جلسة 29 من ابريل سنة 1986
برياسة السيد المستشار: فوزي أحمد المملوك نائب رئيس المحكمة وعضوية
السادة المستشارين: محمد عبد الرحيم نافع نائب رئيس المحكمة ومحمود البارودي ومحمد
أحمد حسن ومحمود رضوان.
-------------------
(103)
الطعن 2496 لسنة 56 ق
(1) إجراءات "إجراءات التحقيق". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
تعييب الإجراءات السابقة علي المحاكمة لا
يصح أن يكون سببا للطعن علي الحكم.
(2) أسباب الاباحة وموانع العقاب "الدفاع الشرعي". دفاع شرعي . نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
إثارة الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي
لأول مرة أمام النقض غير جائز . ما لم تكن مدونات الحكم ترشح لها.
(3) محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " . اثبات "بوجه عام". حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب ".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى .
حق لمحكمة الموضوع .
(4) اثبات "خبرة". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل" .
لمحكمة الموضوع تقدير القوة التدليلية
لتقارير الخبراء والجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره.
(5) اثبات "بوجه عام". حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل" " تسبيبه . تسبيب غير معيب ". نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
أخذ الحكم بدليل احتمالي غير قادح فيه .
ما دام قد أسس الإدانة علي اليقين
(6) اثبات "بوجه عام". حكم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل" . نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم ما لم
يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة . مثال .
(7) دفاع " الاخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره" .محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل" .اثبات "شهود". حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب ".
لمحكمة الموضوع الأخذ بما ترتاح اليه من
الأدلة واطراح ما عداه . لها أن تأخذ بأقوال شهود الاثبات والاعراض عن أقوال شهود
النفي.
(8) ضرب " ضرب أحدث عاهة ". صلح . دعوى جنائية . مسئولية جنائية .
لا أثر للصلح علي جريمة وقعت ولا علي
مسئولية مرتكبها أو علي الدعوي الجنائية المرفوعة بها.
(9) دستور . شريعة اسلامية "تطبيقها ".
النص في الدستور علي أن الشريعة الإسلامية
المصدر الرئيسي للتشريع مفاده : أن تطبيق أحكامها منوط باستجابة الشارع بإفراغ
أحكامها في نصوص تشريعية محددة.
----------------
1 - لما كان تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون
سبباً للطعن على الحكم، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنة أو المدافع
عنها قد أثار أيهما شيئاً عن إفراد صورة من أوراق الدعوى لواقعة تعدي المجني عليها
على الطاعنة، فإنه لا يكون لها أن تثير هذا القول من بعد لأول مرة أمام محكمة
النقض.
2 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن
الطاعنة لم تثر شيئاً عن الدفع بتوفر حالة الدفاع الشرعي، كما أن الواقعة كما
سجلها الحكم لا تتوافر فيها تلك الحالة ولا ترشح لقيامها، فإنه لا يقبل من الطاعنة
إثارة هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع
الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى
حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما عداها من صور أخرى لم تقتنع بها ما دام
استخلاصها سائغاً ومقبولاً.
4 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل
فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية
في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل
ولها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير ما دامت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها
وأكدته لديها.
5 - إن أخذ الحكم بدليل احتمالي غير قادح فيه
ما دام قد أسس الإدانة على اليقين، مما يصبح معه النعي على الحكم في هذا الصدد غير
مقبول.
6 - من المقرر أن الخطأ في الإسناد - بفرض
وقوعه - لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة فإنه لا
يجدي الطاعنة ما تنعاه على الحكم أنه أورد عند تحصيله لواقعة الدعوى أن الشجار بدأ
بمشادة بينها وبين المجني عليها في حين أن أساس الواقعة كان مشاحنة بين زوجها
والمجني عليها، إذ أن ذلك بفرض صحته لم يكن قوام جوهر الواقعة وليس بذي أثر في
منطق الحكم ولا في النتيجة التي انتهى إليها.
7 - حق محكمة الموضوع أن تأخذ بما ترتاح إليه
من الأدلة وأن تطرح ما عداه ولها أن تأخذ بأقوال شهود الإثبات وأن تعرض عن أقوال
شهود النفي ما دامت لا تثق فيما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم
طالما لم تستند إليها في قضائها، وأن في تساندها إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما
يدل على أنها لا تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فأطرحتها.
8 - من المقرر أنه لا أثر للصلح على الجريمة
التي وقعت ولا على مسئولية مرتكبها أو على الدعوى الجنائية المرفوعة بها.
9 - إن ما تضمنه الدستور من نص على أن مبادئ
الشريعة الإسلامية تعتبر مصدراً رئيسياً للتشريع لا يفيد وجوب تطبيق هذه الأحكام
إلا باستجابة المشرع وتدخل منه لإفراغ هذه الأحكام في نصوص تشريعية محددة ومنضبطة
تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ.
------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها: ضربت .... بقبضة يدها في عينها
اليمنى فأحدثت بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديها من
جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد إبصار هذه العين والتي تقدر بحوالي 35%
(خمسة وثلاثون في المائة) وأحالتها إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها طبقاً للقيد
والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمادة
240/1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمة بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة.
فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
-------------
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنة بجريمة ضرب
نشأت عنه عاهة مستديمة فقد شابه بطلان في الإجراءات وفساد في الاستدلال وقصور في
التسبيب فضلا عن الإخلال بحق الدفاع, ذلك بأن الحكم المطعون فيه قد دانها دون أن
تفطن المحكمة إلى أن النيابة بنسخها صورة من الأوراق وتخصيصها لواقعة اعتداء
المجني عليها على الطاعنة قد أخلت بقواعد الارتباط وفوتت على المحكمة بحث الواقعة
بكامل أبعادها وظروفها, مما حال بينها وبين تبين توافر حالة الدفاع الشرعي لصالح
الطاعنة, كما أن الحكم أخطأ في تحصيل الواقعة حيث أورد أن التماسك بدأ بين المجني
عليها والطاعنة في حين أن الشجار بدأ في صورة مشادة بين المجني عليها وزوج الطاعنة
مما ينبئ عن اختلاف فكرة الواقعة لدى المحكمة بما كان له من أثر على عقيدة الإدانة
لديها, هذا إلى أن الحكم عول على ما ورد بالتقرير الطبي الشرعي الذي تساند إلى
مذكرة النيابة في كيفية حدوث إصابة المجني عليها رغم ما تضمنه من تصويرين للحادث
وعدم إفصاحه عن ترجيح أحدهما, كما أن الطبيب الشرعي الذي سمع بالجلسة - وعول الحكم
على أقواله - لم يباشر الكشف الطبي على المجني عليها ولم يشارك في وضع التقرير عن
حالتها وهو محدود الخبرة وتنقصه الدراية لحداثة تخرجه وأخيرا فقد التفت الحكم عن
أقوال شاهدي النفي بالتحقيقات وعن حصول صلح بين المجني عليها والطاعنة ودلالته, في
ضوء أحكام الشريعة الإسلامية - وهي المصدر الرئيس في التشريع - التي تجعله بمثابة
عفو أو طلب لحفظ الدعوى مما كان لازمه أن تتصدى له المحكمة وتقول كلمتها فيه, كل
ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحث أن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية لجريمة الضرب الذي نشأت عنه عاهة التي دان الطاعنة بها وأورد
على ثبوتها في حقها أدلة مستمدة من أقوال المجني عليها وشهادة الطبيب الشرعي
والتقرير الطبي الشرعي وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها.
لما كان ذلك, وكان تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سببا
للطعن على الحكم, وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنة أو المدافع عنها
قد أثار أيهما شيئا عن أفراد صورة من أوراق الدعوى لواقعة تعدى المجني عليها على
الطاعنة, فإنه لا يكون لها أن تثير هذا القول من بعد لأول مرة أمام محكمة النقض
هذا إلى أنه لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة كذلك أن الطاعنة لم تثر شيئا عن
الدفع بتوفر حالة الدفاع الشرعي, كما أن الواقعة كما سجلها الحكم لا تتوافر فيها
تلك الحالة ولا ترشح لقيامها فإنه لا يقبل من الطاعنة أيضا إثارة هذا الدفع لأول
مرة أمام محكمة النقض ويكون هذا الوجه من النعي غير مقبول. لما كان ذلك, وكان
لمحكمة الموضوع أن تستخلص من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط
البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما عداها
من صور أخرى لم تقتنع بها ما دام استخلاصها سائغا ومقبولا, وكانت المحكمة قد أفصحت
- أخذا من الأدلة التي اطمأنت إليها والتي لا تمارى الطاعنة في أن لها مصدرها في
الأوراق - عن الصورة التي اقتنعت بها بشأن كيفية بدء الشجار بين المجني عليها
والطاعنة واطمأنت إليها وأطرحت ما عداها مما لم تقتنع استنادا إلى الأدلة التي
اطمأنت إليها والتي لا تمارى الطاعنة في أن لها مصدرها في الأوراق به. فإن النعي
عليها في هذا الشأن يكون ولا محل له. لما كان ذلك, وكان ما يثيره الطاعن من أن
الطبيب الشرعي عول على مذكرة النيابة في كيفية حدوث إصابة المجني عليها رغم ما
تضمنته من تصويرين للحادث وعدم إفصاحه عن ترجيح أحدهما, مردودا بأنه من المقرر أن
تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعة إلى محكمة الموضوع
التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير لتعلق هذا الأمر
بسلطتها في تقدير الدليل ولها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير ما دامت وقائع الدعوى
قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها, وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره, خاصة وأنه استند
في اقتناعه عن كيفية حدوث إصابة المجني عليها من شهادة الطبيب الشرعي بالجلسة,
ولما هو مقرر من أن أخذ الحكم بدليل احتمالي غير قادح فيه ما دام قد أسس الإدانة
على اليقين, مما يصبح معه النعي على الحكم في هذا الصدد غير مقبول. لما كان ذلك,
وكان من المقرر أن الخطأ في الإسناد - بفرض وقوعه - لا يعيب الحكم ما لم يتناول من
الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة فإنه لا يجدي الطاعنة ما تنعاه على الحكم أنه
أورد عند تحصيله لواقعة الدعوى أن الشجار بدأ بمشادة بينها وبين المجني عليها في
حين أن أساس الواقعة كان مشاحنة بين زوجها والمجني عليها, إذ أن ذلك بفرض صحته لم
يكن قوام جوهر الواقعة وليس بذي أثر في منطق الحكم ولا في النتيجة التي انتهى
إليها, ومن ثم فإن هذا الوجه من النعي لا يكون مقبولا. لما كان ذلك, وكان نعي
الطاعن على الحكم المطعون فيه بعدم تعرضه لأقوال شاهدي النفي مدحوضا بأن من حق
محكمة الموضوع أن تأخذ بما ترتاح إليه من الأدلة وأن تطرح ما عداه ولها أن تأخذ
بأقوال شهود الإثبات وأن تعرض عن أقوال شهود النفي ما دامت لا تثق فيما شهدوا به
وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم طالما لم تستند إليها في قضائها, وأن في
تساندها إلى أدلة الثبوت التي أوردتها ما يدل على أنها لا تطمئن إلى أقوال هؤلاء
الشهود فأطرحتها, فإن النعي على الحكم بهذا الوجه يكون غير سديد. لما كان ذلك,
وكان ما تثيره الطاعنة من تعييب للحكم لالتفاته عن مضمون محضر الصلح المقدم منها
ودلالته, فالبادي أنه لا يعدو أن يكون قولا جديدا من المجني عليها يفيد العدول عن
اتهام الطاعنة إلا أنه يناقضه ما أصرت عليه وأكدته بجلسة المحاكمة من أن الطاعنة
هي التي تعدت عليها وأحدثت إصابتها هذا إلى ما هو مقرر من أنه لا أثر للصلح على
الجريمة التي وقعت ولا على مسئولية مرتكبها أو على الدعوى الجنائية المرفوعة بها,
بما يضحى معه هذا الوجه من النعي غير مؤثر. لما كان ذلك, وكان ما تثيره الطاعنة من
أنه كان يتعين مواجهة ما تضمنه هذا المحضر وتقديره في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية
التي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع - والتي تجعله بمثابة عفو فمردود بأن ما تضمنه
الدستور من نص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية تعتبر مصدرا رئيسيا للتشريع لا يفيد
وجوب تطبيق هذه الأحكام إلا باستجابة المشرع وتدخل منه لإفراغ هذه الأحكام في نصوص
تشريعية محددة ومنضبطة تنقلها إلى مجال العمل والتنفيذ ومن ثم يكون هذا الوجه من
النعي ولا سند له. لما كان ما تقدم كله فإن الطعن برمته يكون على غير أساس, متعينا
رفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق