الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 مايو 2022

الطعن 28959 لسنة 86 ق جلسة 23 / 5 / 2017 مكتب فني 68 ق 47 ص 399

جلسة 23 من مايو سنة 2017
برئاسة السيد القاضي / عادل الكناني نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / يحيى عبد العزيز ماضي ، عصمت عبد المعوض عدلي ، مجدي تركي وأيمن العشري نواب رئيس المحكمة .
-----------

(47)

الطعن رقم 28959 لسنة 86 القضائية

(1) حكم " بيانات التسبيب " .

عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . متى كان مجموع ما أورده كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .

مثال لتسبيب سائغ لحكم صادر بالإدانة في جريمة ضرب أفضى إلى موت واستعمال موظف عام للقسوة .

(2) ضرب " ضرب أفضى إلى موت " . قصد جنائي .

القصد الجنائي في جريمة الضرب المفضي إلى الموت . مناط تحققه ؟

تحدث الحكم استقلالاً عن القصد الجنائي . غير لازم . كفاية تفهمه من وقائع الدعوى التي أوردها الحكم .

(3) عقوبة " عقوبة الجريمة الأشد " . نقض " المصلحة في الطعن " . ضرب " ضرب أفضى على موت " .

  لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم بشأن جريمة استعمال القوة . متى دانه بجريمة الضرب المفضي للموت وأوقع عليه عقوبتها بوصفها الأشد عملاً بالمادة 32 عقوبات.

(4) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

  العبرة في المحاكمات الجنائية باقتناع القاضي بناءً علي الأدلة المطروحة عليه . له تكوين عقيدته من أي دليل يطمئن إليه . ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق .

تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟

النعي على الحكم استناده لإقرار الطاعنين رغم أنه ليس نصاً في ارتكاب الجريمة . غير مقبول . متى كان ما تساند إليه من أدلة وقرائن تؤدي مجتمعة لما رتبه عليها .

(5) إثبات " شهود " " خبرة " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير الدليل " .

استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .

وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .

مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشاهد ؟

تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات . موضوعي .

لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره . حد ذلك ؟

مثال .

(6) اتفاق . فاعل أصلي . مساهمة جنائية . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

الاتفاق على ارتكاب الجريمة . ما يشترط لتوافره ؟

مساهمة الشخص في الجريمة بفعل من الأفعال المكونة لها . كفايته لاعتباره فاعلاً أصلياً .

تدليل الحكم بما يسوغ ثبوت اتفاق المتهمين على الضرب المفضي إلى الموت . كفايته لاعتبارهم متضامنين في المسئولية الجنائية عنها . استعماله لفظ توافق بدلاً من اتفاق . لا ينال منه . علة ذلك ؟

(7) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

  التناقض الذي يعيب الحكم . ماهيته ؟

  اعتناق الحكم صورة واحدة لواقعة الدعوى . لا تناقض .

(8) حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " .

الخطأ في الإسناد . ماهيته ؟

مثال لما لا يعد خطأ من الحكم في الإسناد .

(9) أسباب الإباحة وموانع العقاب " استعمال الحق " " حالة الضرورة " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . قانون " تفسيره " . مسئولية جنائية .

  المادة 89 من القانون 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون . مفادها ؟

حالة الضرورة التي تسقط المسئولية . ماهيتها ؟

دفع الطاعنين بأن تقييد المجني عليه كان لاستعمال الحق المقرر بالمادة 89 من قانون تنظيم السجون ولتوافر حالة الضرورة . دفاع ظاهر البطلان . التفات الحكم عنه . لا يعيبه . علة ذلك ؟ 

(10) دعوى مدنية . نقض " المصلحة في الطعن " .

لا مصلحة للطاعنين في النعي على الحكم إغفاله بيان أسماء المدعيين بالحق المدني . متى قضى فيها بإحالتها للمحكمة المدنية المختصة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لما كان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بقوله " أنه خلال الفترة من .... إلى .... قام المتهمون .... ، .... ، .... ،.... بصفتهم موظفين عموميين الأول ملازم أول بقسم شرطة .... والثاني نقيب شرطة بذات القسم والثالث والرابع عريفي شرطة استعملوا القسوة مع المجني عليه .... اعتماداً على سلطة وظيفتهم وأثناء تأديتهم لها وبعد أن توافقت إراداتهم وتنفيذاً لهذا الاتفاق ضربوا المجنى عليه عمداً بأن ركله الأول والثاني بقدميهما في وجهه وظهره وجنبه وانهال عليه الثالث والرابع ضرباً بأداتين ( عصا وماسورة بلاستيكية ) أصابت عموم جسده بعد أن قيده الأخيران بأمر من الأول والثاني بثلاث قيود حديدية بيديه وقدميه وثالث يصل بينهما لإحكام وثاقة وطرحوه أرضاً على وجهه وتركوه على تلك الهيئة لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام مما تسبب في إجهاد وإعاقة حركة تنفسه التي نشأ عنها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدوا من ذلك قتلاً ، ولكن الضرب أفضى إلى موته ، وثبت من تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليه تعزي إلى اسفكسيا إجهاد التنفس وهي اسفكسيا وضعية وما صاحبها من هبوط حاد بالدورة التنفسية والدموية ، وثبت من الاطلاع على دفتر أحوال القسم أن المتهمين كانوا معينين خلال الفترة من ....إلى .... للإشراف على حجز القسم ..... " . وساق على ثبوتها في حق الطاعنين وصحة إسنادها إليهم أدلة استمدها من أقوال شهود الاثبات ومما ثبت بتقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه ومعاينة النيابة العامة ودفتر أحوال القسم وإقرار المتهمين ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة ــــ كما هو الحال في الدعوى المطروحة ـــــ فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون غير سديد.

        2- من المقرر أن القصد الجنائي في جرائم الضرب عامة ـــــ ومنها جريمة الضرب المفضي إلى الموت ــــــ يتحقق متى ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة المجني عليه أو صحته ، ولا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة عنه ، بل يكفي أن يكون مفهوماً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم ــــــ كما هو الحال في الدعوى ـــــ فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد لا يكون له محل .

3- لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجريمتين المسندتين إلى الطاعنين جريمة واحدة وعاقبهم بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد ـــــ وهي الضرب المفضي إلى الموت ــــــ فإنه لا مصلحة لهم فيما يثيروه بشأن جريمة استعمال القوة ما دامت المحكمة دانتهم بالجريمة الأشد وأوقعت عليهم عقوبتها عملا بالمادة 32 من قانون العقوبات .

4- من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته ، وله أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما له مأخذه الصحيح من الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، ولا يُنظر إلى كل دليل بعينة لمناقشته على حده دون باقي الأدلة ، بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جميع ما تساند إليه الحكم من الأدلة والقرائن التي سلف الإشارة إليها والتي أخذت بها المحكمة واطمأنت إليها من شأنها مجتمعة أن تحقق ما رتبه الحكم عليها من استدلال على صحة ما نسب إلى الطاعنين ، فإن النعي عليه بالاستناد إلى إقرارهم مع أنه لم يكن نصا في ارتكاب الجريمة لا يكون مقبولاً .

5- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، كما أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، ومتى أخذت بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل ولها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير ما دامت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها ــــــ وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره ــــــ ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال الشهود واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي وردت بأقوالهم وأجازها التقرير الطبي الشرعي وأيدتها وقائع الدعوى عندها وأكدتها لديها ، وكان ما أورده في هذا الخصوص سائغاً في العقل والمنطق ومقبولا في بيان كيفية وقوع الحادث ، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد يكون غير سديد .

 6- من المقرر أن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضى في الواقع أكثر من تقابل إرادات المساهمين فيها ولا يشترط لتوافره مضى وقت معين بل من الجائز قانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين المساهمين فيها هو الغاية النهائية من الجريمة أي أن يكون كل منهم قد قصد قصد الآخر في ارتكاب الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة ، وأنه يكفى في صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصلياً في الجريمة أن يسهم فيها بفعل من الأفعال المكونة لها وكان ما أورده الحكم في بيانه واقعة الدعوى ، على السياق المتقدم ، وفيما عول عليه من أدلة الثبوت كافياً بذاته للتدليل على اتفاق الطاعنين على الضرب المفضي الى الموت ، وذلك من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها ، وأن كلاً منهم قد قصد قصد الآخر في إيقاعها وقارف أفعالاً من الأفعال المكونة لها ، فإن الحكم إذ تأدى من ذلك إلى اعتبار الطاعنين متضامنين في المسئولية الجنائية ودانهم بوصفهم فاعلين أصليين في جريمة الضرب المفضي إلى الموت يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معه منعى الطاعنين عليه في هذا الخصوص غير قويم ، ولا ينال من ذلك استعمال الحكم لفظة " توافق" في مدوناته إذ أن ذلك منه لا يعدو أن يكون زلة قلم لا تخفى ، فضلاً عما هو مقرر من أن العبرة في الأحكام هي بالمعاني لا بالألفاظ والمباني .

  7- من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطا لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى ، ثم ساق أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته دون تناقض ــــــ على النحو المبين بمدوناته ـــــ فإن ما يثيره الطاعنون من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد .

 8- من المقرر أن الخطأ في الأسناد هو الذي يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها وكان ما يثيره الطاعنون من خطأ الحكم إذ نسب للطاعن الثاني إقراراً بإصدار الأمر بتقييد المجني عليه بالقيد الحديدي على خلاف الثابت بالتحقيقات من إنكاره ذلك ، فإنه بفرض صحته غير ذي بال في جوهر الواقعة التي اعتنقها الحكم ولم يكن له أثر في منطقة وسلامة استدلاله على مقارفة الطاعنين للجريمتين اللتين دانهم بهما ، ومن ثم تضحى دعوى الخطأ في الإسناد غير مقبولة .

9- لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن قصارى ما أورده المدافع عن الطاعنين أنه تم تقييد المجنى عليه خشية إيذاء نفسه أو غيره ، وكان نص المادة 89 من القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون قد جرى على أنه " لمدير السجن أو مأموره أن يأمر – كإجراء تحفظي – بتكبيل المسجون بقيد حديد بالأيدي إذا وقع منه هياج أو تعد شديد وعليه أن يرفع الأمر فوراً الى مدير عام السجون ، ولا يجوز أن تجاوز مدة التكبيل 72 ساعة " ، وكان من المقرر أن الأصل في القانون أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بالشخص وتدفعه إلى الجريمة وقاية لنفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله . لما كان ذلك ، وكان ما يدعيه الطاعنون – في صورة الدعوى المطروحة – لا يعد استعمالاً لحق مقرر في القانون على نحو ما ذهبت إليه المادة 89 سالفة البيان ولا تقوم به حالة الضرورة فلا يعيب الحكم أن يلتفت عنه لأنه دفاع ظاهر البطلان بعيد عن محجة الصواب .

10- لما كان منعى الطاعنين على الحكم بعدم بيان أسماء المدعين بالحقوق المدنية مردوداً بأن مصلحتهم فيه منعدمه لأن الحكم لم يفصل في الدعوى المدنية بل تخلى عنها بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة للفصل فيها عملا بالمادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 الوقائــع

  اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم 1ــــــ ضربوا /.... عمداً بأن ركلوه بأقدامهم في وجهه وظهره وجنبه وانهالوا عليه ضرباً بأداتين " عصا ، ماسورة بلاستيكية " أصابت عموم جسده بعد أن قيده المتهمان الثالث والرابع بأمر من المتهمين الأول والثاني بثلاث قيود حديدية بيديه وقدميه وقيد ثالث يصل بينهما لإحكام وثاقه وطرحوه أرضاً على وجهه وتركوه على تلك الهيئة لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام مما تسبب في إجهاد وإعاقة حركة تنفسه والتي نشأت عنها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدوا من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته .

2ــــ بصفتهم موظفين عمومين ـــــ الأول ــــ ملازم أول قسم شرطة .... ـــــ والثاني ــــ نقيب شرطة بذات القسم والثالث والرابع عريفي شرطة ــــــ استعملوا القوة مع ..... اعتمادا على سلطة وظيفتهم وأثناء تأديتهم لها بأن ركلوه بأقدامهم بعموم جسده وانهالوا عليه ضرباً بالأداتين سالفتي البيان بعد أن قيده المتهمان الثالث والرابع بثلاث قيود حديدة بالوضع السالف بيانه بموضوع التهمة الأولى لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية على النحو المبين بالأوراق .

وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

وأودعت والدة وزوجة المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بمبلغ عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت .

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 129 ، 236/1 من قانون العقوبات مع إعمال نص المادة 32 من ذات القانون . بمعاقبتهم بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات لما أسند إليهم وفي الدعوى المدنية بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة وأبقت لها الفصل في مصاريفها .

فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ، ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات .... لتفصل فيها من جديد دائرة أخرى .

ومحكمة الإعادة ـــــ بهيئة مغايرة ــــ قضت عملاً بالمادتين 129 ، 236/1 من قانون العقوبات ، بمعاقبتهم بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليهم وفي الدعوى المدنية بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة وأبقت لها الفصل في مصاريفها .

فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض - للمرة الثانية - .... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمــة

وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانهم بجريمتي الضرب المفضي إلى الموت واستعمال القوة اعتماداً على سلطان وظائفهم قد شابه القصور ، والتناقض في التسبيب ، والإخلال بحق الدفاع ، والخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال؛ ذلك أنه لم يلم بواقعات الدعوى وأدلتها ولم يستظهر أركان الجريمتين اللتين دانهم بهما سيما القصد الجنائي في جريمة الضرب المفضي إلى الموت ، وعول على ما أسنده اليهم من اعتراف مع أنه لم يكن نصاً في ارتكاب الجريمة ، وأعتنق تصويراً للواقعة مؤداه قيامهم بتوثيق المجني عليه من الخلف بقيد حديدي بيديه وآخر بقدميه وثالث بينهما ووضعه راقداً على وجهه لفترة طويلة مما أفضى إلى موته نتيجة وضعه بوضع مجهد للتنفس ومعيق لعضلات الصدر والبطن المساعدة في التنفس مما أدى إلى تعرضه إلى إجهاد شديد في عمليه التنفس ولم يفطن إلى خلو التقرير الطبي الشرعي من وجود إصابات بالمجني عليه تفيد تقييده من قدميه ، وسائلهم جميعاً عن الضرب المفضي إلى الموت دون أن يحدد دور كل منهم في ارتكابها والأفعال التي أتاها وتؤدى إلى تلك النتيجة أو يدلل على اتفاقهم على ارتكاب الجريمة سيما وأنه جمع في هذا المقام بين فكرة الاتفاق الذي يقتضى تقابل الإرادات تقابلاً صريحاً على ارتكاب الفعل المؤثم ويرتب تضامناً في المسئولية وبين التوافق وهو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين ينتويه كل منهم في نفسه دون أن يكون بينهم اتفاق مسبق وهو لا يرتب تضامناً في المسئولية إلا في الأحوال المبينة على سبيل الحصر في القانون ، وتناقض في مواضع عدة منه في تحديد من أمر بتقييد المجني عليه ومن قام بذلك ، وأسند للطاعن الثاني إقراراً مع أنه أنكر ما أسند إليه ، ولم يرد على ما دفعوا به من عدم تحقق أركان الجريمتين المسندتين لهم لاستعمال حق مقرر في المادة 89 من قانون السجون التي تبيح وضع القيد الحديدي بيدي المسجون في الأحوال المبينة بها ، ولتوافر حالة الضرورة عملاً بالمادتين 60 ، 61 من قانون العقوبات لحماية المجني عليه من إيذاء نفسه وغيرة من المحجوزين بالقسم والمؤيد بأقوال الشهود ، وخلا من أسماء المدعين بالحقوق المدنية ، مما يعيبه ويستوجب نقضه .

وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بقوله " أنه خلال الفترة من .... إلى .... قام المتهمون .... ، .... ، .... ،.... بصفتهم موظفين عموميين الأول ملازم أول بقسم شرطة .... والثاني نقيب شرطة بذات القسم والثالث والرابع عريفي شرطة استعملوا القسوة مع المجني عليه .... اعتماداً على سلطة وظيفتهم وأثناء تأديتهم لها وبعد أن توافقت إراداتهم وتنفيذاً لهذا الاتفاق ضربوا المجني عليه عمداً بأن ركله الأول والثاني بقدميهما في وجهه وظهره وجنبه وانهال عليه الثالث والرابع ضرباً بأداتين ( عصا وماسورة بلاستيكية ) أصابت عموم جسده بعد أن قيده الأخيران بأمر من الأول والثاني بثلاث قيود حديدية بيديه وقدميه وثالث يصل بينهما لإحكام وثاقة وطرحوه أرضاً على وجهه وتركوه على تلك الهيئة لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام مما تسبب في إجهاد وإعاقة حركة تنفسه التي نشأ عنها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدوا من ذلك قتلاً ، ولكن الضرب أفضى الى موته ، وثبت من تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليه تعزي إلى إسفكسيا إجهاد التنفس وهي إسفكسيا وضعية وما صاحبها من هبوط حاد بالدورة التنفسية والدموية ، وثبت من الاطلاع على دفتر أحوال القسم أن المتهمين كانوا معينين خلال الفترة من ....إلى .... للإشراف على حجز القسم ..... " . وساق على ثبوتها في حق الطاعنين وصحة إسنادها إليهم أدلة استمدها من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت بتقرير الصفة التشريحية لجثة المجني عليه ومعاينة النيابة العامة ودفتر أحوال القسم وإقرار المتهمين ، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلا خاصاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة ــــ كما هو الحال في الدعوى المطروحة ـــــ فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جرائم الضرب عامة ـــــ ومنها جريمة الضرب المفضي إلى الموت ــــــ يتحقق متى ارتكب الجاني الفعل عن إرادة وعلم بأن هذا الفعل يترتب عليه المساس بسلامة المجنى عليه أو صحته ، ولا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة عنه ، بل يكفي أن يكون مفهوماً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم ــــــ كما هو الحال في الدعوى ـــــ فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد لا يكون له محل . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجريمتين المسندتين إلى الطاعنين جريمة واحدة وعاقبهما بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد ـــــ وهي الضرب المفضي إلى الموت ــــــ فإنه لا مصلحة لهم فيما يثيروه بشأن جريمة استعمال القوة ما دامت المحكمة دانتهم بالجريمة الأشد وأوقعت عليهم عقوبتها عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته ، وله أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما له مأخذه الصحيح من الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ، ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ، ولا يُنظر إلى كل دليل بعينة لمناقشته على حده دون باقي الأدلة ، بل يكفى أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جميع ما تساند إليه الحكم من الأدلة والقرائن التي سلف الإشارة إليها والتي أخذت بها المحكمة واطمأنت إليها من شأنها مجتمعة أن تحقق ما رتبه الحكم عليها من استدلال على صحة ما نسب إلى الطاعنين ، فإن النعي عليه بالاستناد إلى اقرارهم مع أنه لم يكن نصا في ارتكاب الجريمة لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، كما أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب ، ومتى أخذت بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل ولها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير ما دامت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها ــــــ وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره ــــــ ، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال الشهود واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي وردت بأقوالهم وأجازها التقرير الطبي الشرعي وأيدتها وقائع الدعوى عندها وأكدتها لديها ، وكان ما أورده في هذا الخصوص سائغاً في العقل والمنطق ومقبولا في بيان كيفية وقوع الحادث ، فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاتفاق على ارتكاب الجريمة لا يقتضى في الواقع أكثر من تقابل إرادات المساهمين فيها ولا يشترط لتوافره مضى وقت معين بل من الجائز قانوناً أن تقع الجريمة بعد الاتفاق عليها مباشرة أو لحظة تنفيذها تحقيقاً لقصد مشترك بين المساهمين فيها هو الغاية النهائية من الجريمة أي أن يكون كل منهم قد قصد قصد الآخر في ارتكاب الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها بحسب الخطة التي وضعت أو تكونت لديهم فجأة، وأنه يكفى في صحيح القانون لاعتبار الشخص فاعلاً أصلياً في الجريمة أن يسهم فيها بفعل من الأفعال المكونة لها وكان ما أورده الحكم في بيانه واقعة الدعوى ، على السياق المتقدم ، وفيما عول عليه من أدلة الثبوت كافياً بذاته للتدليل على اتفاق الطاعنين على الضرب المفضي الى الموت ، وذلك من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم وجهة واحدة في تنفيذها ، وأن كلاً منهم قد قصد قصد الآخر في إيقاعها وقارف أفعالاً من الأفعال المكونة لها ، فإن الحكم إذ تأدي من ذلك إلى اعتبار الطاعنين متضامنين في المسئولية الجنائية ودانهم بوصفهم فاعلين أصليين في جريمة الضرب المفضي إلى الموت يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معه منعى الطاعنين عليه في هذا الخصوص غير قويم ، ولا ينال من ذلك استعمال الحكم لفظة " توافق" في مدوناته إذ أن ذلك منه لا يعدو أن يكون زلة قلم لا تخفى ، فضلاً عما هو مقرر من أن العبرة في الأحكام هي بالمعاني لا بالألفاظ والمباني . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يُعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطا لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها ، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتنق صورة واحدة لواقعة الدعوى ، ثم ساق أدلة الثبوت التي استمد منها عقيدته دون تناقض ــــــ على النحو المبين بمدوناته ـــــ فإن ما يثيره الطاعنون من دعوى التناقض في التسبيب يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الخطأ في الأسناد هو الذي يقع فيما هو مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها وكان ما يثيره الطاعنون من خطأ الحكم إذ نسب للطاعن الثاني إقراراً بإصدار الأمر بتقييد المجنى عليه بالقيد الحديدي على خلاف الثابت بالتحقيقات من إنكاره ذلك ، فإنه بفرض صحته غير ذي بال في جوهر الواقعة التي اعتنقها الحكم ولم يكن له أثر في منطقة وسلامة استدلاله على مقارفة الطاعنين للجريمتين اللتين دانهم بهما ، ومن ثم تضحى دعوى الخطأ في الإسناد غير مقبولة . لما كان ذلك ، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن قصارى ما أورده المدافع عن الطاعنين أنه تم تقييد المجنى عليه خشية إيذاء نفسه أو غيره ، وكان نص المادة 89 من القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون قد جرى على أنه " لمدير السجن أو مأموره أن يأمر – كإجراء تحفظي – بتكبيل المسجون بقيد حديد بالأيدي إذا وقع منه هياج أو تعد شديد وعليه أن يرفع الأمر فوراً إلى مدير عام السجون ، ولا يجوز أن تجاوز مدة التكبيل 72 ساعة " ، وكان من المقرر أن الأصل في القانون أن حالة الضرورة التي تسقط المسئولية هي التي تحيط بالشخص وتدفعه إلى الجريمة وقاية لنفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله . لما كان ذلك ، وكان ما يدعيه الطاعنون – في صورة الدعوى المطروحة – لا يعد استعمالا لحق مقرر في القانون على نحو ما ذهبت إليه المادة 89 سالفة البيان ولا تقوم به حالة الضرورة فلا يعيب الحكم أن يلتفت عنه لأنه دفاع ظاهر البطلان بعيد عن محجة الصواب . لما كان ذلك ، وكان منعى الطاعنين على الحكم بعدم بيان أسماء المدعين بالحقوق المدنية مردودا بأن مصلحتهم فيه منعدمه لأن الحكم لم يفصل في الدعوى المدنية بل تخلى عنها بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة للفصل فيها عملا بالمادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق