جلسة 4 من فبراير سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: صبري أحمد فرحات، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد أبو حمزة مندور، وحسن أبو الفتوح الشربيني.
---------------
(38)
الطعن رقم 126 لسنة 34 القضائية
عمل. "إنهاء عقد العمل". إثبات. "عبء الإثبات".
للعامل الموقوف طبقاً لنص المادة 67/ 1 من قانون العمل 91 لسنة 1959 مركزاً قانونياً خاصاً. يفترض التعسف في صاحب العمل إذا هو رفض إعادته إلى عمله. صاحب العمل له الحق مع ذلك في إنهاء العقد الغير محدد المدة إذا توافر المبرر المشروع. عبء إثبات توافر المبرر يتحمله صاحب العمل لأنه هو الذي يدعي خلاف الثابت حكماً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن محمد شفيق عثمان أقام الدعوى رقم 1189 سنة 1961 القاهرة الابتدائية ضد شركة لوفت هانزا للطيران الألماني بطلب الحكم بإلزامها بأن تدفع له مبلغ 5000 ج والمصروفات بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة وقال شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 18/ 5/ 1958 عين مديراً للعلاقات العامة بفرع الشركة في بيروت لقاء أجر شهري قدره 90 ج يضاف إليه 40 ج بدل تمثيل وانتقال، ولكفاءته وخبرته نقلته الشركة إلى فرعها بالقاهرة، ولكنه بتاريخ 28/ 6/ 1959 ولمناسبة اتهامه بسبب فقد بعض تذاكر الشركة فوجئ بوقفه عن العمل حتى يفصل في الاتهام المسند إليه. فلما قضي في 11/ 1/ 1960 ببراءته، وذلك في الجنحة رقم 3810 سنة 1959 قصر النيل ثم تأيد الحكم استئنافياً في 27/ 11/ 1960 طلب من الشركة إعادته إلى عمله إلا أنها رفضت. وفي 2/ 1/ 1961 قررت فصله من العمل. وإذ كان هذا الفصل تعسفياً ولحقته منه أضرار مادية وأدبية يقدرها بمبلغ 5000 ج فقد انتهى إلى طلب الحكم له به. وبتاريخ 3/ 6/ 1962 حكمت المحكمة حضورياً برفض الدعوى وأعفت المدعي من المصاريف واستأنف المدعي هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالباً إلغاءه والحكم له بطلباته وقيد هذا الاستئناف برقم 1189 سنة 79 قضائية. وبتاريخ 28/ 12/ 1963 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً ورفضه موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف وأعفت المستأنف من المصاريف. وطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب المبينة في التقرير، وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكم، ولم تحضر المطعون عليها ولم تبد دفاعاً، وقدمت النيابة العامة مذكرة أحالت فيها على مذكرتها الأولى وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السببين الأول والثاني، أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدعوى مستنداً في ذلك على أنه وإن كانت المادة 67 من قانون العمل رقم 91 لسنة 1959 توجب على صاحب العمل إعادة العامل الموقوف إلى عمله متى قضي ببراءته من التهمة المسندة إليه وإلا اعتبر عدم إعادته فصلاً تعسفياً، إلا أن حق العامل في العودة إلى عمله مشروط بأن ينزل حكم البراءة السكينة على قلب صاحب العمل وأن يبعث فيه الطمأنينة نحو عامله، بحيث لو كان مبنى الحكم بالبراءة هو الشك في صحة الواقعة، فإنه يكون لصاحب العمل - رغم الحكم بالبراءة - أن ينهي العلاقة بينه وبين عامله ما دامت شكوكه فيه قائمة ومستمرة ولم يمحها الحكم الجنائي. وهو من الحكم خطأ ومخالفة للقانون وتخصيص لنص المادة 67 من القانون رقم 91 لسنة 1959 بغير مخصص، لأن النص مطلق لم يقيد إعادة العامل إلى عمله بأي قيد، بل جعل من حكم البراءة أو من قرار الحفظ الصادر من السلطة المختصة قرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس على خلو ساحة العامل من أية مظنة بالنسبة للاتهام الذي كان موجهاً إليه، ولازم هذه القرينة هو إعادة العامل إلى عمله احتراماً لحجية الحكم الصادر ببراءته. كما أنه وإن كان مبنى العلاقة بين صاحب العمل والعامل هو استمرار الثقة والاطمئنان في نفس صاحب العمل، فإن هذه الثقة وذلك الاطمئنان يعتبران قائمين ومفترضين بمجرد الحكم ببراءة العامل أياً كان سبب الحكم، فحجية الحكم الجنائي عامة وتسري على الكافة ومنهم رب العمل نفسه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أن النص في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 67 من قانون العمل رقم 91 سنة 1959 على أن "إذا نسب إلى العامل ارتكاب جناية أو جنحة إضراب غير مشروع أو التحريض عليه أو ارتكاب جنحة داخل دائرة العمل جاز لصاحب العمل وقفه من تاريخ إبلاغ الحادث إلى الجهات المختصة لحين صدور قرار منها في شأنه فإذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة أو قضي ببراءته وجبت إعادته إلى عمله وإلا اعتبر عدم إعادته فصلاً تعسفياً" ثم النص بعد ذلك في الفقرة الأولى من المادة 72 من نفس القانون على أن "إذا كان العقد غير محدد المدة جاز لكل من الطرفين إلغاؤه بعد إعلان الطرف الآخر كتابة قبل الإلغاء بثلاثين يوماً بالنسبة إلى العمال المعينين بأجر شهري وخمسة عشر يوماً بالنسبة إلى العمال الآخرين" والنص في المادة 74 منه على أن "إذا فسخ العقد بلا مبرر كان للطرف الآخر الذي أصابه ضرر من هذا الفسخ الحق في تعويض تقدره المحكمة مع مراعاة نوع العمل ومقدار الضرر ومدة الخدمة والعرف الجاري بعد تحقيق ظروف الفسخ وذلك مع عدم الإخلال بأحكام المادتين 72/ 73"، مؤداه أن المشرع بما نص عليه في الفقرة الثانية من المادة 67 من القانون رقم 91 لسنة 1959 من أنه "إذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة أو قضي ببراءته وجبت إعادته إلى عمله وإلا اعتبر عدم إعادته فصلاً تعسفياً". إنما أنشأ للعامل الموقوف لسبب من الأسباب المبينة في الفقرة الأولى من المادة المذكورة، ورأت السلطة المختصة عدم تقديمه للمحاكمة أو قضي ببراءته، مركزاً قانونياً خاصاً يفترض التعسف في صاحب العمل إذا هو رفض إعادته إلى عمله، وذلك حملاً لحال صاحب العمل على الظاهر أو على الغالب. وهذا المركز الخاص لا يتعارض مع الحق المقرر - في المادة 72 من نفس القانون - لكل صاحب عمل في إنهاء عقد العامل الغير محدد المدة إذا توافر المبرر المشروع لهذا الإنهاء، على أن يتحمل صاحب العمل عبء إثبات توافر المبرر لأنه هو الذي يدعي خلاف الثابت حكماً - وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وأقام قضاءه برفض الدعوى على ما قرره من أنه "وإن كانت المادة 67 من القانون رقم 91 لسنة 1959 قد أوجبت إعادة العامل إلى عمله متى قضي ببراءته وإلا اعتبر عدم إعادته فصلاً تعسفياً، فإن مناط هذه العودة أن يكون الحكم قد أنزل السكينة والطمأنينة على رب العمل نحو عامله، أما إذا كان الحكم قد برأ العامل من تهمة الاختلاس للشك القائم في الدعوى، فلا تثريب على صاحب العمل، وقد ساورته الشكوك، نحو عامله ولم يمح الحكم الجنائي هذه الشكوك من نفسه إن أنهى العلاقة بينه وبين عامله، هذه العلاقة التي مبناها الثقة والاطمئنان خاصة إذا كان نوع العمل مما يحتم المزيد من هذه الثقة لعمل المستأنف، والقانون لا يحمي العامل الذي تحيط به الشكوك من ناحية ذمته وأمانته متى دعمت هذه الشكوك بأسباب تبعث على الاعتقاد بصحتها، ولا يكون صاحب العمل متعسفاً إذا ما طرد عامله من خدمته وقد ساورته الشكوك وأوجس منه خيفة نحو عمله، ولا شك أن ضياع تذاكر السفر والمستأنف كان مندوب المبيعات بالشركة وقد برأه الحكم الجنائي للشك مما يجعل الشركة في حل من الاستغناء عن عاملها". فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه قضى برفض دعوى الطاعن مستنداً إلى الشك الناشئ من مجرد اتهامه بصرف النظر عن أثر الحكم الصادر ببراءته، وهو منه تناقض وفساد في الاستدلال من وجهين (أولهما) أن لازم الحكم ببراءة العامل من الفعل الذي أسند إليه هو استمرار الثقة فيه فلا يتأتى اعتبار هذا الفعل ذاته مبرراً لانعدام الثقة (وثانيهما) أن الحكم المطعون فيه التمس للشركة المطعون عليها مبرراً لإلغاء عقد الطاعن من نص المادة 72 من القانون رقم 91 لسنة 1959، وهو منه فساد في الاستدلال لأن شرط إلغاء العقد طبقاً لهذه المادة هو إعلان رب العمل للعامل برغبته في إلغائه قبل هذا الإلغاء بثلاثين يوماً. وما دامت الشركة المطعون عليها لم تخطر الطاعن بإلغاء عقده معها في الميعاد المذكور فإنها لا تكون قد استندت في فصله إلى المادة 72 من القانون رقم 91 لسنة 1959.
وحيث إن هذا النعي مردود في الوجه (الأول) منه بما سبق الرد به على السببين السابقين. ومردود في الوجه (الثاني) بأن جزاء إلغاء صاحب العمل لعقد العامل دون إعلانه كتابة قبل الإلغاء هو - وعلى ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 72 من القانون رقم 91 لسنة 1959 - إلزامه بأن يؤدي للعامل تعويضاً مساوياً لأجره عن مدة المهلة أو الجزء الباقي منها. والطاعن لم يطلب من محكمة الموضوع الحكم له بهذا التعويض.
وحيث إن حاصل السبب الرابع، أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعوى الطاعن على مسئوليته عن ضياع بعض تذاكر السفر في الشركة التي كان يعمل مندوباً لمبيعاتها، وهو منه فساد في الاستدلال لأن الحكم الابتدائي الصادر من محكمة الجنح ببراءته وكذلك الحكم الاستئنافي الذي أيده قد أزالا مظنة الشك في التهمة التي كانت مسندة إليه، وقطعا ببراءته براءة تامة وبعدم مسئوليته عن التذاكر المفقودة.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم الابتدائي الذي أحال إليه الحكم المطعون فيه في أسبابه يبين أنه أقام قضاءه برفض الدعوى على ما قرره، من أن "الواقع في الدعوى أن الحكم الصادر في جريمة الاختلاس حين قضي ببراءة المدعي مما هو مسند إليه إنما قوامه الشك وتطرق الاحتمال إلى الدليل القائم قبله مما يسقط قوة الاحتجاج به، وإلى عدم اطمئنان المحكمة الجنائية إلى أقوال بدروس بدروسيان، وهو بهذه المثابة لا يعد مؤثراً على حق المحكمة المدنية في تقدير جدية الأسباب التي استند إليها رب العمل في الفصل تعويلاً على عدم الثقة. وكان الثابت مما يشهد به الحكم الابتدائي الصادر ببراءة المدعي والحكم الصادر في الاستئناف بتأييده وكذلك الحكم القاضي ببراءة بدروس، أن الشركة المدعى عليها حين فصلت المدعي من عمله استناداً إلى عدم ثقتها به إنما عولت في فسخ عقد استخدامه على أسباب جدية تشفع لها في إنهاء علاقتها به وذلك لما قرره بدروس بدروسيان من سابقة استلامه التذاكر المختلسة من الشركة المدعى عليها ومن زميلتها شركة بان أمريكان التي كان يعمل بها من قبل، وهو الذي كلفه ببيعها نظير جعل، وتقديم المدعي إلى المحكمة الجنائية وحين كان الحكم الجنائي الصادر بالبراءة لم يكن لنفي التهمة عنه أو عدم صحته وهي أمور مما توجب الريبة في أمانته وشرفه وتعد مسوغاً مقبولاً لرب العمل بأن يفقد ثقته به ويجوز له فصله". وهي أسباب موضوعية سائغة وكافية لحمل قضائه فيما انتهى إليه من قيام المبرر المشروع لدى الشركة المطعون عليها في إنهاء عقد عمل الطاعن، ولا يشوبها فساد في الاستدلال.
وحيث إن حاصل السبب الخامس، أن الطاعن تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن الشركة المطعون عليها كانت قد عرضت عليه خلال مراحل التداعي مبلغ 1000 ج كتعويض لقاء تنازله عن الدعوى، كما استشهد لديها على هذه الواقعة بشهود، ولكن الحكم المطعون فيه أغفل هذا الدفاع الجوهري ولم يعن بتحقيقه أو بالرد عليه وهو منه إخلال بحق الطاعن في الدفاع.
وحيث إن هذا النعي على غير أساس، ذلك أنه لو صح أن الشركة المطعون عليها عرضت على الطاعن مبلغاً من المال لقاء تنازله عن الدعوى وأن الأمر لم يتجاوز هذا الحد، فهو منها عرض لم يقترن بقبول ولا أثر له، ومن ثم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق