تكون فيها اشتراطات بعينها لقاعدة ما محل جدال؛

- وضع الخطوط العريضة والمراجع للآراء الأكاديمية الأكثر حجية بشأن المسألة المطروحة، مع التركيز على الخطوط الرئيسية الفاصلة بين الآراء المتباينة؛

- توضيح موقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن وجد، بشأن الكيفية التي جرى بها تفسير المادة وتطبيقها والأساس المنطقي الذي بنت عليه ذلك الموقف؛

- عرض العناصر الرئيسية لتنفيذ الالتزام من منظور عملي على الصعيدين الإنساني والعسكري؛

- تقديم وصف موجز، حسب الملاءمة، بشأن الكيفية التي يؤثر بها التطبيق العملي لأحد الأحكام تأثيرًا مختلفًا عند تطبيقه على النساء والرجال والفتيات والصبية؛

- إيضاح بإيجاز، حسب الملاءمة، ما إذا كانت مخالفة ما، تستتبع المسؤولية الجنائية الفردية على المنتهك طبقًا للقانون الدولي؛

60 - ثبت المراجع المختارة: عند توفر دراسات بعينها تتعلق بالحكم، يلحق بالتعليق قائمة بالمراجع المختارة. وتضم القائمة الأعمال المشار إليها في التعليق، بالإضافة إلى مواد للاستزادة. تعرض الجداول الواردة في نهاية هذا المجلد المعاهدات والمستندات الأخرى والأدلة العسكرية والتشريعات الوطنية والسوابق القضائية الوطنية والدولية المشار إليها.


5. اتفاقية جنيف الأولى

5-1. المقدمة

61 - اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان هي الأولى من بين الاتفاقيات الأربع التي أقرها مؤتمر جنيف الدبلوماسي لعام 1949.

62 - شجع على اتخاذ قرار مراجعة الاتفاقيتين المؤرختين في 1929 ووضع إطار قانوني أشمل لحماية ضحايا النزاعات المسلحة، العنف غير المسبوق الذي شهدته الحرب العالمية الثانية من حيث نطاقه والمعاناة التي سببها بين المتحاربين والسكان المدنيين على حد سواء. ومع أن تحسينات الحماية التي يقدمها القانون الدولي الإنساني ظلت قيد النقاش قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بوقت ليس بقصير، حثت تجارب تلك الحرب الحكومات المشاركة في المؤتمر الدبلوماسي على سد بعض الفجوات في اتفاقيات القانون الدولي الإنساني العرفي التي كشفت عنها الحرب العالمية الثانية.

63 - مرَّ أكثر من 65 عامًا، ولا تزال اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 1949 تشكل أساس القانون الدولي الإنساني، كما أنها من بين أهم المعاهدات التي تحكم حماية ضحايا النزاعات المسلحة. ويشمل هؤلاء الضحايا الجرحى والمرضى، والغرقى، وأسرى الحرب، والمعتقلين المدنيين، والمدنيين الذين يعيشون تحت سيطرة دولة معادية، أو في ظل احتلال، أو في أرض طرف خصم، ويتضمن هؤلاء الضحايا فئات خاصة من الأشخاص كالنساء والأطفال والنازحين. وبهذا تكون اتفاقيات جنيف قد نصت على القواعد الجوهرية التي تحمي الأفراد الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية مباشرة أو توقفت مشاركتهم فيها.

64 - سرعان ما لقيت الاتفاقيات المؤرخة في 1949 قبولًا كبيرًا لدى الدول التي صدقت، دون استثناء، عليها كمجموعة واحدة. ودخلت الاتفاقيات الأربع حيز النفاذ في 21 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1950، بعد أول تصديقين عليها.[44] وصدق عليها 74 دولة أخرى في خمسينيات القرن العشرين وحصلت على 48 تصديقًا آخر في الستينيات من القرن ذاته، وزادت هذه التصديقات زيادة مطردة في السبعينيات والثمانينيات من القرن نفسه. وحدثت موجة من 26 تصديقًا جديدًا في أوائل التسعينيات، نتجت بصفة خاصة عن تفكك الاتحاد السوفييتي، وتشيكوسلوفاكيا، ويوغوسلافيا السابقة. وبعد التصديقات المعدودة التي جرت منذ عام 2000 أصبح سريان اتفاقيات جنيف شاملًا، والتي بلغ عدد الأطراف فيها 196 دولة طرفًا وقت إعداد هذا التعليق.[45] وزيادة على ذلك، تعدُّ الاتفاقيات جزءًا من القانون العرفي.[46] التصديق العالمي على هذه الاتفاقيات وسمة القانون العرفي لقواعدها هما برهان ساطع على اقتناع الكثيرين بوجوب وضع حد للحروب.


5-2. الخلفية التاريخية

65 - لا ينفصل أصل اتفاقية جنيف الأولى وتاريخ اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومؤسسوها الأصليون؛ ولقد عبر هنري دونان في كتابه "تذكار سولفرينو"، الذي نشر في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1862، عن رغبة من شقين - الأول: هو وجوب أن ينشئ كل بلد جمعية إغاثة في وقت السلم لتساعد الخدمات الطبية التابعة للجيش في أوقات الحرب؛ والآخر: أن تصدق الدول بواسطة اتفاقية على مبدأ معظم من شأنه منح تلك الجمعيات الاعتراف الدولي لمساعدة الخدمة الطبية التابعة للقوات المسلحة أثناء النزاعات المسلحة. تواصل جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ترجمة أولى هاتين الأمنيتين إلى واقع. أما الأمنية الثانية فهي ما أدى إلى إقرار اتفاقية جنيف الأولى في حد ذاتها، وهي اتفاقية جنيف لتحسين حال جرحى الجيوش العسكريين في الميدان المؤرخة في 1864. ويعزى القدر الأكبر من تحقق إقرار تلك المعاهدة في هذه المدة القصيرة إلى رؤية مؤسسي اللجنة الدولية للصليب الأحمر وإصرارهم.

66 - تكونت الاتفاقية الأولى المؤرخة في 1864 من 10 مواد فقط، لكنها أرست أساسًا لم يتزعزع قط منذ ذلك الحين. لقد جسدت مبدأ وجوب حماية أفراد القوات المسلحة العاجزين عن القتال بسبب الإصابة أو المرض، والذين يفتقرون إلى وسيلة دفاع، ورعايتهم أيًّا كانت جنسيتهم. وأضافت، نتيجة لازمة لذلك المبدأ، ومن أجل مصلحة الجرحى على الأخص، وجوب حماية مركبات الإسعاف والمستشفيات العسكرية، وأفراد الخدمات الطبية، من الهجمات العدائية. واختير الشعار المميز، الصليب الأحمر المرسوم على أرضية بيضاء، إشارةً بارزة على هذه الحماية.

67 - ومهما يبلغ تأكيدنا على أهمية تقنين مبدأ وجوب حماية الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة ورعايتهم دون تمييز، فلا نكون - بذلك - قد أدينا هذه الأهمية حقها. وكانت تلك الأهمية هي نقطة البداية لجهود لم تنقطع منذئذ من جانب الحكومات واللجنة الدولية للصليب الأحمر والجمعيات الوطنية في إعادة النظر في الحماية المقدمة للضحايا في أوقات الحرب ورفع مستوى تلك الحماية. ومع أن تلك الحماية لم تسبغ في البداية إلا على الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة دون المدنيين، فإنها تطورت لتصبح بناءً متكاملًا من نصوص القانون الدولي الإنساني التعاهدي الذي يحكم حماية جميع ضحايا النزاعات المسلحة.

68 - وفي وقت مبكر، يعود إلى عام 1868، عُقد مؤتمر دبلوماسي لمناقشة تعديل الاتفاقية المؤرخة في 1864 بحيث تلائم الحرب في البحار، لكن لم يصدَّق قط على أي من المواد الإضافية التي أقرها هذا المؤتمر.

69 - وأقر المؤتمر الدبلوماسي لعام 1906 اتفاقية جديدة وموسعة بشأن الجرحى والمرضى، ما زاد عدد المواد إلى 33 مادة. وأضافت اتفاقية جنيف المؤرخة في 1906 مفهوم "احترام الجرحى والمرضى" إلى الالتزام العام بجمعهم ورعايتهم الذي تنص عليه الاتفاقية المؤرخة في 1864، ونصت على أحكام جديدة معنية بدفن الموتى ونقل المعلومات المتعلقة بهويتهم.

70 - وفي عام 1929، أُقرت اتفاقية جديدة توسعت في أحكام تلك السابقة عليها استنادًا إلى تجربة الحرب العالمية الأولى. وكانت التغييرات الأبرز هي إلغاء المبدأ القانوني القائل بالمشاركة الجماعية (clausula si omnes)، والذي بموجبه لم تكن الاتفاقية ملزمة إلا إذا كان كل المتحاربين في النزاع أطرافًا فيها؛ وإضافة البنود التي أقرت استحداث استخدام الطائرات الطبية؛ وتوسيع نطاق استخدام الشارة ليشمل الأنشطة التي تمارسها الجمعيات الوطنية في أوقات السلم؛ والالتزام بقمع انتهاكات الاتفاقية.

71 - وحسبما أشرنا أعلاه، فإن المراجعات التالية التي أجريت بعد 20 عامًا تأثرت بتجربة الحرب العالمية الثانية تأثرًا كبيرًا. وكان لا بد من الاختيار بين وضع قواعد أكثر تفصيلًا تشمل كل الاحتمالات الممكنة، أو صياغة مبادئ عامة بها من المرونة ما يكفي لتعديلها بحيث تلائم الظروف القائمة في كل بلد. واتفق المؤتمر الدبلوماسي في النهاية على حلٍّ وسط ضم أحكامًا تفصيلية ومبادئ عامة محددة لا يجوز انتهاكها. وهذه المبادئ بعينها هي ما تعطي اتفاقيات جنيف سماتها القانونية المميزة، فهي تكفل الحماية المطلقة طبقًا للاتفاقيات، وامتداد نطاقها إلى ما وراء العلاقات بين الدول وصولًا إلى المستفيدين النهائيين الذين لا يجوز لهم التنازل عن الحقوق المؤمنة لهم.[47] ومع توفر إمكانية إبرام اتفاقات خاصة مع الاسترشاد بالحدود التي تنص عليها نماذج الاتفاقات واللوائح الملحقة بالاتفاقيات، فإنه لا يجوز أن تخفض هذه الاتفاقات مستوى الحماية الذي توفره اتفاقيات جنيف. وللمرة الأولى، نصت الاتفاقيات صراحةً على وجوب أن تتعهد الدول الأطراف باحترام الاتفاقيات وكفالة احترامها. وللمصالح التي تحميها الاتفاقيات أهميةٌ رئيسيةٌ تجعل لكل دولة طرف فيها مصلحةٌ قانونية في الالتزام بها. ويتطلب تحقيق الهدف المتوخى لنظام الحماية الذي تنص عليه اتفاقيات جنيف ألا تطبق الدول الأطراف في ذاتها أحكام الاتفاقيات فحسب، بل أن تنهض - بكل ما في وسعها - وبشكل مناسب لكفالة الاحترام العالمي لتلك الأحكام. ومن ثمَّ، تخلق الاتفاقيات التزاماتٍ ذات حجية مطلقة في مواجهة الكافة (erga omnes partes)، أي ملزمة إزاء كل الأطراف السامية المتعاقدة.[48]

72 - وفي سبيل الوصول إلى هذه النتائج، عقدت عدة مؤتمرات خبراء في جنيف حيث جمعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر المادة التحضيرية، وجمعت كذلك المشروعات الأولى وخضعت تلك المواد للمناقشة. وكان الأهم من بينها اثنان: المؤتمر التمهيدي للجمعيات الوطنية للصليب الأحمر الذي عقد في عام 1946 ومؤتمر الخبراء الحكوميين الذي عقد في عام 1947. وقدمت المشروعات التي أعدتها هذه المؤتمرات إلى المؤتمر الدولي للصليب الأحمر في ستوكهولم لعام 1948، الذي أقر المزيد من التعديلات.

73 - كانت مشروعات ستوكهولم هي أساس المفاوضات التي جرت في المؤتمر الدبلوماسي، الذي دعا مجلس الاتحاد السويسري إلى عقده بصفته وديع الاتفاقيات المؤرخة في 1929، والذي عقد في جنيف من 21 نيسان/ إبريل إلى 12 آب/ أغسطس من عام 1949. ومثل تسعًا وخمسين دولة وفود رسمية ذات صلاحيات كاملة لمناقشة النصوص؛ وأرسلت أربعُ دول مراقبين. شكل المؤتمر على الفور أربع لجان رئيسية انعقدت جميعها في الوقت ذاته ونظرت في النقاط التالية (1) مراجعة اتفاقية جنيف الأولى، وصياغة اتفاقية جنيف الثانية، وهي نتاج تعديل على الاتفاقية الأولى بحيث تلائم الحروب البحرية؛ (2) ومراجعة اتفاقية جنيف المعنية بأسرى الحرب؛ (3) وصياغة اتفاقية جديدة كليًّا عالجت، للمرة الأولى، حماية المدنيين؛ (4) والأحكام المشتركة بين الاتفاقيات الأربع.

74 - شكل المؤتمر كذلك قرب نهايته لجنة تنسيق ولجنة صياغة تولتا تحرير النص للوصول به إلى الاتساق والترابط، وذلك إلى جانب مجموعات عمل عديدة.[49]

75 - يعرض التعليق على كل من المواد المباحثات التي دارت في مختلف اللجان ومجموعات العمل والنتائج التي توصلت إليها - عادةً - في الأقسام المعنونة "الخلفية التاريخية"، ومن ثمَّ لا داعي لذكرها في صورة موجزة في هذا المقام. ولكن يجدر بنا أن نذكر أن سجلات المؤتمر الدبلوماسي، وهي منشورة،[50] وتقارير فرادى المشاركين، هما شاهدان على جهد سخي بذله المفوضون على مدى ما يقرب من أربعة أشهر، فهما يعكسان روحًا إنسانيةً لافتة للنظر ورغبة في التعاون سرت في جنبات المؤتمر الدبلوماسي مع ما شهده من تباين في الآراء.


5-3. مضمون اتفاقية جنيف الأولى

76 - المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه اتفاقيات جنيف الأربع جميعها هو احترام حياة الفرد وكرامته حتى في حالات النزاعات المسلحة - بل على الأخص - في تلك الحالات. وأولئك الذين يعانون أثناء النزاعات المسلحة تجب مساعدتهم وحمايتهم ورعايتهم. ويجب أن يعاملوا تحت أي ظرف بإنسانية دون أي تفرقة ضدهم على أساس العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معايير أخرى مماثلة أيًّا ما كانت.

77 - المبدأ المذكور أعلاه هو أساس القواعد المعنية بأعضاء القوات المسلحة الجرحى والمصابين الواردة في الاتفاقية الأولى، التي تنص، فوق كل شيء، على الالتزام الرئيسي الواقع على الأطراف باحترام أولئك الجرحى وحمايتهم تحت أي ظرف، ومعاملتهم معاملة إنسانية، ورعايتهم دون أي تمييز. ويجب البحث عن الجرحى والمرضى من أعضاء القوات المسلحة وجمعهم وحمايتهم من السلب وسوء المعاملة.

78 - وترتبط الأحكام المعنية بالموتى ارتباطًا وثيقًا بالالتزام سابق الذكر. حيث تنص هذه الأحكام على وجوب البحث عن الموتى وحماية جثثهم من السلب ودفنهم باحترام واحترام قبورهم. كما يجب اتخاذ إجراءات لتسجيل المعلومات التي قد تساعد في التعرف على الجرحى أو المرضى أو الموتى، بحيث يتيسر إبلاغ المعلومات المتعلقة بمصيرهم إلى الدولة التي ينتمون إليها وإلى أُسَرهم في النهاية. ويجب أن يسبق دفن الموتى فحصٌ دقيق بهدف التحقق من هوياتهم، وتمييز مقابرهم بشكل صحيح وتسجيل موقع تلك المقابر.

79 - تكفل اتفاقية جنيف الأولى الحماية لأفراد الخدمات الطبية العسكرية والمواد الطبية والنقل الطبي وللمباني التي تأويهم بحسبان ذلك شرطًا جوهريًّا لجمع الجرحى والمرضى ورعايتهم. وتنطبق هذه الحماية في ميدان المعركة، وعندما يقع أولئك الأفراد في أيدي العدو. تشترط الاتفاقية الأولى كذلك ظروفًا محددة يمكن أن يؤدي تحققها إلى فقدان هذه الحماية، لكن هذه الظروف المعينة تعيينًا واضحًا والمحدودة تضيف ثقلًا إلى الالتزام الرئيسي بعدم جواز الهجوم على أفراد الخدمات الطبية والدينية العسكرية والمنشآت العسكرية، بمن فيهم الموظفون المؤقتون في ظروف معينة، وواجب حمايتهم الملقى على عاتق أطراف النزاع.

80 - وتؤكد اتفاقية جنيف الأولى على شكلي الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر المرسومين على أرضية بيضاء بحسبانهما الشارتين المميزتين اللتين يجب أن تستخدمهما الخدمات الطبية للقوات المسلحة في البلاد، وكان ذلك وسيلةً لتحسين حماية الجنود الجرحى والمرضى والخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة.[51] وتفيد الشارة المميزة إلى تمتع حامليها بحماية خاصة من الهجوم أو الأذى أو أي عرقلة أخرى لمهامهم. والخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة هي المستخدم الرئيسي لتلك الشارات. وفي الوقت ذاته، تؤكد الاتفاقية على جواز استخدام الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر شارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر لإظهار صلتها بالحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر دون إشارة ضمنية إلى استحقاقها الحماية بموجب اتفاقيات جنيف، ودون أي قصد للتمسك بها. وتشترط الاتفاقية الأولى على الأطراف احترام استعمال الشارات وكفالة احترامه ومراقبته، ومنع إساءة استعمال الشارات في جميع الأوقات.

81 - بالنظر إلى أن غالبية النزاعات المسلحة اليوم هي نزاعات ليس لها طابع دولي، أصبحت المادة 3 المشتركة التي تنطبق على تلك النزاعات واحدة من الأحكام الرئيسية في القانون الدولي الإنساني واكتسبت أهمية ربما لم يستشرفها من تولوا الصياغة في عام 1949. كانت المادة 3 المشتركة الحكم التعاهدي الأول الذي يعنى بالنزاعات المسلحة غير الدولية بصفة خاصة. وهي من عدة أوجه [52] اتفاقية مصغرة داخل الاتفاقية، والسمة الأساسية المعتبرة لأحكامها هي أنها تعبير عن "اعتبارات إنسانية أساسية" وأنها بمثابة "معيار أدنى" ملزم في كل النزاعات المسلحة.[53] أكمل البروتوكول الإضافي الثاني، إلى جانب التطور المستمر للقانون الدولي العرفي في هذا المضمار، المادة 3 المشتركة بشأن عدد من الموضوعات المهمة.

82 - وأخيرًا، تضم اتفاقية جنيف الأولى مجموعة شاملة من الأحكام بشأن وقف إساءة الاستعمال والعقوبات الجزائية الرامية إلى كفالة احترام الاتفاقية الأولى وإلى تعزيز الحماية التي توفرها. كانت هذه الأحكام جديدة تمامًا في عام 1949، وأدرجت أحكامٌ مماثلة في اتفاقيات جنيف الأربع جميعها. تلزم المادة 49 الدول الأطراف بسن تشريع ينص على عقوبات جزائية فعالة، وبأن تحاكِم أو تسلم المخالفين المشتبه في ارتكابهم إحدى المخالفات الجسيمة المنصوص عليها في المادة 50 إلى الدول التي يتبعونها أيًّا كانت جنسياتهم.


5-4. الهيكل

83 - تبدأ اتفاقية جنيف الأولى بالأحكام المشتركة وهي متطابقة تطابقًا يكاد أن يكون تامًّا في الاتفاقيات الأربع جميعها. تعنى هذه الأحكام المشتركة التي يوردها الفصل الأول بالالتزام باحترام الاتفاقيات وكفالة احترامها، وبالنص على نطاق تطبيقها. كما تنص على إبرام اتفاقات خاصة بين الأطراف، شريطة ألا يترتب على تلك الاتفاقات زوال الحماية التي توفرها اتفاقية جنيف أو الحد منها؛ ومن ثم، تؤكد على عدم جواز تنازل الأشخاص المحميين عن حقوقهم. وتستشرف كذلك دور الدول الحامية أو بدائلها، وتنص على إجراءات التوفيق بين الأطراف. كما نصت تلك الأحكام على حق اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الإنسانية المحايدة الأخرى، وأنزلت هذا الحق منزلة خاصة، في أن تعرض على أطراف النزاعات المسلحة الدولية أنشطتها الإنسانية لحماية الجرحى والمرضى. وكما ذكرنا أعلاه، المادة 3 المشتركة هي اتفاقية مصغرة تنص للمرة الأولى في قانون المعاهدات على قواعد خاصة بشأن النزاعات المسلحة غير الدولية.

84 - ترد في نهاية الاتفاقية الأولى، أيضًا، أحكامٌ مشتركة بين الاتفاقيات الأربع، أبرزها الأحكام المعنية بالنشر والترجمة إلى لغات أخرى والاقتصاص والعقوبات الجزائية والأحكام النهائية التي تحدد إجراءات التوقيع على الاتفاقية والتصديق عليها ودخولها حيز النفاذ والانضمام إليها.

85 - يأتي الفصل الثاني، الذي يمثل جوهر الاتفاقية، بعد الأحكام المشتركة الواردة في الفصل الأول، وهو يشتمل على القواعد المعنية بحماية جرحى ومرضى القوات المسلحة. تورد المادة 12 قائمة بأفعال محظورة، من بينها الاعتداء على الحياة والتعذيب وترك المرضى والجرحى عمدًا دون رعاية ومساعدة طبيتين. وكملت المادة 15 المادة 12، حيث تفرض على الأطراف التزامات جوهرية محددة تجاه الجرحى والمرضى، لا سيما الالتزام بالبحث عنهم وجمعهم ونقلهم من المناطق الخطرة. وفي حين تحصي المادة 13 فئات الأشخاص المستحقين للحماية بموجب الاتفاقية عند الإصابة أو المرض، توضح المادة 14 أن الجرحى والمرضى العسكريين الذين يقعون في أيدي العدو هم أسرى حرب ومن ثمَّ يتمتعون بالحماية التي تكفلها الاتفاقيتان الأولى والثالثة كلتاهما. وتحدد المادتان 16 و17 المعلومات الواجب تقديمها بشأن الجرحى من الأسرى والواجبات الواجب أداؤها نحو الموتى.

86 - يعالج الفصل الثالث حماية الوحدات والمنشآت الطبية وينص على إنشاء مناطق ومواقع آمنة.

87 - والفصل الرابع يعنى بالوضع القانوني لأفراد الخدمات الطبية والدينية العسكريين، ويوجب احترامهم وحمايتهم في ميدان القتال. ومن حيث المبدأ، عندما يقع أولئك الأفراد في أيدي العدو تجب إعادتهم إلى طرف النزاع الذي يتبعونه. لكن تنص الاتفاقية الأولى على جواز استبقائهم لتقديم الرعاية لأسرى الحرب، وذلك في حالات معينة. ولقد حددت المواد 28 و30 و31 بدقة المركز القانوني الخاص لأولئك الذين لا يلزم استبقاؤهم لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى من أسرى الحرب، وشروط إعادتهم. ويعالج هذا الفصل أيضًا في المواد 26 و27 و30 دور موظفي جمعيات الإغاثة الوطنية عندما يعملون معاونين للخدمة الطبية الخاصة بالقوات المسلحة لدولتها أو تلك الخاصة بالقوات المسلحة لدولة أخرى، وحمايتها.

88 - يتكون الفصل الخامس من مادتين فقط. تنظم المادة 33 حماية الوحدات الطبية المتنقلة والمنشآت الثابتة التابعة للقوات المسلحة عندما تقع في أيدي العدو. وتنص المادة 34 على أن ممتلكات جمعيات الإغاثة تُعدُّ ممتلكات خاصة، وأنه لا يجوز على وجه الإطلاق أخذها غنائم حرب أو الاستيلاء عليها.

89 - يورد الفصل السادس حكمًا مماثلًا بشأن حماية مركبات النقل والطائرات الطبية. بالإضافة إلى ذلك، ترخص المادة 37 من الاتفاقية الأولى للطيران الطبي أن يحلق في حالات معينة فوق أراضي البلدان المحايدة.

90 - يضم الفصل السابع الأحكام المتعلقة باستخدام شارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر المميزة، والحماية الممنوحة بموجبها. ويؤكد هذا الفصل مجددًا الحماية التي تسبغها الشارة المميزة ويوضح معايير استخدامها. ويمكن مطالعة أحكام إضافية بشأن منع إساءة استعمال الشارة والمعاقبة عليها في الفصل التاسع.

91 - ويعنى الفصل الثامن بتوقيع الاتفاقية ونشرها بحسبانه شرطًا جوهريًّا لتنفيذها على نحو فعال، وعنصرًا مهمًّا في خلق بيئة مواتية للسلوك المشروع. ويحتوي هذا الفصل كذلك على مادة تنص على المنع المطلق لاقتصاص المتحاربين من الجرحى والمرضى والموظفين الذين تحميهم الاتفاقية والمباني والمعدات التي تحميها. وهذا المنع المطلق هو وسيلة تأمين الأشخاص المحميين من جميع أطراف النزاع المسلح بموجب اتفاقية جنيف الأولى من خطر التردي الكارثي والسريع في معاملتهم بسبب رد الأطراف المتحاربة على الاعتداءات بارتكاب الأفعال نفسها أو أفعال مشابهة لها.

92 - تنتهي الاتفاقية الأولى بالفصل التاسع الذي يضم مواد تتصل بقمع حالات إساءة الاستعمال والمخالفات، وبقسم نهائي يضم الأحكام الختامية.

93 - منذ إقرار الاتفاقية الأولى في عام 1949، جاء البروتوكول الإضافي الأول والتطور المستمر للقانون الدولي العرفي في هذا المضمار مكملين لعدة جوانب مهمة فيها. فلم تَعُد هناك تفرقة بموجب البروتوكول الإضافي الأول، من بين جملة أمور، بين الجرحى والمرضى العسكريين والمدنيين، بل يكفل الحماية لجميع الجرحى والمرضى. تناقش هذه الأمور مع إضافات وإيضاحات أخرى بالمزيد من التفصيل في التعليق على البروتوكول الإضافي الأول.


5-5. الملاءمة والتحديات المعاصرة

94 - الاتفاقية الأولى ملائمة في وقتنا الحالي بقدر ملاءمتها نفسه وقت إقرارها، فقيم الإنسانية والكرامة الأساسية التي تقوم عليها اتفاقيات جنيف كلها لا ترتبط بزمان محدد، فالحروب تتغير، ومنظومات الأسلحة الجديدة تظهر، لكن يظل هناك عامل ثابت مقلق، ألا وهو استمرار صفة النزاعات المسلحة فيما تخلفه من أعداد كبيرة ممن هم بحاجة ماسة إلى الرعاية الطبية، ودمار للبنية الأساسية الصحية، ونزوح المدنيين على نطاق عريض. يظل تعزيز وحماية أفراد الخدمات الطبية والمواد الطبية، اللذان يسهل بهما الأداء الفعال للمهام الطبية، والتأكد من إمكانية تلقي ضحايا النزاعات المسلحة المساعدة والحماية، تحديًا رئيسيًّا.

95 - أثبتت اتفاقية جنيف الأولى أنها بالغة الأهمية لكفالة الرعاية والحماية لجرحى ومرضى القوات المسلحة، كما كان لها تأثير كبير على تطور السياسات والإجراءات العسكرية الوطنية وعلى تخصيص الموارد، وكذا على التدريب والتنفيذ. واستنادًا إلى قواعد الاتفاقية، تدعو اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدول إلى الالتزام بمعايير محددة لمعالجة الجرحى والمرضى في أوقات النزاعات المسلحة، وهذه القواعد، من ضمن أمور أخرى، تمكّن اللجنة من تنفيذ مهمتها الإنسانية في الميدان ومن أداء أعمال إنسانية أثناء النزاعات المسلحة.

96 - إن عدم سهولة إحصاء الآثار الإيجابية لاتفاقيات جنيف لا يعني انعدام وجودها: فوفود اللجنة الحاضرون في النزاعات المسلحة حول العالم شهدوا تلك الآثار الإيجابية مرات ومرات. وتأكيدًا على ذلك، فالملايين الذين أصابهم أذى النزاعات المسلحة حول العالم، لكن نجوا دون المساس بكرامتهم، ربما كانوا الدليل الأقوى على التأثير الإنساني لاتفاقيات جنيف. وعززت شارات الصليب الأحمر والهلال الأحمر المميزة حماية عدد لا يحصى من المستشفيات، والوحدات الطبية وأفراد الخدمات الطبية، بالإضافة إلى عدد يفوق الحصر من الجرحى والمرضى. وتلك الشارات التي تستمد قيمتها الحامية من الاتفاقية الأولى معروفة على مستوى العالم.

97 - ورغم نظام الحماية الخاص الذي أسسته الاتفاقية الأولى ونجاحاته، فإن حماية الجرحى والمرضى لا تزال تواجه تحديات. فعدد من القوات المسلحة والكثير من المجموعات المسلحة توظف أفراد خدمات طبية لا يمكنهم تمييزهم على الإطلاق، وفي بعض الأحيان يختار أفراد الخدمات الطبية والنقل الطبي والوحدات الطبية ألا يميزوا أنفسهم بالشارة. النزاعات المسلحة المعاصرة كانت تتسم - ولا تزال - بانتشار التدخل في أعمال أفراد الخدمات الطبية والمرافق والنقل الطبي، بالإضافة إلى تهديدها وشن هجمات عليها. تؤثر حالات عدم الاحترام تلك تأثيرًا كبيرًا على قدرة الجرحى والمرضى على الحصول على رعاية طبية كما تقوض الجهود المبذولة للتخفيف من معاناتهم. ولقد جمع مشروع "الرعاية الصحية في خطر"[54] التابع للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر - الذي يهدف إلى بسط قدر أكبر من الأمان على تقديم الرعاية الصحية في النزاعات المسلحة وفي حالات الطوارئ الأخرى - أحداثًا في عدة بلدان تعرض فيها الجرحى والمرضى وأفراد الخدمات الطبية والأعيان الطبية إلى هجوم مباشر، أو أضيروا بشكل آخر أثناء تنفيذ الأعمال العدائية.[55] استخدمت المرافق الطبية والنقل الطبي كذلك لأغراض عسكرية: لإطلاق هجمات، أو تخزين الأسلحة ونقلها، أو تأسيس مراكز قيادة وتحكم عسكرية. وكثيرًا ما تشكل هذه الأحداث انتهاكات عمدية لقواعد لا يكتنفها الغموض. وتلك الانتهاكات لا تؤدي - فقط - إلى فقدان الحماية الممنوحة بموجب الاتفاقية الأولى، بل تقوض الثقة في الطابع الطبي الخالص للمرافق ووسائل النقل الطبية معرضة إياها كلها بذلك إلى خطر التعرض لهجوم الطرف المقابل؛ ومن شأن ذلك أن يعرقل جهود جمع الجرحى والمرضى ورعايتهم.

98 - يجب التأكيد على أن التحديات الأساسية التي تفرضها تلك الحالات لا ترجع إلى عدم كفاية قواعد القانون الإنساني. ومع ذلك، لا يمكن أن تكون القواعد التي تنص عليها اتفاقية جنيف الأولى على سبيل المثال فعالة إلا إذا احترمها المتحاربون والتزموا بها على نحو صحيح. ودون تجاهل احتمالية، بل ووجوب، إدخال تحسينات على القانون، ترى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بناءً على ما سبق أن مفتاح رفع مستوى رعاية الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة وحمايتهم هو احترام القواعد القائمة والالتزام بها على نحو أفضل.

99 - ومنذ إقرار الاتفاقية المؤرخة في 1864، لم تتوقف جهود تطوير هذا الفرع من القانون سالف الذكر. وفي سبيل تقدير أهمية اتفاقية جنيف الأولى التقدير الحق بعد أكثر من 65 سنة من إقرارها، يجب ألا ينظر إليها بمعزل عن الاتفاقيات الثلاث الأخرى والبروتوكلات الإضافية ومنظومة القانون الدولي الإنساني العرفي الكبيرة القائمة. وهذه القواعد في مجموعها تمثل النظام القانوني الرئيسي الرامي إلى التخفيف من المعاناة الإنسانية أثناء الحرب.


ثبت المراجع المختارة

Abi-Saab, Georges, ‘The specificities of humanitarian law’, in Christophe Swinarski (ed.), Studies and Essays on International Humanitarian Law and Red Cross Principles in Honour of Jean Pictet, ICRC/Martinus Nijhoff Publishers, The Hague, 1984, pp. 265–280.

Aust, Anthony, Modern Treaty Law and Practice, 3rd edition, Cambridge University Press, 2013, pp. 205–226.

Buffard, Isabelle and Zemanek, Karl, ‘The “Object and Purpose” of a Treaty: An Enigma?’, Austrian Review of International & European Law, Vol. 3, 1998, pp. 311–343.

Corten, Olivier and Klein, Pierre (eds), The Vienna Conventions on the Law of Treaties: A Commentary, Oxford University Press, 2011.

Dörr, Oliver and Schmalenbach, Kirsten (eds), Vienna Convention on the Law of Treaties: A Commentary, Springer, Berlin, 2012.

Fitzmaurice, Gerald, ‘The Law and Procedure of the International Court of Justice 1951–4: Treaty Interpretation and Other Treaty Points, British Yearbook of International Law, Vol. 33, 1957, pp. 203–293.

Gardiner, Richard K., ‘The Vienna Convention Rules on Treaty Interpretation’, in Duncan B. Hollis, The Oxford Guide to Treaties, 2012, pp. 475–506.

– Treaty Interpretation, 2nd edition, Oxford University Press, 2015.

Reuter, Paul, Introduction to the Law of Treaties, 2nd edition, Graduate Institute of International Studies, Geneva, 1995.

Sinclair, Ian, The Vienna Convention on the Law of Treaties, 2nd edition, Manchester University Press, 1984.

Villiger, Mark E., Commentary on the 1969 Vienna Convention on the Law of Treaties, Martinus Nijhoff Publishers, Leiden, 2009.



-------------------

[1] - للحصول على تحديث مستمر، انظر مواقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر (http://www.icrc.org/ihl) ومستودع الوثائق (https://www.fdfa.admin.ch/depositary).

[2] - اتفاقية جنيف الأولى: تعليق بقلم جان س. بيكتيه، بمشاركة كل من فريدريك سيورديه، وكلود بيلو، وجان-بيير شونهولتزر، وريني-جان فيلهيلم، وأوسكار م. أولر، نشر عام 1952 (الأصل باللغة الفرنسية والإنجليزية). اتفاقية جنيف الثانية: تعليق بقلم جان س. بيكتيه، بالتعاون مع اللواء بحري م. و. موتون (هولندا)، بمشاركة كل من فريدريك سيورديه، وكلود بيلو، وجان-بيير شونهولتزر، وريني-جان فيلهيلم، وأوسكار م. أولر، نشر عام 1959 باللغة الفرنسية، وعام 1960 بالإنجليزية. اتفاقية جنيف الثالثة: تعليق بقلم جان دو برو، بمساهمات من فريدريك سيورديه، وكلود بيلو، وهينري كورسيه، وريني-جان فيلهيلم، وأوسكار م. أولر، وجان-بيير شونهولتزر، نشر عام 1958 باللغة الفرنسية، وعام 1960 بالإنجليزية. اتفاقية جنيف الرابعة: تعليق بقلم أوسكار م. أولر، وهينري كورسيه، بمشاركة فريدريك سيورديه وكلود بيلو، وروجير بوب، وريني-جان فيلهيلم، وجان-بيير شونهولتزر، نشر عام 1956 بالفرنسية، وعام 1958 بالإنجليزية.

[3] - البروتوكول الإضافي الأول (والملحق الأول): تعليق بقلم كلود بيلو، وجان دو برو، وإيف ساندوز، وبرونو زيمرمان، وفيليب إيبرلين، وهانز-بيتر جاسر، وكلود ف. فينجر. البروتوكول الإضافي الثاني: تعليق بقلم سيلفي س. جونود. أُعد كلا التعليقين بتحرير إيف ساندوز، وكريستوف سوينارسكي، وبرونو زيمرمان، ونشرا باللغة الفرنسية في عام 1986، وبالإنجليزية عام 1987.

[4] - See e.g. W. Hays Parks, ‘Pictet’s Commentaries’, in Christophe Swinarski (ed.), Studies and Essays on International Humanitarian Law and Red Cross Principles in Honour of Jean Pictet, ICRC/Martinus Nijhoff Publishers, The Hague, 1984, pp. 495–497.

[5] - جان-فرانسوا كيجيني، تعليق على البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 آب/ أغسطس 1949 بشأن اعتماد شارة مميزة إضافية (البروتوكول الثالث)، المجلة الدولية للصليب الأحمر، المجلد 89، رقم 865، مارس 2007، الصفحات من 175 إلى 207.

[6] - النظام الأساسي والنظام الداخلي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، المادة 5 (2) (ز). لمعلومات عن دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تفسير القانون الدولي الإنساني، انظر أيضًا:François Bugnion, The International Committee of the Red Cross and the Protection of War Victims, ICRC/Macmillan, Oxford, 2003, pp. 914–922.

[7] - النظام الأساسي والنظام الداخلي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، المادة 5(2)(ج).

[8] - للحصول على تفاصيل عن المشاركين في البحث والصياغة والمراجعة، انظر القسم المعنون "شكر وتقدير".

[9] - ما يلي ما هو إلا موجز للمسائل التي طرحتها هذه المواد. لتعليق أكثر تفصيلًا على هذه الأحكام، انظر:Aust, pp. 205–226; Gardiner, 2015; Sinclair, pp. 114–158; and the sections on Articles 31–32 in Corten/Klein, Dörr/Schmalenbach, and Villiger.

[10] - See e.g. ICJ, Kasikili/Sedudu Island case, Judgment, 1999, paras 18–20; Application of the Genocide Convention case, Merits, Judgment, 2007, para. 160;لجنة القانون الدولي، الاتفاقيات اللاحقة والممارسة اللاحقة فيما يتعلق بتفسير المعاهدات، الاستنتاج 1-1، (أقر بصفة مؤقتة)، تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الخامسة والستين، وثيقة الأمم المتحدة (A/68/10)، 2013، صفحة 11.

[11] - انظر لجنة القانون الدولي، حولية لجنة القانون الدولي، المجلد الثاني، 1966، صفحة 220، الفقرتان 9 و10؛ "الاتفاقيات اللاحقة والممارسة اللاحقة فيما يتعلق بتفسير المعاهدات، الاستنتاج 1-5 الذي أقر بصفة مؤقتة"، تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الخامسة والستين، وثيقة الأمم المتحدة (A/68/10)، 2013، صفحة 11،Gardiner, 2015, pp. 31–32; and Aust, p. 208.

[12] - اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)، للمزيد من التفاصيل، انظر: Gardiner, 2015, pp. 167–181.

[13] - الاتفاقية الأولى، المادة 47؛ الاتفاقية الثانية، المادة 48؛ الاتفاقية الثالثة، المادة 127؛ الاتفاقية الرابعة، المادة 144.

[14] - الاتفاقية الثالثة، المادة 41. وبالمثل، يجب أن تعلق الاتفاقية الرابعة في معسكرات المعتقلين المدنيين؛ انظر الاتفاقية الرابعة، المادة 99.

[15] - انظر الاتفاقية الأولى، المادة 55، واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)، المادة 33.

[16] - للمزيد من التفاصيل، انظر التعليق على المادة 55، القسم 2-2.

[17] - انظر التعليقين على المادتين 23 و28.

[18] - See Aust, p. 211; Gardiner, 2015, p. 86; Sinclair, p. 129; and Villiger, p. 430.

[19] - انظر العناوين الهامشية (أو عناوين المواد) التي وضعتها وزارة الشؤون الخارجية للاتحاد السويسري، Final Record of the Diplomatic Conference of Geneva of 1949, Vol. I, Part III.

[20] - Reuter, p. 186, para. 283; see also Buffard/Zemanek, pp. 331–332.

[21] - Buffard/Zemanek, pp. 331–332.

[22] - Villiger, p. 427, with further references; Gardiner, 2015, pp. 212–213: ("عنصر مركب"); David S. Jonas and Thomas N. Saunders, ‘The Object and Purpose of a Treaty: Three Interpretive Methods’, Vanderbilt Journal of Transnational Law, Vol. 43, No. 3, May 2010, pp. 565–609, at 578: (""مفهوم كلي).

[23] - ICJ, Reservations to the Genocide Convention, Advisory Opinion, 1951, para. 23.

[24] - Alain Pellet, ‘Article 19. Formulation of reservations’, in Corten/Klein, pp. 405–488, at 450–451.

[25] - David S. Jonas and Thomas N. Saunders, ‘The Object and Purpose of a Treaty: Three Interpretive Methods’, Vanderbilt Journal of Transnational Law, Vol. 43, No. 3, May 2010, pp. 565–609, at 576.

[26] - لجنة القانون الدولي، حولية لجنة القانون الدولي، المجلد الثاني، 1966، صفحة 219، الفقرة 6.See also ICJ, Territorial Dispute case (Libya v. Chad), Judgment, 1994, para. 51:في القانون الدولي، ينظر إلى مبدأ إعمال النص على أنه "أحد المبادئ الأساسية لتفسير المعاهدات".

[27] - ICJ, Morocco case, Judgment, 1952, p. 196; see also Villiger, p. 427, para. 11; Mark E. Villiger, Customary International Law and Treaties, Martinus Nijhoff Publishers, Dordrecht, 1985, pp. 321–322; Gardiner, 2015, p. 214:("يبدو أحيانًا غياب الخصوصية في التفرقة بين موضوع المعاهدة والغرض منها من جهة، والغرض من أحكام بعينها من جهة أخرى").Sinclair, p. 130; and Fitzmaurice, p. 228. But see Jan Klabbers, ‘Some Problems Regarding the Object and Purpose of Treaties’, Finnish Yearbook of International Law, Vol. 8, 1997, pp. 138–160, at 152–153:(المشكلات المحتملة للإقرار بصحة الحجج القائمة على موضوع أحكام منفردة والغرض منها).

[28] - ICJ, Morocco case, Judgment, 1952, p. 196; see also Fitzmaurice, p. 228, and Sinclair, pp. 125–126.

[29] - للمزيد من التفاصيل، انظر التعليق على الديباجة.

[30] - See Gardiner, 2015, p. 213; Fitzmaurice, p. 228; and Buffard/Zemanek, p. 332.

[31] - لجنة القانون الدولي، الاتفاقيات اللاحقة والممارسة اللاحقة فيما يتعلق بتفسير المعاهدات، الاستنتاج 1-4، (أقر بصفة مؤقتة)، تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الخامسة والستين، وثيقة الأمم المتحدة ((A/68/10، 2013، صفحة 11.

[32] - المرجع السابق نفسه، الاستنتاج، 4-3، أقرت بصفة مؤقتة، صفحة 12.

[33] - لجنة القانون الدولي، الاتفاقيات اللاحقة والممارسة اللاحقة فيما يتعلق بتفسير المعاهدات، الاستنتاج 8-3، أقر بصفة مؤقتة، تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الخامسة والستين، وثيقة الأمم المتحدة ( (A/69/10، 2014، صفحة 169.

[34] - يجب ملاحظة أننا استخدمنا المعاهدات التي أشرنا إليها في التعليقات، بخلاف الاتفاقيات موضوع التعليق، استنادًا إلى الرأي القائل بأنها لا تنطبق إلا في حالة تحقق جميع شروط نطاقها الجغرافي والزمني والأشخاص المعنيين بها. كما لا تنطبق تلك المعاهدات إلا على الدول التي صدقت عليها أو انضمت إليها، إلا إذا ارتقت لتكون من مفردات القانون الدولي العرفي، وبقدر هذا الارتقاء.

[35] - ICJ, Namibia case, Advisory Opinion, 1971, para. 53.للمزيد من التفاصيل، انظر، أيضًا، لجنة القانون الدولي، استنتاجات أعمال الفريق الدراسي المعني بتجزؤ القانون الدولي: الصعوبات الناشئة عن تنوع وتوسع القانون الدولي، واردة في تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الثامنة والخمسين، وثيقة الأمم المتحدة (A/61/10)، 2006، الفصل الثاني عشر، الفقرة 251، الفقرات الفرعية من (17) إلى (23)، الصفحات من 413 إلى 415.

[36] - للتفاصيل، انظر التعليق على المادة 3 المشتركة، القسم 7-3.

[37] - See e.g. ICJ, Legality of the Threat or Use of Nuclear Weapons, Advisory Opinion, 1996, para. 25; Legal Consequences of the Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory, Advisory Opinion, 2004, para. 106; and Armed Activities on the Territory of the Congo case, Judgment, 2005, paras 215–220. See also ICRC, Handbook on International Rules Governing Military Operations, ICRC, Geneva, 2013, p. 67; Cordula Droege, ‘The Interplay between International Humanitarian Law and International Human Rights Law in Situations of Armed Conflict’, Israel Law Review, Vol. 40, No. 2, Summer 2007, pp. 310–355; and Cordula Droege, ‘Elective affinities? Human rights and humanitarian law’, International Review of the Red Cross, Vol. 90, No. 871, September 2008, pp. 501–548.

[38] - للتفاصيل، انظر التعليق على المادة 3، القسم 7-2، والتعليق على المادة 50، القسم 4-2-1.

[39] - انظر الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (1983)، البروتوكول رقم 6؛ والبروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1989)؛ وبروتوكول الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان الهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام (1990).

[40] - See e.g. ICJ, Legality of the Threat or Use of Nuclear Weapons, Advisory Opinion, 1996, paras 79 and 82; Eritrea-Ethiopia Claims Commission, Prisoners of War, Eritrea’s Claim, Partial Award, 2003, para. 40; and Prisoners of War, Ethiopia’s Claim, Partial Award, 2003, para. 31.

[41] - انظر التعليق على المادة 12، القسم 4-2.

[42] - See e.g. Corten/Klein; Dörr/Schmalenbach; Villiger; Jiří Toman, The Protection of Cultural Property in the Event of Armed Conflict: Commentary on the Convention for the Protection of Cultural Property in the Event of Armed Conflict and its Protocol, Dartmouth/UNESCO, Aldershot, 1996; Stuart Maslen (ed.), Commentaries on Arms Control Treaties, Volume I: The Convention on the Prohibition of the Use, Stockpiling, Production, and Transfer of Anti-Personnel Mines and on their Destruction, Oxford University Press, 2004; Manfred Nowak, U.N. Covenant on Civil and Political Rights: CCPR Commentary, 2nd revised edition, N.P. Engel, Kehl am Rhein, 2005; Manfred Nowak and Elizabeth McArthur (eds), The United Nations Convention Against Torture: A Commentary, Oxford University Press, 2008; Jiří Toman, Commentary on the Second Protocol to the Hague Convention of 1954 for the Protection of Cultural Property in the Event of Armed Conflict, UNESCO Publishing, Paris, 2009; William A. Schabas, The International Criminal Court: A Commentary on the Rome Statute, Oxford University Press, 2010; Gro Nystuen and Stuart Casey-Maslen (eds), The Convention on Cluster Munitions: A Commentary, Oxford University Press, 2010; Andreas Zimmermann, Jonas Dörschner and Felix Machts (eds), The 1951 Convention Relating to the Status of Refugees and its 1967 Protocol: A Commentary, Oxford University Press, 2011; Bruno Simma, Daniel-Erasmus Khan, Georg Nolte and Andreas Paulus (eds), The Charter of the United Nations: A Commentary, 3rd edition, Oxford University Press, 2012; Christian J. Tams, Lars Berster and Björn Schiffbauer, Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide: A Commentary, Beck/Hart/Nomos, Oxford, 2014; Andrew Clapham, Paola Gaeta and Marco Sassòli (eds), The 1949 Geneva Conventions: A Commentary, Oxford University Press, 2015; and Otto Triffterer and Kai Ambos (eds), The Rome Statute of the International Criminal Court: A Commentary, 3rd edition, Hart Publishing, Oxford, 2016.

[43] - Jan Wouters and Sten Verhoeven, ‘Desuetudo’, version of November 2008, in Rüdiger Wolfrum (ed.), Max Planck Encyclopedia of Public International Law, Oxford University Press, http://opil.ouplaw.com/home/EPIL, paras 10–11.على سبيل المثال، من الممكن اعتبار التطبيق الحالي للمادة 38 من الاتفاقية الأولى بشأن استخدام الشارات المميزة قاعدة عدلتها قاعدةٌ لاحقة عليها نصَّ عليها القانون الدولي العرفي، والاتفاق الضمني بين الأطراف السامية المتعاقدة. للمزيد من التفاصيل، انظر التعليق على المادة 38.

[44] - كانت سويسرا ويوغوسلافيا أول بلدين صدَّقا على اتفاقيات جنيف، في 31 آذار/ مارس و21 نيسان/ أبريل 1950 على الترتيب؛ انظر:‘Les Conventions de Genève du 12 août 1949 entrent dans le droit positif’, Revue internationale de la Croix-Rouge et Bulletin international des Sociétés de la Croix-Rouge, Vol. 32, No. 378, June 1950, p. 448لمعلومات عن دخول اتفاقية جنيف الأولى حيز النفاذ، انظر، أيضًا، التعليق على المادة 58.

[45] - للحصول على وضع الاتفاقيات حاليًّا من ناحية التصديق وتواريخ تصديق الدول الأطراف عليها أو انضمامها إليها، انظر https://www.icrc.org/ihl أو https://www.fdfa.admin.ch/depositary.

[46] - See e.g. ICJ, Legality of the Threat or Use of Nuclear Weapons, Advisory Opinion, 1996, paras 79 and 82.

[47] - انظر المادة 7 المشتركة (المادة 8 في الاتفاقية الرابعة). انظر، أيضًا، أبي صعب، الصفحتين 267 و268.

[48] - See ICJ, Legal Consequences of the Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory, Advisory Opinion, 2004, para. 157:"ترى المحكمة أن هذه القواعد [الخاصة بالقانون الإنساني المنطبق في النزاعات المسلحة] تنطوي على التزامات تتسم بطابع الحق إزاء الكافة (erga omnes)."؛ ICTY, Kupreškić Trial Judgment, 2000, para. 519:"لا تطرح قواعد القانون الإنساني الدولي التزامات تبادلية، بمعنى التزامات دولة تجاه دولة أخرى. بل... تضع التزامات تجاه المجتمع الدولي ككل"؛Pictet (ed.), Commentary on the First Geneva Convention, ICRC, 1952, p. 25:"أنه ليس اتفاقًا مبرمًا على أساس المعاملة بالمثل، أي توقف التزام أحد طرفي العقد على مراعاة الطرف الآخر لالتزاماته، بل هو سلسلة من الالتزامات من جانب واحد تعقد رسميًّا أمام العالم ممثلًا في الأطراف المتعاقدة الأخرى". انظر، أيضًا، التعليق على المادة 1 المشتركة، وأبي صعب صفحة 270.

[49] - يشير النص الفرنسي للأعمال التحضيرية إلى هذه المجموعات بعبارة "groupes de travail" (أي مجموعات العمل) في حين يشير إليها النص الإنجليزي بعبارة "Working Parties" (أي أطراف العمل).

[50] - See Final Record of the Diplomatic Conference of Geneva of 1949, 4 volumes, Volume I, Volume II-A, Volume II-B, Volume III, Federal Political Department, Berne, 1950.

[51] - منذ عام 1980، لم تستخدم أي دولة شارة الأسد والشمس الأحمرين المذكورة في المادة 38 من الاتفاقية الأولى.

[52] - See Final Record of the Diplomatic Conference of Geneva of 1949, Vol. II-B, pp. 35, 98 and 326.

[53] - See ICJ, Military and Paramilitary Activities in and against Nicaragua case, Merits, Judgment, 1986, paras 218–219.

[54] - مشروع الرعاية الصحية في خطر هو مشروع تابع للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر تقوده اللجنة الدولية للصليب الأحمر مخطط له أن يستمر من 2012 حتى 2017 والهدف منه هو تحقيق كفاءة وتقديم خدمة صحية فعالة وغير متحيزة في النزاعات المسلحة وحالات الطوارئ الأخرى عن طريق خبراء متنقلين لوضع إجراءات عملية يمكن لصانعي القرار والمنظمات الإنسانية والمهنيين الذين يقدمون الخدمات الصحية تنفيذها في ساحة القتال. للمزيد من المعلومات، انظرhttp://healthcareindanger.org/hcid-project/.

[55] - See e.g. ICRC, Health Care in Danger: Violent Incidents Affecting the Delivery of Health Care, January 2012 to December 2014, ICRC, Geneva, 2015.

التعليق على اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، 1949

تمثّل هذه الاتفاقية النسخة الرابعة المحدَّثة من اتفاقية جنيف بشأن الجرحى والمرضى التي تلت الاتفاقيات المعتمَدة في الأعوام 1864 و1906 و1929. وتتضمن هذه الاتفاقية 64 مادة توفّر الحماية للجرحى والمرضى، وكذلك لأفراد الخدمات الطبية والدينية والوحدات الطبية ووسائل النقل الطبي. وتعترف الاتفاقية أيضاً بالشارات المميزة. وهي تحتوي على ملحقين يتعلق أحدهما بمشروع اتفاق بشأن مناطق الاستشفاء، أما الآخر فيتعلق ببطاقة تحقيق هوية نموذجية لأفراد الخدمات الطبية والدينية.

ونُشر التعليق على هذه الاتفاقية بصيغته المحدَّثة على شبكة الإنترنت في 22 آذار/مارس 2016 وهو يراعي المستجدات التي طرأت حتى ذلك التاريخ. ويمكن الإشارة إلى هذا التعليق بعنوانه الكامل كما يلي: "اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التعليق على اتفاقية جنيف الأولى: اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، النسخة الثانية، 2016"، أو الإشارة إليه بعنوانه المختصر كما يلي: "اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التعليق على اتفاقية جنيف الأولى، 2016". 


توطئة
المقدمة
المادة 10 بدائل الدول الحامية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 11 إجراءات التوفيق
Commentary of 2016
Commentary of 1952
الفصل الثاني الجرحى والمرضى
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 12 حماية ورعاية الجرحى والمرضى
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 13 الأشخاص المحميون
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 14 الوضع القانوني للجرحى والمرضى الذين يقعون في أيدي العدو
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 15 البحث عن المصابين، والإخلاء
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 16 تسجيل المعلومات وإبلاغها
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 17 تعليمات بشأن الموتى - إدارة تسجيل المقابر
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 18 دور السكان
Commentary of 2016
Commentary of 1952
الفصل الثالث: الوحدات والمنشآت الطبية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 19: حماية الوحدات والمنشآت الطبية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 20 حماية السفن المستشفيات
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 21 وقف الحماية عن المنشآت والوحدات الطبية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 22 ظروف لا تبرر حرمان الوحدات والمنشآت الطبية من الحماية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 23 مناطق ومواقع الاستشفاء
Commentary of 2016
Commentary of 1952
الفصل الرابع الموظفون
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 24 حماية الموظفين الدائمين
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 25: حماية الموظفين المؤقتين
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 26 موظفو جمعيات الإغاثة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 27 الجمعيات التابعة للبلدان المحايدة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 28 الموظفون المستبقون
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 29 الوضع القانوني للموظفين المؤقتين
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 30 عودة الموظفين الطبيين والدينيين
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 31 اختيار الموظفين الذين يعادون إلى الوطن
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 32 عودة الموظفين التابعين لبلدان محايدة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
الفصل الخامس المباني والمهمات
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 33 المباني والمخازن
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 34 ممتلكات جمعيات الإغاثة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
الفصل السادس النقل الطبي
Commentary of 2016
المادة 35 حماية وسائل النقل الطبي
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 36 الطائرات الطبية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 37 الطيران فوق أراضي البلدان المحايدة - إنزال الجرحى
Commentary of 2016
Commentary of 1952
الفصل السابع الشارة المميزة
Commentary of 2016
المادة 38 شارة الاتفاقية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 39 استخدام الشارة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 40 تحقيق هوية الموظفين الطبيين والدينيين
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 41 تحقيق هوية الموظفين المؤقتين
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 42 تمييز الوحدات والمنشآت الطبية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 43 تمييز الوحدات المحايدة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 44 القيود على استخدام الشارة - الاستثناءات
Commentary of 2016
Commentary of 1952
الفصل الثامن تنفيذ الاتفاقية
Commentary of 2016
المادة 45 التنفيذ الدقيق. الحالات غير المنصوص عليها
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 46 حظر الاقتصاص
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 47 نشر الاتفاقية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 48 الترجمة - قواعد التطبيق
Commentary of 2016
Commentary of 1952
الفصل التاسع قمع إساءة الاستعمال والمخالفات
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 49 العقوبات الجزائية.
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 50 المخالفات الجسيمة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 51 مسؤوليات الأطراف المتعاقدة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 52 إجراءات التحقيق
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 53 إساءة استعمال الشارة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 54 منع إساءة الاستعمال
Commentary of 2016
Commentary of 1952
أحكام ختامية
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 55 اللغات
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 56 التوقيع
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 57 التصديق
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 58 بدء النفاذ
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 59 العلاقة بالاتفاقيات السابقة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 60 الانضمام
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 61 الإبلاغ عن الانضمام
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 62 النفاذ الفوري
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 63 الانسحاب
Commentary of 2016
Commentary of 1952
المادة 64 التسجيل لدى الأمم المتحدة
Commentary of 2016
Commentary of 1952
بند الإشهاد والتوقيع
Commentary of 2016
المصادر
Commentary of 2016
الملحق الأول: مشروع اتفاق بشأن مناطق ومواقع الاستشفاء
Commentary of 1952
الملحق 1 ـ المادة 1
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 2
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 3
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 4
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 5
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 6
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 7
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 8
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 9
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 10
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 11
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 12
Commentary of 1952
الملحق 1 المادة 13
Commentary of 1952
الملحق الثاني: بطاقة تحقيق الهوية لأفراد الخدمات الطبية والدينية الملحقين بالقوات المسلحة

القانون الدولي الإنساني / اللجنة الدولية للصليب الأحمر / التعليق على الاتفاقيات

اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، 1949

اتفاقية جنيف الثانية لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار، 1949

اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، 1949

اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، 1949

البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977

الملحق الأول بالبروتوكول الإضافي الأول، بصيغته المُعدّلة في عام 1993

الملحق الأول بالبروتوكول الإضافي الأول، 1977

الملحق رقم 2 بالبروتوكول الإضافي الأول، 1977

البروتوكول الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977

البروتوكول الإضافي الثالث إلى اتفاقيات جنيف، 2005

التعليق على اتفاقية جنيف الأولى / توطئة

عودة الى صفحة التعليق على اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، 1949 👈 (هنا)


توطئة

Commentary of 2016

رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر
كانت أهوال الحرب العالمية الثانية لا تزال حاضرة في الأذهان عندما كُتب أول تعليق على اتفاقية جنيف الأولى في عام 1952، لكن كانت حاضرةً كذلك الروحُ الإنسانيةُ التي سادت في المؤتمر الدبلوماسي المنعقد في عام 1949، والتي جعلت من إقرار اتفاقيات جنيف أمرًا ممكنًا. وها نحن نجد أنفسنا في مواجهة تناقض مماثل بعد انقضاء نيف وستين سنة بعد ذلك التاريخ.
فمن جهة، نشهد تزايدًا في تشظي وتعقد النزاعات المسلحة هذا اليوم، التي تتسم في أغلب الأحيان بعدم احترام القانون. وتنقل لنا وسائل الإعلام المتنوعة، يوميًّا، المأساة التي تخلقها تلك النزاعات، مثل معاناة الأطفال، ويأس الأسر العالقة في الحصارات أو المُكرَهة على الفرار من ديارها، وإساءة معاملة الجرحى والمرضى. ومن الجهة الأخرى، اتفق المجتمع الدولي على إطار من القواعد القانونية أكثر قوةً وشمولًا من ذي قبل. ونحن ندرك أن القيم التي وَجدت طريقها إلى اتفاقيات جنيف أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تراثنا الإنساني المشترك، حيث يؤمن عدد متزايد من الناس حول العالم إيمانًا راسخًا، قانونيًّا وأخلاقيًّا، بتلك القيم.
هذا الواقع المتناقض في ذاته هو تحدٍّ لقدرتنا على العمل: للتصدي للمعاناة وانتهاك القانون، ولمنع وقوع تلك المعاناة وذلك الانتهاك من الأساس.
ويبرز في تلك الجهود العمل للوصول إلى فهمٍ مشترك للقانون الدولي الإنساني، وهو جزءٌ من دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر وولايتها، عبر التواصل مع جميع الأطراف المعنية، لا سيما الزعماء السياسيين والدينيين، وصُنّاع الرأي والسياسات الرئيسيين، والدوائر الأكاديمية، والقضاء، وأخيرًا وليس آخرًا، حاملي السلاح.
تقدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر طي التعليق المحدث على اتفاقية جنيف الأولى الماثل بين أيديكم أداةً جديدةً يفيد منها الممارسون والباحثون بحسبانها جزءًا من سعينا المشترك نحو سد الهوة بين القانون بحالته الراهنة والقانون كما هو مُطبّق على أرض الواقع.
نحن ندرك أن الطبعات الأولى للتعليق على اتفاقيات جنيف الأربع كانت مفيدة للممارسين من العسكريين والمدنيين وكذلك للقضاة والأكاديميين. وقد مر وقت طويل منذ نشر تلك الطبعات اكتسبنا خلاله خبرة طويلة في تطبيق اتفاقيات جنيف وتفسيرها في سياقات تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك التي أدت إلى إقرارها. ولهذا السبب، أخذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على عاتقها، منذ سنوات خمس مضت، مهمة جسيمة هي تحديث جميع التعليقات القائمة وإعداد دليل جديد اعتمدت فيه على مجموعة متنوعة من المصادر، من بينها تفسيرات للدول والمحاكم صدرت خلال العقود الماضية. وبنشر الجزء الأول، وهو التعليق على اتفاقية جنيف الأولى، نكون قد حققنا أول هدفٍ مرحليٍّ.
تحتل اللجنة الدولية للصليب الأحمر موقعًا فريدًا يمكّنها من الإشراف على تحديث التعليقات. فهي تجمع بين منظوري القانون وواقع العمل، وتستفيد التعليقات المحدثة من مساهمات الزملاء الذين يمثلون تلك الجوانب من عملنا. وعلى القدر نفسه من الأهمية، انفتح التعليق المحدث على آراء خارجية غير مسبوقة أطلقتها شبكة عالمية من الباحثين والممارسين الذين صاغوا تعليقاتٍ على مواد بعينها في اتفاقية جنيف، وراجعوا كل المسودات، وقدموا المشورة. وبهذا جاء النص النهائي نتاجًا لعملية تضافرت فيها جهود عدد من الباحثين.
ويقدم التعليق الجديد إرشادًا بشأن قواعد اتفاقية جنيف كما يضع تلك القواعد في سياقها. فهو يعرض تفسير اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون، ويوضح في الوقت عينه وجهات النظر الرئيسة المتباينة والمسائل التي تتطلب المزيد من النقاش والإيضاح. وستلتفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحق إلى هذا التعليق المحدث في عملها اليومي، مع إدراكها أن الممارسات والتفاسير قد تتطور مع مرور الوقت.
وتعرب اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن امتنانها للخبراء الذين أعطوا، دون ضن، الجزيل من وقتهم وخبرتهم، وتخص بالذكر المساهمين الخارجيين والمراجعين القرناء (peer reviewers). كما تتوجه بالشكر إلى أعضاء لجنة التحرير وفريق المشروع وأعضاء هيئة العاملين الآخرين، الذين يرجع إليهم الفضل في أن يؤتي التعليق المحدَّث ثمارَه.
واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بتقديمها هذا المجلد إلى الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف وإلى جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر وغيرها من المنظمات الإنسانية، وإلى القضاة والباحثين، وإلى الأطراف المهتمة الأخرى، يحدوها أمل صادق في أن يوضح هذا التعليق، إلى جانب التعليقات الأخرى التي ستصدر في السنوات المقبلة، معنى اتفاقيات جنيف ومغزاها، وأن يساعد في كفالة قدر أكبر من الحماية لضحايا الحرب.

الطعن 584 لسنة 49 ق جلسة 21 / 1 / 1980 مكتب فني 31 ق 22 ص 117

جلسة 21 من يناير سنة 1980

برئاسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: شرف الدين خيري، ومصطفى جميل مرسي، وفوزي المملوك، وفوزي أسعد.

----------------

(22)
الطعن رقم 584 لسنة 49 القضائية

(1 و2 و3) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". وصف التهمة. استئناف. "نطاقه". "نظره والحكم فيه". إجراءات المحاكمة. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
(1) اتباع شكل خاص لتنبيه المتهم إلى تعديل التهمة. غير لازم. كفاية التنبيه بأية كيفية تراها المحكمة.
(2) تحقيق محكمة أول درجة الواقعة بوصفها المعدل في حضور المطعون ضده الذي قدم مذكرة بدفاعه. على ضوء التعديل. كفايته لاعتبار التنبيه منتجاً لأثره. مخالفة الحكم المطعون فيه هذا النظر. يعيبه.
(3) اتصال محكمة ثاني درجة بالدعوى مقيد بالوقائع التي طرحت على محكمة أول درجة.

------------------
1 - إن القانون لا يتطلب اتباع شكل خاص لتنبيه المتهم إلى تعديل التهمة وكل ما يشترطه هو تنبيهه إلى ذلك التعديل بأية كيفية تراها المحكمة محققة لهذا الغرض.
2 - تحقيق محكمة أول درجة الواقعة بحسب الوصف المعدل، وتنازل الدفاع للوصف الجديد الذي دارت المرافعة على أساسه أمامها وتضمنته الأوراق وتقديم المتهم مذكرة على هذا الأساس فيه ما يكفي لاعتبار التنبيه قائماً ومنتجاً أثره.
3 - من المقرر أن المحكمة الاستئنافية إنما تتصل بالدعوى مقيدة بالوقائع التي طرحت على المحكمة الجزئية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه لم يتبع الإجراءات المقررة في مكافحة الآفات الزراعية على النحو المبين بالمحضر بأن روى البرسيم بعد الميعاد. وطلبت عقابه بالمادتين 71 مكرر، 106 مكرر من القانون رقم 59 لسنة 1973 وقرار الزراعة. ومحكمة البدرشين الجزئية قضت غيابياً عملاً بمادتي الاتهام بتغريم المتهم مائة جنيه عن كل فدان وكسوره. فعارض، وقضي في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه فاستأنف، ومحكمة الجيزة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم مما أسند إليه. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المتهم من تهمة تجريف أرض زراعية قد شابه خطأ في تطبيق القانون ذلك بأن المحكمة أسست قضاءها على أن المتهم قدم للمحكمة عن واقعة قيامه بري البرسيم بعد الميعاد ولم تتضمنها الأوراق ولم يعلن بتعديل التهمة والوصف إلى تجريف أرض زراعية في حين أنه بعد تعديل الوصف أمام محكمة أول درجة حققت المحكمة الواقعة في حضور المتهم عند نظر معارضته في الحكم الغيابي الصادر بإدانته ودار الدفاع الشفوي والكتابي أمام المحكمة على أساس الوصف المعدل بما يعني علم المتهم به ويغني عن إعلانه بهذا الوصف ومع خطأ الحكم الابتدائي في تحصيل الواقعة فقد كان على محكمة ثاني درجة - وقد أصبحت الواقعة معروضة عليها بالوصف المعدل - أن تعمل حكم القانون الصحيح على ألا يضار المتهم بالاستئناف الذي كان مرفوعاً منه وحده.
وحيث إن القانون لا يتطلب اتباع شكل خاص لتنبيه المتهم إلى تعديل التهمة وكل ما يشترطه هو تنبيهه إلى ذلك التعديل بأية كيفية تراها المحكمة محققة لهذا الغرض. لما كان ذلك وكان الثابت من المفردات أن المتهم قدم للمحاكمة أمام محكمة أول درجة بتهمة مخالفة نظام الدورة الزراعية إعمالاً للقانون 53 لسنة 1966 ثم عدلت النيابة العامة الوصف في غيبة المتهم إلى تجريف أرض زراعية وبجلسة 6/ 1/ 1976 دانت محكمة أول درجة المتهم - دون أن يعلن بالوصف المعدل بتغريمه 100 جنيه عن كل فدان وكسوره وحصلت في أسباب حكمها الواقعة على أنها تشكل جريمة ري برسيم بعد الميعاد، وإذ طعن المتهم على هذا الحكم بالمعارضة حققت المحكمة الواقعة بوصفها المعدل في حضوره وتقدم المدافع عنه بمذكرة تناول فيها التهمة بالوصف المعدل بيد أن المحكمة قضت في موضوع المعارضة بتأييد الحكم المعارض فيه أخذاً بأسبابه فطعن المتهم على ذلك الحكم بالاستئناف وبجلسة 4/ 6/ 1977 صدر الحكم المطعون فيه بقبول الاستئناف شكلاً وبإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم تأسيساً على أن التهمة - قبل تعديل الوصف - لا سند لها في الأوراق وأن المتهم لم يعلن بالوصف المعدل وكان تحقيق محكمة أول درجة الواقعة بحسب الوصف المعدل، وتناول الدفاع للوصف الجديد الذي دارت المرافعة على أساسها وتضمنته الأوراق وتقديم المتهم مذكرة على هذا الأساس فيه ما يكفي لاعتبار التنبيه قائماً ومنتجاً أثره وإذ غفل الحكم المطعون فيه عن ذلك وألغى الحكم المستأنف الصادر في التهمة بوصفها المعدل الذي جرت على أساسه المحاكمة ودار الدفاع عليه في مرحلة المعارضة أمام محكمة أول درجة وقضى ببراءة المتهم تأسيساً على أن التهمة بوصفها السابق الوارد بورقة التكليف بالحضور لا سند لها في الأوراق وأن المتهم لم يعلن بالوصف المعدل ملتفتاً بذلك عما هو مقرر من أن المحكمة الاستئنافية إنما تتصل بالدعوى مقيدة بالوقائع التي طرحت على المحكمة الجزئية وأن التنبيه إلى تعديل وصف التهمة لا يتطلب شكلاً خاصاً فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة.

الدعوى رقم 40 لسنة 45 ق دستورية عليا " منازعة تنفيذ " جلسة 8 / 11 / 2025

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من نوفمبر سنة 2025م، الموافق السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1447ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 40 لسنة 45 قضائية "منازعة تنفيذ"

-------------

المقامة من

.......

ضد

1- رئيس الجمهورية

2- رئيس مجلس النواب

3- وزير العدل

4- رئيس محكمة النقض

5- النائب العام

6- رئيس محكمة استئناف القاهرة

7- نقيب المحامين

-----------------

الإجراءات

بتاريخ الثاني عشر من أكتوبر سنة 2023، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم، بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ قرار مجلس تأديب المحامين الابتدائي الصادر بجلسة 5/2/2022، في الدعوى رقم 45 لسنة 2020 "تأديب محامين"، المعدل بقرار مجلس تأديب المحامين الاستئنافي الصادر بجلسة 12/10/2022، في الاستئناف رقم 40 لسنة 92 قضائية "تأديب محامين". وفي الموضوع: بعدم الاعتداد بهذين القرارين، والاستمرار في تنفيذ حكمي المحكمة الدستورية العليا، الصادرين في الدعويين رقمي 160 لسنة 33 قضائية "دستورية"، و14 لسنة 44 قضائية "منازعة تنفيذ".

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق– في أنه بناءً على طلب مجلس النقابة العامة للمحامين، قدمت النيابة العامة المدعي –محام- إلى مجلس التأديب الابتدائي للمحامين بمحكمة استئناف القاهرة، في الدعوى رقم 45 لسنة 2020 "تأديب محامين"، لمجازاته عما نسب إليه في الشكوى المقدمة ضده. وبجلسة 5/2/2022، قرر مجلس التأديب مجازاته بالمنع من مزاولة المهنة لمدة سنة واحدة. وقد عُدِّل هذا القرار بقرار مجلس التأديب الاستئنافي بمحكمة النقض، الصادر بجلسة 12/10/2022، في الاستئناف رقم 40 لسنة 92 قضائية "تأديب محامين"، إلى منع المدعي من مزاولة المهنة لمدة ستة أشهر. وإذ ارتأى المدعي أن قراري مجلسي تأديب المحامين، الابتدائي والاستئنافي، يُشكلان عقبة تحول دون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/3/2019، في الدعوى رقم 160 لسنة 33 قضائية "دستورية"، بعدم دستورية ما تضمنه نصا المادتين (107 و116) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، من أن يشترك في مجلس تأديب المحامين، بدرجتيه، أعضاء من مجلس نقابة المحامين الذي طلب رفع الدعوى التأديبية، كما يُشكل عقبة في تنفيذ حكمها الصادر في الدعوى رقم 14 لسنة 44 قضائية "منازعة تنفيذ"؛ فقد أقام المدعي دعواه المعروضة.

وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن قوام منازعة التنفيذ أن يكون تنفيذ الحكم القضائي لم يتم وفقًا لطبيعته، وعلى ضوء الأصل فيه، بل اعترضته عوائق تحول قانونًا -بمضمونها أو أبعادها- دون اكتمال مداه، وتعطل -تبعًا لذلك- أو تقيد اتصال حلقاته وتضاممها، بما يعرقل جريان آثاره كاملة دون نقصان؛ ومن ثم تكون عوائق التنفيذ القانونية هي ذاتها موضوع منازعة التنفيذ أو محلها، التي تتوخى في غايتها النهائية إنهاء الآثار القانونية المصاحبة لتلك العوائق، أو الناشئة عنها، أو المترتبة عليها، ولا يكون ذلك إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها؛ لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها. وكلما كان التنفيذ متعلقًا بحكم صادر بعدم دستورية نص تشريعي، فإن حقيقة مضمونه، ونطاق القواعد القانونية التي احتواها، والآثار المتولدة عنها، هي التي تحدد جميعها شكل التنفيذ، وتبلور صورته الإجمالية، وتعين -كذلك- ما يكون لازمًا لضمان فاعليته. بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا -وفقًا لنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979- لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها، وتنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة، دون تمييز، بلوغًا للغاية المبتغاة منها في تأمين حقوق الأفراد وصون حرياتهم، يفترض ثلاثة أمور، أولها: أن تكون هذه العوائق -سواء كانت تشريعًا أو حكمًا قضائيًّا أو قرارًا إداريًّا أو عملًا ماديًّا- بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها، حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها، ثانيها: أن يكون إسنادها إلى تلك الأحكام، وربطها منطقيًّا بها أمرًا ممكنًا، فإذا لم تكن لها بها من صلة فإن خصومة التنفيذ لا تقوم بتلك العوائق، بل تعتبر غريبة عنها، منافية لحقيقتها وموضوعها، ثالثها: أن منازعة التنفيذ لا تُعد طريقًا للطعن في الأحكام القضائية، وهو ما لا تمتد إليه ولاية هذه المحكمة.

وحيث إن المحكمة الدستورية العليا قضت بجلسة 2/3/2019، في الدعوى رقم 160 لسنة 33 قضائية "دستورية": "بعدم دستورية ما تضمنه نصا المادتين (107 و116) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، من أن يشترك في مجلس تأديب المحامين، بدرجتيه، أعضاء من مجلس نقابة المحامين الذي طلب رفع الدعوى التأديبية". ونُشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية بعددها رقم (10) مكرر (ب) بتاريخ 11/3/2019. كما قضت بجلسة 13/5/2023، في الدعوى رقم 14 لسنة 44 قضائية "منازعة تنفيذ"، بالاستمرار في تنفيذ حكمها الصادر بجلسة 2/3/2019، في الدعوى رقم 160 لسنة 33 قضائية "دستورية"، وعدم الاعتداد بقرار مجلس تأديب المحامين الابتدائي الصادر بجلسة 5/2/2022، في الدعوى التأديبية رقم 23 لسنة 2008 "تأديب محامين"، المعدل بقرار مجلس تأديب المحامين الاستئنافي الصادر بجلسة 16/5/2022، في الاستئناف رقم 22 لسنة 92 قضائية "تأديب محامين".

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في دعاوى التنازع ومنازعات التنفيذ، على ما جرى به نص المادة (195) من الدستور، إنما تلحق -نطاقًا- بما قد تتضمنه هذه الأحكام من تقريرات دستورية، تعرض لنصوص بذاتها من الوثيقة الدستورية، لها محل من الإعمال على وقائع النزاع الموضوعي، ومؤدية -لزومًا- إلى الفصل في موضوعه، بما يعكس بيان هذه المحكمة لمؤدى تلك النصوص الدستورية، وإفصاحها عن دلالاتها، فيكون إلزامها للكافة وجميع سلطات الدولة، بما أقرته في شأنها من مفاهيم، متعينًا. ولا كذلك الحال بالنسبة لغيرها من عناصر الحكم في دعاوى التنازع ومنازعات التنفيذ، التي تقضي المحكمة الدستورية العليا في أولاها بوصفها محكمة تنازع، وفي ثانيتها باعتبارها قضاء تنفيذ، وذلك دون إخلال بثبوت قوة الأمر المقضي فيه لمنطوق الحكم الصادر في أي من تلك الدعاوى، والأسباب المرتبطة به ارتباطًا حتميًّا، قبل أطراف خصومة الموضوع، وفي مواجهة جميع المخاطبين بتنفيذه وإعمال آثاره. لما كان ذلك، وكان الحكم الصادر في الدعوى رقم 14 لسنة 44 قضائية "منازعة تنفيذ" -المنازع في تنفيذه- لم يتضمن تقريرات دستورية واجبة الإعمال في مواجهة الحكمين المصورين عقبة في التنفيذ، وليس لهما به من صلة؛ إذ يختلفان عنه أطرافًا وموضوعًا، وهو ما يتعين معه الالتفات عن هذا الطلب.

وحيث إن مقتضى نص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48 و49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن يكون للأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا حجية مطلقة في مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، باعتبارها قولًا فصلًا لا يقبل تأويلًا ولا تعقيبًا من أي جهة كانت، وهي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو إعادة طرحها على هذه المحكمة من جديد لمراجعتها.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى، تأسيسًا على أن نص المادتين (107 و116) من قانون المحاماة المشار إليه، في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا المنازع في تنفيذه، مؤداه جواز تشكيل مجلس تأديب يصلح للفصل في دعوى تأديب المحامين من تشكيل قضائي خالص؛ ومن ثم لا يكون الحكم الصادر عن التشكيل المشار إليه عائقًا في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى الدستورية المشار إليها، فضلاً عن أن حقيقة طلبات المدعي تنحل طعنًا على تشكيل مجلس تأديب المحامين، الأمر الذي يخرج الفصل فيه عن ولاية المحكمة الدستورية العليا، فإن هذا الدفع غير سديد؛ ذلك أنه قد صدر ضد المدعي قرار من مجلس تأديب المحامين الابتدائي في الدعوى رقم 45 لسنة 2020 "تأديب محامين"، بالمنع من مزاولة المهنة لمدة سنة، وقد تعدل هذا الجزاء التأديبي بقرار مجلس التأديب الاستئنافي في الدعوى رقم 40 لسنة 92 قضائية "تأديب محامين"، إلى منع المدعي عن مزاولة المهنة لمدة ستة أشهر. وكان القراران الصادران من مجلسي تأديب المحامين، الابتدائي والاستئنافي، المنصوص عليهما في المادتين (107 و116) من قانون المحاماة، قد التفتا عن إعمال مقتضى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 160 لسنة 33 قضائية "دستورية"، إذ جاء تشكيلهما مخالفًا لنص تلك المادتين، وهو قضاء يخرج عن المسار الذي كان يجب أن يخوض فيه القراران التأديبيان المار ذكرهما، إعمالًا لأثر الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى الدستورية آنفة الذكر، ومقتضى ذلك ولازمه بطلان تشكيل مجلسي التأديب الابتدائي والاستئنافي، اللذين قضيا في الدعوى التأديبية المشار إليها؛ ومن ثم فإن قراريهما يُعدان عقبة تحول دون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/3/2019، في الدعوى رقم 160 لسنة 33 قضائية "دستورية" على وجهه الصحيح، ويغدو القول بصحة انعقاد مجلسي تأديب المحامين بتشكيلهما القضائي فقط، على سند من عدم شمول القضاء بعدم الدستورية العنصر القضائي في تشكيل هذين المجلسين، متعارضًا مع السياسة التشريعية التي أقام عليها المشرع تشكيل المجلس، بدرجتيه، قبل القضاء بعدم الدستورية، وتدخلًا في سلطة المشرع التقديرية في تنظيم حق التقاضي. وتبعًا لما تقدم؛ يغدو متعينًا القضاء بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، وعدم الاعتداد بقراري مجلسي تأديب المحامين، الابتدائي والاستئنافي، المار بيانهما.

وحيث إنه عن الطلب المستعجل بوقف تنفيذ قراري مجلسي تأديب المحامين الابتدائي والاستئنافي سالفي الذكر، فإنه يُعد فرعًا من أصل النزاع حول منازعة التنفيذ المعروضة، وإذ انتهت المحكمة –فيما تقدم- إلى القضاء في موضوعها، فإن قيامها بمباشرة اختصاص البت في هذا الطلب، وفقًا لنص المادة (50) من قانونها المار ذكره، يكون قد بات غير ذي موضوع.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 2/3/2019، في الدعوى رقم 160 لسنة 33 قضائية "دستورية"، وبعدم الاعتداد بقرار مجلس تأديب المحامين الابتدائي الصادر بجلسة 5/2/2022، في الدعوى التأديبية رقم 45 لسنة 2020 " تأديب محامين"، المعدل بقرار مجلس تأديب المحامين الاستئنافي الصادر بجلسة 12/10/2022، في الاستئناف رقم 40 لسنة 92 قضائية "تأديب محامين"، وألزمت المدعى عليهم المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الدعوى رقم 17 لسنة 44 ق دستورية عليا "دستورية" جلسة 8 / 11 / 2025

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثامن من نوفمبر سنة 2025م، الموافق السابع عشر من جمادى الأولى سنة 1447ه.

برئاسة السيد المستشار/ بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ عبد الرحمن حمدي محمود أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 17 لسنة 44 قضائية "دستورية" بعد أن أحالت محكمة جنوب بنها الابتدائية "محكمة الجنح المستأنفة"، بحكمها الصادر بجلسة 24/2/2022، ملف الجنحة المستأنفة رقم 3218 لسنة 2022 جنوب بنها

المقامة من

النيابة العامة

ضد

1- عمر عبد الفتاح علي السيد

2- شاكر عبد الفتاح علي السيد

3- محمد عبد الفتاح علي زايد

4- مروة عبد الفتاح علي زايد

-------------

الإجراءات

بتاريخ الثامن والعشرين من أبريل سنة 2022، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الجنحة المستأنفة رقم 3218 لسنة 2022 جنوب بنها، بعد أن قضت محكمة جنح مستأنف جنوب بنها بجلسة 24/2/2022، بوقف الاستئناف تعليقًا، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (369) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المستبدل بها نص المادة الأولى من القانون رقم 164 لسنة 2019، فيما تضمنه من جعل الحد الأدنى لعقوبة الحبس سنتين.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل –على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق- في أن النيابة العامة قدَّمت المستأنف ضدهم، في الدعوى الموضوعية، إلى المحاكمة الجنائية، أمام محكمة جنح مركز القناطر الخيرية في الجنحة رقم 9394 لسنة 2021، بوصف أنهم بتاريخ 21/12/2020، دخلوا عقارًا في حيازة المجني عليها آيات رمضان مصطفى، بقصد منع حيازتها بالقوة، وطلبت عقابهم بالمادة (369 /1) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، المستبدل بها القانون رقم 164 لسنة 2019. وبجلسة 4/9/2021، قضت المحكمة، غيابيًّا، بحبس كل منهم سنتين مع الشغل وغرامة خمسين ألف جنيه. عارض المحكوم عليهم في الحكم. وبجلسة 25/12/2021، قضت تلك المحكمة بإلغاء الحكم المعارض فيه، وبراءة المتهمين من التهمة المنسوبة إليهم. استأنفت النيابة العامة الحكم أمام محكمة جنوب بنها الابتدائية "محكمة الجنح المستأنفة"، التي أضافت الفقرة الرابعة من المادة (369) المشار إليها إلى قيد الاتهام، وعدلت الوصف ليصبح "دخلوا عقارًا صدر أمر قضائي من النيابة العامة بتمكين المجني عليها المذكورة من حيازته وذلك بقصد منع حيازتها". وبجلسة 24/2/2022، قضت بوقف الاستئناف تعليقًا، وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (369) من قانون العقوبات، المستبدل بها نص المادة الأولى من القانون رقم 164 لسنة 2019، فيما تضمنه من جعل الحد الأدنى لعقوبة الحبس سنتين. ونعى حكم الإحالة على النص المحال إخلاله بالحق في التقاضي، ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ومبدأ خضوع الدولة للقانون، وبقواعد المحاكمة المنصفة والعدالة الاجتماعية؛ إذ حرم المحكمة الجنائية من سلطتها التقديرية في وقف تنفيذ عقوبة الحبس التي يزيد حدها الأدنى على سنة، الأمر الذي يقوض سلطتها في تفريد العقوبة متى رأت إلى ذلك سبيلًا، ويلزمها بتوقيع عقوبة غير مبررة وغير عادلة إن قامت لديها مبررات إيقاف تنفيذها، فضلًا عن التمييز غير المبرر بين قواعد تفريد العقوبة في هذه الجريمة وبين غيرها في بعض الجنايات التي يجوز، حال الحكم فيها بالإدانة، أن تكون العقوبة هي الحبس مدة لا تزيد عن سنة، بما يتيح للمحكمة تطبيق نظام وقف تنفيذ العقوبة، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد (54 و92 و94 و96 و99 و184 و186) من الدستور.

وحيث إن نص المادة (369) من قانون العقوبات، المستبدل به نص المادة الأولى من القانون رقم 164 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، يجري على أن:

" كل من دخل عقارًا في حيازة آخر بقصد منع حيازته أو بقصد ارتكاب جريمة فيه أو كان قد دخله بوجه قانوني وبقي فيه بعد زوال سنده القانوني بقصد ارتكاب شيء مما ذكر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه.

...................

ويعاقب بذات العقوبة المبينة في الفقرة الأولى كل من دخل عقارًا صدر حكم أو أمر قضائي بتمكين آخر من حيازته، وذلك بقصد منع حيازته أو الانتقاص منها ....".

وحيث إن المصلحة –وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية– مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية المطروحة على هذه المحكمة لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، المطروحة أمام محكمة الموضوع، والمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى المقامة أمامها أو المحالة إليها، للتثبت من شروط قبولها. ولا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التي ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الفصل في دستورية العقوبة يطرح على المحكمة الدستورية بحكم اللزوم العقلي النظر في دستورية النص التجريمي المعاقب عليه؛ ذلك أن التلازم الحتمي بين التجريم والعقاب كتكوين قانوني يرتبط عنصراه ارتباط قرار، لا ينفصل بعضه عن بعض، يستوجب ألا تقضي المحكمة في دستورية العقوبة بعيدًا عن دستورية التجريم، بحسبان التجريم هو الأساس المسوغ للعقوبة، فيتعين على المحكمة أن تجيل بصرها فيه لتمحص الفعل المعاقب عليه، من حيث استيفائه سائر المقتضيات الدستورية للتجريم، ولتزن في ضوء ذلك معقولية العقوبة المرصودة له، وتناسبها مع الفعل محل التأثيم. لما كان ذلك، وكانت المحكمة المحيلة قد عدَّلت قيد التهمة ووصفها؛ بإضافة الفقرة الرابعة إلى مادة الاتهام المقدم بها المتهمون إلى المحاكمة الجنائية، كما عدلت الوصف في الدعوى الموضوعية، ليصبح: "دخلوا عقارًا صدر أمر قضائي من النيابة العامة بتمكين المجني عليها المذكورة من حيازته وذلك بقصد منع حيازتها"؛ ومن ثم فإن القضاء في دستورية ما تضمنه نص الفقرتين الأولى والرابعة من المادة (369) من قانون العقوبات، المستبدل بها نص المادة الأولى من القانون رقم 164 لسنة 2019، المشار إليه، من أن كل من دخل عقارًا في حيازة آخر بقصد منع حيازته، ومن دخل عقارًا صدر حكم أو أمر قضائي بتمكين آخر من حيازته بقصد منع حيازته أو الانتقاص منها، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه، يكون ذا أثر وانعكاس أكيد على قضاء محكمة الموضوع في الاستئناف المطروح عليها، مما تتحقق به المصلحة في الدعوى الدستورية المعروضة، وفيه يتحدد نطاقها، دون غيره من أحكام أخرى وردت في الفقرتين المشار إليهما.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ نص في المادة (94) منه على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وعلى خضوع الدولة للقانون؛ بحسبانه ضمانة أساسية لحماية الحقوق والحريات، فقد دل بذلك على أن الدولة القانونية هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها - وأيًّا كانت طبيعة سلطاتها- بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة؛ لأن الدولة القانونية هي التي توفر لكل مواطن في كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، بما يتوافق مضمونها مع الضوابط التي التزمتها الدول الديمقراطية باطراد في مجتمعاتها، واستقر نهجها على التقيد بها في مظاهر سلوكها على اختلافها، فلا تنزل بالحماية التي توفرها لمن يمارسونها عما يكون لازمًا لضمان فعاليتها في إطار من المشروعية، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محورًا لكل تنظيم، وحدًّا لكل سلطة، ورادعًا ضد العدوان.

وحيث إن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بينهم، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، فإن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيًّا أن يحدد من منظور اجتماعي، ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية؛ ومن ثم يتعين على المشرع، حين يقدر وجوب التدخل بالتجريم حماية لمصلحة المجتمع، أن يجري موازنة دقيقة بين مصلحة المجتمع والحرص على أمنه واستقراره من جهة، وضمان حريات الأفراد وحقوقهم من جهة أخرى.

وحيث إن النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، المنصوص عليه في المادة (95) من الدستور، إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات، يأتي على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع، متصيّدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بيّنة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولًا عليها. وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمة ركنًا ماديًّا لا قوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتناع وقع بالمخالفة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء، في زواجره ونواهيه، هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا؛ ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية؛ إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهى التي يتصور إثباتها ونفيها، وهى التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها عن بعض، وهى التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها، بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقة من وراء ارتكابها؛ ومن ثَمَّ تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ومن ثمَّ لا يتصور -وفقًا لأحكام الدستور- أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه، ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية -وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته- تعتبر واقعة في منطقة التجريم كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا، فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صور مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.

وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه لا تجوز معاملة المتهمين بوصفهم نمطًا ثابتًا، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وتقرير استثناء من هذا الأصل -أيًّا كانت الأغراض التي يتوخاها– مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها، وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة، بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتضى؛ ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية مناطها أن يباشر كل قاضٍ سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديرًا لها، في الحدود المقررة قانونًا، فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها جبرًا لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها، وأن حرمان من يباشرون تلك الوظيفة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في كل حالة بذاتها، مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها إلا عملًا مجردًا يعزلها عن بيئتها، دالًّا على قسوتها أو مجاوزتها حد الاعتدال، جامدًا فجًّا منافيًا لقيم الحق والعدل.

وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر- كذلك- على أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد، عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة، أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل، عملًا بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة، إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتساند القاضي إليها -بحسب ظروف كل دعوى- لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة؛ ومن ثم فإنه في الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي يكون قد استغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله ويسلبه حريته في تقدير العقوبة، ويفقده جوهر الوظيفة القضائية وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة.

وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعنى -وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة- أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي -من ثم- على مخالفة لنص المادتين (4 و53) من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه -بما انطوى عليه من تمييز- مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلًا إليها؛ فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، يتمثل جوهرها -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- في المفاضلة بين البدائل المختلفة وفق تقديره لتنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها إلا ما يكون منها عنده مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها. وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطًا منطقيًّا بهذه الأغراض -وبافتراض مشروعيتها- كان التنظيم موافقًا للدستور.

وحيث إن المشرع في الفقرتين المحدد فيهما نطاق الدعوى المعروضة قد أثم دخول عقار في حيازة آخر بقصد منع حيازته، وجرم دخول عقار صدر حكم أو أمر قضائي بتمكين آخر من حيازته، وذلك بقصد منع حيازته أو الانتقاص منها، قاصدًا من هذا الحظر ضمان أمن كل حائز لعقار وطمأنينته، وألا يتخلى عن حيازته بغير رضاه، ولا يباغت بسلبها منه بغير الوسائل القانونية، وكان رائد المشرع في تأثيم هذين الفعلين جنائيًّا توطيد أركان الشرعية القانونية، وتحقيق السكينة الاجتماعية، ذلك أن من شأن تجريم هذين الفعلين أن يوصد أبواب الاعتداء على الحيازة الهادئة والمستقرة والفعلية للعقارات، وتلك التي صدر حكم أو أمر قضائي بتمكين آخر من حيازتها، بما يدرأ خطرًا كبيرًا عن أمن المجتمع وسلامته، فإن المشرع بهذا التجريم يكون قد استهدف مصلحة اجتماعية جديرة بالحماية الجنائية.

لما كان ذلك، وكان المشرع قد حدد الركن المادي لصورتي الجريمة اللتين تحدد بهما نطاق هذه الدعوى، على نحو قاطع لا لبس فيه ولا غموض، فجعل مناط وقوعهما قيام الجاني بدخول عقار بقصد منع حيازته أو دخول عقار صدر حكم أو أمر قضائي بتمكين آخر من حيازته بقصد منع حيازته أو الانتقاص منها، وهما فعلان عمديان يتعين أن يرتبطا بنتيجة لازمة لارتكابهما، ويقارنهما قصد جنائي عام قوامه العلم بعناصر الركن المادي لكليهما، وإرادة تحقيق النتيجة، فدل بذلك على استواء هذين النصين على مدارج الشرعية الدستورية لتأثيم الأفعال في المواد الجنائية.

وحيث إنه في مجال تناسب العقوبة الجنائية المرصودة في النصين اللذين تحدد فيهما نطاق هذه الدعوى مع الفعل المؤثم في كل منهما، فلما كان المشرع قد عاقب مرتكب الجرمين بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين، ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه، فإنها تغدو عقوبة مبررة تتناسب مع الأضرار الجسيمة المترتبة على ارتكاب الجريمتين؛ لمساسهما بأمن المجتمع وتوافق مصالح أفراده من ناحية، واستقرار المراكز القانونية لهم على نحو ما تقضي به الأحكام أو تفضي إليه القرارات القضائية من ناحية أخرى. لما كان ذلك، وكان المشرع لم يحل بين المحكمة الجنائية وتقدير العقوبة الملائمة لهذين الجرمين، فوضع حدين أدنى وأقصى لعقوبتي الحبس والغرامة، وأتاح لها تقدير العقوبة المناسبة بين هذين الحدين، على اتساعهما، فتقدر لكل حال ما يناسبها، مراعية في ذلك جسامة الفعل؛ ومن ثم فإن العقوبة التي رصدها المشرع لهاتين الجريمتين تكون قد استوفت مقتضيات العقوبة في الدستور.

وحيث إنه عما نعى به حكم الإحالة على العقوبة المقررة بالنصين اللذين تحدد بهما نطاق هذه الدعوى، من الإخلال بحق المحكمة الجنائية في استعمال الرأفة والنزول بالعقوبة درجتين على النحو المقرر لها في مواد الجنايات بمقتضى المادة (17) من قانون العقوبات، أو وقف تنفيذ عقوبة الحبس الذي لا يجاوز سنة في مواد الجنح، وفق ما تنص عليه المادة (55) من القانون ذاته، فإنه مردود بأن تحديد المشرع لأنواع الجرائم إنما يدخل في إطار سلطته التقديرية التي يحدد بها نوع الجريمة على أساس خطورتها المجتمعية، ويقدر لكل منها عقوبتها التي تخضع لأدوات التفريد التشريعي التي اختص بها كل نوع من الجرائم بما يناسبها، مراعيًا في ذلك أن العقوبة الأصلية السالبة للحرية المقررة في مواد الجنايات – على غلظتها – قد يتراءى لمحكمة الموضوع أخذ المحكوم عليه فيها بقسط من الرأفة يحتم النزول بالعقوبة درجة أو درجتين، فإذا أجاز النزول إلى عقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة واحدة أتاح لها أن تشمله بإيقاف التنفيذ، ولا كذلك الحال في مواد الجنح الأهون في عقوبتها الأصلية، والتي لا تجاوز الحبس والغرامة أو إحداهما، فإن مناط تفريد العقوبة فيها يتحقق بوضعها بين حدين أدنى وأقصى، مع جواز إيقاف تنفيذ عقوبة الحبس الذي لا يجاوز سنة واحدة، وإيقاف تنفيذ عقوبة الغرامة أيًّا كان مقدارها. لما كان ذلك، وكان نطاق الدعوى المعروضة لم يتضمن نص المادتين (17 و55) من قانون العقوبات، فإن النعي على عدم إعمالهما على العقوبة المقررة في الفقرتين الأولى والرابعة من المادة (369) من قانون العقوبات المستبدلتين، يُعد انتحالًا لسلطة المشرع في تحديد أنواع الجرائم وأدوات تفريد عقوبتها، ولزامه الالتفات عن هذا النعي في شقيه.

وحيث إن الفقرتين اللتين تحدد بهما نطاق هذه الدعوى لا تخالفان أي حكم آخر في الدستور؛ فمن ثم تقضي هذه المحكمة برفض الدعوى.

وحيث إنه عما أثاره حكم الإحالة من طلب التصدي لباقي فقرات نص المادة (369) من قانون العقوبات، فإن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط إعمالها لرخصة التصدي، المنصوص عليها بالمادة (27) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، يفترض وجود خصومة أصلية طُرح أمرها عليها وفقًا للأوضاع المنصوص عليها في قانونها، وأن ثمة علاقة منطقية تقوم بين هذه الخصومة وما قد يُثار عرضًا من تعلق الفصل في دستورية بعض النصوص القانونية بها؛ ومن ثم تكون الخصومة الأصلية هي المقصودة بالتداعي أصلًا، والفصل في دستورية النصوص القانونية التي تتصل بها عرضًا، مبلورًا للخصومة التي تدور مع الخصومة الأصلية وجودًا وعدمًا. وهذه المحكمة لا تعرض لدستورية النصوص القانونية التي تقوم عليها الخصومة الفرعية إلا بقدر اتصالها بالخصومة الأصلية وبمناسبتها، وشرط ذلك أن يكون تقرير بطلان هذه النصوص أو صحتها مؤثرًا في المحصلة النهائية للخصومة الأصلية. متى كان ذلك، وكانت باقي فقرات النص المشار إليه تجرم أفعالًا تغاير الفعل المنسوب إلى المتهمين في الدعوى المحالة، وكان التصدي للفصل في دستورية تلك الفقرات غير ذي أثر على الخصومة الأصلية في الدعوى الدستورية، أو على قضاء محكمة الموضوع؛ فإن هذا الطلب يغدو حقيقًا بالالتفات عنه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى.

الطعن 6475 لسنة 53 ق جلسة 22 / 2 / 1984 مكتب فني 35 ق 39 ص 194

جلسة 22 فبراير سنة 1984

برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة. وعضوية السادة المستشارين/ إبراهيم حسين رضوان - نائب رئيس المحكمة ومحمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي وفتحي خليفة.

----------------

(39)
الطعن رقم 6475 لسنة 53 القضائية

معارضة "ما لا يجوز الطعن فيه من الأحكام". محال صناعية وتجارية. نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون".
الأحكام الصادرة في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية أو القرارات المنفذة لها. عدم جواز الطعن فيها بطريق المعارضة مخالفة ذلك خطأ في تطبيق القانون.

------------------
لما كانت المادة 21 من القانون رقم 453 لسنة 1954 قد نصت على أن "لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له بطريق المعارضة". لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن النيابة العامة قد أقامت الدعوى على المطعون ضدهما بوصف أنهما أدارا محلاً صناعياً بدون ترخيص وطلبت عقابهما بمقتضى أحكام القانون رقم 453 لسنة 1954 فقضت محكمة أول درجة بإدانتهما, فاستأنفا وقضت المحكمة الاستئنافية غيابياً بتأييد الحكم المستأنف, فعارضا وقضت المحكمة بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم الغيابي المعارض فيه إلى حبس كل من المطعون ضدهما 48 ساعة وتأييده فيما عدا ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول معارضة المطعون ضدهما يكون قد خالف حكم المادة 21 من القانون رقم 453 لسنة 1954 آنف البيان مما يوجب نقضه والقضاء بعدم جواز المعارضة وذلك إعمالاً لنص المادة 39/ 1 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما في قضية الجنحة بأنهما بدائرة مركز المنصورة - محافظة الدقهلية: أدارا محلاً صناعياً بدون ترخيص. وطلبت عقابهما بالمادتين 2 و17 من القانون 453 لسنة 1954. ومحكمة جنح مركز المنصورة. قضت غيابياً بحبس المتهم أسبوعين مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لكل لإِيقاف التنفيذ والغلق. فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم. ومحكمة المنصورة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضورياً اعتبارياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فعارضا. وقضي في معارضتهما بقبولها شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى حبس كل منهما 48 ساعة وتأييده فيما عدا ذلك.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بقبول المعارضة الاستئنافية المرفوعة من المطعون ضدهما قد خالف القانون، ذلك بأن المادة 21 من قانون المحال التجارية والصناعية الصادر بالقانون رقم 453 لسنة 1954 تقضي بعدم جواز المعارضة في الأحكام الصادرة في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له.
ومن حيث إن المادة 21 من القانون رقم 453 لسنة 1954 قد نصت على أن "لا يجوز الطعن في الأحكام الصادرة في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له بطريق المعارضة". لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن النيابة العامة قد أقامت الدعوى على المطعون ضدهما بوصف أنهما أدارا محلاً صناعياً بدون ترخيص وطلبت عقابهما بمقتضى أحكام القانون رقم 453 لسنة 1954 فقضت محكمة أول درجة بإدانتهما, فاستأنفا وقضت المحكمة الاستئنافية غيابياً بتأييد الحكم المستأنف, فعارضا وقضت المحكمة بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم الغيابي المعارض فيه إلى حبس كل من المطعون ضدهما 48 ساعة وتأييده فيما عدا ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول معارضة المطعون ضدهما يكون قد خالف حكم المادة 21 من القانون رقم 354 لسنة 1954 آنف البيان مما يوجب نقضه والقضاء بعدم جواز المعارضة وذلك إعمالاً لنص المادة 39/ 1 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.