الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 يناير 2023

الطعن 5389 لسنة 88 ق جلسة 2 / 5 / 2019

باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة المدنية والتجارية
برئاسة السيد القاضي / عبد الله عصر " نائب رئيس المحكمة " وعضوية السادة القضاة / عطية زايد، شريف سلام علاء أحمد ومصطفى عبد الرحمن " نواب رئيس المحكمة"
وبحضور رئيس النيابة السيد / محمد رفعت العربي.
وبحضور أمين السر السيد / جبيلي سيد محمد.
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
وفي يوم الخميس 26 من شعبان سنة 1440هـ الموافق 2 من مايو سنة 2019م.
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 5389 لسنة 88 ق

--------------

1 - من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن أحكام التشريعات لا تجرى إلا على ما يقع من تاريخ نفاذها، ولا تنعطف أثارها على ما وقع قبلها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وأنه متى شاب عبارة النص غموض أو لبس واحتملت أكثر من معنى مقبول أو كان المعنى الظاهر للنص يجافي العقل أو مقاصد التشريع، كان على القاضي أن يسعى للتعرف على الحكم الصحيح والإرادة الحقيقية للمشرع خلال الربط بين النص وغيره من نصوص القانون وأن يستهدى بمصادره التاريخية وأعماله التحضيري، وكان النص في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون 6 لسنة 1997 على أن " يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 - في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر – النص الآتي : " فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي فلا ينتهي العقد بموت المستأجر ويستمر لصالح الذين يستعملون العين من ورثته في ذات النشاط الذي كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقاً للعقد، أزواجاً وأقارب حتى الدرجة الثانية، ذكوراً وإناثاً من قصر وبلغ، يستوي في ذلك أن يكون الاستعمال بالذات أو بواسطة نائب عنهم، وفي الفقرة الثانية على أنه "اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشر هذا القانون المعدل، لا يستمر العقد بموت أحد من أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي دون غيره ولمرة واحدة "، وفي المادة الثانية على أنه " استثناء من أحكام الفقرة الأولى من المادة السابقة، يستمر العقد لصالح من جاوزت قرابته من ورثة المستأجر المشار إليه في تلك الفترة الدرجة الثانية، متى كانت يده على العين في تاريخ نشر هذا القانون تستند إلى حقه السابق في البقاء في العين، وكان يستعملها في ذات النشاط الذي كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقاً للعقد، وينتهي العقد بقوة القانون بموته أو تركه إياها "، وفي المادة الخامسة على أن " ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره ما عدا الفقرة الأولى من المادة الأولى منه فيعمل بها من تاريخ العمل بالقانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه "، وما جاء في المادة الأولى من اللائحة التنفيذية من أنه يقصد بالكلمات الواردة في هذا القانون المعاني الآتية : " المستأجر " من استأجر العين ابتداء وكذا من استمر لصالحه عقد الإيجار بعد وفاة المورث ... " و " المستأجر الأصلي " آخر شخص طبيعي استأجر العين ابتداء ... "، وجاء في المادة السابعة من اللائحة " إذا مات مستأجر ظل كل مستأجر معه صاحب حق بقاء في العين، وإلى جانب هذا الحق يستمر عقد الإيجار لصالح من يتوافر فيه شرطان أولهما : أن يكون وارثاً للمتوفى، وثانيهما : أن يكون من الآتي بيانهم : أ ) زوجات المستأجر وزوج المستأجرة، ب ) الأقارب نسباً من الدرجتين الأولى والثانية " فكل ذلك يدل - في ضوء ما تواتر عليه قضاء هذه المحكمة - على أن حق الإيجار هو حق مالي ينتقل إلى ورثة المستأجر بوفاته على النحو المبين في المادتين 601، 602 من القانون المدني، والتي تحكم العلاقات الإيجارية عند عدم وجود ما يخالفها في قوانين إيجار الأماكن، وقد خلت هذه القوانين قبل صدور القانون 6 لسنة 1997 من أي نص ينظم انتقال حق الإيجار في المحال إلى الورثة على نحو مغاير للقانون المدني، ومن ثم يجب إعمال القواعد العامة، يستوي أن يكون ذلك في المدة الاتفاقية أو المدة الثانية التي امتد إليها العقد بحكم القانون، فلقد كان النص في المادة 29/ 2 من القانون 49 لسنة 1977 - المقضي بعدم دستوريته بخلاف الفقرة الأولى التي نظمت انتقال حق الإجارة في المساكن - رغم ما في هذه القواعد من عنت بالمؤجرين ناشئ عن تأبيد العلاقات الإيجارية، وهذا العنت هو ما دعا المشرع لإصدار القانون رقم 6 لسنة 1997 لينظم انتقال حق الإيجار إلى الورثة ليمنع تأبيد عقود الإيجار، فحدد في الفقرة الأولى من المادة الأولى وحدها من ينقل إليهم حق الإجارة من المستأجر بصفة عامة سواء أكان مستأجراً أصلية أو وارثاً للمستأجر، فقصر هذا الحق على زوجة المتوفي او ورثته من الأقارب حتى الدرجة الثانية دون سواهم، ونص في المادة الخامسة على سريان هذه الفقرة وحدها بأثر رجعي، بقصد أن يكفل لهؤلاء الحق في البقاء كما جاء بالمذكرة الإيضاحية، ثم عالج المشرع الأوضاع القائمة بالفعل في 27 / 3 / 1997 - تاريخ العمل بالقانون وسريان باقي أحكامه – فنص على احترام كل العلاقات الإيجارية القائمة الناشئة عن وراثة المستأجرين الأصليين أو وراثة ورثتهم، وقسم هذه العلاقات إلى فئتين : فئة لا ينتهي العقد بوفاة المستأجر وأخرى ينتهي العقد بوفاته، الفئة الأولى : هم ورثة المستأجر الأصلي من أزواج وأقارب حتى الدرجة الثانية، فهؤلاء يستفيدون من الحكم الوارد بالفقرة الأولى من المادة الأولى فلا ينتهي العقد بوفاتهم، وإنما ينتقل حق الإجارة إلى ورثتهم هم بالنظام الجديد ولمرة واحدة، فعبارة " المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي " الواردة في الفقرة الثانية من المادة الأولى هو وصف لأصحاب حق البقاء هؤلاء الذين متى توفى أحدهم انتقل الحق إلى ورثته بالشروط الجديدة، وهي أن يكون من انتقل إليه الحق زوجاً للمتوفى أو وارثاً له حتى الدرجة الثانية وليس وارث غيره حتى ولو كان المستأجر الأصلي، وإلا خالف النص قواعد الميراث المتعلقة بالنظام العام، فالمقصود بالمستفيد في هذه العبارة في سياقها هو من انتقل منه الحق وليس من انتقل إليه الحق، ووجه استفادة المتوفى أن عقده لم ينته بوفاته وضمن انتفاع أرملته وأبنائه بانتقال حق الإدارة إليهم لمرة واحدة، أما الفئة الثانية من العلاقات الإيجارية وهم ورثة المستأجر الأصلي الذين تجاوز قرابتهم لدرجة الثانية وكذلك ورثة المستأجر الأصلي فهؤلاء جميعاً تستمر عقودهم قائمة، ولكنها تنتهي بوفاتهم فلا يستفيدون من النظام الجديد لتوريث حق الإجارة، ولا شك أن هؤلاء الورثة يستمدون حقهم في البقاء من أحكام الميراث ونصوص القانون المدني سالفة البيان، وليس صحيحاً ما جاء في المادة العاشرة من اللائحة التنفيذية للقانون 6 لسنة 1997 من أنهم يستمدون هذا الحق من نص المادة 29 / 2 من القانون 49 لسنة 1997 المحكوم بعدم دستوريته، لأن هذا النص قد زال منذ نشأته إعمالاً للأثر الكاشف لحكم عدم الدستورية، والتكييف القانوني الصحيح هو واجب تقوم به المحاكم دون سواها، فلا يجوز للمشرع مصادرة هذا الحق بنصوص لائحته التنفيذية التي لا تعد مخالفتها مخالفة للقانون، لأن المقصود بالقانون القواعد التي تحكم السلوك وليست العبارات التي تحمل رأياً، لما كان ذلك، وكان مفاد ما تقدم أن لورثة المستأجر الأصلي الذين تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المشار إليه أن ينقلوا إلى ورثتهم أزواجاً وأقارب إلى الدرجة الثانية حق الإجارة وبالشروط الواردة فيها لمرة واحدة بعد 27 / 3 / 1997، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء الحكم الابتدائي وبإنهاء عقد الإيجار المؤرخ 1 / 11 / 1970 لكونه سبق وأن امتد بعد وفاة المستأجر الأصلي في عام 1981 إلى نجله مورث الطاعنين أولاً ووالد مورث الطاعنين ثانياً وبوفاته عام 1982 امتد العقد الأخير وانتهى العقد بوفاته عام 2004، ومن ثم لا يتكرر امتداده للطاعنين بالبند ثانياً عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون 6 لسنة 1997 التي توجب امتداد عقد الإيجار لمرة واحدة، فإنه يكون قد أعمل حكمها بأثر رجعي بما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون وهو ما حجبه عن بحث مدى توافر شروط امتداد العقد للطاعنين بالبند ثانياً مما يعيبه بالقصور ويوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن، على أن يكون مع النقض الإحالة .

------------

الوقائع

في يوم 14 / 3 /2018 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف المنصورة "مأمورية الزقازيق " الصادر بتاريخ 16 / 1 / 2018 في الاستئناف رقم 1275 لسنة 53 ق وذلك بصحيفة طلب فيها الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه.
وفي اليوم ذاته أودع الطاعنون مذكرة شارحة.
وفي 1 / 4 / 2018 أعلن المطعون ضدهما الأول والثالث بصحيفة الطعن.
ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها قبول الطعن شكلاً ونقضه موضوعاً.
وبجلسة 6/ 12 / 2018 عرض الطعن على المحكمة - في غرفة المشورة - فرأت أنه جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة للمرافعة.
وبجلسة 7 / 2 / 2019 أمرت المحكمة بإدخال ورثة الطاعن الثاني بالبند أولاً (محسن جرجس رياض سليمان).
وبجلسة 7 / 3 / 2019 أمرت المحكمة بإدخال ورثة المطعون ضده الثاني (محمد يحيى مصطفى والي).
وبجلسة 1/4 / 2019 سمعت الدعوى أمام هذه الدائرة على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صمم محامي الطاعنين والنيابة كل على ما جاء بمذكرته، والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.

---------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر / مصطفى أحمد عبد الرحمن " نائب رئيس المحكمة " والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن أستوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده، الأول أقام على الطاعنين الدعوى رقم 124 لسنة 2008 أمام محكمة منيا القمح الابتدائية بطلب الحكم بطردهم من الحانوت المبين بالصحيفة، وقال بياناً لذلك : إنه بموجب عقد الإيجار المؤرخ 1 / 11 / 1970 استأجر منه رياض سليمان داود العين محل النزاع وبوفاته عام 1981 امتد العقد إلى نجله مورث الطاعنين أولاً ووالد مورث الطاعنين ثانياً، و بوفاته عام 1982 امتد لمورث الطاعنين ثانياً وانتهى العقد بوفاته عام 2004، ومن ثم أقام الدعوى، حكمت المحكمة برفض الدعوى . استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 1275 لسنة 53 ق المنصورة " مأمورية الزقازيق ". ندبت المحكمة خبيراً - وتدخل المطعون ضده الثاني انضمامياً للمطعون ضده الأول -، وبعد أن أودع تقريره قضت بتاريخ 16 / 1 / 2018 بإلغاء الحكم المستأنف وبالطلبات، طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإن عرض الطعن على هذه المحكمة أمرت بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتاً حتى يفصل في موضوع الطعن وحددت جلسة لنظره وبجلسة المرافعة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون بالسبب الثاني من أسباب الطعن الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك يقولون: إن الحكم المطعون فيه قضى بإنهاء عقد إيجار العين محل النزاع لعدم أحقية الطاعنين بالبند ثانياً في امتداد العقد إليهم خلفاً عن مورثهم رياض جرجس رياض بعد أن سبق امتداده من المستأجر الأصلي رياض سليمان داود إلى نجله جرجس رياض سليمان وبوفاة الأخير عام 1982 امتد العقد إلى مورثهم وانتهي بوفاته، إعمالاً للقانون رقم 6 السنة 1997 رغم أن تطبيق هذا القانون يسرى بأثر فوري على الوقائع اللاحقة لتاريخ نشره في 27 / 3 / 1997، بما يستتبع امتداد العقد إليهم بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن أحكام التشريعات لا تجرى إلا على ما يقع من تاريخ نفاذها، ولا تنعطف أثارها على ما وقع قبلها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وأنه متى شاب عبارة النص غموض أو لبس واحتملت أكثر من معنى مقبول أو كان المعنى الظاهر للنص يجافي العقل أو مقاصد التشريع، كان على القاضي أن يسعى للتعرف على الحكم الصحيح والإرادة الحقيقية للمشرع خلال الربط بين النص وغيره من نصوص القانون وأن يستهدى بمصادره التاريخية وأعماله التحضيري، وكان النص في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون 6 لسنة 1997 على أن " يستبدل بنص الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 - في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر – النص الآتي : " فإذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي فلا ينتهي العقد بموت المستأجر ويستمر لصالح الذين يستعملون العين من ورثته في ذات النشاط الذي كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقاً للعقد، أزواجاً وأقارب حتى الدرجة الثانية، ذكوراً وإناثاً من قصر وبلغ، يستوي في ذلك أن يكون الاستعمال بالذات أو بواسطة نائب عنهم، وفي الفقرة الثانية على أنه "اعتباراً من اليوم التالي لتاريخ نشر هذا القانون المعدل، لا يستمر العقد بموت أحد من أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي دون غيره ولمرة واحدة "، وفي المادة الثانية على أنه " استثناء من أحكام الفقرة الأولى من المادة السابقة، يستمر العقد لصالح من جاوزت قرابته من ورثة المستأجر المشار إليه في تلك الفترة الدرجة الثانية، متى كانت يده على العين في تاريخ نشر هذا القانون تستند إلى حقه السابق في البقاء في العين، وكان يستعملها في ذات النشاط الذي كان يمارسه المستأجر الأصلي طبقاً للعقد، وينتهي العقد بقوة القانون بموته أو تركه إياها "، وفي المادة الخامسة على أن " ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره ما عدا الفقرة الأولى من المادة الأولى منه فيعمل بها من تاريخ العمل بالقانون رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه "، وما جاء في المادة الأولى من اللائحة التنفيذية من أنه يقصد بالكلمات الواردة في هذا القانون المعاني الآتية : " المستأجر " من استأجر العين ابتداء وكذا من استمر لصالحه عقد الإيجار بعد وفاة المورث ... " و " المستأجر الأصلي " آخر شخص طبيعي استأجر العين ابتداء ... "، وجاء في المادة السابعة من اللائحة " إذا مات مستأجر ظل كل مستأجر معه صاحب حق بقاء في العين، وإلى جانب هذا الحق يستمر عقد الإيجار لصالح من يتوافر فيه شرطان أولهما : أن يكون وارثاً للمتوفى، وثانيهما : أن يكون من الآتي بيانهم : أ ) زوجات المستأجر وزوج المستأجرة، ب ) الأقارب نسباً من الدرجتين الأولى والثانية " فكل ذلك يدل - في ضوء ما تواتر عليه قضاء هذه المحكمة - على أن حق الإيجار هو حق مالي ينتقل إلى ورثة المستأجر بوفاته على النحو المبين في المادتين 601، 602 من القانون المدني، والتي تحكم العلاقات الإيجارية عند عدم وجود ما يخالفها في قوانين إيجار الأماكن، وقد خلت هذه القوانين قبل صدور القانون 6 لسنة 1997 من أي نص ينظم انتقال حق الإيجار في المحال إلى الورثة على نحو مغاير للقانون المدني، ومن ثم يجب إعمال القواعد العامة، يستوي أن يكون ذلك في المدة الاتفاقية أو المدة الثانية التي امتد إليها العقد بحكم القانون، فلقد كان النص في المادة 29/ 2 من القانون 49 لسنة 1977 - المقضي بعدم دستوريته بخلاف الفقرة الأولى التي نظمت انتقال حق الإجارة في المساكن - رغم ما في هذه القواعد من عنت بالمؤجرين ناشئ عن تأبيد العلاقات الإيجارية، وهذا العنت هو ما دعا المشرع لإصدار القانون رقم 6 لسنة 1997 لينظم انتقال حق الإيجار إلى الورثة ليمنع تأبيد عقود الإيجار، فحدد في الفقرة الأولى من المادة الأولى وحدها من ينقل إليهم حق الإجارة من المستأجر بصفة عامة سواء أكان مستأجراً أصلية أو وارثاً للمستأجر، فقصر هذا الحق على زوجة المتوفي او ورثته من الأقارب حتى الدرجة الثانية دون سواهم، ونص في المادة الخامسة على سريان هذه الفقرة وحدها بأثر رجعي، بقصد أن يكفل لهؤلاء الحق في البقاء كما جاء بالمذكرة الإيضاحية، ثم عالج المشرع الأوضاع القائمة بالفعل في 27 / 3 / 1997 - تاريخ العمل بالقانون وسريان باقي أحكامه – فنص على احترام كل العلاقات الإيجارية القائمة الناشئة عن وراثة المستأجرين الأصليين أو وراثة ورثتهم، وقسم هذه العلاقات إلى فئتين : فئة لا ينتهي العقد بوفاة المستأجر وأخرى ينتهي العقد بوفاته، الفئة الأولى : هم ورثة المستأجر الأصلي من أزواج وأقارب حتى الدرجة الثانية، فهؤلاء يستفيدون من الحكم الوارد بالفقرة الأولى من المادة الأولى فلا ينتهي العقد بوفاتهم، وإنما ينتقل حق الإجارة إلى ورثتهم هم بالنظام الجديد ولمرة واحدة، فعبارة " المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي " الواردة في الفقرة الثانية من المادة الأولى هو وصف لأصحاب حق البقاء هؤلاء الذين متى توفى أحدهم انتقل الحق إلى ورثته بالشروط الجديدة، وهي أن يكون من انتقل إليه الحق زوجاً للمتوفى أو وارثاً له حتى الدرجة الثانية وليس وارث غيره حتى ولو كان المستأجر الأصلي، وإلا خالف النص قواعد الميراث المتعلقة بالنظام العام، فالمقصود بالمستفيد في هذه العبارة في سياقها هو من انتقل منه الحق وليس من انتقل إليه الحق، ووجه استفادة المتوفى أن عقده لم ينته بوفاته وضمن انتفاع أرملته وأبنائه بانتقال حق الإدارة إليهم لمرة واحدة، أما الفئة الثانية من العلاقات الإيجارية وهم ورثة المستأجر الأصلي الذين تجاوز قرابتهم لدرجة الثانية وكذلك ورثة المستأجر الأصلي فهؤلاء جميعاً تستمر عقودهم قائمة، ولكنها تنتهي بوفاتهم فلا يستفيدون من النظام الجديد لتوريث حق الإجارة، ولا شك أن هؤلاء الورثة يستمدون حقهم في البقاء من أحكام الميراث ونصوص القانون المدني سالفة البيان، وليس صحيحاً ما جاء في المادة العاشرة من اللائحة التنفيذية للقانون 6 لسنة 1997 من أنهم يستمدون هذا الحق من نص المادة 29 / 2 من القانون 49 لسنة 1997 المحكوم بعدم دستوريته، لأن هذا النص قد زال منذ نشأته إعمالاً للأثر الكاشف لحكم عدم الدستورية، والتكييف القانوني الصحيح هو واجب تقوم به المحاكم دون سواها، فلا يجوز للمشرع مصادرة هذا الحق بنصوص لائحته التنفيذية التي لا تعد مخالفتها مخالفة للقانون، لأن المقصود بالقانون القواعد التي تحكم السلوك وليست العبارات التي تحمل رأياً، لما كان ذلك، وكان مفاد ما تقدم أن لورثة المستأجر الأصلي الذين تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المشار إليه أن ينقلوا إلى ورثتهم أزواجاً وأقارب إلى الدرجة الثانية حق الإجارة وبالشروط الواردة فيها لمرة واحدة بعد 27 / 3 / 1997، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء الحكم الابتدائي وبإنهاء عقد الإيجار المؤرخ 1 / 11 / 1970 لكونه سبق وأن امتد بعد وفاة المستأجر الأصلي في عام 1981 إلى نجله مورث الطاعنين أولاً ووالد مورث الطاعنين ثانياً وبوفاته عام 1982 امتد العقد الأخير وانتهى العقد بوفاته عام 2004، ومن ثم لا يتكرر امتداده للطاعنين بالبند ثانياً عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون 6 لسنة 1997 التي توجب امتداد عقد الإيجار لمرة واحدة، فإنه يكون قد أعمل حكمها بأثر رجعي بما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون وهو ما حجبه عن بحث مدى توافر شروط امتداد العقد للطاعنين بالبند ثانياً مما يعيبه بالقصور ويوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن، على أن يكون مع النقض الإحالة .
لذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف المنصورة " مأمورية الزقازيق "، وألزمت المطعون ضده الأول المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الأحد، 29 يناير 2023

الطعن رقم 120 لسنة 36 ق دستورية عليا " دستورية " جلسة 14 / 1 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر مـن يناير سنة 2023م، الموافق الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيدة المستشار / شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمـد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 120 لسنة 36 قضائية دستورية

المقامة من
1- عماد عبد الكريم أحمد الشباسي 2- علاء خضر يوسف إسماعيــل
3- هاني صلاح الدين عبدالعزيـز 4- محمود محمد محمود أبو طاحون
5- سليمان فلاق خيرالله أحمــد 6- فايز فتوحــه فنوش شعيـب
7-صبحي عبد السلام محمد الجندي 8- أوسامة حلمي عبد المؤمن محمد
9- محمد سـالم أحمـد السيد
ضد
1- رئيس مجلس الوزراء
2- وزيــر الاستثمـار
3- وزيــر الزراعـة واستصلاح الأراضي
4- الممثل القانوني للشركة القومية للتشييد والتعمير
5- الممثل القانوني للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية
6- الممثل القانوني للشركة المصرية السعودية للاستثمار الصناعي والعقاري
7- الممثل القانوني لشركة التجارة والتسويق السعودية الدولية المحدودة

----------------

" الإجراءات "

بتاريخ السابع من يوليو سنة 2014، أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبين الحكم بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى بجلسة 6/ 5/ 2017، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم، أصليًّا: بعدم قبول الدعوى. واحتياطيًّا: برفضها. وبتلك الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى إلى هيئة المفوضين لاستكمال التحضير، فأودعت الهيئة تقريرًا تكميليًا برأيها.
وأعيد نظر الدعوى بجلسة 5/ 11/ 2022، وفيها قدَّم المدعون مذكرتين صمموا فيهما على الطلبات، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

----------------
" المحكمــة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى، وسائر الأوراق - في أن المدعين، وآخرين، كانوا قد أقاموا أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الدعوى رقم 52137 لسنة 66 قضائية، ضد المدعى عليهم في الدعوى المعروضة، طلبًا للحكم بوقف تنفيذ، ثم إلغاء قرار اللجنـة الوزارية للخصخصة الصادر بتاريخ 7/ 2/ 1999، فيما تضمنه من بيع 100% من أسهم شركة النوبارية لإنتاج البذور (نوبا سيد)، وقرار الجمعية العامة غير العادية للشركة القابضة للتنمية الزراعية الصادر بتاريخ 27/ 2/ 1999، بالموافقة على البيع، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها: بطلان عقد بيع الأسهم المؤرخ 14/ 3/ 1999، المبرم بين الشركة القابضة للتنمية الزراعية، والشركتين المدعى عليهما السادسة والسابعة، وبطلان التسجيلات التي تمت لأراضي الشركة نفاذًا لهذا العقد، وإعادة الحــال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، واسترداد الدولة لجميع الأملاك والأموال مطهرة من أي حقوق عينية. وذلك على سند من أن القرارين المطعون عليهما، اللذين تم البيع استنادًا إليهما، شابهما عيوب جسيمة تنحدر بهما إلى درجة الانعدام. وبجلسة 3/ 5/ 2014 - وعلى إثر صدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة - دفعت الشركتان المدعى عليهما السادسة والسابعة، بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه، ودفع المدعون بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من القرار بقانون المار ذكره. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت للمدعين بإقامة الدعوى الدستورية، أقاموا الدعوى المعروضة، ناعين على نص المادتين الأولى والثانية من القرار بقانون المشار إليه، مخالفتهما المواد (4 و32 و34 و53 و94 و97 و100 و190 و225) من الدستور.
وحيث إنه عما دفع به المدعون من عدم صلاحية أعضاء المحكمة الدستورية العليا لنظر الدعوى المعروضة، لما يجمعهم من وشائج، وعلاقة زمالة، برئيس الجمهورية المؤقت، الذي أصدر القرار بقانون المطعون عليه، وتقاعد من وظيفته كرئيس للمحكمة الدستورية العليا، اعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ 30/ 6/ 2016، فإنه مردود بأن المادة (146) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، لم تورد الحالة المتمحل بها بين حالات عدم صلاحية القضاة المحددة حصرًا بها، الأمر الذى يضحى معه هذا الدفع غير قائم على سند من القانون، متعينًا رفضه.
وحيث إن نصي المادتين الأولى والثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 2014 بتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، يجريان على أنه:
المادة الأولى: مــع عــدم الإخــلال بحــق التقاضي لأصحــاب الحقــوق الشخصية أو العينية على الأموال محل التعاقد، يكون الطعن ببطلان العقود التي يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها من وزارات، ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات والمؤسسات العامة، والشركات التي تمتلكها الدولة أو تساهم فيها، أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التي أبرمت هذه العقود استنادًا لها، وكذلك قرارات تخصيص العقارات من أطراف التعاقد دون غيرهم، وذلك ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة طرفي التعاقد أو أحدهما في جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وكان العقد قد تم إبرامه بناءً على تلك الجريمة.
المادة الثانية: مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية الباتة، تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها بغير الطريق الذي حددته هذه المادة بما في ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية المعروضة على هذه المحكمة لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطـة بهـا، المطروحـة أمام محكمة الموضوع. متى كان ما تقدم، وكانت الطلبات الختامية للمدعين في الدعوى الموضوعية، لم تتضمن الحكم بحق شخصي أو عيني لهم، على أموال الشركة المباعـة - أيًّا كان وجه الرأي في ثبوت أو نفي هذه الحقوق - وإنما أقاموها على سند من أن رابطة العمل التي كانت تربطهم بها، تخولهم الحق فى الطعن على التصرفات التي تنقل ملكية الشركة إلى الغير، وكان نص المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 32 لسنة 2014 - المطعون فيه - قد قصر الحق في الطعن ببطلان العقود التي يكون أحد أطرافها الشركات التي تمتلكها الدولة، على أطرافها، ومن لهم حق شخصي أو عيني على الأموال محل التعاقد، دون غيرهم، ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة طرفي التعاقد أو أحدهما في جريمة من جرائم المال العام، وكان العقد قد تم إبرامه بناء على تلك الجريمة، وكان نص المادة الثانية من القرار بقانون ذاته، قد أوجب على المحكمة، القضاء مـن تلقـاء نفسهــا، بعـدم قبــول الدعــاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولى من القرار بقانون المشار إليه، والمقامة بغير الطريق الذى حددته هذه المادة، بما في ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون. ومن ثم، فإن القضاء في دستورية النصين المطعون عليهما سيكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على قبول الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتتوافر تبعَا لذلك، المصلحة الشخصية المباشرة للمدعين في الطعن عليهما بعدم الدستورية، الأمر الذى يغدو معه الدفــع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى المعروضة، لا سند له، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إنه ترتيبًا على ما تقدم، يتحدد نطاق هذه الدعوى فيما نصت عليه المادة الأولى من القرار بقانون المطعون عليه، من أنه يكون الطعن ببطلان العقود التي يكون أحد أطرافها الشركات التي تمتلكها الدولة أو تساهم فيها، أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التي أبرمت هذه العقود استنادًا لها من أطراف التعاقد دون غيرهم، وما نصت عليـه المادة الثانية من القـرار بقانون ذاتـه، مـن أنه
تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها بغير الطريق الذى حددته هذه المادة بما في ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون .
وحيث إن المدعين ينعون على القرار بقانون المتضمن النصين المطعون فيهما، انتفاء حالة الضرورة المبررة لإصداره في غيبة السلطة التشريعية، وإهداره مبدأ المشروعية وسيادة القانون، لانطوائه على أثر رجعي، دون اتباع الإجراءات الدستورية اللازمة لذلك، والإخلال بحق التقاضي؛ بقصر الحق في الطعن ببطلان تلك العقود والإجراءات التي أبرمت استنادًا إليها على أطرافهــا، وتحصين أعمال إداريــة لا يجوز تحصينها، وتسليط القضاء الجنائي على القضاء الإداري؛ بتعليق دعوى الإلغاء على صدور حكم في الدعوى الجنائية، وإهدار مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص؛ بحرمان المنافسين لأطراف التعاقد من الطعن على القرارات السابقة على إبرامه، وغل يد المجتمع عن دوره في الدفاع عن الملكية العامة، وصدور القرار بالقانون المطعون فيه مشوبًا بعيب الانحراف التشريعي.
وحيث إنه عما نعى به المدعون على القرار بالقانون المطعون فيه، صدوره من رئيس الجمهورية المؤقت، قبل انعقاد البرلمان، في غير حالة الضرورة، بالمخالفة لنص المادة (156) من دستور 2014، فإنه مردود؛ بأن مفاد ذلك النص، أنه وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصًا بإصدار قرارات تكون لها قوة القانون، إذا كان مجلس النواب غير قائم، فقد رسم لهذا الاختصاص الاستثنائي حدودًا ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية؛ منها ما يتعلق بشروط ممارسة ذلك الاختصاص، فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس النواب غير قائم، وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر معها حالة الضرورة التي تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس النواب، باعتبار أن تلك الظروف هي مناط هذه السلطة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعي الاستثنائي، فقد تغيا بهما ألا يتحول هذا الاختصاص إلى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لا قيد عليها.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن حالة الضرورة التي يجوز بمقتضاها لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين - طبقًا للشطر الثاني من المادة (156) من الدستور - إنما ينضبط مفهومها بالتماهي مع الاحتياجات التي يوجبها صون مقومات المجتمع الأساسية، وتتقيد حدودها بالمسائل التي ترتبط بمسئولية الدولة قِبل مواطنيها، وتلتزم تخومها بضمان سير المرافق العامة على نحو يتوخى الصالح العام، ويقارنها حتمًا الاستجابة لما تمليه الاستحقاقات الدستورية في الدولة المدنية، وذلك كله بمراعاة أن تتخذ التشريعات الصادرة في ظل حالة الضرورة من كفالة الحقوق والحريات العامة سياجًا لأهدافها، ومن سيادة القانون ملاذًا يعصمهـا من الخروج على مقتضيات الشرعية الدستورية. ولا يعزب عن نظر أن تَحَقُّقَ حالة الضرورة تلك، مع لزوم ما تقدم من ضماناتها، رهن بوجود واقع دستوري مؤقت، ينشأ عن كون السلطة التشريعية الأصلية غير قائمة - مهمـا كان سبب ذلك أو مدته - فلا يكتمل في غيبتها البناء الدستوري لنظام الحكم، بالمفهوم الموافق لأحكام الباب الخامس من الدستور، مما يستنهـض تدخلاً استثنائيًّا من رئيس الجمهورية، بإصدار قرارات بقوانين، تلازمها شرعية دستورية مؤقتة، حتى تخضع لرقابة مجلس النواب الجديد، فــي المواعيد وبالإجــراءات المقــررة فــي نص المادة (156) من الدستور، ولا يحول إقرارها منه، دون خضوعها لرقابة قضائية على دستورية الأوضاع الشكلية، والأحكام الموضوعية للقرارات بالقوانين المشار إليها، التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا، دون غيرها، طبقًا للأوضاع المقررة في قانونها، وليغدو التنظيم الدستوري لإصدار رئيس الجمهورية قرارات بقوانين - وفق السياق الفائت بيانه - محققًا الفصل بين سلطات الدولة، مقيمًا التوازن بينها، ضامنًا قوامًا ديمقراطيًّا لنظام الحكم فى الدولة ، وذلك على ما تجرى به أحكام المادتين (1 و 5) من الدستور ذاته.
متى كان ذلك، وكان الاقتصاد القومي، في تاريخ إصدار القرار بقانون المطعون عليه، قد مر بمرحلة دقيقة، احتاج فيها إلى العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع ضخ رأس المال الأجنبي لتعزيز قدرة اقتصاد البلاد على مواجهة التحديات في تلك المرحلة، وحجب كل ما يزعزع الثقة في سلامة البناء الاقتصادي للدولة، مما يقيم حالــة الضرورة المبررة لإصــدار القـرار بقانـون المطعـون فيـه، والذى يدخل - بهذه المثابة - في مدلـول تدابير الضـرورة التي لا تحتمل التأخير، وقـد صادف احتياجًا حـالًّا، قدر رئيس الجمهورية، بما له من سلطة تشريعية استثنائية، ضرورة إصداره، وكان تقديره محمــولاً على أسباب سائغة تبرره. وإذ عُرِض القرار بقانون المشار إليه على مجلس النواب خلال المواعيد المقررة، وتمت مناقشته والموافقة عليه. ومن ثم فلا يكون في إصدار هذا القرار بقانون تجاوز للضوابط المحددة بنص المادة (156) من الدستور.
وحيث إن المدعين ينعون على القرار بالقانون المطعون عليه، إهدار مبدأ سيادة القانون، لانطوائه على أثر رجعي، بتقرير سريان أحكامه على الدعاوى والطعون التي رفعت قبل العمل به - ما لم يكن قد صدر فيها حكم بات- دون توفر أغلبية ثلثي أعضائه، المنصوص عليها في المادة (225) من الدستور.
وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النطاق الذي يمكن أن يرتد إليه الأثر الرجعي للقانون، هو ذلك الذى يعدل فيه التشريع من مراكز قانونية لم تتكامل حلقاتها، وبالتالي لم تبلغ غايتها النهائية، متمثلة في حقوق تم اكتسابها وصار يحتج بها في مواجهة الكافة، تساندًا إلى أحكام قانونية كانت نافذة، إذ في هذا النطاق يبقى المركز القانوني قابلاً للتدخل التشريعي، تدخلاً قد يزيد أو يزيل من آمال يبني عليها صاحب المركز توقعاته.
وحيث إن من المقرر قانونًا أن الصفة، مندمجة في المصلحة الشخصية المباشرة، من بين شروط قبول الدعوى، ويتعين على محكمة الموضوع أن تتحراها، فإذا ما عدَّل المشرع في شروط قبول الدعوى، قبل أن ينحسم أمرها بصدور حكم بات فيها، فلا يكون بذلك قد ارتد بالقاعدة القانونية إلى الماضي، بل أعمل حكمها بأثر مباشر.
متى كان ما تقدم، وكان المشرع بنص المادة الأولى من القرار بقانون المطعون عليه، قد باشر سلطته التقديرية في تحديد عناصر المركز القانوني الذي يتيح لفئات بعينها مصلحة شخصية مباشرة في إقامة الدعاوى والطعون ببطلان العقود التي تبرمها الدولة في شأن أملاكها الخاصة، والقرارات والإجراءات التي أبرمت تلك العقود استنادًا إليها، ورتب بمقتضى نص المادة الثانية من القرار بقانون ذاته، على تخلف الصفة التي عينها في المادة الأولى، أو انحسارها خلال نظر الخصومة القضائية المتعلقة بهذه العقود، وجوب القضاء بعدم قبول تلك الدعاوى والطعون، ما لم يكن قد صدر فيها حكم بات، بما مؤداه: أن نص المادة الثانية المار ذكره، إنما ينظم مراكز قانونية تقبل بطبيعتها التعديل والتغيير، مادامت أنها لم تستقر بقضاء بات، ومن ثم فإن سريان النصين المطعون عليهما على ما لم يفصل فيه من الدعاوى والطعون، يلازمه أثر مباشر، ولا يكون متضمنًا أثرًا رجعيًّا، ويغدو النعي عليهما، في هذا الشأن غير سديد، متعينًا رفضه.
وحيث إنه عما نعى به المدعون على نص المادة الأولى من القرار بقانون المطعون عليه، مِن مخالفة مبدأ المشروعية وسيادة القانون، والإخلال بحق التقاضي، والانتقاص من اختصاص مجلس الدولةـ على سند من أن هذا التنظيم قد صادر حق العاملين في الشركات المملوكة للدولة في الطعن على العقود التي تتضمن تصرفًا في أموال هذه الشركات، وحال بين مجلس الدولة ومراقبة تصرفات جهة الإدارة، فإنه مردود؛ إذ إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق - ومن بينها الحق في التقاضي المنصوص عليه بالمادة (97) من الدستور- هو إطلاقها، ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة، باعتبار أن جوهر هذه السلطة هو المفاضلة بين البدائل التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، موازنًا بينها، مرجحًا ما يراه أنسبها لمصالح الجماعة، وأدناها إلى كفالة أثقل هذه المصالح وزنًا، وليس ثمة تناقض بين الحق في التقاضي كحق دستوري أصيل وبين تنظيمه تشريعيًا، بشرط ألا يتخذ المشرع من هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق أو إهداره، ونتيجة لذلك فإن المشرع - في مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضــاء - لا يتقيد بأشكال محــددة تمثل أنماطًا جامــدة لا تقبــل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور والإجراءات - لنفاذ هذا الحق- ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقًا مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي؛ دونما إخلال بضماناتها الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها، وفق قواعد محددة تكون منصفة في ذاتها وغير متحيفة.
وحيث إن تحقق الصفة والمصلحة في رفع دعاوى إبطال العقود التي يكون محلها أموالاً مملوكة للدولة، والطعن على الأحكام غير الباتة الصادرة فيها، إنما يتحدد على ضوء ما نصت عليه المادة (34) من الدستور من أن للملكية العامة حرمة، لا يجوز المساس بها، وحمايتها واجب وفقًا للقانون. وكانت الأعمال التحضيرية للدستور - ومن بينها المناقشات التي دارت في الاجتماع الثالث للجنة الخبراء بجلستها المعقودة في 24 يوليو سنة 2013 - قد أفصحت عن توافق واضعي الدستور على أن صفة المواطنة وحدها، لا تقيم لصاحبها الحق في المخاصمة القضائية للتصرفات التي ترد على أملاك الدولة الخاصة، وأن تحديد من له حق إقامة الدعاوى والطعون القضائية لمواجهة تلك التصرفات، منوط بالمشرع وحده، وذلك على نحو يغاير ما كان يجري به نص المادة (33) من دستور 1971، من أن للملكية العامة حرمة، وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقًا للقانون...، مما مؤداه: تخويل الدستور القائم المشرع سلطة تنظيم شروط قبول الدعاوى والطعون المشار إليها، بما لا يمس المصلحة العامة، أو ينال من جوهر الحقوق التي كفلها الدستور.
متى كان ذلك، وكان نص المادة الأولى من القرار بقانون الفائت ذكره، في مقام تعيين من له الحق في إقامة الدعاوى المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة، - في النطاق المبين سلفًا- قد حدد حصرًا الأشخاص ذوي المصلحة الذين يجوز لهم إقامة تلك الدعاوى طعنًا عليها، وتضمن نص المادة الثانية منه، أن تقضي المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى والطعون التي يقيمها غير من عينهم النص الأول، الذي اتخذ من معيار المصلحة الشخصية أساسًا له، حاجبًا عن تلك المنازعة من ليس لهم مصلحة شخصية مباشرة تعود عليهم بالنفع من القضاء فيها، قاصرًا الحق في إقامة هذه الدعـاوى على الأطراف المتعاقدة، وكل من لــه حــق شخصي أو عيني على الأموال محل التعاقد، واستثنى من هذا القيد حالة صدور حكم بات في جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، إذا أُبرم العقد بناء على تلك الجريمة، فأجاز - في هذه الحالة- إقامة الدعوى أمام القضاء المختص، من غير من عينهم نص المادة الأولى السالف البيان. ومن ثم، فإن المشرع بهذا التنظيم المتكامل، يكون قد أعمل سلطته التقديرية في تنظيم الحق في التقاضي، على نحو لا يخل بكفالة هذا الحق في جوهره، دافعًا عن مجال التقاضي، في هذه الطائفة من الدعاوى، أولئك الذين ليس لهم مصلحة شخصية مباشرة تعود عليهم من القضاء في موضوعها، صارفًا بذلك عن الخصومة القضائية من توهم ضـررًا أراد دفعـه، وغيرهـم ممن توسـل بتلك الخصومة لفرض سياسـات اقتصاديـة لا تتفق مع توجهات الدستور القائم. وكان المشرع فيما أجازه لغير من عينهم نص المادة الأولى من القرار بقانون السالف البيان، من الطعن على القرارات والعقود التي يكون محلها أموالاً لإحدى الشركات المملوكة للدولة أو تساهم فيها، إذا صدر حكم جنائي بات بإدانة طرفيها أو أحدهما في جريمة من جرائم العدوان على المال العام، ارتبطت بالأموال محل التعاقد، قد سعى إلى تحقيق التزام الدولة بمكافحة الفساد، الذى نص عليه الدستور في المادة (218) منه، وكان النص ذاته لم يتضمن تسليطًا من جهة القضاء العادي على جهة القضاء الإداري، وإنما جاء توزيعًا للولاية بين جهات القضاء المختلفة، وفق ما وسده الدستور لكل منها، فأولى لمجلس الدولة اختصاصًا أصيلًا بمراجعة مشروعات العقود التي يحددها ويحدد قيمتها القانون وتكون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفًا فيها، على نحو ما أوجبته المادة ( 190 ) من الدستور بعد تعديلها سنة 2019، بما لازمه بسط رقابة سابقة من مجلس الدولة على تلك العقود قبل انعقادها وترتيب آثارها، فضلًا عن اختصاصه بنظر الطعن ببطلان تلك العقود والإجراءات السابقة عليها، فى الأحوال التي ينعقد فيها اختصاصه الولائي بنظرها، لتكوّن أحكام النص المطعون عليه في مجموعها، تنظيمًا قانونيًّا لم ينتقص من اختصاص محاكم مجلس الدولة، ولم ينل من حق التقاضي، ولازمه أن يكون النعي السالف بيانه غير سديد، متعينًا رفضه.
وحيث إنه عما نعى به المدعون من مخالفة نصي القرار بالقانون المطعون عليهما، لنصوص المواد ( 32 و 33 و 34 ) من الدستور، بافتئاتهما على أحكام حماية الملكية العامة في الدستور، التي جعلت موارد الدولة الطبيعية ملكًا للشعب، يلتزم بالحفاظ عليها، بما مفاده عدم جواز التصرف فيها، كما خالف هذان النصان مبادئ الشريعة الإسلامية التي تخرج المال محل الملكية العامة من دائرة التعامل، فإن هذا النعي مردود في جميع أوجهه:
فهو مردود أولًا: بأن نص المادة (32) من الدستور، قد مايز في مجال ملكية الشعب بين عناصر ثلاثة، هي: الموارد الطبيعية، وأملاك الدولة العامة، وأملاكها الخاصة. فألزم الدستور الدولة بالحفاظ على الموارد الطبيعية، وحسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها. أما أملاك الدولة العامة، فإن الدستور لم يجز التصرف فيها، فيما أجاز التصرف في أموال الدولة الخاصة وفق القواعد والإجراءات المنظمة لذلك، بما يكون معه سريان حكم عدم جواز التصرف في أملاك الدولة الخاصة، لا سند له من الدستور. فضلاً عما تقدم، فإن القرار بقانون المطعون في مادتيه الأولى والثانية، لم يتضمن أحكامًا موضوعية تتعلق بالتصرف في أملاك الدولة الخاصة، وإنما جاء تنظيمًا لإجراءات الطعن على العقود المبرمة بشأنها أو القرارات أو الإجراءات السابقة عليها.
ومردود ثانيًا: بأن الدستور الحالي- في مقام ترسيم معالم النظام الاقتصادي للدولة-؛ حدد في المادتين (27 و 28) منه، هدفًا أسمى للنظام الاقتصادي للبلاد، حاصله تحقيق الرخاء، متخذًا من التنمية المستدامة، التي تكفل رفع معدل النمو الحقيقي المتوازن جغرافيًّا، وقطاعيًّا، وبيئيًّا للاقتصاد، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، وتشجيع الاستثمار وتوفير المناخ الجاذب له، وآليات وسبل بلوغ غايته النهائية، وحماية سائر الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية. وكان الاستثمار بوصفه قاطرة التنمية الاقتصادية، يتسع لمساهمة الوحدات الإنتاجية للدولة وللقطاع الخاص، بما مؤداه: أن لكل من الاستثمارين العام والخاص دوره في التنمية، وليس لازمًا أن يتخذ هذا الاستثمار شكل وحدة اقتصادية تنشئها الدولة أو توسعها، ولا عليها أن تبقيها كلما كان تعثرها باديًا، أو كانت الأموال المستثمرة فيها لا تغل عائدًا مجزيًا، أو كان ممكنًا إعادة تشغيلها تحت يد القطاع الخاص، لتحقيق عائد أفضل، فكلما رأت الدولة مصلحة عامة في ذلك، فلا مخالفة في توجهها لدعم الاستثمار من خلال القطاع الخاص لنصوص الدستور، بل هو تكريس للقيم الاقتصادية التي يدعو إليها، وفى مقدمتها أن الاستثمار الأفضل والأجــدر بالحمايــة، يرتبط دومًا بالدائــرة التي يعمــل فيها، وعلى تقديــر من أن الاستثمارين العام والخاص شريكان متكاملان، لا يتزاحمان أو يتعارضان، بل يتولى كل منهما مهامًا يكون مؤهلاً لها وأقدر عليها. وإذ تغيا القرار بقانون المطعون فيه وضع ضوابط للتقاضي بشأن تلك العقود، مستهدفًا إضفاء الاستقرار على معاملات الدولة، وحماية الاستثمارين العام والخاص، فإنه يكون واقعًا في إطار التزام الدولة بتوفير المناخ الجاذب للاستثمار.
ومردود ثالثًا: بأن القول بأن الشريعة الإسلامية جعلت يد الحاكم على المال العام يد أمين، مما يحول دون مكنة تصرفه فيه، هو قول عارٍ من السند، ذلك أن الشريعة الإسلامية الغراء قد خلت من نص قطعي الثبوت والدلالة، يمنع ولي الأمر من التصرف في المال العام، إذا ما تغيا تحقيق مصلحة عامة، أو منفعة فضلى للمجتمع. وغاية الأمر تقرير مسئوليته الشرعية أمام الله عن حسن تصرفه فيه، وأمام المجتمع وفقًا لقواعـد المسئولية المقررة في الدستور والقانون. الأمر الذي يكون معه هذا النعي، في جميع أوجهه، غير قائم على سند صحيـح، مما يتعين معه عدم الاعتداد به.
وحيث إنه عما نعى به المدعون على القرار بالقانون المطعون في مادتيه، مِنْ إهداره مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، إذ حظر الطعن على القرارات السابقة على إبرام التعاقد، وتلك اللاحقة على إبرامه على السواء، بما يتضمن حرمان المتنافسين ممن لم يتم التعاقد معهم من الطعن على القرارات السابقة على إبرامه، فإنه مردود، بأن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا؛ أن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأ تكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه، تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ: أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال؛ وهو ما يعني أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها. وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامـة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنص المادتين (4 و 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون عليه - بما انطوى عليه من تمييز - مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
لما كان ذلك، وكان المشرع قد نظم الحق في رفع دعاوى إبطال عقود الدولة - في النطاق المحدد سلفًا - في إطار موضوعي، يرتبط بتحقق مصلحة المدعي الشخصية من إقامتها، ولا يتضمن هذا التنظيم في مجال تطبيقه تمييزًا من أي نوع بين المخاطبين بأحكامه المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة إليه، وكانت الفئات التي عينها النص، حاصرًا فيها المصلحة الشخصية المباشرة، في مركز قانوني تختلف عناصره عن غيرهم ممن ليس لهم حقوق شخصية أو عينية على الأموال محل التعاقد، مما يبرر للمشرع أن يغاير في الأحكام المنظمة للتداعي بشأنها، دون أن يكون في ذلك إخلال بالحق في المساواة، أو إهدار لمبدأ تكافؤ الفرص.
وحيث إنه عما نعى به المدعون على القرار بالقانون المطعون عليه، من عيب الانحراف في استخدام السلطة، لصدوره بقصد الحيلولة دون الفصل في الدعاوى المرفوعة أمام مجلس الدولة، وتحصين أعمال وعقود جهة الإدارة من الطعن عليها، على نحو أدى لمصادرة حق التقاضي وإنكار العدالة؛ فإنه مردود، بأن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن للسلطة التشريعية، ولا سيما عند تصديها لتنظيم المصالح القانونية التي تنعكس بآثارها على المصالح الاقتصادية الجوهرية للدولة، الحق في سن القوانين التي تستهدف الدفاع عن المصالح التي تتبناها، وأن تقرر لها حماية خاصة، تدرأ بها عن الدولة المخاطر التي تحيق بها جراء عدم التدخل بتنظيمها، مستهدفة بذلك تحقيق المصلحة العليا للبلاد. واختصاص السلطة التشريعية في هذا الشأن لا يقيده إلا الالتزام بأحكام الدستور، ولا تمتد ولاية هذه المحكمة إلى مناقشة ملاءمة إصدار التشريع ولا وزن البواعث التي حملت السلطة التشريعية على إقراره، مادامت تشريعاتها لا تتعارض مع أحكام الدستور، كون ذلك كله مما يدخل في صميم اختصاص السلطة القائمة على التشريع وتقديرها المطلق.
متى كان ذلك، وكانت الغاية من إصدار التشريع المطعون على مادتيه، رغبة الدولة في استعادة الثقة في العقود التي تبرمها، وطمأنة المستثمرين الممولين وغيرهم من الراغبين في التعاقد مع الدولة باستقرار معاملاتهم وحمايتهم، في إطار من المشروعية وسيادة القانون، عن طريق تنظيم قانوني يحكم العقود التي تبرم قبل وبعد العمل بالقانون، من خلال تحديد كيفية الطعن على هذه العقود، دون مصادرة أو منع للحق في التقاضي. ولازم ما تقدم: أن التشريع المطعون فيه يكون قد توخى تحقيق اعتبارات الأمان القانوني للتصرفات التي تبرمها الدولة، بما يعصمها من زعزعة مراكز قانونية استقرت، ويحفظ لها استمرارها في أداء واجبها في التنمية الاقتصادية، الأمر الذي يغدو معه النعي على النصين المطعون عليهما بقالة الانحراف التشريعي لغوًا، متعينًا الالتفات عنه.
لما كان ذلك جميعه، فإن النصين المطعون عليهما قد جاءا في حدود السلطة الدستورية المنوطة برئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون، إذا كان مجلس النواب غير قائم، ولـم ينطويـا على أثر رجعي، أو يخلا بسيادة القانـون، ولا بالحق في التقاضي، أو يهدرا مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة، ولم ينتهكا الحماية الواجبة للملكية العامة، كما لم يخالفا أي حكم آخر من أحكام الدستور، ومن ثم فإن المحكمة تقضي برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعين المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

الطعن رقم 61 لسنة 42 ق دستورية عليا " دستورية " جلسة 14 / 1 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من يناير سنة 2023م، الموافق الحادي والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1444 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد وصلاح محمد الرويني نواب رئيس المحكمة

وحضور السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 61 لسنة 42 قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة النقض (الدائرة المدنية والتجارية) بحكمها الصادر بجلسة 24/ 12/ 2019، ملف الطعن رقم 1458 لسنة 89 قضائية

المقام من
محمد عباس غازي عليوة النجار
ضد
1 - حاتم حسين محمد أحمد، بصفته رئيس مجلس إدارة نادي المنصورة الرياضي
2- رئيس مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية
3- المدير التنفيذي لنادي المنصورة الرياضـــي
4- وكيل وزارة الشباب والرياضة بالدقهليــة

-------------
" الإجـراءات "
بتاريخ الثالث من نوفمبر سنة 2020، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الطعن رقم 1458 لسنة 89 قضائية، بعد أن قضت محكمة النقض الدائرة المدنية والتجارية، بجلسة 24/ 12/ 2019، بوقف الطعن، وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية المادتين (66 و69) من قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017، فيما تضمنتاه من اختصاص مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية بإصدار لائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري، والمواد (2 و81 و92 مكررًا ب و92 مكررًا ج) من لائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري الصادرة بقرار مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية رقم 88 لسنة 2017، المعدلة بالقرار رقم 2 لسنة 2018.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين، طلبت فيهما الحكم، أولاً: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى بالنسبة للمواد المحالة من لائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري الصادرة بالقرار رقم 88 لسنة 2017، وتعديلاته. ثانيًا: بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة. ثالثًا: برفضها.
وقدم المدعى عليه الثاني مذكرة، طلب فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر جلسة 5/ 11/ 2022، وفيها حضر الطاعن في الدعوى الموضوعية، وقرر بترك الخصومة في الدعوى الدستورية المعروضة، وقَبِل الترك الحاضران عن الدولة، واللجنة الأولمبية المصرية، وقدم الأخير مذكرة، طلب فيها الحكم؛ أصليًّا: بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطعن على لائحة مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري. واحتياطيًّا: بعدم قبول الدعوى لزوال المصلحة. ومن باب الاحتياط الكلي: برفض الدعوى. وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم. وبتاريخي 29/ 12/ 2022، و3/ 1/ 2023، قدم المدعى عليه الثاني طلبين لفتح باب المرافعة في الدعوى، أرفق بهما حافظتي مستندات ومذكرة.

--------------

" المحكمة "

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق - في أن الطاعن في الدعوى المحالة، سبق أن أقام ضد المدعى عليهم الدعوى التحكيمية رقم 56 لسنة 1 قضائية / 2017، أمام مركز التسوية والتحكيم الرياضي، طالبًا الحكم بإلغاء إعلان نتيجة انتخابات مجلس إدارة نادي المنصورة الرياضي، التي أُجريت بتاريخ 3/ 11/ 2017. حكمت الهيئة بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار اعتماد إعلان نتيجة انتخابات مجلس إدارة نادي المنصورة الرياضي للدورة 2017/ 2021، التي أُجريت في التاريخ السالف، دون إدراج اسم المحتكم ببطاقة التصويت ضمن أسماء المرشحين على مقعد الرئيس، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها: إعادة إجراء الانتخابات على مقعد الرئيس بين كافة المرشحين بمن فيهم المحتكم، بعد إدراج اسمه ببطاقة التصويت ضمن أسماء المرشحين على المقعد المذكور. لم يلق ذلك القضاء قبولاً لدى المطعون ضده الأول، فأقام الدعوى رقم 47 لسنة 135 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، طالبًا الحكم ببطلان حكم التحكيم السالف البيان، وبجلسة 25/ 11/ 2018، حكمت المحكمة ببطلان حكم التحكيم موضوع الدعوى. طعن المحكوم ضده، في دعوى البطلان، على ذلك الحكم أمام محكمة النقض بالطعن المقيد برقم 1458 لسنة 89 قضائية، طالبًا بصفة مستعجلة، وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بنقضه.
وإذ تراءى لمحكمة النقض عدم دستورية نصي المادتين (66 و 69) من قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017، ذلك أن المادة (66) من ذلك القانون، قد ألحقت مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري باللجنة الأولمبية المصرية، على الرغم من وصف المركز بالمستقل، وأن التفويض التشريعي المنصوص عليه في المادة (69) من القانون ذاته، خول مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية سلطة إصدار لائحة النظام الأساسي للمركز، واستنادًا لذلك، أصدر مجلس الإدارة تلك اللائحة بالقرار رقم 88 لسنة 2017 المعدل بالقرار رقم 2 لسنة 2018، والتي جاءت متضمنة روابط عديدة بين المركز واللجنة الأولمبية المصرية، فضلاً عن اختصاص مجلس الإدارة بتشكيل هيئات التحكيم واللجنة الاستشارية، وتنظيم عمل كل منها، وطريقة الاستعانة بالخبراء، وتمتعه بسلطات واسعة من شأنها إثارة الشكوك حول استقلالية المركز، لا سيما في الحالات التي تكون فيها اللجنة الأولمبية المصرية طرفًا في الدعاوى المعروضة على أي من هيئات التحكيم بالمركز، وهو ما يفقد مركز التحكيم المشار إليه ضمانتي الاستقلال والحيدة الواجب توافرهما في أي عمل قضائي. ومن ناحية أخرى، فإن نصوص المواد (2 و81 و92 مكررًا ب و92 مكررًا ج) من لائحة المركز المشار إليها، تضمنت خروجًا عن حدود التفويض التشريعي الوارد بالمادة (69) من قانون الرياضة الآنف ذكره، فضلاً عن عدم الالتزام بالمعايير الدولية في خصوص دعوى بطلان أحكام التحكيم، إذ نظمت تلك المواد دعوى بطلان أحكام هيئات التحكيم الرياضي على نحو يحصنها من رقابة القضاء، ومن ثم تكون النصوص المحالة قد جاءت مخالفة للمواد (53 و84 و97 و170) من الدستور. وعلى ضوء ما تقدم، قضت تلك المحكمة بإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المواد المحالة.
وحيث إنه عن الطلبين المقدمين من المدعى عليه الثاني لفتح باب المرافعة في الدعوى المعروضة، وإذ قُدّم هذان الطلبان بعد حجز الدعوى للحكم دون تصريح بمذكرات، فإن المحكمة تلتفت عنهما.
وحيث إنه عما قرر به الطاعن في الدعوى المحالة أمام هذه المحكمة، من ترك الخصومة في الدعوى الدستورية المعروضة، وقبول الحاضرين عن هيئة قضايا الدولة واللجنة الأوليمبية المصرية لهذا الترك، فإنه وإن جاز في الدعوى الدستورية التي يقيمها أحد الخصوم إثر دفع بعدم الدستورية قدرت محكمة الموضوع جديته - وفقًا للبند (ب) من المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979- أن يترك الخصومة فيها كليًّا أو في شق منها، فإن ذلك مما يمتنع في الدعوى الدستورية المحالة إلى هذه المحكمة من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى، طبقًا للبند (أ) من المادة (29) من قانون هذه المحكمة المار ذكره، ما لم يتلازم ترك الدعويين الدستورية والموضوعية معًا، وفق الشروط المقررة للحكم بالترك فيهما، اعتبارًا بأن الحقوق المتصلة بالدعوى الدستورية المحالة لا ينبغي أن يكون مصيرها متروكًا لإرادة خصوم الدعوى الموضوعية، وإلا كان ذلك إجهاضًا للرقابة الدستورية في صورتها الأولى، وإلزامًا لمحاكم الموضوع بإعمال النصوص المحالة على الأنزعة المنظورة أمامها، والتي تراءى لها اعتوارها بمثالب دستورية، وبما يعوق المحكمة الدستورية العليا عن بسط رقابتها على دستورية القوانين واللوائح، وفقًا للاختصاصات التي نيطت بها بموجب نص المادة (192) من الدستور.
متى كان ما تقدم، وكان التقرير بالترك قد انصب على الدعوى الدستورية وحدها، وخلت أوراق الدعوى المعروضة من قضاء لمحكمة النقض بإثبات ترك الخصومة أمامها، ومن ثم فلا أثر يترتب على طلب ترك الدعوى الدستورية المعروضة، مما لازمه أن تمضي هذه المحكمة في نظرها.
وحيث إن المادة (66) من قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017، تنص على أنه ينشأ باللجنة الأولمبية المصرية مركز مستقل يسمى مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري تكون له الشخصية الاعتبارية، يتولى تسوية المنازعات الرياضية الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون والتي يكون أحد أطرافها من الأشخاص أو الهيئات أو الجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون، وذلك عن طريق الوساطة أو التوفيق أو التحكيم الرياضي.
وتنص المادة (69) من القانون ذاته على أن يُصدر مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية قرارًا بالنظام الأساسي للمركز ينظم قواعد وإجراءات الوساطة والتوفيق والتحكيم فيه وفقًا للمعايير الدولية بناءً على اقتراح مجلس إدارة المركز، ويصدر بالنظام والقواعد اللازمة للعمل في المركز قرار من اللجنة الأولمبية، ويُنشر هذا القرار في الوقائع المصرية على نفقة اللجنة.
وحيث إنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - توافر المصلحة فيها، ومناطها: أن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. والمحكمة الدستورية العليا وحدها هي التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى المقامة أمامها للتثبت من شروط قبولها، وليس لجهة أخرى أن تُنازعها ذلك أو تحل محلها فيه، وليس هناك تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا وتوافر المصلحة في الدعوى الدستورية؛ فالأولى لا تُغني عن الثانية. فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص المحالة التي تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستوريتها انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة.
متى كان ما تقدم، وكان نص المادة (66) من قانون الرياضة المار ذكره، قد منح مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري، الشخصية الاعتبارية المستقلة، وحدد اختصاصاته بتسوية المنازعات الرياضية الناشئة عن تطبيق أحكام قانون الرياضة، التي يكون أحد أطرافها من الأشخاص أو الهيئات أو الجهات الخاضعة لأحكام هذا القانون، مبينًا طرق تلك التسوية من الوساطة أو التوفيق أو التحكيم الرياضي، فمن ثم لا يكون للفصل في دستورية النص المشار إليه أي انعكاس على الفصل في الاختصاص الولائى لمحاكم جهة القضاء العادي بنظر دعاوى بطلان الأحكام الصادرة من مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري، ولزامه الحكم بعدم قبول الدعوى المعروضة في هذا الشق منها.
وحيث إن الدعوى الموضوعية المحالة، قد أُقيمت أمام محكمة النقض طعنًا على حكم محكمة استئناف القاهرة، ببطلان الحكم الصادر من مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري في الدعوى التحكيمية رقم 56 لسنة 1 قضائية/ 2017؛ بقالة عدم اختصاص تلك المحكمة بنظر دعوى البطلان، والتي يختص بالفصل فيها مركز التسوية والتحكيم الرياضي - دون غيره -، عملاً بنص المادة (92 مكررًا ج) من لائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري الصادرة بقرار مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية رقم 88 لسنة 2017، المعدلة بالقرار رقم 2 لسنة 2018، وكانت هذه اللائحة قد صدرت بناءً على التفويض المنصوص عليه في المادة (69) من قانون الرياضة السالف البيان، فإن الفصل في دستورية هذه المادة يكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على الخصومة المرددة أمام محكمة النقض. ومن ثم فإن المصلحة في الدعوى الدستورية المعروضة تكون قائمة، ويتحدد نطاقها فيما ورد بصدر المادة (69) من قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017 من أن يُصدر مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية قرارًا بالنظام الأساسي للمركز ينظم قواعد وإجراءات الوساطة والتوفيق والتحكيم فيه. ولا ينال مما تقدم الدفع بعدم قبول الدعوى، لزوال مصلحة الطاعن في الدعوى الموضوعية بانتهاء الدورة الانتخابية عن المدة من سنة 2017 حتى 2021، إذ إن ذلك مردود بأن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المصلحة في الدعاوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة النقض يدور في شق منه حول اختصاص محكمة استئناف القاهرة بنظر الطعن بالبطلان على حكم التحكيم الصادر من مركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري، وكان الاختصاص الولائى بنظر دعوى البطلان من النظام العام، فمن ثم يكون التصدي له سابقًا بالضرورة على البحث في الموضوع، ومن ثم يغدو الدفع بعدم قبول الدعوى المعروضة لزوال شرط المصلحة غير سديد، متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إن المادة (84) من الدستور تنص على أن ممارسة الرياضة حق للجميع، وعلى مؤسسات الدولة والمجتمع اكتشاف الموهوبين رياضيًّا ورعايتهم، واتخاذ ما يلزم من تدابير لتشجيع ممارسة الرياضة.
وينظم القانون شئون الرياضة والهيئات الرياضية الأهلية وفقًا للمعايير الدولية، وكيفية الفصل في المنازعات الرياضية.
وحيث إن الأصل في التحكيم، على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، أنه وسيلة فنية لها طبيعة قضائية، غايتها الفصل في نزاع محدد، مبناه علاقة محل اهتمام من طرفيها، وركيزته اتفاق بين متنازعين لعرض ما بينهما من خلافات على محكم من الأغيار، يُعيَّن باختيارهما، أو بتفويض منهما، أو على ضوء شروط يحددانها. ويستمد المحكم سلطته من هذا الاتفاق ليفصل في ذلك النزاع بقرار يكون نائيًا عن شبه الممالأة، مجردًا من التحامل، وقاطعًا لدابر الخصومة التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلًا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية. وبذلك، فإن التحكيم عمل اختياري حر، وبإرادة أطرافه يعتبر نظامًا بديلًا عن القضاء، فلا يجتمعان؛ إذ إن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي انصب عليها، استثناء من أصل خضوعها لولايته، وإن كان ذلك ينبغي ألا ينال من الضمانات الأساسية في التقاضي.
متى كان ما تقدم، وكان الدستور في المادة ( 84 ) منه، قد ناط بالمشرع تنظيم شئون الرياضة والهيئات الرياضية الأهلية وفقًا للمعايير الدولية، وعطف على هذا الحكم تخويل المشرع تنظيم كيفية الفصل في المنازعات الرياضية، وكانت المعايير الدولية في المجال الرياضي، تتخذ من التحكيم وسيلة لتسوية هذه المنازعات، فإن مؤدى ذلك أن اعتماد المشرع، في الباب السابع من قانون الرياضة المشار إليه، مبدأ التحكيم الرياضي - في ذاته - أداة لتسوية المنازعات الرياضية إنما يتماهى مع المعايير الدولية، على ألا يتمايز هذا التحكيم، من الناحيتين الإجرائية والموضوعية، عما عداه من أنواع التحكيم الأخرى.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه إذا ما أسند الدستور تنظيم حق من الحقوق إلى السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تتسلب من اختصاصها، وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها في ذلك بضوابط عامة وأسس رئيسية تلتزم بالعمل في إطارها، فإذا ما خرج المشرع على ذلك، وناط بالسلطة التنفيذية تنظيم الحق من أساسه، كان متخليًا عن اختصاصه الأصيل المقرر بالمادة (101) من الدستور، ساقطًا - بالتالي - في حومة المخالفة الدستورية.
وحيث إن المادة (69) من قانون الرياضة السالف الذكر، فيما تضمنته من تفويض مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية في إصدار قرار بالنظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري، ينظم قواعد وإجراءات الوساطة والتوفيق والتحكيم، إنما تتمحض عن تسلب المشرع من تنظيم كيفية الفصل في المنازعات الرياضية، التي عهد بها الدستور إليه، وخصه بها، فكان من المتعين على المشرع تنظيم ذلك الأمر، وإرساء قواعد الفصل في المنازعات الرياضية من الناحيتين الإجرائية والموضوعية، دون أن يفوض غيره في هذا التنظيم أو في جزءٍ منه، كون ذلك التنظيم ينطوي في شقيه الإجرائي والموضوعي على وسائل الترضية القضائية التي تتناسب مع هذا النوع من المنازعات، ويتصل اتصالًا وثيقًا بالحق في التقاضي، وهو من الحقوق التي يتعين دومًا أن يكون تنظيمها اختصاصًا حصريًّا للمشرع، دون غيره، فإن تسلب منه، بات تسلبه مخالفًا للمادتين (84 و101) من الدستور، مما يتعين معه والحال هذه، القضاء بعدم دستوريته.
وحيث إن عبارة بناءً على اقتراح مجلس إدارة المركز، الواردة بنص المادة (69) من قانون الرياضة المشار إليه، ترتبط ارتباطًا لا يقبل التجزئة بما قُضِيَ بعدم دستوريته من ذلك النص، ولا حكم لها بدونه، فإن القضاء بسقوطها يكون متعينًا، مع الإشارة إلى ذلك في الأسباب دون المنطوق.
وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا، أن اختصاصها ينحسر عن الرقابة على دستورية القرارات واللوائح التي تصدر من الأشخاص الاعتبارية الخاصة؛ كونها لا تعد تشريعًا بالمعنى الموضوعي، بما يستنهض ولاية هذه المحكمة في مجال الرقابة الدستورية، ويكون الاختصاص بالفصل في صحة هذه القرارات أو إبطالها معقودًا لمحاكم جهة القضاء المختصة، ما دامت قد صدرت استنادًا إلى تشريع لم يقض بمخالفته للدستور. ولا كذلك الحال إذا كانت تلك القرارات واللوائح الخاصة أنبتتها نصوص تشريعية قُضي بعدم دستوريتها، ذلك أنه وإن ظلت الرقابة الدستورية ممتنعة في مواجهتها، إلا أن ارتباط تلك القرارات واللوائح الخاصة، بالتشريع المقضي بعدم دستوريته، ارتباطًا حتميًا، يجعلها تنزل منه منزلة الفرع من الأصل، ويكون اتصالها به اتصال قرار، بما يوسد لهذه المحكمة إزالتها، متى طرحت عليها، ولزامه أن تقضي المحكمة بسقوطها تبعًا لقضائها في الخصومة الدستورية.
متى كان ما تقدم، وكانت لائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري، المحال موادها أرقام (2 و81 و92 مكررًا ب و92 مكررًا ج) للفصل في دستوريتها، تعد مطروحة على هذه المحكمة، بطريق اللزوم، كمسألة فرعية، ترتبط ارتباطًا حتميًا مع قضائها بعدم دستورية نص المادة (69) من قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017 - في النطاق السالف تحديده -، ومن ثم فإن مؤدى القضاء بعدم دستورية هذا النص التشريعي: زوال السند القانوني لإصدار اللائحة المشار إليها، مما يستوجب القضاء بسقوطها بكامل أحكامها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً : بعدم دستورية صدر المادة (69) من قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017، فيما نصت عليه من أنه يُصدر مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية قرارًا بالنظام الأساسي للمركز ينظم قواعد وإجراءات الوساطة والتوفيق والتحكيم فيه.
ثانيًا: بسقوط لائحة النظام الأساسي لمركز التسوية والتحكيم الرياضي المصري الصادرة بقرار مجلس إدارة اللجنة الأولمبية المصرية رقم 88 لسنة 2017، وتعديلاته.