جلسة 30 من إبريل سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، وعلي عبد الرحمن.
-----------------
(122)
الطعن رقم 30 لسنة 36 القضائية
(أ) تقادم. "التقادم المسقط". أوراق تجارية. "السند الإذني".
التقادم الخمسي المنصوص عليه في المادة 194 من قانون التجارة. شرطه. ثبوت أن التوقيع على السند من تاجر أو تحريره بمناسبة عملية تجارية وأن يدفع المدين بهذا التقادم.
(ب) مسئولية. "المسئولية العقدية". "عناصر المسئولية". محكمة الموضوع.
سلطة محكمة الموضوع في إثبات الخطأ الموجب للمسئولية العقدية.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن سامي قديس شنوده أقام الدعوى رقم 3648 سنة 1959 مدني كلي القاهرة ضد زكريا محمد حسن الورداني بطلب الحكم بفسخ عقد البيع الابتدائي المؤرخ 4/ 11/ 1957 وإلزامه برد مبلغ 5069 ج وهو ضعف ما دفعه من الثمن والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد. وقال شرحاً لدعواه إنه بموجب العقد المذكور اشترى من المدعى عليه كامل أرض وبناء المنزل الموضح به لقاء ثمن قدره 5500 ج دفع منه في مجلس العقد مبلغ 1300 ج للبائع كما ظهر له سنداً تحت الإذن بمبلغ 1200 ج صادراً له (أي للمشتري) من أنور محمد حشمت ومستحق السداد في 30/ 5/ 1958، ونص في العقد على دفع الباقي من الثمن وقدره 3000 ج عند التوقيع على عقد البيع النهائي خلال ستة شهور، واشترط البائع أن التوقيع على العقد النهائي وتسليم العقار لا يتمان إلا بعد دفع قيمة السند إليه وتضمن البند الحادي عشر من التعاقد أنه "في حالة عدول المشتري عن إتمام الصفقة بالشروط الواردة فيه أو إخلاله بإحداها يكون العربون عاليه حقاً مكتسباً للبائع كما يصبح العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى قوة القانون وإذ عدل البائع عن إتمام الصفقة بالشروط المبينة عاليه يكون ملزماً برد العربون وضعفه ويصبح هذا العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى قوة القانون" وأنه إذ امتنع المدعى عليه عن تسليمه أي مستندات وعن اتخاذ أية إجراءات للحصول على قيمة السند وذلك حتى يمكن السير في إجراءات التسجيل وقام بالتصرف بالبيع في الأرض المبيعة لآخرين بعقد أشهر برقم 2086 سنة 60 توثيق الإسكندرية وأثبت في العقد أن المشترين يملكون البناء فقد انتهى إلى طلب الحكم له بطلباته سالفة البيان. ورد المدعى عليه زكريا محمد حسن الورداني بأنه سلم المدعي سند ملكيته لإتمام التسجيل. وإذ لم يقم المدين بسداد قيمة السند المحول إليه فقد أنذر المدعي كمشتر محيل بأن يقوم بدفع قيمته ولم يستجب له مما اضطر معه إلى التصرف في العقار لآخرين مستنداً في ذلك إلى فسخ العقد لعدم تحقق الشروط المتفق عليها بينهما، وفي 28/ 12/ 1964 حكمت المحكمة بفسخ عقد البيع ورفضت ما عدا ذلك من طلبات تأسيساً على أن المدعي قد قصر في الوفاء بما التزم به سواء بعدم وفائه بكامل الثمن للبائع أو بعدم اتخاذه أي إجراء بعد ما أنذره المدعى عليه بعدم قبضه قيمة السند الإذني عند حلول ميعاد استحقاقه، وعلى أن نكول المشتري عن تنفيذ العقد يعتبر بمثابة العدول عنه ويفقده ما دفعه من عربون، واستأنف المدعي هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته، وقيد الاستئناف برقم 353 سنة 81 ق القاهرة، وبتاريخ 14/ 11/ 1965 حكمت المحكمة بتعديل الحكم المستأنف وبإلزام المستأنف عليه بأن يدفع للمستأنف مبلغ 1334 ج و500 م وفوائده بواقع 4% سنوياً حتى السداد تأسيساً على أن ما دفع يعتبر جزءاً من الثمن وليس عربوناً، وأن تصرف المستأنف عليه في العقار لآخرين بعقد مسجل يجعل تنفيذ التزامه قبل المستأنف مستحيلاً وموجباً لفسخ العقد ورد المبلغ المدفوع من المستأنف وقدره 1334 ج و500 م دون قيمة السند الإذني المحول للمستأنف عليه لعدم تحصيله قيمته ودون التزامه بتعويض لما استبانته المحكمة من تقصير المستأنف - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للسببين المبينين في التقرير وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أمام هذه الدائرة صمم الطاعن على طلب نقض الحكم ولم يحضر المطعون عليه وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الحكم.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن في أولهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه برفض طلبه إلزام المطعون عليه بقيمة السند الإذني الذي كان قد تسلمه كجزء من ثمن المبيع على أن المطعون عليه لم يحصل قيمته من المدين المحال إليه وأودعه ملف الدعوى، وأنه قد نص في عقد البيع على عدم براءة ذمة الطاعن كمشتر من قيمة هذا السند إلا بعد أن يحصلها المطعون عليه، ولم يفطن الحكم المطعون فيه إلى ما قرره الطاعن في دفاعه بمذكرته المقدمة بجلسة 20/ 2/ 1965 من أن المطعون عليه ظل محتفظاً بالسند ولم يرده له وأن استحقاقه كان في 30/ 5/ 1958 فانقضت بذلك السنوات الخمس المقررة لسقوط الحق في المطالبة بقيمته طبقاً للمادة 194 تجاري، وأنه من المستحيل على الطاعن أن يطالب المدين بقيمته لعدم قيام المطعون عليه برده إليه ولمضي مدة السقوط، هذا إلى أنه وقد قضى الحكم بفسخ عقد البيع، فإن مقتضى ذلك أن يعاد العاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد عملاً بالمادة 160 مدني، مما كان يتعين معه على محكمة الاستئناف أن تقضي من تلقاء نفسها على الأقل بإلزام المطعون عليه برد السند إلى الطاعن محولاً منه إليه إذا لم تر الحكم عليه بقيمته أو أن تقضي بإلزامه بقيمة السند المذكور على سبيل التعويض، بعد أن استحال على الطاعن تحصيل قيمته بسقوط الحق فيه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أن الطاعن وإن ضمن طلباته الأولى المترتبة على اعتباره عقد البيع مفسوخاً رد السند الإذني وقيمته 1200 ج المحال منه للمطعون عليه كبائع، إلا أن الطاعن عاد وعدل طلباته إلى الحكم له بفسخ العقد وبإلزام المطعون عليه بأن يدفع له ضعف مقدم الثمن المدفوع وقدره 5069 ج والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد، وأن الحكم المطعون فيه إذ بحث الآثار المترتبة على القضاء بفسخ العقد وقضى برفض طلب رد قيمة السند الإذني أقام ذلك على قوله "إنه عن المطالبة بقيمة السند الإذني فإن المستأنف عليه (المطعون عليه) لم يتحصل على قيمته وقدمه بحافظة مستنداته المودعة تحت رقم 7 دوسيه، ونص في العقد على ما يفيد عدم براءة ذمة المستأنف (الطاعن) من قيمته إلا بعد تحصيله، ومن ثم فلا يلزم المستأنف عليه (المطعون عليه) برد قيمته للمستأنف (الطاعن). وإذ كان ذلك وكانت محكمة الموضوع ملزمة بأن تقضي في نطاق الطلب المقدم إليها فلا تتجاوزه لغيره ولا تقضي بما هو أكثر منه، وكان الطاعن قد عدل عن طلبه الأول رد السند الإذني المحال منه للمطعون عليه إلى طلب إلزامه بدفع قيمته، فإن الحكم المطعون فيه إذ التزم هذا الطلب الذي انتهى إليه الطاعن في طلباته المعدلة فإنه لا يكون مخالفاً للقانون، وإذ بحث هذا الطلب باعتباره من الآثار المترتبة على فسخ عقد البيع الموجبة إعادة العاقدين إلى حالتهما قبل التعاقد طبقاً للمادة 160 مدني وقضي برفضه استناداً إلى ما ثبت لديه من أن المطعون عليه البائع لم يحصل قيمة السند، وكان هذا من الحكم تقديراً موضوعياً سائغاً فإنه لا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض، أما قول الطاعن بأنه كان يتعين على المحكمة أن تقضي بإلزام المطعون عليه بقيمة السند على سبيل التعويض بعد أن استحال على الطاعن تحصيل قيمته لاحتفاظ المطعون عليه به وعدم رده مما ترتب عليه سقوط الحق في مطالبة المدين الأصلي بقيمته بالتقادم الخمسي وفقاً للمادة 194 تجاري، فمردود بأنه يتعين للقول بأن حق الطاعن قد سقط في مطالبة مدينه الأصلي بقيمة السند لتقادمه بخمس سنوات من تاريخ استحقاقه أن يثبت أن السند المذكور موقع عليه من تاجر أو حرر بمناسبة عملية تجارية وأن يدفع المدين بهذا التقادم. وإذ لم يقدم الطاعن ما يدل على أن السند من الأوراق التجارية التي يسري عليها التقادم الخمسي وفقاً للمادة 194 من قانون التجارة أو على تمسك المدين الأصلي بذلك ولو لم يدخله في الدعوى لإثبات ذلك. إذ كان ذلك فإنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفاع الطاعن في هذا الخصوص بعد أن ساقه مرسلاً دون ما دليل عليه مما يكون معه دفاعاً غير جوهري.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والخطأ في التحصيل في خصوصه قضائه بالتعويض عن فسخ العقد، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أقام قضاءه برفض طلبه التعويض على أن عدم تنفيذ العقد يرجع إلى إهماله في إعداد العقد النهائي بعد أن تسلم من المطعون عليه سند ملكيته المسجل، هذا في حين أن الطاعن قد تمسك في دفاعه بأنه استبان له أن البائع المطعون عليه لم يكن يملك المباني التي باعها له مع الأرض الفضاء وقدم للتدليل على ذلك صورة رسمية من عقد البيع المسجل الصادر من المطعون عليه لآخرين وهو عن ذات الأرض الفضاء دون المباني، كما تمسك الطاعن بأنه لا يجدي المطعون عليه قوله بأن اقتصار عقد بيعه للآخرين، على الأرض الفضاء عمل صوري قصد به التهرب من رسوم التسجيل ولا يجوز إثباته لانطوائه على جريمة، وإن الطاعن باعتباره من الغير من حقه التمسك بما جاء بالعقد المسجل الظاهر المبرم بين المطعون عليه وآخرين والمتضمن أن البيع قاصر على الأرض دون المباني المحولة باسم المشترين لأنها مقامة بمالهم الخاص وذلك طبقاً لنص المادة 244 مدني، ورغم ذلك فإن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع بل اعتمد في إثبات ملكية المطعون عليه للمباني على أوراق عرفية ملفقة لا تحمل تاريخاً ثابتاً ولا يحاج بها الطاعن مما يعيب الحكم بالقصور، هذا إلى أنه قد أخطأ في القانون إذ سمح للمطعون ضده بإثبات تهربه من الرسوم وهو عمل غير جائز قانوناً، ولم يقر الطاعن على تمسكه بما جاء بالعقد المسجل الظاهر من أن المطعون عليه لا يملك المباني وآخذه بما تضمنته ورقة الضد المزعومة والمبرمة بين المطعون عليه والمشترين منه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يبين أنه رفض طلب الطاعن الحكم له بتعويض عن فسخ العقد تأسيساً على قوله "وحيث إنه عن طلب التعويض فإن المستأنف من جهة قد أهمل تجهيز العقد النهائي بعد أن استلم من المستأنف عليه (المطعون عليه) صورة سند ملكيته المسجل حتى يطلب من الأخير التوقيع عليه ويوفيه بما في ذمته من مؤجل الثمن الذي اشترط سداده في مهلة معينة في العقد، ومن ثم كان عدم التنفيذ مرجعه إلى خطئه، مما يتعين معه رفض طلب التعويض. ولا موجب للرد على ما ذهب إليه المستأنف (الطاعن) في شأن ما أثبت بالعقد المسجل الصادر لمن تصرف إليهم المستأنف عليه (المطعون عليه) في العقار من ملكية المشترين للمباني المبيعة إليهم، إذ الثابت من عقد البيع الابتدائي الصادر لهم ما يفيد عكس ذلك وهو بمثابة ورقة ضد وحجة عليهم. كما قدم المستأنف عليه (المطعون عليه) عدة مستندات تقطع في ملكيته للمباني المبيعة منها التنبيه عليه بدفع الفوائد المستحقة وعقود إيجار صادرة منه لمستأجري المنزل"، ومفاد ذلك أن المحكمة قد استخلصت من أوراق الدعوى وظروفها وملابساتها أن المطعون عليه عندما تعاقد مع الطاعن على بيع العقار أرضاً وبناء كان يتصرف فيما يملكه وأن الطاعن هو الذي تسبب بقعوده عن إنجاز العقد النهائي في عدم إتمام الصفقة، وأنه لا يفيده في دحض ذلك ما تمسك به من أن البائع لم يكن يملك المبيع أرضاً وبناء بل كان يملك الأرض فقط بدلالة ما جاء بالعقد المسجل المبرم بينه وآخرين من أن المباني ملكهم لأن المستندات المقدمة من البائع تفيد عكس ذلك، وكان إثبات الخطأ الموجب للمسئولية العقدية على أحد العاقدين هو تقدير موضوعي تستقل به محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية ما دام استخلاصها سائغاً، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر الخطأ في جانب الطاعن من أوراق الدعوى وظروفها وملابساتها واستند في قضائه برفض طلب التعويض إلى أسباب سائغة تكفي لحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإنه لا يكون قاصر البيان، هذا إلى أن الحكم لم يخالف القانون أو قواعد الإثبات في شيء ولم يخطئ في تحصيل الواقع إذ أطرح دفاع الطاعن، ومبناه أن المطعون عليه لم يكن يملك المباني التي باعها له على ما جاء بالعقد المسجل وإذ أخذ بدفاع المطعون عليه من أنه يملك المباني التي باعها بدلالة المستندات المقدمة منه، ذلك فإن هذا من الحكم يكون في نطاق سلطته الموضوعية في تقدير الدليل ولا معقب عليه ما دام قد أقيم على أدلة سائغة مستمدة من أوراق الدعوى. لما كان ذلك فإن النعي بالسبب الثاني يكون غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق