جلسة 30 من ابريل سنة 1986
برياسة السيد المستشار: محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة المستشارين: محمد ممدوح سالم ومحمد رفيق البسطويسي ومحمود بهي الدين عبد
الله نواب رئيس المحكمة وفتحي خليفة.
------------------
(104)
الطعن 6733 لسنة 54 ق
(1) نيابة عامة . طعن " ما يجوز الطعن
فيه من الأحكام ". دعوى مدنية .
لا يجوز للنيابة العامة الطعن في الحكم الصادر في الدعوى المدنية علة
ذلك
(2) معارضة . دعوى مدنية . دعوى جنائية . نقض
" حالات الطعن . الخطأ في القانون ".
عدم قبول المعارضة من المدعى بالحقوق المدنية في الدعوى المدنية .
التابعة للدعوي الجنائية . مخالفة ذلك خطأ في القانون أساس ذلك.
(3) دعوى مدنية . دعوى جنائية . إثبات "
قوة الأمر المقضي ". نظام عام . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب ".
قوة الأمر المقضي للحكم الجنائي للأحكام الباتة . أثرها : اعتباره
عنوانا للحقيقة وحجة على الكافة بما لا يقبل مناقشة المراكز القانونية التي استقرت
به .
إعمال قوة الأمر المقضي للحكم الجنائي . واجب علي المحكمة من تلقاء
نفسها لتعلق الحجيه بالنظام العام . مثال.
(4) شيك بدون رصيد . جريمة " أركانها
". عقوبة "تطبيقها". باعث . حكم " تسبيبه . تسبيب معيب ".
مسئولية جنائية .
إعطاء الشيك من الساحب إلى المستفيد يتحقق به معني طرحه للتداول
وتنعطف بذلك الحماية القانونية لجريمة إعطاء شيك بدون رصيد باعتباره أداة وفاء
كالنقود دون اعتداد بالأسباب التي دعت إلى إصداره بحسبانها من قبيل البواعث التي
لا تؤثر علي قيام المسئولية الجنائية
--------------------
1 - من المقرر أنه ولئن كانت النيابة العامة، هي الخصم الوحيد للمتهم
في الدعوى الجنائية، إلا أنها ليست خصماً ألبته في الدعوى المدنية ولا شأن لها
بها، ومن ثم فإن جاز لها الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الجنائية، فلا يجوز لها
ذلك بالنسبة للحكم الصادر في الدعوى المدنية.
2 - حيث أن الشارع إذ نص في المادة 399 من
قانون الإجراءات الجنائية على أنه لا تقبل المعارضة من المدعي بالحقوق المدنية،
فقد دل بذلك صراحة، على أن الحكم في الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية، يكون
دائماً بمثابة الحكم الحضوري قبل المدعي بالحقوق المدنية، ومن ثم لا يحق له الطعن
فيه بالمعارضة أسوة بالأحكام الحضورية، يستوي في ذلك أن تكون المعارضة أمام محكمة
أول درجة أم أمام محكمة ثاني درجة، لما كان ذلك، وكان البين من الحكم المطعون فيه
أنه قبل معارضة المدعي بالحقوق المدنية في الحكم الغيابي الاستئنافي وألزم الطاعنة
بالتعويض، فإنه يكون قد خالف القانون، ولما كان الخطأ الذي انبنى عليه الحكم لا
يخضع لأي تقدير موضوعي، ما دامت محكمة الموضوع قالت كلمتها فيه، فإنه يتعين عملاً
بمقتضى المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر به
القانون رقم 57 لسنة 1959 نقض الحكم المطعون فيه - في هذا الصدد - والقضاء بعدم
قبول المعارضة من المدعي بالحقوق المدنية في الحكم الغيابي الاستئنافي القاضي برفض
الدعوى المدنية، مع إلزامه المصاريف المدنية.
3 - من المقرر بنص المادتين 454، 455 من
قانون الإجراءات الجنائية، أن قوة الأمر المقضي، للحكم الجنائي، سواء أمام المحكمة
الجنائية أم أمام المحاكم المدنية، لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد صيرورتها
باتة، وأن الحكم متى صار كذلك أصبح عنواناً للحقيقة، فلا يصح النيل منه، ولا
مناقشة المراكز القانونية التي استقرت به، ويضحى الحكم بذلك حجة على الكافة، حجية
متعلقة بالنظام العام، بما يوجب على المحاكم إعمال مقتضى هذه الحجية، ولو من تلقاء
نفسها. وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فعاد من بعد تبرئة
المتهمة في الجنحة ......... الأزبكية من تهمتي النصب والتبديد، وصيرورة الحكم
باتاً قبلها، ليقرر من جديد أنها ارتكبت جريمة التبديد تلك، فإنه يكون قد خالف
القانون بما يعيبه.
4 - إن مجرد إعطاء الشيك من الساحب إلى
المستفيد يتحقق به معنى طرحه للتداول فإذا تبين أن ليس له رصيد قائم وقابل للسحب،
أو كان الرصيد أقل من قيمته، أو سحب مصدره كل أو بعض رصيده بحيث يصبح الباقي لا
يفي بقيمة الشيك مع العلم بذلك، أو أمر المسحوب عليه بعدم دفع قيمته، قامت الجريمة
المنصوص عليها في المادة 337 من قانون العقوبات، إذ تنعطف بهذا الطرح للتداول،
الحماية القانونية التي أسبغها الشارع، بالعقاب على هذه الجريمة، باعتبار أن الشيك
أداة وفاء تجري مجرى النقود في المعاملات وأن الوفاء به، كالوفاء بالنقود سواء
بسواء، وذلك صوناً لهذه الورقة، وحماية لها عند قبولها في التداول، وأنه لا عبرة
بعد ذلك بالأسباب التي دعت ساحب الشيك إلى إصداره، إذ لا أثر لها على طبيعته، وتعد
من قبيل البواعث التي لا تأثير لها على قيام المسئولية الجنائية التي لم يستلزم
الشارع لتوافرها نية خاصة.
-------------
الوقائع
أقامت المدعية بالحقوق المدنية (الطاعنة) دعواها بطريق الادعاء
المباشر أمام محكمة جنح الأزبكية ضد ..... (المطعون ضده) بوصف أنه: أصدر لها شيكاً
بدون رصيد قيمته مائتي وخمسين ألف دولار وتحرر عن هذه الواقعة الجنحة رقم 2425
لسنة 1979 جنح الأزبكية وطلبت معاقبته بالمادة 337 من قانون العقوبات وإلزامه بأن
يؤدي لها مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت وأقام المدعى عليه في
هذه الجنحة - المطعون ضده - الدعوى الجنائية بالطريق المباشر ضد المدعية بالحقوق
المدنية - الطاعنة - لأنها في ذات التاريخ حصلت على الشيك المذكور بطريق النصب
والتبديد وتحرر عن هذه الواقعة الجنحة رقم 5332 لسنة 1979 جنح الأزبكية - وطلب
معاقبتها بالمادة 336 من قانون العقوبات مع إلزامها بأن تؤدي له مبلغ واحد وخمسين
جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. وبجلسة ..... أمرت محكمة جنح الأزبكية بضم
الدعويين معا للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً
عملاً بمادتي الاتهام: أولاً: في الدعوى رقم 2425 لسنة 1979 جنح الأزبكية ببراءة
المتهم .... مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية. ثانياً: في الدعوى رقم 5332 لسنة
1979 جنح الأزبكية بحبس المتهمة ..... ستة أشهر مع الشغل وكفالة مائة جنيه لإيقاف
التنفيذ وإلزامها بأن تؤدي للمدعي بالحق المدني في هذه الدعوى مبلغ واحد وخمسين
جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. استأنفت الطاعنة .... الحكم الصادر ضدها في
الجنحة رقم 5332 لسنة 1979 واستأنفت النيابة العامة الحكم الصادر ببراءة - المطعون
ضده - .... في الجنحة رقم 2425 لسنة 1979، كما استأنفت أيضاً الطاعنة ...... الحكم
برفض الدعوى المدنية المقامة ضده ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية "بهيئة
استئنافية" قضت ..... (أولاً) في الجنحة رقم 5332 لسنة 1979 الأزبكية حضوريا
ببراءة ........ مما أسند إليها وبرفض الدعوى المدنية المقامة عليها. (ثانياً) في
الجنحة رقم .... غيابياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بإجماع الآراء
بإلغاء الحكم المستأنف - وبحبس المتهم سنتين مع الشغل والنفاذ وألزمته بأن يدفع
للمدعية بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت عارض
المحكوم عليه، وقضي في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع (أولاً) في الجنحة رقم
2435 لسنة 1979 جنح الأزبكية بإلغاء الحكم المعارض فيه والقضاء ببراءة المتهم
..... ورفض الدعوى المدنية. (ثانياً) في الجنحة رقم 5332 لسنة 1979 الأزبكية
بإلزام المدعى عليها ..... بأن تؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً
على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن الأستاذ ..... المحامي نيابة عن المدعية بالحق المدني في هذا
الحكم بطريق النقض، كما طعنت النيابة العامة في هذا الحكم... إلخ.
---------------
المحكمة
أولا: عن الطعن المقدم من النيابة العامة والمدعى عليها بالحقوق
المدنية في الحكم الصادر في الجنحة رقم 5332 لسنة 1979 الأزبكية:
من حيث أن مما تنعاه النيابة العامة والمدعى عليها بالحقوق المدنية
على الحكم المطعون فيه الصادر في الجنحة رقم 5332 لسنة 1979 الأزبكية, أنه إذ قبل
معارضة المدعي بالحقوق المدنية في الحكم الغيابي الاستئنافي وألزم المدعى عليها
بالتعويض, قد خالف نص المادة 399 من قانون الإجراءات الجنائية, مما يعيبه ويوجب
تصحيحه.
ومن حيث أنه ولئن كانت النيابة العامة, هي الخصم الوحيد للمتهم في
الدعوى الجنائية, إلا أنها ليست خصما ألبته في الدعوى المدنية ولا شأن لها بها,
ومن ثم فإن جاز لها الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الجنائية, فلا يجوز لها ذلك
بالنسبة للحكم الصادر في الدعوى المدنية. لما كان ذلك, وكان طعن النيابة العامة
واردا على الحكم الصادر في الدعوى المدنية, فإن طعنها يكون غير مقبول لانعدام
صفتها في ذلك.
ومن حيث أن طعن المدعى عليها بالحقوق المدنية قد استوفى الشكل المقرر
في القانون ومن حيث أن الشارع إذ نص في المادة 399 من قانون الإجراءات الجنائية
على أنه لا تقبل المعارضة من المدعي بالحقوق المدنية, فقد دل ذلك صراحة, على أن
الحكم في الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية, يكون دائما بمثابة الحكم
الحضوري قبل المدعي بالحقوق المدنية, ومن ثم لا يحق له الطعن فيه بالمعارضة أسوة
بالأحكام الحضورية, يستوي في ذلك أن تكون المعارضة أمام محكمة أول درجة أم أمام
محكمة ثاني درجة. لما كان ذلك, وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه قبل معارضة
المدعي بالحقوق المدنية في الحكم الغيابي الاستئنافي وألزم الطاعنة بالتعويض, فإنه
يكون قد خالف القانون, ولما كان الخطأ الذي انبنى عليه الحكم لا يخضع لأي تقدير
موضوعي. ما دامت محكمة الموضوع قالت كلمتها فيه, فإنه يتعين عملا بمقتضى المادة 39
من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر به القانون رقم 57 لسنة 1959
نقض الحكم المطعون فيه - في هذا الصدد - والقضاء بعدم قبول المعارضة من المدعي
بالحقوق المدنية في الحكم الغيابي الاستئنافي القاضي برفض الدعوى المدنية مع
إلزامه المصاريف المدنية.
(ثانيا): عن الطعن المقدم من النيابة العامة والمدعية الحقوق المدنية
في الحكم الصادر في الجنحة رقم 2425 لسنة 1979 الأزبكية:
من حيث أن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث أن النيابة العامة والمدعية بالحقوق المدنية تنعيان على الحكم
المطعون فيه الصادر في الجنحة رقم 2425 لسنة 1979 الأزبكية - كل فيما يخص دعواه -
أنه إذ قضى بتبرئة المطعون ضده، من تهمة إصدار شيك بدون رصيد ورفض الدعوى المدنية.
قد انطوى على خطأ في القانون, ذلك بأنه أقام قضاءه ذلك, على سند من أن الشيك محل
الجريمة. ليس إلا أداة ائتمان. وكان مودعا على سبيل الرهن لدى المدعية بالحقوق
المدنية, كضمان لمعاملة بينهما, في حين أن ذلك من البواعث على إصدار الشيك التي لا
تأثير لها على المسئولية الجنائية. بعد أن أثبت الحكم في مدوناته استيفاء الشيك
مقوماته الشكلية وأنه مستحق الأداء بمجرد الاطلاع عليه, كما نعت المدعية بالحقوق
المدنية على الحكم, أنه إذ قرر في مدوناته أنها تحصلت عليه عن طريق جريمة تبديد
فقد خالف حجية الحكم البات الصادر في الجنحة 5332 لسنة 1979 التي أقامها المطعون
ضده قبلها بالطريق المباشر, والذي قضى تبرئتها من تلك الجريمة مما يعيبه ويستوجب
نقضه.
ومن حيث أنه يبين من الأوراق أن المطعون ضده أقام الدعوى الجنائية
بطريق الادعاء المباشر في الجنحة رقم 5332 لسنة 1979 الأزبكية, قبل المدعية
بالحقوق المدنية في الجنحة رقم 2425 لسنة 1979 الأزبكية, بوصف أنها بددت وحصلت على
الشيك محل دعواها آنفة الذكر, بطريق التبديد والنصب، وقد حكم حضوريا من محكمة ثاني
درجة بإلغاء الحكم القاضي بإدانتها وبراءتها من تهمتي التبديد والنصب ولم تطعن
النيابة العامة في هذا الحكم, وفات ميعاد الطعن فيه. فأضحى بذلك باتا. لما كان
ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه بالبراءة ورفض الدعوى
المدنية في الجنحة 2425 لسنة 1979 الأزبكية, على سند من أن الشيك - ورغم إثباته في
مدوناته أنه مستوفى شرائطه الكلية - قد سلمه المطعون ضده إلى المدعية بالحقوق
المدنية, كأداة ائتمان ورهن لحين قيامه بتسليمها خطاب ضمان بمبلغ يوازي قيمة
الشيك, وبشرط الوفاء بالتزامها, إلا أنها لم تتمهل لحين تسلم خطاب الضمان وتنفيذ
التزامها, وأقامت عليه الدعوى بالطريق المباشر, وأن تصرفها ذاك يفيد أنها خانت
الأمانة بالنسبة للشيك وتحصلت عليه عن طريق تبديدها إياه, فيكون للساحب الحق في أن
يتخذ من جانبه إجراء يصون به حقه من الضياع دون توقف على حكم القضاء, ومن ثم كان
أن أمر البنك بعدم صرف الشيك للمدعية بالحقوق المدنية, وإن مسلكه هذا لا جريمة فيه
وأنه لا عبرة في ذلك بما قضى به الحكم في الجنحة رقم 5332 لسنة 1979 الأزبكية من
براءة المتهمة فيها - وهي المدعية بالحقوق المدنية في الجنحة 2425 لسنة 1979
الأزبكية - من تهمتي التبديد والنصب بالنسبة للشيك ذاك. لانتفاء الحجية، باختلاف
الموضوع والسبب في كلتا الدعويين. لما كان ذلك, وكان من المقرر بنص المادتين 454,
455 من قانون الإجراءات الجنائية. أن قوة الأمر المقضي, للحكم الجنائي, سواء أمام
المحكمة الجنائية أم أمام المحاكم المدنية لا تكون إلا للأحكام النهائية بعد
صيرورتها باتة, وأن الحكم متى صار كذلك أصبح عنوانا للحقيقة, فلا يصح النيل منه،
ولا مناقشة المراكز القانونية التي استقرت به ويضحى الحكم بذلك حجة على الكافة,
حجية متعلقة بالنظام العام, بما يوجب على المحاكم إعمال مقتضى هذه الحجية, ولو من
تلقاء نفسها. وإذ كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فعاد من بعد
تبرئة المتهمة في الجنحة رقم 5332 لسنة 1979 الأزبكية من تهمتي النصب والتبديد،
وصيرورة الحكم باتا قبلها، ليقرر من جديد أنها ارتكبت جريمة التبديد تلك, فإنه
يكون قد خالف القانون بما يعيبه. لما كان ذلك, وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على
أن مجرد إعطاء الشيك من الساحب إلى المستفيد يتحقق به معنى طرحه للتداول, فإذا
تبين أن ليس له رصيد قائم وقابل للسحب أو كان الرصيد أقل من قيمته, أو سحب مصدره
كل أو بعض رصيده بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك, مع العلم بذلك, أو أمر
المسحوب عليه بعدم دفع قيمته قامت الجريمة المنصوص عليها في المادة 337 من قانون
العقوبات. إذ تنعطف بهذا الطرح للتداول, الحماية القانونية التي أسبغها الشارع,
بالعقاب إلى هذه الجريمة باعتبار أن الشيك أداه وفاء تجري مجرى النقود في
المعاملات وأن الوفاء به, كالوفاء بالنقود سواء بسواء, وذلك صونا لهده الورقة,
وحماية لها عند قبولها في التداول, وأنه لا عبرة بعد ذلك بالأسباب التي دعت ساحب
الشيك إلى إصداره, إذ لا أثر لها على طبيعته, وتعد من قبيل البواعث التي لا تأثير
لها على قيام المسئولية الجنائية التي لم يستلزم الشارع لتوافرها نية خاصة. لما
كان ذلك, وكان ما قام عليه دفاع المطعون ضده من أنه أصدر الشيك إلى المدعية
بالحقوق المدنية ضمانا لمعاملات بينهما على سبيل عقد من عقود الأمانة وأنه ليس
أداة وفاء, وأن تقديمه لاستلام قيمته يعد تبديدا يحق له معه الأمر بعدم صرفه, لا
يدخل - في خصوصية الدعوى الماثلة - وبعد أن إنحسمت قاله الحصول على الشيك بطريق
التبديد أو النصب من قبل المستفيد على السياق المتقدم - في حالات الاستثناء التي
تندرج تحت مفهوم حالة ضياع الشيك وهي الحالات التي يتحصل فيها على الشيك عن طريق
إحدى جرائم سلب المال كالسرقة والنصب والتبديد والحصول عليه بطريق التهديد, مادام
أن المتهم لا ينازع في إصدار الشيك للمدعية بالحقوق المدنية, وقد انحصرت مجادلته
في السبب الذي أصدر من أجله الشيك, ومن ثم وقد أثبت الحكم المطعون فيه استيفاء
الشيك مقوماته الشكلية, فإن دعوى المتهم تتمحص دفاعا قانونيا ظاهر البطلان فلا
يؤبه به. ولما كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر, فإنه يكون قد تعيب بالخطأ
في القانون بما يوجب نقضه فيما قضى به في الدعويين الجنائية والمدنية والإعادة, مع
إلزام المطعون ضده (المدعي بالحقوق المدنية) المصاريف المدنية, وذلك دون حاجة لبحث
سائر وجوه الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق