الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 26 فبراير 2022

بحث حول حكم محكمة النقض الصادر في القضية رقم (35) سنة 11 ق الدائرة المدنية الصادر في 8 يناير سنة 1942 للدكتور السيد علي المغازي

مجلة المحاماة – العدد الثالث والرابع والخامس
السنة الثالثة والعشرون سنة 1942

بحث
للدكتور السيد علي المغازي
المدرس بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول
تعليقًا على حكم محكمة النقض الصادر في القضية رقم (35) سنة 11 ق الدائرة المدنية الصادر في 8 يناير سنة 1942 والمنشور بمجلة المحاماة العددان الأول والثاني من السنة الثالثة والعشرين صفحة (70) رقم (38)

الوقائع:
تتلخص الوقائع في أن المطعون ضده أقام ضد الطاعنين وجمعية المواساة دعوى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية الأهلية قال في صحيفتها أن جمعية المواساة الإسلامية بالإسكندرية أعلنت عن عملية (نصيب) لحسابها وطرحت في هذه العملية عمارة قيمتها 25000 جنيهًا ومقرها بمحطة الرمل بالإسكندرية لتكون من نصيب صاحب (النمرة) الأولى وحددت للسحب يوم 11 مايو سنة 1938 ثم أرجأته إلى 20 يوليه من السنة نفسها وأنه اشترى مع الطاعن الأول ورقة من أوراق هذا (النصيب) تحمل الرقم (17414) لتكون مناصفة بينهما وأن الشراء كان بحضورهما معًا في يوم 5 يوليه سنة 1938 من مكتب بريد الزقازيق وأن كلاً منهما قد دفع نصيبه في هذه الشركة وأنهما اتفقا على أن تبقى الورقة تحت يد الطاعن المذكور الذي تجمعه به صلة قرابة إذ هو ابن عم شقيق له ومقيم معه في دار واحدة وأنه عند إجراء السحب ظهر أن رقم (النمرة) الرابحة للجائزة الأولى أي العمارة هو 17414 الذي تحمله الورقة التي اشترياها وأنه بمجرد أن ظهرت هذه النتيجة جحد الطاعن الأول حق المطعون ضده وأنكر نصيبه في هذا الربح فما كان من هذا الأخير إلا أن بادر بإنذار الجمعية للاحتفاظ بحقوقه وشفع ذلك بتبليغ النيابة العمومية لتقوم بسؤال الذين يتصلون بهذه العملية وأنه إزاء هذا يطلب الحكم بصفة مستعجلة بتعيين حارس قضائي على العمارة التي ربحتها الورقة المشتراة لكي يتسلمها ويديرها حتى يتم الفصل نهائيًا في النزاع كما يطلب القضاء له بأحقيته في نصف العمارة المذكورة باعتباره صاحب النصف في ورقة (النصيب).
وأمام المحكمة طلب المطعون ضده إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات قيام الشركة في الورقة الرابحة ودفع الطاعنون بعدم جواز ذلك.
وقضت محكمة أول درجة بتاريخ 29 مايو سنة 1939 برفض دعوى المطعون ضده واستندت في حكمها إلى أن الشركة التي يدعيها المدعي في تذكرة (النصيب) قيمتها قد تحددت بقيمة العمارة التي كسبتها هذه التذكرة فلا يمكن والحالة هذه إثبات قيام هذه الشركة بغير الكتابة.
استأنف المطعون ضده هذا الحكم وقضت محكمة الاستئناف بتاريخ 29 إبريل سنة 1941 بجواز إثبات الدعوى بجميع الطرق القانونية وبإحالة الدعوى على التحقيق، وبنت محكمة الاستئناف قضائها على أن الشركة التي قامت بين الطاعن الأول والمطعون ضده تتحدد قيمتها وقت نشوئها لا وقت قيام النزاع عليها وأنه من المقرر قانونًا في الشركات المدنية أنها تقدر بمقدار رأس المال المكتتب به ولا يدخل في ذلك ما قد تأتي به من الأرباح أو ما يصيبها من الخسارة وأنه في الشركة في ورقة (النصيب) لا عبرة بما يصيب الورقة من الحظ بكسب الجائزة الأولى أو غيرها إذ الكسب ليس إلا مجرد أمل معلق على محض الصدفة.
طعن المدعى عليهم في هذا الحكم بطريق النقض وحكمت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بنقض الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى محكمة استئناف مصر لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى، وقالت المحكمة في أسباب الحكم:
(وحيث إن ما تجب ملاحظته أولاً أنه إذا رمى المتعاقدون في اتفاق إلى غرض معين تحقق فيما بعد ثم تنازعوا في الاتفاق ذاته من حيث وجوده كانت العبرة في تقدير موضوع النزاع لتطبيق قواعد الإثبات بقيمة ذلك الغرض الذي تحقق ولو ادعى الخصم أن قيمة ما ساهم به المتعاقدون جميعًا في سبيل ذلك هو من النصاب الجائز إثباته بالبينة.
(وحيث إن المستفاد من أوراق الدعوى أن ما رمت إليه جمعية المؤاساة في إصدارها ورق النصيب الذي كانت منه الورقة التي ربحت العمارة هو على منوال ما ترمي إليه الجهات الخيرية بوجه عام من إصدارها أوراق النصيب طبقًا للقانون رقم (10) لسنة 1905 وهو ينحصر في غرضين أولهما استفادة هذه الجهات من جزء من المبالغ المتجمعة لإنفاقها في أوجه نافعة وثانيهما فوز بعض مشتري هذه الأوراق بالجوائز المدونة بها حثًا لهم على شراء هذه الأوراق وتشجيعًا لهم على اقتنائها بثمن بخس بأمل الفوز بإحدى الجوائز، ومؤدى هذه العملية أن كل مشترٍ لورقة أو أكثر يساهم بجزء ضئيل بنسبة ما اشتراه في الأعمال الخيرية للجهات المرخص لها بإصدار ورق النصيب كما يساهم في الجوائز التي تربحها الأرقام المسحوبة وبهذا الوضع تكون الجائزة عبارة عن مساهمة من صاحب الورقة نفسه ببعض ما دفعه ثمنًا لشرائها وبعض ما دفعه غيره من الذين اقتنوا ورق النصيب وارتضوا من بادئ الأمر أن يجعلوا هذه المساهمة عرضة للتضحية مقابل ما لديهم من أمل الربح وتكون النتيجة في ذلك أن الورقة الرابحة تستحيل بمجرد إعلان نتيجة السحب إلى صك بالجائزة المخصصة لدرجة سحبها ويكون من حق حامل الورقة مطالبة الجهة التي أصدرت ورق النصيب بتلك الجائزة نقودًا كانت أو عينًا معينة.
(وحيث إنه بناءً على ما تقدم تكون الجائزة هي في الواقع موضوع التعاقد والغرض المقصود منه سواء بين مشتري الورقة والهيئة التي أصدرت ورق النصيب أو بينه وبين من يدعي مشاركته فيها أما ورقة النصيب الرابحة فهي سند الجائزة ومظهرها الوحيد ولا تكون الجائزة مستحقة بدون وجودها وأما قيمة الورقة المدفوعة فعلاً فلا وجود لها في ذاتها إذ أصبحت مستهلكة في الجوائز وفي الأغراض التي من أجلها أصدرت أوراق النصيب.
(ولما كانت أوراق النصيب غير اسمية فهي لا تعدو أن تكون سندًا لحامله بقيمة الجائزة المربوحة وإذ كانت العبرة في ملكية هذا الضرب من السندات بحيازتها فإن صاحب الحق في المطالبة بالجائزة هو من يكون بيده تلك الورقة الرابحة فإذا ما ادعى أحد استحقاق الجائزة كلها أو بعضها بعد السحب في غير حالتي السرقة والضياع تعين مراعاة أحكام القانون تبعًا للقيمة المطلوبة لا بالنسبة للمحكمة المختصة فحسب بل بالنسبة لقواعد الإثبات أيضًا بحيث إذا كانت قيمة المدعى به متجاوزة ألف قرش كان الإثبات بالكتابة أمرًا لا مناص منه عملاً بالمادة (215) من القانون المدني.
(وحيث إنه لما توضح تكون محكمة الموضوع بقضائها بإحالة الدعوى إلى التحقيق بناءً على تقدير قيمة الورقة الرابحة بثمن شرائها لا بقيمة الجائزة المكسوبة قد أخطأت في تكييف وقائع الدعوى وفي تطبيق القانون على التكييف الصحيح لها ولذا يتعين نقض الحكم).
تعليق:
لعل محكمة النقض قد أصابت في هذا الحكم ولكنا لا نوافقها على ما ذهبت إليه في تعليله وسيتبين فيما بعد أن أسبابه لا تخلو من غموض وأنها ليست على كثير من الدقة.
مدار هذه الدعوى على نقطتين:
الأولى: هل العبرة في تقدير الشيء المتنازع عليه بقيمته وقت التعاقد أم بقيمته وقت التقاضي؟
اختلف الفقهاء الفرنسيون في هذه المسألة وانقسموا إلى فريقين فيرى جمهورهم أن العبرة بقيمة الشيء المتنازع عليه وقت التعاقد لا وقت الدعوى [(1)]، ويستند هذا الفريق إلى نص المادة (1341) من القانون المدني إذ فيها يلزم المشرع المتعاقدين بتحرير سند متى زادت قيمة الشيء عن 150 فرنكًا [(2)] وليس تحريم الإثبات بالبينة في هذه الحالة إلا جزء من يخالف أمره، وظاهر أن تحرير السند يكون وقت التعاقد فلا بد إذن من الرجوع إلى تاريخ العقد لمعرفة ما إذا كانت قيمته قد تجاوزت حينذاك 150 فرنكًا أم لا وبعبارة أخرى لمعرفة ما إذا كان من الواجب تحرير سند أم لا، فإذا كانت القيمة لا تزيد وقت العقد عن 150 فرنكًا كان المتعاقدان في حل من عدم تحرير سند وجاز الإثبات بالبينة حتى ولو زادت قيمة الشيء وقت التقاضي على هذا المبلغ، ولو قلنا بأن العبرة بالقيمة وقت التقاضي لكان الجزاء الذي وضعه القانون غير عادل إذ يصح أن ترتفع قيمة الشيء بعد التعاقد بسبب ظروف لم تكن في الحسبان كما لو تعاقد شخص مع آخر على أن يشتري منه منقولاً بمبلغ 140 فرنكًا ثم زادت بعد ذلك قيمة الشيء المبيع إلى 170 فرنكًا، فإذا امتنع البائع عن التسليم كان للمشتري مطالبته بذلك وله في هذه الحالة إثبات دعواه بالبينة إذ يكون من العسف أن نستلزم منه الإثبات بالكتابة لأنه لم يكن ملزمًا بتحرير سند وقت العقد ولم يكن في إمكانه التنبؤ بقيمة الشيء وقت النزاع، أما إذا كانت القيمة وقت العقد تربو على 150 فرنكًا فإنه يكون من الواجب على حسب المادة (1341) تحرير سند فإن أهمل الدائن ذلك فإنه يكون قد خالف أمر القانون ولا يقبل منه الإثبات بالبينة حتى ولو انخفضت القيمة فأصبحت وقت الدعوى 150 فرنكًا أو ما دون ذلك.
ويؤيد هذا الرأي ما جاء في المادة (1344) من القانون المدني الفرنسي التي تحرم الإثبات بالبينة ولو كانت قيمة الدعوى أقل من 150 فرنكًا إذا كان المدعي به باقيًا من مبلغ يزيد على 150 فرنكًا أو جزءًا منه لأنه كان يجب على الدائن في هذه الحالة أن يستلزم من مدينه سندًا كتابيًا ولما لم يأتمر بما أمر به القانون حق عليه الجزاء وهو الحرمان من الإثبات بالبينة.
ولقد أخذ بهذا الرأي قضاء المحاكم في فرنسا [(3)].
ويرى الفريق الآخر أنه يجب مراعاة القيمة وقت التعاقد ووقت التقاضي معًا، وحجتهم أن الحكمة في وضع المادة (1341) هي خشية فساد ذمة الشهود واحتمال إرشائهم إذا زادت القيمة على مبلغ معين [(4)]، ويرد أصحاب الرأي الأول على هذا بأن الخوف من إرشاد الشهود وإن كان من العوامل التي حدت بالمشرع إلى تقييد الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالبينة إلا أنه عامل ثانوي إذ الحكمة الجوهرية هي رغبة المشرع في تقليل المنازعات بين الأفراد [(5)]، ولو كان الأمر كما يدعى أصحاب الرأي الثاني أي لو كانت خشية النواء ذمة الشهود هي الحكمة الوحيدة في وضع المادة (1341) لما رأينا المشرع يستبعد الإثبات بالبينة في حالات قيمة الدعوى فيما لا تتجاوز نصاب الشهادة كما في المادة (1344) ويجيزه في حالات تزيد قيمة النزاع فيها على 150 فرنكًا، فالمشرع لم يرد بحال من الأحوال أن يضع تسعيرًا لذمة الشهود [(6)] ولكنه أراد أن يقرر قواعد للإثبات يجب على المتعاقدين مراعاتها وقت التعاقد للعمل بها وقت النزاع [(7)].
ولقد استند بعض القائلين بالرأي الثاني إلى نص المادة (1342) من القانون المدني الفرنسي التي بمقتضاها يجب أن تضاف الفوائد إلى الأصل فإذا زادت الجملة عن 150 فرنكًا لا يقبل الإثبات بالبينة [(8)]، فإذا كانت الدعوى مرفوعة بمبلغ 160 فرنكًا مثلاً منها 140 أصل و 20 فوائد فإنه على حسب هذه المادة لا يجوز إثبات هذه الدعوى بشهادة الشهود، ويستخلص من هذا في نظر هؤلاء المؤلفين أنه إذا زادت القيمة عند رفع الدعوى عن 151 فرانكًا وجب الإثبات بالكتابة ولو كان أصل الدين وقت العقد يدخل في نصاب الشهادة وبعبارة أخرى أن العبرة في تقدير الشيء المتنازع عليه ليست بقيمته وقت التعاقد فحسب ولكن بقيمته وقت التقاضي أيضًا، ولكن فات هؤلاء أن المادة (1342) المذكورة تنص على واقعة مزدوجة Fait complexe فإذا أقرض زيد عمروًا مبلغ 150 فرنكًا بفوائد 5% فإنه لا يمكن القول بأن قيمة هذا الالتزام وقت التعاقد كانت 150 فرنكًا فقط لأن عمروًا علاوة على هذا المبلغ مدين بالفوائد وهي من الملحقات المقدرة وقت العقد والتي يجب إضافتها إلى الأصل كما سيجيء [(9)] فقيمة الدين إذن تربو على نصاب الشهادة وعلى هذا يجب على زيد أخذ سند كتابي على مدينه فإذا لم يفعل كان مخالفًا لأمر المشرع ولا يقبل منه الإثبات بالبينة [(10)]، ومن هذا يتضح أن المادة (1342) ليست إلا تطبيقًا للمادة (1341).
ويستخلص مما تقدم أن العبرة على حسب الرأي الراجح في فرنسا بقيمة الشيء المتنازع عليه وقت التعاقد فإذا زادت هذه القيمة أو نقصت بعد ذلك فإن هذا لا يؤثر في وجوب تقديم دليل كتابي أو عدمه.
وهذا أيضًا هو الرأي الذي قال به جمهور الشراح في مصر [(11)]، ويصح أن يعترض عليه عندنا بما جاء في صدر المادة (215) من القانون المدني: (في جميع المواد ما عدا التجارية إذا كان المدعي به عبارة عن نقود.. الخ (لأن عبارة (المدعي به) قد تفيد أن المشرع أراد أن تكون العبرة بقيمة الشيء وقت التقاضي، ولكن هذا الاعتراض مردود بدليل ما جاء بعد ذلك في المادة (215) نفسها: (........فالأخصام الذين لم يكن عندهم مانع منعهم من الاستحصال على كتابة مثبتة للدين... الخ) فهذه العبارة تكشف لنا عن قصد المشرع بشكل لا يدع مجالاً للشك لأن الكتابة لا تكون إلا وقت التعاقد، ومن جهة أخرى فظاهر لمن يرجع إلى النص الفرنسي للمادة (215) أن الترجمة العربية أساءت التعبير حين قالت ( إذا كان المدعي به) لأن الأصل الفرنسي يقول:

(et quand il s'agira de sommes ou valeurs superieures à 1000 PT..etc)

ومعناه: ( إذا كان الأمر يتعلق بما قيمته أكثر من ألف قرش).
هذا جوهر ما قيل في هذه المسألة وما كان أحرى محكمة النقض في الحكم الذي نحن بصدده أن تناقش هذين الرأيين وأن تقطع في هذا الموضوع بصفة واضحة جلية مدعمة رأيها بما تراه من الحجج، ولكنها لم تفعل إذ أخذت بالرأي المرجوح دون أي تدليل صحيح فقالت في الحيثية التي قبل الأخيرة: (........ تعين مراعاة أحكام القانون تبعًا للقيمة المطلوبة لا بالنسبة للمحكمة المختصة فحسب بل بالنسبة لقواعد الإثبات أيضًا بحيث إذا كانت قيمة المدعي به متجاوزة ألف قرش كان الإثبات بالكتابة أمرًا لا مناص منه عملاً بالمادة (215) من القانون المدني) بعد أن قالت في حيثية سابقة: (وحيث إن ما تجب ملاحظته أولاً أنه إذا رمى المتعاقدون في اتفاق إلى غرض معين تحقق فيما بعد ثم تنازعوا في الاتفاق ذاته من حيث وجوده كانت العبرة في تقدير موضوع النزاع لتطبيق قواعد الإثبات بقيمة ذلك الغرض الذي تحقق.... الخ) وكل هذا لا يخلو من غموض علاوة على ما به من مخالفة للقواعد القانونية الصحيحة ولروح المادة (215) نفسها كما يتضح مما تقدم.
الثانية: هل تقدر قيمة الشركة في (النصيب) بثمن الورقة أم بقيمة العمارة التي ربحتها هذه الورقة؟
قلنا إن العبرة في تقدير الشيء المتنازع عليه بقيمته وقت التعاقد ولكن يجب أن نلاحظ أن هذه القيمة تدخل فيها قيمة الملحقات إذا كانت مقدرة وقت العقد سواء كانت محققة كالفوائد أو محتملة كالشرط الجزائي، ولم ينص القانون على ذلك صراحة إلا فيما يتعلق بالفوائد (المادة 1342 من القانون المدني الفرنسي) ولكن ليس هناك من شك في أنه أراد أن يضح قاعدة عامة، ولقد انعقد الإجماع على ذلك في فرنسا [(12)].
أما في مصر فنظرًا لعدم وجود نص يقابل المادة (1342) من القانون المدني الفرنسي فقد قام خلاف على وجوب الأخذ بالمبدأ الذي تنطوي عليه هذه المادة فقال المرحوم أحمد أمين بك: (إن العمل بمقتضى المبدأ الذي تقرره المادة (1342) في مصر محل شك كبير فضلاً عن أن المادة (30) من قانون المرافعات تقرر صراحة بأنه في تقدير قيمة الدعوى بشأن الاختصاص لا يضاف إلى الأصل ما يكون قد استحق قبل رفع الدعوى من التعويض والفوائد والخسائر والمصاريف والملحقات الأخرى، وهذا النص ولو أنه خاص بمسائل الاختصاص إلا أنه يفيد أن نية الشارع منصرفة إلى اعتبار الأصل دون الفرع في الإثبات إذ لا يمكن أن يكون عمل الشارع صادرًا إلا عن رغبة واحدة ليكون التناسق متوافرًا بين النصوص) [(13)] ويرى دى هلتس أن نص المادة (1342) ليس له ما يبرره منطقيًا [(14)]، غير أن الرأي المتفق عليه عند جمهرة الشراح هو الأخذ بالمبدأ الذي تقرره المادة (1342) المذكورة [(15)].
ما إذا كانت الملحقات مما لا يمكن تحديده وقت التعاقد فالعبرة بقيمة الأصل وحده كما هي الحال في الشركات المدنية فإنها تقدر بمقدار رأس المال ولا يدخل في ذلك ما قد تأتي به من الأرباح لأن هذه الأرباح علاوة على أنها غير محققة فإنها لا يمكن تقديرها مقدمًا [(16)]، فإذا كان رأس مال الشركة يزيد على النصاب الجائزة فيه الشهادة (10 جنيهات في مصر أو 150 فرنكًا في فرنسا)
وطالب أحد الشركاء بنصيبه في الربح ففي هذه الحالة لا يقبل منه الإثبات بالبينة ولو كان المبلغ المطالب به لا يزيد عن 10 جنيهات أو 150 فرنكًا، وبالعكس إذ كان رأس المال لا يزيد عن عشرة جنيهات جاز للشريك إثبات نصيبه بشهادة الشهود ولو كان هذا النصيب يربو على المبلغ المذكور، ولقد نصت المادة (1834) من القانون المدني الفرنسي صراحة على أن كل شركة مدنية يزيد موضوعها عن 150 فرنكًا يجب تحرير سند بها أي يجب إثباتها بالكتابة والمقصود بموضوع الشركة مجموع الحصص وقت تكوينها، ولقد أصاب المشرع المصري إذ لم يأتِ بنص يقابل هذه المادة لأنها ليست إلا تطبيقًا للقاعدة العامة التي جاءت بها المادة 1341/ 215.
ويتضح مما تقدم أن أساس التفرقة بين الفوائد والشرط الجزائي من جهة وبين الأرباح في الشركات المدنية من جهة أخرى أن الأولى يمكن تقديرها وقت التعاقد وبالتالي يجب أن تدخل في حساب المتعاقدين حينذاك أما الأرباح فهي:
أولاً: غير محققة أي أنها متروكة للظروف.
وثانيًا: لا يمكن تقديرها وقت العقد ليعرف المتعاقدون إذا كان من الواجب تحرير سند أم لا [(17)]، ولكن إن صح هذا بالنسبة إلى الشركات العادية أيمكن القول به بالنسبة إلى الشركة في ورقة النصيب؟ أليس لهذه الأخيرة ما يميزها عن الشركات العادية؟ وبعبارة أخرى هل العبرة في مثل هذه الشركة بثمن الورقة أم بقيمة الجائزة؟ هنا مثار الخلاف فقد رأت محكمة النقض في الحكم الذي نعلق عليه أن العبرة بقيمة الجائزة (إذ هي في الواقع موضوع التعاقد والغرض المقصود منه سواء بين مشتري الورقة والهيئة التي أصدرت ورق اليانصيب أو بينه وبين من يدعي مشاركته فيها) وهذا هو الرأي الذي أخذ به نشأت بك [(18)]، ولكن اعتبار المبلغ أو الجائزة المأمول كسبها موضوع العقد أمر لا يمكن منطقيًا التسليم به، وهو من الوجهة القانونية لا يتفق مع تعريف رأس المال في الشركات ويؤدي إلى الخلط بين موضوع الشركة والغرض منها [(19)] وأخيرًا يصح الاعتراض على هذا الرأي بأنه إذا افترضنا قيام النزاع على ملكية الورقة قبل إجراء السحب كان معيار التقدير المبلغ المؤدى ثمنًا لها ولا يصح أن يختلف الإثبات إذا قام النزاع بعد السحب وكانت هذه الورقة هي الرابحة [(20)].
ويرى أغلبية الشراح في فرنسا أن العبرة بثمن الورقة لا بقيمة الجائزة [(21)]، ويرى هذا أيضًا هالتون وذهني بك [(22)]، ولقد أخذ القضاء الفرنسي بهذا الرأي فأصدرت محكمة النقض الفرنسية في 5 يناير سنة 1875 الحكم الذي سبقت الإشارة إليه وكانت الدعوى متعلقة بشركة في سهم تقل قيمته وقت انعقادها عن نصاب الشهادة ويدور النزاع على ربح له يزيد عن ذلك النصاب فقضت المحكمة بجواز إثبات هذه الشركة بالبينة [(23)] وأصدرت المحاكم الفرنسية حديثًا عدة أحكام تتعلق بالذات بالمشاركة في أوراق النصيب فقضت محكمة لان (Laon) في 3 نوفمبر سنة 1934 بأنه إذا اتفق شخصان على الاشتراك في شراء ورقة نصيب وطني (loterie nationale) فإن هذا الاتفاق يعتبر عقد شركة يمكن إثباته بشهادة الشهود طبقًا للمادة (1834) ما دام مجموع الحصص لا يربو على 500 فرنكًا وذلك بغض النظر عن الأرباح الاحتمالية والغير المقدرة التي يصح توقعها [(24)]، وفي حكم بتاريخ 10 يوليه سنة 1934 أجازت محكمة سيدان (Sedan) لشخص أن يثبت بالبينة أنه ساهم بمبلغ اثني عشر فرنكًا ونصف (12.5) في شراء ورقة (نصيب وطني مع آخرين ولو أن هذه الورقة ربحت 100000 فرنكًا وكان نصيبه في هذا المبلغ 12500 فرنكًا [(25)] وحكمت محكمة استئناف مونبلييه في 21 إبريل سنة 1937 بأنه يمكن تكوين شركة محاضة للاشتراك في شراء ورقة نصيب وطني وأن وجود هذه الشركة وبالتالي التزام مَنْ قبض الجائزة بإعطاء كل من الآخرين نصيبه يمكن إثباتهما بالشهود [(26)].
وهكذا تطبق المحاكم المادة (1834) من القانون المدني الفرنسي على الشركة في ورقة النصيب كما لو كانت شركة عادية ونحن لا نوافق على هذا لأن هناك فارق جوهري بين الشركة العادية والشركة في ورقة النصيب ففي الأولى لا تكون الأرباح غير محققة فحسب ولكنها فوق ذلك لا يمكن تقديرها فليس من المستطاع إذن إضافتها إلى رأس المال وبعبارة أخرى لا يمكن أن تدخل في تقدير قيمة الالتزام كما رأينا، وليس الأمر كذلك فيما يتعلق بالشركة في ورقة (النصيب) لأن الربح فيها إن لم يكن محققًا فهو على الأقل مقدر ومثله في ذلك مثل الشرط الجزائي، ولقد رأينا أن الشرط الجزائي ولو أنه غير محقق معتبر من الملحقات المقدرة التي يجب إضافتها إلى الأصل لتقدير قيمة النزاع [(27)]، وقياسًا على هذا نرى في حالة الشركة في ورقة (النصيب) أن تعتبر قيمة الجائزة الكبرى من الملحقات المقدرة وأن تضاف إلى ثمن الورقة فإن زادت الجملة على النصاب الجائز إثباته بالبينة (كما لو كان ثمن التذكرة قرش وقيمة الجائزة الأولى عشرة جنيهات) وجب الإثبات بالكتابة، وإن لم تزد الجملة على عشرة جنيهات (كما لو كان ثمن التذكرة قرش وقيمة الجائزة الأولى تسعة جنيهات) جاز الإثبات بشهادة الشهود ولا يهم مطلقًا عدم التناسب بين الأصل والملحقات.
ومما تقدم يستخلص أنه يجب اعتبار ثمن الورقة أصلاً وقيمة العمارة (وهي الجائزة الأولى) من الملحقات المقدرة التي يلزم ضمها إلى الأصل لمعرفة قيمة الالتزام وما دامت الجملة تربو على عشرة جنيهات كان الإثبات بالبينة غير جائز، وهذا الرأي يؤدي إلى نفس النتيجة التي يؤدي إليها الرأي الأول الذي أخذت به محكمة النقض ولكنه يتمشى مع النظريات الفقهية الصحيحة إذ لا يمكن أن يعترض عليه بما اعترض به على الرأي الأول من أنه يخلط بين موضوع الشركة والغرض منها ومن أن طريقة الإثبات تختلف إذا حصل النزاع قبل السحب، ومن جهة أخرى لا يمكن أن يؤخذ علينا كأصحاب الرأي الثاني عدم التمييز بين الشركات المدنية العادية والشركة في ورقة النصيب كما بينا.


[(1)] انظر بودرى لكنتنرى وبارد جزء (15) رقم (2530)، لوران جزء (19) رقم (442)، بلانيول المختصر طبعة (1926) جزء (2) رقم (1126)، لارمبيير جزء (6) تعليقاته على المادة (1341)، جوسران جزء (2) ص (110)، أوبرى ورو جزء (12) رقم (762)، داللوز العملي جزء (9) تحت إثبات ص (450) قم (1063).
[(2)] رفعت هذه القيمة في التعديل الجديد إلى 500 فرنكًا.
[(3)] نقض 5 يناير سنة 1875 (سيرى 75 - 1 - 72، داللوز 77 - 1 - 39)، نقض 9 مايو سنة 1904 (سيرى 1904 - 1 - 320) وانظر أيضًا الأحكام الحديثة التي سنذكرها عند الكلام في المسألة الثانية.
[(4)] بونييه رقم (164)، ماركاديه على المادة (1342)، كابتان جزء (2) ص (223 - 224)
[(5)] جوسران جزء (2) ص (110) - بودري لكنتنرى وبارد جزء (15) رقم (2517).
[(6)] لوران جزء (19) رقم (396)، بودرى لكنتنرى، وبارد جزء (15) رقم (2530).
[(7)] بلانيول (المختصر) جزء (2) بند (1126)، ذهني بك المداينات الجزء الأول ص (380)
[(8)] كابيتان جزء (2) ص (224).
[(9)] لوران جزء (19) ص (469).
[(10)] لوران جزء (19) رقم (453).
[(11)] عبد بسلام ذهني بك، الجزء الأول في الأدلة ص (379)، نشأت بك رسالة الإثبات بند (57)، مذكرات الإثبات لأحمد أمين بك ص (69)، الموجز في الالتزامات للسنهوري بك ص (698)، هالتون الجزء الأول ص (407).
[(12)] بودرى لكنتنرى وبارد 15 رقم (2540)، لوران 19 رقم (453)، بلانيول المختصر جزء (2) رقم (1128)، نقض 5 يناير سنة 1875 سالف الذكر.
[(13)] راجع مذكرات أحمد بك أمين في الإثبات.
[(14)] دي هلتس - جزء (3) ص (438).
[(15)] ذهني بك التعهدات الجزء الأول في الأدلة ص (382)، نشأت بك رسالة الإثبات بنود (59 - 60 - 60 مكرر)، الموجز في الالتزامات للسنهوري بك ص (699).
[(16)] بودرى متقدم الذكر بند (2531)، (2542)، لارمبيير جزء (6) ص(413).
[(17)] بودرى رقم (2542).
[(18)] رسالة الإثبات لنشأت بك رقم (61 مكرر).
[(19)] لارمبيير جزء (6) ص (413) رقم (15).
[(20)] مذكرة النيابة في القضية - المحامي العدد الأول السنة السادسة ص (12).
[(21)] بلانيول المختصر جزء (2) رقم (1127)، بودرى جزء 15 رقم (2531) وما به من المراجع.
[(22)] هالتون جزء (1) ص (408) – ذهني بك المداينات ص (382) وذهني بك يرى أن في ذلك خطورة لا تخفى إذا سقط التناسب بين قيمة الربح وأصل المال المتعاقد عليه).
[(23)] سيرى 1875 – 1 – 72:

(La mise en société d’une action industrielle: inferieure à 150 francs peut être prouvée par temoins, alors même que, par suite d’un tirage au sort, l’action aurait bénéficié d’une prime considérable (dans l’espèce, un lot de 60.000 francs).

[(24)] دللوز الأسبوعي 1935 ص (64):

(La convention verbale intervenue entre deux personnes qui achètent en commun un billet de la loterie nationale est un contrat de société. La preuve de l’existence d’un tel contrat peut être faite par temonis, aux termes de l’aut 1834, dès l’instant que les apports réunis sont inférieurs à 500 frs, sans qu’il y ait lieu de prendre en considération l’importance des bénéfices, d’ailleurs aléatoires et indétérmines, qui peuvent être escomptés)

يلاحظ أن نصاب الشهادة رفع إلى 500 فرنكًا كما أسلفنا وأن ثمن التذكرة كان 100 فرنكًا.
[(25)] جازيت دي باليه 1934 – 2 – 327:

(........ En consequence doit être déclarée recevable la preuve testimoniale tendant à demontrer qu’une somme dè 12 frs 50 aurait été remise pour être employée, en parti cipation avec des tiers, à l’achat d’un billet de 100 francs de la loterie nationale, alors même qu’un lot de 100.000 francs aurait été gagné par le billet, et que la part susceptible de revenir au demandeur sur le montant de ce lot serait de 12500 francs.)

[(26)] دللوز الأسبوعي 1937 ص (414):


(Une société en participation de fait peut exister pour l’acquisition en commun d’un billet de la loterie nationale, L’existence de cette socieèté et , par conséquent, l’obligation de celui des participants qui a encaissé le montant d’un lot à y faire participer ses cointéressés, peuvent être prouvées par temoins.)

[(27)] لوران جزء (19) رقم (455).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق