جلسة 25 من أبريل سنة 1963
برياسة السيد المستشار/
الحسيني العوضي, وبحضور السادة المستشارين: محمود توفيق إسماعيل، وأميل جبران،
ولطفي علي، ومحمد ممتاز نصار.
----------------
(84)
الطعنان رقما 459 و471
لسنة 26 القضائية
(أ، ب) نقض "إعلان
الطعن". بطلان. إعلان. "إعلان أوراق المحضرين". تجزئة.
البطلان الذي رتبته
المادة 24 مرافعات جزاء مخالفة ما أوجبته المادة 12 منه من إجراءات، بطلان نسبي لا
يتعلق بالنظام العام. ليس لغير من شرع البطلان لمصلحته التمسك به.
كون موضوع الدعوى غير
قابل التجزئة لا يسمح لغير من شرع البطلان لمصلحته التمسك به. إفادة من صح إعلانه
من البطلان الحاصل في إعلان غيره لا يكون إلا بعد أن يتمسك به صاحب الشأن فيه
وتحكم به المحكمة.
ليس للمحكمة أن تقضي من
تلقاء نفسها ببطلان إعلان من لم يحضر من الخصوم لعيب في الصورة المسلمة إليه خلا
منه الأصل المتقدم إليها.
(ج، د، هـ) دعوى
"إجراءات نظر الدعوى". "تقرير التلخيص".
"مشتملاته". استئناف. بطلان.
وجوب إحالة القضية إلى
جلسة المرافعة بتقرير من قاضي التحضير وتلاوته قبل المرافعة. لا يلزم وضع تقرير
آخر كلما جد جديد في الدعوى. وجوب إعادة تلاوة التقرير من جديد إذا ما تغير أعضاء
المحكمة، إلا أنه لا يشترط أن يكون هذا التقرير من عمل أحد أعضائها.
إغفال تلاوة التقرير قبل
بدء المرافعة وتلاوته بعدها لا يترتب عليه البطلان ما لم يثبت أن أحد الخصوم طلب
التعقيب عليه فمنعته المحكمة.
إحالة تقرير التلخيص على
عريضة الاستئناف ومذكرة الخصوم واعتبارها جزء متمماً له لا يعيب التقرير.
(و) وارث. "التحيل
على أحكام الإرث". إثبات. "طرق الإثبات".
حق الوارث في إثبات إخفاء
عقود البيع الصادرة عن مورثه لوصايا وذلك بكافة طرق الإثبات. إخفاق الطاعنين في
إثبات طعنهم على العقود الصادرة من المورث بأنها تخفي وصايا واعتبار المحكمة إياها
منجزة في حقيقتها وخالصة من التحيل على أحكام الإرث، ليس فيه معنى التحيل على
أحكام الإرث.
(ز، ح) وصية. وارث.
"تصرفات المورث". "الطعن فيها". بيع.
عدم قيام القرينة
القانونية المنصوص عليها في المادة 917 مدني إلا باجتماع شرطين: احتفاظ المتصرف
بحيازة العين وبحقه في الانتفاع بها مدى الحياة لحساب نفسه. انتفاء تلك القرينة
متى كانت الحيازة والاستغلال لحساب الغير.
ضرورة استناد انتفاع
المتصرف بالعين المتصرف فيها إلى حق ثابت لا يستطيع المتصرف إليه تجريده منه.
(ط) إثبات. "عبء
الإثبات". وصية. بيع.
يقع عبء إثبات واقعتي
الحيازة والانتفاع مدى الحياة بالعين المتصرف فيها وهما مناط القرينة القانونية
الواردة بالمادة 917 مدني على عاتق الوارث الطاعن.
(ى) وارث "الطعن في
تصرفات المورث". إثبات. "طرق الإثبات".
الأصل في إقرارات المورث
أنها تعتبر صحيحة وملزمة لورثته حتى يقيموا الدليل على عدم صحتها. لا يكفي مجرد
طعن الورثة في هذه الإقرارات لإهدار حجيتها، بل يجب عليهم إقامة الدليل على عدم
صحتها بأي طريق من طرق الإثبات.
(ك) حكم "عيوب
التدليل". "تناقض". "ما لا يعد كذلك".
قيام الحكم على صدور
التصرفات عن المورث منجزة واستيفائها للشروط التي يتطلبها القانون وصحتها تبعاً
لذلك سواء اعتبرت بيوعاً حقيقية أو هبات مستورة في عقود بيع لا تناقض.
(ل) وكالة " أثار
الوكالة" "علاقة الموكل والوكيل بالغير". صورية.
عدم إفصاح الوكيل عن صفته
في العقود التي يبرمها مع الغير لحساب الموكل لا يؤدي بذاته إلى صورية التوكيل.
تعامل الوكيل باسمه مع الغير لا يغير من علاقته مع موكله، التزام الموكل تبعاً
لعقد الوكالة بتنفيذ ما التزم به الوكيل.
--------------------
1 - إنه وإن أوجبت المادة
12 من قانون المرافعات على المحضر إذا لم يجد المطلوب إعلانه أن يسلم ورقة الإعلان
إلى وكيله أو خادمه أو لمن يكون ساكناً معه من أقاربه أو أصهاره وأن يبين كل ذلك
في حينه بالتفصيل في أصل الإعلان وصورته، ورتبت المادة 24 منه البطلان جزاء على
مخالفة هذه الإجراءات - إلا أن هذا البطلان هو من ضروب البطلان النسبي الغير متعلق
بالنظام العام فلا يملك التمسك به إلا من شرع ذلك البطلان لمصلحته - فإذا وقع
بطلان في إعلان تقرير الطعن إلى أحد المطعون عليهم لخلو الصورة المسلمة إليه من
بيان من البيانات الجوهرية الواجب إثباتها فيها والتي يترتب على إغفالها بطلان هذا
الإعلان فيكون له وحده التمسك بهذا بالبطلان وتقديم دليله الماثل في صورة إعلانه،
وليس لغيره من المطعون عليهم الذين صح إعلانهم أن يتمسك بالبطلان بسبب العيب
اللاحق بتلك الصورة التي لا شأن له بها، وبالتالي فلا يقبل منه تقديم الدليل على
قيام ذلك البطلان. ولا يغير من ذلك أن يكون الموضوع غير قابل للتجزئة، ذلك أنه في
حالة عدم التجزئة فإن إفادة من صح إعلانهم من البطلان الحاصل في إعلان غيرهم من
المطعون عليهم لا يكون إلا بعد أن يثبت هذا البطلان بالطريق الذي يتطلبه القانون
فيتمسك به صاحب الشأن فيه وتحكم به المحكمة وعندئذ فقط يستتبع الحكم ببطلان الطعن
بالنسبة لمن لم يصح إعلانه من المطعون عليهم بطلانه أيضاً بالنسبة للجميع ومن ثم
فلا يسوغ قانوناً للمطعون عليهم الحاضرين التمسك بما يعيب صورة إعلان المطعون
عليهم الغائبين حتى لو صح أن الموضوع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه غير قابل
للتجزئة.
2 - ما أوجبته المادة 95
مرافعات على المحكمة من أن تقضى من تلقاء نفسها ببطلان إعلان من لم يحضر من
المطعون عليهم يستلزم أن يثبت البطلان للمحكمة من أصل ورقة إعلان الخصم الغائب
المقدمة إليها، إذ أنه متى كان لا يجوز لغير الخصم أن يتمسك بالبطلان المترتب على
وجود عيب في الصورة المسلمة إليه فإنه لا يصح بالتالي للمحكمة أن تقضي بالبطلان
استناداً إلى وجود عيب في هذه الصورة خلا منه الأصل المقدم إليها ما دام أن صاحب
هذه الصورة لم يحضر ويقدمها متمسكاً بالبطلان لهذا السبب.
3 - كل ما أوجبه القانون
في المادتين 407 مكرر، 408 من قانون المرافعات هو - على ما جرى به قضاء النقض - أن
يضع العضو المقرر في الدائرة الاستئنافية تقريراً يلخص فيه موضوع الاستئناف وطلبات
الخصوم وأسانيد كل منهم ودفوعهم ودفاعهم وأن يتلى هذا التقرير في الجلسة، ولم
يستلزم القانون وضع تقرير آخر أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة، وأنه إذا ما تغير
بعض أعضاء المحكمة بعد تلاوة التقرير فإنه وإن كان يجب تلاوة التقرير من جديد، إلا
أنه لا يشترط أن يكون التقرير الذي يتلى في هذه الحالة من عمل أحد أعضاء الهيئة
الجديدة بل يكتفي تلاوة التقرير الذي وضعه العضو المقرر الأول. (1)
4 - لما كانت الغاية من
ضرورة حصول تلاوة تقرير التلخيص قبل بدء المرافعة هي تمكين الخصوم ومحاميهم من أن
يتداركوا عند المرافعة ما يكون قد سها عنه التقرير أو أخطأ في عرضه من عناصر
الدعوى، فإن حصول التلاوة بعد انتهاء المرافعة لا يترتب عليه البطلان إلا إذا ثبت
أن أحد الخصوم طلب المرافعة بعد تلاوة التقرير للتعقيب على ما تضمنه وتدارك ما
يكون قد سها عنه أو أخطأ فيه ومنعته المحكمة من ذلك.
