الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 مايو 2022

الطعن 22879 لسنة 86 ق جلسة 14 / 6 / 2017 مكتب فني 68 ق 49 ص 415

جلسة 14 من يونيه سنة 2017
برئاسة السيد القاضي / د. عبد الرحمن هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أبو بكر البسيوني ، محسن البكري وعلى سليمان نواب رئيس المحكمة ومحمد أبو السعود .
----------

(49)

الطعن رقم 22879 لسنة 86 القضائية

(1) قتل عمد . قصد جنائي . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

قصد القتل . أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر . إدراكه بالظروف المحيطة والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه . استخلاص توافره . موضوعي .

نشوء نية القتل لدى الجاني إثر مشادة كلامية . جائز .

  مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر نية القتل .

(2) دفوع " الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي . موضوعي . إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض . غير جائز . ما لم تكن الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحققها أو ترشح لقيامها .

تناول الحكم إصابة بعينها نسب للمتهم إحداثها وأثبت التقرير الطبي وجودها . لا حاجة لتعرضه لغيرها من إصابات لم تكن محل اتهام ولم ترفع بشأنها دعوى .

تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء وما إذا كان يدخل في حدود الدفاع الشرعي أم أنه تعداه بنية سليمة . موضوعي .

مثال لتسبيب سائغ لاطراح الدفع بتوافر حالة الدفاع الشرعي .

(3) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .

وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .

أخذ المحكمة بشهادة الشهود . مفاده ؟

عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد إن تعددت . حسبها أن تورد منها ما تقيم عليه قضاءها .

للمحكمة التعويل على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى . ما دامت قد اطمأنت إليها .

تناقض الشهود أو تضاربهم في أقوالهم . لا يعيب الحكم . ما دامت المحكمة استخلصت الحقيقة منها بما لا تناقض فيه .

الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .

مثال .

(4) إثبات " شهود " . استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم . موضوعي .

حق محكمة الموضوع تجزئة شهادة الشاهد والتحريات . لها الأخذ بما تطمئن إليه منها واطراح ما عداه .

لمحكمة الموضوع أن تعوّل على تحريات الشرطة باعتبارها قرينة معززة لِمَا ساقته من أدلة .

الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .

مثال .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لمَّا كان الحُكم المطعون فيه بعد أن بَيَّن واقعة الدعوى بما تَتَوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه ما ينتجه من الأدلة ، وخلص إلى توافر نية القتل بقوله : " ... من قيام المُتَهم بتوجيه السلاح إلى بطن المجني عليه وعلى مسافة قريبة منه وإطلاق عيار ناري منه على جسد المجني عليه وذلك السلاح والذي يُعد قاتلاً بطبيعته وفي موضع يُعد مقتلاً بالفعل وهو البطن والحوض وما أحدثه ذلك من تهتكات مُتعددة بالأمعاء الغليظة والكلية اليُسرى وأنزفة دموية بما يقطع بتوافر نية القتل لدى المُتَهم والتي لا يمنع من إتيانها وتوافرها – فجأة في ذهن المُتَهم " . لمَّا كَان ذلك ، وكَان قصد القتل أمراً خفياً لا يُدرك بالحس الظاهر إنما يُدرك بالظروف المُحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عمَّا يضمره في نفسه ، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى المطروحة أمام المحكمة موكولاً لقاضي الموضوع في حدود سُلطته التقديرية ، ولمَّا كَان ما أورده الحُكم تدليلاً على قيام هذه النية سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن، وكَان من الجائز أن تنشأ نية القتل لدى الجاني أثر مُشادة كلامية، فإن النعي على الحُكم في هذا الصَدد لا يكون له محل.

2- لمَّا كَان ما ينعاه الطاعن في شأن ما أحدثه المجني عليه به من إصابة وهو ما يرمي به إلى أنه كَان في حالة دفاع شرعي عن نفسه مردوداً بأن الأصل في الدفاع الشرعي أنه من الدفوع الموضوعية التي يجب التَمسُّك بها لدى محكمة الموضوع ولا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كَانت الوقائع الثابتة بالحُكم دالة بذاتها على تَحقُّق حالة الدفاع الشرعي كما عرفه القانون أو ترشحه لقيامها ، وإذ كَان يبين من محاضر جلسة المحاكمة أنه لا الطاعن ولا المُدافع عنه قد دفع أيهما أمام محكمة الموضوع بقيام حالة الدفاع الشرعي ، وكَانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحُكم المطعون فيه لا تَتَوافر فيها تلك الحالة ولا تُرشِّح لقيامها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً ، هذا إلى أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه متى كَان الحُكم قد انصب على إصابة بعينها نسب إلى المُتَهم إحداثها وأثبت تقرير الطب الشرعي وجودها واطمأنت المحكمة إلى أن المُتَهم هو مُحدثها ، فليس به من حاجة إلى التَعرُّض لغيرها من إصابات لم تَكُن محل اتهام ولم تُرفع بشأنها دعوى ، هذا فضلاً عن أن من المُقرَّر أن الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء وتقدير التناسُب بين تلك القوة وبين الاعتداء الذي يُهدد المُدافع لتقرير ما إذا كَان المُدَافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة فيعامل بمُقتضى المادة 251 من هذا القانون إنما هو من الأمور الموضوعية البحتة التي تَستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها وفق الوقائع المعروضة عليها بغير مُعقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تَتَفق منطقياً مع المُقدمات والوقائع التي أثبتها في حُكمها ، وإذ كَان ما أثبته الحُكم في مدوناته من أنه على أثر مُشاجرة وعراك بين المجني عليه والمُتَهم حاول المجني عليه انتزاع السلاح الناري من يد المُتَهم الذي قاومه فأحدث المجني عليه إصابة بالمُتَهم في يده مُستخدماً سلاح أبيض لنزع السلاح الناري من يد المُتَهم إلا أن المُتَهم قام بإطلاق عيار ناري على جسد المجني عليه مُحدثاً إصابته ، فإن الوسيلة التي سلكها الطاعن لرد الاعتداء الواقع عليه من المجني عليه لم تَكُن تتناسب مع هذا الاعتداء بل إنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده ، ومن ثم فإن النعي على الحُكم في هذه الصَدد لا يكون له محل .

3- من المُقرَّر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ، حسبما يُؤدي إليه اقتناعها وأن تَطرح ما يُخالفها من صور أُخرى ما دام استخلاصها سائغاً مُستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق – كما هو الحال في الدعوى المطروحة –، وكَان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يُؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجّه إليها من مطاعن وحام حولها من الشُبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تَطمئن إليه ، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أن المحكمة غير مُلزمة بسرد روايات الشاهد إذ تَعدَّدت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تُورد في حُكمها من أقوال الشهود ما تقيم عليه قضاءها ، ولها أن تعوّل على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها ، كما أن تنَاقُض الشهود أو تضَارُبهم في أقوالهم أو تنَاقُض روايتهم في بعض تفصيلاتها – بفرض حصوله – لا يعيب الحُكم أو يَقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تنَاقُض فيه ولم يُورد تلك التفصيلات على نحو يَركن بها إليها في تكوين عقيدتها ، وإذ كَانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى أقوال شاهدي الإثبات وصحة تصويرهما للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن – في هذا الصَدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تَستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مُجادلتها فيه ومُصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض .

4- من المُقرَّر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كُل مُتَهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حُرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى مُتَهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمُتَهم آخر ، وإذ كَانت قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليه ، وأقوال ضابط المباحث ، وما تَضمَّنته تحرياته وأخذت بتصويرهما للواقعة بالنسبة للطاعن وحده دون المُتَهمين الآخرين اللَّذين قَضَت ببراءتهما ، وكَان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخُذ منها بما تَطمئن إليه وتَطرح ما عداه لتَعلُّق ذلك بسُلطتها في تقدير أدلة الدعوى ، كما لها أن تعوِّل في عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها مُعززة لِمَا ساقته من أدلة ، ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مُطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه ، وكَان الحُكم قد حَصَّل أقوال المجني عليه وضابط المباحث وتحرياته بما لا شُبهة فيه لأى تنَاقُض ، فإن ما يثيره الطاعن في صَدد ما أخذ به الحُكم من أقوال للمجني عليه وتحريات المباحث بالنسبة له وما اطرح من أقوال للمجني عليه وتحريات المباحث بالنسبة للمُتَهمين الآخرين لا يَخرُج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل ، وفي سُلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط مُعتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائع

اتهمت النيابة العـامـة كلاً من (1- .... " الطاعن " ، و2- .... ، و3- ....) بأنهم :

1- شرعوا في قتل المجني عليه " .... " عمداً بأن بَيَّتوا النية وعقدوا العزم على قتله ، فأعدوا لذلك الغرض عدته من سلاح ناري " فرد خرطوش ، وأبيض بطاش " ، فقام الأول بإطلاق عياراً نارياً صوبه مُحدثاً إصابته بالبطن ، وقام الثالث بموالاة التعدي عليه بالسلاح الأبيض ، فأحدث إصابته بالرأس ، حال كون الثاني حاملاً سلاحاً نارياً " فرد خرطوش " ليشد من أزرهم ، قاصدين من ذلك إزهاق روحه ، إلا أن أثر جريمتهم قد خاب لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو مُداركة المجني عليه بالعلاج ، على النحو الوارد بالتحقيقات .

المُتَهمين الأول والثاني : أحرزا سلاحاً نارياً " فرد خرطوش " بغير ترخيص ، على النحو المُبيَّن بالتحقيقات .

أحرزا ذخائر ( عدد طلقتان ) مما تُستخدم على السلاح الناري محل الاتهام السابق بغير ترخيص ، على النحو المُبيَّن بالتحقيقات .

حازا بواسطة المُتَهم الثالث سلاح أبيض ( بطاش ) بغير مسوغ من الضرورة الفنية أو المهنية .

المُتَهم الثالث : أحرز سلاح أبيض بطاش بغير مسوغ من الضرورة الفنية أو المهنية .

حاز بواسطة المُتَهمين الأول والثاني سلاح ناري ( فرد خرطوش ) بغير ترخيص .

حاز بواسطة المُتَهمين الأول والثاني ذخائر مما تُستخدم على السلاح الناري سالف البيان بغير ترخيص .

وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمُحَاكمتهم وفقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

وادعى المجني عليه مدنياً قِبَل المُتَهم الأول بمبلغ 10001 جُنيه على سبيل التعويض المدني المُؤقت .

والمحكمة المذكورة قَضت حضورياً عملاً بالمواد 45/1 ، 46/1 ، 234 من قانون العقوبات ، والمواد 1/1 ، 6 ، 25 مُكرراً /1 ، 26/1 ، 30/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المُعدَّل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981 ، والمرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012 ، والجدول رقم 2 المُرفق ، مع إعمال نص المادة 32 من قانون العقوبات أولاً : بمُعَاقبة المُتَهم الأول بالسجن لمُدة ثلاث سنوات عمَّا أُسند إليه ، ومُصَادرة السلاح المضبوط . ثانياً : وفي الدعوى المدنية بإحالتها إلى المحكمة المُختصة . ثالثاً : ببراءة كل من الثاني والثالث مما أُسند إليهما .

فطعن المحكوم عليه في هذا الحُكم بطريق النقض .... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمة

ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحُكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الشروع في القتل العمد ، وإحراز سلاح ناري غير مُششخن " فرد خرطوش " ، وذخيرته بدون ترخيص قد شابه القصور والتنَاقُض في التسبيب ، والفساد في الاستدلال ، والإخلال بحق الدفاع ، ذلك بأنه استدل على توافر نية القتل بما لا يقيمها وينتجها في حق الطاعن ، إذ أن ما حدث ما هو إلا مُشاجرة بين المجني عليه والطاعن أحدث بها الأول إصابة بالطاعن فدافع الأخير عن نفسه وهو ما تنتفي معه نية القتل ، وعَوَّل في إدانة الطاعن على أقوال المجني عليه رغم تنَاقُضه في أقواله بتحقيقات النيابة عنها بجلسة المُحَاكمة وتنَاقُضها مع أقوال باقي الشهود ، كما عَوَّل على تلك الأقوال وتحريات المباحث وأخذ بهما في حق الطاعن وحده دون باقي المُتَهمين اللَّذين قضي ببراءتهما ، مما يعيب الحُكم ويستوجب نقضه .

ومن حيث إن الحُكم المطعون فيه بعد أن بَيَّن واقعة الدعوى بما تَتَوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه ما ينتجه من الأدلة ، وخلص إلى توافر نية القتل بقوله : " ... من قيام المُتَهم بتوجيه السلاح إلى بطن المجني عليه وعلى مسافة قريبة منه وإطلاق عيار ناري منه على جسد المجني عليه وذلك السلاح والذي يُعد قاتلاً بطبيعته وفي موضع يُعد مقتلاً بالفعل وهو البطن والحوض وما أحدثه ذلك من تهتكات مُتعددة بالأمعاء الغليظة والكلية اليُسرى وأنزفة دموية بما يقطع بتوافر نية القتل لدى المُتَهم والتي لا يمنع من إتيانها وتوافرها – فجأة في ذهن المُتَهم " . لمَّا كَان ذلك ، وكَان قصد القتل أمراً خفياً لا يُدرك بالحس الظاهر إنما يُدرك بالظروف المُحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عمَّا يضمره في نفسه ، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى المطروحة أمام المحكمة موكولاً لقاضي الموضوع في حدود سُلطته التقديرية ، ولمَّا كَان ما أورده الحُكم تدليلاً على قيام هذه النية سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعن ، وكَان من الجائز أن تنشأ نية القتل لدى الجاني أثر مُشادة كلامية ، فإن النعي على الحُكم في هذا الصَدد لا يكون له محل . لمَّا كَان ذلك ، وكَان ما ينعاه الطاعن في شأن ما أحدثه المجني عليه به من إصابة وهو ما يرمي به إلى أنه كَان في حالة دفاع شرعي عن نفسه مردوداً بأن الأصل في الدفاع الشرعي أنه من الدفوع الموضوعية التي يجب التَمسُّك بها لدى محكمة الموضوع ولا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كَانت الوقائع الثابتة بالحُكم دالة بذاتها على تَحقُّق حالة الدفاع الشرعي كما عرفه القانون أو ترشحه لقيامها ، وإذ كَان يبين من محاضر جلسة المحاكمة أنه لا الطاعن ولا المُدافع عنه قد دفع أيهما أمام محكمة الموضوع بقيام حالة الدفاع الشرعي ، وكَانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحُكم المطعون فيه لا تَتَوافر فيها تلك الحالة ولا تُرشِّح لقيامها ، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً ، هذا إلى أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه متى كَان الحُكم قد انصب على إصابة بعينها نسب إلى المُتَهم إحداثها وأثبت تقرير الطب الشرعي وجودها واطمأنت المحكمة إلى أن المُتَهم هو مُحدثها ، فليس به من حاجة إلى التَعرُّض لغيرها من إصابات لم تَكُن محل اتهام ولم تُرفع بشأنها دعوى ، هذا فضلاً عن أن من المُقرَّر أن الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء وتقدير التناسُب بين تلك القوة وبين الاعتداء الذي يُهدد المُدافع لتقرير ما إذا كَان المُدَافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات أم أنه تعدى حدوده بنية سليمة فيعامل بمُقتضى المادة 251 من هذا القانون إنما هو من الأمور الموضوعية البحتة التي تَستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها وفق الوقائع المعروضة عليها بغير مُعقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تَتَفق منطقياً مع المُقدمات والوقائع التي أثبتها في حُكمها ، وإذ كَان ما أثبته الحُكم في مدوناته من أنه على أثر مُشاجرة وعراك بين المجني عليه والمُتَهم حاول المجني عليه انتزاع السلاح الناري من يد المُتَهم الذي قاومه فأحدث المجني عليه إصابة بالمُتَهم في يده مُستخدماً سلاح أبيض لنزع السلاح الناري من يد المُتَهم إلا أن المُتَهم قام بإطلاق عيار ناري على جسد المجني عليه مُحدثاً إصابته ، فإن الوسيلة التي سلكها الطاعن لرد الاعتداء الواقع عليه من المجني عليه لم تَكُن تتناسب مع هذا الاعتداء بل إنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده ، ومن ثم فإن النعي على الحُكم في هذه الصَدد لا يكون له محل . لمَّا كَان ذلك ، وكَان من المُقرَّر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى ، حسبما يُؤدي إليه اقتناعها وأن تَطرح ما يُخالفها من صور أُخرى ما دام استخلاصها سائغاً مُستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق – كما هو الحال في الدعوى المطروحة –، وكَان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يُؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجّه إليها من مطاعن وحام حولها من الشُبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تَطمئن إليه ، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، كما أن المحكمة غير مُلزمة بسرد روايات الشاهد إذ تَعدَّدت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تُورد في حُكمها من أقوال الشهود ما تقيم عليه قضاءها ، ولها أن تعوّل على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها ، كما أن تنَاقُض الشهود أو تضَارُبهم في أقوالهم أو تنَاقُض روايتهم في بعض تفصيلاتها – بفرض حصوله – لا يعيب الحُكم أو يَقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تنَاقُض فيه ولم يُورد تلك التفصيلات على نحو يَركن بها إليها في تكوين عقيدتها ، وإذ كَانت المحكمة في هذه الدعوى قد اطمأنت إلى أقوال شاهدي الإثبات وصحة تصويرهما للواقعة ، فإن ما يثيره الطاعن – في هذا الصَدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تَستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مُجادلتها فيه ومُصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض . لمَّا كَان ذلك ، وكَان من المُقرَّر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كُل مُتَهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حُرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى مُتَهم وعدم اطمئنانها إلى ذات الأدلة بالنسبة لمُتَهم آخر ، وإذ كَانت قد اطمأنت إلى أقوال المجني عليه ، وأقوال ضابط المباحث ، وما تَضمَّنته تحرياته وأخذت بتصويرهما للواقعة بالنسبة للطاعن وحده دون المُتَهمين الآخرين اللَّذين قَضَت ببراءتهما ، وكَان من حق محكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخُذ منها بما تَطمئن إليه وتَطرح ما عداه لتَعلُّق ذلك بسُلطتها في تقدير أدلة الدعوى ، كما لها أن تعوِّل في عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها مُعززة لِمَا ساقته من أدلة ، ولها أن تجزئها فتأخذ منها بما تطمئن إليه مما تراه مُطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه ، وكَان الحُكم قد حَصَّل أقوال المجني عليه وضابط المباحث وتحرياته بما لا شُبهة فيه لأى تنَاقُض ، فإن ما يثيره الطاعن في صَدد ما أخذ به الحُكم من أقوال للمجني عليه وتحريات المباحث بالنسبة له وما اطرح من أقوال للمجني عليه وتحريات المباحث بالنسبة للمُتَهمين الآخرين لا يَخرُج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل ، وفي سُلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط مُعتقدها ، وهو ما لا يجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض . لمَّا كَان ما تَقدَّم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ، مُتعيّناً رفضه موضوعاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق