جلسة 25 من أكتوبر سنة 2017
برئاسة السيد القاضي/ هاني مصطفى كمال نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة القضاة/ حمدي ياسين، إبراهيم عبد الله، علي عبد البديع وسامح محمد إبراهيم
نواب رئيس المحكمة.
-------------
(94)
الطعن رقم 37995 لسنة 85 القضائية
(1) حكم "بيانات التسبيب"
"تسبيبه. تسبيب غير معيب".
بيان الحكم كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها
وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي لما رتبه عليها. لا قصور.
عدم رسم القانون شكلا خاصا لصياغة الحكم. متى كان مجموع ما أورده
كافيا لتفهم الواقعة. المادة 310 إجراءات جنائية.
(2) إثبات "شهود". حكم "ما لا
يعيبه في نطاق التدليل".
إحالة
الحكم في إيراد أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. ما دامت
متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
(3) نقض "أسباب الطعن. تحديدها".
النعي بعدم اتفاق أقوال الشهود مع ما ورد بتقرير الفحص ومحضري الضبط
والتحريات دون الإفصاح عن مواطن الاختلاف في صحيفة الطعن. غير مقبول.
(4) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع
"سلطتها في تقدير آراء الخبراء".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات.
موضوعي. النعي على الحكم في هذا الصدد. جدل موضوعي.
(5) استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها
في تقدير جدية التحريات". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
للمحكمة التعويل في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها معززة
لما ساقته من أدلة. ما دامت اطمأنت لجديتها.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة وفي سلطة المحكمة في استنباط معتقدها.
غير جائز أمام محكمة النقض.
مثال.
(6) إضرار عمدي. اختلاس أموال أميرية. عقوبة
"عقوبة الجريمة الأشد". نقض "المصلحة في الطعن".
نعي الطاعن على الحكم بشأن جريمة الإضرار العمدي. غير مجد. ما دامت
المحكمة عاقبته بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة اختلاس مستندات عامة حال كونه من
الأمناء على الودائع.
(7) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير
الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
نعي الطاعن على الحكم إدانته رغم عدم وجود مستندات الجريمة. غير
مقبول. ما دامت المحكمة انتهت إلى إدانته نتيجة استخلاص سائغ من واقعة الدعوى
وأدلة ثبوتها.
(8) مسئولية جنائية. نقض "المصلحة في
الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نعي الطاعن بمسئولية آخرين عن ارتكاب الواقعة. غير مجد. ما دام ذلك لا
يحول دون مساءلته عن الجريمة. إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. غير مقبول. علة
ذلك؟
(9) إثبات "بوجه عام". محكمة
الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما
لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه إيراد الأدلة المنتجة التي
صحت لديه على وقوع الجريمة المسندة للمتهم. تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه.
غير لازم. التفاته عنها. مفاده: اطراحها.
نعي الطاعن بعدم توافر أركان الجريمة. جدل موضوعي. عدم جواز إثارته
أمام محكمة النقض.
(10) إجراءات "إجراءات المحاكمة".
دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
نعي الطاعن على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها. غير
مقبول.
-------------------
1 - لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به
كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة
مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من التقريرين الأصلي والتكميلي المقدمين من
اللجنة المنتدبة بمعرفة النيابة العامة ومن إقرار الطاعن بالتحقيقات وهي أكلة
سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن
القانون لم يرسم شكلا خاصا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف
التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة
- كافية في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، كان ذلك
محققا لحكم القانون كما جرى به نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية.
2 - لما كان الحكم قد أورد تفصيلا أقوال شاهد
الإثبات الأول رئيس اللجنة، وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان أقوال الشاهد إلى
ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة فيما استند إليه الحكم منها،
وكان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهدين الثاني والثالث متفقة مع أقوال الشاهد
الأول التي أحال عليها الحكم.
3 - لما كان الطاعن لم يفصح في صحيفة طعنه عن
أوجه الخلاف المزعومة بين أقوال الشهود مع ما ورد بتقرير الفحص ومحضري الضبط
والتحريات، فإن ما يثيره في هذا الشأن يضحى غير مقبول.
4 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل
فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية
في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها وما دامت قد اطمأنت إلى ما
جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن ينحل
إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب.
5 - من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين
عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دام أنها
اطمأنت إلى جديتها، وإذ كان الحكم قد عول في إدانة الطاعن على أقوال شهود الإثبات
التي تأيدت بما دلت عليه تحريات ضابط المباحث ومما ثبت من التقريرين الأصلي
والتكميلي المقدمين من اللجنة المنتدبة بمعرفة النيابة العامة ومن إقرار الطاعن
بالتحقيقات وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن ما
يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة وفي سلطة
محكمة الموضوع في استنباط معتقدها منها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
6 - لما كان لا جدوى لما ينعاه الطاعن بشأن
جريمة الإضرار عمدا بأموال الجهة التي يعمل بها ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32
من قانون العقوبات وعاقبته بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة اختلاس مستندات عامة حال
كونه من الأمناء على الودائع التي أثبتها الحكم في حقه.
7 - لما كان وجود مستندات الجريمة ليس شرطا
أساسيا لإدانة المتهم ما دام القاضي - بما له من حرية في تكوين اعتقاده من جميع
الأدلة والقرائن التي تعرض عليه - وقد انتهى إلى الإدانة التي رسخت في يقينه نتيجة
استخلاص سائغ من واقعة الدعوى وأدلة الثبوت فيها، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم
من أنه دانه رغم عدم وجود مستندات الجريمة وأنها لم تضبط يكون على غير أساس.
8 - لما كان لا يجدي الطاعن ما يثيره من
مسئولية آخرين بارتكاب تلك الوقائع في الدعوى طالما أن إدخال المذكورين لم يكن
ليحول دون مساءلته عن الجريمة التي دين بها، فإن منعاه في هذا الشأن يكون غير
سديد. هذا إلى أن البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يدفع الاتهام المسند
إليه بما يثيره في طعنه من مسئولية آخرين بارتكاب تلك الوقائع وكان هذا الدفاع مما
يتعين التمسك به أمام محكمة الموضوع لأنه يتطلب تحقيقا موضوعيا ولا يسوغ إثارة
الجدل في شأنه لأول مرة أمام محكمة النقض، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا
يكون مقبولا.
9 - لما كان بحسب الحكم كيما يتم تدليله
ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع
الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتتبعه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن
مفاد التفاته عنها أنه اطرحها، فإن ما يثيره الطاعن من قصور الحكم لعدم الرد على
دفاعه من عدم توافر أركان الجرائم التي دانه بها وبانتفائها لا يعدو أن يكون جدلا
موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط
معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
10 - لما كان الثابت من الاطلاع على محاضر
جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب سائر طلبات التحقيق التي أشار إليها في أسباب
طعنه فليس له من بعد أن ينعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها.
------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه:
1- بصفته موظفا عاما "أمين مستودع...." اختلس المستندات
المبينة بالتحقيقات والتي وجدت في حيازته بسبب وظيفته حال كونه من الأمناء على
الودائع وسلمت إليه الأوراق بهذه الصفة.
2- بصفته سالفة الذكر أضر عمدا بأموال الجهة التي يعمل بها ومصالح الغير
المعهود بها إليه بأن قام بصرف كميات الدقيق المدعم الزائدة عن الحصص المقررة
لنفسه مما ترتب عليه ضرر جسيم بأموال الجهة آنفة البيان وهو عدم سداد قيمة فرق
السعر المدعم للكمية المذكورة بلغ قدرها.... جنيها.
3- بصفته سالفة الذكر أيضا ارتكب تزويرا في محررات رسمية هي إخطارات
وبيانات الصرف اليومية والشهرية ودفتر البوابة وفواتير الصرف وسجل حركة الدقيق
الخاصة بالشركة آنفة البيان وذلك بطريق تغيير البيانات وزيادة الكلمات وجعل واقعة
مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن أثبت بها على خلاف الحقيقة كون كمية الدقيق موضوع
التهمة السابقة تدخل ضمن الحصص المنصرفة لأصحاب المخابز كما أثبت زورا بالمحررات
المذكورة المبلغة لإدارتي التموين المختصين أنها تطابق حصص الدقيق التموينية
المقررة.
4- استعمل المحررات الرسمية المزورة سالفة البيان بأن قدمها للإدارات
المختصة للعمل بمقتضاها مع علمه بتزويرها.
وأحالته إلى محكمة جنايات.... لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين
بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمواد 112/ 1، 2بند أ، و116
مكررا/ 1، و118، و118 مكررا، و119/ ب، 119 مكررا/ هـ، و211، و213، و214 من قانون
العقوبات مع إعمال نصوص المادتين 17 و32/ 2 من ذات القانون بمعاقبته بالسجن لمدة
ثلاث سنوات وتغريمه 228081 جنيها "مائتين وثمانية وعشرين ألفا وواحد وثمانين
جنيها" وبإلزامه برد مثل هذا المبلغ وبعزله من وظيفته عما أسند إليه وبمصادرة
المحررات المزورة المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
--------------
المحكمة
وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة اختلاس
مستندات عامة حال كونه من الأمناء على الودائع والإضرار عمدا بأموال الجهة التي
يعمل بها وتزوير محررات رسمية واستعمالها مع علمه بتزويرها قد شابه القصور في
التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن
الحكم خلا من بيان واقعة الدعوى بيانا تتحقق به أركان الجرائم التي دانه بها، ولم
يورد مؤدى شهادة الشاهدين الثاني والثالث من أعضاء اللجنة واكتفى في تحصيلها
بالإحالة ما شهد به الشاهد الأول رغم اختلاف أقوالهم مع ما ورد بتقرير الفحص
ومحضري الضبط والتحريات، واستند في قضائه بالإدانة إلى تقريرين أعدا من لجنة مشكلة
من الجهة محررة محضر الضبط مما لا يصلح أن يعتد به سندا للإدانة، وعول في إدانته
على تحريات الشرطة والتي لا تعدو أن تكون رأيا لمجريها، وانتهى إلى إدانته بجريمة
الإضرار عمدا بأموال الجهة التي يعمل بها وأعمل بحقه المادة 116 عقوبات رغم أن تلك
الجهة نفت وقوع ضرر عمد وأن العجز بسبب فساد عبوات تعبئة الدقيق مما ينفي توافر
أركان تلك الجريمة، كما دانه رغم عدم وجود مستندات الجريمة والخاصة بالمستودع
والسجلات والفواتير والدفاتر الخاصة بالتحصيل والتي تم التخلص منها بمعرفة القطاع
والشركة جهة عمله ولم تضبط، ومع ذلك أسند الحكم إليه استيلاءه على تلك المستندات
غافلا عن الثابت بالأوراق من مسئولية آخرين عن ارتكاب تلك الوقائع، والتفت الحكم
عن دفاعه القائم على عدم توافر أركان الجرائم التي دانه به وانتفائها بحقه، ولم
تجر المحكمة تحقيقا في ذلك وصولا لوجه الحق بالدعوى كما لم تستمع لشهود الواقعة.
مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة
مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من التقريرين الأصلي والتكميلي المقدمين من
اللجنة المنتدبة بمعرفة النيابة العامة ومن إقرار الطاعن بالتحقيقات وهي أدلة
سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلا خاصا يصوغ فيه
الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما
أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافيا في تفهم الواقعة بأركانها
وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققا لحكم القانون كما جرى به نص المادة
310 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد تفصيلا أقوال
شاهد الإثبات الأول رئيس اللجنة، وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان أقوال الشاهد
إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة فيما استند إليه الحكم
منها وكان الطاعن لا يجادل في أن أقوال الشاهدين الثاني والثالث متفقة مع أقوال
الشاهد الأول التي أحال عليها الحكم، هذا إلى أن الطاعن لم يفصح في صحيفة طعنه عن
أوجه الخلاف المزعومة بين أقوالهم مع ما ورد بتقرير الفحص ومحضري الضبط والتحريات،
فإن ما يثيره في هذا الشأن يضحى غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير
آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع
التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها وما
دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها في ذلك، ومن ثم فإن ما يثيره
الطاعن في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة
الموضوع بغير معقب. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين
عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دام أنها
اطمأنت إلى جديتها، وإذ كان الحكم قد عول في إدانة الطاعن على أقوال شهود الإثبات
التي تأيدت بما دلت عليه تحريات ضابط المباحث ومما ثبت من التقريرين الأصلي
والتكميلي المقدمين من اللجنة المنتدبة بمعرفة النيابة العامة ومن إقرار الطاعن
بالتحقيقات وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن ما
يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة وفي سلطة
محكمة الموضوع في استنباط معتقدها منها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما
كان ذلك، وكان لا جدوى لما ينعاه الطاعن بشأن جريمة الإضرار عمدا بأموال الجهة
التي يعمل بها - ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وعاقبته
بالعقوبة الأشد المقررة لجريمة اختلاس مستندات عامة حال كونه من الأمناء على
الودائع التي أثبتها الحكم في حقه. لما كان ذلك، وكان وجود مستندات الجريمة ليس
شرطا أساسيا لإدانة المتهم ما دام القاضي - بما له من حرية في تكوين اعتقاده من
جميع الأدلة والقرائن التي تعرض عليه - وقد انتهى إلى الإدانة التي رسخت في يقينه
نتيجة استخلاص سائغ من واقعة الدعوى وأدلة الثبوت فيها، فإن ما ينعاه الطاعن على
الحكم من أنه دانه رغم عدم وجود مستندات الجريمة وأنها لم تضبط يكون على غير أساس.
لما كان ذلك، وكان لا يجدي الطاعن ما يثيره من مسئولية آخرين بارتكاب تلك الوقائع
في الدعوى طالما أن إدخال المذكورين لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجريمة التي دين
بها، فإن منعاه في هذا الشأن يكون غير سديد. هذا إلى أن البين من محاضر جلسات
المحاكمة أن الطاعن لم يدفع الاتهام المسند إليه بما يثيره في طعنه من مسئولية
آخرين بارتكاب تلك الوقائع وكان هذا الدفاع مما يتعين التمسك به أمام محكمة
الموضوع لأنه يتطلب تحقيقا موضوعيا ولا يسوغ إثارة الجدل في شأنه لأول مرة أمام محكمة
النقض، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص لا يكون مقبولا. لما كان ذلك، وكان بحسب
الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما
استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتتبعه في كل جزئية من
جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها فإن ما يثيره الطاعن من قصور الحكم
لعدم الرد على دفاعه من عدم توافر أركان الجرائم التي دانه بها وبانتفائها لا يعدو
أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى
واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان
الثابت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يطلب سائر طلبات التحقيق
التي أشار إليها في أسباب طعنه فليس له من بعد أن ينعي على المحكمة قعودها عن
إجراء تحقيق لم يطلبه منها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس
متعينا رفضه موضوعا.