ومن حيث إن الطعون
الثلاثة قد استوفت سائر أوضاعها الشكلية المقررة, ومن ثم فإنها تكون مقبولة شكلاً.
- ومن حيث إنه عن طلبات
التدخل فإنه بالرجوع إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية - المنطبق على
المنازعات الإدارية فيما لم يرد به نص في قانون مجلس الدولة، وبشرط عدم تعارض نصوص
قانون المرافعات مع طبيعة هذه المنازعات (حكم دائرة توحيد المبادئ في الطعن 1522
لسنة 27 ق عليا بجلسة 9/ 4/ 2007) - يبين أن المادة (126) منه تنص على أنه: "
يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضمًا لأحد الخصوم.... ويكون التدخل
بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى قبل الجلسة، أو بطلب يقدم شفاهة بالجلسة في
حضورهم ويثبت في محضرها.... ", أي أن المشرع أطلق التدخل الانضمامي لأحد
الخصوم سواء كان إلى جانب الجهة الإدارية أو إلى جانب خصومها, متى توافر في طالب
التدخل شرط المصلحة.
ومن المستقر عليه إنه في
طلبات الإلغاء التي تتعلق بمشروعية القرارات الإدارية، وباعتبار أنها تثير منازعة
عينية، يتسع مفهوم المصلحة المشترطة في دعوى الإلغاء عنه في الدعاوى القضائية
الأخرى، بحيث لا تتقيد المصلحة حرفيًا في دعوى الإلغاء بحق أو مركز قانوني ذاتي أو
شخصي لرافع دعوى الإلغاء, فضلاً عن أن مجلس الدولة الفرنسي قد تخفف في شروط
المصلحة في دعوى الإلغاء, إذ يستوي في قضائه أن يقع المساس بمصلحة رافع دعوى
الإلغاء في تاريخ رفعها أو في تاريخ لاحق, ومهما كانت الدرجة التي يكون عليها هذا
المساس بالمصلحة مؤكدًا ومباشرًا، ما دامت المحكمة قد قدرت كفاية هذه الدرجة "(suffisament directe et certaine)" (حكم المجلس في قضية " ABISSET " بجلسة
14/ 2/ 1958 مجموعة أحكام ليبون عن السنة ص 98).
وهو ما فسره الفقه بأن ما
يلزم توافره في المصلحة في دعوى الإلغاء - طبقًا لهذه الصيغة القضائية - هو فقط
ألا يكون المساس بمصلحة رافع دعوى الإلغاء غير مباشر أو غير محقق بشكل مبالغ فيه
(LA LESION DE L’INTERET NE SOIT NI EXAGEREMENT INDIRECTE NI EXQGEREMENT
INCERTAINE EXAGEREMENT INCERTAINE)
(يراجع: قانون القضاء
الإداري - رنيه شابي - الطبعة السادسة سنة 1996 مونت كرستين رقم 441 ب ص 393)
وغني عن البيـان أنه من
المستقر عليه اندماج الصفة في المصلحة في دعوى الإلغاء, وهو ما تعبر عنه الصيغة
القضائية التي جرت بها أحكام مجلس الدولة الفرنسي بالمصلحة المانحة للصفة في
التقاضي(intérêt donnant qualité
à agir)
حكم الدوائر المجتمعـة في
قضيـة " Comm. de Fréjus
" بجلسة 5/ 4/ 1993 المرجح
السابق ص 99)
ولما كانت الأحكام
المتقدمة في شأن المصلحة في دعوى الإلغاء قد أوجبتها الطبيعة الخاصة لهذه الدعوى،
كما فرضها هدفها الأسمي الذي استنت من أجله هذه الوسيلة القضائية لتكون ضمانة
لمبدأ المشروعية الذي يرتكز عليه بناء الدول المتحضرة, والذي يعد البنية التحتية التي
يؤسس عليها بناء الحقوق والحريات العامة المكفولة دستوريًا ودوليًا, الأمر الذي لا
يجوز معه تطبيق أحكام المادة (3) من قانون المرافعات معدلة بالقانون رقم 81 لسنة
1996 في النزاع الماثل على النحو الذي طلبته الجهة الإدارية في صحيفة طعنها الأول
وسندًا لدفعها بانتفاء مصلحة رافع الدعوى والمتدخلين إلى جانبه, لما يمثله ذلك من
تعارض مع طبيعة المنازعة في دعوى الإلغاء، يفقد معها النص شرط انطباقه الذي أكدته
دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا في حكمها سالف الإشارة إليه.
ومن حيث إنه تطبيقًا لما
تقدم, ولما كان المتدخلون جميعًا - سواء من قضي بقبول تدخله أو رُفض في الحكم
المطعون فيه - هم من مواطني جمهورية مصر العربية, وهم من المخاطبين بالمادة (25)
من الدستور التي تكفل " لكل مواطن نصيب في الناتج القومي " وقد أوضحوا
في صحف طلبات التدخل وجوه مصالحهم المتعلقة بتنمية واستغلال وتعظيم عوائد الغاز
الطبيعي المصري باعتباره من الثروات الطبيعية للبلاد وأحد روافد الناتج القومي
وذلك في ضوء ما تضمنه القرار المطعون فيه, الأمر الذي تتوافر معه للمتدخلين جميعًا
صفة ومصلحة في التدخل, وذلك بمراعاة أن التصدي لمشروعية القرار ومدي مساسه بهذه
المصلحة سلبًا أو إيجابا هو في حقيقته فصل في موضوع الطلبات في الدعوى يتجاوز حدود
البحث في القبـول الشكلي لطلبات التدخل.
وإذ أخذ الحكم المطعون
فيه بهذا النظر بخصوص المتدخلين إلى جانب المدعي دون المتدخلين إلى جانب الجهة
الإدارية, فمن ثم يتعين القضاء بإلغائه فيما قضي به من رفض طلبات التدخل إلى جانب
جهة الإدارة, والقضاء مجددًا بقبول تدخلهم في المنازعة موضوع الطعنين 5546 و6013
لسنة 55 عليا.
ومن حيث إنه عن الدفعين
بعدم اختصاص المحاكم عمومًا بنظر النزاع, وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيًا
بنظره, فإن الجهة الإدارية والمتدخلين إلى جانبها يشيدون هذين الدفعين بصفة أساسية
على أن النزاع يتعلق بعمل من أعمال السيادة, وبعقد تجاري دولي خاص, على اعتبار أن
التعامل محل النزاع تفرضه معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 في الفقرة (3)
من المادة الأولى من المعاهدة والمادة الثانية من الملحق (3) بشأن العلاقات
الاقتصادية والتجارية بين الطرفين, وأن مجلس الشعب قد وافق على تلك المعاهدة
وأصبحت قانونًا ملزمًا لجمهورية مصر وكذلك على اعتبار أن شركة البحر الأبيض
المتوسط شركة تسويق غاز مصرية منشأة وفقًا لأحكام قوانين الشركات المصرية، وهي أحد
أشخاص القانون الخاص (طرف بائع)، وأن شركة كهرباء إسرائيل إحدى شركات القطاع الخاص
بإسرائيل (مشترٍ) وأن ما تم بيع بين الشركتين هو عقد تجاري دولي خاص، لا يخضع
لرقابة أو الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة.
ومن حيث إن هذين الدفعين
الأساسين ظاهرا التهاتر؛ إذ بينما تسوق الجهة الإدارية والمتدخلون إلى جانبها أن
النزاع يتعلق بعمل من أعمال السيادة وصولاً لإخراج النزاع عن رقابة القضاء بصفة
عامة، تعود مذكرات الطاعنين لتفصِّل في أسانيد اعتبار النزاع متعلقًا بعقد بيع
تجاري دولي خاص لينحسر عنه اختصاص محاكم مجلس الدولة.
كذلك فإن الدفعين مردودان
بما هو مستقر عليه من أن أعمال السيادة استثناء يمثل خروجًا على مبدأ المشروعية
ويخضع لقاعدة التفسير الضيق وعدم القياس, وبالتالي فإن القائمة القضائية لما يعد
من قبيل هذه الأعمال يسير في اتجاه مضاد لاتساع دائرة الحقوق والحريات العامة.
ومن جانب آخر فإن شمول
عملية مركبة تقوم بها السلطة التنفيذية لعمل من أعمال السيادة لا يسبغ حصانة على
ما قد يتصل بها من أعمال هي بطبيعتها من قبيل القرارات الإدارية التي تظل خاضعة
لرقابة قاضي المشروعية.
كما استقر القضاء الإداري
على تطبيق نظرية القـرارات القـابلة للانفصال عن هذه العمليات المشـتملة على عمل
سيادي، ومنها ما يخص العلاقات الدولية
(mesure détachable de la conduite des relations internationales)
إذ لا تشكل هذه القرارات
أعمال سيادة ينحسر عنها اختصاص القضاء الإداري
(Elle ne constitue pas, par suite, un acte de gouvernement qui échapperait à la
compétence de la juridiction administrative)
حكم مجلس الدولة الفرنسي
في الدعاوي أرقام 201061 و201063 و201137 بجلسة 20/ 10/ 2000)
ولذلك أشارت المحكمة
الدستورية العليا منذ سنوات عديدة إلى أن أعمال السيادة المرد في تحديدها للقضاء.
(من ذلك حكمها في الدعوى
رقم 5 لسنة 5 ق دستورية, وفي الدعوى رقم 3 لسنة 1 ق دستورية بجلسة 25/ 7/ 1983)
- وتطبيقًا لما تقدم جميعه
ولما كان البين من مطالعة صحف الطعون ومذكرات الجهة الإدارية والمتدخلين إلى
جانبها أنه في إطار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المبرمة عام 1979 لم تمانع
السلطة السياسية العليا بالدولة المصرية تحقيقًا للالتزامات المتبادلة بين الطرفين
من إمكانية تصدير الغاز الطبيعي الزائد عن حاجة الشعب المصري للطرف الثاني في هذه
المعاهدة, وكذلك تحقيقًا للمصالح العليا في تصدير هذه السلعة الإستراتيجية لدول
شرق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا.
ولما كانت هذه الموافقة
من حيث المبدأ على التصدير تعد صادرة من السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم لتنظيم
علاقاتها الدولية، فإن صفة (عمل السيادة) لا تلحق إلا بهذه الموافقة من حيث مبدأ
التصدير.
أما ما صدر عن مجلس
الوزراء بتاريخ 18/ 9/ 2000 ثم قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 بالتفويض في
إجراءات التعاقد مع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط لتصدير الغاز الطبيعي مع
الشركات الواقعة في منطقة البحر المتوسط وأوروبا، بما فيها شركة كهرباء إسرائيل
فقد صدرا عن سلطة وطنية وعلى وفق التشريعات المصرية, ومن ثم فهما يشكلان قرارين
إداريين قابلين للانفصال عن عمل السيادة المشار إليه, ويخضعان بالتالي للرقابة
القضائية لمحاكم مجلس الدولة، دون أن يغير من ذلك استناد الجهة الإدارية
والمتدخلين إلى جانبها إلى المادة (156) من الدستور, إذ فضلاً عن أن الإجراء موضوع
النزاع قد صدر عن مجلس الوزراء منفردًا ودون مشاركة من رئيس الجمهورية، فإنه ليس
كل ما يصدر استنادًا إلى هذه المادة يعد تلقائيًا عملاً من أعمال السيادة، إنما
يلزم إعمال الضوابط سالفة الذكر لتحديد ما يعد منها عملاً من أعمال السيادة وما
يصدر من قرارات إدارية تنفيذية له.
- ومن حيث إنه فيما يخص
اعتبار النزاع متعلقًا بعقد تجاري دولي خاص, فضلاً عن تهاتره مع السند الأول في
الدفع بعدم الاختصاص كما سبق البيان, فقد جري قضاء المحكمة الدستورية العليا على
أن الاتفاقيات الدولية التي تتمخض عن أعمال تجارية تخضع لرقابة القضاء لعدم
اعتبارها أعمال سيادة تنحسر عنها الرقابة القضائية, وذلك حتي ولو استلزمت المادة
151 من الدستور عرضها على مجلس الشعب, على اعتبار أن أعمال السيادة تحددها طبيعة
العمل وليست طريقة إبرامه أو التصديق عليه (من ذلك حكمها في القضية رقم 10 لسنة 14
ق. دستورية بجلسة 19/ 6/ 1993).
وغني عن البيان أنه ما
دام المشرع قد فرض رقابة لجهة الإدارة على ما يبرمه أشخاص القانون الخاص من عقود
تتعلق بالتصرف في ثروات البلاد خاصة الاستراتيجية، ومنها البترول والغاز الطبيعي,
وذلك بموجب التشريعات الحاكمة لذلك, التي من بينها بصفة خاصة القوانين الصادرة
بالترخيص في التعاقد للبحث عن الغاز واستغلاله, فإن ما يصدر من جهة الإدارة في هذا
الإطار - ومن بينها القرار المطعون فيه - يجسد مظهرًا من مظاهر السلطة العامة
المتمثلة فيما خوله القانون لجهة الإدارة من سلطة رقابية, ويعد بالتالي قرارًا
إداريًا قابلاً للطعن عليه بدعوى الإلغاء, وحتى ولو كان هذا القرار أساسًا لإبرام
جهة الإدارة أو غيرها عقدا وبغض النظر عن الطبيعة القانونية للتعاقد, ومن قبيل ذلك
القرار المطعون فيه الذي يرخص ببيع الغاز, إذ يعد هذا القرار - وطبقًا لما استقر
عليه القضاء الإداري - قرارًا إداريًا قابلاً للانفصال عن العقد.
ومن حيث إن محاكم مجلس
الدولة هي صاحبة الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية وهي قـاضيها الطبيعي على
وفق أحكام المادة (172) من الدستور التي تنص على أن " مجلس الدولة هيئة
قضائية مستقلة تختص بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوي التأديبية "،
وكذلك وفقًا لأحكام المادة العاشرة (خامسًا ورابع عشر) من قانون مجلس الدولة
الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته التي تنص على أن " تختص محاكم
مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: .... (خامسًا) الطلبات التي
يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية .... (رابع عشر)
سائر المنازعات الإدارية
".
وقد استقرت على ذلك أحكام
هذه المحكمة والمحكمة الدستورية العليا التي أكدت الولاية العامة لمحاكم مجلس
الدولة باعتباره القاضي الطبيعي لكافة المنازعات الإدارية, وأن إيلاء الاختصاص
بنظر المنازعات الإدارية إلى المحكمة الابتدائية خصمًا من الاختصاص المعقود لمحاكم
مجلس الدولة دستوريًا ينبغي أن تبرره ضرورة ملحة (حكمها في الدعوى رقم 101 لسنة 26
ق. دستورية بجلسة 1/ 2/ 2009).
ومن حيث إنه بناء على ما
تقدم, ولما كان الحكم المطعون فيه قد تبني مذهبًا مغايرًا, ولم يُعمل التحليل
المتقدم وقوفًا على الطبيعة الذاتية لمختلف الإجراءات والقرارات التي شكلت في
مجموعها العملية المركبة لتصدير الغاز الطبيعي، بدءًا من موافقة السلطة السياسية
على مبدأ التصدير، ومرورًا بقرار رئيس الهيئة العامة والمناطق الحرة رقم 230 لسنة
2000 بالموافقة على إقامة مشروع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز (شركة مساهمة
مصرية) وقرار مجلس الوزراء الصادر بجلسة 18/ 9/ 2000، وانتهاءً بقرار وزير البترول
رقم 100 لسنة 2004 الصادر تنفيذًا لذلك بالموافقة على تصدير الغاز لإسرائيل
بالكمية والسعر المحددين به، لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف صحيح القانون،
ويضحى واجبا إلغاؤه فيما قضى به من اختصاص المحكمة بنظر القرار الأول بالموافقة
على مبدأ تصدير الغاز لإسرائيل، والقضاء مجددًا بعدم اختصاص القضاء عمومًا بنظره
لكونه عملاً من أعمال السيادة وبالتالي رفض الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة
ولائيًا بنظر الطعن على القرار رقم 100 لسنة 2004 وقرار مجلس الوزراء بجلسة 18/ 9/
2000 المشار إليهما فيما تضمناه من تحديد سعر التصدير وكمية الغاز المرخص بتصديره
لإسرائيل.
وغني عن البيان أن الدفع
بمخالفة الحكم المطعون فيه بالطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق ع لقواعد توزيع
الاختصاص بين دوائر محكمة القضاء الإداري (مذكرة الجهة الإدارية بجلسة 5/ 1/ 2009)
مردود لابتنائه على ما تسوقه الجهة الإدارية من أن النزاع متعلق بعقد تجاري, وهو
ما ثبت مخالفته صحيح الواقع والقانون على ما سلف البيان، وأن الصحيح هو أن النزاع
متعلق بقرار استوفى أركان القرار الإداري الخاضع لرقابة قاضي الإلغاء الإداري،
فضلاً عن أن مخالفة الحكم لقواعد توزيع الاختصاص بين دوائر المحكمة الواحدة من ذات
الدرجة لا يستوجب بطلان الحكم، الأمر الذي يتعين معه رفض الطلب الاحتياطي ببطلان
الحكم المطعون فيه لعدم اختصاص الدائرة التي أصدرته نوعيًا بنظر النزاع.
ومن حيث إنه بناءً على ما
تقدم تكون محاكم مجلس الدولة مختصة بنظر الطعن على القرار المطعون فيه فيما تضمنه
من تحديد كمية وسعر تصدير الغاز لإسرائيل وذلك بالنسبة لطلب وقف تنفيذ ثم إلغاء
هذا القرار وكذلك بالنسبة للمنازعة التنفيذية موضوع الدعوى الرقيمة 32 لسنة 2008
باعتبارها متفرعة عن المنازعة الأصلية، وتطبيقًا للقاعدة الأصولية التي تقضي بأن
قاضي الموضوع هو قاضي التنفيذ.
ومن حيث إنه عن الموضوع،
فإن هذه المنازعة تتحصل وقائعها - حسبما يبين من الأوراق وبالقدر الذي يكفي لحمل
منطوق هذا الحكم على أسبابه - في أنه بتاريخ 22/ 4/ 2008 أقام المطعون ضده الدعوى
رقم 33418 لسنة 62 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة طالبًا في ختام عريضة
الدعوى الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 وكل ما
يترتب عليه أو يستند إليه من قرارات أو آثار قانونية، وإلغاء قرار وزير البترول
الأخير برفع سعر البنزين والسولار، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات، وذلك على سند
من القول إن المدعي اتصل بعلمه ما سمي بمذكرة تفاهم وُقعت لتوريد الغاز الطبيعي
لإسرائيل بسعر منخفض، وهي لذلك يلحقها البطلان المطلق وفقًا لأحكام المادة (151/
2) من الدستور، كما علم بصدور القرار الوزاري رقم 100 لسنة 2004 مشيرًا في ديباجته
إلى قرار لمجلس الوزراء بجلسة 18/ 9/ 2000 بمنح وزارة البترول ممثلة في الهيئة
العامة للبترول الحق في التفاوض والتعاقد مع شركة غاز شرق البحر الأبيض المتوسط من
أجل بيع (7) مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لإسرائيل على مدار خمسة عشر عامًا
قابلة للتجديد، بسعر (75) سنتا للمتر المكعب وبسعر أقصى دولار وربع الدولار.
وأضاف المدعي أنه بناءً
على هذا القرار وقعت شركة (إيجبك) والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية
اتفاقًا لتوريد كميات من الغاز الطبيعي وبيعه لإسرائيل عبر شركة غاز شرق البحر
الأبيض المتوسط، ونعي المدعي على القرار مخالفته للدستور والقانون، وأن تحديد سعر
التوريد بقيمة رمزية لا تصل إلى عُشر السعر العالمي قد انعكس سلبًا على مصلحته
وغيره من المصريين، إذ أدى ذلك إلى تقليص الدعم لمحدودي الدخل بزيادة أسعار
البنزين والسولار ومنتجات بتروكيميائية عديدة، وعليه انتهى إلى طلباته السالفة.
وقد تدوول نظر الدعوى في
شقها العاجل أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، حيث حضر المتدخلون إلى
جانب المدعي وبوكلاء عنهم، وأثبتوا طلبات تدخلهم وأودعوا صحفًا معلنة بتدخلهم،
كذلك حضر المتدخلون إلى جانب الجهة الإدارية وبوكلاء عنهم وأودعوا صحيفة معلنة
بتدخلهم، وهم جميع الطاعنين في الطعن رقم 6013 لسنة 55 ق عليا إضافة إلى كل من:
....... و....... و........
وبجلسة 18/ 11/ 2008
أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه، وشيدت قضاءها فيما يتعلق برفض الطعن بعدم اختصاص
المحاكم عمومًا ومحاكم مجلس الدولة ولائيًا بنظر النزاع على أن الثابت من الأوراق
أن المنازعة تدور حول سلطة الإدارة في تنظيم وإدارة واستغلال موارد الدولة وأحد
ثرواتها الطبيعية والتصرف فيها, وقد اختصمها المدعي كسلطة إدارية تقوم على هذا
المرفق, وينبغي عليها أن تلتزم في ذلك حدود الدستور والقانون وضوابطهما, ومن ثم
فلا يعد تصرفها في هذه الحالة ولا القرار الصادر بشأنه من أعمال السيادة بالمعني
القانوني والدستوري, وإنما يعتبر من قبيل أعمال الإدارة التي يقوم على ولاية الفصل
فيها القاضي الإداري دون سواه طبقًا لنص المادة (172) من الدستور.
كما شيدت المحكمة قضاءها
بالنسبة لرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء صفة ومصلحة رافعها على أن الثابت من
الأوراق أن بيع الغاز الطبيعي المصري يتم بثمن لا يتناسب البتة مع السعر العالمي
على نحو ما ذكر المدعي ولم تجحده جهة الإدارة, ومن شأن ذلك إهدار لجزء من ثروات
مصر وعوائدها التي كان يمكن لو أحسن التصرف في هذه الثروة أن تعود على المدعي
والمتدخلين معه بارتفاع دخولهم ومستوى معيشتهم وتحسين الخدمات, الأمر الذي يكون
معه للمدعي والمتدخلين انضماميًا إليه مصلحة جدية تبرر لهم اللجوء إلى القضاء
ومنازعة مسلك جهة الإدارة بغية القضاء لهم بالطلبات التي أبدوها انتصارًا لمبدأ
المشروعية وسيادة القانون ومراعاة المصلحة العامة.
كما شيدت المحكمة قضاءها
بتوافر ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه على أن البادي من ظاهر
الأوراق أنه بالمخالفة لأحكام المادة (123) من الدستور وافتئاتا على اختصاص مجلس
الشعب أصدر وزير البترول قراره المطعون فيه ملزمًا الهيئة المصرية العامة للبترول
والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية بالتعاقد على بيع الغازات البترولية
وضمان توريدها إلى شركة بعينها، وذلك بشروط مجحفة وأسعار بخسة مقدارها خمسة وسبعون
سنتا لكل وحدة غاز حراري، في الوقت الذي يتجاوز فيه السعر العالمي لهذه المنتجات
تسعة دولارات (وقت رفع الدعوى), حسبما ذكر المدعي بعريضة دعواه وبالمستندات
المقدمة منه والتي لم تعقب عليها جهة الإدارة، فضلاً عن أن مسئولين كبارًا
بالحكومة ونوابًا بمجلس الشعب وخبراء مصريين متخصصين طالبوا مرارًا بمراجعة عقود
تصدير الغاز وذلك للحصول على أسعار عادلة لبيع هذه الثروة, وإذ يتعارض تصرف
الإدارة سالف الذكر مع اعتبارات المصلحة العامة, ولا يستقيم مع ما تقضي به نصوص
الدستور المصري من حرمة الملكية العامة وإلزام كل مواطن بواجب حمايتها ودعمها
باعتبارها سندًا لقوة الوطن (المادة 33 من الدستور), وبذلك تكون جهة الإدارة
بإصدارها القرار المطعون فيه قد انحرفت بسلطتها وأساءت بشدة استعمالها.
ومن ناحية أخرى ولما كان
البادي من ظاهر الأوراق أن القرار المطعون فيه لم ينشر, كما لم تنشر تفاصيل وشروط
تصرف الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية
المتعلقة ببيع هذه الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل، رغم
الجدل حول حجم الاحتياطي المصري من هذه الثروة النابضة على نحـو مـا ورد
بالمستندات المقدمة من المدعي, بالإضافة إلى ما نطقت به الأوراق ظاهرًا من سرعة
متناهية وتعاصر مريب في إنشاء الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية وشركة شرق
البحر الأبيض المتوسط, وتعديل نشاطها ومنحها فور ذلك دون غيرها عقد امتياز واحتكار
شراء الغاز الطبيعي المصري الذي يتم تصديره في هذه الحالة إلى إسرائيل.
وإنه لما تقدم جميعه يكون
القرار المطعون فيه قد صدر - بحسب الظاهر - معدوما لمخالفته أحكام الدستور
والقانون, وبذلك يتوافر ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ إلى جانب توافر ركن
الاستعجال لما يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه من نتائج يتعذر تداركها وخسائر
جسيمة للاقتصاد المصري وعليه خلص الحكم من ذلك إلى قضائه سالف البيان.
ومن حيث إن مبنى طعن
الجهة الإدارية على هذا الحكم مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله؛ لأن
المادة (123) من الدستور تحكم حالات منح التزام استغلال واحتكار مورد من موارد
الثروة الطبيعية، وفيها لا يكون منح الالتزام إلا بقانون بخلاف نقل وبيع الغاز
لدول أخري الذي لا يتطلب ذلك، وقد تمت عملية البيع بالقرار المطعون فيه طبقًا
للقوانين وتخرج عن حكم المادة (123) من الدستور، والمعمول به فعلا أن عمليات البحث
عن البترول واستغلاله لا تتم إلا بموجب اتفاقية التزام يصدر بها قانون من مجلس
الشعب، والتي تصل إلى أكثر (200) اتفاقية سارية ببنود نمطية، ومع أن عقود تصدير
الغاز لا يلزم عرضها على مجلس الشعب فإنه مع ذلك تم عرضها وأعمل مجلس الشعب رقابته
عليها، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهبًا مغايرًا لذلك فإنه يكون مشوبًا بمخالفة
القانون.
وبخصوص ما اعتبره الحكم
قرينة على الانحراف بالسلطة من بيع الغاز بسعر منخفض فإنه مردود بأن تحديد السعر
من المسائل الفنية التي تدخل في الاختصاص التقديري لجهة الإدارة ممثلة في الجهات
القائمة على شئون البترول والغاز، بما لها من مقومات الخبرة والدراية التي يستعصي
على غيرها إعمال التقدير فيها، والذي يدخل فيه أن البيع تم لشركة مصرية تحاسب
بأسعار خاصة في ضوء ضمانات قانون الاستثمار، وأن عملية التصدير للغاز تتم لأنه لا
يخزن عقب إنتاجه، وأنه في تاريخ تصدير الغاز لإسرائيل كان السوق العالمية للغاز
الطبيعي في صالح المشتري، فضلا عن الحاجة للنقد الأجنبي، وجذب الاستثمارات،
وبمراعاة أن التصدير يتم من حصة الشريك الأجنبي، وأن شركة شرق البحر المتوسط شركة
خاصة تتحمل كافة نفقات المشروع، وأن التصدير لا يتم لإسرائيل وحدها بل لدول أخرى.
- ومن حيث إن مبنى طعن
المتدخلين مع الجهة الإدارية على الحكم ذاته بطلان ذلك الحكم لمخالفته القانون
بالقضاء بما لم يطلبه الخصوم عندما قضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه
من بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل، مع أن طلبات المطعون ضده كانت وقف تنفيذ القرار
رقم 100 لسنة 2004، وكذلك لعدم توافر شروط الاستعجال. كما بنى الطعن كذلك على أساس
بطلان الحكم للقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال؛ لعدم وجود سوق عالمية للغاز
الطبيعي, وتختلف أسعار التصدير تبعًا لاقتصاديات مشروعات التصدير واختلاف الأسواق
من منطقة لأخرى وأنه وحتى عام 2004 كانت السوق العالمية للغاز هي سوق المشتري, ولم
تكن هناك مؤشرات تنبئ عن ارتفاع الأسعار, وقد اتخذ قرار التصدير لتحقيق عائدات من
النقد الأجنبي، وأنه يتم من حصته استرداد النفقات وحصة الشريك الأجنبي التي يتم
شرائها بسعر (2.65) دولار/ مليون وحدة حرارية بريطانية كحد أقصى طبقًا للاتفاقيات
البترولية السارية حاليًا, في حين يتم تصديرها بحوالي (4.65) دولار/ مليون وحدة
حرارية بريطانية, طبقا لمتوسط سعر التصدير خلال عام 2007 وبذلك يتحقق مكسب لقطاع
البترول المصري قدره (2) دولار/ مليون وحدة حرارية بريطانية، أي أن قطاع البترول
نجح في الحصول على حصة الشريك الأجنبي بسعر تفضيلي, وتم عرض معادلة تسعير الغاز
المقترح التعاقد عليها مع شركة شرق البحر المتوسط للغاز في مجلس إدارة الهيئة
المصرية العامة للبترول ثم على مجلس الوزراء الذي أصدر قراره المطعون فيه.
وخلص الطعن من ذلك إلى أن
السعر الذي تم التعاقد عليه مع الشركة المذكورة كان سعرًا متميزًا في حينه, بينما
ضربت المحكمة في حكمها المطعون فيه صفحًا عن كل ذلك وارتكزت في حكمها على أقوال
مرسلة, وبالتالي يكون حكمها قد اعتراه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال
الأمر الذي يبطله ويستوجب إلغاؤه.
وبخصوص الطعن رقم 7975
لسنة 55 ق فإن وقائعه تخلص في أنه بتاريخ 1/ 2/ 2008 أقام المطعون ضده الدعوى رقم
32 لسنة 2008 أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة طالبًا في ختام عريضة الدعوى
الحكم بقبولها شكلاً، وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار جهة الإدارة السلبي بالامتناع عن
تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق بجلسة 18/ 11/ 2008 وما يترتب
على ذلك من آثار, وإلزام جهة الإدارة تعويضًا قدره تسعة ملايين ونصف دولار يصرف
لدعم رغيف الخبز للمصريين, وتغريم المطعون ضدهم بغرامة تهديدية يومية تقدرها
المحكمة, وإلزام جهة الإدارة المصروفات؛ وذلك على سند من القول إن الحكم الصادر في
الدعوى رقم 33418 لسنة 62 سابق الإشارة إليه امتنعت الجهة الإدارية عن تنفيذه،
وتقاعست عن الواجب المنوط بها قانونا، خاصة بعد اتخاذ إجراءات التنفيذ من تقديم
طلب التنفيذ مرفقًا به الصورة التنفيذية من الحكم وإعلانها به, وهذا الامتناع يشكل
قرارًا مخالفا للدستور والقانون.
وقد تدوول نظر الدعوى
أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 6/ 1/ 2009 أصدرت المحكمة
حكمها المطعون فيه, وشيدت قضاءها - بعد رفض الدفعين بعدم اختصاص المحكمة بنظر
النزاع وبعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة - على أن البادي من ظاهر الأوراق
أنه قد صدر الحكم في الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق المذكور أعلاه, وقام المدعي
بإعلانه إلى جهة الإدارة بتاريخ 23/ 11/ 2008، وبدلاً من أن تبادر الجهة إلى
تنفيذه, امتنعت عن ذلك مما يشكل قرارًا سلبيًا مخالفًا للقانون, وهو ما يتوافر معه
ركن الجدية، إلى جانب ركن الاستعجال لما يترتب على الامتناع عن تنفيذ الحكم من
نتائج يتعذر تداركها تتمثل فيما يلحق باقتصاد الوطن من خسائر مادية جسيمة.
ومن حيث إن مبنى الطعن
على هذا الحكم هو مخالفته للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله, لأنه أهدر القواعد
المقررة لقبول دعوى الإلغاء والتي توجب ورود الدعوى على قرار إداري نهائي, وقد
انتفى هذا القرار, إذ لا يمكن القول بأن هناك امتناع إلا إذا مضت مدة ستين يومًا
على تقديم السند التنفيذي أو إعلان الحكم, والمدعي أقام دعواه بعد سبعة أيام من
صدور الحكم, كذلك أهدر الحكم الأثر القانوني للإشكال الأول, إلى جانب أن الحكم المطلوب
تنفيذه يمس عقودًا مبرمة بين شركات خاصة لم تكن مختصمة في المنازعة الصادر فيها
الحكم, فضلاً عن أنه ليس له من أثر تنفيذي يخول للمدعي المطالبة بتنفيذه, وبافتراض
وجود قرار إداري يمكن الطعن عليه بدعوى الإلغاء, فإن ذلك القرار لا يمكن تكييفه
سوى أنه قرار منفصل عن عقود الغاز المبرمة مع شركات خاصة, ولا يرتب أثرًا؛ حماية
للعقد بعد إبرامه.
ومن حيث إن الفصل في هذا
الطعن الأخير يتوقف على الفصل في الطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق عليا.
- ومن حيث إنه عن الدفع
بعدم قبول الدعوى رقم 33418 لسنة 62ق لرفعها من غير ذي صفة أو مصلحة فقد ورد على
غير سند صحيح من الواقع أو القانون بعد أن ثبت توافر المصلحة والصفة في المدعي
والمتدخلين انضماميا إلى جانبه والمتدخلين انضماميًا إلى جانب الجهة الإدارية على
النحو السالف بيانه, الأمر الذي يكون معه هذا الدفع حريًا بالرفض.
- ومن حيث إنه عن الدفع
بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري فإن الجهة الإدارية الطاعنة تقيمه على
سند من القول بأن القرار المطعون فيه: (أولا) لم يصدر عن الوزير مفصحًا عن إرادته
كسلطة عامة, و(ثانيًا) لم يرد به أية إشارة إلى تحديد سعر لبيع الغاز, و(ثالثًا)
لأن عملية البيع تتم من خلال شركات خاصة من أشخاص القانون الخاص, و(رابعًا) لأن
القرار يرد على أملاك الدولة الخاصة, و(خامسًا) لأن القرار لا يعد قرارًا قابلاً
للانفصال, وأن محكمة النقض ترفض فكرة فصل القرارات الإدارية عن عملية التعاقد,
و(سادسًا) لأن ما يبقى من تكييف الطلبات أنها تتعلق بالقرار السلبي بالامتناع عن
إصدار قانون بتنظيم المسألة محل التداعي، وهو ما يخرج عن اختصاص القضاء الإداري؛
باعتبار أن ذلك عمل تشريعي.
ومن حيث إن البحث في هذه
الأسانيد يعني معاودة المجادلة في اختصاص القضاء عمومًا ومحاكم مجلس الدولة
ولائيًا بنظر الدعوى, وقد ثبت أن الدعوى الماثلة قد اختصمت قرارًا توافرت فيه
أركان القرار الإداري, سواء فيما يتعلق بقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004
والقرار المستند إليه الصادر عن مجلس الوزراء بجلسة 18/ 9/ 2000, وأنهما يجسدان
السلطة الرقابية التي خولتها التشريعات للجهة الإدارية حفاظًا على ثروات البلاد
ولكفالة حاجة السوق المحلي للغاز الطبيعي كسلعة إستراتيجية، وأنه لذلك يكون مفصحًا
عن إرادة الجهة الإدارية كسلطة عامة, وأن القرار بذلك يكون خاضعًا لرقابة قاضي
الإلغاء بغض النظر عن طبيعة العلاقة التي صدر القرار مرخصًا بإنشائها، وبغض النظر
كذلك عن الطبيعة القانونية للأشخاص أطراف هذه العلاقة، فيستوي أن يكون الأطراف من
أشخاص القانون العام أو من أشخاص القانون الخاص, كما لا يشترط أن ترد الرقابة التي
تخولها القوانين واللوائح للجهة الإدارية على مال من الأموال المملوكة للدولة
ملكية عامة, إنما يكفي أن تكون الجهة الإدارية مخولة قانونا في الرقابة على جهات
أو نشاطات بعينها لتكون القرارات الصادرة منها مجسَّدة لهذه الرقابة قرارات إدارية
خاضعة للرقابة القضائية.
وليس من شك في أن القرار
المطعون فيه وهو صادر في مجال إعمال الجهة الإدارية رقابتها المقررة قانونًا على
التصرف في مصدر من مصادر الثروة الطبيعية هو قرار إداري خاضع لرقابة القاضي
الإداري, وهو وإن عُدّ قرارًا ممهدًا لعملية تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى
الخارج وهي عملية تعاقدية, إلا أن القضاء مستقر على أن هذا القرار قابل للانفصال
عن العملية التعاقدية ذاتها, باعتبار أن جميع القرارات السابقة على التعاقد
والممهدة له قد أصبحت قابلة للانفصال عن العقد وتخضع لرقابة القاضي الإداري، بغض
النظر عن الاختصاص القضائي بالعقد ذاته, ولذا فقد قُضي بقبول طعن المتضرر من ترخيص
جهة الإدارة ببيع مدني.
(حكم مجلس الدولة الفرنسي
في قضية كابي بجلسة 13/ 7/ 1968 مجموعة ليبون ص 436 ودورية اليوز سنة 1968 ص 674)
ومن حيث إنه بناءً على ما
تقدم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى الأصلية رقم 33418 لسنة 62 ق لانتفاء القرار
الإداري على غير سند صحيح من القانون حريًا بالرفض.
- ومن حيث إنه عن الدفع
بعدم قبول الدعوى فيما تضمنته من الطعن على قرار رئيس الوزراء الصادر بتاريخ 18/
9/ 2000 لرفعها بعد الميعاد, فهو مردود لعدم نشر هذا القرار بأي طريق من طرق
النشر، وأن مجرد إشارة المدعي إليه لا تكفي لثبوت علمه اليقيني بكافة عناصره قبل
ما يزيد على ستين يومًا من تاريخ الطعن عليه, فضلاً عن أن هذا القرار يرتبط
ارتباطًا لا يقبل التجزئة بقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 بحيث يكون
القراران معًا وحدة واحدة, وهما بهذه المثابة يشكلان القرار المطعون فيه.
- ومن حيث إنه بناءً على ما
تقدم, وإذ استوفت الدعوى رقم 33418 لسنة 62 ق جميع أوضاعها الشكلية المقررة فإنها
تكون مقبولة شكلاً؛ ويتعين القضاء برفض الدفوع بعدم قبولها شكلاً, وبالتالي رفض
الطعن الماثل فيما تضمنه من إلغاء الحكم المطعون فيه لعدم قبول الدعوى شكلاً.
- ومن حيث إن المنازعة
الماثلة بعد القضاء بعدم الاختصاص في بحث مبدأ التصدير لإسرائيل باعتباره عملا من
أعمال السيادة قد انحصرت في البحث في مدى مشروعية قرار مجلس الوزراء بجلسة 18/ 9/
2000، وقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 الصادر تنفيذا له والمرتبط به على
النحو السالف بيانه، فيما تضمناه من تحديد لسعر تصدير الغاز الطبيعي وكميته.
- ومن حيث إن الغاز الطبيعي
- كمورد من موارد الثروة الطبيعية - فرض الدستور والقانون تنظيمًا لاستغلاله، إذ
نصت المادة (123) من الدستور على أن: " يحدد القانون القواعد والإجراءات
الخاصة بمنح الالتزامات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية .... "، وقد
نظم ذلك القانون رقم 66 لسنة 1953 والقانون رقم 86 لسنة 1956 الخاصين بالمناجم
والمحاجر وتعديلاتهما، حيث نصت المادة (50) من القانون الأخير على أنه: "
يجوز أن يرخص بقانون لوزير التجارة والصناعة في أن يعهد بالبحث عن الموارد
المعدنية واستغلال المناجم والمحاجر إلى شركة أو جمعية أو مؤسسة بشروط خاصة
استثناء من أحكام هذا القانون، وتُحدد هذه الشروط في القانون الصادر بالترخيص ".
ونصت المادة (51) على أن:
" يستمر العمل بأحكام القانون رقم 66 لسنة 1953 بالنسبة لخدمات الوقود، ويلغى
فيما عدا ذلك من أحكام، كما تسري على هذه الخامات أحكام المادة السابقة ".
وكانت المادة (1) من
القانون رقم 66 لسنة 1953 المشار إليه قد اعتبرت الغازات الطبيعية داخلة في
(المواد المعدنية) إذ نصت على أنه: " في تطبيق أحكام هذا القانون تطلق عبارة
(المواد المعدنية) على المعادن وخاماتها بما فيها خامات الوقود والعناصر الكيمائية
..... وكذلك الغازات الطبيعية والمياه المعدنية الخارجة من باطن الأرض ..... ".
ونصت المادة (2) من ذلك
القانون على أن: " يعتبر من أموال الدولة ما يوجد في المناجم والمحاجر من
المواد المعدنية في الأراضي المصرية بما فيها المياه الإقليمية "، ونصت
المادة (24) في الفصل الثاني (الأحكام الخاصة بخدمات الوقود) على أن: " تسري
الأحكام المبينة في هذا الفصل على خامات الوقود الآتية " ( أ ) ........ (ب)
خامات البترول السائلة بمختلف كثافتها ...... والغازات الطبيعية البترولية ...... ".
وقد صدر قرار رئيس
الجمهورية بالقانون رقم 167 لسنة 1958 بإنشاء الهيئة العامة لشئون البترول الذي
ينص في المادة (2) منه على أن: " .... وتتولي الهيئة العامة لشئون البترول
على وجه الخصوص ما يأتي: ...... (4) إبداء الرأي مقدما في تراخيص البحث عن البترول
واستغلاله ..... (6) الاشتراك مع الجهات المختصة في تحديد أسعار المواد البترولية
.... (12) القيام بعمليات البحث عن المواد البترولية وإنتاجها وشراؤها وبيعها
ونقلها وتوزيعها .... ".
وقد صدر القانون رقم 20
لسنة 1976 في شأن الهيئة المصرية العامة للبترول الذي ينص في مادته الأولى على أن:
" الهيئة المصرية العامة هيئة عامة لها شخصية اعتبارية مستقلة، تعمل على
تنمية الثروة البترولية وحسن استغلالها وتوفير احتياجات البلاد من المنتجات
البترولية المختلفة، وتباشر السلطات والاختصاصات المنصوص عليها بالقانون رقم 167
لسنة 1958 بإنشاء الهيئة العامة لشئون البترول، والاختصاصات المتعلقة بالأحكام
الخاصة بخامات الوقود المنصوص عليها في القانون رقم 66 لسنة 1953 والقانون رقم 86
لسنة 1956 الخاصين بالمناجم والمحاجر، وذلك في إطار الأهداف والخطط والسياسات
العامة التي يقررها المجلس الأعلى لقطاع البترول ".
وإلى جانب هذه الاختصاصات
التي نقلت إلى الهيئة المصرية العامة للبترول الواردة بالقانون رقم 167 لسنة 1958
وتلك المتعلقة بالأحكام الخاصة بخامات الوقود التي تشمل الغازات الطبيعية في
القانون رقم 66 لسنة 1953 والقانون رقم 86 لسنة 1956 الخاصين بالمناجم والمحاجر،
خولت المادة (9) من القانون رقم 20 لسنة 1976 مجلس إدارة الهيئة الآتي: (1)....(5)
تقييم خام الإتاوة ونصيب الهيئة في الخادم الذي يستحق في التكرير المحلي بالأسعار
التي تتمشي مع أسعار بيع المنتجات البترولية في السوق المحلي... (8) إنشاء شركات
مساهمة بمفردها أو مع شريك أو شركاء آخرين......
وفي هذا الإطار صدر
القانون رقم 217 لسنة 1980 في شأن الغاز الطبيعي الذي ينص في مادته الأولى منه على
أن:" تتولي الهيئة المصرية العامة للبترول وإحدى شركات القطاع العام للبترول
إمداد وتوصيل وتسويق الغاز الطبيعي للمناطق السكنية والمصانع ومحطات القوى التي
يصدر بتحديدها قرار من وزير البترول"،
وقد صدر قرار رئيس مجلس
الوزراء رقم 1009 لسنة 2001 بشأن إنشاء الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية،
وحددت المادة الرابعة من القرار أن غرض الشركة العمل بكافة أنشطة الغاز الطبيعي،
ولها على الأخص: .... (7) المشاركة في القيام بعمليات الاستكشاف والبحث عن الغازات
الطبيعية واستخراجها واستغلالها طبقًا لأحكام القوانين والقرارات السارية.
وتطبيقًا لأحكام
التشريعات المعتمدة صدرت قوانين متعددة بالترخيص لوزير البترول في التعاقد مع
الشركة القابضة للغازات الطبيعية وإحدى الشركات العالمية العاملة في المجال للبحث
عن الغاز والزيت الخام واستغلالهما في المنطقة المحددة بكل قانون، ونصت الماد
الثانية من القانون الصادر بالترخيص على أن: "تكون للقواعد والإجراءات
الواردة في الشروط المرفقة قوة القانون، وتنفيذ بالاستثناء من أحكام أي تشريع
مخالف لها".
"وبالرجوع إلى هذه الشروط
المرفقة بالقوانين الصادرة بتراخيص البحث عن الغاز واستغلاله يبين أنها شروط
نموذجية تسير على وتيرة واحدة، وقد تضمنت التعريفات الواردة بهذه الشروط أن (عقد
بيع الغاز) يعني عقدًا مكتوبًا بين إيجاس والمقاول(بصفتيهما بائعين)، وإيجاس أو
إيجاس و/ أو طرف ثالث توافق عليه إيجاس (بصفتها مشتريًا)، والذي يحتوي على النصوص
الخاصة بمبيعات الغاز من عقد للتنمية أبرم وفقًا للمادة السابقة فقرة (هــ).
وتتضمن المادة السابعة
بخصوص (استيراد التكاليف والمصروفات واقتسام الإنتاج) تنظيما مفصلا لمراجعة سنوية
لكميات الغاز المتعاقد عليها والكميات المنتجة وتسجيل كميات (الغاز التعويضي)
وحساب غاز (قصور التسليم أو الدفع)، كما تتضمن ذات المادة النص على أن تعطى
الأولوية للوفاء باحتياجات السوق المحلية كما تحددها إيجاس، وفي حالة عدم توافر
أسواق محلية يحق لإيجاس والمقاول تصدير الغاز، وأنه في حالة إيجاس هي المشترية
للغاز يكون التصرف في الغاز كما هو مبين بعالية (في الشروط) بمقتضى عقود لبيع
الغاز طويلة الأجل تبرم بين إيجاس والمقاول (بصفتهما بائعين) وإيجاس (بصفتها
مشتريًا).
والبين من النصوص
المتقدمة أنها تغاير في أحكام التصرف في الغاز عن أحكام التصرف في البترول، حيث
أعطت الأولوية للوفاء باحتياجات السوق المحلية كما تحددها الشركة المصرية القابضة
للغازات الطبيعية؛ نزولا على أحكام المادة الأولى من القانون رقم 217 لسنة 1981،
فلا يجوز لهذه الشركة والشركة المرخص لها في البحث والاستغلال، - وهي (المقاول) في
قوانين تراخيص البحث والاستغلال - تصدير الغاز إلا في حالة عدم توافر أسواق محلية،
كما تلتزم هذه الشركات بالمراجعة السنوية لعملياتها.
وفي هذا الخصوص قدم أطراف
النزاع دراسات مختلفة تخص تحديد سعر تصدير الغاز، وأوضحت الجهة الإدارية
والمتدخلون انضماميًا إلى جانبها الأهداف الإستراتيجية لعملية تصدير الغاز الصادر
بها القرار المطعون فيه، والاعتبارات والأسس التي يحدد بناءً عليها سعر التصدير،
ويبين من هذه الدراسات أنها ذات طبيعة فنية متخصصة وتخضع لتقدير المجلس الأعلى
للبترول حسبما ورد بمذكرات الطاعنين؛ لذلك فإن المحكمة لا تغرق نفسها في هذه
التفاصيل الفنية الدقيقة، إنما تقف عند القواعد والضوابط التى وضعتها التشريعات
لتجرى في ضوئها عمليات بيع وتصدير الغاز الطبيعي، خاصة وأنه على الرغم من تضخم
حوافظ المستندات والدراسات والمذكرات المقدمة في الطعون الماثلة، وما أشار إليه
قرار مجلس الوزراء الصادر في 18/ 9/ 2000 في البند (ثالثًا) للمعادلة التى جاءت
بالمذكرة، وكذا إشارة مذكرات المتدخلين انضماميًا إلى جانب الجهة الإدارية إلى
وجود دراسة تَحدَّد بناءً عليها سعر تصدير الغاز وكميته عرض على مجلس الوزراء وصدر
بناءً عليها قراره المشار إليه، فإنه لم تقدم هذه المذكرة أو تلك الدارسة رغم
تأجيل نظر الطعون أكثر من مرة لاستكمال المستندات، ورغم كون ما عرض على مجلس
الوزراء هو المستند الرسمي الذي يعول عليه في هذا الموضوع.
وبخصوص القواعد والضوابط
التى تضمنتها التشريعات سالفة الذكر، ومنها بالأخص القوانين الصادرة بتراخيص البحث
عن الغاز واستغلاله، فقد صدرت بالترخيص لوزير البترول في التعاقد مع الهيئة
المصرية العامة للبترول ومن بعدها الشركة القابضة للغازات الطبيعية مع إحدى
الشركات العالمية العاملة في مجال البحث عن الغاز واستغلاله في المنطقة المحددة
بكل قانون، وهو ما لا يقتضي عند استغلال ناتج البحث معاود استصدار قانون جديد، لأن
ذلك يعد ممارسة لاختصاص محدد قانونًا لها, إلا أن هذا الاستغلال يتوجب أن يجري
وفقًا للشروط المرفقة والخرائط الملحقة بكل قانون، والتى تشترك جميعها في فرض
مراجعة سنوية لكميات الغاز المتعاقد عليها، والكميات المنتجة وتسجيل كميات الغاز
التعويضي، وحساب غاز قصور التسليم أو الدفع، وإعطاء الأولوية للوفاء باحتياجات
السوق المحلية، وهذه القواعد والشروط تكون لها بنص قوانين الترخيص قوة القوانين،
بل وتنفذ بالاستثناء من أحكام أي تشريع، ومن بينها القانون الصادر بالتصديق على
معاهدة السلام المصرية التى لم تخرج على ما ورد بالقواعد والضوابط السالفة؛ إذ قضت
بأن حق إسرائيل بموجب هذه الاتفاقية هو "التقدم بعطاءات لشراء البترول المصري
الأصل والذي لا تحتاجه مصر لاستهلاكها المحلي، وأن تنظر مصر والشركات التى لها حق
استثمار بترولها في العطاءات المقدمة من إسرائيل على نفس الأسس والشروط المطبقة
على مقدمي العطاءات الآخرين لهذا البترول".
ومن حيث إنه تطبيقًا لما
تقدم بخصوص ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإن البادي من ظاهر الأوراق
أنه حددت كمية الغاز الطبيعى الذي يتم تصديره للأسواق المستهلكة بمنطقة شرق البحر
الأبيض المتوسط وأوربا بـ (7) بليون متر مكعب سنويا، تزاد في حالة وجود فائض، أى
أن الحد الأدني للتصدير ثابت ومحدد بالكمية المذكورة، وأن زيادتها فقط هي المشروطة
بوجود فائض، كذلك حُدّد سعر التصدير بحد أدنى 0,25 دولار أمريكي، مليون وحدة
حرارية بريطانية)، وحد أقصى 0,75 دولار أمريكي/ مليون وحدة حرارية بريطانية، أو
1015 دولار/ مليون وحدة حرارية بريطانية في حالة وصول سعر خام برنت (متوسط 3 أشهر)
إلى 35 دولارا/ برميل أو أكثر)، أي أن السعر قد تحدد على نحو ثابت بين هذين
الحدين، ولا مجال لزيادة الحد الأقصى للسعر حتى مع تجاوز سعر خام برنت هذا السقف
الذي حدده القرار على النحو السالف، ومهما تضاعف السعر.
وإذ قضى القرار بأن يكون
التعاقد مع شركة شرق البحر المتوسط للغاز لمدة (15) عامًا، يمكن تجديدها بموافقة
الطرفين، فإن كمية الغاز الطبيعي المصدر وسعره يكونان قد تحددا على نحو ثابت غير
قابل لأي مراجعة في ضوء التطورات الجذرية الممكن حدوثها خلال مدة الخمسة عشر
عامًا، وهو ما لا يتفق - بحسب ظاهر الأوراق - مع ما تضمنته التشريعات الحاكمة
لاستغلال هذه الإستراتيجية، وخاصة الشروط الصادر بها قوانين تراخيص البحث عن الغاز
واستغلاله بما يتفق مع ما نُصَّ عليه صراحة في اتفاقية السلام على النحو السالف.
وإذ كان احترام هذه
الشروط التي أسبغ عليها المشرع قوة القانون يوجب كحد أدنى إيجاد آلية محددة
لمراجعة الأسعار والكميات بصفة دورية، وبما يكفل الالتزام بالشروط الصادر بها
القوانين المشار إليها، وتضمن أن يكون التصدير في حدود ما يفيض عن حاجة السوق
المحلي، هذا فضلا عن أن التحديد الثابت للكمية والسعر قد تم بناء على دراسات عام
2000، حال كان السعر - كما أكدت كافة الدراسات والمذكرات المقدمة من الطاعنين -
مناسبًا في حينه، وأبرمت بناءً عليه الاتفاقيات خلال المدة حتى عام 2003، إلا أن
الأوراق قد أجديت عما يفيد ما طرأ على هذه التقديرات من تغييرات لاحقة على عام
2003، وتحديدًا في تاريخ صدور قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004، كما أجديت
الأوراق عن أي تفسير لعدم إعادة العرض على مجلس الوزراء بعد مرور ما يزيد على ثلاث
سنوات من تاريخ صدور قراره في 18/ 9/ 2000 لإعادة بحث أمر سعر تصدير الغاز أو
الاحتياجات المقدمة منه، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه مرجح الإلغاء،
ويتوافر بالتالى ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه لا يقدح فيما
تقدم أن العقود طويلة الأجل للغاز الطبيعي تسمح بتحقيق توازن بين البائع والمشتري،
وهي شرط أساسي للبنوك المقرضة عالميًا لتمويل المشروع وتمثل ضمانة لهم وللمستورد،
وأن قطاع البترول خاض مفاوضات شاقة ومضنية بهدف تعديل الشروط المالية والتجارية في
عقود تصدير الغاز الطبيعي، وأن الهدف من التصدير هو توفير حصيلة دولارية تغطي
العبء النقدي المطلوب سداده إلى الشركاء الأجانب؛ ذلك لأن الشروط الصادر بها
قوانين تراخيص البحث والاستغلال للغاز الطبيعي - وكما سلف البيان - لم تجز أن يكون
التصرف في الغاز كما هو مبين بالشروط بمقتضى عقود بيع طويلة الأجل إلا في حالة كون
(إيجاس) هي المشترية للغاز، ويكون العقد مبرما بين (إيجاس) والمقاول بصفتيهما
بائعين، و(إيجاس) بصفتها مشتريا، فضلا عن أن النزاع الماثل يختصم قرار مجلس الوزراء
الصادر في 18/ 9/ 2000 وقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004، وقد خلت الأوراق مما
يفيد مراجعتهما أو تعديلهما على ضوء ما أشار إليه دفاع الطاعنين، ومن ثم يظل
القراران وبحسب الظاهر من الأوراق مخالفين للقانون على النحو السالف، بل إن ما
يثار من نجاح الجهود في تعديل عقود بيع الغاز لصالح الجانب المصري مما سمح بزيادة
أسعار التصدير وإيجاد آلية لمراجعة الأسعار دوريًا بما يتمشى مع الأسعار السائدة
بالأسواق العالمية (مذكرة المتدخلين انضماميًا إلى جانب الجهة الإدارية أثناء حجز
الطعون للحكم ص 45)، هو مما يؤكد صراحة مخالفة القرار مخالفة القرار المطعون فيه
للقانون على النحو سالف البيان، إذ لم يتضمن خلافًا لما ورد بتقرير نوفمبر 2009 (ص
8) ومذكرة إجراءات وآليات تسعير الغاز الطبيعي التي أعدتها الشركة المصرية القابضة
للغازات الطبيعية والهيئة المصرية العامة للبترول (المودعة حافظة مستندات الجهة
الإدارية بجلسة 7/ 11/ 2009) الآلية اللازمة لتوافق التصدير مع الشروط الصادرة بها
قوانين تراخيص البحث والاستغلال.
كما لا يقدح فيما تقدم ما
أثاره الطاعنون من عرض موضوع النزاع على مجلس الشعب ولجنة الصناعة والطاقة بالمجلس
من خلال عدد من طلبات الإحاطة والمناقشة والبيانات العاجلة، إذ إن مثل هذا العرض
لم يتمخض عن قانون معدل لقوانين تراخيص البحث والاستغلال بما يسمح بالتخلي عن
المراجعة السنوية وإيجاد آلية للمراجعة وإبرام عقود طويلة الأجل مع غير(إيجاس)
كمشترية.
فضلا عن أنه من المستقر
عليه منذ أمد بعيد أنه يلزم التفرقة بين التأييد السياسي والتصديق القانوني، فحصول
السلطة التنفيذية على موافقة البرلمان على عمل إداري أجرته دون أن يلزمها الدستور
بعرض العمل على البرلمان هو عبارة عن تأييد سياسي لا غير من طبيعة العمل الإداري
الذي اكتملت أركانه وعناصره بمجرد صدور القرار المطعون عليه من مجلس الوزراء ووزير
البترول (حكم محكمة التنازع في فرنسا في قضية مارجو ينجى بجلسة 5/ 11/ 1880
المجموعة السابقة سنة 1880 ص 802، وحكم محكمة القضاء الإداري الصادر بجلسة 26/ 2/
1953).
ومن حيث إنه بناءً على ما
تقدم فقد توافر في طلب تنفيذ القرار المطعون فيه (فيما تضمنه من تحديد ثابت لكمية
وسعر تصدير الغاز الطبيعي المصري للأسواق المستهلكة بمنطقة شرق البحر المتوسط وعلى
نحو ثابت خلال خمسة عشر عامًا) ركن الجدية، فضلا عن توافر ركن الاستعجال المتمثل
في النتائج الخطيرة التي يرتبها تنفيذ القرار المطعون فيه على عائد الغاز الطبيعي
المصري كسلعة استراتيجية ومن ثم تأثيره في الاقتصاد القومي المصري، ومن ثم فقد
استقام طلب وقف التنفيذ على ركنه من الجدية والاستعجال، الأمر الذي يتعين معه
القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحديد حدين ثابتين يتراوح
بينهما سعر تصدير الغاز الطبيعي، وتحديد كمية ثابتة يجرى تصديرها بسعر ثابت خلال
خمسة عشر عامًا على النحو السالف.
وإذ ذهب الحكم المطعون
فيه غير هذا المذهب وقضى بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاء مجردًا، الأمر الذي يكون
معه مخالفًا للقانون، حريًا بالإلغاء، والقضاء مجددًا في الطعنين رقمي 5546 و 6013
لسنة 55 ق عليا بقبولهما شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه
من تحديد ثابت لأسعار تصدير الغاز الطبيعي والكمية المصدرة منه دون مراعاة
للاحتياجات المصرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية
المتدخلين انضماميًا إلى جانبها المصروفات عملا بنص المادة 184 من قانون المرافعات
المدنية والتجارية.
ومن حيث إن مؤدى إلغاء
الحكم المطعون فيه في الطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 ق عليا على النحو المتقدم
أن يضحى الحكم الصادر في الدعوى رقم 32 لسنة 2008 الاستمرار في تنفيذه واردًا على
غير محل، ويتعين بالتالى القضاء بإلغائه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام
المطعون ضده المصروفات عملا بنص المادة (184) من قانون المرافعات المدنية
والتجارية.