جلسة 10 من مارس سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حافظ محمد بدوي، ومحمد صادق الرشيدي، وعباس حلمي عبد الجواد، وسليم راشد أبو زيد.
-----------------
(73)
الطعن رقم 36 لسنة 31 القضائية
(أ) مسئولية. "مسئولية تقصيرية". "مسئولية الحكومة في إدارة المرافق العامة".
مسئولية الحكومة عن تعويض الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب الاضطرابات والقلاقل. عدم قيامها إلا بإثبات أن القائمين على شئون الأمن قد امتنعوا عن أداء واجبهم أو قصروا في أدائه تقصيراً يمكن وصفه - في تلك الظروف الاستثنائية - بأنه خطأ.
(ب) مسئولية. "مسئولية تقصيرية". "دفع المسئولية". حكم. "قصور. ما يعد كذلك".
مجرد عدم وجود قوات من رجال الأمن بمكان الحادث وقت حصوله لا يكفي بذاته في الظروف الاستثنائية التي لابست حوادث 26 يناير سنة 1952 لتوافر ركن الخطأ في حق وزارة الداخلية. دفع الوزارة مسئوليتها بأنه كان من المتعذر على قوات الشرطة بسبب الثورة المفاجئة في أماكن متفرقة وفي وقت واحد منع حوادث الإتلاف. وجوب إثبات الحكم بالتعويض خطأ القائمين على شئون المرفق بالامتناع عن أداء واجبهم أو التقصير فيه. إغفال الحكم ذلك. قصور.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا على الطاعنة "وزارة الداخلية" الدعوى رقم 4237 سنة 1954 كلي القاهرة وطلبوا فيها الحكم بإلزامها بأن تدفع لهم مبلغ 550 ج على سبيل التعويض وقالوا بياناً لدعواهم إن الحرائق التي اشتعلت بمدينة القاهرة يوم 26 من يناير سنة 1952 قد امتدت إلى عمارتهم المبينة بصحيفة الدعوى فألحقت بها أضراراً تقدر قيمة إصلاحها وإعادتها إلى حالتها الأولى بالمبلغ المطالب به وفقاً لما قدره الخبير الذي ندبته المحكمة في دعوى إثبات الحالة رقم 1491 سنة 1952 مستعجل مصر وقد كان ذلك بسبب تقصير وإهمال رجال الأمن في القيام بواجباتهم - دفعت وزارة الداخلية "الطاعنة" بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى لأن الحكومة في تنظيمها لقوات الأمن لا تخضع لرقابة المحاكم لدخول ذلك في صميم أعمال السيادة التي يمتنع على المحاكم النظر فيها وبتاريخ 24 من يناير سنة 1957 قضت محكمة القاهرة الابتدائية. (أولاً) برفض الدفع بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى (ثانياً) وقبل الفصل في الموضوع بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المطعون ضدهم - بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها شهادة الشهود أن الحريق الذي لحق عمارتهم نشأ عن حوادث القاهرة في يوم 26 من يناير سنة 1952 وأنه كان نتيجة لخطأ رجال الأمن ولوزارة الداخلية نفي ذلك بالطرق عينها وبعد أن سمعت المحكمة شهود المطعون ضدهم تنفيذاً للحكم المذكور - إذ لم تشهد الطاعنة أحداً - قضت في 31 من ديسمبر سنة 1957 بإلزام الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضدهم مبلغ 550 ج والمصاريف - استأنفت وزارة الداخلية "الطاعنة" هذين الحكمين لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 636 سنة 75 قضائية طالبة إلغاءهما والقضاء أصلياً - بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى واحتياطياً برفضها - وأثناء نظر القضية أمام محكمة الاستئناف دفعت الوزارة ببطلان الحكم المستأنف لعدم تلاوة تقرير التلخيص وبتاريخ 20 من ديسمبر سنة 1960 قضت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع (أولاً) ببطلان الحكم المستأنف (ثانياً) برفض الدفع المبدى من وزارة الداخلية بعدم اختصاص المحاكم العادية بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها (ثالثاً) بإلزام وزارة الداخلية "الطاعنة" بأن تدفع للمطعون ضدهم مبلغ 550 ج والمصروفات - طعنت الوزارة في هذا الحكم بطريق النقض وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن - وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وبالجلسة المحددة لنظره صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في القانون وفي بيان ذلك تقول إن الحكم قد أقام قضاءه بمسئولية الوزارة على ما قرره من أن السبب الذي أدى إلى وقوع الضرر بعمارة المطعون ضدهم هو عدم وجود قوات من رجال الأمن في مكان وقوع الحادث لمنع اقتحام الجماهير للعمارة مع أن هذا السبب لا يكفي في حد ذاته لإثبات ركن الخطأ في جانب الطاعنة في الظروف الاستثنائية التي وقع فيها الحادث إذ أن القانون لا يفرض عليها أن تضع قواتها أمام كل مبنى أو مسكن في يوم كيوم 26 من يناير سنة 1952 وإنما يشترط لثبوت الخطأ في تلك الظروف أن يكون عدم وجود رجال الشرطة مرده إهمال أو تقصير، أو امتناع من جانب القائمين بالأمر عن أداء وظيفتهم وهو الأمر الذي لم يعن الحكم بالكشف عنه في أسبابه مما يجعله معيباً بالقصور في التسبيب ومخالفة القانون كما أن الحكم قد قصر أيضاً حين قال - رداً على ما تمسكت به الطاعنة من أنه كان من المتعذر على رجال الأمن منع حوادث الحريق التي وقعت في هذا اليوم "أن تطور الحوادث كان متوقعاً منذ اللحظة الأولى لتجمع الجماهير وقيامها بأعمال التخريب" دون أن يبين كيف أن هذا التطور كان متوقعاً أو مرتقباً ويكشف عن دلائل هذا التطور بينما التدمير الذي أصاب العاصمة لم يكن يدور في خلد أحد ولم يتنبأ به إنسان من قبل.
وحيث إن هذا النعي صحيح في وجهيه ذلك أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بمسئولية الوزارة الطاعنة على قوله "وحيث إنه يبين أن السبب المباشر الذي أدى إلى وقوع الضرر بعمارة المستأنف عليهم "المطعون ضدهم" وتلف بعض أجزائها هو عدم وجود قوات من رجال الأمن في مكان وقوع الحادث لمنع اقتحام الجماهير لعمارة المستأنف عليهم ولا تعول المحكمة في هذا الصدد على ما تقول به المستأنفة "الطاعنة" من أن الثورة المفاجئة التي انفجرت في يوم الحادث هي التي أدت إلى وقوع الاعتداء على عمارة المستأنف عليهم لأنه لم يكن من الميسور على قوات البوليس كبح جماح المعتدين إذ أن هذا القول مردود بأن تطور الحوادث كان متوقعاً منذ اللحظة الأولى لتجمع الجماهير وقيامها بأعمال التخريب مما كان يوجب ويتحتم معه على الوزارة أن تلجأ إلى ما لجأت إليه أخيراً بعد اندلاع النيران في أماكن كثيرة وهو الاستعانة بقوات أخرى لتمد يد المساعدة إلى رجال الأمن في كبح جماح الجماهير وتهدئة الحالة والمحافظة على أموال الناس وأرواحهم. وحيث إنه وقد وضح مما تقدم أن تقصير رجال الشرطة وإهمالهم في الوجود بمكان الحادث سواء كان ذلك لعدم تلبيتهم نداء الاستغاثة الذي وجه إليهم من المقيمين بالعمارة موضوع الحادث أو لعدم تنفيذهم للتعليمات والأوامر الصادرة إليهم هو الذي أدى إلى وقوع الحادث مما يجعل المستأنفة مسئولة عن تعويض الأضرار التي لحقت بالمستأنف عليهم"، ولما كان مجرد عدم وجود قوات من رجال الأمن بمكان الحادث وقت حصوله لا يكفي بذاته في الظروف الاستثنائية التي لابست حوادث 26 يناير سنة 1952 لتوافر ركن الخطأ في حق وزارة الداخلية "الطاعنة" بل يجب إزاء ما دفعت به هذه الوزارة من أنه كان من المتعذر على قوات الشرطة بسبب الثورة المفاجئة التي انفجرت في هذا اليوم في أماكن متفرقة وفي وقت واحد منع حوادث الإتلاف التي حدثت ومن بينها حادث حريق عمارة المطعون ضدهم أن يثبت الحكم لقيام مسئولية الطاعنة أن عدم تواجد قوات من رجال الأمن في مكان الحادث وقت حصوله يرجع إلى امتناع أو تقصير من جانب القائمين على شئون مرفق الأمن أو يثبت أن من كان موجوداً من هؤلاء الرجال قريباً من مكان الحادث قد امتنع عن القيام بواجبه في منع الغوغاء من اقتحام عمارة المطعون ضدهم وإشعال الحريق فيها وهو ما خلا الحكم من التدليل عليه، أما ما قرره رداً على دفاع الوزارة سالف الذكر من أن تطور الحوادث كان متوقعاً منذ اللحظة الأولى لتجمع الجماهير وقيامها بأعمال التخريب مما رتب عليه الحكم أن الأمر كان يحتم على الوزارة الطاعنة أن تستعين بقوات أخرى إلى جانب قواتها كما فعلت أخيراً فإن هذا القول من الحكم يشوبه القصور إذ هو لم يبين كيف أن هذا التطور كان متوقعاً من قبل احتراق عمارة المطعون ضدهم ويورد دليله على ذلك أما إذا كان الحكم يقصد بإيراد عبارة "لتجمع الجماهير وقيامها بأعمال التخريب" بيان علة توقع التطور - وليس تحديد اللحظة الأولى التي قال بأن التطور كان متوقعاً من وقتها فإن الحكم حتى على هذا المعنى لا يسلم من القصور إذ أن مجرد تجمع الجماهير وقيامها بأعمال تخريب - ليس من شأنه أن يجعل تطور الحوادث إلى ما تطورت إليه في يوم 26 من يناير سنة 1952 متوقعاً منذ اللحظة الأولى بما يلقي على عاتق وزارة الداخلية واجب الاستعانة منذ هذه اللحظة بقوات أخرى إلى جانب قواتها - وبحيث يعتبر إخلالها بهذا الواجب خطأ - يستوجب مسئوليتها عن الأضرار التي تنشأ عنه - هذا إلى أن تنظيم قوات الأمن وتوزيعها وتحديد عددها هي من المسائل التي تنأى عن رقابة المحاكم فلا تقوم مسئولية الحكومة عن تعويض الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب الاضطرابات والقلاقل إلا إذا ثبت أن القائمين على شئون الأمن قد امتنعوا عن القيام بواجباتهم أو قصروا في أداء هذه الواجبات تقصيراً يمكن وصفه في تلك الظروف الاستثنائية بأنه خطأ - لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ وصف الأفعال التي ذكرها بأنها خطأ يستوجب مسئولية الوزارة الطاعنة مع عدم انطباق هذا التكييف عليها يكون مخطئاً في القانون علاوة على ما شابه من قصور على النحو السالف بيانه ويتعين لذلك نقضه.
(1) راجع نقض 20/ 5/ 1965 بمجموعة المكتب الفني س 16 ص 614.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق