جلسة 16 من يناير سنة 1962
برياسة السيد/ محمد عطية إسماعيل
المستشار، وبحضور السادة: عادل يونس، وتوفيق أحمد الخشن، وعبد الحليم البيطاش،
ومحمود إسماعيل المستشارين.
---------------
(13)
الطعن رقم 621 لسنة 31
القضائية
(أ) قذف. محكمة الموضوع.
نقض "أسباب الطعن"
القذف المعاقب عليه
قانونا. ماهيته.
وقائع القذف. سلطة محكمة
الموضوع في استخلاصها من عناصر الدعوى.
النتائج القانونية. رقابة
محكمة النقض عليها.
(ب) قذف.
نشر إحدى الجرائد خبرا
يحط من قدر المجنى عليه ويدعو إلى احتقاره بين مخالطيه. توافر جريمة القذف. مثال.
)ج) قذف. القصد الجنائي.
حسن النية.
جريمة المادة 302/ 1
عقوبات. أركانها. لا يتطلب القانون قصدا جنائيا خاصا. كفاية القصد العام. ماهيته:
مجرد العلم أن الأمور المسندة لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو
احتقاره. متى يفترض هذا العلم ؟
الدفع بحسن النية. لا محل
له: ما دام المجنى عليه ليس من الموظفين العموميين أو من في حكمهم.
(د - هـ) حصانة النشر.
صحافة. جرائم المادتين 189 و190 عقوبات. قذف. سب. إهانة.
نطاق الحصانة. اقتصارها
على الإجراءات القضائية العلنية والأحكام العلنية. عدم امتدادها إلى ما يجرى
بالجلسات غير العلنية أو المحدودة العلنية، وكذلك التحقيقات الابتدائية والأولية
والإدارية. علة ذلك. نشر شيء منها: هو على مسئولية فاعله. جواز محاسبته جنائيا عما
في ذلك من قذف أو سب أو إهانة.
حرية الصحفي لا تعدو حرية
الفرد العادي. ولا تتجاوزها إلا بتشريع خاص.
---------------
1 - الأصل أن القذف الذي يستوجب
العقاب قانونا هو الذي يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية
أو يوجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه. وإذا كان من حق قاضى الموضوع أن يستخلص
وقائع القذف من عناصر الدعوى فإن لمحكمة النقض أن تراقبه فيما يرتبه من النتائج
القانونية ببحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها واستظهار مرامي عباراتها لإنزال حكم
القانون على وجهه الصحيح.
2 - ما نشرته الجريدة من
أن شابين اقتحما على المجنى عليه - وهو محام - مكتبه وقذفاه بزجاجات الكوكاكولا
وانهالا عليه ضربا بالعصى الغليظة ثم أمراه بخلع ملابسه فوقف عاريا ثم أوثقاه من
يديه ورجليه بحزام من جلد - ما نشر من ذلك هو بلا شك ينطوي على مساس بكرامة المجنى
عليه ويحط من قدره واعتباره في نظر الغير ويدعو إلى احتقاره بين مخالطيه ومن
يعاشرهم في الوسط الذي يعيش فيه، وتتوافر به جريمة القذف كما هي معرفة به في القانون.
3 - لا يتطلب القانون في جريمة
القذف قصدا خاصا بل يكتفى بتوافر القصد العام الذي يتحقق متى نشر القذف الأمور
المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو
احتقاره. وهذا العلم مفترض إذا كانت العبارات موضوع القذف شائنة بذاتها. ومتى تحقق
هذا القصد فلا يكون هناك محل للتحدث عن سلامة النية ما دام أن المجنى عليه ليس من
الموظفين العموميين أو من في حكمهم.
4 - دل الشارع بما نص
عليه في المادتين 189 و190 من قانون العقوبات على أن حصانة النشر مقصورة على
الإجراءات القضائية العلنية والأحكام التي تصدر علنا، وأن هذه الحصانة لا تمتد إلى
ما يجرى في الجلسات غير العلنية ولا إلى ما يجرى في الجلسات التي قرر القانون أو
المحكمة الحد من علانيتها، كما أنها مقصورة على إجراءات المحاكمة ولا تمتد إلى
التحقيق الابتدائي ولا إلى التحقيقات الأولية أو الإدارية لأن هذه كلها ليست علنية
إذ لا يشهدها غير الخصوم ووكلائهم - فمن ينشر وقائع هذه التحقيقات أو ما يقال فيها
أو يتخذ في شأنها من ضبط وحبس وتفتيش واتهام وإحالة على المحاكمة فإنما ينشر ذلك
على مسئوليته, وتجوز محاسبته جنائيا عما يتضمنه النشر من قذف وسب وإهانة.
5 - حرية الصحفي لا تعدو
حرية الفرد العادي، لا يمكن أن تتجاوز إلا بتشريع خاص.
الوقائع
تقدم الأستاذ جبريل شحاته
معوض المحامي ببلاغ إلى السيد المحامي العام ضد كل من على أحمد المغربي مخبر
الحوادث بصحيفة الأخبار وعلى أمين ومصطفى أمين بصفتهما رئيسي تحرير وصاحبي تلك
الصحيفة ومحمد زكى عبد القادر، قال فيه إنه بتاريخ 4 يناير سنة 1959 نشرت صحيفة
الأخبار في صفحتها الأولى خبرا بعنوان (المحامي جبريل شحاته معوض الاعتداء عليه في
مكتبه) وجاء تحت هذا العنوان ما نصه "اقتحم شابان مكتب المحامي جبريل شحاته
معوض بشارع رشدي وقذفاه بزجاجات الكوكاكولا وانهالا عليه ضربا بالعصى الغليظة
وأمراه بخلع ملابسه. وقف المحامي عريانا في المكتب وأوثقاه من يديه ورجليه بحزام
جلد. حاولا الهرب بعد أن أخذا بدلته. تمكن الأهالي من ضبط الشابين أحمد محمد عثمان
وعلى محمد حسين وهما عاطلان. اقتيدا إلى قسم البوليس. قال المحامي إنه لا
يعرفهما". وبعد أن انتهت النيابة من التحقيق أمرت بحفظ الأوراق إداريا.
استأنف الأستاذ جبريل شحاته معوض هذا القرار أمام غرفة الاتهام. فقررت الغرفة
بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الأمر المستأنف. فطعن المجنى عليه
المذكور في هذا القرار بطريق النقض .. الخ
المحكمة
وحيث إن مما ينعاه الطاعن
على الأمر المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله إذ قضى بتأييد الأمر الصادر
من النيابة العامة بحفظ الشكوى المقدمة منه ضد المطعون ضدهم بعد قيامها بالتحقيق -
استنادا إلى أن الخبر الذي نشرته جريدة الأخبار عن الطاعن من أنه "ضرب بالعصى
الغليظة وأكره على التجرد من ملابسه والوقوف عاريا في مكتبه مقيد اليدين والرجلين
بحزام من الجلد" - لا يتناوله حكم المادة 302 من قانون العقوبات بقولة إن
الضرب لا يمس اعتبار المضروب ولا يحط من قدره وأن نشر الخبر على الصورة التي ورد
بها لا يتوافر به الإسناد المستوجب للاحتقار وأن دواعى المصلحة العامة تقتضى إذاعة
الأخبار لفائدة الجمهور وهى بذلك توجب التسامح مع الصحف فيما يقع منها من خطأ في نقل
الأخبار أو روايتها متى تم ذلك بحسن نية أي على مظنة صحة الواقعة وأنه لا تثريب
على ناشري الخبر إذا اتضحت مخالفته للحقيقة في بعض جزئياته طالما أنه يتضمن أية
جريمة ولم يتضح أن الدافع إليه عوامل شخصية وخاصة أن المسئولين عن الجريدة قد
عمدوا إلى إيضاح الحقيقة في عددين متتاليين منها. ويقول الطاعن إن ما ذهب إليه
الأمر المطعون فيه فيما سبق غير صحيح في القانون ذلك بأن الأصل أن حصانة النشر
مقصورة على الإجراءات القضائية العلنية دون سواها فهي لا تمتد إلى التحقيق الابتدائي
فمن ينشر وقائع هذه التحقيقات أو إجراءاتها فإنما ينشر ذلك على مسئوليته ويتحمل
نتيجة ما يتضمنه النشر من قذف وسب وإهانة، وقد انطوى الخبر المذكور على وقائع
مكذوبة جملة وتفصيلا سلم الأمر بها وتضمن بذاته إسناد أمور مستوجبة لاحتقاره وهو
ما يكفى لتوافر القصد الجنائي في جريمة القذف الذي يستفاد من مدلول الألفاظ ذاتها
ويكفى لتوافره مجرد العلم بأن الواقعة المنسوبة إلى المجنى عليه تشينه وتستوجب
احتقاره، ولا ينال من ذلك الباعث على النشر ولو كان ابتغاء الصالح العام، كما أنه
لا أثر لتصحيح الخبر بعد نشره على قيام الجريمة، هذا فضلا عن أنه لا محل للتحدث عن
حسن النية إذ أن ذلك خاص بالقذف في حق الموظفين العموميين ومن في حكمهم بسبب أمور
تتعلق بوظائفهم وهو ما لا يصدق على الواقعة المطروحة خاصة وأن محرر الخبر
والمسئولين عن نشره لم يحاولوا التحقيق من صحته فتخلف عنه عنصرا الأمانة والتثبت،
كل ذلك مما يعيب الأمر المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الأمر المطعون
فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن الطاعن تقدم ببلاغ إلى السيد المحامي العام ضد
المطعون ضدهم قال فيه إنه في 4 يناير سنة 1959 نشرت صحيفة الأخبار في الصفحة
الأولى خبرا بعنوان "المحامي جبريل شحاته معوض الاعتداء عليه في مكتبه"
وجاء تحت هذا العنوان ما نصه: اقتحم شابان مكتب المحامي جبريل شحاته معوض بشارع رشدي
وقذفاه بزجاجات الكوكاكولا وانهالا عليه ضربا بالعصى الغليظة وأمراه بخلع ملابسه.
وقف المحامي عريانا في المكتب - أوثقاه من يديه ورجليه بحزام جلد. حاولا الهرب بعد
أن أخذا بدلته. تمكن الأهالي من ضبط الشابين أحمد محمد عثمان وعلى محمد حسين وهما
عاطلان. اقتيدا إلى قسم البوليس. قال المحامي إنه لا يعرفهما". وذكر الطاعن
أنه بادر في الحال إلى إرسال تكذيبين إلى الصحيفة أحدهما سلمه باليد والثاني بخطاب
مسجل إلى الأستاذ على أمين شخصيا ولما لم ينشر هذا التكذيب في اليوم التالي قدم
شكوى في 6 يناير سنة 1959 إلى النيابة العامة وبعد الاتصال تليفونيا بينهما وبين
الأستاذ محمد الليثي بصحيفة الأخبار عرض هذا الأخير أن يحضر إليه الطاعن ليملي
التكذيب اللازم وفعلا ذهب الطاعن إلى دار الجريدة المذكورة حيث التقى بالأستاذ
مصطفى أمين الذي وعد بتكذيب الخبر على أن ينشر التكذيب في اليوم التالي في الصفحة
الأولى من الجريدة ولكن التكذيب لم ينشر. وانتهى الطاعن إلى أن الخبر مختلق جملة
وتفصيلا وأن نشره على هذه الصورة ينطوي على قذف وسب يتناول العرض والشرف إذ أنه
يشعر القارئ بأن هناك جريمة أخلاقية وأنه تم الانتقام من الطاعن من أجلها على
النحو الذي صور به الخبر كي يكون الجزاء من جنس العمل، هذا فضل عما يتضمنه الخبر
من رمى الطاعن بالجبن والاستسلام وما ينطوي عليه من تشهير به وسخرية منه وثلم
لكرامته ومصادرة له في عمله وإرهاب لموكليه. وقد انتهت النيابة العامة بعد
التحقيقات التي أجرتها إلى الأمر بحفظ الأوراق إداريا بتاريخ 4 مارس سنة 1959،
فاستأنف الطاعن هذا الأمر وأصدرت غرفة الاتهام أمرها المطعون فيه استعرضت فيه
الخبر موضوع النشر وعرجت إلى مذكرة النيابة جنوب القاهرة التي تضمنت تفصيلات الحادث
الذي وقع للطاعن وما بان منها من أن الاعتداء وقع عليه في الطريق العام أمام
العمارة الكائن بها مكتبه وأثناء محاولته ركوب سيارته وذلك بقذف السيارة بزجاجات
الكوكاكولا ثم الاعتداء عليه بالأيدي وخلع جاكتته وصديريه وأن المتهمين أحمد محمد
عثمان وعلى محمد جمعه قد اعترفا بارتكابهما الحادث وأن رفاعي حسن نعمة الله هو
الذي اتفق معهما على ارتكابه. ثم خلص الأمر المطعون فيه إلى القول بأنه "واضح
مما تقدم أن الخبر الذي نشر بجريدة الأخبار خاصا بالمستأنف "الطاعن" نبع
من أصل صحيح وإن اختلف الخبر عن الأصل في بعض التفصيلات فجاء الخبير محرفا لبعض
تفصيلات الاعتداء الذي ألم بالمستأنف مبالغا في تصويرها ويقول المسئولون عن نشر
هذا الخبر بالجريدة إن تفصيلاته التي نشرت استقيت من فم المستأنف شخصيا مما كان
يرويه للضابط من تفصيلات الحادث مجرد وقوعه على أنه مهما تكون الحقيقة في هذا
الشأن فإنه يتعين إمعان النظر في هذا الخبر المنشور لتقدير مرامي العبارات التي حواها
من حيث وجود جريمة قذف فيها كما يقول المستأنف أو عدم وجودها حيث إن المادة 302 من
قانون العقوبات قد نصت على أنه "يعد قذفا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق
المبينة في المادة 171 من هذا القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت
إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه". ويستفاد
من هذا النص أن القذف في عرف القانون هو إسناد أمر للغير موجب لعقابه أو احتقاره
ومن ثم فلا قذف إلا أن كان الفعل المسند إلى المجنى عليه من شأنه لو صح أن يوجب
عقابه قانونا أو احتقاره عند أهل وطنه، فمعيار الضرر في القذف أن يكون الفعل أو
الأمر المسند من شأنه إحداث أثر خارجي وهو العقاب أو الاحتقار فإن لم يحدث هذا
الأثر الخارجي فلا قذف ولا عقاب - والقذف لذى يوجب الإسناد فيه العقاب قانونا هو
القذف الذي يتضمن إسناد فعل يعد جريمة في حكم القانون أما الإسناد الذي يوجب
احتقار المسند إليه عند أهل وطنه فهو الذي يحط من قدر المسند إليه وكرامته في نظر
الغير. وحيث إنه حين تعمل القواعد القانونية المتقدمة في شأن الخبر المنشور
بالجريدة خاصا بالمستأنف يبين أن هذا الخبر لم يسند إلى المستأنف ارتكابه فعلا يعد
جريمة في حكم القانون كما أنه ليس فيما تضمنه هذا الخبر تصريحا أو تلميحا ما يحط
من قدر المستأنف أو يحقره عند أهل وطنه وكل إنسان معرض للاعتداء عليه ولم يقل أحد
إن نشر أنباء الاعتداء تحط من قدر المجنى عليه أو تحقره أو تمس شرفه بل إن العكس
هو الصحيح فالذي يتأذى من أخبار الجرائم هو المعتدى وليس المجنى عليه، ولا يغير من
ذلك قول المستأنف إن هذا الجزء من الخبر الذي روى أن الجناة جردوه من ملابسه
وأوثقوه عاريا فيه ما يمس عرضه وشرفه ذلك أن الخبر بالصورة التي نشر بها لا يشير
ولو من بعيد إلى أن اعتداء جنسيا وقع عليه فكيف يذهب تفكير المستأنف إلى حد تخريج
العبارات هذا التخريج الذي لا يتحمله ولا يتصور أن تمر بخاطر إنسان وهو يقرأ
الخبر. وحيث إن مؤدى ما تقدم أن الخبر الذي نشر بجريدة الأخبار وكان محل شكوى
المستأنف وإن بالغ بعض الشيء في سرده لتفصيلات الاعتداء الذي وقع على المستأنف إلا
أن عبارات هذا الخبر ليست شائنة في ذاتها وليس فيها من الأساليب المجازية أو
المعاريض أو غير ذلك مما يستخدم لإخفاء القذف وعلى هذه الصورة لا تحوى قذفا في حق
المستأنف ويكون ما دار في خلد هذا الأخير وذهب إليه في شكواه بعيدا عن أن يمثل
حقيقة الواقع".
واستطرد الأمر المطعون
فيه إلى تناول واجب الصحافة في خدمة الجمهور وما تقتضيه دواعي المصلحة العامة التي
تقضى بإذاعة الأخبار لفائدة الجمهور من وجوب التسامح مع الصحف فيما يقع منها من
الخطأ في نقل الأخبار أو روايتها مع حسن النية أي بقصد الخدمة العامة وخلص إلى
القول بأنه إذا كان القائمون على إدارة تحرير جريدة الأخبار قد نشروا الخبر محل
الدعوى الحالية على اعتقاد منهم بصحته ثم اتضح أن هذا الخبر يخالف الحقيقة في بعض
الجزئيات فلا تثريب عليهم في ذلك ما دام لم يثبت أن الخبر بصورته التي نشر بها
يتضمن أية جريمة ولم يتضح أن التحريف الذي لحق به كان الدافع إليه عوامل شخصية
خاصة وقد عمد المسئولون في هذه الجريدة إلى إيضاح حقيقة الأمر في عددين متتاليين
من أعداد هذه الجريدة صدرا في أعقاب العدد الذي حوى الخبر". ثم انتهى الأمر
المطعون فيه إلى تأييد قرار النيابة العامة بحفظ الأوراق إداريا والذى هو في حقيقته
أمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية. لما كان ما تقدم، وكان ما انتهى إليه
الأمر المطعون فيه غير صحيح في القانون، ذلك بأن الأصل في القذف الذي يستوجب
العقاب قانونا هو الذي يتضمن إسناد فعل يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية
أو يوجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه وأنه إذا كان من حق قاضى الموضوع أن
يستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى فإن لمحكمة النقض أن تراقبه فيما تراقبه فيما
يرتبه من النتائج القانونية بحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها واستظهار مرامي
عباراتها لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح. لما كان، وكان الأمر المطعون فيه قد
سلم بأن الخبر محل النعي وإن نبع عن أصل صحيح إلا أنه اختلف عن الأصل في بعض
التفصيلات فجاء محرفا بالنسبة لنوع الاعتداء الذي وقع على الطاعن، وكان ما نشرته الجريدة
من أن شابين اقتحما على الطاعن مكتبه وقذفاه بزجاجات الكوكاكولا وانهالا عليه ضربا
بالعصى الغليظة ثم أمراه بخلع ملابسه فوقف عاريا ثم أوثقاه من يديه ورجليه بحزام
من جلد، ما نشر من ذلك هو بلا شك ينطوي على مساس بكرامة الطاعن ويحط من قدره
واعتباره في نظر الغير ويدعو إلى احتقاره بين مخالطيه ومن يعاشرهم في الوسط الذي يعيش
فيه وتتوفر به جريمة القذف كما هي معرفة به في القانون، ولا يقدح في ذلك ما هو
مقرر من حق نشر ما يجرى في المحاكمات الجنائية ذلك بأن الشارع قد دل بما نص عليه
في المادتين 189 و190 من قانون العقوبات على أن حصانة النشر مقصورة على الإجراءات
القضائية العلنية والأحكام التي تصدر علنا، وأن هذه الحصانة لا تمتد إلى ما يجرى
في الجلسات غير العلنية ولا إلى ما يجرى في الجلسات التي قرر القانون أو المحكمة
الحد من علانيتها، كما أنها مقصورة على إجراءات المحاكمة ولا تمتد إلى التحقيق الابتدائي
ولا إلى التحقيقات الأولية أو الإدارية، لأن هذه كلها ليست علنية إذ لا يشهدها غير
الخصوم ووكلائهم - فمن ينشر وقائع هذه التحقيقات أو ما يقال فيها أو يتخذ في شأنها
من ضبط وحبس وتفتيش واتهام وإحالة على المحاكمة فإنما ينشر ذلك على مسئوليته وتجوز
محاسبته جنائيا عما يتضمنه النشر من قذف وسب وإهانة. لما كان ذلك، وكانت حرية الصحفي
لا تعدو حرية الفرد العادي ولا يمكن أن تتجاوزها إلا بتشريع خاص. وكان القانون لا
يتطلب في جريمة القذف قصدا خاصا بل يكتفى بتوافر القصد العام الذي يتحقق متى نشر
القاذف الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في
حقه أو احتقاره، وهذا العلم مفترض إذا كانت العبارات موضوع القذف - كما هو واقع
الحال في الدعوى المطروحة - شائنة بذاتها، ومتى تحقق القصد فلا يكون هناك محل
للتحدث عن سلامة النية ما دام أن الطاعن "المدعى بالحق المدني" ليس من
الموظفين العموميين أو من في حكمهم. لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعن على
الأمر المطعون فيه يكون في محله ويتعين لذلك قبول الطعن وإلغاء الأمر المستأنف
وإعادة القضية إلى غرفة الاتهام لاعتبار الواقعة جنحة معاقبا عليها بالمواد 171
و302/ 1 و303/ 1 و307 من قانون العقوبات وإلزام المطعون ضدهم المصروفات المدنية
وذلك بغير حاجة إلى بحث أوجه الطعن الأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق