الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 29 يناير 2022

الطعن 107 لسنة 15 ق جلسة 30 / 1 / 1947 مج عمر المدنية ج 5 ق 147 ص 327

جلسة 30 من يناير سنة 1947

برياسة حضرة جندي عبد الملك وكيل المحكمة وحضور حضرات: أحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك وسليمان حافظ بك ومصطفى مرعى بك المستشارين.

---------------

(147)
القضية رقم 107 سنة 15 القضائية

حيازة:
أ - متى تعتبر الحيازة سنداً للملك في المنقول؟
ب - خزانة. مفتاح الخزانة. يشبه تذكرة النقل من حيث إن كلاً منهما يجعل حامله حائزاً حيازة رمزية لمنقول ليس في يده فعلا. كون الشيء واقعاً فعلا في حوزة من يدعى حيازته أولا. أمر موضوعي. استقلال قاضى الموضوع بتقديره.
(المادتان 607، 608 من القانون المدني(

-----------------
1 - الحيازة لا تعتبر سنداً للملك في المنقول - وفق ما هو مقرر في المادتين 607 و608 من القانون المدني (1) - إلا إذا كانت فعلية بنية التملك بريئة من شائبة الغموض واللبس (2). وهي لا تكون فعلية إلا إذا ترتب عليها وجود الشيء المحوز في مكنة الحائز وتحت تصرفه، ولا تكون بنية التملك إلا إذا كان الحائز أصيلاً يحوز لنفسه لا لغيره، ولا تكون بريئة من اللبس والغموض إلا حيث تخلص ليد واحدة لا تخالطها يد سواها مخالطة تثير الشك في انفرادها بالتسلط على الشيء والتصرف فيه.
2 - حيازة مفتاح الخزانة هي حيازة رمزية لمنقول غير حاصل فعلاً في اليد، وليست بذاتها دليلاً قاطعاً على حيازة ما هو في الخزانة. وكون الشيء حاصلاً فعلاً في حوزة من يدعى حيازته أو غير حاصل فيها هو من الواقع الذي يحصله قاضى الموضوع في كل دعوى مما يتوافر فيها من دلائل. وإذا كان القانون قد نص في باب البيع على أن تسليم المنقولات المبيعة يصح أن يتم بتسليم مفاتيح المخازن الموضوعة فيها، فإن هذا النص لا يعنى أن كل من يحمل مفتاحاً لخزانة يكون ولا بد حائزاً فعلاً لمحتوياتها، لأن حمل المفتاح لا يلزم عنه حتماً أن حامله مسلط على الخزانة مستأثر بالتصرف في فراغها؛ ومن ثم كانت العبرة في كل دعوى بظروفها الواقعية، فحيث تدل هذه الظروف على أن حامل مفتاح الخزانة كان متسلطاً فعلاً على ما فيها جاز اعتباره حائزاً وإلا فلا. وما يراه قاضى الموضوع في هذا الشأن هو رأى في مسألة واقعية يستقل هو بتقديرها ولا يخضع قضاؤه فيها لرقابة محكمة النقض.


الوقائع

في 19 من نوفمبر سنة 1939 توفيت ببندر جرجا المرحومة إحسان عبد المجيد عثمان البارودي من غير عقب، وانحصر إرثها في زوجها فؤاد أفندي عبد الرحيم عثمان البارودي وأمها السيدة نقية عثمان البارودي وأختها السيدة حافظة عبد الحميد عثمان البارودي وأخيها عبد الوهاب أفندي عبد الحميد عثمان البارودي. ولما كان هذا الأخير قاصراً وقت الوفاة فقد انتقل دردير السيد الأنصاري عمدة جرجا ومعه شيخ الحصة راضي أفندي خليل البارودي إلى المنزل الذي كانت تقيم فيه المتوفاة وهو منزل لها ولباقي ورثة والدها وقاما بإغلاق (الدور) الثالث من المنزل المذكور وهو (الدور) الذي كانت تشغله المتوفاة بسكنها، وختما على بابه بالشمع الأحمر. ثم ختما بالشمع الأحمر أيضاً على خزانة من حديد وجداها داخل (مندرة) بالدور الأرضي من المنزل وأغلقا بابي هذه (المندرة) وختما عليهما أيضاً. وبعد قيام العمدة بهذه الإجراءات وعقب خروجه من المنزل تلقى رسالة برقية منسوبة إلى فؤاد أفندي البارودي يطلب فيها منه العودة إلى المنزل لإجراء الجرد والحصر حالاً. فعاد العمدة في اليوم التالي وجرد المنقولات الموجودة بمسكن المتوفاة في (الدور) الثالث من المنزل وذيل محضره بالعبارة الآتية: "أثناء الحصر وجدنا مفاتيح الخزانة تحت دولاب بأودة النوم وهى مفاتيح الخزنة الحديد الخاصة بالمتوفية بأودة النوم تعلقها. والخزنة الحديد المذكورة موجودة بالدور الأرضي بمندرة من منادر المنزل المذكور ومختوم عليها بالشمع الأحمر بختم راضي أفندي البارودي أحد مشايخ البندر ومصطفى أفندي عبد الرحيم البارودي".
وفى 20 من ديسمبر سنة 1939 استصدر فؤاد أفندي البارودي أمراً من حضرة رئيس محكمة سوهاج قضى بتوقيع الحجز على ما في داخل الخزانة الحديد بعد جرده قانوناً وبتسليمها بعد إغلاقها والختم عليها لحارس مقتدر.
وفى 28 من ديسمبر سنة 1939 تولى أحد محضري محكمة جرجا تنفيذ هذا الأمر في حضور حضرة مأمور المركز الذي كان قد سبق المحضر إلى فتح الخزانة وجردها بأمر من المجلس الحسبي، وكان قد وضع محتوياتها في ملفات ختم عليها بختمه. وثبت في محضر الجرد الذي حرره المحضر والذى على أساسه وقع الحجز أنه وجد في الخزانة 1950 جنيهاً من ورق البنكنوت و 454 جنيهاً من الذهب و38 جنيهاً من العملة الفضية. ووجد داخل "علبة أدوية" من الورق المقوى 115 جنيهاً من ورق البنكنوت وست قطع ذهبية من فئة نصف الجنيه الإنجليزي ومصوغات متنوعة مختلفة ومفتاحين تبين فيما بعد أنهما مفتاحا خزانة كانت المتوفاة قد استأجرتها من بنك مصر بالقاهرة. هذا عدا أوراقاً كثيرة من بينها سند بمبلغ 110 جنيهات لأمر وإذن المتوفاة صادر لها من أخيها عبد الوهاب. وعلى أساس الحجز الذي وقع على محتويات الخزانة التي تناولها الجرد أقام فؤاد أفندي البارودي (الطاعن) الدعوى رقم 74 سنة 1940 كلي سوهاج على باقي ورثة زوجته وهم أخوها عبد الوهاب المطعون ضده الأول وأختها السيدة حافظة المطعون ضدها الثانية وأمها السيدة نقية التي توفيت وحل محلها ولداها. وطلب الطاعن في دعواه المذكورة الحكم بثبوت حقه في نصف الخزانة الحديدية وفى نصف محتوياتها كما وردت في محضر الحجز التحفظي المؤرخ في 28 من ديسمبر سنة 1939 وتثبيت هذا الحجز وجعله نافذاً. واعتمد الطاعن في دعواه هذه على أن الخزانة كانت في حيازة زوجه إلى أن توفيت فتكون بذلك هي ومحتوياتها ملكاً لها. ودفعت أم الزوجة وأخوها وأختها بأن حيازة الخزانة إنما كانت للسيدة نقية عثمان البارودي أم المتوفاة. وفي 17 من أبريل سنة 1941 قضت محكمة سوهاج تمهيدياً بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت "كل من الطرفين مدعاه بشأن محتويات الخزانة الحديدية بجميع الطرق القانونية بما فيها البينة على أن يكون للطرف الآخر النفي بنفس الطرق". وبعد أن تم التحقيق قضت المحكمة بأحقية الطاعن على 2 و5/ 8 قيراطاً من 24 قيراطاً من حديد الخزانة المبينة بمحضر الحجز وتثبيت الحجز المذكور بالنسبة إلى هذا النصيب، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات الطاعن وألزمته بالمصاريف وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محاماة.
استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط وطلب الحكم بقبول استئنافه شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والحكم له بجميع طلباته التي أوردها في دعواه. وفى 10 من مايو سنة 1945 قضت محكمة استئناف أسيوط أولاً بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من أحقية الطاعن إلى 2 و5/ 8 قيراطاً من 24 قيراطا في حديد الخزانة الموضحة بمحضر الحجز التحفظي وتثبيت الحجز المذكور بالنسبة إلى هذا النصيب. ثانياً بإلغاء الحكم المستأنف فيما يتعلق بالأوراق المحجوز عليها بداخل الخزانة وبأحقية الطاعن إلى 2 و5/ 8 قيراطاً من 24 قيراطا في عقود البيع والإيجار والمستندات والأحكام الصادرة لمصلحة المورث الأصلي المرحوم عبد المجيد عثمان البارودي والتي وجدت بداخل الخزانة الحديدية، وكذلك أحقيته إلى 2 و5/ 8 قيراطاً من 24 قيراطا في الأوراق الأخرى من عقود ومستندات خاصة بورثة المورث المذكور وصادرة لمصلحتهم بعد وفاته ووجدت بهذه الخزانة، وبأحقيته أيضاً إلى ثلاثة قراريط من 24 قيراطاً في عقد التخارج المؤرخ أول يوليه سنة 1939 الصادر من الست عريفة خليل البارودي لمصلحة السيدتين إحسان وحافظة كريمتي المرحوم عبد المجيد عثمان البارودي من تركة ابنها المرحوم عبد المجيد عثمان البارودي المذكور والذى وجد بداخل الخزانة، وبأحقية الطاعن إلى النصف في الأوراق الخاصة بمورثته المرحومة إحسان عبد المجيد عثمان البارودي والتي وجدت بداخل هذه الخزانة وفى المفتاحين المبينين بأسباب الحكم، وتثبيت الحجز التحفظي الاستحقاقي الموقع على هذه الأشياء في 28 من ديسمبر سنة 1939 بالنسبة إلى هذا النصيب. ثالثاً بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض باقي طلبات المستأنف.
وأعلن هذا الحكم للطاعن في 5 يوليه سنة 1945 فطعن وكيله بالنقض فيه وفي الحكم التمهيدي المؤرخ في 17 من أبريل سنة 1941 الخ الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى السبب الأولى مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون. ووجه هذه المخالفة، فيما يقول الطاعن، أن النزاع بينه وبين السيدة نقية مورثة المطعون ضدهما انصب على محتويات خزانة حديدية ثبت من مستندات الدعوى ومن ذات الحكم المطعون فيه أن مفاتيحها كانت في حيازة مورثة الطاعن إلى أن توفيت. وهذه واقعة يلزم عنها لذاتها أن تعتبر المورثة المذكورة مسلطة على فراغ الخزانة، أى حائزة لمحتوياتها، إذ الحيازة في حكم القانون ليست إلا السلطان الفعلي الثابت لشخص على مال معين، وكان مقتضى ذلك ولازمه قانوناً أن يفيد الطاعن بصفته خلفاً لمورثته من قرينة الملك التي رتبتها لحائز المنقول المادتان 607 و608 من القانون المدني، فيرفع عنه عبء إثبات ملكية مورثته لمحتويات الخزانة، ويلقى هذا العبء على من ينازع في هذه الملكية. لكن محكمة أول درجة، تجاهلاً منها لحيازة مورثة الطاعن وللقرينة التي رتبها القانون على هذه الحيازة، قضت بإحالة الدعوى على التحقيق "ليثبت كل من الطرفين مدعاه بشأن محتويات الخزانة بجميع الطرق القانونية بما فيها البينة على أن يكون للطرف الآخر النفى". ولما كان الحكم المطعون فيه قد أيد هذا القضاء فإنه يكون قد أخطأ مثل خطئه من حيث إنه لم يفهم الحيازة على وجهها الصحيح، إذ لو كان قد فهمها لاعتبر مورثة الطاعن حائزة الخزانة متى كان مسلماً أن مفاتيحها كانت في حوزتها، ومن حيث إنه لم يرتب على حيازة مورثة الطاعن أثرها القانوني، وهو افتراض أنها مالكة إلى أن يقوم الدليل على العكس.
وحيث إن مبنى السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون: أولاً - لأنه وصف حيازة مورثة الطاعن لمحتويات الخزانة بأنها حيازة عرضية، معتمداً في ذلك على أن مفاتيح الخزانة إنما كانت تحت يد المورثة المذكورة بطريق الإنابة عن أمها، وعلى أنه متى كان الأمر كذلك فإن يدها على محتويات الخزانة تكون من طريق الإنابة أيضاً. ثم إنه وصف هذه الحيازة نفسها بأنها غير خالصة من شائبة اللبس بناءً على أن الخزانة الحديدية ذاتها ملك شائع بين مورثة الطاعن وباقي ورثة والدها. ويقول الطاعن إن الحكم بهذا الذي ذهب إليه قد خلط بين حيازة حديد الخزانة وحيازة فراغها ومحتوياتها في حين أن حيازة الخزانة ذاتها مستقلة تماماً عن حيازة فراغها، فقد يحوز الشخص خزانة ما حيازة عرضية بالإنابة عن غيره ويحوز، مع ذلك وعلى الرغم من ذلك، محتوياتها حيازة كاملة لا يشوبها عيب ما. فمستأجر الخزانة من بنك يحوزها حيازة عرضية نيابة عن البنك ولكنه هو وحده الذي يحوز فراغها ويحوزه حيازة كاملة، ومن ثم كان هو وحده الذي يحوز محتوياتها. والحكم لا يتغير أياً كان السبب في الحيازة العرضية لذات الخزانة، فسواء كان هذا السبب إيجاراً أو وديعة فالحكم واحد. ذلك أن تسلم مفاتيح الخزانة يمكن المتسلم فعلاً من التسلط على فراغها واستعماله، ويكفى هذا وحده في اعتباره حائزاً لهذا الفراغ. ومن ثم لا يصح البتة أن يستنتج من كون حيازة الخزانة عرضية أو غامضة أن حيازة محتوياتها عرضية أو غامضة كذلك، إذ لا تلازم بين الحيازتين. وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد وصف حيازة مورثة الطاعن بأنها عرضية وغامضة استناداً إلى وقائع يمتنع عقلاً وقانوناً أن تؤدى، على فرض صحتها، إلى النتيجة التي انتهى إليها.
ثانياً - لأنه ذهب إلى أن حيازة مورثة الطاعن لمحتويات الخزانة لم تكن حيازة مادية فعلية، معتمداً في ذلك من جهة على أن حيازة المفاتيح ليست دليلاً قاطعاً في ذاتها على حيازة الخزانة حيازة مادية غير مشوبة أسوة بما تقرر من أن حيازة تذكرة النقل (بوليصة سكة الحديد) ليست من قبيل وضع اليد الحقيقي الذي يعتبر سنداً لملكية المنقول، ومن جهة أخرى على أن الخزانة لم تكن في الدور الثالث الذي كانت تقطنه المورثة بل في الدور الأسفل المخصص لإدارة تركة المرحوم عبد المجيد عثمان البارودي، وهى موضوعة في حجرة كان مفتاحها مع غير المورثة المذكورة. ويقول الطاعن إن قياس مفاتيح الخزانة على تذاكر النقل بسكة الحديد (بوالص الشحن) هو قياس مع الفارق، لأنه ليس لمن بيده تذكرة النقل سلطان فعلى على البضاعة المنقولة، في حين أن من بيده مفاتيح الخزانة له على محتوياتها سلطان فعلى لا سبيل إلى إنكاره. ولا أدل على ذلك من أن الشارع قد اعتبر تسليم المفاتيح دليلاً على نقل الحيازة. فقد نص في المادة 271 من القانون المدني على أن تسليم المبيع عبارة عن وضعه تحت تصرف المشترى بحيث يمكنه وضع يده عليه والانتفاع به بدون مانع، أي إنه عبارة عن نقل حيازته. ونص في المادة 272 من القانون المدني على أن تسليم المنقولات المبيعة يكون بتسليم مفاتيح المخازن الموضوعة بها. ويقول الطاعن أيضاً إن واقعة وجود الخزانة في دور مخصص لإدارة تركة المرحوم عبد المجيد عثمان البارودي هي واقعة لم يقم عليها دليل ما. وبذا يكون الحكم المطعون فيه إذ وصف حيازة مورثة الطاعن بأنها غير فعلية إنما استند إلى سببين أولهما لا ينتج هذا الوصف عقلاً ولا قانوناً، والآخر لم يقم عليه دليل في الدعوى.
ثالثاً - لأنه قضى بملكية محتويات الخزانة للمطعون ضدهما على اعتبار أن مورثتهما المرحومة السيدة نقية كانت هي الحائزة للخزانة، في حين أن الثابت من مستندات الدعوى ومن ذات الحكم المطعون فيه أن السيدة نقية لم يكن في استطاعتها أن تصل إلى ما كانت تحتويه الخزانة لأن مفتاحها لم يكن في يدها، وفى حين أن السيدة نقية حددت أول الأمر مدعاها في محتويات الخزانة بقدر معلوم ثم لما علمت بحقيقة هذه المحتويات من محضر الحجز الموقع في 28 من ديسمبر سنة 1939 ادعت أنها جميعها ملك لها، والعبرة بداهة بالادعاء الأول. على أن الواقع في الدعوى أنه لم يقم دليل على أى من الادعاءين.
وحيث إن مبنى السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه قد شاب تسبيبه أنه: أولا - استند إلى واقعة غير صحيحة توهمها هي أن عمدة جرجا إذ عثر على مفاتيح الخزانة بحجرة نوم مورثة الطاعن وجد معها ختم السيدة نقية مورثة المطعون ضدهما. ثانياً - قال إن التحقيق قد ثبت منه بجلاء أن محتويات الخزانة ملك للسيدة نقية وابنها عبد الوهاب من غير أن يبين طريق هذا الثبوت. ثالثاً - تناقض في وصف أقوال السيدة نقية أمام معاون الإدارة فوصفها تارة بأنها إقرار لا يجوز تجزئته ووصفها تارة أخرى بأنها ليست إقراراً. رابعاً - لم يرد على دلالة ختم الخزانة بعد إغلاق مسكن مورثة الطاعن في حضور المطعون ضدهما وأمهما دون اعتراض منهم مما يفيد أنهم مسلمون بأن الخزانة كانت في حيازة المتوفاة. خامساً - تأثر الحكم بما صور به الطاعن من أنه كان متهالكاً على تركة مورثته.
وحيث إن الحيازة لا تعتبر سنداً للملك في المنقول وفق ما هو مقرر في المادتين 607 و608 من القانون المدني إلا إذا كانت فعلية بنية التملك بريئة من شائبة الغموض واللبس. وهى لا تكون فعلية إلا إذا ترتب عليها وجود الشيء المحوز في مكنة الحائز وتحت تصرفه، ولا تكون بنية التملك إلا إذا كان الحائز أصيلا يحوز لنفسه لا لغيره، ولا تكون بريئة من اللبس والغموض إلا حيث تخلص ليد واحدة لا تخالطها يد سواها مخالطة تثير الشك في انفرادها بالتسلط على الشيء والتصرف فيه.
وحيث إن الطاعن إذا ادعى أن مورثته كانت حائزة لمفاتيح الخزانة، وأنها كانت تبعاً لذلك حائزة لمحتوياتها المتنازع عليها، إنما اعتمد على أن هذه المفاتيح وجدت ملقاة تحت دولاب في مسكن مورثته. وإذ قرر الحكم المطعون فيه أن حيازة مورثة الطاعن لمفاتيح الخزانة على هذا النحو لم ترتب لها على محتويات الخزانة حيازة فعلية قال في ذلك "بما أن حيازة المفاتيح ليست دليلاً قاطعاً في ذاتها على حيازة الخزانة حيازة مادية أسوة بما تقرر من أن حيازة تذاكر النقل بالسكة الحديد (بوالص الشحن) ليست من قبيل وضع اليد الحقيقي الذي يعتبر سنداً على ملكية المنقول، سيما إذا تبين أن الخزانة لم تكن في الدور الثالث الذي تقطنه المورثة بل في الدور الأسفل المخصص لإدارة تركة المرحوم عبد المجيد عثمان البارودي، وهي موضوعة في حجرة خاصة مفتاحها مع غير السيدة إحسان، فلا سبيل لها إلى هذه الخزانة إلا بعد فتح تلك الحجرة التي لا تحمل مفتاحها، بدليل ما ثبت في محضر العمدة المحرر يوم الوفاة بتاريخ 19 نوفمبر سنة 1939 من أن الخزانة شمعت واستلمها راضي أفندي البارودي شيخ البلد المختص وأقفلت عليها المندرة التي وجدت بها بالمفتاح، مما يشير إلى أن الحيازة المادية الفعلية لم تكن للسيدة إحسان، كما زعم المستأنف".
وحيث إن هذا الجزء من الحكم لم يرد عليه مما جاء في تقرير الطعن إلا قول الطاعن إن الحكم قد أخطأ إذ قاس حيازة حامل مفاتيح الخزانة على حيازة حامل تذكرة النقل مع قيام الفارق بين الحيازتين، وقوله إن الحكم أخطأ أيضاً إذ استدل بواقعة وجود الخزانة في غرفة بالدور الأرضي مخصصة لإدارة تركة عبد المجيد البارودي في حين أن هذه الواقعة لا سند لها من الأوراق. والقول الأول مردود بأن مفتاح الخزانة يشبه تذكرة النقل من حيث إن كلاً منهما يجعل حامله حائزاً حيازة رمزية لمنقول ليس في يده فعلاً، وتشابه الحالتين في هذا الوجه، وهو بالذات الذي رمى إليه الحكم، يجعل قياس إحدى الحالتين على الأخرى قياساً سليما لا يقدح فيه اختلافهما في وجوه أخرى، إذ ليس شرطاً لصحة القياس أن يتفق المقيس والمقيس عليه من جميع الوجوه. والقول الثاني مردود كذلك بأن الثابت في أوراق الدعوى أن مسكن مورثة الطاعن كان قاصراً على الطابق الثالث من منزل عائلتها، وأن الخزانة وجدت بالطابق الأول. وهذا هو جوهر ما استدل به الحكم على أن الخزانة ذاتها لم تكن في حيازة المتوفاة، اعتباراً بأنها كانت في غرفة ليست داخلة فيما تناوله سكن المتوفاة. أما كون هذه الغرفة مخصصة لإدارة التركة - كما قدر الحكم دون أن يعتمد في ذلك على دليل من الأوراق - أو لم تكن مخصصة، فذلك لا يؤثر في سلامة استدلاله.
وحيث إن كون الشيء واقعاً فعلا في حوزة من يدعى حيازته أو غير واقع فيها هو أمر موضوعي يحصله قاضي الموضوع في كل دعوى مما توافر فيها من دلائل. وإذا كان القانون قد نص في باب البيع على أن تسليم المنقولات المبيعة يصح أن يتم بتسليم مفاتيح المخازن الموضوعة فيها، فإن هذا النص لا يعنى أن من يحمل مفتاحاً لخزانة يكون ولا بد حائزاً فعلاً لمحتوياتها. لأن حمل المفتاح لا يلزم عنه حتماً أن حامله مسلط على الخزانة مستأثر بالتصرف في فراغها. ومن ثم كانت العبرة في كل دعوى بظروفها الواقعية، فحيث تدل هذه الظروف عل أن حامل مفتاح الخزانة كان متسلطاً فعلاً على ما فيها جاز اعتباره حائزاً وإلا فلا. وما يراه قاضى الموضوع في هذا الشأن هو رأى في مسألة واقعية يستقل هو بتقديرها ولا يخضع قضاؤه فيها لرقابة محكمة النقض.
وحيث إنه لما كان ذلك كذلك، وكان الحكم المطعون فيه إذ قرر أن مورثة الطاعن لم تكن لها حيازة فعلية على محتويات الخزانة قد أورد عناصر واقعية صحيحة من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإن قضاءه يكون بعيداً عن رقابة هذه المحكمة. ومن ثم كان الوجه الثاني من السبب الثاني لا محل له. ولا اعتداد بعد هذا بما جاء في السبب الأول من أسباب الطعن، لأنه وقد ثبت لمحكمة الاستئناف أن وجود مفاتيح الخزانة في مسكن مورثة الطاعن لم يرتب لها حيازة فعلية على محتويات الخزانة، فإنه ما كان في وسعها إلا أن تؤيد حكم الإحالة على التحقيق اعتباراً بأن الحيازة التي ادعاها الطاعن لمورثته لم تكن متصفة بصفة الفعلية التي لا بد منها لتنهض الحيازة وحدها دليلاً على الملك.
وحيث إنه متى كانت محكمة الموضوع قد قررت في حدود سلطتها أن مورثة الطاعن لم يكن لها حيازة فعلية على محتويات الخزانة، فإنها بذلك تكون قد أثبتت أن الحيازة بشروطها القانونية غير متوافرة لمورثة الطاعن. وهذا كاف لتبرير قضائها. ومن ثم كانت إثارة المناقشة في باقي شروط الحيازة غير مجدية. وبذلك تكون أوجه الطعن التي وردت في هذا الخصوص - وهى الوجه الأول من السبب الثاني والوجهين الأول والثالث من السبب الثالث - غير منتجة.
وحيث إنه لما كانت الدعوى مقامة من الطاعن وحده بملكية مورثته للخزانة وما فيها، ولم تكن السيدة نقية ووالدها إلا مدعى عليهم، وقد قضى الحكم برفض دعوى الطاعن مقيما قضاءه على أسباب كافية لحمله، فإن ما جاء فيه بعد ذلك عن ملكية السيدة نقية وولديها أو حيازتهم للخزانة وما فيها ليس إلا استطراداً زائداً على الحاجة. ومن ثم يكون الوجه الثالث من السبب الثاني والوجه الثاني من السبب الثالث الواقعان على هذا الاستطراد غير منتجين أيضاً.


(1) تقابل هاتين المادتين في القانون الجديد الفقرتان الأولى والثالثة من المادة 976.
 (2)ذكرت الفقرة الثانية من المادة 949 من القانون الجديد العيوب التي تعدم أثر الحيازة ومنها عيب اللبس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق