جلسة 6 من يناير سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: إبراهيم الجافي، ومحمد صادق الرشيدي، وإبراهيم حسن علام، وسليم راشد أبو زيد.
------------------
(7)
الطعن رقم 208 لسنة 31 القضائية
(أ) إثبات. "الإثبات بالبينة". "المانع المادي أو الأدبي". محكمة الموضوع.
تقدير قيام المانع الأدبي أو المادي من الحصول على دليل كتابي يستقل به قاضي الموضوع. تحصيل الحكم بأسباب سائغة قيام مانع مادي حال دون الحصول على دليل كتابي على انقضاء الالتزام. إثبات هذا الانقضاء بالبينة والقرائن. جائز قانوناً.
(ب) إثبات "الإثبات باليمين". "اليمين المتممة".
الدليل الناقص الذي يكمل باليمين المتممة. عدم اشتراط أن يكون كتابة أو مبدأ ثبوت بالكتابة. جواز أن يكون بينة أو قرائن يرى فيها القاضي مجرد مبدأ ثبوت عادي.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن الطاعن استصدر أمر أداء ضد المطعون ضدهما الأولى والثاني بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 700 ج والمصروفات ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وذلك استناداً إلى سند مؤرخ في 13 من أغسطس سنة 1957 مستحق الوفاء في أول أكتوبر سنة 1957 وموقع عليه من المطعون ضدهما المذكورين بما يفيد مديونيتهما للطاعن بهذا المبلغ بالتضامن ولما أعلن هذا الأمر للمطعون ضدها الأولى عارضت فيه بالمعارضة رقم 813 سنة 1960 كلي الإسكندرية وطلبت إلغاءه وقالت في بيان معارضتها إنها كانت شريكة للمطعون ضده الثاني - وهو ابن الطاعن - في عملية مقاولة بناء عمارة لإحدى السيدات وقد أودعت هذه السيدة على ذمتها هي وشريكها مبلغ 3952 ج و231 م خزانة المحكمة. ولما حكم بأحقيتهما لهذا المبلغ عهدا إلى المطعون ضده الثالث بصفته محامياً وهو زوج ابنة الطاعن - بقبضه وقد تسلمه بحضورها هي والمطعون ضده الثاني والطاعن والأستإذ ريمون جرجوره المحامي ثم توجهوا جميعاً إلى مكتب المطعون ضده الثالث وتمت المحاسبة بينها وبين شريكها بحضوره هو والطاعن وتم الاتفاق على أن تقوم هي (المطعون ضدها الأولى) بوفاء دين عليهما قيمته 700 ج للأستإذ ريمون جرجوره والسيدة علية عزيز على أن يقوم شريكها المطعون ضده الثاني بوفاء والده الطاعن بدينه ووافق الطاعن على هذا الاتفاق ثم انتهز فرصة انشغالها بأداء الدين الذي تعهدت بسداده للدائنين الآخرين ولإذ بالفرار هو وابنه المطعون ضده الثاني دون أن يسلمها سند الدين أو يحرر لها مخالصة عنه مما دعاها إلى الاستغاثة بشرطة النجدة فلما رأى المطعون ضده الثالث انفعالها من تصرف الطاعن ورغبة منه في تهدئة روعها حرر لها إقراراً وقعه بإمضائه يتضمن سدادها قيمة الدين المستحق عليها للطاعن - وأثناء نظر المعارضة أدخلت المطعون ضدها الأولى في الدعوى المطعون ضده الثالث ضامناً لها في الدعوى ليحكم عليه بما عساه أن يحكم به عليها - وبتاريخ 22 من يونيه سنة 1960 حكمت المحكمة برفض المعارضة وبتأييد أمر الأداء المعارض فيه رقم 13 سنة 1960 مدني كلي إسكندرية بجميع أجزائه ومشتملاته وبرفض دعوى الضمان وإلزام المعارضة (المطعون ضدها الأولى) بمصاريف الدعويين. استأنفت المطعون ضدها الأولى هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 501 سنة 16 ق وطلبت إلغاءه والحكم لها بطلباتها السابق بيانها. وبتاريخ 25 من فبراير سنة 1961 قضت المحكمة قبل الفصل في الموضوع بتوجيه اليمين المتممة إلى المطعون ضدها الأولى بالصيغة الآتية "أقسم بالله العظيم أن الأستإذ ميخائيل اسطفانوس (المطعون ضده الثالث) احتجز من قيمة الوديعة التي تولى صرفها نيابة عني وعن شريكي (المطعون ضده الثاني) مبلغ السبعمائة جنيه قيمة دين الطاعن وأن هذا الأخير استلم هذا المبلغ وأن ذمتي بريئة من هذا الدين" وبعد أن حلفتها حكمت المحكمة بتاريخ 25 من مارس سنة 1961 (أولاً) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض طلب إلغاء أمر الأداء وبإلغائه واعتباره كأن لم يكن وما ترتب عليه من حجوزات ورفض دعوى المستأنف عليه الأول (الطاعن) وإلزامه المصروفات عن الدرجتين وألف قرش مقابل أتعاب المحاماة (ثانياً) برفض الاستئناف عن الشق الخاص بدعوى الضمان وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفضها وأسست المحكمة قضاءها بإلغاء أمر الأداء على ما أوردته من قرائن رأت فيها أنها بمثابة دليل غير مكتمل على واقعة السداد التي حال دون إثباتها بالكتابة مانع مادي وقد أكملت هذا الدليل باليمين المتممة التي وجهتها إلى المطعون ضدها الأولى وحلفتها - وبتاريخ 22 من إبريل سنة 1961 طعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة برأيها طلبت فيها رفض الطعن وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة وحدد لنظره جلسة 9 من ديسمبر سنة 1965 وفيها صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول وبالشق الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون بإهداره قواعد الإثبات ذلك أنه على الرغم من أن دين الطاعن ثابت بسند كتابي وتزيد قيمته على النصاب الجائز إثباته بالبينة والقرائن فإن الحكم المطعون فيه ارتكن في إثبات انقضائه على القرائن التي ساقها مخالفاً بذلك نص المادة 400 من القانون المدني التي لا تجيز إثبات وجود الدين أو انقضائه بالبينة وبالتالي بالقرائن - إذا زادت قيمته على عشرة جنيهات.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه استخلص من حضور الدائن (الطاعن) وقت حصول الاتفاق بين المدينين (المطعون ضدهما الأولى والثاني) على أن يقوم المطعون ضده الثاني بإيفاء الطاعن كل دينه في نظير أن تقوم المطعون ضدها الأولى بوفاء دين آخر مستحق عليهما لدائنين آخرين ومساو في قيمته لدين الطاعن - استخلص الحكم من حضور الطاعن وقت حصول هذا الاتفاق وعدم اعتراضه عليه ومن علاقة الأبوة التي تربطه بالمطعون ضده الثاني أنه قبل استيفاء دينه بالكيفية التي تم الاتفاق عليها ورأى الحكم في امتناع الطاعن عن تسليم سند الدين أو مخالصة بقيمته وهربه مع ابنه المطعون ضده الثاني بمجرد تأكدهما من وفاء المطعون ضدها بما تعهدت به بموجب ذلك الاتفاق مما دعاها للاستغاثة بشرطة النجدة، رأى الحكم في هذه الظروف مانعاً مادياً حال دون حصول المطعون ضدها الأولى على دليل كتابي يثبت انقضاء دين الطاعن بالكيفية المتقدم ذكرها والتي وافق عليها. ولما كان ما رآه الحكم من قيام هذا المانع مستساغاً وكان تقدير المانع من الحصول على دليل كتابي في الأحوال التي يتطلب فيها القانون هذا الدليل هو من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع متى كان قد بين في حكمه الظروف التي اعتبرها مانعة وكان هذا الاعتبار معقولاً - وإذ كانت المادة 403 من القانون المدني تجيز الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي كما تقضي المادة 407 بجواز الإثبات القرائن في جميع الأحوال التي يجيز فيها القانون الإثبات بالبينة لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ استند على القرائن في إثبات انقضاء دين الطاعن وذلك بعد أن ثبت له قيام المانع من الحصول على كتابة فإنه لا يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن الطاعن ينعى في السبب الثاني على الحكم المطعون فيه فساد الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن القرائن التي استخلص منها الحكم انقضاء دينه ليس من شأنها أن تؤدي إلى ما استخلصه الحكم منها إذ أن وجود قرابة بينه وبين المطعون ضدهما الثاني والثالث لا يتأثر بها الالتزام المحرر به سند كتابي موقع عليه من المدينين كما أن الإقرار الصادر من المطعون ضده الثالث بانقضاء هذا الالتزام لا يعتبر حجة على الطاعن حتى ولو كان المقر قريبه كذلك فإن استناد الحكم إلى حضور الطاعن وقت إجراء المحاسبة بين المدينين على مبلغ الوديعة الذي قبضه محاميها المطعون ضده الثالث نيابة عنهما واستكتاب هذين المدينين إيصالاً باستلام كل منهما نصيبه في هذا المبلغ وإقرار المطعون ضده الثالث بقيام المطعون ضدها الأولى بسداد نصيبها في دين الطاعن هذه القرائن التي ربط بينها الحكم واتخذ منها دليلاً على انقضاء دين الطاعن ليس من شأنها أن تفيد هذا الانقضاء لأن الطاعن لا شأن له بالوديعة التي صرفها محامي مدينيه كما لا شأن له بالمحاسبة التي تمت بينهما وبالمقاصة التي اتفقا عليها فجميع هذه الوقائع منحصرة الأثر في علاقتهما ببعضهما وعلاقتهما بوكيلهما المطعون ضده الثالث ولا يتعدى أثرها إلى الطاعن ويضيف الطاعن أن الحكم المطعون فيه علاوة على ما شابه من فساد في الاستدلال على النحو السالف بيانه فإنه خالف الثابت في الأوراق حين أسند إليه أنه لم يعترض على الاتفاق الذي أبرمه ولده المطعون ضده الثاني مع المطعون ضدها الأولى ذلك أن المطعون ضده الثالث قرر في جميع أقواله أن موقف الطاعن من هذا الاتفاق كان موقفاً سلبياً ولم يقل إنه لم يعترض عليه وإذا كان الحكم قد استمد واقعة عدم اعتراض الطاعن على ذلك الاتفاق من أقوال المطعون ضدها الأولى فإن هذه الأقوال ما كان يصح الاعتماد عليها لتجردها من الدليل على صحتها كما أن الحكم إذ اعتبر مجرد حضور الطاعن في مجلس الاتفاق دليلاً على موافقته عليه يكون مشوباً بفساد الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن الحكم المطعون فيه استند في القول ببراءة ذمة المطعون ضدها الأولى من دين الطاعن على ما ساقه من قرائن تتحصل في أن الطاعن تربطه صلة الأبوة بالمطعون ضده الثاني وصلة المصاهرة بالمطعون ضده الثالث وأن المدينين (المطعون ضدهما الأولى والثاني) اتفقا على أن يعهدا إلى المطعون ضده الثالث وهو زوج شقيقة ثانيهما باتخاذ إجراءات صرف قيمة الوديعة المستحقة لهما وأن هذه الوديعة قد صرفت بمعرفة المطعون ضده الثالث وبحضور جميع الخصوم بما فيهم الطاعن ثم انتقل جميع الأطراف إلى مكتب المطعون ضده الثالث حيث أجرى الأخير توزيع قيمة الوديعة بعد إجراء المحاسبة وخصم قيمة المطلوبات على الشركة التي كانت قائمة بين المطعون ضدهما الأولين المدينين ومن هذه المطلوبات دين الطاعن وأتعاب المحامي المطعون ضده الثالث عن إجراءات صرف الوديعة ودين الأستاذ جرجورة وأن المطعون ضده الثالث استكتب المطعون ضدها الأولى إقراراً باستلامها نصيبها في قيمة الوديعة ثم انصرف الطاعن فجأة مع ابنه المطعون ضده الثاني بعد أن طلبت المطعون ضدها الأولى شرطة النجدة لامتناع الطاعن عن تسليمها سند المديونية أو مخالصة باستيفائه دينه وأن المطعون ضده الثالث أقر للمطعون ضدها الأولى كتابة بقيامها بسداد نصيبها في دين الطاعن وبعد أن سردت المحكمة هذه الوقائع قالت إنها ترى فيها دليلاً غير مكتمل على واقعة السداد التي حال دون إثباتها بالكتابة مانع مادي وأنها لذلك ترى أن تستكمل هذا الدليل باليمين المتممة التي وجهتها إلى المطعون ضدها الأولى بالصيغة المبينة في الوقائع وإذ حلفتها رأت المحكمة أن الدليل على انقضاء دين الطاعن قبل المطعون ضدها الأولى قد اكتمل ولما كانت المحكمة خلافاً لما يزعم الطاعن لم تعتبر إقرار المطعون ضده الثالث حجة على الطاعن بل إنها اتخذت من هذا الإقرار مجرد قرينة أضافتها إلى قرائن أخرى ثم استكملتها باليمين المتممة. وإذ كانت القرائن التي استندت إليها المحكمة من شأنها أن تؤدي في مجموعها إلى ما رتبته عليها من اعتبارها دليلاً غير مكتمل على انقضاء دين الطاعن قبل المطعون ضدها الأولى وكانت المحكمة قد استخلصت من حضور الطاعن الاتفاق الذي تم بين المدينين على كيفية الوفاء له بدينه ومما قاله المطعون ضده الثالث من أن موقف الطاعن من هذا الاتفاق كان موقفاً سلبياً استخلصت المحكمة من ذلك أن الطاعن لم يعترض على هذا الاتفاق وهو استخلاص سائغ ومبني على مقدمات تؤدى إليه ولها أصلها في الأوراق، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بفساد الاستدلال وبمخالفة الثابت في الأوراق يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه في الشق الثاني من السبب الثالث وفي السبب الرابع وفي الشق الثاني من السبب الخامس الخطأ في القانون والقصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول إن الحكم خالف المادة 41 من القانون المدني التي تشترط لجواز توجيه اليمين المتممة ألا يكون في الدعوى دليل كامل وألا تكون الدعوى خالية من أي دليل وإذ كان دين الطاعن ثابتاً بالكتابة وكانت الدعوى خلواً من أي دليل كتابي على التخالص المدعى به كما أنه ليس فيها مبدأ ثبوت بالكتابة فإن توجيه اليمين المتممة يكون مخالفاً للقانون هذا إلى أن الطاعن قد اعترض على توجيه اليمين بالصيغة التي وجهتها بها المحكمة بثلاثة اعتراضات (الأول) أن صيغة اليمين مخالفة لما هو ثابت بالأوراق من أن المطعون ضدها الأولى الموجه إليها اليمين أبانت في عريضة استئنافها أن الدين سدد نتيجة محاسبة في حين أن اليمين انصبت على أن الدائن استلم دينه نقداً. (الثاني) أن اليمين باطلة لأنها تستند إلى المخالصة المعطاة من الأستاذ ميخائيل اسطفانوس (المطعون ضده الثالث) وهذه المخالصة لا يمكن اعتبارها حجة على الطاعن لأن موقعها ليس وكيلاً عنه. (الثالث) أن اليمين المتممة وجهت على خلاف ما يقضي به القانون من عدم جواز إثبات ما يخالف الثابت بالكتابة إلا بكتابة مثلها. وقد رد الحكم المطعون فيه على الاعتراض الأول رداً قاصراً وغير صحيح إذ قرر أن الوفاء نتيجة حتمية وطبيعية لحصول المحاسبة هذا في حين أن هذه المحاسبة وقد تمت بين المدينين فإن أثرها يكون مقصوراً عليهما ولا يتعداهما إلى الطاعن إلا إذا ثبت أنه قبل هذا الوضع وهذا القبول لا دليل عليه في الأوراق إلا أقوال المطعون ضدها الأولى ومن ثم فقد أخطأ الحكم المطعون فيه إذ صرف أثر المحاسبة إلى الطاعن. كذلك فقد جاء رده على الاعتراضين الآخرين منطوياً على مخالفة لنص المادة 415 من القانون المدني والتي لا تجيز توجيه هذه اليمين لإثبات انقضاء دين ثابت بالكتابة وتزيد قيمته على عشرة جنيهات كما لا يجوز إثبات هذا الانقضاء بقرائن تستكمل بتلك اليمين.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه متى كان الحكم قد انتهى صحيحاً على ما سبق بيانه في الرد على السبب الأول إلى قيام مانع مادي حال دون حصول المطعون ضدها الأولى على دليل كتابي على انقضاء دين الطاعن فإن إثبات هذا الانقضاء بالبينة والقرائن يكون جائزاً قانوناً وفي هذه الحالة لا يشترط أن يكون الدليل الناقص الذي يكمل باليمين المتممة كتابة أو مبدأ ثبوت بالكتابة بل يصح أن يكون بينة أو قرائن يرى فيها القاضي مجرد مبدأ ثبوت عادي وإن كان يجعل الادعاء قريب الاحتمال إلا أنه غير كاف بمجرده لتكوين دليل كامل يقنعه فيستكمله باليمين المتممة ومن ثم فلا تثريب على محكمة الاستئناف إذا هي عمدت إلى تكملة القرائن التي تجمعت لديها باليمين المتممة وإذا هي رأت بعد حلف المطعون ضدها الأولى لهذه اليمين أن الدليل قد اكتمل لديها على انقضاء دين الطاعن قبل هذه المدينة. أما ما اعترض به الطاعن على صيغة اليمين فإن الحكم المطعون فيه رد على هذه الاعتراضات بقوله: وحيث إن المحكمة قد أطرحت جميع الاعتراضات التي أثارها المستأنف عليهم ذلك أن ما قرره المستأنف عليه الأول (الطاعن) من أن صيغة اليمين جاءت على خلاف الثابت من أن السداد حصل عن محاسبة فهو قول ظاهر الفساد ومردود وذلك لأنه فيما ورد من سرد الوقائع الرد الكافي إذ أبانت المحكمة أن محاسبة قد تمت وشملت جميع أطراف النزاع وأن هذه المحاسبة كان قوامها المستأنف عليهم الثلاثة (الطاعن والمطعون ضدهما الثاني والثالث) وآخر هو الأستاذ جرجورة وأن المستأنف عليه الثالث وكان قد قبض قيمة الوديعة نيابة عن المستأنفة وشريكها وقام بتوزيع قيمتها على مستحقيها بعد إجراء هذه المحاسبة وصيغة اليمين المتممة لا تناهض الثابت في الأوراق ولا تنفي قيام المحاسبة خاصة أن الوفاء هو نتيجة حتمية وطبيعية لحصول المحاسبة أما الاعتراضين الثاني والثالث من اعتراضات المستأنف عليه الأول فمردودان كذلك بأن المحكمة قد استعملت حقها الذي تستمده من أحكام المادة 415 من القانون المدني واعتبرت القرائن القائمة في الدعوى والتي لم يقم دليل على دحضها أو إنكارها بمثابة دليل غير مكتمل ووجهت اليمين المتممة في حدود سلطانها. ولما كان الطاعن قد أقر أمام المحكمة الابتدائية بأنه حضر الاتفاق الذي حصل بين المدينين والمحاسبة التي جرت بينهما وقد استخلصت المحكمة من حضوره وعدم اعتراضه على هذا الاتفاق أنه ارتضاه ضمناً وقبل أن يستوفي دينه بالطريقة التي تم الاتفاق عليها وكان استخلاص المحكمة لقبول الطاعن الضمني لهذا الاتفاق هو استخلاص موضوعي سائغ على ما تقدم ذكره وكان الطاعن لا ينازع في سبب الطعن في أن من شأن هذا الاتفاق أن يؤدي إلى انقضاء دينه قبل المطعون ضدها الأولى لو ثبت أنه قبل الوضع الذي تم الاتفاق عليه وإنما حصر منازعته في إنكار صدور هذا القبول منه فإن هذه المنازعة لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره ومتى كان مؤدى قبول الطاعن لذلك الاتفاق اقتضاء دينه قبل المطعون ضدها الأولى وبراءة ذمتها من هذا الدين فإن محكمة الاستئناف إذ وجهت إليها اليمين المتممة بالصيغة التي وجهتها لا تكون قد خالفت الثابت في الأوراق لأنه فضلاً عن أن الاتفاق الذي انقضى به الدين يقضي بأن الطاعن يستوفي كل دينه من ابنه المطعون ضده الأول فإن خطأ الحكم في التعبير بالوفاء بدلاً من الانقضاء لا يؤثر على سلامته أما عن الاعتراضين الثاني والثالث اللذين أبداهما الطاعن على توجيه اليمين فإن رد الحكم عليهما صحيح لما تقدم ذكره من جواز أن يكون الدليل الناقص الذي يكمل باليمين قرائن في صورة هذه الدعوى ومن أن الحكم لم يعتبر المخالصة الصادرة من المطعون ضده الثالث حجة على الطاعن بل مجرد قرينة.
وحيث إن الطاعن ينعى في الشق الأول من السبب الخامس على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والخطأ في القانون ذلك أنه لم يقطع برأي في بيان الوسيلة القانونية التي اقتنع بأن الوفاء تم بها وبرئت بها ذمة المطعون ضدها الأولى إذ هو قد تخبط في هذا الشأن بطريقة تدل على أنه لم يستقر على رأي معين فلم يبين كيف استوفى الطاعن دينه وممن استوفاه وما هي الطريقة التي تم الوفاء بها وإذا كانت المحكمة قد رأت أن الطاعن قد استوفى دينه بطريقة المقاصة ما دام أنه قد حضر الاتفاق ولم يعترض عليه فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون لأنه لم يكن لها أن تقضي بالمقاصة بغير أن تبحث شروط الديون التي شملتها المقاصة وبخاصة شرط خلوها من النزاع وبغير أن تبين أثر اتفاق الخصوم على هذه المقاصة وما إذا كان الطاعن طرفاً في هذا الاتفاق وما إذا كان يكفي قبوله الشفوي لهذا الاتفاق أو يجب أن يكون قبوله له كتابة وإذ أغفل الحكم بحث ذلك كله فإنه يكون مشوباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن قد قبل ما تم الاتفاق عليه بين المدينين من أن يستوفي كل دينه من ابنه المطعون ضده الثاني في نظير أن تقوم المطعون ضدها الأولى بوفاء دين عليهما لدائنين آخرين وقد قامت بالوفاء بما تعهدت به فإن ذمتها تكون قد برئت من دين الطاعن بمقتضى ذلك الاتفاق الذي وافق عليه وكان هذا حسب الحكم لتسبيب قضائه برفض دعوى الطاعن بمطالبتها بهذا الدين ومن ثم يكون النعي على الحكم لتردده بين الوفاء والمقاصة عند بيان الطريقة التي انقضى بها الدين قبل المطعون ضدها الأولى وبرئت بها ذمتها منه غير منتج ما دامت أنها قد برئت على كل حال بمقتضى الاتفاق المشار إليه.
وحيث إنه مما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً نقضه.
(1) راجع نقض 16/ 11/ 1961 بمجموعة المكتب الفني س 12 ص 680 ونقض 12/ 4/ 1962 س 13 ص 455.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق