الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 26 فبراير 2022

بحث في الحراسة القضائية . إسماعيل مجدي المحامي

مجلة المحاماة – العدد الأول
السنة الثامنة – 1927/ 1928

بحث في الحراسة القضائية
بمناسبة حكم محكمة أسيوط الاستئنافية
رقم (473) بالعدد الثامن من المحاماة

تنازع بعض القسس مع الدار البطريركية على ملكية كنيسة، وطرح هذا النزاع أمام محكمة أسيوط الأهلية للفصل فيه، وفي الوقت نفسه تقدمت الدار البطريركية إلى محكمة الموضوع بطلب (الحكم بصفة مستعجلة بتعيين حارس قضائي على الكنيسة المتنازع عليها لمباشرة إقامة الشعائر الدينية فيها حتى يتم الفصل في الملكية).
فقضت محكمة أسيوط برفض طلب الحراسة، وقالت في حكمها: (حيث إن من ضمن شروط دعوى الحراسة أن يكون الشيء المراد وضعه تحت الحراسة مما يمكن للغير (Tiers) أن يتولى إدارته، فإذا لم يتوفر هذا الشرط فلا وجه لتعيين حارس، وبناءً على ذلك قضت المحاكم الفرنسوية بأنه لا يجوز أن يعهد في إدارة أجزاخانة أو مصلحة أميرية لحارس قضائي، ومعنى ذلك راجع لتعريف الحراسة وواجبات الحارس، إذ أن الحراسة هي وضع الشيء المتنازع عليه تحت يد شخص ثالث حتى يُفصل في النزاع القائم بخصوصه، ومن واجبات الحارس إدارة الشيء موضوع الحراسة، فإن كان هذا الشيء مما لا يمكن للغير إدارته فلا يمكن تعيين حارس عليه (راجع شرح Boudry على الوديعة صفحة (684) فقرة (1274) وصفحة (674) فقرة (1253) وما بعدها)، وحيث إنه في هذه الدعوى مما لا شك فيه أنه لا يمكن لأي شخص خلاف الطرفين أو من ينوب عن المدعي من رجال الدين أن يتولى إدارة الكنيسة للغرض الذي ذكره المدعي في عريضة دعواه (إقامة الشعائر الدينية) وإذن فهذه الدعوى على غير أساس ويتعين رفضها - وحيث إنه لا محل بعد ذلك للبحث في باقي ما دفع به المدعى عليهما... إلخ).
استأنفت الدار البطريركية هذا الحكم فقضت محكمة أسيوط الاستئنافية بإلغائه بحكمها المنشور في العدد الأخير من المحاماة، وقررت بأنه لا محل لما أخذ به الحكم المستأنف من أن الحراسة لا يصح أن يؤمر بها إلا فيما يمكن للغير أي غير المتخاصمين إدارته إذ لا معنى لهذا التقييد مع وجود النص الصريح على إطلاقه في المادة (491) من القانون المدني.
ولأن هذا الموضوع من الأبحاث الطريفة أمام القضاء واعتقادًا منا بأن الحكم الاستئنافي لا يتمشى مع المبادئ القانونية المقررة، رأينا أن نعلق عليه بهذا البحث الوجيز إتمامًا للفائدة.
الحراسة القضائية هي وضع عقار أو منقول بين يدي شخص ثالث بقصد المحافظة على حقوق طرفي الخصوم ذوي المصلحة في حفظه (Audry , Rou t. 6p. 145).
فالحراسة إذن تتعلق بحماية الحقوق الخاصة للطرفين المتنازعين، وهذه الحقوق في القضية القائمة بين الدار البطريركية وخصومها تتعلق بملكية الكنيسة، ولا شك أن حق الملكية، وهو وحده محل النزاع في قضية الموضوع، لا شأن له بإقامة الشعائر الدينية في الكنيسة، والحراسة القضائية لا يقصد بها إلا المحافظة على المصالح الخاصة والحقوق العينية دون غيرها

Le sequestre judiciaire est ordonné pour sauvegarder des intérêts privés (Dalloz: Rép. Pratique: Dépôt - Sequestre No. 259).
Le Sequestre judiciaire se rattache á l’organisation et á la protection des droits reéls. (Dalloz: Nouv b, biv ann. Art 1961 No. 4)

ومن البداهة أن (إقامة الشعائر الدينية) وهي مهمة الحارس القضائي الذي تطلب الدار البطريركية تعيينه لا تدخل مطلقًا ضمن المصالح الخاصة (intérêts privés) أو الحقوق العينية (droits réels) التي يعين الحارس القضائي لحمايتها والمحافظة عليها، ولهذا كان طلب الحراسة في هذه القضية متنافرًا مع طبيعة معنى الحراسة القضائية من الوجهة القانونية.
على أن هذا التنافر يظهر جليًا فوق ذلك عند البحث في ركن الخطر وهو أحد الركنين الواجب توفرهما ليكون طلب الحراسة مقبولاً.
من المقرر قانونًا أن الحراسة القضائية لا تكون إلا حيث يكون الخطر مهددًا لحقوق أحد الخصمين المتنازعين (Dalloz. N.C. Civ art 1961 No. 46).
على أن الخطر في هذه القضية لا يتعلق بحق أحد الطرفين المتنازعين وهو حق الملكية على العقار المتنازع عليه، وإنما يتعلق بإقامة الشعائر الدينية، وبعبارة أخرى أن طالب الحراسة لا يشكو من خطر يهدد الحق المتنازع عليه، وهو حق الملكية، أو ما يتعلق به من الحقوق الأخرى، حتى يكون من الجائز تعيين حارس قضائي للمحافظة على العقار المتنازع عليه وصيانته وحفظ غلته حتى ينتهي النزاع في موضوع ملكيته، ولكن طالب الحراسة يشكو من تعطيل الشعائر الدينية في الكنيسة المتنازع على ملكيتها ويطلب أن يكون تعيين الحارس لإقامة هذه الشعائر المعطلة.
وهذا النوع من الخطر لا يعرفه القضاء المدني ولا يصح أن يكون محل نزاع أمامه وليس من شأنه أن ينظر فيه أو أن يتلافاه من طريق الحراسة القضائية، لأنه متعلق بمصلحة أدبية عامة غير مقومة بمال، وطلب الحراسة إنما يقصد به أصلاً حماية المصالح الخاصة والحقوق العينية بوضع العين المتنازع على ملكيتها أو حيازتها تحت يد أمين وذلك متى كان هناك خوف من أن واضع اليد الحالي ليس من القدرة المالية بحيث يستطيع في المستقبل أن يعوض ما يصيب العين من التلف تحت يده أو يرد ما يصل إليه من ثمراتها.
وأحكام المحاكم جميعها بهذا المعنى والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد حكمت المحاكم بجواز تعيين الحارس القضائي إذا كانت حيازة أحد المتخاصمين بمفرده تضر بحقوق الآخر ويخشى من تبديد غلاته وعدم صيانتها (استئناف بني سويف، مجلة الحقوق سنة خامسة صـ 380) أو إذا كان يخشى من تبديد إراداته من أشخاص يتضح للمحكمة عدم اقتدارهم فيما بعد على القيام بدفع تعويض الضرر (محكمة الجيزة: الحقوق سنة سادسة صـ 380) أو إذا كان يخشى على العين من وجودها تحت يد الخصم بالنظر لإعساره في الحال أو ترجيح إعساره في المستقبل (بني سويف: الحقوق سنة سابعة صـ 349).
وقضت محكمة الاستئناف بأنه لو قدم الخصم المطلوب رفع يده بطريق الحراسة تأمينات كافية تضمن الريع المتنازع عليه للخصم الطالب الحراسة لم يكن هناك موجب لتعيين حارس (استئناف: حقوق سنة 25 صـ 273).
فالفكرة السائدة إذن في قضاء المحاكم وآراء علماء القانون ترمي إلى عدم إجازة الحراسة إلا في سبيل المحافظة على الحقوق المتنازع عليها إذا كان هناك خطر من بقاء العين المتنازع عليها تحت يد أحد طرفي الخصوم، أي أن يكون ذلك الخصم من عدم الكفاءة المالية بحيث لا يستطيع خصمه الرجوع عليه فيما بعد بما يستحقه.
ولا شك أن هذه الفكرة التي قامت عليها الحراسة القضائية لا تتمشى مطلقًا مع الغرض الذي تطلب الدار البطريركية تعيين الحارس من أجله.
وهذه الفكرة نفسها هي التي لا تجعل محلاً للحراسة متى كان الشيء المتنازع عليه مما لا يتيسر للغير إدارته، وذلك لأن الحراسة في الأصل تقضي بأن تعهد المحكمة بالعين المتنازع عليها إلى شخص ثالث (tiers) تتوفر فيه الكفاءة والأمانة للحراسة، فإذا كان الغرض المقصود من الحراسة مما لا يتيسر لغير الخصوم القيام به خرجت الحراسة عن معناها، وهو وضع العين تحت يد أمين للمحافظة على حقوق الطرفين فيها.
وإلا فإذا كان من الجائز أن تترتب الحراسة على كل نزاع مهما كانت طبيعته، ودفعًا لكل ضرر من أي نوعٍ كان، كما فهمت محكمة استئناف أسيوط من إطلاق نص المادة (491) مدني، لجاز مثلاً للزوج الذي يطلب في دعوى شرعية ضم أولاده إليه أن يطلب من القضاء تعيين حارس قضائي على الأولاد لتربيتهم حتى ينتهي النزاع الشرعي.
ولقد قضت المحاكم بأنه لا يجوز وضع صيدلية أو مصلحة عامة تحت الحراسة القضائية (baudry السابق الإشارة إليه) وقضت أيضًا بأنه لا يجوز تعيين حارس قضائي على (جريدة) لإصدارها مؤقتًا حتى ينتهي النزاع القائم بشأنها(Dalloz: N.C. Civ, art, 1961 No. 13).
من أجل هذا نعتقد أن الحكم بتعيين حارس قضائي على كنيسة لإقامة الشعائر الدينية فيها لا يتفق من الوجهة القانونية مع المعنى المقصود بالحراسة القضائية.

إسماعيل مجدي
المحامي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق