الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

الطعن 12361 لسنة 53 ق جلسة 6 / 2 / 2010 مكتب فني 55 - 56 توحيد المبادئ ق 4 ص 46

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسيني رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد شمس الدين خفاجي، ومحمد منير السيد جويفل، والسيد محمد السيد الطحان، ورمزي عبد الله محمد أبو الخير، وغبريال جاد عبد الملاك، وأحمد أمين حسان، والصغير محمد محمود بدران، وعصام عبد العزيز جاد الحق، وسعيد أحمد محمد حسين برغش، ويحيى أحمد راغب دكروري نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ المستشار/ مصطفى حسين السيد نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة.
----------------------- 
(4)
جلسة 6 من فبراير سنة 2010
الطعن رقم 12361 لسنة 53 القضائية عليا
(دائرة توحيد المبادئ)
 أ) دعوى - التدخل في الدعوى - عدم جواز التدخل أمام دائرة توحيد المبادئ - لا تفصل هذه الدائرة في نزاع بين طرفين، وإنما تحسم أمر اتجاهات متعددة لفهم وتفسير وتطبيق النصوص القانونية، فلا يكون من المقبول التدخل أمامها (1).
(ب) هيئات قضائية - شئون الأعضاء - مرتب - عدم جواز احتفاظ عضو الهيئة القضائية الذي يعين في أدنى الوظائف القضائية براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة - التنظيم القانوني للهيئات القضائية لم يأخذ بمبدأ إعادة التعيين وما يترتب عليه من احتفاظ بالأجر السابق، ولم ينظم في هذا الشأن سوى إعادة تعيين العضو السابق بالهيئة القضائية، فأجازه ولم يجز غيره - لا يسوغ استدعاء أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة في هذا الشأن.
(ج) دعوى - إحالة إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا طعنًا إلى دائرة توحيد المبادئ يوجب عليها أن تتريث في الفصل في الدعاوى المماثلة لحين إقرار المبدأ القانوني الذي طلبته - تصديها للفصل في دعوى مماثلة دون انتظار حكم هذه الدائرة لا يعد عدولاً منها عن الإحالة السابقة إليها.

الإجراءات
في يوم الخميس الموافق 3 من مايو سنة 2007 أودع الأستاذ/ ... بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن، قيد برقم 12361 لسنة 53 ق. ع، مختصمًا فيه المطعون ضدهم بصفاتهم، وانتهى إلى طلب الحكم
(أولاً) بأحقية الطاعن في الاحتفاظ بالمرتب الأساسي الذي كان يتقاضاه أثناء عمله بالبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي، ومقداره (156) مئة وستة وخمسون جنيها، قبل تعيينه بهيئة النيابة الإدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق
(ثانيًا) بأحقية الطاعن في منحة الزواج ومقدارها عشرة آلاف جنيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
(ثالثًا) بإلزام المطعون ضدهم بأداء مبلغ مليون جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابت الطاعن من جراء تخطيه في التعيين بالقرار الجمهوري رقم (230) لسنة 2000 المقضي بإلغائه
وذكر الطاعن شرحًا لطعنه أنه بتاريخ 6/ 4/ 2002 صدر حكم الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا لصالح الطاعن بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم (230) لسنة 2000 الصادر في 14/ 5/ 2000، فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة (معاون نيابة إدارية)، ونفاذًا لهذا الحكم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (228) لسنة 2002 بتعيين معاونًا للنيابة الإدارية، دون رد أقدميته إلى 14/ 5/ 2000 (تاريخ صدور القرار المقضي بإلغائه)، فأقام الطعنين رقمي 2882 لسنة 49 ق. ع و4578 لسنة 50 ق.ع، اللذين قضي فيهما بجلسة 30/ 4/ 2006 برد أقدميته إلى التاريخ المشار إليه، وترقيته إلى (وكيل نيابة إدارية). 
وأضاف بالنسبة إلى الطلب الأول: أنه كان يعمل بالبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي بوظيفة (محامٍ خامس) بمرتب أساسي مقداره (156) مئة وستة وخمسون جنيهًا، حتى 8/ 9/ 2002 عندما تسلم عمله بهيئة النيابة الإدارية بوظيفة (معاون نيابة)، فتقاضى راتبًا أساسيًا مقداره (132) مئة واثنان وثلاثون جنيهًا، وتقدم بعدة طلبات للاحتفاظ بمرتبه السابق دون جدوى، على الرغم من أنه طبقًا للمادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة - التي تسري على أعضاء النيابة الإدارية لخلو قانونها من تنظيم لإعادة التعيين - يحق له الاحتفاظ بالأجر الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة، متى كان يزيد على بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها، بشرط عدم مجاوزة نهاية ربط الوظيفة، وأن تكون خدمته متصلة، وذلك طبقًا لما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا
وبالنسبة إلى الطلب الثاني بأحقيته في منحة الزواج البالغ مقدارها عشرة آلاف جنيه، أوضح الطاعن أنه في 30/ 4/ 2006 صدر لصالحه الحكم في الطعنين رقمي 2882 لسنة 49 ق. ع و4578 لسنة 50 ق. ع قاضيًا برد أقدميته إلى 14/ 5/ 2000 تاريخ صدور قرار رئيس الجمهورية رقم (230) لسنة 2000، ومن ثم فإنه يعد شاغلاً لوظيفة (معاون نيابة إدارية) من هذا التاريخ، وليس من 1/ 8/ 2002. ولما كان قد تزوج في 30/ 11/ 2000 إبان عمله بعقد مؤقت كباحث بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ولم يحصل على إعانة زواج، فقد تقدم بطلب إلى المطعون ضده الرابع يلتمس فيه صرف منحة الزواج المقررة أسوة بأقرانه المعينين بالقرار الجمهوري المقضي بإلغائه، إلا أن طلبه هذا رفض، بالمخالفة لأحكام القانون وحجية الأحكام الصادرة لصالحه، التي اعتبرته شاغلاً لوظيفة (معاون نيابة إدارية) اعتبارًا من 14/ 5/ 2000، وإنه وإذ تزوج في 17/ 11/ 2000 فيحق له أن يطالب بمنحة الزواج المشار إليها
وأضاف بالنسبة إلى طلب التعويض بمبلغ مليون جنيه عن الأضرار التي ألمت به لتخطيه في التعيين بوظيفة (معاون نيابة إدارية) بالقرار الجمهوري الملغي، الأمر الذي يثبت الخطأ في جانب الجهة الإدارية، وهو ما نتج عنه أضرار مادية متمثلة في فروق المرتب وملحقاته وبدل العلاج وبدل الإجازات وفائض الميزانية ومنحة الزواج ومكافأة الانتخابات التي صرفت عام 2000 والدعم الذي يقدمه نادي هيئة النيابة الإدارية في المصايف وغيرها، فضلاً عن الآلام النفسية التي تعرض لها نتيجة تعيين من هم أقل منه في المستوى العلمي، وقد تحققت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، ومن ثم بات مستحقًا للتعويض
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني، انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بأحقية الطاعن في الاحتفاظ بمرتبه الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، وبإلزام الجهة الإدارية أن تؤدي للطاعن التعويض المناسب الجابر لما لحقه من أضرار مادية وأدبية، ورفض ما عدا ذلك من طلبات
وحددت لنظر الطعن أمام الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 27/ 1/ 2008، وتدوول بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 23/ 11/ 2008 تقرر حجز الطعن للحكم بجلسة 18/ 1/ 2009 مع التصريح بمذكرات في أسبوعين، وبهذه الجلسة قررت المحكمة إحالة الطعن إلى دائرة توحيد المبادئ المشكلة بموجب المادة (54) مكررًا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1972 للعدول عن المبدأ الذي قررته الأحكام السابق صدورها عن المحكمة الإدارية العليا بأحقية أعضاء الهيئات القضائية الذين يتم تعيينهم في أدنى الوظائف القضائية في الاحتفاظ بمرتباتهم السابقة التي كانوا يتقاضونها في أعمالهم السابقة، بما لا يجاوز نهاية ربط الوظيفة المعينين عليها، إعمالاً لحكم المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978؛ وذلك لخلو القوانين المنظمة للهيئات القضائية من نصوص مثيلة
وقدمت هيئة مفوضي الدولة بدائرة توحيد المبادئ تقريرًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه الحكم بعدم أحقية عضو الهيئة القضائية الذي يتم تعيينه في أدنى الوظائف القضائية في الاحتفاظ براتبه السابق الذي كان يتقاضاه في عمله السابق قبل التحاقه بالهيئة القضائية
وحددت لنظر الطعن أمام هذه الدائرة جلسة 9/ 5/ 2009، وتم تداوله بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 5/ 12/ 2009 حضر... رئيس النيابة الإدارية وقدم طلب تدخل انضمامي إلى جانب الطاعن، طالبًا ضم الطعن رقم 6916 لسنة 50 ق. ع المقام منه، طالبًا الاحتفاظ بأجره الأساسي السابق الذي كان يتقاضاه بوظيفته السابقة بالبنك الأهلي المصري قبل تعيينه بالنيابة الإدارية. وبجلسة 2/ 1/ 2010 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة
ومن حيث إنه عن طلب التدخل المقدم من... رئيس النيابة الإدارية، خصمًا منضمًا إلى جانب الطاعن، فإنه ولئن كان هذا الطلب قد اتبعت في شأنه الإجراءات المنصوص عليها في المادة (126) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بأن قدم في جلسة 5/ 12/ 2009 في مواجهة الحاضر عن الجهة الإدارية والطاعن، وأثبت في محضر الجلسة، بيد أنه بالنظر إلى طبيعة هذه الدائرة واختصاصها، حسبما أورده نص المادة (54) مكررًا من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1972 بالبت في المسألة القانونية التي كانت محلاً لتعارض وتناقض الأحكام الصادرة عن دوائر المحكمة الإدارية العليا، أو إقرار مبدأ قانوني على خلاف أحكام سابقة، أو العدول عنها، وبتشكيل خاص، وصدور أحكامها بأغلبية تزيد على ضعفي الأغلبية التي تصدر بها أحكام دوائر المحكمة الإدارية العليا، بما يشكل ضمانة أساسية لتوحيد واستقرار المبادئ القانونية، فتنزل كلمة الحق والعدل والقانون في المسألة القانونية المطروحة عليها بعد تمحيص ودراسة متأنية للأسباب التي قامت عليها تلك الأحكام المتعارضة، أو للأسباب الجديدة التي بناء عليها قد يتم العدول عن مبدأ قانوني معمول به، فإنها بهذه المثابة لا تفصل في نزاع بين طرفين، وإنما تحسم أمر اتجاهات متعددة لفهم وتفسير وتطبيق النصوص القانونية، ومن ثم يغدو من غير المقبول التدخل أمامها، وبناء على ذلك يتعين عدم قبول تدخل...، مع الاكتفاء بالإشارة إلى ذلك في الأسباب
ومن حيث إن عناصر المنازعة تجمل - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن أقام طعنه الماثل بتاريخ 3/ 5/ 2007، طالبًا في ختامه: الحكم (أولاً) بأحقيته في الاحتفاظ بمرتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه إبان عمله بالبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي قبل تعيينه معاونًا بالنيابة الإدارية، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. (ثانيًا) بأحقيته في منحة الزواج المقررة لعضو الهيئة القضائية. (ثالثًا) بتعويضه بمبلغ مليون جنيه عما ألم به من أضرار مادية وأدبية ناتجة عن عدم تعيينه بهيئة النيابة الإدارية بقرار رئيس الجمهورية رقم (230) لسنة 2000 الذي صدر حكم بإلغائه فيما تضمنه من تخطيه في التعيين بتلك الوظيفة، وصدر حكم آخر برد أقدميته إلى 14/ 5/ 2000 تاريخ صدور القرار المقضي بإلغائه وترقيته إلى وظيفة (وكيل نيابة إدارية). 
ومن حيث إن المسألة القانونية المثارة - التي رأت الدائرة السابعة عليا إحالة الطعن الماثل إلى هذه الدائرة بشأنها - تتعلق بمدى جواز احتفاظ عضو الهيئة القضائية الذي يعين في أدنى الوظائف القضائية براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة على تعيينه عضوًا بالهيئة القضائية. وقد ذهبت الدائرة السابعة في هذا الشأن إلى أن قوانين الهيئات القضائية قد نظمت تعيين أعضائها، وألحقت بها جداول للمرتبات تضمنت بدايات ونهايات ربط الوظائف المدرجة بها. وقد خلت نصوص هذه القوانين من مبدأ إعادة التعيين في وظائفها؛ نظرًا لاختلاف طبيعة الوظائف القضائية عن غيرها من الوظائف، وهذه الطبيعة تحول دون الأخذ بكل ما يطبق في مجال الوظائف العامة الأخرى، ومنها حساب مدد الخدمة السابقة وغيرها. كذلك فلو أن المشرع أراد أن يحتفظ لمن يعين في أدنى الوظائف القضائية بمرتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في عمله السابق لنص على ذلك صراحةً. ولأن ما انتهت إليه هذا يتعارض وأحكام سابقة ترى العدول عنها، فقد أحالت الطعن الماثل إلى هذه الدائرة
ومن حيث إن البين مما سبق أن ثمة اتجاهًا في أحكام المحكمة الإدارية العليا ذهب إلى أحقية عضو الهيئة القضائية المعين في أدنى الوظائف القضائية في الاحتفاظ بمرتبه الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة قبل تعيينه بالهيئة القضائية؛ تأسيسًا على أنه إزاء خلو نصوص قوانين الهيئات القضائية من نص ينظم احتفاظ عضو الهيئة بمرتبه الذي كان يتقاضاه قبل التحاقه بها، فإنه يتعين الاستعانة بالقواعد العامة التي تنظم شئون التوظف، وهي أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978، التي تسري على المعاملين بقوانين خاصة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذه القوانين، ومنها نص المادة (25) التي تقرر الاحتفاظ للعامل الذي يعاد تعيينه بالأجر الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة، متى كان يزيد على بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها، شريطة ألا يجاوز نهاية ربط هذه الوظيفة، وأن تكون خدمته متصلة (الأحكام الصادرة بجلسات 16/ 1/ 1999 في الطعن رقم 3996 لسنة 38 ق. ع و1/ 9/ 2003 في الطعن رقم 2396 لسنة 47 ق. ع و22/ 6/ 2008 في الطعن رقم 9968 لسنة 53 ق. ع)، وهو الاتجاه المطلوب العدول عنه
ومن حيث إن المادة (38) مكررًا من القانون رقم (117) لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية تنص على أن: " يكون شأن أعضاء النيابة الإدارية فيما يتعلق بشروط التعيين والمرتبات والبدلات وقواعد الترقية والندب والإعارة والإجازات والاستقالة والمعاشات شأن أعضاء النيابة العامة ". 
ومفاد هذا النص أنه أحال في شأن تعيين ومرتبات وبدلات وترقيات وندب وإعارة أعضاء النيابة الإدارية وأيضًا إجازاتهم ومعاشاتهم إلى ما ينطبق على نظرائهم من أعضاء النيابة العامة، بحيث تتوحد الأحكام المطبقة على أعضاء النيابة العامة والنيابة الإدارية
ومن حيث إن المادة (116) من قانون السلطة القضائية، الصادر بالقانون رقم (46) لسنة 1972 تنص على أن: " يشترط فيمن يعين مساعدًا بالنيابة العامة أن يكون مستكملاً الشروط المبينة في المادة (38) على ألا تقل سنه عن إحدى وعشرين سنة. ويشترط فيمن يعين معاونًا بالنيابة العامة أن يستكمل هذه الشروط على ألا تقل سنه عن تسع عشرة سنة. ولا يجوز أن يعين أحد مباشرة من غير معاوني النيابة في وظيفة (مساعد) إلا بعد تأدية امتحان، تحدد شروطه وأحكامه بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، وبشرط أن يكون مقيدًا بجدول المشتغلين أمام المحاكم الابتدائية إن كان محاميًا، أو أن يكون قد قضى سنتين متواليتين مشتغلاً بعمل قانوني إن كان من النظراء. فإذا كان من اجتاز الامتحان من أعضاء الإدارات القانونية بالحكومة أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لها تنقل درجته عند تعيينه بالنيابة العامة باعتمادها المالي المدرج لها في ميزانية الجهة التي كان يعمل بها إلى ميزانية وزارة العدل ". 
ومن حيث إن المادة (123) من ذات القانون تنص على أن: " تحدد مرتبات رجال النيابة بجميع درجاتهم وفقًا للجدول الملحق بهذا القانون ". 
ومن حيث إن المادة (124) من ذات القانون تنص على أن: " تحدد أقدمية أعضاء النيابة وفق القواعد المقررة لتحديد أقدمية رجال القضاء طبقًا للمادة (50) ". 
ومن حيث إن مفاد النصوص المتقدمة أن المشرع حدد شرائط التعيين في وظيفتي (مساعد) و(معاون نيابة)، ولم يجز التعيين في وظيفة (مساعد نيابة) من غير معاوني النيابة إلا إذا كان من المحامين المشتغلين أمام المحاكم الابتدائية، أو مشتغلاً بعمل قانوني نظير لمدة سنتين متتاليتين، وبعد اجتيازه للاختبار، فإذا كان من بين أعضاء الإدارات القانونية بالجهات المبينة في النص، يتم نقل الاعتماد المالي لدرجته من الجهة التي كان يعمل بها إلى ميزانية وزارة العدل. وغني عن البيان أن هذا الحكم مقصور على من يعين مباشرة من غير معاوني النيابة، ولا يمتد ليشمل غيرهم، وبعبارة أخرى فإن من يعين في وظيفة (معاون نيابة) لا تنتقل اعتمادات الدرجة التي كان يشغلها قبل تعيينه هذا إلى ميزانية الوزارة
ومن حيث إنه طبقًا لما سلف بيانه يكون التنظيم القانوني للهيئات القضائية، ولما تتسم به وظائفها من طبيعة خاصة، قد شمل التعيين بها وشرائطه، ولم يأخذ بمبدأ إعادة التعيين وما يترتب عليه من احتفاظ بالأجر السابق؛ لكون ذلك يتأبى وتلك الطبيعة الخاصة، فالمشرع لم ينظم في هذا الشأن سوى إعادة تعيين العضو السابق بالهيئة القضائية، فأجازه ولم يجز غيره، فلا مجال للقول بأن تعيين أحد العاملين بالجهاز الإداري للدولة أو غيره بإحدى الوظائف القضائية هو في حقيقته إعادة تعيين يستصحب معه احتفاظه براتبه؛ لأنه فضلاً عما سبق فإن الآثار المترتبة على إعادة التعيين - على فرض جوازه - لا تنصرف فقط إلى الاحتفاظ بالراتب، بل تمتد لتشمل أيضًا الاحتفاظ بالأقدمية السابقة في الوظيفة التي كان يشغلها قبل التعيين بالهيئة القضائية، رغم الاختلاف البين بين طبيعة كلتيهما، بالإضافة إلى أن هذه الآثار إذا ما ترتبت سوف ينتج عنها قيام التفرقة بين شاغلي ذات الوظيفة القضائية الواحدة الذين يمارسون ذات الاختصاصات والمسئوليات
ومن حيث إنه لا يسوغ استدعاء أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978 في مثل هذه الحالة؛ إذ إن هذا الاستدعاء لا يتأتى إلا عند خلو القانون أو اللائحة الخاصة من تنظيم مسألة ما، أما إذا وجد هذا التنظيم، وأيًا كانت أحكامه، فيمتنع الاستناد والرجوع إلى أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة. فلو أراد المشرع أن يقرر الاحتفاظ بالراتب السابق لمن يعين في أدنى الوظائف القضائية لما أعوزه النص على ذلك صراحةً، مثلما فعل عندما ضمن نص المادة (119) من قانون السلطة القضائية المشار إليه احتفاظ من يشغل وظيفة (النائب العام) عند عودته للعمل بالقضاء بمرتباته وبدلاته، وكذلك الحال بالنسبة إلى احتفاظ الرئيس بمحكمة الاستئناف بمعاملته المالية المقررة لوظيفته عند ندبه للقيام بأعمال المحامي العام الأول، الأمر الذي لم يحدث في شأن تعيين أحد العاملين في أدنى الوظائف القضائية. وهذا ما أكده نص المادة (1) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المشار إليه، الذي قرر في فقرته الثانية عدم سريان أحكامه على من تنظم شئونهم قوانين أو قرارات خاصة فيما نصت عليه هذه القوانين والقرارات
ومن حيث إنه ابتناءً على ما سلف بيانه فإنه لا يجوز لمن يعين في أدنى الوظائف القضائية أن يحتفظ بأجره الأساسي الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة على تعيينه
ومن حيث إنه لا ينال من ذلك ما ذهبت إليه الأحكام التي أخذ بها الاتجاه الساري حاليًا في أحكام المحكمة الإدارية العليا من استناد إلى أحكام المادة (25) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة للقول بجواز الاحتفاظ بالراتب الأساسي في مثل هذه الحالة؛ لأنه بمطالعة هذا النص يتضح أنه قرر الأصل العام باستحقاق العامل عند التعيين بداية الأجر المقرر لدرجة الوظيفة طبقًا لجدول الأجور، وجاءت الفقرة الثالثة من هذه المادة لتقرر استثناء من هذا الأصل العام أنه: " إذا أعيد تعيين العامل في وظيفة من مجموعة أخرى في نفس درجته أو في درجة أخرى احتفظ له بالأجر الذي كان يتقاضاه في وظيفته السابقة إذا كان يزيد على بداية الأجر المقرر للوظيفة المعين عليها، بشرط ألا يجاوز نهايته، وأن تكون مدة خدمته متصلة "، وإنه فضلاً عن أن هذا الحكم ورد على سبيل الاستثناء فلا يتوسع في تطبيقه ولا يقاس عليه، فإن مناط تطبيقه هو أن تتم إعادة التعيين في وظيفة من مجموعة وظيفية أخرى من ذات الدرجة أو في درجة أخرى، أي أنه يتعين أن يكون التنظيم القانوني الذي يسمح بانطباق هذا النص ينطوي على مجموعات وظيفية تشتمل كل منها على وظائف متنوعة، فإذا كان النظام القانوني الذي أعيد التعيين به لا يعرف نظام المجموعات الوظيفية؛ كما هو الشأن في الهيئات القضائية، فإن مناط تطبيق هذا الحكم الاستثنائي ينتفي، ولا يجوز قانونًا هذا التطبيق
كذلك فإن الفقرة الثالثة من المادة (25) المشار إليها عندما قررت سريان الحكم الاستثنائي السابق على العاملين السابقين بالوحدات الاقتصادية والمعاملين بنظم خاصة، خصصت ذلك بالذين يعاد تعيينهم في الجهات التي تطبق أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، أي قصرته على هذه الفئة فقط، فهذا النص ينطبق على عضو الهيئة القضائية الذي يعاد تعيينه بإحدى الجهات التي تطبق أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، وهي الحالة العكسية للحالة محل الطعن الماثل
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم يغدو الاستناد إلى المادة (25) المشار إليها، لتقرير أحقية عضو الهيئة القضائية المعين في أدنى وظائفها في الاحتفاظ براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في عمله السابق، في غير محله، ويتعين الالتفات عنه، والعدول عن هذا الاتجاه السائد، والأخذ بعدم أحقية عضو الهيئة القضائية المعين في أدنى الوظائف القضائية في الاحتفاظ براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في عمله السابق
ومن حيث إن الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا كانت قد أحالت في 18/ 1/ 2009 إلى هذه الدائرة الدعوى الماثلة لإقرار مبدأ قانوني في المسألة آنفة البيان، وهو ما كان يتعين معه أن تتريث في الفصل في الدعاوى المماثلة لحين إقرار المبدأ القانوني الذي طلبته، إلا أنها أصدرت حكمها في الطعن رقم 9833 لسنة 51 ق. ع بجلستها المعقودة في 22/ 2/ 2009 بأحقية الطاعن في الاحتفاظ براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه قبل تعيينه بالهيئة القضائية، والذي قدم الطاعن صورة منه أمام هذه الدائرة بجلسة المرافعة المعقودة في 6/ 1/ 2010، والذي ورد على خلاف المبدأ الذي أقرته هذه الدائرة قبلاً في هذا الشأن، وهو لا يعدو عدولاً منها عن الإحالة السابقة إلى هذه الدائرة
ومن حيث إنه وقد انتهت هذه الدائرة إلى المبدأ المتقدم في شأن عدم الاحتفاظ بالراتب الأساسي الذي كان يتقاضاه المعين في أدنى درجات الهيئات القضائية، فإنها تحيل هذه الدعوى بكاملها إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيها في ضوء هذا المبدأ، وكذا الفصل في باقي الطلبات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم أحقية عضو الهيئة القضائية، الذي عين في أدنى الوظائف القضائية، في الاحتفاظ براتبه الأساسي الذي كان يتقاضاه في عمله السابق. وأمرت بإعادة الدعوى إلى الدائرة المختصة بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيها في ضوء ما ورد بالأسباب.

(1) في الاتجاه ذاته: الحكم الصادر عن دائرة توحيد المبادئ في الطعن رقم 4471 لسنة 46 القضائية عليا بجلسة 3/ 7/ 2003، مع ملاحظة أن الدائرة في هذا الحكم أوضحت أن الفصل في طلبات التدخل المقدمة أمامها يكون منوطًا بمحكمة الموضوع، مما يستوجب إحالة هذه الطلبات إليها؛ بينما لم تسلك هذا الاتجاه في حكمها المنشور أعلاه.

الطعون 5546 و6013 و79875 لسنة 55 ق جلسة 27 / 2 / 2010 إدارية عليا مكتب فني 55 & 56 ق 37 ص 327

1 - السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسيني رئيس مجلس الدولة
والسادة الأستاذة المستشارون نواب رئيس مجلس الدولة.
2 - مجدي حسين محمد العجاتي.
3 - د. سامي حامد إبراهيم عبده.
4 - أحمد محمد صالح الشاذلي.
5 - عادل سيد عبد الرحيم بريك.
6 - صلاح الدين عبد اللطيف الجرواني.
7 - مجدي محمود بدوي العجرودي.
---------------
 (37)
جلسة 27 من فبراير سنة 2010
الطعون أرقام 5546 و6013 و79875 لسنة 55 القضائية عليا
(الدائرة الأولى)
)أ) دعوى - دعوى الإلغاء - شرطة المصلحة - تندمج الصفة في المصلحة في دعوى الإلغاء - تقتضي الطبيعة العينية لهذه الدعوى وتعلقها بالمشروعية أن يتسع مفهوم المصلحة المشترطة فيها عنه في الدعاوى القضائية الأخرى، فلا تتقيد المصلحة فيها حرفيًا بحق أو مركز قانوني ذاتي أو شخصي لرافع دعوى الإلغاء - لا يجوز تطبيق أحكام المادة (3) من قانون المرافعات متى تعارض مع طبيعة المنازعة في دعوى الإلغاء - تتوفر لكل مواطن مصري مصلحة في الدعاوى المتعلقة بتنمية واستغلال عوائد الثروات الطبيعية للبلاد.
المواد المطبقة ( أ ):
المادة (3) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، معدلة بالقانون رقم (81) لسنة 1996.
)ب) اختصاص - ما لا يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة - أعمال السيادة - أعمال السيادة استثناءٌ يمثل خروجًا على مبدأ الشرعية، ويخضع لقاعدة التفسير الضيق وعدم القياس - القائمة القضائية لما يعد من قبيل هذه الأعمال تسير في اتجاه مضاد لاتساع دائرة الحقوق والحريات العامة.
)ج) اختصاص - ما لا يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة - أعمال السيادة - ضابطها - اشتمال عملية مركبة تقوم بها السلطة التنفيذية على عمل من أعمال السيادة لا يسبغ حصانة على ما قد يتصل بها من أعمال قابلة للانفصال عنها، تعد بطبيعتها من قبيل القرارات الإدارية التي تظل خاضعة لرقابة قاضي المشروعية - ليس كل ما تضمنه نص المادة (156) من دستور 1971 بشأن اختصاصات مجلس الوزراء يعد تلقائيًا عملا من أعمال السيادة - موافقة السلطة السياسية بالدولة من حيث المبدأ على إمكانية تصدير الغاز الطبيعي الزائد عن حاجة الشعب المصري إلى الطرف الثاني في معاهدة دولية تعد صادرة عن السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم لتنظيم علاقاتها الدولية - ما يصدر عنها من تفويض في إجراءات التعاقد مع شركة ما لتصدير الغاز، ومن قرارات تتعلق بتحديد كميته وسعره تعد قرارات إدارية قابلة للانفصال عن عمل السيادة المشار إليه، وتخضع لرقابة المشروعية.
المواد المطبقة (ح):
المادة (156) من دستور 1971.
)د) اختصاص - ما لا يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة - أعمال السيادة - ضابطها - أعمال السيادة تحددها طبيعة العمل وليست طريقة إبرامه أو التصديق عليه - الاتفاقيات الدولية التي تتمخض عن أعمال تجارية لا تعتبر من أعمال السيادة، ولو استلزم الدستور عرضها على مجلس الشعب - ما يصدر عن جهة الإدارة بشأن رقابتها على ما يبرمه أشخاص القانون الخاص من عقود تتعلق بالتصرف في ثروات البلاد يعد قرارًا إداريًا قابلا للطعن عليه بدعوى الإلغاء، ولو كان هذا القرار أساسا لإبرام جهة الإدارة أو غيرها عقدا، وبغض النظر عن الطبيعة القانونية للتعاقد، أو الطبيعة القانونية للأشخاص أطراف هذه العلاقة - القرارات السابقة على التعاقد والممهدة له أصبحت قابلة للانفصال عن العقد وتخضع لرقابة القاضي الإداري، بغض النظر عن الاختصاص القضائي بالعقد ذاته.
(هـ) قرار إداري - ما يعد قرارا إداريا - لا يشترط أن ترد الرقابة التي تخولها القوانين واللوائح للجهة الإدارية على مال من الأموال المملوكة للدولة ملكية عامة ليكون ما يصدر عنها في هذا الشأن قرارا إداريا، وإنما يكفي أن تكون الجهة الإدارية مخولة قانونا بالرقابة على جهات أو نشاطات بعينها لتكون القرارات الصادرة عنها مجسِّدة لهذه الرقابة قرارات إدارية.
)و) اختصاص - مخالفة الحكم لقواعد توزيع الاختصاص بين دوائر المحكمة الواحدة من ذات الدرجة لا يستوجب بطلان الحكم.(1).
(ز) دعوى - الحكم في الدعوى - المنازعة في تنفيذه - القاعدة الأصولية تقضي بأن قاضي الموضوع هو قاضي التنفيذ.
)ح) دعوى - دعوى الإلغاء - ميعاد رفعها - يمتد ميعادها إذا كان القرار المطعون فيه مرتبطا ارتباطا لا يقبل التجزئة بقرار آخر، بحيث يُكون القراران معا وحدة واحدة، ويشكلان معا القرار المطعون فيه.
)ط) غاز طبيعي - تصديره إلى الخارج - لا يجوز تصديره إلا في حالة عدم توافر أسواق محلية - توجب الشروط الصادر بها قوانين تراخيص البحث عن الغاز واستغلاله إجراء مراجعة سنوية لكميات الغاز المتعاقد عليها، والكميات المنتجة، وتوجب إعطاء الأولوية للوفاء باحتياجات السوق المحلية - هذه القواعد والشروط لها قوة القانون، وتنفذ بالاستثناء من أحكام أي تشريع، ومن بينها القانون الصادر بالتصديق على معاهدة دولية - تحديد كمية الغاز الطبيعي المُصدَّر وسعره على نحو ثابت غير قابل لأي مراجعة لا يتفق مع ما تضمنته التشريعات الحاكمة لاستغلال هذه السلعة الإستراتيجية.
المواد المطبقة (ط):
- المادة (123) من دستور 1971
- المواد (1) و(2) و(24) من القانون رقم 66 لسنة 1953 الخاص بالمناجم والمحاجر (الملغى عدا الأحكام الخاصة بخامات الوقود بموجب المادة 51 من القانون رقم 86 لسنة 1956 الخاص بالمناجم والمحاجر)
- المادتان (50) و(51) من القانون رقم 86 لسنة 1956 الخاص بالمناجم والمحاجر.
- المادة (2) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 167 لسنة 1958 بإنشاء الهيئة العامة لشئون البترول.
- المادتان (1) و(9) من القانون رقم 20 لسنة 1976 في شأن الهيئة المصرية العامة للبترول.
- المادة الأولى من القانون رقم 217 لسنة 1980 في شأن الغاز الطبيعي.
- قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1009 لسنة 2001 بشأن إنشاء الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية.
(ي) قرار إداري - وجوده - حصول السلطة التنفيذية على موافقة البرلمان على عمل إداري أجرته دون أن يلزمها الدستور بعرض العمل على البرلمان هو عبارة عن تأييد سياسي لا يغير من طبيعة العمل الإداري الذي اكتملت أركانه وعناصره بمجرد صدور القرار المطعون عليه - تلزم التفرقة بين التأييد السياسي والتصديق القانوني (2).

الإجراءات
- بتاريخ 23/ 12/ 2008 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين بصفاتهم في الطعن الأول قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الذي قيد بجدولها تحت رقم 5546 لسنة 55 ق عليا في حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة الصادر بجلسة 18/ 11/ 2008 في الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق القاضي منطوقه: - 
أولاً - برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى وباختصاصها.
وثانيًا - بقبول تدخل الخصوم المنضمين إلى جانب المدعي.
وثالثًا - برفض طلبات الخصوم المتدخلين إلى جانب جهة الإدارة لانعدام الصفة والمصلحة وإلزامهم مصروفات التدخل.
ورابعًا - بقبول الدعوى شكلاً, وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل, مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب.
وطلب الطاعنون بصفاتهم وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة, وبقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا: (أصليًا) بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عموما بنظر الدعوى, (واحتياطيا) بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى, و(من باب الاحتياط) بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري, و(من باب الاحتياط الكلي) بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة أو مصلحة, و(من باب الاحتياط الأخير) برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه, مع إلزام المطعون ضده والمتدخلين معه المصروفات في أي من الحالات عن درجتي التقاضي.
- وبتاريخ 1/ 1/ 2009 أودع وكيلا الطاعنين في الطعن الثاني قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الذي قيد بجدولها تحت رقم 6013 لسنة 55 ق عليا على ذات الحكم المطعون فيه بالطعن الأول طالبين في ختام التقرير الحكم:
(أولا) قبول الطعن شكلا.
و(ثانيا) إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به من رفض طلبات تدخلهم إلى جانب جهة الإدارة والقضاء مجددًا بقبول تدخلهم انضماميا لجهة الإدارة.
و(ثالثًا) وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بذات الطلبات الواردة بصحيفة الطعن الأول رقم 5546 لسنة 55 ق عليا.
- وبتاريخ 26/ 1/ 2009 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين في الطعن الثالث قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الذي قيد بجدولها تحت رقم 7975 لسنة 55 ق عليا في حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في الدعوى رقم 32 لسنة 2008 بجلسة 6/ 1/ 2009 القاضي منطوقه:
(أولاً) برفض دفعي جهة الإدارة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبعدم قبولها لرفعها من غير ذي مصلحة.
(ثانيًا) بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق بجلسة 18/ 11/ 2008, مع ما يترتب على ذلك من آثار, والأمر بتنفيذ الحكم بمسودته ودون إعلان, وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
- وقد تدوول نظر الطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق عليا في شقيهما العاجل بالجلسات أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بمحاضر الجلسات, وبجلسة 5/ 1/ 2009 قررت المحكمة ضم الطعنين للارتباط, وبجلسة 2/ 2/ 2009 حكمت المحكمة بإجماع الآراء بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وأمرت بإحالة الطعنين إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في الموضوع، وألزمت المطعون ضدهم مصروفات هذا الطلب.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا في الطعنين ارتأت فيه الحكم برفض الطعنين وإلزام الطاعنين المصروفات.
وقد تدوول نظر الطعنين أمام دائرتي فحص الطعون والموضوع على النحو الثابت بمحاضر الجلسات, وبجلسة 7/ 11/ 2009 قدم الحاضر عن الجهة الإدارية حافظتي مستندات ومذكرة, كما قدم الحاضر عن الطاعنين في الطعن الثانى رقم 6013 لسنة 55 ق عليا أربع حوافظ مستندات ومذكرتين, وبجلسة 19/ 12/ 2009 قدم الحاضر عن الجهة الإدارية حافظة مستندات ومذكرة, كما قدم المطعون ضدهم حافظة مستندات ومذكرتين, وبجلسة 16/ 1/ 2010 قدم الحاضر عن الجهة الإدارية مذكرة, كما قدم المتدخلون مذكرتين, وطلب الجميع حجز الطعنين للحكم مع السماح بمذكرات، فقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بمذكرات لمن يشاء بالإيداع في أسبوعين، وخلال الأجل أودع المطعون ضده مذكرة ختامية, كما أودع المتدخلون إلى جانب الجهة الإدارية ثلاث مذكرات ختامية.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا مسببًا بالرأي القانوني في الطعن الثالث رقم 7975 لسنة 55 ق عليا، ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً, وبإلغاء الحكم المطعون فيه, والقضاء مجددا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه, وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي, وتدوول نظر هذا الطعن أمام دائرتي الفحص والموضوع على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث قررت المحكمة نظره مع الطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق عليا، ثم قررت إصدار الحكم فيهم بذات الجلسة, وبجلسة اليوم صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانونًا.
من حيث إن الطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق عليا مقامان طعنا على ذات الحكم الصادر في الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق بجلسة 18/ 11/ 2008 وكان الحكم القاضي بالاستمرار في تنفيذه (الصادر في الدعوى رقم 32 لسنة 2008 بجلسة 6/ 1/ 2009) محلاً للطعن الثالث رقم 7975 لسنة 55 ق عليا, فمن ثم يقوم بين الطعون الثلاثة الماثلة ارتباط يسيغ للمحكمة - بما لها من سلطة في إجراء موجبات حسن سير العدالة - ضم هذه الطعون ليصدر فيها جميعًا حكم واحد.
ومن حيث إن الطعون الثلاثة قد استوفت سائر أوضاعها الشكلية المقررة, ومن ثم فإنها تكون مقبولة شكلاً.
- ومن حيث إنه عن طلبات التدخل فإنه بالرجوع إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية - المنطبق على المنازعات الإدارية فيما لم يرد به نص في قانون مجلس الدولة، وبشرط عدم تعارض نصوص قانون المرافعات مع طبيعة هذه المنازعات (حكم دائرة توحيد المبادئ في الطعن 1522 لسنة 27 ق عليا بجلسة 9/ 4/ 2007) - يبين أن المادة (126) منه تنص على أنه: " يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضمًا لأحد الخصوم.... ويكون التدخل بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل الجلسة، أو بطلب يقدم شفاهة بالجلسة في حضورهم ويثبت في محضرها.... ", أي أن المشرع أطلق التدخل الانضمامي لأحد الخصوم سواء كان إلى جانب الجهة الإدارية أو إلى جانب خصومها, متى توافر في طالب التدخل شرط المصلحة.
ومن المستقر عليه إنه في طلبات الإلغاء التي تتعلق بمشروعية القرارات الإدارية، وباعتبار أنها تثير منازعة عينية، يتسع مفهوم المصلحة المشترطة في دعوى الإلغاء عنه في الدعاوى القضائية الأخرى، بحيث لا تتقيد المصلحة حرفيًا في دعوى الإلغاء بحق أو مركز قانوني ذاتي أو شخصي لرافع دعوى الإلغاء, فضلاً عن أن مجلس الدولة الفرنسي قد تخفف في شروط المصلحة في دعوى الإلغاء, إذ يستوي في قضائه أن يقع المساس بمصلحة رافع دعوى الإلغاء في تاريخ رفعها أو في تاريخ لاحق, ومهما كانت الدرجة التي يكون عليها هذا المساس بالمصلحة مؤكدًا ومباشرًا، ما دامت المحكمة قد قدرت كفاية هذه الدرجة "(suffisament directe et certaine)" (حكم المجلس في قضية " ABISSET " بجلسة 14/ 2/ 1958 مجموعة أحكام ليبون عن السنة ص 98).
وهو ما فسره الفقه بأن ما يلزم توافره في المصلحة في دعوى الإلغاء - طبقًا لهذه الصيغة القضائية - هو فقط ألا يكون المساس بمصلحة رافع دعوى الإلغاء غير مباشر أو غير محقق بشكل مبالغ فيه
(LA LESION DE L’INTERET NE SOIT NI EXAGEREMENT INDIRECTE NI EXQGEREMENT INCERTAINE EXAGEREMENT INCERTAINE)
(يراجع: قانون القضاء الإداري - رنيه شابي - الطبعة السادسة سنة 1996 مونت كرستين رقم 441 ب ص 393)
وغني عن البيـان أنه من المستقر عليه اندماج الصفة في المصلحة في دعوى الإلغاء, وهو ما تعبر عنه الصيغة القضائية التي جرت بها أحكام مجلس الدولة الفرنسي بالمصلحة المانحة للصفة في التقاضي(intérêt donnant qualité à agir) 
حكم الدوائر المجتمعـة في قضيـة " Comm. de Fréjus " بجلسة 5/ 4/ 1993 المرجح السابق ص 99)
ولما كانت الأحكام المتقدمة في شأن المصلحة في دعوى الإلغاء قد أوجبتها الطبيعة الخاصة لهذه الدعوى، كما فرضها هدفها الأسمي الذي استنت من أجله هذه الوسيلة القضائية لتكون ضمانة لمبدأ المشروعية الذي يرتكز عليه بناء الدول المتحضرة, والذي يعد البنية التحتية التي يؤسس عليها بناء الحقوق والحريات العامة المكفولة دستوريًا ودوليًا, الأمر الذي لا يجوز معه تطبيق أحكام المادة (3) من قانون المرافعات معدلة بالقانون رقم 81 لسنة 1996 في النزاع الماثل على النحو الذي طلبته الجهة الإدارية في صحيفة طعنها الأول وسندًا لدفعها بانتفاء مصلحة رافع الدعوى والمتدخلين إلى جانبه, لما يمثله ذلك من تعارض مع طبيعة المنازعة في دعوى الإلغاء، يفقد معها النص شرط انطباقه الذي أكدته دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها سالف الإشارة إليه.
ومن حيث إنه تطبيقًا لما تقدم, ولما كان المتدخلون جميعًا - سواء من قضي بقبول تدخله أو رُفض في الحكم المطعون فيه - هم من مواطني جمهورية مصر العربية, وهم من المخاطبين بالمادة (25) من الدستور التي تكفل " لكل مواطن نصيب في الناتج القومي " وقد أوضحوا في صحف طلبات التدخل وجوه مصالحهم المتعلقة بتنمية واستغلال وتعظيم عوائد الغاز الطبيعي المصري باعتباره من الثروات الطبيعية للبلاد وأحد روافد الناتج القومي وذلك في ضوء ما تضمنه القرار المطعون فيه, الأمر الذي تتوافر معه للمتدخلين جميعًا صفة ومصلحة في التدخل, وذلك بمراعاة أن التصدي لمشروعية القرار ومدي مساسه بهذه المصلحة سلبًا أو إيجابا هو في حقيقته فصل في موضوع الطلبات في الدعوى يتجاوز حدود البحث في القبـول الشكلي لطلبات التدخل
وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر بخصوص المتدخلين إلى جانب المدعي دون المتدخلين إلى جانب الجهة الإدارية, فمن ثم يتعين القضاء بإلغائه فيما قضي به من رفض طلبات التدخل إلى جانب جهة الإدارة, والقضاء مجددًا بقبول تدخلهم في المنازعة موضوع الطعنين 5546 و6013 لسنة 55 عليا.
ومن حيث إنه عن الدفعين بعدم اختصاص المحاكم عمومًا بنظر النزاع, وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيًا بنظره, فإن الجهة الإدارية والمتدخلين إلى جانبها يشيدون هذين الدفعين بصفة أساسية على أن النزاع يتعلق بعمل من أعمال السيادة, وبعقد تجاري دولي خاص, على اعتبار أن التعامل محل النزاع تفرضه معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 في الفقرة (3) من المادة الأولى من المعاهدة والمادة الثانية من الملحق (3) بشأن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين, وأن مجلس الشعب قد وافق على تلك المعاهدة وأصبحت قانونًا ملزمًا لجمهورية مصر وكذلك على اعتبار أن شركة البحر الأبيض المتوسط شركة تسويق غاز مصرية منشأة وفقًا لأحكام قوانين الشركات المصرية، وهي أحد أشخاص القانون الخاص (طرف بائع)، وأن شركة كهرباء إسرائيل إحدى شركات القطاع الخاص بإسرائيل (مشترٍ) وأن ما تم بيع بين الشركتين هو عقد تجاري دولي خاص، لا يخضع لرقابة أو الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة.
ومن حيث إن هذين الدفعين الأساسين ظاهرا التهاتر؛ إذ بينما تسوق الجهة الإدارية والمتدخلون إلى جانبها أن النزاع يتعلق بعمل من أعمال السيادة وصولاً لإخراج النزاع عن رقابة القضاء بصفة عامة، تعود مذكرات الطاعنين لتفصِّل في أسانيد اعتبار النزاع متعلقًا بعقد بيع تجاري دولي خاص لينحسر عنه اختصاص محاكم مجلس الدولة.
كذلك فإن الدفعين مردودان بما هو مستقر عليه من أن أعمال السيادة استثناء يمثل خروجًا على مبدأ المشروعية ويخضع لقاعدة التفسير الضيق وعدم القياس, وبالتالي فإن القائمة القضائية لما يعد من قبيل هذه الأعمال يسير في اتجاه مضاد لاتساع دائرة الحقوق والحريات العامة.
ومن جانب آخر فإن شمول عملية مركبة تقوم بها السلطة التنفيذية لعمل من أعمال السيادة لا يسبغ حصانة على ما قد يتصل بها من أعمال هي بطبيعتها من قبيل القرارات الإدارية التي تظل خاضعة لرقابة قاضي المشروعية.
كما استقر القضاء الإداري على تطبيق نظرية القـرارات القـابلة للانفصال عن هذه العمليات المشـتملة على عمل سيادي، ومنها ما يخص العلاقات الدولية
(mesure détachable de la conduite des relations internationales)
إذ لا تشكل هذه القرارات أعمال سيادة ينحسر عنها اختصاص القضاء الإداري
(Elle ne constitue pas, par suite, un acte de gouvernement qui échapperait à la compétence de la juridiction administrative)
حكم مجلس الدولة الفرنسي في الدعاوي أرقام 201061 و201063 و201137 بجلسة 20/ 10/ 2000
ولذلك أشارت المحكمة الدستورية العليا منذ سنوات عديدة إلى أن أعمال السيادة المرد في تحديدها للقضاء.
(من ذلك حكمها في الدعوى رقم 5 لسنة 5 ق دستورية, وفي الدعوى رقم 3 لسنة 1 ق دستورية بجلسة 25/ 7/ 1983)
- وتطبيقًا لما تقدم جميعه ولما كان البين من مطالعة صحف الطعون ومذكرات الجهة الإدارية والمتدخلين إلى جانبها أنه في إطار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المبرمة عام 1979 لم تمانع السلطة السياسية العليا بالدولة المصرية تحقيقًا للالتزامات المتبادلة بين الطرفين من إمكانية تصدير الغاز الطبيعي الزائد عن حاجة الشعب المصري للطرف الثاني في هذه المعاهدة, وكذلك تحقيقًا للمصالح العليا في تصدير هذه السلعة الإستراتيجية لدول شرق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
ولما كانت هذه الموافقة من حيث المبدأ على التصدير تعد صادرة من السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم لتنظيم علاقاتها الدولية، فإن صفة (عمل السيادة) لا تلحق إلا بهذه الموافقة من حيث مبدأ التصدير.
أما ما صدر عن مجلس الوزراء بتاريخ 18/ 9/ 2000 ثم قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 بالتفويض في إجراءات التعاقد مع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط لتصدير الغاز الطبيعي مع الشركات الواقعة في منطقة البحر المتوسط وأوروبا، بما فيها شركة كهرباء إسرائيل فقد صدرا عن سلطة وطنية وعلى وفق التشريعات المصرية, ومن ثم فهما يشكلان قرارين إداريين قابلين للانفصال عن عمل السيادة المشار إليه, ويخضعان بالتالي للرقابة القضائية لمحاكم مجلس الدولة، دون أن يغير من ذلك استناد الجهة الإدارية والمتدخلين إلى جانبها إلى المادة (156) من الدستور, إذ فضلاً عن أن الإجراء موضوع النزاع قد صدر عن مجلس الوزراء منفردًا ودون مشاركة من رئيس الجمهورية، فإنه ليس كل ما يصدر استنادًا إلى هذه المادة يعد تلقائيًا عملاً من أعمال السيادة، إنما يلزم إعمال الضوابط سالفة الذكر لتحديد ما يعد منها عملاً من أعمال السيادة وما يصدر من قرارات إدارية تنفيذية له.
- ومن حيث إنه فيما يخص اعتبار النزاع متعلقًا بعقد تجاري دولي خاص, فضلاً عن تهاتره مع السند الأول في الدفع بعدم الاختصاص كما سبق البيان, فقد جري قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن الاتفاقيات الدولية التي تتمخض عن أعمال تجارية تخضع لرقابة القضاء لعدم اعتبارها أعمال سيادة تنحسر عنها الرقابة القضائية, وذلك حتي ولو استلزمت المادة 151 من الدستور عرضها على مجلس الشعب, على اعتبار أن أعمال السيادة تحددها طبيعة العمل وليست طريقة إبرامه أو التصديق عليه (من ذلك حكمها في القضية رقم 10 لسنة 14 ق. دستورية بجلسة 19/ 6/ 1993).
وغني عن البيان أنه ما دام المشرع قد فرض رقابة لجهة الإدارة على ما يبرمه أشخاص القانون الخاص من عقود تتعلق بالتصرف في ثروات البلاد خاصة الاستراتيجية، ومنها البترول والغاز الطبيعي, وذلك بموجب التشريعات الحاكمة لذلك, التي من بينها بصفة خاصة القوانين الصادرة بالترخيص في التعاقد للبحث عن الغاز واستغلاله, فإن ما يصدر من جهة الإدارة في هذا الإطار - ومن بينها القرار المطعون فيه - يجسد مظهرًا من مظاهر السلطة العامة المتمثلة فيما خوله القانون لجهة الإدارة من سلطة رقابية, ويعد بالتالي قرارًا إداريًا قابلاً للطعن عليه بدعوى الإلغاء, وحتى ولو كان هذا القرار أساسًا لإبرام جهة الإدارة أو غيرها عقدا وبغض النظر عن الطبيعة القانونية للتعاقد, ومن قبيل ذلك القرار المطعون فيه الذي يرخص ببيع الغاز, إذ يعد هذا القرار - وطبقًا لما استقر عليه القضاء الإداري - قرارًا إداريًا قابلاً للانفصال عن العقد.
ومن حيث إن محاكم مجلس الدولة هي صاحبة الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية وهي قـاضيها الطبيعي على وفق أحكام المادة (172) من الدستور التي تنص على أن " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة تختص بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوي التأديبية "، وكذلك وفقًا لأحكام المادة العاشرة (خامسًا ورابع عشر) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته التي تنص على أن " تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: .... (خامسًا) الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية .... (رابع عشر) سائر المنازعات الإدارية ".
وقد استقرت على ذلك أحكام هذه المحكمة والمحكمة الدستورية العليا التي أكدت الولاية العامة لمحاكم مجلس الدولة باعتباره القاضي الطبيعي لكافة المنازعات الإدارية, وأن إيلاء الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية إلى المحكمة الابتدائية خصمًا من الاختصاص المعقود لمحاكم مجلس الدولة دستوريًا ينبغي أن تبرره ضرورة ملحة (حكمها في الدعوى رقم 101 لسنة 26 ق. دستورية بجلسة 1/ 2/ 2009).
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم, ولما كان الحكم المطعون فيه قد تبني مذهبًا مغايرًا, ولم يُعمل التحليل المتقدم وقوفًا على الطبيعة الذاتية لمختلف الإجراءات والقرارات التي شكلت في مجموعها العملية المركبة لتصدير الغاز الطبيعي، بدءًا من موافقة السلطة السياسية على مبدأ التصدير، ومرورًا بقرار رئيس الهيئة العامة والمناطق الحرة رقم 230 لسنة 2000 بالموافقة على إقامة مشروع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز (شركة مساهمة مصرية) وقرار مجلس الوزراء الصادر بجلسة 18/ 9/ 2000، وانتهاءً بقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 الصادر تنفيذًا لذلك بالموافقة على تصدير الغاز لإسرائيل بالكمية والسعر المحددين به، لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف صحيح القانون، ويضحى واجبا إلغاؤه فيما قضى به من اختصاص المحكمة بنظر القرار الأول بالموافقة على مبدأ تصدير الغاز لإسرائيل، والقضاء مجددًا بعدم اختصاص القضاء عمومًا بنظره لكونه عملاً من أعمال السيادة وبالتالي رفض الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيًا بنظر الطعن على القرار رقم 100 لسنة 2004 وقرار مجلس الوزراء بجلسة 18/ 9/ 2000 المشار إليهما فيما تضمناه من تحديد سعر التصدير وكمية الغاز المرخص بتصديره لإسرائيل.
وغني عن البيان أن الدفع بمخالفة الحكم المطعون فيه بالطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق ع لقواعد توزيع الاختصاص بين دوائر محكمة القضاء الإداري (مذكرة الجهة الإدارية بجلسة 5/ 1/ 2009) مردود لابتنائه على ما تسوقه الجهة الإدارية من أن النزاع متعلق بعقد تجاري, وهو ما ثبت مخالفته صحيح الواقع والقانون على ما سلف البيان، وأن الصحيح هو أن النزاع متعلق بقرار استوفى أركان القرار الإداري الخاضع لرقابة قاضي الإلغاء الإداري، فضلاً عن أن مخالفة الحكم لقواعد توزيع الاختصاص بين دوائر المحكمة الواحدة من ذات الدرجة لا يستوجب بطلان الحكم، الأمر الذي يتعين معه رفض الطلب الاحتياطي ببطلان الحكم المطعون فيه لعدم اختصاص الدائرة التي أصدرته نوعيًا بنظر النزاع.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم تكون محاكم مجلس الدولة مختصة بنظر الطعن على القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحديد كمية وسعر تصدير الغاز لإسرائيل وذلك بالنسبة لطلب وقف تنفيذ ثم إلغاء هذا القرار وكذلك بالنسبة للمنازعة التنفيذية موضوع الدعوى الرقيمة 32 لسنة 2008 باعتبارها متفرعة عن المنازعة الأصلية، وتطبيقًا للقاعدة الأصولية التي تقضي بأن قاضي الموضوع هو قاضي التنفيذ.
ومن حيث إنه عن الموضوع، فإن هذه المنازعة تتحصل وقائعها - حسبما يبين من الأوراق وبالقدر الذي يكفي لحمل منطوق هذا الحكم على أسبابه - في أنه بتاريخ 22/ 4/ 2008 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة طالبًا في ختام عريضة الدعوى الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 وكل ما يترتب عليه أو يستند إليه من قرارات أو آثار قانونية، وإلغاء قرار وزير البترول الأخير برفع سعر البنزين والسولار، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات، وذلك على سند من القول إن المدعي اتصل بعلمه ما سمي بمذكرة تفاهم وُقعت لتوريد الغاز الطبيعي لإسرائيل بسعر منخفض، وهي لذلك يلحقها البطلان المطلق وفقًا لأحكام المادة (151/ 2) من الدستور، كما علم بصدور القرار الوزاري رقم 100 لسنة 2004 مشيرًا في ديباجته إلى قرار لمجلس الوزراء بجلسة 18/ 9/ 2000 بمنح وزارة البترول ممثلة في الهيئة العامة للبترول الحق في التفاوض والتعاقد مع شركة غاز شرق البحر الأبيض المتوسط من أجل بيع (7) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لإسرائيل على مدار خمسة عشر عامًا قابلة للتجديد، بسعر (75) سنتا للمتر المكعب وبسعر أقصى دولار وربع الدولار.
وأضاف المدعي أنه بناءً على هذا القرار وقعت شركة (إيجبك) والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية اتفاقًا لتوريد كميات من الغاز الطبيعي وبيعه لإسرائيل عبر شركة غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، ونعي المدعي على القرار مخالفته للدستور والقانون، وأن تحديد سعر التوريد بقيمة رمزية لا تصل إلى عُشر السعر العالمي قد انعكس سلبًا على مصلحته وغيره من المصريين، إذ أدى ذلك إلى تقليص الدعم لمحدودي الدخل بزيادة أسعار البنزين والسولار ومنتجات بتروكيميائية عديدة، وعليه انتهى إلى طلباته السالفة.
وقد تدوول نظر الدعوى في شقها العاجل أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث حضر المتدخلون إلى جانب المدعي وبوكلاء عنهم، وأثبتوا طلبات تدخلهم وأودعوا صحفًا معلنة بتدخلهم، كذلك حضر المتدخلون إلى جانب الجهة الإدارية وبوكلاء عنهم وأودعوا صحيفة معلنة بتدخلهم، وهم جميع الطاعنين في الطعن رقم 6013 لسنة 55 ق عليا إضافة إلى كل من: ....... و....... و........
وبجلسة 18/ 11/ 2008 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها فيما يتعلق برفض الطعن بعدم اختصاص المحاكم عمومًا ومحاكم مجلس الدولة ولائيًا بنظر النزاع على أن الثابت من الأوراق أن المنازعة تدور حول سلطة الإدارة في تنظيم وإدارة واستغلال موارد الدولة وأحد ثرواتها الطبيعية والتصرف فيها, وقد اختصمها المدعي كسلطة إدارية تقوم على هذا المرفق, وينبغي عليها أن تلتزم في ذلك حدود الدستور والقانون وضوابطهما, ومن ثم فلا يعد تصرفها في هذه الحالة ولا القرار الصادر بشأنه من أعمال السيادة بالمعني القانوني والدستوري, وإنما يعتبر من قبيل أعمال الإدارة التي يقوم على ولاية الفصل فيها القاضي الإداري دون سواه طبقًا لنص المادة (172) من الدستور.
كما شيدت المحكمة قضاءها بالنسبة لرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء صفة ومصلحة رافعها على أن الثابت من الأوراق أن بيع الغاز الطبيعي المصري يتم بثمن لا يتناسب البتة مع السعر العالمي على نحو ما ذكر المدعي ولم تجحده جهة الإدارة, ومن شأن ذلك إهدار لجزء من ثروات مصر وعوائدها التي كان يمكن لو أحسن التصرف في هذه الثروة أن تعود على المدعي والمتدخلين معه بارتفاع دخولهم ومستوى معيشتهم وتحسين الخدمات, الأمر الذي يكون معه للمدعي والمتدخلين انضماميًا إليه مصلحة جدية تبرر لهم اللجوء إلى القضاء ومنازعة مسلك جهة الإدارة بغية القضاء لهم بالطلبات التي أبدوها انتصارًا لمبدأ المشروعية وسيادة القانون ومراعاة المصلحة العامة.
كما شيدت المحكمة قضاءها بتوافر ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه على أن البادي من ظاهر الأوراق أنه بالمخالفة لأحكام المادة (123) من الدستور وافتئاتا على اختصاص مجلس الشعب أصدر وزير البترول قراره المطعون فيه ملزمًا الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية بالتعاقد على بيع الغازات البترولية وضمان توريدها إلى شركة بعينها، وذلك بشروط مجحفة وأسعار بخسة مقدارها خمسة وسبعون سنتا لكل وحدة غاز حراري، في الوقت الذي يتجاوز فيه السعر العالمي لهذه المنتجات تسعة دولارات (وقت رفع الدعوى), حسبما ذكر المدعي بعريضة دعواه وبالمستندات المقدمة منه والتي لم تعقب عليها جهة الإدارة، فضلاً عن أن مسئولين كبارًا بالحكومة ونوابًا بمجلس الشعب وخبراء مصريين متخصصين طالبوا مرارًا بمراجعة عقود تصدير الغاز وذلك للحصول على أسعار عادلة لبيع هذه الثروة, وإذ يتعارض تصرف الإدارة سالف الذكر مع اعتبارات المصلحة العامة, ولا يستقيم مع ما تقضي به نصوص الدستور المصري من حرمة الملكية العامة وإلزام كل مواطن بواجب حمايتها ودعمها باعتبارها سندًا لقوة الوطن (المادة 33 من الدستور), وبذلك تكون جهة الإدارة بإصدارها القرار المطعون فيه قد انحرفت بسلطتها وأساءت بشدة استعمالها.
ومن ناحية أخرى ولما كان البادي من ظاهر الأوراق أن القرار المطعون فيه لم ينشر, كما لم تنشر تفاصيل وشروط تصرف الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية المتعلقة ببيع هذه الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل، رغم الجدل حول حجم الاحتياطي المصري من هذه الثروة النابضة على نحـو مـا ورد بالمستندات المقدمة من المدعي, بالإضافة إلى ما نطقت به الأوراق ظاهرًا من سرعة متناهية وتعاصر مريب في إنشاء الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية وشركة شرق البحر الأبيض المتوسط, وتعديل نشاطها ومنحها فور ذلك دون غيرها عقد امتياز واحتكار شراء الغاز الطبيعي المصري الذي يتم تصديره في هذه الحالة إلى إسرائيل.
وإنه لما تقدم جميعه يكون القرار المطعون فيه قد صدر - بحسب الظاهر - معدوما لمخالفته أحكام الدستور والقانون, وبذلك يتوافر ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ إلى جانب توافر ركن الاستعجال لما يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه من نتائج يتعذر تداركها وخسائر جسيمة للاقتصاد المصري وعليه خلص الحكم من ذلك إلى قضائه سالف البيان.
ومن حيث إن مبنى طعن الجهة الإدارية على هذا الحكم مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله؛ لأن المادة (123) من الدستور تحكم حالات منح التزام استغلال واحتكار مورد من موارد الثروة الطبيعية، وفيها لا يكون منح الالتزام إلا بقانون بخلاف نقل وبيع الغاز لدول أخري الذي لا يتطلب ذلك، وقد تمت عملية البيع بالقرار المطعون فيه طبقًا للقوانين وتخرج عن حكم المادة (123) من الدستور، والمعمول به فعلا أن عمليات البحث عن البترول واستغلاله لا تتم إلا بموجب اتفاقية التزام يصدر بها قانون من مجلس الشعب، والتي تصل إلى أكثر (200) اتفاقية سارية ببنود نمطية، ومع أن عقود تصدير الغاز لا يلزم عرضها على مجلس الشعب فإنه مع ذلك تم عرضها وأعمل مجلس الشعب رقابته عليها، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهبًا مغايرًا لذلك فإنه يكون مشوبًا بمخالفة القانون.
وبخصوص ما اعتبره الحكم قرينة على الانحراف بالسلطة من بيع الغاز بسعر منخفض فإنه مردود بأن تحديد السعر من المسائل الفنية التي تدخل في الاختصاص التقديري لجهة الإدارة ممثلة في الجهات القائمة على شئون البترول والغاز، بما لها من مقومات الخبرة والدراية التي يستعصي على غيرها إعمال التقدير فيها، والذي يدخل فيه أن البيع تم لشركة مصرية تحاسب بأسعار خاصة في ضوء ضمانات قانون الاستثمار، وأن عملية التصدير للغاز تتم لأنه لا يخزن عقب إنتاجه، وأنه في تاريخ تصدير الغاز لإسرائيل كان السوق العالمية للغاز الطبيعي في صالح المشتري، فضلا عن الحاجة للنقد الأجنبي، وجذب الاستثمارات، وبمراعاة أن التصدير يتم من حصة الشريك الأجنبي، وأن شركة شرق البحر المتوسط شركة خاصة تتحمل كافة نفقات المشروع، وأن التصدير لا يتم لإسرائيل وحدها بل لدول أخرى.
- ومن حيث إن مبنى طعن المتدخلين مع الجهة الإدارية على الحكم ذاته بطلان ذلك الحكم لمخالفته القانون بالقضاء بما لم يطلبه الخصوم عندما قضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل، مع أن طلبات المطعون ضده كانت وقف تنفيذ القرار رقم 100 لسنة 2004، وكذلك لعدم توافر شروط الاستعجال. كما بنى الطعن كذلك على أساس بطلان الحكم للقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال؛ لعدم وجود سوق عالمية للغاز الطبيعي, وتختلف أسعار التصدير تبعًا لاقتصاديات مشروعات التصدير واختلاف الأسواق من منطقة لأخرى وأنه وحتى عام 2004 كانت السوق العالمية للغاز هي سوق المشتري, ولم تكن هناك مؤشرات تنبئ عن ارتفاع الأسعار, وقد اتخذ قرار التصدير لتحقيق عائدات من النقد الأجنبي، وأنه يتم من حصته استرداد النفقات وحصة الشريك الأجنبي التي يتم شرائها بسعر (2.65) دولار/ مليون وحدة حرارية بريطانية كحد أقصى طبقًا للاتفاقيات البترولية السارية حاليًا, في حين يتم تصديرها بحوالي (4.65) دولار/ مليون وحدة حرارية بريطانية, طبقا لمتوسط سعر التصدير خلال عام 2007 وبذلك يتحقق مكسب لقطاع البترول المصري قدره (2) دولار/ مليون وحدة حرارية بريطانية، أي أن قطاع البترول نجح في الحصول على حصة الشريك الأجنبي بسعر تفضيلي, وتم عرض معادلة تسعير الغاز المقترح التعاقد عليها مع شركة شرق البحر المتوسط للغاز في مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول ثم على مجلس الوزراء الذي أصدر قراره المطعون فيه.
وخلص الطعن من ذلك إلى أن السعر الذي تم التعاقد عليه مع الشركة المذكورة كان سعرًا متميزًا في حينه, بينما ضربت المحكمة في حكمها المطعون فيه صفحًا عن كل ذلك وارتكزت في حكمها على أقوال مرسلة, وبالتالي يكون حكمها قد اعتراه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال الأمر الذي يبطله ويستوجب إلغاؤه.
وبخصوص الطعن رقم 7975 لسنة 55 ق فإن وقائعه تخلص في أنه بتاريخ 1/ 2/ 2008 أقام المطعون ضده الدعوى رقم 32 لسنة 2008 أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة طالبًا في ختام عريضة الدعوى الحكم بقبولها شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق بجلسة 18/ 11/ 2008 وما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام جهة الإدارة تعويضًا قدره تسعة ملايين ونصف دولار يصرف لدعم رغيف الخبز للمصريين, وتغريم المطعون ضدهم بغرامة تهديدية يومية تقدرها المحكمة, وإلزام جهة الإدارة المصروفات؛ وذلك على سند من القول إن الحكم الصادر في الدعوى رقم 33418 لسنة 62 سابق الإشارة إليه امتنعت الجهة الإدارية عن تنفيذه، وتقاعست عن الواجب المنوط بها قانونا، خاصة بعد اتخاذ إجراءات التنفيذ من تقديم طلب التنفيذ مرفقًا به الصورة التنفيذية من الحكم وإعلانها به, وهذا الامتناع يشكل قرارًا مخالفا للدستور والقانون.
وقد تدوول نظر الدعوى أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 6/ 1/ 2009 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه, وشيدت قضاءها - بعد رفض الدفعين بعدم اختصاص المحكمة بنظر النزاع وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة - على أن البادي من ظاهر الأوراق أنه قد صدر الحكم في الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق المذكور أعلاه, وقام المدعي بإعلانه إلى جهة الإدارة بتاريخ 23/ 11/ 2008، وبدلاً من أن تبادر الجهة إلى تنفيذه, امتنعت عن ذلك مما يشكل قرارًا سلبيًا مخالفًا للقانون, وهو ما يتوافر معه ركن الجدية، إلى جانب ركن الاستعجال لما يترتب على الامتناع عن تنفيذ الحكم من نتائج يتعذر تداركها تتمثل فيما يلحق باقتصاد الوطن من خسائر مادية جسيمة.
ومن حيث إن مبنى الطعن على هذا الحكم هو مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله, لأنه أهدر القواعد المقررة لقبول دعوى الإلغاء والتي توجب ورود الدعوى على قرار إداري نهائي, وقد انتفى هذا القرار, إذ لا يمكن القول بأن هناك امتناع إلا إذا مضت مدة ستين يومًا على تقديم السند التنفيذي أو إعلان الحكم, والمدعي أقام دعواه بعد سبعة أيام من صدور الحكم, كذلك أهدر الحكم الأثر القانوني للإشكال الأول, إلى جانب أن الحكم المطلوب تنفيذه يمس عقودًا مبرمة بين شركات خاصة لم تكن مختصمة في المنازعة الصادر فيها الحكم, فضلاً عن أنه ليس له من أثر تنفيذي يخول للمدعي المطالبة بتنفيذه, وبافتراض وجود قرار إداري يمكن الطعن عليه بدعوى الإلغاء, فإن ذلك القرار لا يمكن تكييفه سوى أنه قرار منفصل عن عقود الغاز المبرمة مع شركات خاصة, ولا يرتب أثرًا؛ حماية للعقد بعد إبرامه.
ومن حيث إن الفصل في هذا الطعن الأخير يتوقف على الفصل في الطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق عليا.
- ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 33418 لسنة 62ق لرفعها من غير ذي صفة أو مصلحة فقد ورد على غير سند صحيح من الواقع أو القانون بعد أن ثبت توافر المصلحة والصفة في المدعي والمتدخلين انضماميا إلى جانبه والمتدخلين انضماميًا إلى جانب الجهة الإدارية على النحو السالف بيانه, الأمر الذي يكون معه هذا الدفع حريًا بالرفض.
- ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري فإن الجهة الإدارية الطاعنة تقيمه على سند من القول بأن القرار المطعون فيه: (أولا) لم يصدر عن الوزير مفصحًا عن إرادته كسلطة عامة, و(ثانيًا) لم يرد به أية إشارة إلى تحديد سعر لبيع الغاز, و(ثالثًا) لأن عملية البيع تتم من خلال شركات خاصة من أشخاص القانون الخاص, و(رابعًا) لأن القرار يرد على أملاك الدولة الخاصة, و(خامسًا) لأن القرار لا يعد قرارًا قابلاً للانفصال, وأن محكمة النقض ترفض فكرة فصل القرارات الإدارية عن عملية التعاقد, و(سادسًا) لأن ما يبقى من تكييف الطلبات أنها تتعلق بالقرار السلبي بالامتناع عن إصدار قانون بتنظيم المسألة محل التداعي، وهو ما يخرج عن اختصاص القضاء الإداري؛ باعتبار أن ذلك عمل تشريعي.
ومن حيث إن البحث في هذه الأسانيد يعني معاودة المجادلة في اختصاص القضاء عمومًا ومحاكم مجلس الدولة ولائيًا بنظر الدعوى, وقد ثبت أن الدعوى الماثلة قد اختصمت قرارًا توافرت فيه أركان القرار الإداري, سواء فيما يتعلق بقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 والقرار المستند إليه الصادر عن مجلس الوزراء بجلسة 18/ 9/ 2000, وأنهما يجسدان السلطة الرقابية التي خولتها التشريعات للجهة الإدارية حفاظًا على ثروات البلاد ولكفالة حاجة السوق المحلي للغاز الطبيعي كسلعة إستراتيجية، وأنه لذلك يكون مفصحًا عن إرادة الجهة الإدارية كسلطة عامة, وأن القرار بذلك يكون خاضعًا لرقابة قاضي الإلغاء بغض النظر عن طبيعة العلاقة التي صدر القرار مرخصًا بإنشائها، وبغض النظر كذلك عن الطبيعة القانونية للأشخاص أطراف هذه العلاقة، فيستوي أن يكون الأطراف من أشخاص القانون العام أو من أشخاص القانون الخاص, كما لا يشترط أن ترد الرقابة التي تخولها القوانين واللوائح للجهة الإدارية على مال من الأموال المملوكة للدولة ملكية عامة, إنما يكفي أن تكون الجهة الإدارية مخولة قانونا في الرقابة على جهات أو نشاطات بعينها لتكون القرارات الصادرة منها مجسَّدة لهذه الرقابة قرارات إدارية خاضعة للرقابة القضائية.
وليس من شك في أن القرار المطعون فيه وهو صادر في مجال إعمال الجهة الإدارية رقابتها المقررة قانونًا على التصرف في مصدر من مصادر الثروة الطبيعية هو قرار إداري خاضع لرقابة القاضي الإداري, وهو وإن عُدّ قرارًا ممهدًا لعملية تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى الخارج وهي عملية تعاقدية, إلا أن القضاء مستقر على أن هذا القرار قابل للانفصال عن العملية التعاقدية ذاتها, باعتبار أن جميع القرارات السابقة على التعاقد والممهدة له قد أصبحت قابلة للانفصال عن العقد وتخضع لرقابة القاضي الإداري، بغض النظر عن الاختصاص القضائي بالعقد ذاته, ولذا فقد قُضي بقبول طعن المتضرر من ترخيص جهة الإدارة ببيع مدني.
(حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية كابي بجلسة 13/ 7/ 1968 مجموعة ليبون ص 436 ودورية اليوز سنة 1968 ص 674)
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الأصلية رقم 33418 لسنة 62 ق لانتفاء القرار الإداري على غير سند صحيح من القانون حريًا بالرفض.
- ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى فيما تضمنته من الطعن على قرار رئيس الوزراء الصادر بتاريخ 18/ 9/ 2000 لرفعها بعد الميعاد, فهو مردود لعدم نشر هذا القرار بأي طريق من طرق النشر، وأن مجرد إشارة المدعي إليه لا تكفي لثبوت علمه اليقيني بكافة عناصره قبل ما يزيد على ستين يومًا من تاريخ الطعن عليه, فضلاً عن أن هذا القرار يرتبط ارتباطًا لا يقبل التجزئة بقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 بحيث يكون القراران معًا وحدة واحدة, وهما بهذه المثابة يشكلان القرار المطعون فيه.
- ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم, وإذ استوفت الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق جميع أوضاعها الشكلية المقررة فإنها تكون مقبولة شكلاً؛ ويتعين القضاء برفض الدفوع بعدم قبولها شكلاً, وبالتالي رفض الطعن الماثل فيما تضمنه من إلغاء الحكم المطعون فيه لعدم قبول الدعوى شكلاً.
- ومن حيث إن المنازعة الماثلة بعد القضاء بعدم الاختصاص في بحث مبدأ التصدير لإسرائيل باعتباره عملا من أعمال السيادة قد انحصرت في البحث في مدى مشروعية قرار مجلس الوزراء بجلسة 18/ 9/ 2000، وقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 الصادر تنفيذا له والمرتبط به على النحو السالف بيانه، فيما تضمناه من تحديد لسعر تصدير الغاز الطبيعي وكميته.
- ومن حيث إن الغاز الطبيعي - كمورد من موارد الثروة الطبيعية - فرض الدستور والقانون تنظيمًا لاستغلاله، إذ نصت المادة (123) من الدستور على أن: " يحدد القانون القواعد والإجراءات الخاصة بمنح الالتزامات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية .... "، وقد نظم ذلك القانون رقم 66 لسنة 1953 والقانون رقم 86 لسنة 1956 الخاصين بالمناجم والمحاجر وتعديلاتهما، حيث نصت المادة (50) من القانون الأخير على أنه: " يجوز أن يرخص بقانون لوزير التجارة والصناعة في أن يعهد بالبحث عن الموارد المعدنية واستغلال المناجم والمحاجر إلى شركة أو جمعية أو مؤسسة بشروط خاصة استثناء من أحكام هذا القانون، وتُحدد هذه الشروط في القانون الصادر بالترخيص ".
ونصت المادة (51) على أن: " يستمر العمل بأحكام القانون رقم 66 لسنة 1953 بالنسبة لخدمات الوقود، ويلغى فيما عدا ذلك من أحكام، كما تسري على هذه الخامات أحكام المادة السابقة ".
وكانت المادة (1) من القانون رقم 66 لسنة 1953 المشار إليه قد اعتبرت الغازات الطبيعية داخلة في (المواد المعدنية) إذ نصت على أنه: " في تطبيق أحكام هذا القانون تطلق عبارة (المواد المعدنية) على المعادن وخاماتها بما فيها خامات الوقود والعناصر الكيمائية ..... وكذلك الغازات الطبيعية والمياه المعدنية الخارجة من باطن الأرض ..... ".
ونصت المادة (2) من ذلك القانون على أن: " يعتبر من أموال الدولة ما يوجد في المناجم والمحاجر من المواد المعدنية في الأراضي المصرية بما فيها المياه الإقليمية "، ونصت المادة (24) في الفصل الثاني (الأحكام الخاصة بخدمات الوقود) على أن: " تسري الأحكام المبينة في هذا الفصل على خامات الوقود الآتية " ( أ ) ........ (ب) خامات البترول السائلة بمختلف كثافتها ...... والغازات الطبيعية البترولية ...... ".
وقد صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 167 لسنة 1958 بإنشاء الهيئة العامة لشئون البترول الذي ينص في المادة (2) منه على أن: " .... وتتولي الهيئة العامة لشئون البترول على وجه الخصوص ما يأتي: ...... (4) إبداء الرأي مقدما في تراخيص البحث عن البترول واستغلاله ..... (6) الاشتراك مع الجهات المختصة في تحديد أسعار المواد البترولية .... (12) القيام بعمليات البحث عن المواد البترولية وإنتاجها وشراؤها وبيعها ونقلها وتوزيعها .... ".
وقد صدر القانون رقم 20 لسنة 1976 في شأن الهيئة المصرية العامة للبترول الذي ينص في مادته الأولى على أن: " الهيئة المصرية العامة هيئة عامة لها شخصية اعتبارية مستقلة، تعمل على تنمية الثروة البترولية وحسن استغلالها وتوفير احتياجات البلاد من المنتجات البترولية المختلفة، وتباشر السلطات والاختصاصات المنصوص عليها بالقانون رقم 167 لسنة 1958 بإنشاء الهيئة العامة لشئون البترول، والاختصاصات المتعلقة بالأحكام الخاصة بخامات الوقود المنصوص عليها في القانون رقم 66 لسنة 1953 والقانون رقم 86 لسنة 1956 الخاصين بالمناجم والمحاجر، وذلك في إطار الأهداف والخطط والسياسات العامة التي يقررها المجلس الأعلى لقطاع البترول ".
وإلى جانب هذه الاختصاصات التي نقلت إلى الهيئة المصرية العامة للبترول الواردة بالقانون رقم 167 لسنة 1958 وتلك المتعلقة بالأحكام الخاصة بخامات الوقود التي تشمل الغازات الطبيعية في القانون رقم 66 لسنة 1953 والقانون رقم 86 لسنة 1956 الخاصين بالمناجم والمحاجر، خولت المادة (9) من القانون رقم 20 لسنة 1976 مجلس إدارة الهيئة الآتي: (1)....(5) تقييم خام الإتاوة ونصيب الهيئة في الخادم الذي يستحق في التكرير المحلي بالأسعار التي تتمشي مع أسعار بيع المنتجات البترولية في السوق المحلي... (8) إنشاء شركات مساهمة بمفردها أو مع شريك أو شركاء آخرين......
وفي هذا الإطار صدر القانون رقم 217 لسنة 1980 في شأن الغاز الطبيعي الذي ينص في مادته الأولى منه على أن:" تتولي الهيئة المصرية العامة للبترول وإحدى شركات القطاع العام للبترول إمداد وتوصيل وتسويق الغاز الطبيعي للمناطق السكنية والمصانع ومحطات القوى التي يصدر بتحديدها قرار من وزير البترول"،
وقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1009 لسنة 2001 بشأن إنشاء الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، وحددت المادة الرابعة من القرار أن غرض الشركة العمل بكافة أنشطة الغاز الطبيعي، ولها على الأخص: .... (7) المشاركة في القيام بعمليات الاستكشاف والبحث عن الغازات الطبيعية واستخراجها واستغلالها طبقًا لأحكام القوانين والقرارات السارية.
وتطبيقًا لأحكام التشريعات المعتمدة صدرت قوانين متعددة بالترخيص لوزير البترول في التعاقد مع الشركة القابضة للغازات الطبيعية وإحدى الشركات العالمية العاملة في المجال للبحث عن الغاز والزيت الخام واستغلالهما في المنطقة المحددة بكل قانون، ونصت الماد الثانية من القانون الصادر بالترخيص على أن: "تكون للقواعد والإجراءات الواردة في الشروط المرفقة قوة القانون، وتنفيذ بالاستثناء من أحكام أي تشريع مخالف لها".
"وبالرجوع إلى هذه الشروط المرفقة بالقوانين الصادرة بتراخيص البحث عن الغاز واستغلاله يبين أنها شروط نموذجية تسير على وتيرة واحدة، وقد تضمنت التعريفات الواردة بهذه الشروط أن (عقد بيع الغاز) يعني عقدًا مكتوبًا بين إيجاس والمقاول(بصفتيهما بائعين)، وإيجاس أو إيجاس و/ أو طرف ثالث توافق عليه إيجاس (بصفتها مشتريًا)، والذي يحتوي على النصوص الخاصة بمبيعات الغاز من عقد للتنمية أبرم وفقًا للمادة السابقة فقرة (هــ).
وتتضمن المادة السابعة بخصوص (استيراد التكاليف والمصروفات واقتسام الإنتاج) تنظيما مفصلا لمراجعة سنوية لكميات الغاز المتعاقد عليها والكميات المنتجة وتسجيل كميات (الغاز التعويضي) وحساب غاز (قصور التسليم أو الدفع)، كما تتضمن ذات المادة النص على أن تعطى الأولوية للوفاء باحتياجات السوق المحلية كما تحددها إيجاس، وفي حالة عدم توافر أسواق محلية يحق لإيجاس والمقاول تصدير الغاز، وأنه في حالة إيجاس هي المشترية للغاز يكون التصرف في الغاز كما هو مبين بعالية (في الشروط) بمقتضى عقود لبيع الغاز طويلة الأجل تبرم بين إيجاس والمقاول (بصفتهما بائعين) وإيجاس (بصفتها مشتريًا).
والبين من النصوص المتقدمة أنها تغاير في أحكام التصرف في الغاز عن أحكام التصرف في البترول، حيث أعطت الأولوية للوفاء باحتياجات السوق المحلية كما تحددها الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية؛ نزولا على أحكام المادة الأولى من القانون رقم 217 لسنة 1981، فلا يجوز لهذه الشركة والشركة المرخص لها في البحث والاستغلال، - وهي (المقاول) في قوانين تراخيص البحث والاستغلال - تصدير الغاز إلا في حالة عدم توافر أسواق محلية، كما تلتزم هذه الشركات بالمراجعة السنوية لعملياتها.
وفي هذا الخصوص قدم أطراف النزاع دراسات مختلفة تخص تحديد سعر تصدير الغاز، وأوضحت الجهة الإدارية والمتدخلون انضماميًا إلى جانبها الأهداف الإستراتيجية لعملية تصدير الغاز الصادر بها القرار المطعون فيه، والاعتبارات والأسس التي يحدد بناءً عليها سعر التصدير، ويبين من هذه الدراسات أنها ذات طبيعة فنية متخصصة وتخضع لتقدير المجلس الأعلى للبترول حسبما ورد بمذكرات الطاعنين؛ لذلك فإن المحكمة لا تغرق نفسها في هذه التفاصيل الفنية الدقيقة، إنما تقف عند القواعد والضوابط التى وضعتها التشريعات لتجرى في ضوئها عمليات بيع وتصدير الغاز الطبيعي، خاصة وأنه على الرغم من تضخم حوافظ المستندات والدراسات والمذكرات المقدمة في الطعون الماثلة، وما أشار إليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 18/ 9/ 2000 في البند (ثالثًا) للمعادلة التى جاءت بالمذكرة، وكذا إشارة مذكرات المتدخلين انضماميًا إلى جانب الجهة الإدارية إلى وجود دراسة تَحدَّد بناءً عليها سعر تصدير الغاز وكميته عرض على مجلس الوزراء وصدر بناءً عليها قراره المشار إليه، فإنه لم تقدم هذه المذكرة أو تلك الدارسة رغم تأجيل نظر الطعون أكثر من مرة لاستكمال المستندات، ورغم كون ما عرض على مجلس الوزراء هو المستند الرسمي الذي يعول عليه في هذا الموضوع.
وبخصوص القواعد والضوابط التى تضمنتها التشريعات سالفة الذكر، ومنها بالأخص القوانين الصادرة بتراخيص البحث عن الغاز واستغلاله، فقد صدرت بالترخيص لوزير البترول في التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للبترول ومن بعدها الشركة القابضة للغازات الطبيعية مع إحدى الشركات العالمية العاملة في مجال البحث عن الغاز واستغلاله في المنطقة المحددة بكل قانون، وهو ما لا يقتضي عند استغلال ناتج البحث معاود استصدار قانون جديد، لأن ذلك يعد ممارسة لاختصاص محدد قانونًا لها, إلا أن هذا الاستغلال يتوجب أن يجري وفقًا للشروط المرفقة والخرائط الملحقة بكل قانون، والتى تشترك جميعها في فرض مراجعة سنوية لكميات الغاز المتعاقد عليها، والكميات المنتجة وتسجيل كميات الغاز التعويضي، وحساب غاز قصور التسليم أو الدفع، وإعطاء الأولوية للوفاء باحتياجات السوق المحلية، وهذه القواعد والشروط تكون لها بنص قوانين الترخيص قوة القوانين، بل وتنفذ بالاستثناء من أحكام أي تشريع، ومن بينها القانون الصادر بالتصديق على معاهدة السلام المصرية التى لم تخرج على ما ورد بالقواعد والضوابط السالفة؛ إذ قضت بأن حق إسرائيل بموجب هذه الاتفاقية هو "التقدم بعطاءات لشراء البترول المصري الأصل والذي لا تحتاجه مصر لاستهلاكها المحلي، وأن تنظر مصر والشركات التى لها حق استثمار بترولها في العطاءات المقدمة من إسرائيل على نفس الأسس والشروط المطبقة على مقدمي العطاءات الآخرين لهذا البترول".
ومن حيث إنه تطبيقًا لما تقدم بخصوص ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإن البادي من ظاهر الأوراق أنه حددت كمية الغاز الطبيعى الذي يتم تصديره للأسواق المستهلكة بمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وأوربا بـ (7) بليون متر مكعب سنويا، تزاد في حالة وجود فائض، أى أن الحد الأدني للتصدير ثابت ومحدد بالكمية المذكورة، وأن زيادتها فقط هي المشروطة بوجود فائض، كذلك حُدّد سعر التصدير بحد أدنى 0,25 دولار أمريكي، مليون وحدة حرارية بريطانية)، وحد أقصى 0,75 دولار أمريكي/ مليون وحدة حرارية بريطانية، أو 1015 دولار/ مليون وحدة حرارية بريطانية في حالة وصول سعر خام برنت (متوسط 3 أشهر) إلى 35 دولارا/ برميل أو أكثر)، أي أن السعر قد تحدد على نحو ثابت بين هذين الحدين، ولا مجال لزيادة الحد الأقصى للسعر حتى مع تجاوز سعر خام برنت هذا السقف الذي حدده القرار على النحو السالف، ومهما تضاعف السعر.
وإذ قضى القرار بأن يكون التعاقد مع شركة شرق البحر المتوسط للغاز لمدة (15) عامًا، يمكن تجديدها بموافقة الطرفين، فإن كمية الغاز الطبيعي المصدر وسعره يكونان قد تحددا على نحو ثابت غير قابل لأي مراجعة في ضوء التطورات الجذرية الممكن حدوثها خلال مدة الخمسة عشر عامًا، وهو ما لا يتفق - بحسب ظاهر الأوراق - مع ما تضمنته التشريعات الحاكمة لاستغلال هذه الإستراتيجية، وخاصة الشروط الصادر بها قوانين تراخيص البحث عن الغاز واستغلاله بما يتفق مع ما نُصَّ عليه صراحة في اتفاقية السلام على النحو السالف.
وإذ كان احترام هذه الشروط التي أسبغ عليها المشرع قوة القانون يوجب كحد أدنى إيجاد آلية محددة لمراجعة الأسعار والكميات بصفة دورية، وبما يكفل الالتزام بالشروط الصادر بها القوانين المشار إليها، وتضمن أن يكون التصدير في حدود ما يفيض عن حاجة السوق المحلي، هذا فضلا عن أن التحديد الثابت للكمية والسعر قد تم بناء على دراسات عام 2000، حال كان السعر - كما أكدت كافة الدراسات والمذكرات المقدمة من الطاعنين - مناسبًا في حينه، وأبرمت بناءً عليه الاتفاقيات خلال المدة حتى عام 2003، إلا أن الأوراق قد أجديت عما يفيد ما طرأ على هذه التقديرات من تغييرات لاحقة على عام 2003، وتحديدًا في تاريخ صدور قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004، كما أجديت الأوراق عن أي تفسير لعدم إعادة العرض على مجلس الوزراء بعد مرور ما يزيد على ثلاث سنوات من تاريخ صدور قراره في 18/ 9/ 2000 لإعادة بحث أمر سعر تصدير الغاز أو الاحتياجات المقدمة منه، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه مرجح الإلغاء، ويتوافر بالتالى ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه لا يقدح فيما تقدم أن العقود طويلة الأجل للغاز الطبيعي تسمح بتحقيق توازن بين البائع والمشتري، وهي شرط أساسي للبنوك المقرضة عالميًا لتمويل المشروع وتمثل ضمانة لهم وللمستورد، وأن قطاع البترول خاض مفاوضات شاقة ومضنية بهدف تعديل الشروط المالية والتجارية في عقود تصدير الغاز الطبيعي، وأن الهدف من التصدير هو توفير حصيلة دولارية تغطي العبء النقدي المطلوب سداده إلى الشركاء الأجانب؛ ذلك لأن الشروط الصادر بها قوانين تراخيص البحث والاستغلال للغاز الطبيعي - وكما سلف البيان - لم تجز أن يكون التصرف في الغاز كما هو مبين بالشروط بمقتضى عقود بيع طويلة الأجل إلا في حالة كون (إيجاس) هي المشترية للغاز، ويكون العقد مبرما بين (إيجاس) والمقاول بصفتيهما بائعين، و(إيجاس) بصفتها مشتريا، فضلا عن أن النزاع الماثل يختصم قرار مجلس الوزراء الصادر في 18/ 9/ 2000 وقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004، وقد خلت الأوراق مما يفيد مراجعتهما أو تعديلهما على ضوء ما أشار إليه دفاع الطاعنين، ومن ثم يظل القراران وبحسب الظاهر من الأوراق مخالفين للقانون على النحو السالف، بل إن ما يثار من نجاح الجهود في تعديل عقود بيع الغاز لصالح الجانب المصري مما سمح بزيادة أسعار التصدير وإيجاد آلية لمراجعة الأسعار دوريًا بما يتمشى مع الأسعار السائدة بالأسواق العالمية (مذكرة المتدخلين انضماميًا إلى جانب الجهة الإدارية أثناء حجز الطعون للحكم ص 45)، هو مما يؤكد صراحة مخالفة القرار مخالفة القرار المطعون فيه للقانون على النحو سالف البيان، إذ لم يتضمن خلافًا لما ورد بتقرير نوفمبر 2009 (ص 8) ومذكرة إجراءات وآليات تسعير الغاز الطبيعي التي أعدتها الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية والهيئة المصرية العامة للبترول (المودعة حافظة مستندات الجهة الإدارية بجلسة 7/ 11/ 2009) الآلية اللازمة لتوافق التصدير مع الشروط الصادرة بها قوانين تراخيص البحث والاستغلال.
كما لا يقدح فيما تقدم ما أثاره الطاعنون من عرض موضوع النزاع على مجلس الشعب ولجنة الصناعة والطاقة بالمجلس من خلال عدد من طلبات الإحاطة والمناقشة والبيانات العاجلة، إذ إن مثل هذا العرض لم يتمخض عن قانون معدل لقوانين تراخيص البحث والاستغلال بما يسمح بالتخلي عن المراجعة السنوية وإيجاد آلية للمراجعة وإبرام عقود طويلة الأجل مع غير(إيجاس) كمشترية.
فضلا عن أنه من المستقر عليه منذ أمد بعيد أنه يلزم التفرقة بين التأييد السياسي والتصديق القانوني، فحصول السلطة التنفيذية على موافقة البرلمان على عمل إداري أجرته دون أن يلزمها الدستور بعرض العمل على البرلمان هو عبارة عن تأييد سياسي لا غير من طبيعة العمل الإداري الذي اكتملت أركانه وعناصره بمجرد صدور القرار المطعون عليه من مجلس الوزراء ووزير البترول (حكم محكمة التنازع في فرنسا في قضية مارجو ينجى بجلسة 5/ 11/ 1880 المجموعة السابقة سنة 1880 ص 802، وحكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 26/ 2/ 1953).
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم فقد توافر في طلب تنفيذ القرار المطعون فيه (فيما تضمنه من تحديد ثابت لكمية وسعر تصدير الغاز الطبيعي المصري للأسواق المستهلكة بمنطقة شرق البحر المتوسط وعلى نحو ثابت خلال خمسة عشر عامًا) ركن الجدية، فضلا عن توافر ركن الاستعجال المتمثل في النتائج الخطيرة التي يرتبها تنفيذ القرار المطعون فيه على عائد الغاز الطبيعي المصري كسلعة استراتيجية ومن ثم تأثيره في الاقتصاد القومي المصري، ومن ثم فقد استقام طلب وقف التنفيذ على ركنه من الجدية والاستعجال، الأمر الذي يتعين معه القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحديد حدين ثابتين يتراوح بينهما سعر تصدير الغاز الطبيعي، وتحديد كمية ثابتة يجرى تصديرها بسعر ثابت خلال خمسة عشر عامًا على النحو السالف.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وقضى بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجردًا، الأمر الذي يكون معه مخالفًا للقانون، حريًا بالإلغاء، والقضاء مجددًا في الطعنين رقمي 5546 و 6013 لسنة 55 ق عليا بقبولهما شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحديد ثابت لأسعار تصدير الغاز الطبيعي والكمية المصدرة منه دون مراعاة للاحتياجات المصرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المتدخلين انضماميًا إلى جانبها المصروفات عملا بنص المادة 184 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إن مؤدى إلغاء الحكم المطعون فيه في الطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق عليا على النحو المتقدم أن يضحى الحكم الصادر في الدعوى رقم 32 لسنة 2008 الاستمرار في تنفيذه واردًا على غير محل، ويتعين بالتالى القضاء بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المطعون ضده المصروفات عملا بنص المادة (184) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
(أولاً) بقبول الطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق عليا شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا:
1 - بعدم الاختصاص القضائي بنظر الطعن على قرار الحكومة المصرية بتصدير الغاز لإسرائيل؛ باعتبار ذلك من أعمال السيادة والأمن القومي المصري.
2 - بقبول الدعوى شكلا، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه لعدم تضمنه آلية لمراجعة دورية للكميات والأسعار خلال مدة التعاقد بما يحقق الصالح المصري وضمانًا لتوفير الاحتياجات المحلية، مع وجوب مراجعة الحدين الأدنى والأعلى للأسعار بصفة دورية يما يتفق وتطورات أسعار السوق العالمي، ووجوب إلغاء ربط سقف السعر الأعلى بحد (35) دولارا لسعر خام برنت؛ لمخالفة ذلك للتوازن الاقتصادي بين الطرفين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية والمتدخلين انضماميًا إلى جانبها المصروفات.
(ثانيًا) بقبول الطعن رقم 7975 لسنة 55 ق عليا شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بعدم قبول الدعوى؛ لأنها أضحت على غير محل، وألزمت الطرفين المصروفات مناصفة بينهما.


(1) في حكمها في الطعن رقم 25268 لسنة 56 ق عليا بجلسة 14/ 1/ 2012 (قيد النشر) قضت دائرة توحيد المبادئ بأن توزيع الاختصاص بين دوائر محكمة القضاء الإداري هو نوع من التنظيم الداخلي للعمل بالمحكمة، يتعين الالتزام به، دون أن يترتب على مخالفته بطلان الحكم.
(1) في حكمها في الدعوى رقم 255 لسنة 5 ق بجلسة 26/ 2/ 1953 (منشور بمجموعة السنة 7 مكتب فني جـ 2 رقم 335 ص 566) قضت محكمة القضاء الإداري بأن السلطة التنفيذية هي صاحبة الرأي الأعلى في إنشاء الوظائف وإلغائها واستبدالها وفقا لما تقتضيه المصلحة العامة، وهي إن تصرفت في ذلك في ظل الرقابة البرلمانية فإن هذه الرقابة، وحتى موافقة البرلمان على أعمال السلطة التنفيذية في شكل قانون عند عرض مشروع الميزانية عليه، لا تأثير لها في طبيعة هذه الأعمال، بل تظل رغم تدخل البرلمان فيها قرارات إدارية تخضع للرقابة القضائية.