الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 فبراير 2022

القضية 1 لسنة 13 ق جلسة 4/ 1 / 1992 دستورية عليا مكتب فني 5 ج 1 تفسير ق 1 ص 385

جلسة 4 يناير سنة 1992

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد الواحد والدكتور عبد المجيد فياض - أعضاء،

وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره - المفوض،

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد - أمين السر.

------------------

قاعدة رقم (1)
طلب التفسير رقم 1 لسنة 13 قضائية "تفسير"

(1) المحكمة الدستورية العليا "ولايتها - تفسير" - التفسير التشريعي "غايته" - قانون "تفسيره".
تفسير المحكمة الدستورية العليا للنصوص التشريعية تفسير تشريعيا ملزما إذا أثارت خلافا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها - غايته - الكشف عن المقاصد الحقيقية التي توخاها المشرع عند إقراراها منظورا لا إلى إرادته المتوهمة أو المفترضة، بل إلى إرادته الحقيقية التي يفترض في هذه النصوص أن تكون معبرة عنها، مبلورة لها، وان كان تطبيقها قد باعد بينها وبين هذه الإرادة.
(2) التفسير التشريعي "شروطه - أثره" - قانون ""تفسيره".
التفسير التشريعي - مادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا - شروطه، أن يكون النص المطلوب تفسيره فوق أهميته الجوهرية التي تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها ووزن المصالح المرتبطة بها، قد أثار عند تطبيقه خلافا حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه المتماثلة مراكزهم القانونية، بما يخل عملا بعمومية القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم في مجال تطبيقها - أثره، رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصده المشرع منها حسما لمدلولها وضمانا لتكافئ تطبيقها بين المخاطبين بها.
(3) التفسير التشريعي "شروطه" - قانون الحجز الإداري - إعلان.
اختلاف دائرتين من دوائر محكمة النقض، التي ناط بها المشرع إنزال حكم القانون على وجهه الصحيح وتقعيد مبادئه لضمان وحدة تطبيقها، في مسألة جوهرية تتعلق بكيفية إعلان المحجوز عليه بصورة محضر الحجز طبقا للفقرة الثالثة من المادة 29 من قانون الحجز الإداري، بذهاب إحداهما إلى تمامه بموجب كتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول حال اتجاه الأخرى إلى إجرائه بواسطة ورقة من أوراق المحضرين - اتصال هذا التعارض بنص تشريعي له أهميته وتتأثر بالكيفية التي يطبق بها حقوق الجهات العامة قبل الملتزمين بأدائها - أثره، قبول طلب التفسير.
(4) قانون "تفسيره: عموم النص".
ورود النص التشريعي في صيغة عامة لم يقم دليل على تخصيصها، يوجب حمل النص على عمومه.
(5) قانون "تفسير: تخصيص العام - الحكم الخاص لا يقاس عليه".
التنظيم الإجرائي الخاصة لا يقاس عليه - علة ذلك، كونه استثناء من أصل خضوع المسائل الإجرائية للقانون العام الذي يحكمها، وإن الأصل في دلالة النص العام أنها لا تخصص بغير دليل.
(6) قانون "تفسيره" - قانون المرافعات - قانون الحجز الإداري.
النص في المادة 75 من قانون الحجز الإداري على سريان أحكام قانون المرافعات التي لا تتعارض مع أحكام هذا القانون - دلالة عموم النص، أن أحكام قانون المرافعات بوصفها التنظيم الإجرائي العام هي الواجبة التطبيق، وبالقدر الذي لا تتعارض مع أحكام قانون الحجز الإداري، على كافة المسائل الإجرائية التي لم يرد بشأنها نص خاص في هذا القانون.
(7) قانون "تفسيره" - قانون المرافعات - قانون الحجز الإداري - إعلان.
مغايرة المشرع بين المحجوز ليه والمحجوز عليه فيما يتعلق بوسيلة إخطار كل منهما بالحجز - بنيه ذلك: النص في الفقرة الأولى من المادة 29 من قانون الحجز الإداري على أن حجز ما للمدين لدى الغير يقع بموجب محضر حجز يعلن إلى المحجوز لديه بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، مفاده تعيين المشرع وسيلة بذاتها يتم بها هذا الإعلان كتنظيم خاص يستبعد ما عداها، حال أن إيجاب الفقرة الثالثة من المادة المذكورة إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز وسكوتها عن تنظيم الوسيلة التي يتم بها هذا الإعلان، كاشف عن قصد المشرع إجراءه وفقا للقواعد العامة في قانون المرافعات باعتبارها أصلا لكل مسألة إجرائية لم يرد في شأنها نص خاص.
(8) قانون المرافعات - قانون الحجز الإداري - إعلان.
إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز وفقا للقواعد العامة في قانون المرافعات لا يتعارض وأحكام قانون الحجز الإداري التي توجب إعلان المحجوز لديه بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول - تبيان ذلك، عدم توخى هذا القانون مجرد تقرير حقوق للجهات العامة تحصل بموجبها على مستحقاتها دون ما اعتداد بضرورة موازنتها بالحماية التشريعية التي ينبغي كفالتها للمدين المحجوز عليه باعتباره الأصيل في خصومة التنفيذ لتعلقها بأمواله ومصالحه الرئيسية، ولأن إتمام الإعلان بواسطة ورقة من أوراق المحضرين ضمانة قدر المشروع ضرورتها كي يوفر من خلالها الحماية اللازمة للمحجوز عليه قبل الجهة الإدارية في مواجهة حجز وقعته في غيبته.

---------------
1 - النص في المادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور، وذلك إذا أثارت خلافا في التطليق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها - مؤداه أنه خول هذه المحكمة سلطة تفسير النصوص التشريعية التي تناولها تفسير تشريعيا ملزما يكون بذاته كاشفا عن المقاصد الحقيقية التي توخاها المشرع عند إقرارها منظورا في ذلك لا إلى إرادته المتوهمة أو المفترضة التي تحمل معها النصوص التشريعية محل التفسير على غير المعنى المقصود منها ابتداء، بل إلى إرادته الحقيقية التي يفترض في هذه النصوص أن تكون معبرة عنها، مبلورة لها، وان كان تطبقها قد باعد بينها وبين هذه الإرادة.
2 ، 3 - السلطة المخولة للمحكمة الدستورية العليا في مجال التفسير التشريعي - وعلى ما يبين من نص المادة 26 من قانونها - مشروطة بأن تكون للنص التشريعي أهمية جوهرية - لا ثانوية أو عرضية - تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص - فوق أهميته - قد أثار عند تطبيقه خلافا حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخل عملا بعمومية القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم "في مجال تطبيقها" الأمر الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصده المشرع منها عند إقرارها حسما لمدلولها، وضمانا لتطبيقها تطبيقا متكافئا بين المخاطبين بها. إن هذين الشرطين اللذين تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير قد توافرا في الطلب الماثل، ذلك أن دائرتين من دوائر محكمة النقض التي ناط بها المشرع إنزال حكم القانون على وجهه الصحيح في الطعون المرفوعة إليها وتقعيد مبادئه لضمان وحدة تطبيقها، قد اختلفتا فيما بينهما في مسألة جوهرية تتعلق بنطاق الحقوق التي كفلها قانون الحجز الإداري لتمكين الجهات العامة من الحصول على مستحقاتها من الملتزمين بأدائها، ذلك أنه بينما ذهبت إحدى هاتين الدائرتين إلى أن إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز طبقا للفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري ينبغي أن يتم بموجب كتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، فإن دائرة أخرى قد اتجهت إلى أن هذا الإعلان يجب أن يتم بواسطة ورقة من أوراق المحضرين تعلن وفقا للقواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية. وإذ كان هذا التعارض بين هاتين الدائرتين يتصل بنص تشريعي له أهميته، وتتأثر بالكيفية التي يطبق بها حقوق الجهة الإدارية الحاجزة قبل المدين المحجوز عليه، فقد تقدم وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء بطلب التفسير الماثل إرساء لمدلوله.
4 ، 5 ، 6 ـ لما كان القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري بعد أن نص في الفقرة الأولى من مادته التاسعة والعشرين على أن "يقع حجز ما للمدين لدى الغير بموجب محضر حجز يعلن إلى المحجوز لديه بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول ويتضمن قيمة المبالغ المطلوبة وأنواعها وتواريخ استحقاقها"، نص في الفقرة الثالثة من المادة المذكورة على أنه "ويجب إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز مبينا بها تاريخ إعلانه للمحجوز لديه خلال الثانية أيام التالية لتاريخ إعلان المحضر للمحجوز لديه وإلا اعتبر الحجز كأن لم يكن"، كما نص في مادته الخامسة والسبعين على أنه "فيما عدا ما نص عليه في هذا القانون، تسرى جميع أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية التي لا تتعارض مع أحكام هذا القانون". وكان الأصل المقرر قانونا أنه إذا ورد نص تشريعي في صيغة عامة ولم يقم دليل على تخصيصها، تعين حمل هذا النص على عمومه. وكان القانون رقم 308 لسنة 1955 المشار إليه قد دل بعموم نص المادة 75 منه على أن أحكام قانون المرافعات جميعها - وبوصفها التنظيم الإجرائي العام في المواد المدنية والتجارية - هي التي يتعين تطبيقها - وبالقدر الذي لا تتعارض فيه مع أحكام القانون رقم 308 - لسنة 1955 - على كافة المسائل الإجرائية التي لم يرد بشأنها نص خاص في هذا القانون. إذ كان ذلك، فإن التنظيم الإجرائي الخاص يعامل باعتباره منصرفا إلى المسائل التي تعلق بها وحدها، ولا يجوز إسناده إلى غيرها، إذ هو استثناء من أصل خضوع المسائل الإجرائية للقانون العام الذي يحكمها. وإذ كان الأصل في دلالة النص العام أنها لا تخصص بغير دليل، تعين القول بأن التنظيم الخاص - وقد وقع على سبيل الانفراد - لا يقاس عليه.
7 - البين من الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 29 من قانون الحجز الإداري المشار إليه آنفا، أن المشرع قصد إلى المغايرة بين المحجوز لدية من ناحية والمحجوز عليه من ناحية أخرى فيما يتعلق بالوسيلة التي يتم بها إخطار كل منهما بالحجز، ذلك أن الفقرة الأولى صريحة في نصها على أن حجز ما للمدين لدى الغير يقع بموجب محضر يعلن إلى المحجوز لديه بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول - وبها دل المشرع على أنه عين وسيلة بذاتها يتم بها هذا الإعلان كتنظيم خاص يستبعد ما عداها. أما الفقرة الثالثة من المادة 29 المشار إليها، فإن إيجابها إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز، أقترن بسكوتها عن تنظيم الوسيلة التي يتم بها هذا الإعلان، كاشفة بذلك عن أن المشرع قصد إلى إجرائه وفقا للقواعد العامة في قانون المرافعات المدنية والتجارية باعتبارها أصلا لكل مسألة إجرائية لم يرد في شأنها نص خاص. هذا إلى أن ما قررته الفقرة الأولى من المادة 29 في شأن الإعلان لا يعدو أن يكون تنظيما متعلقا بالمحجوز لديه وحده تضمن خروجا على القواعد العامة، ولو كان المشرع قد اتجه إلى الحاق المحجوز عليه بالمحجوز لديه في هذا الحكم، لما أعوزته النصوص القانونية التي يفصح بها عن قصده.
8 - ليس في إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز وفقا للقواعد العامة في قانون المرافعات المدنية والتجارية ما يتعارض وأحكام القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري، إذ لا يتوخى هذا القانون مجرد تقرير حقوق للجهات العامة تحصل بموجبها على مستحقاتها من الملتزمين بأدائها دون ما اعتداد بضرورة موازنتها بالحماية التشريعية إلى ينبغي كفالتها للمدين المحجوز عليه، إذ هو الأصيل في خصومة التنفيذ لتعلقها بأمواله، ولأن مصروفاتها تقع عليه، وهي تؤول في خاتمة مطافها إلى بيع ما يكون له في يد الغير أو لديه من منقول ومن المبالغ والديون ولو كانت مؤجلة أو معلقة على شرط ما لم يتم أداء المبلغ المحجوز من أجله مع المصروفات الإجرائية أو يودع خزانة الجهة الإدارية الحاجزة خلال أجل معين، وتلك كلها مصالح رئيسة للمحجوز عليه يظاهرها أن صورة محضر الحجز التي يعلن بها يجب أن تشتمل على تحديد السند الذي يتم التنفيذ بموجبه، وكذلك على بيان بقيمة الأموال المحجوز من أجلها وأنواعها وتواريخ استحقاقها، وتاريخ إعلان محضر الحجز إلى المحجوز لديه. ومن ثم يكون ضمان اتصال هذه الصورة مع بياناتها الكاملة بعلم المحجوز عليه أمر لازما لتعريفه بالحجز، وبنطاق الأموال التي وقع من أجل اقتضائها، ولتحديد بدء ميعاد الثمانية أيام التالية لإعلان محضر الحجز إلى المحجوز لديه والتي يعتبر الحجز كأن لم يكن إذا لم يعلن المحجوز عليه خلالها بصورة من ذلك المحضر، فإذا ما اتجهت إرادة المشرع إلى أن يكون إعلانه بتلك الصورة بواسطة ورقة من أوراق المحضرين إعمالا للقاعدة العامة التي رددتها المادة السادسة من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي تنص على أن "كل إعلان أو تنفيذ يكون بواسطة المحضرين بناء على طلب الخصم أو قلم الكتاب أو أمر المحكمة"، فذلك لأن إتمام الإعلان على هذا الوجه ضمانه قدر المشرع ضرورتها كى يوفر من خلالها الحماية اللازمة للمحجوز عليه قبل الجهة الإدارية في مواجهة حجز وقعته في غيبته.


الإجراءات

بتاريخ 20 سبتمبر سنة 1991 ورد إلى المحكمة كتاب السيد وزير العدل بطلب تفسير نص الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 308 لسنة 1995 في شأن الحجز الإداري، وذلك بناء على طلب السيد رئيس مجلس الوزراء.
وبعد تحضير الطلب، أودعت هيئة المفوضين تقريرا بالتفسير الذي انتهت إليه.
ونظر الطلب على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

من حيث إن المادة 26 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية وفقا لأحكام الدستور، وذلك إذا أثارت خلافا في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضى توحيد تفسيرها.
وحيث إن مؤدى هذا النص أنه خول هذه المحكمة سلطة تفسير النصوص التشريعية التي تناولها تفسير تشريعيا ملزما يكون بذاته كاشفا عن المقاصد الحقيقية التي توخاها المشرع عند إقرارها منظورا في ذلك لا إلى إرادته المتوهمة أو المفترضة التي تحمل معها النصوص التشريعية محل التفسير على غير المعنى المقصود منها ابتداء، بل إلى إرادته الحقيقية التي يفترض في هذه النصوص أن تكون معبرة عنها، مبلورة لها، وان كان تطبيقها قد باعد بينها وبين هذه الإرادة.
وحيث إن هذه السلطة المخولة لهذه المحكمة في مجال التفسير التشريعي - وعلى ما يبين من نص المادة 26 من قانونها - مشروطة بأن تكون للنص التشريعي أهمية جوهرية - لا ثانوية أو عرضية - تتحدد بالنظر إلى طبيعة الحقوق التي ينظمها ووزن المصالح المرتبطة بها، وأن يكون هذا النص - فوق أهميته - قد أثار عند تطبيقه خلافا حول مضمونه تتباين معه الآثار القانونية التي يرتبها فيما بين المخاطبين بأحكامه بما يخل عملا بعمومية القاعدة القانونية الصادرة في شأنهم، والمتماثلة مراكزهم القانونية بالنسبة إليها، ويهدر بالتالي ما تقتضيه المساواة بينهم "فى مجال تطبيقها" الأمر الذي يحتم رد هذه القاعدة إلى مضمون موحد يتحدد على ضوء ما قصده المشرع منها عند إقرارها حسما لمدلولها، وضمانا لتطبيقها تطبيقا متكافئا بين المخاطبين بها.
وحيث إن هذين الشرطين اللذين تطلبهما المشرع لقبول طلب التفسير قد توافرا في الطلب الماثل، ذلك أن دائرتين من دوائر محكمة النقض التي ناط بها المشرع إنزال حكم القانون على وجهه الصحيح في الطعون المرفوعة إليها وتقعيد مبادئه لضمان وحدة تطبيقها، قد اختلفا فيما بينهما في مسألة جوهرية تتعلق بنطاق الحقوق التي كفلها قانون الحجز الإداري لتمكين الجهات العامة من الحصول على مستحقاتها من الملتزمين بأدائها، ذلك أنه بينما ذهبت إحدى هاتين الدائرتين إلى أن إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز طبقا للفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الحجز الإداري ينبغي أن يتم بموجب كتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول، فإن دائرة أخرى قد اتجهت إلى أن هذا الإعلان يجب أن يتم بواسطة ورقة من أوراق المحضرين تعلن وفقا لقواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية. وإذ كان هذا التعارض بين هاتين الدائرتين يتصل بنص تشريعي له أهميته، وتتأثر بالكيفية التي يطبق بها حقوق الجهة الإدارية الحاجزة قبل المدين المحجوز عليه، فقد تقدم وزير العدل بناء على طلب رئيس مجلس الوزراء بطلب التفسير الماثل إرساء لمدلوله.
وحيث إن القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري بعد أن نص في الفقرة الأولى من مادته التاسعة والعشرين على أن "يقع حجز ما للمدين لدى الغير بموجب محضر حجز يعلن إلى المحجوز لديه بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول ويتضمن قيمة المبالغ المطلوبة وأنواعها وتواريخ استحقاقها"، نص في الفقرة الثالثة من المادة المذكورة على أنه "ويجب إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز مبينا بها تاريخ إعلانه للمحجوز لديه خلال الثمانية أيام التالية لتاريخ إعلان المحضر للمحجوز لديه وإلا اعتبر الحجز كأن لم يكن"، كما نص في مادته الخامسة والسبعين على أنه "فيما عدا ما نص عليه في هذا القانون، تسرى جميع أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية التي لا تتعارض مع أحكام هذا القانون.
وحيث إن الأصل المقرر قانونا أنه إذا ورد نص تشريعي في صيغة عامة ولم يقم دليل على تخصيصها، تعين حمل هذا النص على عمومه؛ وكان القانون رقم 308 لسنة 1955 المشار إليه قد دل بعموم نص المادة 75 منه على أن أحكام قانون المرافعات جميعها، وبوصفها التنظيم الإجرائي العام في المواد المدنية والتجارية، هي التي يتعين تطبيقها - وبالقدر الذي لا تتعارض فيه مع أحكام القانون رقم 308 لسنة 1955 - على كافة المسائل الإجرائية التي لم يرد بشأنها نص خاص في هذا القانون. إذ كان ذلك، فإن التنظيم الإجرائي الخاص يعامل باعتباره منصرفا إلى المسائل إلى تعلق بها وحدها، ولا يجوز إسناده إلى غيرها، إذ هو استثناء من أصل خضوع المسائل الإجرائية للقانون العام الذي يحكمها. وإذ كان الأصل في دلالة النص العام أنها لا تخصص بغير دليل، تعين القول بأن التنظيم الخاص - وقد وضع على سبيل الانفراد - لا يقاس عليه.
وحيث إن البين من الفقرتين الأولى والثالثة من المادة 29 من قانون الحجز الإداري المشار إليه آنفا، أن المشرع قصد إلى المغايرة بين المحجوز لديه من ناحية المحجوز عليه من ناحية أخرى فيما يتعلق بالوسيلة التي يتم بها إخطار كل منهما بالحجز، ذلك أن الفقرة الأولى صريحة في نصها على أن حجز ما للمدين لدى الغير يقع بموجب محضر يعلن إلى المحجوز لديه بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول - وبها دل المشرع على أنه عين وسيلة بذاتها يتم بها هذا الإعلان كتنظيم خاص يستبعد ما عداها. أما الفقرة الثالثة من المادة 29 المشار إليها، فإن إيجابها إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز، أقترن بسكوتها عن تنظيم الوسيلة التي يتم بها هذا الإعلان، كاشفة بذلك عن أن المشرع قصد إلى إجرائه وفقا للقواعد العامة في قانون المرافعات المدنية والتجارية باعتبارها أصلا لكل مسألة إجرائية لم يرد في شأنها نص خاص. هذا إلى أن ما قررته الفقرة الأولى من المادة 29 في شأن الإعلان لا يعدو أن يكون تنظيما متعلقا بالمحجوز لديه وحده تضمن خروجا على القواعد العامة، ولو كان المشرع قد اتجه إلى الحاق المحجوز عليه بالمحجوز لديه في هذا الحكم لما أعوزته النصوص القانونية التي يفصح بها عن قصده. وليس في إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز وفقا للقواعد العامة في قانون المرافعات المدنية والتجارية ما يتعارض وأحكام القانون رقم 308 لسنة 1955، إذ لا يتوخى هذا القانون مجرد تقرير حقوق للجهات العامة تحصل بموجبها على مستحقاتها من الملتزمين بأدائها دون ما اعتداد بضرورة موازنتها بالحماية التشريعية إلى ينبغي كفالتها للمدين المحجوز عليه، إذ هو الأصيل في خصومة التنفيذ لتعلقها بأمواله، ولأن مصروفاتها تقع عليه، وهي تؤول في خاتمة مطافها إلى بيع ما يكون له في يد الغير أو لديه من منقول ومن المبالغ والديون ولو كانت مؤجلة أو معلقة على شرط ما لم يتم أداء المبلغ المحجوز من أجله مع المصروفات الإجرائية أو يودع خزانة الجهة الإدارية الحاجزة خلال أجل معين، وتلك كلها مصالح رئيسية للمحجوز عليه يظاهرها أن صورة محضر الحجز التي يعلن بها يجب أن تشتمل على تحديد السند الذي يتم التنفيذ بموجبه، وكذلك على بيان بقيمة الأموال المحجوز من أجلها وأنواعها وتواريخ استحقاقها، وتاريخ إعلان محضر الحجز إلى المحجوز لديه. ومن ثم يكون ضمان اتصال هذه الصورة مع بياناتها الكاملة بعلم المحجوز عليه أمر لازما لتعريفه بالحجز، وبنطاق الأموال إلى وقع من أجل اقتضائها، ولتحديد بدء ميعاد الثمانية أيام التالي لإعلان محضر الحجز إلى المحجوز لديه والتي يعتبر الحجز كأن لم يكن إذا لم يعلن المحجوز عليه خلالها بصورة من ذلك المحضر، فاذا ما اتجهت إرادة المشرع إلى أن يكون إعلانه بتلك الصورة بواسطة ورقة من أوراق المحضرين أعمالا للقاعدة العامة التي رددتها المادة السادسة من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي تنص على أن "كل إعلان أو تنفيذ يكون بواسطة المحضرين بناء على طلب الخصم أو قلم الكتاب أو أمر المحكمة"، فذلك لأن إتمام الإعلان على هذا الوجه ضمانة قدر المشرع ضرورتها كى يوفر من خلالها الحماية اللازمة للمحجوز عليه قبل الجهة الإدارية في مواجهة حجز وقعته في غيبته.

فلهذه الأسباب:

وبعد الاطلاع على نص الفقرة الثالثة من المادة التاسعة والعشرين من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري.

قررت المحكمة

أن إعلان المحجوز عليه بصورة من محضر الحجز طبقا لنص الفقرة الثالثة من المادة التاسعة والعشرين من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري يكون بواسطة ورقة من أوراق المحضرين تعلن وفقا للقواعد المقررة في قانون المرافعات المدنية والتجارية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق