جلسة 24 من مايو سنة 1978
برئاسة السيد المستشار محمد أسعد محمود نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: الدكتور إبراهيم صالح، محمد الباجوري؛ صلاح نصار ومحمود رمضان.
---------------
(257)
الطعن رقم 554 لسنة 44 القضائية
(1) إيجار "إيجار الأماكن".
تحديد لجنة التقدير القيمة الإيجارية بأقل من المتفق عليه في العقد. وجوب الاعتداد بالتقدير وبأثر رجعي. تحديدها لتلك القيمة بما يزيد عن الوارد بالعقد. عدم سريان هذه الزيادة طوال مدة التعاقد الأصلية. شرط ذلك.
(2 - 4) إثبات "الأوراق الرسمية". إيجار.
(2) رسمية الورقة. مناطها. عدم اشتراط أن يكون محررها متخصصاً فيما يدلي أمامه ذوي الشأن من أقوال. محضر الشرطة بجمع الاستدلالات. محرر رسمي.
(3) الصورة الرسمية للمحرر الرسمي. حجة بقدر مطابقتها للأصل. سقوط هذه القرينة بالمنازعة في تلك المطابقة. وجوب أن تكون المنازعة جدية وصريحة.
(4) الإقرار غير القضائي. جواز استخلاصه من محضر شكوى إداري مرفق بالدعوى خضوعه لتقدير القاضي. مثال في إيجار.
(5) إيجار "إيجار الأماكن". اختصاص. "اختصاص ولائي".
اختصاص المحاكم الابتدائية بنظر الطعون في قرارات لجان تقدير الأجرة. قاصر على تلك التي لم تضحى نهائية حتى تاريخ العمل بالقانون 52 لسنة 1969 ق 18/ 8/ 1969. قرارات مجالس المراجعة. اختصاص مجلس الدولة بنظر الطعون فيها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليها الأولى أقامت الدعوى رقم 912 لسنة 1969 مدني أمام محكمة الوايلي الجزئية - والتي أحيلت إلى محكمة القاهرة الابتدائية وقيدت برقم 8150 لسنة 1969 مدني - ضد الطاعن بطلب إلزامه دفع مبلغ 178 جنيه 600 مليم وقالت شرحاً لها إنه بموجب عقد مؤرخ 13/ 6/ 1966 استأجر منها الطاعن شقة بالمنزل رقم....... لقاء أجرة شهرية قدرها 15 جنيه، وإذ يخضع العقد لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962، وصدر قرار نهائي من مجلس المراجعة في 15/ 1/ 1969 بتحديد الأجرة بمبلغ 20 جنيه، و600 مليم، ورفض الطاعن أداء فروق الأجرة المستحقة رغم مطالبته فقد رفعت الدعوى. كما أقام الطاعن الدعوى رقم 7330 سنة 1969 مدني أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهما - مالكة العقار ومحافظ القاهرة بصفته - طالباً الحكم (أولاً) بعدم الاعتداد بقرار اللجنة المشكلة طبقاً للقانون رقم 46 لسنة 1967 بتحديد القيمة الإيجارية للشقة بمبلغ 20 جنيه و600 مليم واعتباره كأن لم يكن، (ثانياً) بتثبيت القيمة الإيجارية للعين بمبلغ 15 جنيه استناداً إلى أن الأجرة الواردة بعقد الإيجار هي الأجرة الحقيقة التي ارتضاها الطرفان، وفي تاريخ لاحق على صدور قرار لجنة تقدير القيمة الإيجارية بتاريخ 29/ 5/ 1966 بتحديدها بمبلغ 20 جنيه، و600 مليم. ضمت الدعويان. دفعت المطعون عليها الأولى بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى المقامة من الطاعن وولاية القضاء الإداري. وبتاريخ 23/ 2/ 1971 حكمت المحكمة (أولاً) في الدعوى رقم 7230 برفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي وبتثبيت القيمة بمبلغ 15 جنيه وبعدم الاعتداد بقرار لجنة تحديد الأجرة المؤرخ 29/ 5/ 1966 (ثالثاً) في الدعوى رقم 8150 برفضها. استأنفت المطعون عليها الأولى هذا الحكم بالاستئناف رقم 1634 لسنة 88 ق القاهرة طالبة إلغاءه والقضاء لها بطلباتها وأضافت طلب ما يستجد من فروق. وفي 21 مارس سنة 1974 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعن وبإلزامه في دعوى المطعون عليها بأن يدفع لها مبلغ 316 جنيهاً و250 مليم على أقساط شهرية بواقع 5 جنيهات و600 مليم. طعن الطاعن على هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأته أنه جديراً بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب، ينعى الطاعن بالسببين الأول والثاني منها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم اعتد بقرار لجنة تقدير القيمة الإيجارية الصادر في 29/ 5/ 1966 بتحديد الأجرة الشهرية لعين النزاع بمبلغ 20 جنيهاً و600 مليم، مهدراً الأجرة المتفق عليها في عقد الإيجار المؤرخ 13/ 6/ 1966 بمبلغ 15 جنيهاًً، على سند من القول بأن المطعون عليها الأولى لم تكن تعلم عند التعاقد بصدور قرار اللجنة، بدليل أنها لم تعن به إلا في 4/ 8/ 1968، وبادرت إثر ذلك بالتظلم منه وقبل تظلمها شكلاً وصدر قرار مجلس المراجعة في 15/ 1/ 1969، وأن عقد الإيجار وإن خلا من أي تحفظ إلا أن الطاعن أقر في الشكوى رقم 5989 لسنة 1967 إداري الوايلي بأي الأجرة المسماة في عقد الإيجار أجرة مؤقتة لحين تقدير اللجنة، وهو يعتبر إقراراً معدلاً للتعاقد يؤخذ به صاحبه ما دام لا ينازع في صدوره منه وأنه مذيل بتوقيعه في حين أن علم المطعون عليها الأولى بقرار اللجنة أو عدم علمها ليس له من إثر على الأجرة المتفق عليها في العقد، طالما لم تكن الأجرة المقدرة بمعرفة اللجنة أقل من الأجرة الاتفاقية، إذ المحظور هو الاتفاق على أجرة تجاوز الأجرة التي حددها القرار الصادر من اللجنة أو من مجلس المراجعة، هذا إلى أن الحكم استند إلى صورة رسمية من الشكوى الإدارية سالفة البيان ولم يقدم أصلها، فلا تعتبر محرراً رسمياً، ولا يمكن الاعتداد بما أثبته محررها من أقوال منسوبة إلى الطاعن لاتصالها بأحد العقود ذات الطابع المدني التي لا اختصاص لرجل الشرطة المحقق بتحريره، خاصة وأن الطاعن اعترض في دفاعه أمام محكمة أول درجة على ما ورد بهذه الشكوى منسوباً إليه، وأنكر عدها من أدلة الإثبات المدينة، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن النعي مردود، ذلك أن النص في الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من القانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن معدلة بالقانون رقم 133 لسنة 1963 على أنه "... ويجوز للمالك قبل صدور قرار اللجنة بتحديد الإيجار وتوزيعه أن يؤجر المبنى كله أو بعضه على أن يسري قرار اللجنة بأثر رجعي من بدء تنفيذ عقد الإيجار". وفي الفقرة السادسة من المادة الخامسة منه معدلة على أنه "... وتكون قرارات لجان التقدير نافذة رغم الطعن فيها"...، تدل على أن المشرع قدر أن لجان تقدير القيمة الإيجارية المنصوص عليها فيه، والمنوط بها تحديد إيجار المباني الخاضعة لأحكامه سوف تستغرق في إنجاز عملها وقتاً قد يطول، فأجاز للمالك بعد إتمام مبناه وإعداده للسكن ألا ينتظر حتى تفرغ اللجنة من عملها، فيعمد إلى إيجار الوحدات السكنية كلها أو بعضها، ويعين إيجار كل وحدة تعييناً مؤقتاً، فإذا أتمت لجنة التقدير عملها وأصدرت قرارها كان هذا الإيجار هو المعتبر، فإن كانت القيمة الإيجارية التي حددتها اللجنة أقل من المتفق عليه بالعقد تعين خفض الأجرة العقدية إلى القيمة المحددة بأثر رجعي من وقت إبرام العقد، وإن حددت اللجنة قيمة أكثر فالأصل ألا تسري زيادة القيمة الإيجارية على المستأجر المتعاقد طوال مدة الإيجار الأصلية، اعتباراً بأن المالك قبل النزول عن الحد الأقصى للأجرة وارتضى الأجرة الأقل، شريطة ألا يكون هذا الرضاء مشوباً بعيب يفسده، وألا يكون المالك قد تحفظ صراحة أو ضمناً عند التعاقد بحقه في التمسك بقرار اللجنة عند صدوره، ويجوز استقاء هذا التحفظ من كافة الظروف والملابسات المحيطة بالتعاقد، فإذا انقضت المدة الأصلية وامتد الإيجار بحكم القانون جاز للمالك أن يرفع الأجرة إلى حدها الأقصى. ولما كان البين من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه ذهب إلى أن عقد الإيجار وإن خلا من أي تحفظ بشأن التمسك بقرار اللجنة ولئن كان الثابت أنه أبرم في تاريخ لاحق لصدور هذا القرار، إلا أن المقطوع به أن المطعون عليها الأولى لم تكن تعلم به عند التعاقد للذرائع التي ساقها التي ليست في محل نعي، واستطرد الحكم إلى أن ما جاء على لسان الطاعن في الصورة الرسمية للشكوى الإدارية المشار إليها بسبب النعي والذي لم ينكر نسبته إليه يعتبر بمثابة إقرار غير قضائي معدل للتعاقد، بما يفيد أن نية الطرفين انصرفت في صدد تعيين الأجرة إلى التعامل وفقاً لقرار لجنة تقدير القيمة الإيجارية، لما كان ذلك وكان مناط رسمية الورقة في معنى المادتين 390، 391 من القانون المدني المقابلتين للمادتين 10، 11 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 - أن يكون محررها موظفاً عمومياً مكلفاً بتحريرها بمقتضى وظيفته، وهي حجة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره فإن محضر الاستدلالات الذي حرره أحد رجال الشرطة بناء على شكوى قدمت إليه وأثبت فيها ما أدلى به ذو الشأن من أقوال أمامه فيها، يعتبر بهذه المثابة من المحررات الرسمية، ولا محل للقول بوجوب أن يكون من يتولى تحرير الورقة الرسمية متخصصاً فيما يدلى به ذوو الشأن من أقوال أمامه أو له دراية بفحوى هذه الأقوال، اكتفاء بأن يكون الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة والذي يتولى تحرير الورقة مختصاً بكتابتها من حيث طبيعتها وأن يراعي الأوضاع القانونية المتطلبة في تحريرها، لما كان ما تقدم وكان مؤدى المادة 392 من القانون المدني المطابقة للمادة 12 من قانون الإثبات أنها شرعت قرينة قانونية على أن الصورة الرسمية للمحرر الرسمي - خطية كانت أو فوتوغرافية - تكون حجة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة للأصل ما لم ينازع في ذلك أحد الطرفين، ولئن كانت مجرد المنازعة تكفي لإسقاط قرينة المطابقة إلا أنه ينبغي أن تكون هذه المنازعة صريحة في انعدام هذه المطابقة متسمة بالجدية في إنكارها وإذ كان البين من مذكرة الطاعن المقدمة لمحكمة الموضوع أنها اقتصرت على القول بأن "محاضر البوليس ليس من أدلة الإثبات المدنية"، فإن ذلك لا ينطوي على منازعة في مدى التطابق بين صورة المحرر الرسمي وأصله، وليس من شأنه إهدار القرينة القانونية آنفة الذكر، ويكون الحكم في مطلق حقه إذ عول على ما ورد بالصورة الرسمية للشكوى من أقوال منسوب صدورها إلى الطاعن. لما كان ما سلف وكان المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الإقرار الوارد بأحد الشكاوى الإدارية يعد إقراراً غير قضائي ويخضع لتقدير القاضي، وكان لا يشترط في الإقرار غير القضائي أن يكون صادراً للمقر له بل يجوز استخلاصه في أي دليل أو ورقة من مستندات الدعوى، فإنه لا على الحكم إن هي انتهى في استخلاص سائغ إلى أن ما ثبت على لسان الطاعن في محضر جمع الاستدلالات المشار إليه يكشف عن صدق ما ذهبت إليه المطعون عليها الأولى من أن النية انصرفت عند التعاقد إلى أن قرار لجنة تقدير القيمة الإيجارية هو المعتبر في تحديد الأجرة، وأن ما ورد بالعقد من أجرة مسماة كان موقوتاً بصدور هذا القرار الذي لم يتصل بعملها عند إبرامها العقد بما ينفي مظنة ارتضائها النزول عن الحد الأقصى للأجرة، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة أول درجة بأن قرار مجلس المراجعة المؤيد لقرار لجنة التقدير صدر دون إخطاره بقيام التظلم، وحيل بينه وبين إبداء أقواله أمامه، وبذلك انحدر القرار إلى درجة الانعدام، ويعتبر هذا الدفاع مطروحاً على محكمة الدرجة الثانية طبقاً للأثر الناقل للاستئناف، بما كان مقتضاه اعتباره طعناً على قرار لجنة تقدير القيمة الإيجارية تختص المحكمة الابتدائية بنظره والفصل فيه عملاً بحكم المادة 43 من القانون رقم 52 لسنة 1969 التي كانت سارية المفعول قبل إقامة الطاعن دعواه الماثلة، فيقوم الحكم بالنظر في تقدير الأجرة تبعاً لانعدام قرار مجلس المراجعة، وإذ لم يعرض الحكم لهذا الدفاع الجوهري الذي من شأنه تغيير وجه الرأي في الدعوى فإنه علاوة على مخالفة القانون يكون قاصر التسبيب.
وحيث إن النعي غير سديد، ذلك أن مفاد ما تقضي به المادتان 41، 42 من القانون رقم 52 لسنة 1969 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين والمعمول به اعتباراً من 18/ 8/ 1969 من جعل الطعن في قرارات لجان تقدير القيمة الإيجارية من اختصاص المحاكم الابتدائية الكائن في دائرتها العقار يقتصر على القرارات التي تصدر بعد بدء العمل بالقانون سالف الذكر، أو تلك التي صدرت من هذه اللجان ولم تصبح نهائية بعد حتى ذلك التاريخ، فلا يستطيل نطاقها إلى قرارات اللجان التي عرضت بالفعل على مجالس المراجعة وفصل فيها أو صارت نهائية قبل بدء العمل به، فهذه وتلك يختص القضاء الإداري بمجلس الدولة بنظر الطعون فيها باعتبارها قرارات صادرة من جهات إدارية ذات اختصاص قضائي وفقاً للمادة 11 من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن مجلس الدولة والمقابلة للمادة 10/ 8 من القانون رقم 48 لسنة 1973 لما كان ذلك وكان قرار مجلس المراجعة قد صدر في 15/ 1/ 1969 أي في تاريخ سابق على سريان القانون رقم 52 لسنة 1969، وكان الطعن على قرار لجنة التقدير أو قرار مجلس المراجعة يتم باتخاذ إجراءات شكلية وتحكمها مواعيد خاصة، فإنه لا على الحكم إذا هو لم يعرض لما أثاره الطاعن تعييباً على قرار مجلس المراجعة أياً كان وجه الرأي فيه، ويكون النعي بمخالفة القانون والقصور في التسبيب على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق