الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 27 فبراير 2022

الطعن 35 لسنة 11 ق جلسة 8 / 1 / 1942 مج عمر المدنية ج 3 ق 134 ص 402

جلسة 8 يناير سنة 1942

برياسة حضرة عبد الفتاح السيد بك وبحضور حضرات: علي حيدر حجازي بك ومحمد زكي علي بك ومحمد كامل مرسي بك ومنصور إسماعيل بك المستشارين.

----------------

(134)
القضية رقم 35 سنة 11 القضائية

إثبات. 
اتفاق يرمى إلى غرض معين. تحقق الغرض. تنازع المتعاقدين على الاتفاق ذاته من حيث وجوده. العبرة في تقدير قيمة النزاع من جهة الإثبات بقيمة الغرض الذي تحقق. ورقة يانصيب (المواساة). الجائزة هي موضوع التعاقد وهي المناط في الإثبات. ثمن الورقة ذاتها. لا عبرة به. صاحب الحق في المطالبة بالجائزة. من بيده الورقة الرابحة.
)المادة 215 مدني(

----------------
إذا كان المتعاقدون قد رموا باتفاقهم إلى غرض معين، وتحقق لهم هذا الغرض بالفعل، ثم تنازعوا بعد ذلك على الاتفاق ذاته من حيث وجوده، فإن العبرة في تقدير قيمة النزاع في صدد تطبيق قواعد الإثبات تكون بقيمة ذلك الغرض ولو كانت قيمة ما ساهم فيه المتعاقدون جميعهم مما يجوز الإثبات فيه بالبينة. ولما كان الغرض من أوراق النصيب التي تصدرها الجمعيات الخيرية طبقاً للقانون رقم 10 لسنة 1905 هو استفادة هذه الجمعيات بجزء من المبالغ التي تجمع لتنفقها في الوجوه النافعة، ثم فوز بعض مشتري تلك الأوراق بالجوائز المسماة فيها، كان كل من يشتري ورقة مساهماً في الأعمال الخيرية وفي الجوائز التي تربحها الأوراق المسحوبة بنسبة ما دفعه من ثمن؛ وبهذا تعتبر الجائزة مساهمة من صاحب الورقة ببعض ما دفعه ومن المشترين ببعض ما دفعوه وهم جميعاً راضون من بادئ الأمر بأن يجعلوا هذه المساهمة عرضة للتضحية مقابل الأمل في الربح. وهذا يترتب عليه أن الورقة الرابحة بمجرّد إعلان نتيجة السحب تنقلب صكاً بالجائزة التي ربحتها، ويكون من حق حاملها أن يطالب بالجائزة نقوداً كانت أو عيناً معينة. وإذن فالجائزة في الواقع هي موضوع التعاقد والغرض الملحوظ فيه عند مشتري الورقة وعند الهيئة التي أصدرت ورق النصيب على السواء. أما الورقة الرابحة فهي سند الجائزة ومظهرها الوحيد فلا تكون الجائزة مستحقة إلا بها. والقيمة المدفوعة ثمناً لها لا يكون لها عندئذ وجود إذ هي قد صارت مستهلكة في الجوائز وفي الأغراض التي من أجلها أصدرت أوراق النصيب. ولما كانت أوراق النصيب غير اسمية فإن الورقة الرابحة تكون سنداً لحامله بالجائزة، وإذ كانت العبرة في ملكية السندات التي من هذا النوع هي بالحيازة فإن صاحب الحق في المطالبة بالجائزة هو من تكون بيده الورقة الرابحة. فإذا ما ادّعى غيره استحقاق الجائزة كلها أو بعضها فإنه، في غير حالتي السرقة والضياع، يتعين اعتبار القيمة المطلوبة لا بالنسبة للمحكمة المختصة فقط بل بالنسبة لقواعد الإثبات أيضاً بحيث إذا كانت قيمة المدّعى به تزيد على ألف قرش كان الإثبات بالكتابة عملاً بالمادة 215 من القانون المدني.


الوقائع

تتحصل وقائع الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي وسائر الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة والتي كانت من قبل تحت نظر محكمة الاستئناف - في أن المطعون ضدّه أقام ضدّ الطاعنين وآخرين الدعوى رقم 484 سنة 1938 كلي الإسكندرية قال في صحيفتها إن جمعية المواساة الإسلامية بالإسكندرية أعلنت عن عملية نصيب لحسابها، وطرحت في هذه العملية عمارة مقرّها بمحطة الرمل بالإسكندرية لتكون من نصيب صاحب النمرة الأولى، وحدّدت للسحب يوم 11 من مايو سنة 1938 ثم أرجأته إلى يوم 20 من يوليه سنة 1938. وقال كذلك إنه اشترى مع الطاعن الأوّل (حلمي عبد الشافي) ورقة من أوراق هذا النصيب تحمل الرقم 17414 لتكون مناصفة بينهما وكان شراؤها في 5 من يوليه سنة 1938 من مكتب بريد الزقازيق بحضورهما معاً، وقد دفع كل منهما نصيبه في هذه الشركة، واتفقا على أن تبقى الورقة تحت يد الطاعن المذكور الذي تجمعه بالمطعون ضدّه صلة القرابة إذ هو ابن عم شقيق له ومقيم معه في دار واحدة. وقد أسفر إجراء السحب عن كسب ورقة النصيب المشتراة الجائزة الأولى وهي العمارة. وبمجرّد ظهور هذه النتيجة جحد الطاعن الأوّل حق شريكه المطعون ضدّه، وأنكر نصيبه في هذا الربح. فبادر المطعون ضدّه بإنذار الجمعية للاحتفاظ بحقوقه، كما أبلغ الأمر إلى النيابة العامة بمنيا القمح لكي تقوم بسؤال الذين يتصلون بهذه العملية. ثم رفع دعواه ضدّ الطاعن الأوّل والشريكين اللذين ادّعى بأنهما مساهمان معه في شراء الورقة وهما الطاعن الثاني ومورّث باقي الطاعنين، وطلب في دعواه الحكم بصفة مستعجلة بتعيين حارس قضائي على العمارة التي ربحتها الورقة المشتراة لكي يتسلمها ويديرها حتى الفصل نهائياً في النزاع. كما طلب الحكم بأحقيته إلى النصف شيوعاً في العمارة وتسليمه إليه مع كف منازعة الطاعنين له في هذا النصف وإلزامهم بالمصاريف والأتعاب وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بغير كفالة. وبجلسة 10 من أكتوبر سنة 1938 أدخل المطعون ضدّه باقي الخصوم ليقضي في مواجهتهم بطلباته، وأعلنهم بذلك في 3 و6 من أكتوبر سنة 1938 ثم تنازل عن طلب الحراسة. وفي 17 من إبريل سنة 1939 طلب المطعون ضدّه إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات قيام الشركة في ورقة النصيب الرابحة، ودفع الطاعنون بعدم جواز ذلك. وفي 29 من مايو سنة 1939 حكمت المحكمة برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدّه بالمصاريف وبمبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة للطاعنين. فاستأنف المطعون ضدّه الحكم أمام محكمة استئناف مصر بالاستئناف رقم 804 سنة 56 قضائية، وطلب إلغاءه والحكم بإحالة الدعوى إلى التحقيق لكي يثبت بجميع الطرق بما فيها البينة شركته مع الطاعن الأوّل في ورقة النصيب الرابحة ثم الحكم على الطاعنين في مواجهة باقي المعلنين في الدعوى بأحقيته لنصف العمارة وتسليمه إليه شائعاً فيها مع كف منازعة الطاعنين في هذا النصف وإلزامهم بالمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. وبعد أن حضرت الدعوى أحيلت إلى المرافعة، ثم قضت فيها محكمة الاستئناف بتاريخ 29 من إبريل سنة 1941 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع أوّلاً بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدفع المقدّم من الطاعنين وبجواز إثبات الدعوى بجميع الطرق القانونية. وفي 4 من يونيه سنة 1941 قرّر الطاعنون الطعن في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.


المحكمة

وحيث إن أوجه الطعن تتحصل فيما يأتي: (أوّلاً) أخطأ الحكم المطعون فيه في تطبيق المادة 215 من القانون المدني باعتباره أن كسب العمارة لم يكن من الملحقات المقدّرة وقت التعاقد مع أن المرجع في الإثبات يجب أن يكون للنتيجة التي تترتب قضاء على مدلول الشهادة حسبما يرمى إليه الخصم الذي يطلب الإثبات بالبينة. على أنه بفرض أن العملية كانت من الملحقات غير المقدّرة فإن ذلك يقتضي قانوناً وجوب الإثبات بالكتابة. (ثانياً) أخطأ الحكم في تكييف عملية اليانصيب والمشاركة في ورقته، كما أخطأ فيما قرّره من أن العبرة في تقدير القيمة هي بالورقة دون الربح المنتظر وفي أن المشاركة إنما كانت على الورقة مع مخالفة ذلك للقانون ولنظام اليانصيب وللمستندات الدالة على أن الجمعية ومشتري الورق يعلمون أن المشاركة إنما كانت على الكسب.
وحيث إن ما تجب ملاحظته أوّلاً أنه إذا رمى المتعاقدون في اتفاق إلى غرض معين تحقق فيما بعد، ثم تنازعوا في الاتفاق ذاته من حيث وجوده، كانت العبرة في تقدير موضوع النزاع لتطبيق قواعد الإثبات بقيمة ذلك الغرض الذي تحقق ولو ادّعى الخصم أن قيمة ما ساهم به المتعاقدون جميعاً في سبيل ذلك هو من النصاب الجائز إثباته بالبينة.
وحيث إن المستفاد من أوراق الدعوى أن ما رمت إليه جمعية المواساة في إصدارها ورق النصيب الذي كانت منه الورقة التي ربحت العمارة هو على منوال ما ترمى إليه الجهات الخيرية بوجه عام من إصدارها أوراق النصيب طبقاً للقانون رقم 10 لسنة 1905 وهو ينحصر في غرضين: (أوّلهما) استفادة هذه الجهات من جزء من المبالغ المتجمعة لإنفاقها في أوجه نافعة. (وثانيهما) فوز بعض مشتري هذه الأوراق بالجوائز المدوّنة بها حثاً لهم على شراء هذه الأوراق وتشجيعاً لهم على اقتنائها بثمن بخس بأمل الفوز بإحدى الجوائز. ومؤدّى هذه العملية أن كل مشتر لورقة أو أكثر يساهم بجزء ضئيل بنسبة ما اشتراه في الأعمال الخيرية للجهات المرخص لها بإصدار ورق النصيب كما يساهم في الجوائز التي تربحها الأرقام المسحوبة. وبهذا الوضع تكون الجائزة عبارة عن مساهمة من صاحب الورقة نفسه ببعض ما دفعه ثمناً لشرائها وبعض ما دفعه غيره من الذين اقتنوا ورق النصيب وارتضوا من بادئ الأمر أن يجعلوا هذه المساهمة عرضة للتضحية مقابل ما لديهم من أمل الربح. وتكون النتيجة في ذلك أن الورقة الرابحة تستحيل بمجرّد إعلان نتيجة السحب إلى صك بالجائزة المخصصة لدرجة سحبها، ويكون من حق حامل الورقة مطالبة الجهة التي أصدرت ورق النصيب بتلك الجائزة نقوداً كانت أو عيناً معينة.
وحيث إنه بناء على ما تقدّم تكون الجائزة هي في الواقع موضوع التعاقد والغرض المقصود منه سواء بين مشتري الورقة والهيئة التي أصدرت ورق النصيب أو بينه وبين من يدعي مشاركته فيها. أما ورقة النصيب الرابحة فهي سند الجائزة ومظهرها الوحيد ولا تكون الجائزة مستحقة بدون وجودها. وأما قيمة الورقة المدفوعة فلا وجود لها في ذاتها إذ أصبحت مستهلكة في الجوائز وفي الأغراض التي من أجلها أصدرت أوراق النصيب.
ولما كانت أوراق النصيب غير اسمية فهي لا تعدو أن تكون سنداً لحامله بقيمة الجائزة المربوحة. وإذ كانت العبرة في ملكية هذا الضرب من السندات بحيازتها فإن صاحب الحق في المطالبة بالجائزة هو من تكون بيده تلك الورقة الرابحة. فإذا ما ادّعى أحد استحقاق الجائزة كلها أو بعضها بعد السحب، في غير حالتي السرقة والضياع، تعين مراعاة أحكام القانون تبعاً للقيمة المطلوبة لا بالنسبة للمحكمة المختصة فحسب بل بالنسبة لقواعد الإثبات أيضاً، بحيث إذا كانت قيمة المدّعى به متجاوزة ألف قرش كان الإثبات بالكتابة أمراً لا مناص منه عملاً بالمادة 215 من القانون المدني.
وحيث إنه لما توضح تكون محكمة الموضوع بقضائها بإحالة الدعوى إلى التحقيق بناء على تقدير قيمة الورقة الرابحة بثمن شرائها لا بقيمة الجائزة المكسوبة قد أخطأت في تكييف وقائع الدعوى وفي تطبيق القانون على التكييف الصحيح لها. ولذا يتعين نقض الحكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق