الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 15 مايو 2023

الطعن 388 لسنة 31 ق جلسة 19 / 1 / 1966 مكتب فني 17 ج 1 ق 21 ص 151

جلسة 19 من يناير سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، وصبري أحمد فرحات، ومحمد نور الدين عويس.

---------------

(21)
الطعن رقم 388 لسنة 31 القضائية

(أ) حكم. "بيانات الحكم". بطلان.
الحكم. بياناته. كفايتها. مثال. م 349 مرافعات.
(ب) حكم. "بيانات الحكم". "تسبيب الحكم". "تسبيب كاف".
حكم. بياناته. عدم ذكر نصوص المستندات المقدمة في الدعوى. عدم ذكر أسماء الشهود وأقوالهم. إيراده مضمونها لا يعيبه.
(ج) إثبات. "عبء الإثبات". حكم. "عيوب التدليل". "القصور" "ما لا يعد كذلك".
عمالة. التزام رب العمل بأن يقدم إلى العامل بياناً بما يستحقه بحسب آخر جرد. تخلفه عن تنفيذ هذا الالتزام. اتخاذه موقف الإنكار وطلبه ندب خبير حسابي للاطلاع على دفاتره وتقدير كمية الأقطان التي قام المطعون عليه بتوريدها. رفض هذا الطلب. لا قصور.

------------------
1 - متى كان الحكم المطعون فيه قد استظهر وجه الدفع بعدم الاختصاص وأسانيده ووجه الدفع بالتقادم وأسانيده فإنه بذلك يكون قد أورد ضمن بياناته ما قدمته الطاعنة من طلبات ودفوع وخلاصة ما استندت إليه من الأدلة الواقعية والحجج القانونية بما يحقق غرض الشارع ويفي بمقصوده فيما نصت عليه المادة 349 من قانون المرافعات من وجوب أن يذكر في الحكم نص ما قدمه الخصوم من طلبات أو دفاع أو دفوع وخلاصة ما استندوا إليه من الأدلة الواقعية والحجج القانونية.
2 - لا يعيب الحكم - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أنه لم يذكر نصوص المستندات التي اعتمد عليها متى كانت هذه المستندات مقدمة إلى المحكمة ومبينة في مذكرات الخصوم، وهو ما يكفي معه مجرد الإشارة إليها، كما أنه لا يعيبه عدم ذكر أسماء الشهود الذين ذكروا في التحقيق وعدم إيراده نص أقوالهم متى كان قد أشار إليهم وأورد مضمون أقوالهم (1).
3 - النص في الفقرة الأولى من المادة 698 من القانون المدني على أن تقادم الدعاوى المتعلقة "بالعمالة والمشاركة في الأرباح والنسب المقدمة من جملة الإيراد" لا يبدأ "إلا من الوقت الذي يسلم فيه رب العمل إلى العامل بياناً بما يستحقه بحسب آخر جرد" من شأنه أن يلقي على رب العمل - وبطريق التضمن واللزوم - عبء الالتزام بأن يقدم إلى العامل بياناً برقم الأعمال التي يستحق عنها العمولة والمعلومات الضرورية للتحقق من صحته - وإذ كان ذلك، وكان الثابت في الدعوى أن الطاعنة لم تلتزم هذا النص الآمر ولم تسلم المطعون عليه هذا البيان والتزمت موقف الإنكار واكتفت بأن طلبت ندب خبير حسابي للاطلاع على دفاترها وتقدير كمية الأقطان التي قام المطعون عليه بتوريدها، ورفض الحكم المطعون فيه هذا الطلب ولم ير محلاً لإجابته بعد أن قدمت الطاعنة كشفاً موقعاً عليه من المطعون عليه عن مصروفات ترحيل أكياس القطن الموردة ورتب على ذلك أن تقدير الحكم المستأنف لها هو تقدير معقول ومتفق مع الحقيقة والواقع ولا سبيل إلى التشكيك فيه، فإنه بهذه التقريرات الموضوعية السائغة لا يكون قد خالف قواعد الإثبات أو أغفل الرد على دفاع الطاعنة وانطوى على قصور في هذا الخصوص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن محمد الجوهري بركات أقام الدعوى رقم 229 سنة 1959 مدني كلي كفر الشيخ ضد محمد الكردي رضوان بصفته مديراً لشركة الزقازيق للأقطان والزيوت بطلب الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 9343 ج والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل بدون كفالة، وقال بياناً لدعواه إنه بموجب عقد عمل مدته ثلاث سنوات تبدأ من سنة 1956/ 1957 الزراعية التحق بخدمة الشركة المدعى عليها وكيلاً لفرعها في كفر الشيخ على أن يتولى شراء الأقطان لحسابها ويوردها إلى مقر الشركة في الزقازيق مقابل أجر شهري قدره 100 ج وعمولة خمسة قروش عن كل قنطار، وإذ فاجأته بالاستغناء عن خدمته في سبتمبر سنة 1958 واستحق له في ذمتها مبلغ 5150 ج متأخر أجر وعمولة، 150 ج مكافأة نهاية الخدمة، 150 ج مصاريف أنفقها في شئون الفرع، 4000 ج كتعويض عن فصله بلا مبرر فقد طلب الحكم له بها. ودفع المدعى عليه بعدم اختصاص المحكمة، كما دفع بسقوط الدعوى بالتقادم عملاً بالفقرة الأولى من المادة 698 مدني وبسقوط الحق في الأجر والعمولة عملاً بالفقرة الثانية من المادة 378 مدني، وفي الموضوع أنكر علاقة العمل بين المدعي والشركة وقرر أنه مجرد وسيط يتقاضى عمولة عن الأقطان التي يقوم بتوريدها إليها وقد استولى على عمولته كاملة. وبتاريخ 21/ 10/ 1958 حكمت المحكمة برفض الدفع بعدم الاختصاص ثم عادت وبتاريخ 9/ 11/ 1959 فحكمت برفض الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم وقبل الفصل في الموضوع "بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي بكافة الطرق بما فيها البينة أنه التحق بخدمة المدعى عليه بموجب عقد عمل مدته ثلاث سنوات من 1956/ 1957 الزراعية إلى 1958/ 1959 وكيلاً للشركة إدارته بفرع كفر الشيخ بمرتب شهري قدره 100 ج وبعمولة قدرها خمسة قروش عن كل قنطار قطن يشتريه لحسابها وأنه لم يتقاض مرتبه وعمولته منذ أن عمل طرفه وليثبت أن المدعى عليه فصله بغير مبرر وبدون سبب وصرحت للمدعى عليه بالنفي". وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين حكمت حضورياً وبتاريخ 15/ 6/ 1960 "برفض الدفع المبدى من المدعى عليه بسقوط حق المدعي في المطالبة بالأجرة والعمولة بالتقادم وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي مبلغ 4000 ج وبتحميله مصاريف الدعوى وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة وبشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبدون كفالة" وفي 28/ 6/ 1960 قررت تصحيح منطوق الحكم "وإلزام المدعى عليه بصفته بأن يؤدي للمدعي مبلغ 4300 ج بخلاف تحميله المصاريف على أساس ذلك المبلغ وأتعاب المحاماة السابق القضاء بها. واستأنفت الشركة هذا الحكم لدى محكمة استئناف طنطا بأن رفعت عنه الاستئنافين رقم 242، 251 سنة 10 ق والاستئناف المقابل رقم 357 سنة 10 ق طالبة إلغاءه والحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ومن باب الاحتياط بسقوط حق المدعي في المطالبة بالأجر والعمولة والمكافأة بالتقادم ومن باب الاحتياط الكلي برفض الدعوى بكامل أجزائها مع إلزامه بالمصروفات والأتعاب عن الدرجتين، كما استأنفه محمد الجوهري بركات طالباً تعديله والحكم بإلزام الشركة بأن تدفع له مبلغ 5343 ج زيادة على المبلغ المحكوم به مع المصروفات والأتعاب عن الدرجتين وقيد هذا الاستئناف برقم 249 سنة 10 ق. وقررت المحكمة ضم هذه الاستئنافات، وبتاريخ 20/ 9/ 1961 حكمت حضورياً بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المستأنف وألزمت كلاً من الطرفين بمصروفات طعنه وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة. وطعنت الشركة في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث لم تحضر الطاعنة، وطلب المطعون عليه رفض الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها إلى مذكرتها الأولى وطلبت قبول الطعن في خصوص السبب الثالث.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه خلا من بيان أسباب الاستئناف وما تضمنه من دفاع ودفوع واكتفى بالقول بأن الشركة "طلبت للأسباب المبينة بصحيفة استئنافها الحكم بصفة مستعجلة بوقف النفاذ المعجل المشمول به الحكم وفي الموضوع إلغاء الحكم المستأنف والقضاء أصلياً بعدم اختصاص محكمة أول درجة محلياً واحتياطياً بسقوط حق محمد الجوهري بركات بالتقادم ومن باب الاحتياط الكلي برفض الدعوى" ولم يحل في شيء من ذلك إلى الحكم الابتدائي حتى لا يدري المطلع عليه ماذا كان دفع الطاعنة بعدم الاختصاص وسنده الواقعي ولا ماذا كان دفعها بالتقادم والوقائع التي استند إليها، وهذا من الحكم مخالفة للمادتين 347 و349 من قانون المرافعات ونقض جسيم وقصور يعيبه ويبطله - وهو حين رفض الدفع بتقادم الدعوى لمضي سنة من تاريخ انتهاء عقد العمل الذي زعم المطعون عليه وجوده، خالف المادة 378 مدني رغم صراحتها وشمولها للأجرة يومية كانت أو غير يومية.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه استظهر وجه الدفع بعدم الاختصاص وأسانيده بقوله "وفي أثناء التداعي دفعت الشركة بعدم اختصاص محكمة كفر الشيخ الابتدائية محلياً بنظر الدعوى تأسيساً على أن مركزها الرئيسي بالقاهرة وإلى عدم وجود فرع لها بدائرة هذه المحكمة" كما استظهر وجهي الدفع بالتقادم وأسانيدهما بقوله "إن الشركة أنكرت على المدعي علاقة العمل ودفعت بسقوط حقه في إقامة الدعوى لمضي أكثر من سنة على تاريخ انتهاء عقد العمل الذي زعم وجوده وذلك عملاً بنص المادة 698 من القانون المدني، وبسقوط حقه بالتقادم كما تقضي به المادة 378 من نفس القانون بالنسبة للأجر والعمولة المتأخرة" وهو بذلك يكون قد أورد ضمن بياناته ما قدمته الشركة من طلبات ودفاع ودفوع وخلاصة ما استندت إليه من الأدلة الواقعية والحجج القانونية بما يحقق غرض الشارع ويفي بمقصوده فيما نصت عليه المادة 349 من قانون المرافعات من وجوب أن يذكر في الحكم نص ما قدمه الخصوم "من طلبات أو دفاع أو دفوع وخلاصة ما استندوا إليه من الأدلة الواقعية والحجج القانونية" - والقول بأن رفض الدفع بتقادم الدعوى ينطوي على مخالفة للمادة 378 من القانون المدني مردود بما أثبته الحكم من أن "الشركة تنازلت في مذكرتها الأخيرة عن التمسك بهذا الدفع" وبما عاد فقرره من أن "المحكمة وقد انتهت إلى تكييف علاقة الطرفين بأنها رابطة تعاقدية أساسها عقد العمل فإن المادة التي يجب تطبيقها تكون المادة 698 الواردة في باب عقد العمل وليست المادة 378 الواردة في باب انقضاء الالتزامات على وجه العموم والقاعدة أنه إذا اجتمع نص خاص ونص عام كان الأول أجدر بالتطبيق" وليس في سبب الطعن ما ينبئ عن تعييب الحكم في هذا الخصوص.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه لم يؤيد الحكم الابتدائي ولم يحل إليه بل أقام قضاءه على أسباب مستقلة - وهو في الشق الخاص بتكييف العلاقة بين الشركة والمطعون عليه اكتفى بعبارة مبهمة هي أن "الحكم المستأنف انتهى صحيحاً إلى تكييفها بأنها رابطة أساسها عقد العمل مستنداً في ذلك إلى أقوال الشهود وإلى المستندات العديدة المقدمة في الدعوى.. وأشار إلى هذه المستندات في إيضاح وتفصيل.. فضلاً عن أن المستندات المقدمة بحافظة الشركة لهذه المحكمة لا تفيد أن خصمها كان مجرد وسيط" اكتفى الحكم بهذه العبارة، وفاته أن يبين ما هي المستندات التي رأى أن دعوى المطعون عليه ثابتة منها؟ والمستندات التي كانت مقدمة من الشركة وفحواها ووجه الاستدلال بها؟ ولا غناء في قوله إن الحكم الابتدائي أشار إلى هذه المستندات في إيضاح وتفصيل طالما أنه لم يحل إليه في أسبابه، كما فاته أن يبين من هم هؤلاء الشهود الذين عول الحكم الابتدائي على أقوالهم؟ وهل هم شهود الشكوى الإدارية أم الشهود الذين سمعتهم المحكمة؟ وهل هم كل شهود المدعي أو بعضهم أم كل شهود المدعى عليه أو بعضهم؟ وفحوى شهادة كل منهم، كل ذلك لا أثر له في الحكم الذي استقل بأسبابه عن أسباب الحكم الابتدائي فانكشف بذلك قصوره عن أن يستكمل بذاته الأسباب الواقعية لقضائه - وفي الشق الخاص بالأجر ومقداره وهل حصل استيفاؤه أم لم يحصل، اقتصر الحكم على عبارة مبهمة خالية من التسبيب هي أن "الشركة نعت على الحكم المستأنف تحديد أجر المستأنف عليه وعمولته بطريقة تحكمية تأسيساً على أقوال الشهود رغم ثبوت المبالغة فيها... وأن تحديد أجر المستأنف عليه بواقع 100 ج شهرياً وعمولة بواقع 5 قروش عن كل قنطار يعتبر تحديداً معقولاً لمناسبته مع أهمية العمل الموكول إليه ومع نشاطه في توريد الكميات الكبيرة من الأقطان" وأن الشركة طلبت ندب خبير حسابي للاطلاع على دفاترها الرسمية وتقدير كمية الأقطان التي قام المستأنف عليه بتوريدها إليها خلال المدة التي يطالب بأجرها لمغالاة الحكم المستأنف في تقديرها استناداً إلى أقوال الشهود... والمحكمة لا ترى محلاً لإجابة هذا الطلب بعد أن قدمت الشركة في حافظة مستنداتها الأخيرة كشفاً موقعاً عليه من المستأنف ضده عن المصروفات التي أنفقها خلال موسم 57/ 58 زراعية ومن بينها مبلغ 384 ج و500 م أجر ترحيل 15380 كيساً من القطن ومن ثم يكون تقدير الحكم المستأنف للأقطان الموردة خلال السنتين بواقع 35000 قنطاراً تقديراً معقولاً متفقاً مع الحقيقة والواقع ومن ثم فلا سبيل إلى التشكيك في هذه الكمية بعد أن أشارت الشركة إلى هذا البيان بدون أي تحفظ". ولا يبين من هذه العبارة هل أخذ الحكم بأقوال الشهود أم لم يأخذ؟ ولا من هم هؤلاء الشهود؟ وبماذا شهدوا؟ وهل وجهت إليهم مطاعن؟ كل ذلك لم يلتفت إليه الحكم ولا أثر له في أسبابه، والقول من الحكم بأن تحديد الأجر على هذا الوجه "يعتبر تحديداً معقولاً لمناسبته لأهمية العمل الموكول إليه ومع نشاطه في توريد الكميات الكبيرة من الأقطان" يدل على عدم فهمه لحقيقة الدعوى وأنها نزاع على أجر أو أتعاب مسماة ومتفق عليها مقدماً وليست نزاعاً على تقدير أتعاب لم يتفق الطرفان مقدماً على تحديدها، والاستدلال بنشاط المطعون عليه في توريد كميات كبيرة من الأقطان لا يصلح لإثبات القدر المسمى والمتفق عليه من الأتعاب عند بدء المعاملة، هذا وإمعاناً في الإبهام والقصور لم يبين الحكم ما هي الكميات الكبيرة من الأقطان التي وردها المطعون عليه ومن أين استقى أنه هو الذي وردها. ولا أهمية العمل الذي كان موكولاً إليه ومن أين استقى هذه الأهمية؟ - وفي هذا وذاك ما يؤدي إلى بطلانه للقصور في أسبابه الواقعية.
وحيث إن هذا النعي مردود في الشق (الأول) منه ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه أقام قضاءه على أنه "بالنسبة للعلاقة التي تربط كلاً من الطرفين بالآخر فإن الحكم المستأنف قد انتهى صحيحاً إلى تكييفها بأنها رابطة أساسها عقد العمل مستنداً في ذلك إلى أقوال الشهود وإلى المستندات العديدة المقدمة في الدعوى والدالة على أن محمد الجوهري بركات كان وكيلاً لفرعها بكفر الشيخ والذي سلمت الشركة بوجوده بعد أن لجأت زمناً إلى جحوده، وقد أشار الحكم المستأنف إلى هذه المستندات في إيضاح وتفصيل فضلاً عن أن المستندات المقدمة بحافظة الشركة لهذه المحكمة لا تفيد أن خصمها كان مجرد وسيط وإنما تدل المبالغ الكبيرة الثابتة بالإيصالات المرفقة على أن للشركة فرعاً بمدينة كفر الشيخ وأن المستأنف عليه كان مديراً له يتولى إدارته والإشراف عليه باسم الشركة" وهو بذلك يكون قد أحال إلى الحكم الابتدائي في أسبابه، وبالرجوع إلى الحكم الابتدائي في هذا الخصوص يبين أنه أقام قضاءه على شهادة الشهود الذين سمعتهم المحكمة وعلى حاصل أقوالهم التي أوردها في سياق أسبابه، وخلص من سياقها إلى أن "أقوال شهود المدعي تنصب على عدة وقائع مرتبطة الأوصال يساند بعضها البعض ولا يشوبها ثمة غموض مما يحمل على الاطمئنان إليها والأخذ بها سيما وأن شاهده الأول من عملاء الشركة المدعى عليها وشاهديه الثاني والثالث من المستخدمين بها والرابع والخامس والسادس من موظفي الإصلاح الزراعي فمركزهم بالنسبة لكل من المدعي والمدعى عليه على الحياد والأخير صديق للطرفين أما أقوال شهود المدعى عليه فلا يطمأن إليها فالشاهد الأول ما زال من موظفي الشركة خاضعاً لها يأتمر بأوامرها وباقي الشهود من مصلحتهم الخاصة باعتبارهم سماسرة قطن الوقوف إلى جانب الشركة خصوصاً وأن المدعي كان له شأن ملحوظ في ميدان نشاطهم" كما خلص من سياقها إلى أن "علاقة المدعي بالمدعى عليه علاقة تابع بمتبوع يحكمها عقد عمل انعقد بينهما ذلك لأن ما كان يقوم به على ما شهد به أولئك الشهود بل نفس شهود المدعى عليه أيضاً من تعيين موظفين وفرز ومعاينة وتوقيع عقود الشراء واستلام وتعبئة ما كان يتم التعاقد عليه ونقله إلى مقر الشركة بالزقازيق لا يعد من أعمال السمسرة ولا يتفق مع طبيعتها" وأن هذا الاستخلاص "تؤيده جملة مستندات أوضحها دلالة (1) المحضر الإداري 1165 سنة 1956 بندر الزقازيق فقد جاء فيه على لسان محمد فهمي عبد اللطيف مراقب الشركة المدعى عليها أن المدعي مندوبها بكفر الشيخ وعلى لسان فتحي عباس مدير المشتريات أن المذكور مدير الفرع بها (2) كتاب المدعى عليه للمدعي في 15/ 6/ 1957 يطالبه فيه بإرسال فاتورة قطن الشيخ رضوان السيد لتسوية حساباته (3) عريضة قدمت لمحكمة كفر الشيخ الجزئية في 25/ 11/ 1959 بطلب استصدار أمر أداء ضد المدعى عليه بصفته مدير عام شركة الزقازيق للأقطان والمدعي بصفته مدير فرعها بكفر الشيخ (4) مخالصة بتاريخ 12/ 4/ 1958 لمن يدعى عبد المطلب فتح الله بتقاضيه من المدعي بصفته وكيل فرع الشركة المدعى عليها بكفر الشيخ المستحق له في ذمتها عن نقل الأقطان" ومع هذه التقريرات والاعتبارات الواقعية السائغة التي انحمل عليها الحكم لا يكون هناك وجه لتعييبه بالقصور وأنه لم يستكمل بذاته الأسباب الواقعية التي أقام عليها قضاءه، ومن جهة أخرى فإنه لا يعيبه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه لم يذكر نصوص المستندات التي اعتمد عليها متى كانت هذه المستندات مقدمة إلى المحكمة ومبينة في مذكرات الخصوم وهو ما يكفي معه مجرد الإشارة إليها، كما أنه لا يعيبه عدم ذكر أسماء الشهود الذين ذكروا في التحقيق وعدم إيراده نص أقوالهم متى كان قد أشار إليهم وأورد مضمون أقوالهم - ومردود في الشق (الثاني) ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه استظهر دفاع الشركة وما نعته على الحكم الابتدائي من تحديد أجر وعمولة المطعون عليه بطريقة تحكمية تأسيساً على أقوال الشهود رغم المبالغة فيما ورد على هذا الدفاع بقوله إن "تحديد أجر المستأنف عليه بواقع 100 ج شهرياً وعمولة 5 قروش عن كل قنطار يعتبر تحديداً معقولاً لمناسبته مع أهمية العمل الموكول إليه ومع نشاطه في توريد الكميات الكبيرة من الأقطان" كما استظهر طلب الشركة تعيين خبير حسابي للاطلاع على دفاترها وتقدير كمية الأقطان التي قام المطعون عليه بتوريدها ورد عليه بقوله إن "المحكمة لا ترى محلاً لإجابة هذا الطلب بعد أن قدمت الشركة في حافظة مستنداتها الأخيرة كشفاً موقعاً عليه من المستأنف ضده عن المصروفات التي أنفقها خلال موسم 57/ 58 زراعية ومن بينها مبلغ 384 ج و500 م أجرة ترحيل 15380 كيساً من القطن ومن ثم يكون تقدير الحكم المستأنف الأقطان الموردة خلال سنتين بواقع 35000 قنطار تقديراً معقولاً متفقاً مع الحقيقة والواقع ومن ثم فلا سبيل إلى التشكيك في هذه الكمية بعد أن أشارت الشركة إلى هذا البيان بدون تحفظ" وما ورد به الحكم من ذلك كاف لحمله ولا ينطوي على قصور في أسبابه الواقعية.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه خالف قواعد الإثبات وأخل بدفاع الطاعنة وانطوى على قصور يعيبه وذلك من وجوه (أولها) أن الشركة طلبت ندب خبير للاطلاع على دفاترها وتقدير كمية الأقطان التي قام المطعون عليه بتوريدها وتصفية حساب العمولة وأعادت هذا الطلب في الاستئناف وقدمت ما يدل على أنه وصلته مبالغ جسيمة لحساب مشترياتها وأنه تقاضى عمولته ومصاريفه من حساب العهدة وأن الدعوى في حقيقتها هي دعوى حساب مقلوبة، والحكم المطعون فيه لم يفطن إلى أن السمسار أو الوكيل لا يستحق عمولة إلا إذا أبرأ ذمته من العهدة، وأن طلب تعيين الخبير لمراجعة دفاتر الشركة وتصفية الحساب هو الطريق القانوني الوحيد للإثبات وللفصل في طلب العمولة لأن مداره توريدات أقطان ثابتة بأوراق ومستندات عديدة لا يجوز إثبات ما يخالفها بالبينة أو القرائن ومهمة الخبير هي تحصيل الدليل الكتابي وتمكين المحكمة من الاطلاع عليه وإعمال موجبه وفي عدم الاستجابة إلى هذا الطلب وعدم الرد عليه مخالفة للقانون وقصور. (وثانيها) أن الشركة تمسكت في دفاعها بإقرار المطعون عليه في الكشف المؤرخ 31/ 5/ 1958 وفيه يقول "فقط ألف وثمانمائة وثمانون جنيهاً وستمائة وثمانون مليماً لا غير - أرجو خصم المبلغ المذكور من حسابي الجاري طرف الشركة" وعلقت على هذه العبارة في مذكرتها المقدمة لمحكمة الاستئناف بأنها تفيد أن المطعون عليه كان يخصم أولاً بأول ما له من مستحقات قبل الشركة من مبالغ العهدة وأنه مدين لها بالمبلغ الذي خصمه، ولم يتحدث الحكم عن هذا المستند الهام ولا عن الحساب الجاري المعترف بوجوده بين المطعون عليه والشركة، وهو قصور يعيبه. (وثالثها) أن المحكمة لم تر محلاً لإجابة الشركة إلى طلبها تعيين الخبير "بعد أن قدمت كشفاً موقعاً عليه من خصمها عن المصروفات التي أنفقها خلال موسم 57/ 1958 ومن بينها 384.500 ج أجرة ترحيل 15380 كيساً من القطن" وهو استدلال فاسد، لأن البيان الوارد في هذا الكشف لا يفيد المعنى الذي جازفت المحكمة باستنباطه من تلقاء نفسها وفي فترة حجز القضية للحكم دون أن تلفت نظر الخصوم إليه، وترحيل 15380 كيس قطن لا يدل على أنه من توريد المطعون عليه ويستحق عنه عمولة، والشركة لم تسلم بهذا البيان الذي ذكره المطعون عليه في الكشف، وهي لم تقدمه إلا لغرض وحيد هو إثبات وجود حساب جار بينها وبين المطعون عليه وانشغال ذمته لها بمبالغ جسيمة وطلبه خصم المبالغ الواردة في الكشف مما عليه - وأضافت الطاعنة أنها مع ذلك ومن باب الاحتياط حرصت في صدر التقرير على بيان المآخذ التي وقع فيها الحكم الابتدائي من ناحية التطبيق القانوني والتسبيب وكفايته وهي مبطلة لقضائه وقضاء الحكم المطعون فيه.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه ذلك أن النص في الفقرة الأولى من المادة 698 من القانون المدني على أن تقادم الدعاوى المتعلقة "بالعمالة والمشاركة في الأرباح والنسب المقدمة من جملة الإيراد" لا يبدأ "إلا من الوقت الذي يسلم فيه رب العمل إلى العامل بياناً بما يستحقه بحسب آخر جرد" من شأنه أن يلقي على رب العمل - وبطريق التضمن واللزوم - عبء الالتزام بأن يقدم إلى العامل بياناً برقم الأعمال التي يستحق عنها العمولة والمعلومات الضرورية للتحقق من صحته - وإذ كان ذلك، وكان الثابت في الدعوى أن الطاعنة لم تلتزم هذا النص الآمر ولم تسلم المطعون عليه هذا البيان والتزمت موقف الإنكار واكتفت بأن طلبت ندب خبير حسابي للاطلاع على دفاترها وتقدير كمية الأقطان التي قام المطعون عليه بتوريدها، ورفض الحكم المطعون فيه هذا الطلب ولم ير محلاً لإجابته "بعد أن قدمت الشركة في حافظة مستنداتها الأخيرة كشفاً موقعاً عليه من المستأنف ضده عن المصروفات التي أنفقها خلال موسم 57/ 1958 زراعية ومن بينها مبلغ 384 ج 500 م أجرة ترحيل 15380 كيساً من القطن" ورتب على ذلك أن يكون "تقدير الحكم المستأنف للأقطان الموردة خلال السنتين بواقع 35000 قنطار تقديراً معقولاً متفقاً مع الحقيقة والواقع ومن ثم فلا سبيل إلى التشكيك في هذه الكمية" وهي تقريرات موضوعية سائغة فإنه لا يكون قد خالف قواعد الإثبات وأغفل الرد على دفاع الشركة أو انطوى على قصور، ومردود في الوجه (الثاني) ذلك أنه بالرجوع إلى الكشف المؤرخ 31/ 5/ 1958 يبين أنه خاص بمبالغ صرفها المطعون عليه "في مشترى واستلام أقطان زهر موسم 57/ 1958 فرع كفر الشيخ" حسب البيان الوارد فيه ومجموعها 1088 ج و680 م وطلب خصم هذه المبالغ وتسويتها لحساب الفرع وتأشر عليه بالتسوية وتمت في ذات التاريخ، وهو لا ينبئ عن وجود حساب جار بمعناه بين المطعون عليه والشركة كما أنه لا دلالة فيه على مديونيته لها بهذه المبالغ، وإذ كان وجه استدلال الشركة بهذا الكشف لا يتصل بموضوع النزاع ودفاعها بشأنه غير جوهري ومما لا يتغير معه وجه الرأي في الدعوى فإن إطراح الحكم له وإغفال الرد عليه لا يعتبر قصوراً يعيبه، ومردود في الوجه (الثالث) بما سبق بيانه من أن القانون ألقى على رب العمل عبء الالتزام بتقديم بيان عن رقم الأعمال التي تستحق عنها العمولة، واستشهاد الحكم بما ورد في الكشف المؤرخ 31/ 5/ 1958، وهو كشف مصاريف مشترى واستلام أقطان الفرع في موسم 57/ 1958 ومن بينها مبلغ 384 ج و500 م أجرة ترحيل 153800 كيسا فية 2.5 قرش، للتدليل على أن "تقدير الأقطان الموردة خلال السنتين بواقع 35000 قنطار هو تقدير معقول ومتفق مع الحقيقة والواقع" لا ينطوي على فساد في الاستدلال خصوصاً وأن الشركة هي التي قدمت الكشف في جلسات المرافعة - لا في فترة حجز القضية للحكم - وكان يسعها أن تعترض على ما تضمنه من بيانات ومردود فيما وراء ذلك بما سلف بيانه من أن الحكم المطعون فيه لم يحل إلى الحكم الابتدائي إلا في شأن تكييف العلاقة بين المطعون عليه والشركة وقد سبق القول بأن تقريرات الحكم في هذا الخصوص سائغة ولا قصور فيها.


(1) نقض 2/ 1/ 1963. الطعن رقم 33 لسنة 30 ق أحوال شخصية. السنة 14 ص 21.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق