الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 26 فبراير 2022

تعليق على الحكم رقم (276) المنشور في مجلة المحاماة

مجلة المحاماة – العددان التاسع والعاشر
السنة الثامنة والعشرون سنة 1948

تعليق
على الحكم رقم (276) المنشور بالعددين السابع والثامن من السنة الثامنة والعشرين من مجلة المحاماة

بتاريخ 18 سبتمبر سنة 1948 أصدرت الدائرة الثانية عشرة بمحكمة مصر الابتدائية الوطنية حكمًا في القضية رقم (1642) سنة 1948 كلي مصر قررت فيه:
أولاً: أن الإخلاء بسبب ضرورة (الأولاد) المنصوص عليه في المادة الثالثة من القانون رقم (121) لسنة 1947 الخاص بالأماكن المؤجرة، لا يتوافر إلا بالنسبة للأولاد الذين هم في رعاية والديهم ومن هما ملزمان بالإنفاق عليهم من البنين والبنات - أما من دون هؤلاء فلا يحق لهم أن يتمسكوا بالمادة الثالثة سالف الإشارة إليها.
ثانيًا: أن البنت من أولاد المؤجر أو المالك إذا تأهلت للزواج وعقد قرانها فلا تعتبر في حالة من حالات الضرورة التي نص عليها القانون.
وهكذا الحكم فيما قرره جاء مخالفًا للقانون رقم (121) لسنة 1947 ولروح التشريع فيه ولقواعد التفسير بدليل ما يأتي.
أولاً: صراحة مدلول عبارة المادة الثالثة من القانون فقد ذكرت (...... إذا كانت هناك ضرورة تلجئه لشغل المكان بنفسه أو بأحد أولاده.....) فمدلول النص هو قيام حالة الضرورة التي تلجئ المؤجر لشغل المكان بنفسه أو بأحد أولاده - ولم يفرق القانون بين أولاد المؤجر الذين في كنفه وأولاده الذين ليسوا في كنفه - والشارع لا يعجز لو أراد هذا التفريق الذي ذهب إليه الحكم أن يقول في نص المادة (أو بأحد أولاده الذين في كنفه).
أما عبارة (تلجئه لشغل المكان بنفسه أو بأحد أولاده) فحكمتها أن لا يكون الإخلاء للولد بغير رغبة أبيه، لأن الضرورة التي تلجئه للإخلاء لأحد أولاده معناها أنها ضرورة تتعلق بولده ولا تتعلق به ولكنها أثرت فيه، فكأن الضرورة يجب أن تقوم بالنسبة للولد أصلاً وتهم الأب فيطلب الإخلاء لها، فلو كان الولد موظفًا بالغًا في غير كنف والديه في بلد كأسيوط مثلاً ونقل إلى القاهرة وكان لوالده منزلاً بها فلا يتصور أن هذه الحالة لا تعتبر من حالات الضرورة، إذا توافرت لديه، توجب إخلاء المستأجر لهذا المنزل طبقًا لنص القانون، وهذا ما جرى عليه قضاء دوائر الإيجارات في أحكامها المتعددة.
ثانيًا: على أن القول بأن النص قاصر على أولاد المؤجر الذين في كنفه قد يصل إلى عدم أعمال النص إذ أن من يكون في كنف المؤجر من أولاده إنما يسكن عادة معه باعتباره عائلاً لهم - وبهذا يكاد يكون النص بلا فائدة.
ثالثًا: والأصل هو إطلاق حق المالك أو المؤجر في استغلال ملكه كيفما يشاء وهذا الإطلاق لا يقيده إلا النص - وتفسير النص يكون لحساب صاحب الحق المطلق أصلاً، وهو المالك، لا على حساب المستأجر صاحب حق المنفعة المحددة.
رابعًا: أن المشرع في إصداره القانون رقم (121) لسنة 1947 أراد أن يوسع من حقوق الملاك وبالتبعية يضيق على المستأجرين بدليل أن حق الإخلاء للضرورة في التشريع السابق على القانون وهو الأمر العسكري رقم (315) كان لا يعطي هذا الحق لأولاد المالك بتاتًا فجاء هذا الحق التشريع ومنحه إياهم، وبدليل أن حق الإخلاء للضرورة لم يقصر على الملاك فحسب بل منحه للمؤجرين أي سواء أكان المؤجر هو المالك أو المستأجر من المالك أو ناظر الوقف أو غيرهم ممن ليس لهم حق الملكية ولهم فقط حق المنفعة أو الاستغلال، وبدليل حالات الإخلاء الخمس التي نصت عليها المادة الثانية من القانون ومنها حالة الهدم لإعادة البناء بشكل أوسع، فإذا كان هذا هو اتجاه الشارع في إصداره للتشريع الذي فسرته محكمة مصر فكيف يكون التفسير مؤلاً لحساب المستأجر على حساب المؤجر.
خامسًا: أن سند الحكم فيما أخذ به من أن الزوج منوط به ولاية الزوج ومنها إيجاد سكن لزوجته قول محل نظر لأن أزمة المساكن أصبحت عامة سواء بالنسبة للذكور أو بأزواج الإناث من أولاد المؤجر، وقد تكون مالية زوج بنت المؤجر لا تسمح بإسكان زوجته بفئات الإيجار الحالية المرتفعة وقد تصل مسألة الإقامة إلى درجة فسخ الزواج، فإذا كان الزواج قد اعتبر ضرورة ملجئة للإخلاء فليس من المنطق عدم اعتبار أسباب هدمه من الضرورات التي يجب العمل على إزالتها خصوصًا إذا لاحظنا أن أزمة الزواج في الوقت الحاضر لها من التأثير ما لا يسهل معه فسخ الزواج لعدم إيجاد السكن اللازم للزوجية.
سادسًا: قضت دائرة الإيجارات التي أصدرت الحكم محل النقد بأن زواج الابن يعتبر ضرورة توجب الإخلاء، وإذن فلا محل بعد ذلك للتفريق بين زواج الابن وزواج البنت، فاللفظ بالنسبة لهما عام في القانون عندما عبر عنهما بلفظ (الأولاد) والقضاء قد استقر في تفسيره للفظ الأولاد الوارد في الأمر العسكري 151 لسنة 1942، وهو التشريع الأسبق الذي كان يجوز الإخلاء لضرورة الأولاد، على مساواة البنت بالولد، مع أن ذلك التشريع كانت لا تحيط به من الظروف ما تحيط بالقانون الحالي بل أكثر من هذا فلم يصدر حكم شذ عن هذا الاتجاه - حتى في التشريع الحديث من أية محكمة أخرى.
وإذا كان الفقه هو المصدر التالي للتفسير بعد التشريع فإن فقهاء الشريعة الإسلامية قد فسروا لفظ (أولاده) في سياق تفسير كتب الوقف بأنها تنصرف إلى الذكور وإلى الإناث بالتسوية بينهم وأن لفظ (الولد) مشتق من المولود وهم اسم مفعول لفعل مصدره (الولادة) سواء كانت للأنثى أم للذكر.
سابعًا: ولو صح التطبيق الوارد في الحكم على مدلول المادة الثالثة من قانون الإيجارات - فإن هذا الرأي قد يخرج بنا إلى وجوب تحديد مدى التزام الوالد بالإنفاق على ولده – هل هو في حدود الالتزام الشرعي أو هو في حدود الالتزام الأدبي وقد يكون الالتزام الأدبي أقسى حالة من الالتزام الشرعي.
ثامنًا: وإذا كان النص مطلقًا - لم يفرق عند توفر حالة الضرورة ما إذا كان أولاد المؤجر ذكورًا أم إناثًا في كنفه أو في غير كنفه - فلا يمكن القول بأن نية المشرع ترمي إلى التضييق – لأن النصوص التشريعية تسري على المسائل التي تناولها النص في إطلاق لفظه وفحواه - ولا يمكن أن يتقيد هذا اللفظ المطلق بالاعتماد على القول بأن هذه نية المشرع ثم نفترض هذه النية فرضًا - بل يقتضي أن يكون لنص القانون ولفظه الشأن الأول في تحديد نطاقه ومرماه، فإذا وضعت له قيدًا لا يرد على ظاهر النص فهو تشريع لا تفسير (انظر الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المدني المصري الجديد).
وإذن فمما تقدم يكون التفسير الذي أخذت به محكمة مصر في حكمها سالف الإشارة إليه هو تفسير تحكمي يجب العدول عنه والأخذ باللفظ الحقيقي الظاهر للنص على ما سبق أن أوضحناه،
التحرير


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق