الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 يناير 2023

الطعن رقم 132 لسنة 32 ق دستورية عليا " دستورية " جلسة 14 / 1 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر مـن يناير سنة 2023م، الموافق الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور عادل عمر شريف ومحمود محمـــد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيدة المستشار / شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 132 لسنة 32 قضائية دستورية

المقامة من
عزت عبدالبديع محمد حسن
ضــــد
1 - رئيس الجمهوريــــة
2 - رئيس مجلس الوزراء
3 - وزير الاستثمار
4 - رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية

---------------

" الإجراءات "
بتاريخ التاسع عشر من يونيو سنة 2010، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، المعدل بالقانون رقم 123 لسنة 2008.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًّا: برفضها. كما قدم المدعى عليه الأخير مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.
---------------
" المحكمــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن النيابة العامة، كانت قد قدمت حسين طلعت حسين الطباخ - بناءً على طلب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية - للمحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 625 لسنة 2009 جنح اقتصادية القاهرة؛ متهمة إياه: أنه بتاريخ سابق على 31/ 7/ 2006، بدائـرة قسـم عابدين، بمحافظة القاهرة، بصفته المدير المسئول فعليًّا عن شركة سيتي تريد لتداول الأوراق المالية المصريين سابقًا، وعلى النحو المبين بتقرير الهيئة العامة لسوق المال:1- باشر نشاطًا من الأنشطة الخاضعة لأحكام القانون رقم 95 لسنة 1992، دون أن يكون مرخصًا له في ذلك من الهيئة العامة لسوق المال. 2- اتبع سياسات وأجرى عمليات من شأنها الإضرار بالعملاء والإخلال بحقوقهم. 3- لم يلتزم في تعامله مع عملائه بمبادئ الأمانة والحرص على مصالحهم، والمساواة بين من تتشابه طبيعة وأوضاع تعاملهم مع الشركة، وتجنب كل ما من شأنه تقديم مزايا أو حوافز أو معلومات خاصة لبعضهم دون البعض. 4- لم يلتزم بعــــدم أداء أي عمـل يمكن أن يلحق ضـررًا بعملائه. 5- أجـــرى معاملات على حســاب العملاء دون إذن أو تفويض منهم. 6- اتبع أساليب تنطوي على الغش والتدليس، بأن أنشأ حسابات وهمية بغرض إجراء معاملات ما يمكن القيام بها دون ذلك. 7- استخدم أموال العملاء لتمويل عمليات الشركة الخاصة والإنفاق منها. 8- قام بالتعامل بين محفظة الشركة ومحفظة العميل بيعًا وشراءً. 9- تعامل في أوراق العميل المالية على نحو يتعارض مع مصلحته المالية. وطلبت النيابة العامة عقابه بالمواد (27و 28و 63 بند 1و 67و 68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، والمواد (90و 231و 243و 251و 259) من اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال الصادرة بقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 135 لسنة 1993. وبجلسة 19/ 11/ 2009، قضت محكمة القاهرة الاقتصادية ببراءته من التهم المنسوبة إليه، وإحالة الأوراق للنيابة العامة لاتخاذ شئونها قبل المتهم الحقيقي، بالنسبة للتهم من الثانية إلى الأخيرة. فقررت النيابة العامة تقديم المدعي للمحاكمة الجنائية بالاتهامات الواردة بالقيد والوصف السالفي البيان. وإبان تداول الدعوى أمام محكمة الموضوع، دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، وإذ قدّرت تلك المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية؛ فقد أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (63) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، التي ارتكبت الوقائع التي يحاكم عنها المدعي في ظل العمل بأحكامها، كانت تنص - قبل استبدالهــــا بالقانونين رقمــــي 123 لسنة 2008 و17 لسنة 2018 - على أنه مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين: 1- كل من باشر نشاطًا من الأنشطة الخاضعة لأحكام هذا القانون دون أن يكون مرخصًا له في ذلك 2- ..............
كما نصت المادة (67) من ذلك القانون على أنه مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، منصوص عليهــا في أي قانون آخر يعاقب بغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه كل من يخالف أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لهذا القانون . وبعد استبدال نص هذه المادة بالقانون رقم 123 لسنة 2008، تم رفع الحد الأقصى للغرامة الواردة به إلى مبلغ مليون جنيه.
ونصت المادة (68) من القانون ذاته، على أنه يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية بالشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون.
وتكون أموال الشركة ضامنة في جميع الأحوال للوفاء بما يحكم به من غرامات مالية . وقد تم استبدال نص الفقرة الأولى من هذه المادة بالقانون رقم 17 لسنة 2018 - المعمول به اعتبارًا من 15/ 3/ 2018 - ليصير يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة، بالعقوبات المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، متى ثبت علمه بها وكانت المخالفة قد وقعت بسبب إخلاله بواجباته الوظيفية .
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها، أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد أحالت المُدعي للمحاكمة الجنائية - بصفته المدير المسئول فعليًّا عن شركة سيتي تريد لتــداول الأوراق المالية المصـريين سابقًا-، بالقيد والوصف السابق بيانهما؛ وكان من بين ما نُسب إليه مباشرة نشاط من الأنشطة الخاضعة لأحكام هذا القانون دون أن يكون مرخصًا له في ذلك، ومخالفة أحد الأحكام المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لذلك القانون، وهى الأفعال المؤثمة بنص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، في مجال انطباق أحكامها على نصي المادتين (63/ 1 و67) من القانون ذاته - قبل استبدال أولهما بالقانونين رقمي 123 لسنة 2008، و17 لسنة 2018، وثانيهما بالقانون رقم 123 لسنة 2008 - الذي قدم المدعي للمحاكمة الجنائية استنادًا إليه، ومن ثم يكون للفصل في دستوريته أثره المباشر وانعكاسه الأكيد على الاتهام المسند إلى المدعي، وقضاء محكمة الموضوع فيه؛ الأمر الذي تتوافر معه للمدعي مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستوريته، ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى الذي أبدته هيئة قضايا الدولة في هذا المقام غير سديد، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إنه في شأن نص الفقرة الثانية من المادة (68) السالف بيانه، فلما كان المدعي قد أقام دعواه المعروضة بصفته الشخصية، دون الاحتجاج بنيابته القانونية عن الشخص الاعتباري الذي يمثله، فإن ذلك مما تنحسر معه مصلحته الشخصية المباشرة في الطعن على دستورية تلك الفقرة، وتغدو الدعوى المعروضة في هذا الشق منها غير مقبولة. ومن ثم يتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما تضمنته الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، في مجال انطباق أحكامها على نصي المادتين (63/ 1 و67) من القانون ذاته، المستبدل أولهما بالقانونين رقمي 123 لسنة 2008 و17 لسنة 2018، والمستبدل ثانيهما بالقانون رقم 123 لسنة 2008.
ولا ينال من توافر المصلحة في الدعوى المعروضة، سبق صدور أحكام هذه المحكمة برفض الدعوى المقامة طعنًا على نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، في الدعاوى الدستورية أرقام 107 لسنة 32 قضائية، بجلسة 14/ 3/ 2015، و186 لسنة 33 قضائية، بجلسة 13/ 10/ 2018، و156 لسنة 34 قضائية، بجلسة 2/ 11/ 2019 و103 لسنة 34 قضائية، بجلسة 2/ 1/ 2021، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعوى الدستورية يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التي كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، أما ما لم يكن مطروحًا على المحكمة، ولم تفصل فيه بالفعل، فلا تمتد إليه تلك الحجية. متى كان ذلك، وكانت الأحكام الدستورية المشار إليها، قد اقتصرت جميعها على الفصل في دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 في مجال انطباقه على نصوص أخرى وأحوال تغاير الحالة المطروحة في الدعوى المعروضة. ومن ثم، فإن حجية تلك الأحكام تظل مقصورة على ذلك النطاق وحده، دون أن تجاوزه إلى نصوص أخرى لم تطرح من قبل على هذه المحكمة، ليبقى نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال، في حدود النطاق المتقدم، خارجًا عن نطاق الأحكام الدستورية السابقة، وقابلاً للطرح على هذه المحكمة لتقول كلمتها فيه، بشأن مدى اتفاقه وأحكام الدستور.
ولا يغير من هذا النظر تعديل نص المادة (67) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، بالقانون رقم 123 لسنة 2008، إذ شددت التعديلات التي جرت على نص هذه المادة الحد الأقصى لعقوبة الغرامة على الأفعال المؤثمة بها، مما لا يُعد معه قانونًـــا أصلح للمتهم. ومن ثم، يظل المدعي مخاطبًا بنص المادة (67/ 1) من قانون سوق رأس المال، قبل استبداله.
ولا يقدح في توافر المصلحة في الدعوى المعروضة، إصدار المشرع القانون رقم 17 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، ومن بينها نص الفقرة الأولى من المادة (68) منه، متبنيًّا في تعديلها الأسس ذاتها التي اعتنقتها هذه المحكمة عند بيانها لمقتضى أحكام ذلك النص، وضمنته مدونات حكمها الصادر فى الدعوى رقم 107 لسنة 32 قضائية دستورية الآنف الذكر، وعينت فيه قواعد وضوابط المسئولية الجنائية للمسئول عن الإدارة الفعلية، وأسست عليه قضاءها برفض الدعوى، فأوجبت أن يكون ممن يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذي فرضه المشرع على الشركة، واعتبر الإخلال به جريمة مؤثمة قانونًا، وهو يسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه الجريمة قد تم باسم الشركة ولحسابها ولمصلحتها وباستخدام إحدى وسائلها، وبحيث لا تتحقق المسئولية الجنائية عن الجريمة في هذه الحالة إلا بتوافر أركانها، التي تلتزم سلطة الاتهام بإثباتها كاملة فى حقه. وبذلك أتى النهج الذي سلكه المشرع بالنص بعد التعديل المذكور، مواكبًا لذات أسس المسئولية الجنائية وعناصرها وأركانها للمسئول عن الإدارة الفعلية التي أوضحها وكشف عنها حكم المحكمة الدستورية العليا، على النحو المتقدم ذكره. وعلى ذلك، لم يأت النص بعد التعديل بأحكام جديدة تخالف فى مضمونها ومحتواها الحقيقي ما قرره النص المطعون فيه، قبـــل استبدال النص الجديد به.
وحيث إنه بشأن الطعن على نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبدالها بالقانون رقم 17 لسنة 2018، في مجال انطباق أحكامها على نص المادة (67) من القانون ذاته، قبل استبدالها بالقانون رقم 123 لسنة 2008. فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا حسم هذه المسألة، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 2/ 11/ 2019، القاضي برفض الدعــــوى رقــــم 156 لسنة 34 قضائية دستوريـة، المقامة طعنًا على دستوريتـه. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 44 مكرر (هـ) في 5 نوفمبر سنة 2019. متى كان ذلك، وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، ونصي المادتين (48 و 49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام هذه المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهــــم، باعتبارهـا قــــولاً فصــــلاً في المسألة المقضي فيهــــا، لا يقبل تأويلاً ولا تعقيبًا من أي جهة كانت، وهــــى حجية تحـول بذاتهـا دون المجادلـة فيها، أو إعادة طرحها عليها من جديد لمراجعتها. فمن ثم، تغدو الدعوى المعروضة في هذا الشق منها غير مقبولة.
وحيث إن المدعي ينعى على نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال المار ذكره، في مجال انطباق أحكامه على المادة (63/ 1) من القانون ذاته - في حدود النطاق المحدد سلفًا - إخلاله بمبدأي شخصية المسئولية الجنائية، وشخصية العقوبة؛ لافتراضه مسئولية القائم بالإدارة الفعلية للشركة، عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وتحميله تبعة جريمة ارتكبها غيره. فضلاً عما يمثله ذلك من مساس بالحرية الشخصية، وإنكار أصل البراءة، الذي لا يجوز نقضه بغير الأدلة الجازمة، التي تخلص إليها المحكمة، وتتكون منها عقيدتها، مما يشكل افتئاتًا على اختصاص السلطة القضائية، وتدخلاً في شئون العدالة. كما أن عقوبة الغرامة التي فرضها النص المطعون فيه قد جاءت باهظة ومغالى فيها، وذلك كله بالمخالفة لنصوص المواد (41 و66 و67 و86 و165) من دستور سنة 1971، التي تقابل نصوص المواد (54 و95 و96 و101 و184) من دستور سنة 2014 القائم.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة التي تباشرها على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها القواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، ذلك أن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه؛ لكون نصوصه تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعي للنص التشريعي المطعون فيه - في النطاق السالف تحديده - تندرج تحت المناعي الموضوعية، التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي. ولما كان النص المطعون فيه قد ظل ساريًا ومعمولاً بأحكامه حتى تم استبداله عام 2018، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية ذلك النص، من خلال أحكام الدستور الصادر سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إنه بشأن النعي على النص المطعون عليه - في حدود نطاقه المتقدم - إخلاله بمبدأ شخصية العقوبة، ومساسه بالحرية الشخصية، فإنه مردود؛ بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها التقدمية؛ نص في المادة (95) منه، على أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعـال اللاحقـة لتاريخ نفاذ القانون. وكان الدستور قد دل بهذه المادة على أن لكل جريمــة ركنًا ماديًّا لا قوام لها بغيره، يتمثل أساسًا في فعل أو امتنــاع وقــع بالمخالفـة لنص عقابي، مفصحًا بذلك عن أن ما يركن إليه القانون الجنائي ابتداء، في زواجره ونواهيه، هو مادية الفعل المؤاخذ على ارتكابه، إيجابيًّا كان هذا الفعل أم سلبيًّا. ذلك أن العلائق التي ينظمها هذا القانون في مجال تطبيقه على المخاطبين بأحكامه، محورها الأفعال ذاتها، في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية، وخصائصها المادية؛ إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتصور إثباتها ونفيها، وهي التي يتم التمييز على ضوئها بين الجرائم بعضها البعض، وهي التي تديرها محكمة الموضوع على حكم العقل لتقييمها وتقدير العقوبة المناسبة لها. بل إنه في مجال تقدير توافر القصد الجنائي، فإن محكمة الموضوع لا تعزل نفسها عن الواقعة محل الاتهام التي قام الدليل عليها قاطعًا واضحًا، ولكنها تجيل بصرها فيها منقبة من خلال عناصرها عما قصد إليه الجاني حقيقةً من وراء ارتكابها. ومن ثَمَّ، تعكس هذه العناصر تعبيرًا خارجيًّا وماديًّا عن إرادة واعية، ولا يتصور بالتالي، وفقًا لأحكام الدستور، أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة الدليل على توافر علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم، والنتائج التي أحدثها بعيدًا عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه. ولازم ذلك، أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية - وليس النوايا التي يضمرها الإنسان في أعماق ذاته - تعتبر واقعة في منطقة التجريم، كلما كانت تعكس سلوكًا خارجيًّا مؤاخذًا عليه قانونًا. فإذا كان الأمر غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجيًّا في صور مادية لا تخطئها العين، فليس ثمة جريمة.
وحيث إن الأصل في الجرائم، على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، أنها تعكس تكوينًا مركّبًا، باعتبار أن قوامها تزامنًا بين يد اتصل الإثم بعملها، وعقل واعٍ خالطها ليهيمن عليها محددًا خطاها، متوجهًا إلى النتيجة المترتبة على نشاطها؛ ليكون القصد الجنائي ركنًا معنويًّا في الجريمة مُكملاً لركنها المادي، ومتلائمًا مع الشخصية الفردية في ملامحها وتوجهاتها. وهذه الإرادة الواعية هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال التجريم بوصفها ركنًا في الجريمة، وأصلاً ثابتًا كامنًا في طبيعتها، وليس أمرًا فجًّا أو دخيلاً مقحمًا عليها أو غريبًا عن خصائصها. ذلك أن حرية الإرادة تعني حرية الاختيار بين الخير والشــــر، ولكلٍ وجهة هــــو مُوَلِّيها، لتنحــــل الجريمة - في معناها الحق - إلى علاقة ما بين العقوبة التي تفرضها الدولة بتشريعاتها، والإرادة التي تعتمل فيها تلك النزعة الإجرامية التي يتعين أن يكون تقويمها ورد آثارها، بديلين عن الانتقام والثأر المحض من صاحبها. وغدا أمرًا ثابتًا - بوصفه أصلاً عامًا - ألا يجرم الفعل ما لم يكن إراديًّا قائمًا على الاختيار الحر، ومن ثَمَّ كان مقصودًا. ولئن جاز القول بأن تحديد مضمون تلك الإرادة وقوفًا على ماهيتها، مازال أمرًا عسرًا، فإن معناها - بوصفها ركنًا معنويًّا في الجريمة - يدور بوجه عام حول النوايا الإجرامية، أو الجانحة، أو النوازع الشريرة المدبرة، أو تلك التي يكون الخداع قوامها، أو التي تتمحض عن علم بالتأثيم، مقترنًا بقصد اقتحام حدوده، لتدل جميعها على إرادة إتيان الفعل بغيًا.
وحيث إن الجريمة في مفهومها القانوني - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمـة - تتمثل في الإخـلال بنص عقابي، وأن وقوعهـا لا يكـون إلا بفعل أو امتناع يتحقق به هذا الإخلال؛ وأن الأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحمل بها إلا من أدين كمسئول عنها، وهى عقوبة يجب أن تتوازن وطأتها مع طبيعة الجريمة وموضوعها، بما مؤداه أن الشخص لا يزر غير سوء عمله، وأن جريرة الجريمة لا يؤاخذ بها إلا جناتها، ولا ينال عقابها إلا من قارفها، وأن شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطان بمن يُعد قانونًا مسئولاً عن ارتكابها. ومن ثَمَّ، تفترض شخصية العقوبة شخصية المسئولية الجنائية، بما يؤكد تلازمهما، ذلك أن الشخـــص لا يكـون مسئولاً عن الجريمـــة، ولا تفـرض عليه عقوبتها، إلا باعتباره فاعلاً لها أو شريكًا فيها، وهو ما يعبر عن العدالة الجنائية في مفهومها الحق.
متى كان ما تقدم، وكان المشرع قد أثّم بموجب نص المادة (63/ 1) من قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992، قبل استبدالها، مباشرة نشاط من الأنشطة الخاضعة لأحكام هذا القانون، دون أن يكون مرخصًا له في ذلك، التي نسبت النيابة العامة للمدعي اقترافها، وعدَّ هذه الجريمة جنحة معاقبًا عليها بغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه، ويُسأل عنها المسئول عن الإدارة الفعلية للشركة إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة (68) من القانون ذاته، الذي يجب دومًا - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون من الأشخاص الذين يعهد إليهم بقسط من نشاط الشركة يمارسه نيابة عنها، ويرتبط بتنفيذ الالتزام القانوني الذي فرضه المشرع عليها، وجعل الإخلال به جريمة - حرصًا منه على التزام الشركات العاملة في سوق رأس المال بالضوابط التشريعية؛ صونًا لحقوق عملائها، وبما ينعكس إيجابًا على العمل بسوق رأس المال - ليكون مناط مسئوليته عن هذه الجريمة ثبوت مسئوليته عن الإدارة الفعلية للشركة، في حدود الصلاحيات الممنوحة له، وهو يُسأل عن فعله شخصيًّا، ولو كان ارتكابه للجريمة قد تم باسم الشخص الاعتباري ولحسابه ولمصلحته وباستخدام أحد وسائله، دون أن يقيم النص المطعون بعدم دستوريته مسئوليته عن فعل الغير، أو يقرر مسئوليته عن الجريمة المنسوب إليه ارتكابها خارج نطاق الاختصاص والسلطة المعهود له بمباشرتها نيابة عن الشخص الاعتبارى، ذلك أن الجريمة لا تقوم بحقه إلا بتوافر أركانها، التي يتعين دومًا على سلطة الاتهام إثباتها كاملة، وبذلك يتحقق توافق قواعد المسئولية الجنائية التي نصت عليها المادة (68) المطعون فيها، مع مبدأ شخصية العقوبة، على نحو يصون الحرية الشخصية.
وحيث إنه بشـأن النعي على نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال الصـادر بالقانون رقم 95 لسنة 1992 - في حدود نطاقه المتقدم - إهداره أصل البراءة، ومساسه بمبدأ استقلال السلطة القضائية، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن الدستور إذ نص في الفقرة الأولى من المادة (96) منه، على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، فإن مؤدى ذلك أن ضوابط المحاكمة المنصفة - التي عناها الدستور في هذه المادة - تتمثل في مجموعة من القواعد المبدئية، التي تعكس مضامينها نظامًا متكامل الملامح، يتوخى بالأسس التي يقوم عليها، صون كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وذلك انطلاقًا من إيمان الأمم المتحضرة بحرمة الحياة الخاصة، وبوطأة القيود التي تنال من الحرية الشخصية التي عَدَّها الدستور من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، فلا تنفصل عنها عدوانًا، ولضمان أن تتقيد الدولة - عند مباشرتها لسلطاتها في مجال فرض العقوبة صونًا للنظام الاجتماعي - بالأغراض النهائية للقوانين العقابية، التي ينافيها أن تكون إدانة المتهم هدفًا مقصودًا لذاته، أو أن تكون القواعد التي تتم محاكمته على ضوئها مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، بل يتعين أن تلتزم هذه القواعد مجموعة من القيم التي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية، التي لا يجوز النزول عنها أو الانتقاص منها، ويندرج تحت هذه القواعد أصل البراءة كقاعدة أولية تفرضها الفطرة، وتوجبها حقائق الأشياء، وهي بعد قاعدة حرص الدستور القائم على إبرازها في المادة (96) منه.
وحيث إن افتراض البراءة، على ما جـرى عليه قضـاء هذه المحكمة، لا يتمحض عن قرينة قانونية، ولا هو من صورها، ذلك أن القرينة القانونية تقوم على تحويل للإثبات من محله الأصلي - ممثلاً في الواقعة مصدر الحق المدعى به - إلى واقعة أخرى قريبة منها متصلة به، وهذه الواقعة البديلة هي التي يُعَدُّ إثباتها إثباتًا للواقعة الأولى بحكم القانون. وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى البراءة التي افترضها الدستور، فليس ثمة واقعة أحلها الدستور محل واقعة أخرى، وأقامها بديلاً عنها، وإنما يُؤسس افتراض البراءة على الفطرة التي جُبِــــل الإنســــان عليهـــا، فقــــد ولد حــــرًا مُبَــرَّأً مــــن الخطيئة أو المعصية، ويفترض على امتداد مراحل حياته أن أصل البراءة مازال كامنًا فيه، مصاحبًا له فيما يأتيه من أفعال، إلى أن تنقض محكمة الموضوع بقضاء جازم بات لا رجعة فيه هذا الافتراض، على ضوء الأدلة التي تقدمها النيابة العامة مثبتة بها الجريمة التي نسبتها إليه في كل ركن من أركانها، وبالنسبة إلى كل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبا فيها، وحق المتهم في مواجهة الشهود الذين قدمتهم النيابة العامة إثباتًا للجريمة، والحق في دحض أقوالهم وإجهاض الأدلة التي طرحتها بأدلة النفي التي يعرضها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة؛ إذ هو من الركائز التي يستند إليها مفهوم المحاكمة المنصفة التي كفلها الدستور، ويعكس قاعدة مبدئية تُعَدُّ في ذاتها مستعصية على الجدل، واضحة وضوح الحقيقة ذاتها، تقتضيها الشرعية الإجرائية، ويُعَدُّ إنفاذها مفترضًا أوليًّا لإدارة العدالة الجنائية، ويتطلبها الدستور لصون الحرية الشخصية في مجالاتها الحيوية، وليوفر من خلالها لكل فرد الأمن في مواجهة التحكم والتسلط والتحامل، بما يحول دون اعتبار واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل، وبما يرد المشرع عن افتراض ثبوتها بقرينة قانونية ينشئها.
وحيث إنه من المقرر - أيضًا - في قضاء هذه المحكمة أن الدستور إذ اختص - بموجب المادة (101) منه - السلطة التشريعية بسن القوانيــن، كما نص في المادتيـــن (184 و188) منــــه على استقلال السلطة القضائية، واختصاصها بالفصل في المنازعات والجرائم، فإن لازم ذلك أن اختصاص السلطة التشريعية بسن القوانين لا يخولها التدخل في أعمال أسندهــــا الدستور للسلطة القضائية وقصــرها عليها، وإلا كان هذا افتئاتًا على عملها، وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات. وعلى ذلك، فإن الاختصاص المقرر دستوريًّا للسلطة التشريعية في مجال إنشاء الجرائــم وتقريــر عقوباتهـــا، لا يخولها التدخل بالقرائن التي تنشئها لغل يد المحكمة الجنائية عن القيام بمهمتها الأصلية في مجال التحقق من قيام أركان الجريمة التي عينها المشرع.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (68) من قانون سوق رأس المال، المطعون فيه، في حدود النطاق الذي تطرحه الدعوى المعروضة، قد ألقى على عاتق المسئول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري المسئولية الجنائية عن ارتكاب الجرائم المشار إليها، وقرن ثبوتها في حقه بثبوت مباشرته الإدارة الفعلية المتعلقـــة بتنفيذ الالتزام القانوني، الذي عَدَّ المشــــرع الإخلال به جريمة، ورصد لها عقوبة جنائية جزاءً على مخالفة هذا الالتزام، مخولاً القاضي سلطة تفريدها بما يسمح بتناسب العقوبة مع الأفعال المؤثمة دون إفراط ولا تفريط، ولم يُعْـِف النيابة العامة من واجب إقامة الدليل على ثبوت أركان الجريمة في حقه، بما فى ذلك ثبوت قيامه بالإدارة الفعلية، كما لم يحل بينه وبين نفي عناصر الاتهام جميعها بكافة طرق ووسائل الإثبات القانونية في شتى الدعاوى الجنائية. وعلى ذلك، فإن النص المطعون فيه - محددًا نطاقًا على النحو المتقدم - يكون قد جاء خلوًا من أي قرينة قانونية تعارض أصل البراءة. ومن ثَمَ،ّ فإن أحكامه تكون مبرأة من قالة الإخلال بأصل البراءة، أو المساس باستقلال السلطة القضائية.
وحيث إنه عن نعي المدعي على العقوبة المقررة للاتهام المسند إليه، غلظتها وعدم تناسبها مع الفعل المسند إليه، فإن ذلك رد بما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أن العقوبة التخييرية، أو استبدال عقوبة أخف أو تدبير احترازي بعقوبة أصلية أشد - عند توافر عذر قانوني جوازي مخفف للعقوبة - أو إجازة استعمال الرأفة في مواد الجنايات بالنزول بعقوبتها درجة واحدة أو درجتين إذا اقتضت أحوال الجريمة ذلك التبديل عملاً بنص المادة (17) من قانون العقوبات، أو إيقاف تنفيذ عقوبتي الغرامة أو الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة إذا رأت المحكمة من الظروف الشخصية للمحكوم عليه أو الظروف العينية التي لابست الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بعدم العودة إلى مخالفة القانون على ما جرى به نص المادة (55) من قانون العقوبات، إنما هي أدوات تشريعية يتساند القاضي إليها - بحسب ظروف كل دعوى - لتطبيق مبدأ تفريد العقوبة، ومن ثم ففي الأحوال التي يمتنع فيها إعمال إحدى هذه الأدوات، فإن الاختصاص الحصري بتفريد العقوبة المعقود للقاضي يكون قد استُغلق عليه تمامًا، بما يفتئت على استقلاله، ويسلبه حريته في تقدير العقوبة، ويفقده جوهر وظيفته القضائية، وينطوي على تدخل محظور في شئون العدالة والقضايا، وفقًا لنص المادة (184) من الدستور.
لما كان ذلك، وكان الفعل المؤثم بالفقرة المشار إليها في النص المطعون عليه، محددًا نطاقًا على ما سلف، ينطوي على مساس بالنظم المقررة، لإدارة سوق رأس المال، وينال من جوهرها، ويفتئت على ضوابطها، وكانت العقوبة المرصودة لمواجهة ذلك الفعل، بموجب نص المادة (63/ 1) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، عقوبة تخييرية بين الحبس والغرامة، وكانت كلتاهما تقع بين حدين أدنى وأقصى، فضلًا عن أن عقوبة الغرامة يجوز إيقاف تنفيذها، وكذلك عقوبة الحبس في حديها الأدنى والأقصى، فيما لا يجاوز مدة سنة واحدة، فإن ذلك مما تكون معه العقوبة المشار إليها مبررة، في ضوء جسامة الفعل الذي رُصِدت له، ومن ثم يكون النص المطعون فيه، قد جاء مستويًا على القواعد الدستورية المقررة في شأن العقوبة الجنائية، ويغدو النعي عليه فاقدًا سنده.
وحيث إن النص المطعـون فيه، في مجال إعماله على نص المادة (63/ 1) من قانون سوق رأس المال المشار إليه، لا يتعارض مع أي نص آخر في الدستور؛ الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن 2003 لسنة 51 ق جلسة 25 / 12 / 1985 مكتب فني 36 ج 2 ق 247 ص 1200

جلسة 25 من ديسمبر سنة 1985

برياسة السيد المستشار/ محمد إبراهيم خليل نائب رئيس المحكمة؛ وعضوية السادة المستشارين: عبد المنصف هاشم نائب رئيس المحكمة، أحمد شلبي، محمد عبد الحميد سند وإبراهيم بركات.

-------------

(247)
الطعن رقم 2003 لسنة 51 القضائية

(1 و2) هبة. أحوال شخصية "الخطبة".
(1) الهدايا التي تقدم في فترة الخطبة. هبة. استردادها. شرطه. استناد الواهب الخاطب إلى عذر يقبله القاضي مع انتفاء موانع الرجوع. م 500 مدني.
 (2)الرجوع في الهبة عند فسخ الخطبة. شرطه. قيامه على أسباب تبرره.
 (3)إثبات "اليمين الحاسمة".
حلف اليمين الحاسمة. أثره. حسم النزاع فيما انصبت عليه. اعتبار مضمونها حجة ملزمة للقاضي. سقوط حق عن وجهها في أي دليل آخر.

----------------
1 - الهدايا التي يقدمها أحد الخاطبين للآخر إبان الخطبة ومنها الشبكة تعتبر من قبيل الهبات فيسري عليها من يسري على الهبة من أحكام في القانون المدني، ومنها أن حق الخاطب الواهب في استرداد هذه الهدايا يخضع وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لأحكام الرجوع في الهبة الواردة في المادة 500 من القانون المدني التي تشترط لهذا الرجوع في حالة عدم قبول الموهوب له أن يستند الواهب إلى عذر يقبله القاضي وألا يوجد مانع من موانع الرجوع.
2 - مجرد فسخ الخطبة لا يعد بذاته عذراً يسوغ للخاطب الرجوع في الهبة إلا إذا كان هذا الفسخ قائماً على أسباب تبرره.
3 - مؤدى ما نصت المادة 117 من قانون الإثبات الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 أن حلف من وجهت إليه اليمين الحاسمة يحسم النزاع فيما انصبت عليه ويقوم مضمونها حجة ملزم للقاضي، فإن تضمن الحلف إقرار بدعوى المدعي حكم له بموجبه، وإن تضمن إنكاراً حكم برفض الدعوى لعدم قيام دليل عليها بعد أن سقط بحلف تلك اليمين حق من وجهها في أي دليل آخر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر نائب رئيس المحكمة والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 9292 سنة 1979 مدني شمال القاهرة الابتدائية ضد الطاعنة ووالدها بطلب الحكم بالإذن له في الرجوع في الشبكة المبينة بالأوراق وإلزامهما متضامنين بردها إليه، وقال بياناً للدعوى إنه بمناسبة خطبته للطاعنة قدم لها شبكة عبارة عن خاتم من البلاتين ودبلتين إحداهما من الماس والأخرى من الذهب، ولما طلب تحديد موعد عقد القران فوجئ بهما يعلنان فسخ الخطبة بغير عذر مقبول ويمتنعان عن رد الشبكة إليه، فأقام الدعوى بطلباته سالفة البيان، وبتاريخ 29/ 3/ 1980 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة لوالد الطاعنة لرفعها على غير ذي صفة، والإذن للمطعون عليه في الرجوع في الشبكة التي قدمها للطاعنة وإلزامها بردها إليه. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 2947 سنة 97 ق مدني، وبتاريخ 23/ 2/ 1981 وجهت المحكمة اليمين الحاسمة إلى الطاعنة، وبعد أن حلفتها حكمت بتاريخ 9/ 6/ 1981 بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من الإذن للمطعون عليه في الرجوع في الخاتم البلاتين وبتأييده فيما عدا ذلك - طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول إن مقتضى حلفها اليمين الحاسمة التي قضى الحكم الصادر بتاريخ 23/ 2/ 1981 بتوجيهها إليها - أن يقضي لصالحها برفض دعوى المطعون عليه لأن حلف اليمين يعتبر حجة على من وجهها ويسقط حقه في التمسك بأوجه الإثبات الأخرى وحجة على القاضي الذي حرمه المشرع من كل سلطة تقديرية في هذا الشأن، غير أن الحكم المطعون فيه أهدر حجية اليمين الحاسمة في الإثبات ورتب على حلفها أثر النكول عنها عندما لم يلتزم بأثر حلف الجزء الأول منها ومؤداه سقوط حق المطعون عليه في الرجوع في الشبكة ولو كانت قائمة، وهو ما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن الهدايا التي يقدمها أحد الخاطبين للآخر إبان الخطبة ومنها الشبكة وتعتبر من قبيل الهبات فيسري عليها من يسري على الهبة من أحكام في القانون المدني، ومنها أن حق الخاطب الواهب في استرداد هذه الهدايا يخضع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لأحكام الرجوع في الهبة الواردة في المادة 500 من القانون المدني التي تشترط لهذا الرجوع في حالة عدم قبول الموهوب له أن يستند الواهب إلى عذر يقبله القاضي وألا يوجد مانع من موانع الرجوع لما كان ذلك، وكان مجرد فسخ الخطبة لا يعد بذاته عذراً يسوغ للخاطب الرجوع في الهبة إلا إذا كان هذا الفسخ قائماً على أسباب تبرره، وكان الثابت من الأوراق أن المطعون عليه ركن في إثبات توافر العذر المبرر للرجوع في الهبة إلى اليمين الحاسمة التي حلفتها الطاعنة بأن سبب فسخ خطبتها للمطعون عليه يرجع إليه شخصياً وأنها لم تفسخ الخطبة من جانبها، وكان مؤدى ما نصت المادة 117 من قانون الإثبات الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 أن حلف من وجهت إليه اليمين الحاسمة يحسم النزاع فيما انصبت عليه ويقوم مضمونها حجة ملزمة للقاضي، فإن تضمن الحلف إقراراً بدعوى المدعي حكم له بموجبه، وإن تضمن إنكاراً حكم برفض الدعوى لعدم قيام دليل عليها بعد أن سقط بحلف تلك اليمين حق من وجهها في أي دليل آخر، وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي أنه أقام قضاءه على أن فسخ الخطبة وعدم إتمام إجراءات الزواج يعد في ذاته عذراً مبرراً للرجوع في الهبة، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتأييد هذا الحكم فيما قضى به من الإذن للمطعون عليه في الرجوع في الشبكة - فيما عدا الخاتم البلاتين - للأسباب التي أقيم عليها رغم حلف الطاعنة اليمين الحاسمة بأن فسخ خطبتها للمطعون عليه يرجع إليه دونها ولم يلتزم بأثر هذا الحلف في حسم النزاع حول نفي العذر المسوغ للرجوع في الهبة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة إلى بحث باقي أسباب الطعن.

الطعن 1419 لسنة 58 ق جلسة 27 / 3 / 1989 مكتب فني 40 ج 1 ق 151 ص 869

جلسة 27 من مارس سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد إبراهيم خليل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ منير توفيق نائب رئيس المحكمة، عبد المنعم إبراهيم، عبد الرحيم صالح وعلي محمد علي.

--------------

(151)
الطعن رقم 1419 لسنة 58 القضائية

(1، 2  ) إثبات "اليمين الحاسمة".
 (1)اليمين الحاسمة. ماهيتها. حلفها أو النكول عنها ينحسم به النزاع ويمتنع معه الجدل في حقيقته ويضحى الدليل المستمد من ذلك دعامة كافية لحمل قضاء الحكم في هذا الشأن.
(2) عدم توقيع الحالف على محضر اليمين. لا يبطل إجراءاتها. علة ذلك.

---------------
1 - اليمين الحاسمة هي تلك التي يوجهها الخصم إلى خصمه الأخير محتكماً إلى ذمته في أمر يعتبر مقطع النزاع فيما نشب الخلف بينهما حوله، وأعوز موجهها الدليل على ثبوته، ويترتب على حلفها أو النكول عنها، ثبوته أو نفيه على نحو ينحسم به النزاع حوله ويمتنع معه الجدل في حقيقته إذ يضحى الدليل المستمد من حلفها أو النكول عنها وحدة دعامة كافية لحمل قضاء الحكم في شأنه.
2 - عدم توقيع الحالف على محضر الحلف لا يبطل إجراءات حلفها لتحقيق الغاية من ذلك وخلو نص المادة 130 من قانون الإثبات من ترتيب جزاء على عدم توقيع الحالف على ذلك المحضر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 672 لسنة 1987 تجاري كلي شمال القاهرة انتهى فيها إلى طلب الحكم بإلزام الطاعنة بصفتها بأن تؤدي له مبلغ 300000 جنيه وقال بياناً لذلك أنه بتاريخ 2/ 12/ 1983 أصدر بصفته ممثلاً لمؤسسة............ ستة سندات إذنية قيمة كل منها 50000 جنيه لصالح الشركة المصرية للتجارية والتوزيع تستحق آخر كل شهر اعتباراً من 31/ 3/ 1984 وحتى 31/ 8/ 1984 على أن يكون السداد من حساب تلك المؤسسة لدى بنك مصر الدولي فرع الألفي - وأنه سدد قيمتها إلى المرحوم........... ممثل الشركة الدائنة ووالد الطاعنة الشريكة المتضامنة فيها بموجب الإيصال المؤرخ 22/ 12/ 1983 وتعهد الأخير برد تلك السندات وتسليمها للمطعون ضده فور سحبها من البنك - غير أنه تبين أنها خصمت بعد ذلك من حساب المؤسسة المدينة لدى البنك المذكور مما يكون معه الدائن قد تحصل على قيمة تلك السندات مرتين. طلب وكيل الطاعنة توجيه اليمين الحاسمة إلى المطعون ضده بالصيغة الآتية "أقسم بالله العظيم أنني لم استلم سواء بصفتي الشخصية أو بصفتي الممثل القانوني لمؤسسة........... للاستيراد والتوكيلات الملاحية قيمة الكمبيالات سند الدعوى الموضحة بشهادة بنك مصر الدولي المؤرخة 23/ 5/ 1985 من الشركة المصرية للهندسة والتجارة والتوزيع أو من المرحوم.......... أو أحد أنجاله أو....... وأن الشركة المدعى عليها ما زالت ذمتها مشغولة حتى الآن بقيمة تلك الكمبيالات فوجهتها المحكمة إلى المطعون ضده الذي حلفها بتلك الصيغة وبتاريخ 25/ 3/ 1986 أجابت المحكمة المطعون ضده إلى طلبه آنف الذكر واستأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 1180 لسنة 103 ق القاهرة - وبتاريخ 24/ 2/ 1988 حكمت المحكمة بعدم جواز الاستئناف - طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه - وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب تنعى الطاعنة بها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق والخطأ في الإسناد إذ اعتبر اليمين التي وجهها وكيلها دون توكيل خاص بها إلى المطعون ضده الذي حلفها بعدم استلامه قيمة الكمبيالات موضوع النزاع من الشركة التي تمثلها الطاعنة أو ممن ذكرهم فيها وإن الشركة المذكورة ما زالت ذمتها مشغولة بها، يميناً حاسمة ورتب على ذلك عدم جواز استئنافها الحكم الصادر بإلزامها بقيمة تلك الكمبيالات رغم أنها لا تعتبر كذلك لأن مقطع النزاع في الدعوى هو دائنية للطاعنة بصفتها بتلك القيمة التي قبضها والدها من حساب الأول ببنك مصر الدولي رغم سبق قبضها منه في 22/ 12/ 1983 فضلاً عما شاب توجيهها من وكيلها من غش يتضح من قيام علاقة مريبة بينه وبين المطعون ضدها وشقيقها زوج ابنته أثمرت تقاعسه المتعمد عن دفع الدعوى بالدفوع القانونية ونكوله غير المبرم عن تقديم ما يسوغ من دفاع موضوعي واستعانته بشقيقها المذكور في إعداد صيغة اليمين رغم الخلف المحتدم بينهما، وحلفها من بطلان بعدم توقيع المطعون ضده الحالف على محضر حلف اليمين.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه لما كانت اليمين الحاسمة هي تلك التي يوجهها الخصم إلى خصمه الآخر محتكماً إلى ذمته في أمر يعتبر مقطع النزاع فيما نشب الخلف بينهما حوله، وأعوز موجهها الدليل على ثبوته، ويترتب على حلفها أو النكول عنها، ثبوته أو نفيه على نحو ينحسم به النزاع حوله ويمتنع معه الجدل في حقيقته، إذ يضحى الدليل المستمد من حلفها أو النكول عنها وحدة دعامة كافية لحمله قضاء الحكم في شأنه، وكان الثابت في الدعوى إن الخلف قد نشب بين الطاعنة والمطعون ضده حول صرف مورث الطاعنة بصفته قيمة السندات موضوع النزاع من حساب المطعون ضده ببنك مصر الدولي رغم سبق قبض قيمتها منه في 22/ 12/ 1983 ومديونيته له بالتالي بما قبض منها في المرة الثانية دون وجه حق، وحق الأخير في استرداده من الشركة الصادرة لصالحها تلك السندات مما مفاده أن النزاع في الدعوى يدور حول استرداد المطعون ضده لتلك القيمة ومدى انشغال ذمة الشركة المذكورة بها وهو ما تواجهه صيغة اليمين التي وجهها وكيل الطاعن إلى المطعون ضده الذي قبل توجيهها إليه وحلفها، فإنها تعتبر يميناً حاسمة إذ من شأن حلفها ثبوت عدم استرداد الأخير لتلك القيمة التي قبضها مورث الطاعن بصفته بدون وجه حق لسبقه استلامه قيمتها من المطعون ضده وانشغال ذمة الطاعنة بصفتها بتك القيمة لما كان ذلك وكان التوكيل الرسمي العام الصادر من الطاعنة إلى وكيلها الأستاذ/ ........ قد تضمن التصريح له بطلب تحليف اليمين الحاسمة وردها وقبولها وكانت الطاعنة لا تنازع في حلف المطعون ضده لتلك اليمين على النحو الثابت بمحضر حلفها الموقع عليه من رئيس المحكمة، وكان عدم توقيع الحالف عليه لا يبطل إجراءات حلفها لتحقيق الغاية من ذلك وخلو نص المادة 130 من قانون الإثبات من ترتيب جزاء على عدم توقيع الحالف على ذلك المحضر وكان الحكم المطعون فيه في حدود سلطته في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة فيها قد خلص إلى أن ما ساقته الطاعنة تدليلاً على تواطئ وكيلها مع المطعون ضده، أقوال مرسلة لم يقم عليها دليل مقبول من أوراق الدعوى فإن النعي في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير محكمة الموضوع للأدلة وهو ما لا يجوز أمام محكمة النقض ومن ثم فإن النعي ببطلان إجراءات توجيه اليمين وحلفها يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

الطعن 990 لسنة 46 ق جلسة 25 / 3 / 1980 مكتب فني 31 ج 1 ق 176 ص 894

جلسة 25 من مارس سنة 1980

برئاسة السيد المستشار/ عز الدين الحسيني نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد فاروق راتب، مصطفى قرطام، عبد الحميد المنفلوطي وجلال الدين أنسي.

-------------

(176)
الطعن رقم 990 لسنة 46 القضائية

(1) دعوى "التدخل في الدعوى". استئناف. حكم "حجية الحكم".
التدخل في الدعوى. أثره. صيرورة المتدخل طرفاً في الدعوى، الحكم الصادر فيها حجة له أو عليه. للمتدخل منضماً لأحد الخصوم حق استئنافه ولو لم يستأنفه الخصم الأصلي الذي انضم إليه.
(2) حكم "حجية الحكم". صورية. قوة الأمر المقضي. بيع.
حجية الحكم. مناطه. طلب صحة ونفاذ عدة عقود بيع مستقلة. الدفع بصوريتها. القضاء برفضه بالنسبة لإحداها. لا يقيد المحكمة عند الفصل في صورية باقي العقود.
 (3)استئناف. تجزئة. حكم.
استئناف الحكم من بعض المحكوم عليهم في نزاع غير قابل للتجزئة. عدم تقيد المحكمة بالحكم الابتدائي الذي لم يستأنفه باقي المحكوم عليهم.
 (4)بطلان. دعوى. رسوم.
تحصيل رسوم الدعوى. من شأن قلم الكتاب. عدم أدائها. لا يترتب عليه البطلان. للمحكمة أن تستبعد القضية من جدول الجلسة. ق 90 لسنة 1944 المعدل.
(5، 6) إثبات "شهادة الشهود".
 (5)الشهادة السماعية. جائزة حيث تجوز الشهادة الأصلية.
 (6)حصول الخصم على ورقة عرفية من تحت يد خصمه بطريق غير مشروع دون علمه أو رضاه. أثره. عدم جواز الاحتجاج بالدليل المستمد منها أو الدفع بعدم جواز إثبات عكسها بالبينة.

-----------------
1 - يترتب على التدخل سواء كان للاختصام أو الانضمام لأحد طرفي الخصومة، أن يصبح المتدخل طرفاً في الدعوى ويكون الحكم الصادر فيها حجة له أو عليه، فمن حقه الطعن فيه بطرق الطعن القانونية المقبولة شأنه في ذلك شأن سائر الخصوم الأصليين. إذ كان ذلك فإن للمتدخل أمام محكمة أول درجة منضماً لأحد الخصوم في الدعوى حق استئناف الحكم الصادر فيها ولو لم يستأنفه الخصم الأصلي الذي انضم إليه.
2 - الحكم الصادر بين نفس الخصوم لا يكون حجة عليهم في دعوى أخرى إلا إذا اتحدت الدعويان في الموضوع والسبب، ولما كانت عقود البيع المؤرخة... و... و... هي تصرفات قانونية مستقلة تماماً عن بعضها، فإن مجرد التمسك بصورية جميع هذه العقود وصدور حكم نهائي برفض هذا الدفاع بالنسبة لواحد منها، لا يقيد المحكمة عند الفصل في صورية باقي العقود. إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى بصحة ونفاذ العقود الثلاثة الأولى لا يكون قد صدر على خلاف حكم سابق.
3 - إذا انفرد بعض المحكوم عليهم باستئناف الحكم ولو كان موضوع النزاع غير قابل للتجزئة، فإن المستأنفين يستفيدون من استئنافهم ويجب على محكمة الاستئناف أن تفصل فيه غير مقيدة بالحكم الابتدائي الذي لم يستأنفه باقي المحكوم عليهم.
4 - تحصيل الرسوم المستحقة على الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو من شأن قلم الكتاب ولا يترتب البطلان على عدم رفعها لما هو مقرر من أن المخالفة المالية في القيام بعمل لا ينبني عليه بطلان هذا العمل ما لم ينص القانون على البطلان عن هذه المخالفة. وإذ تقضي المادة 13/ 2 من القانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية بأن تستبعد المحكمة القضية من جدول الجلسة إذا تبين لها عدم أداء الرسم ودون أن يرد بالنص البطلان جزاء على عدم أدائه، فإن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى أن تحصيل الرسوم المستحقة على طلب الخصم المتدخل هو من شأن قلم كتاب محكمة أول درجة ولا يترتب على عدم أدائها بطلان طلب التدخل، لا يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون.
5 - الشهادة السماعية جائزة حيث تجوز الشهادة الأصلية وهي مثلها تخضع لتقدير قاضي.
6 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر من أقوال شهود المطعون عليه الأول وبما لا خروج فيه عن مدلولها أن الطاعن قد استولى على عقود البيع من تحت يد والده المطعون عليه الأول دون علمه أو رضاه، وكان لا يجوز لمن حصل على ورقة عرفية بطريق غير مشروع الاحتجاج بالدليل المستمد من هذه الورقة وبالتالي لا يقبل منه التمسك بعدم جواز إثبات عكس ما اشتملت عليه إلا بالكتابة، إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ استخلص أن الطاعن قد استولى على عقود البيع دون علم المطعون عليه الأول ورضاه ورتب على ذلك قضاءه بجواز إثبات ما يخالف ما اشتملت عليه العقود بالبينة لا يكون قد خالف قواعد الإثبات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 929 لسنة 1966 كلي طنطا ضد المرحوم.... مورث المطعون عليهم من الثاني إلى الحادية عشرة للحكم بصحة ونفاذ عقدي البيع المؤرخين 25/ 10/ 1960، 7/ 11/ 1962 الصادرين منه للطاعن أولهما عن 8 ط و12 س بثمن مقداره 340 ج والثاني عن 1 ط بثمن مقداره 35 ج كما أقام الطاعن الدعوى رقم 930 لسنة 1966 كلي طنطا ضد المطعون عليه الأخير للحكم بصحة ونفاذ عقدي البيع المؤرخين 14/ 11/ 1962، 5/ 11/ 1963 والمتضمنين شراء الطاعن من المطعون عليه المذكور 15 ط بثمن مقداره 563 ج بالعقد الأول و16 ط و12 س بثمن مقداره 650 ج بالعقد الثاني. طلب المطعون عليه الأول (والد الطاعن) قبول تدخله في كل من الدعويين منضماً للمدعى عليهما والحكم برفضهما استناداً إلى صورية العقود الأربعة صورية مطلقة، وبعد أن قضت المحكمة بقبول تدخله حكمت في 7/ 4/ 1973 في كل من الدعويين برفض طلبات المطعون عليه الأول (الخصم المتدخل) وبإجابة المدعي لطلباته. استأنف المطعون عليه الأول الحكم الصادر في الدعوى الأولى بالاستئناف رقم 238 سنة 23 ق طنطا، كما استأنف الحكم الصادر في الدعوى الثانية بالاستئناف رقم 239 سنة 23 ق طنطا، وفي 22/ 12/ 1975 قضت المحكمة في الاستئناف الأول بعدم جوازه بالنسبة للعقد المؤرخ 7/ 11/ 1962 وبإحالة الدعوى إلى التحقيق بالنسبة للعقد المؤرخ 25/ 10/ 1960 ليثبت المستأنف بجميع طرق الإثبات صوريته صورية مطلقة، كما قضت بتاريخ 23/ 2/ 1976 في الاستئناف الثاني بقبوله شكلاً وبإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف صورية عقدي البيع المؤرخين 14/ 11/ 1962، 5/ 11/ 1963 صورية مطلقة، وبعد أن سمعت المحكمة أقوال الشهود في الاستئنافين، أمرت بضم الاستئناف الثاني إلى الأول وحكمت في 28/ 6/ 1976 بإلغاء الحكمين المستأنفين في خصوص قضائهما بصحة العقود وبرفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وفي الحكم الصادر بتاريخ 22/ 12/ 1975 في الاستئناف رقم 238 سنة 23 ق طنطا بقبوله شكلاً بالنسبة للعقد المؤرخ 25/ 10/ 1960 وفي الحكم الصادر في 23/ 2/ 1976 بقبول الاستئناف رقم 239 سنة 23 ق طنطا شكلاً، وأبدت النيابة في مذكرتها الرأي بفرض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ستة أسباب، تناول الطاعن في السبب الثالث منها قضاء محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً، بينما انصبت باقي الأسباب على قضائها في الموضوع.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم الصادر بتاريخ 23/ 2/ 1976 بقبول الاستئناف رقم 239 سنة 23 ق شكلاً والحكم الصادر بتاريخ 22/ 12/ 1975 بقبول الاستئناف رقم 238 سنة 23 ق شكلاً بالنسبة للعقد المؤرخ 25/ 10/ 1960 قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن المطعون عليه الأول لم يكن في الدعويين إلا خصماً منضماً إلى البائعين اللذين لم يرفع أي منهما استئنافاً عن الحكم الصادر ضده، وإذ كان الاستئناف المطعون عليه الأول للحكمين استقلالاً عن البائعين غير جائز، فإن القضاء بقبول استئنافه شكلاً يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يترتب على التدخل سواء كان للاختصام أو الانضمام لأحد طرفي الخصومة، أن يصبح المتدخل طرفاً في الدعوى ويكون الحكم الصادر فيها حجة له أو عليه، فمن حقه الطعن فيه بطريق الطعن القانونية المقبولة شأنه في ذلك شأن سائر الخصوم الأصليين. إذ كان ذلك فإن للمتدخل أمام محكمة أول درجة منضماً لأحد الخصوم في الدعوى حق استئناف الحكم الصادر فيها ولو يستأنفه الخصم الأصلي الذي انضم إليه، ويكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول وبالشق الأول من السبب السادس على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون والفساد في الاستدلال والقصور، وفي بيان ذلك يقول إنه على الرغم من أن المطعون عليه الأول اقتصر في دفاعه على الادعاء بصورية عقود البيع الثلاثة صورية مطلقة إلا أن الحكم المطعون فيه لم يواجه هذا الادعاء ويفصل فيه بالقبول أو الرفض، ولكنه بني قضاءه برفض الدعوى على تكييف هذه العقود بأنها وصية قصد بها المطعون عليه الأول أن يملك ولده الطاعن - الذي كان مشغولاً بولايته - الأطيان المتعاقد عليها تمليكاً مضافاً إلى ما بعد موته بطريق التبرع، وأن إنكاره حق الطاعن في الأطيان يعتبر رجوعاً منه عن هذه الوصية، في حين أن التصرف بعقود البيع الثلاثة لم يصدر أصلاً عن المطعون عليه الأول إلى ولده الطاعن حتى يصح القول بأن القصد من التصرف هو الإيصاء للطاعن، وقد استخلص الحكم تكييفه الخاطئ لعقود البيع من أقوال شهود المطعون عليه الأول في التحقيق الذي أجرته محكمة الاستئناف ومن وضع يده على الأطيان المبيعة وانتفاعه بها من تاريخ الشراء، مع أن ما قرره هؤلاء الشهود من أنه رفض تمييز ابنه الطاعن عن باقي أولاده يفيد بذاته انتفاء قصد الإيصاء لديه، كما أن وضع يد المطعون عليه الأول على الأطيان لا يدل على احتفاظه بحق الانتفاع بها لحساب نفسه لأن ذلك كان بصفته ولياً على ابنه الطاعن، هذا إلى أن موقف المطعون عليه الأول في الخصومة لا يعتبر رجوعاً منه عن الوصية لأن جحد الوصية لا يعد رجوعاً عنها كصريح نص المادة 19 من القانون رقم 71 لسنة 1946.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض دفاع الخصوم ومستنداتهم وأقوال شهود الإثبات والنفي، أقام قضاءه على قوله "أن المحكمة تستخلص مما تطمئن إليه من أقوال الشهود وما قدم في الدعوى من أوراق ومستندات وقرائن الأحوال الوقائع التالية، أولاً: أن المستأنف عليه الأول (الطاعن) كان وقت إبرام العقد المؤرخ 25/ 10/ 1960 حدثاً في حوالي السابعة عشرة من عمره كما كان في تاريخ إبرام العقدين المؤرخين 14/ 11/ 1962، 5/ 11/ 1963 في حوالي التاسعة عشرة والعشرين من عمره؛ وكان وقتئذ هو الولد الذكر الوحيد لوالده المستأنف (المطعون عليه الأول) ولم يكن المستأنف عليه الأول يملك مالاً أو مورداً يستطيع أن يدفع شيئاً من الثمن الوارد بالعقود، في حين كان المستأنف يملك بضعة أفدنة بطريق الشراء بعقود قدمها فضلاً عما ورثه عن والده، ثانياً: أن المستأنف هو الذي أبرم العقود الثلاثة المذكورة مع البائعين.... و.... ودفع الثمن من ماله الخاص، ثالثاً: أن المستأنف عند إبرامه لهذه العقود الثلاثة مع البائعين أثبت فيها اسم ابنه....، رابعاً: أن المستأنف حرص على أن يحتفظ بالعقود الثلاثة ولم يسلمها لابنه.... حتى قام هذا الأخير بالاستيلاء عليها قبيل رفع الدعوى دون علم والده المستأنف أو رضاه، كما أن المستأنف وضع يده على الأطيان المبيعة منتفعاً بها من تاريخ التعاقد حتى الآن" ثم استخلص الحكم من كل ذلك أن المطعون عليه الأول هو المشتري الحقيقي للأطيان موضوع تلك العقود وأنه أثبت فيها اسم ابنه الطاعن بقصد تمليكها له تمليكاً مضافاً إلى ما بعد موته بطريق التبرع، وإذ كان لمحكمة الموضوع سلطة تصوير وقائع النزاع وتكييف العقود دون معقب عليها من محكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة ومستمدة من أوراق الدعوى، وكان تقدير أقوال الشهود واستخلاص الواقع منه هو مما تستقل به محكمة الموضوع ولا سلطان عليها لأحد من ذلك إلا أن تخرج بتلك الأقوال إلى غير ما يؤدي إليه مدلولها، فلها أن تأخذ بمعنى للشهادة دون معنى آخر تحتمله أيضاً متى كان المعنى الذي أخذت به لا يتجافى مع عباراتها، وكان ما استظهره الحكم من أقوال الشهود لا يخرج عما هو ثابت في محضر التحقيق ولا يتجافى مع عباراتها ومن شأنه وبالإضافة إلى القرائن التي ساقها أن يؤدى إلى ما انتهى إليه من أن عقود البيع الثلاثة قد صدرت لصالح المطعون عليه الأول باعتباره المشتري الحقيقي وأنه أثبت فيها اسم الطاعن بقصد الإيصاء له بالأطيان بعد موته، ويكفي لحمل قضائه برفض دعوى الطاعن بصحة ونفاذ هذه العقود، وكان ما استطرد إليه الحكم في شأن الرجوع عن الوصية مجرد تزيد لا أثر له في النتيجة التي انتهى إليها، مما يجعل تعييبه في هذا الخصوص غير منتج. إذ كان ذلك فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون والفساد في الاستدلال والقصور يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثاني والرابع على الحكم المطعون فيه صدوره على خلاف حكم نهائي حائزاً لقوة الأمر المقضي، وفي بيان ذلك يقول إن القضاء برفض دعواه بصحة ونفاذ عقود البيع المؤرخة 25/ 10/ 1960، 14/ 11/ 1962، 5/ 11/ 1963 والتي تنتظمها مع عقد البيع المؤرخ 7/ 11/ 1962 مسألة كلية شاملة هي النزاع حول صحتها كعقود بيع منجزة، يتعارض مع الحكم بصحة ونفاذ العقد الأخير والذي أصبح نهائياً بالقضاء بعدم جواز الاستئناف المرفوع عنه، كما أن موضوع النزاع حول صحة العقود الثلاثة الأخرى غير قابل للتجزئة، وإذ حكم ابتدائياً بصحتها ونفاذها ولم يستأنف البائعان هذا الحكم وأصبح نهائياً بالنسبة لهما، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى بالنسبة للعقود المذكورة يكون مخالفاً لذلك الحكم النهائي.
وحيث إن النعي في شقه الأول مردود، ذلك أن الحكم الصادر بين نفس الخصوم لا يكون حجة عليهم في دعوى أخرى إلا إذا اتحدت الدعويان في الموضوع والسبب. ولما كانت عقود البيع المؤرخة 25/ 10/ 1960، 14/ 11/ 1962، 5/ 11/ 1963، 7/ 11/ 1962 هي تصرفات قانونية مستقلة تماماً عن بعضها، فإن مجرد التمسك بصورية جميع هذه العقود وصدور حكم نهائي برفض هذا الدفاع بالنسبة لواحد منها، لا يقيد المحكمة عند الفصل في صورية باقي العقود. إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى بصحة ونفاذ العقود الثلاثة الأولى لا يكون قد صدر على خلاف حكم سابق. والنعي في شقه الثاني غير سديد، ذلك أنه متى انفرد بعض المحكوم عليه باستئناف الحكم ولو كان موضوع النزاع غير قابل للتجزئة، فإن المستأنفين يستفيدون من استئنافهم ويجب على محكمة الاستئناف أن تفصل فيه غير مقيدة بالحكم الابتدائي للذي لم يستأنفه باقي المحكوم عليهم.
وحيث إن الطاعن ينعى بالشق الأول من السبب الخامس على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه التفت عما تمسك به الطاعن من استبعاد طلب التدخل الهجومي من جانب المطعون عليه الأول لعدم أداء الرسم المستحق عن هذا الطلب.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن تحصيل الرسوم المستحقة على الدعوى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو شأن قلم الكتاب ولا يترتب البطلان على عدم دفعها لما هو مقرر من أن المخالفة المالية في القيام بعمل لا ينبني عليه بطلان هذا العمل ما لم ينص القانون عن هذه المخالفة، وإذ تقضي المادة 13/ 2 من القانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية بأن تستبعد المحكمة القضية من جدول الجلسة إذا تبين لها عدم أداء الرسم ودون أن يرد بالنص البطلان جزاء على عدم أدائه، فإن الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى أن تحصيل الرسوم المستحقة على طلب الخصم المتدخل هو من شأن قلم كتاب محكمة أو درجة ولا يترتب على عدم أدائها بطلان طلب التدخل، لا يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن حاصل الشق الثاني من السبب الخامس والشق الثاني من السبب السادس مخالفة قواعد الإثبات والفساد في الاستدلال، ذلك أنه رغم تمسك الطاعن بعدم جواز الإثبات بالبينة فيما يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابي فقد أباح الحكم للمطعون عليه الأول أن يثبت بشهادة الشهود عكس ما ورد بعقود البيع، متعللاً بأن الطاعن استولى على هذه العقود دون علم المطعون عليه الأول أو رضاه، واستخلص الحكم استيلاء الطاعن على العقود من أقوال شهود المطعون عليه المذكور مع أن شهادتهم كانت بطريق التسامع ولا تنصب على واقعة محددة.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن الشهادة السماعية جائزة حيث تجوز الشهادة الأصلية وهي مثلها تخضع لتقدير قاضي الموضوع، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر من أقوال شهود المطعون عليه الأول وبما لا خروج فيه من مدلولها أن الطاعن قد استولى على عقود البيع من تحت يد والده المطعون عليه الأول دون علمه أو رضاه، وكان لا يجوز لمن حصل على ورقة عرفية بطريق غير مشروع الاحتجاج بالدليل المستمد من هذه الورقة وبالتالي لا يقبل منه التمسك بعدم جوز إثبات عكس ما اشتملت عليه إلا بالكتابة، إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذا استخلص أن الطاعن قد استولى على عقود البيع دون علم المطعون عليه الأول أو رضاه ورتب على ذلك قضاءه بجواز إثبات ما يخالف ما اشتملت عليه العقود بالبينة، لا يكون قد خالف قواعد الإثبات أو عابه الفساد في الاستدلال.
ولما تقدم جميعه يتعين رفض الطعن.