5 - إذا كان تقرير
التلخيص قد تضمن بياناً لموضوع الدعوى وطلبات الخصوم ودفوعهم ودفاعهم فيها أمام
محكمة أول درجة وما أصدرته تلك المحكمة في الدعوى من أحكام ثم أحال على عريضة
الاستئناف ومذكرات الخصوم المقدمة في الاستئناف بما احتوته من طلبات ودفاع ودفوع
واعتبرها جزء متمماً له، فإن وضع التقرير على هذا النحو يجعله شاملاً لجميع
البيانات التي أوجبها القانون.
6 - لما كان للوارث الحق
في أن يثبت بكافة طرق الإثبات القانونية أن عقود البيع الصادرة من مورثه تخفي
وصايا، ولم يكن فيما قرره الحكم المطعون فيه ما يدل على صحة ما يدعيه الطاعنون من
أنه لم يعتبر التصرف المنجز في ظاهرة والساتر في حقيقته لوصية تحايلاً على أحكام
الميراث بل إنه قد أجاز لهم أن يثبتوا بكافة طرق الإثبات طعنهم في العقود على
الرغم من صراحة نصوصها في الدلالة على أنها عقود بيع منجزة، وإذ صح لدى المحكمة
إخفاق الطاعنين في إثبات طعنهم في هذه التصرفات قد اعتبرت هذه العقود منجزة في
حقيقتها وخالصة من التحيل على أحكام الإرث، ومن ثم فإن النعي على الحكم بخطئه في
إدراك معنى التحيل على أحكام الإرث يكون على غير أساس.
7 - مفاد ما تنص عليه
المادة 917 من القانون المدني هو أن القرينة التي تضمنتها لا تقوم إلا باجتماع
شرطين أولهما هو احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها وثانيهما احتفاظه بحقه
في الانتفاع بها، على أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى حياته - فإذا كان الحكم
المطعون فيه قد انتهي بأسباب سائغة إلى أن حيازة المورث للأعيان المبيعة منه إلى
ورثته واستغلاله لها بعد البيع لم يكن لحساب نفسه ولكن لحسابهم تنفيذاً للتوكيل
الصادر منهم إليه فإن الحكم يكون قد نفى احتفاظ المورث بحقه في الانتفاع بالأعيان
المتصرف فيها مدى حياته مما تنفي به القرينة القانونية الواردة في المادة 917 مدني.
8 - المقصود بالاحتفاظ
بالحق في الانتفاع وفقاً للمادة 917 مدني هو أن يكون انتفاع المتصرف بالعين مدى
حياته مستنداً إلى حق ثابت لا يستطيع المتصرف إليه تجريده منه ويكون ذلك إما عن
طريق اشتراط حق المنفعة وعدم جواز التصرف في العين، وإما عن طريق الإيجار مدى
الحياة أو عن طريق أخر مماثل. ومن ثم فلا يكفي لقيام القرينة القانونية أن يحتفظ
المتصرف بالحيازة والانتفاع لحساب الغير ولو كان ذلك لمدى حياة المتصرف إذ يكون
الحق في الانتفاع في هذه الحالة مقرراً لهذا الغير، كما لا يكفي أن ينتفع المتصرف
بالعين انتفاعاً فعلياً حتى وفاته دون أن يكون مستنداً في هذا الانتفاع إلى مركزه
قانوني يخوله حقاً في الانتفاع.
9 - إذا كان الحكم
المطعون فيه قد ألقى على عاتق الورثة الطاعنين إثبات ما ادعوه على خلاف الظاهر من
عبارات العقد من احتفاظ المورث بالحيازة وبحقه في الانتفاع مدى الحياة مما تتوافر
به القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 مدني فإن الحكم لا يكون قد خالف
قواعد الإثبات.
10 - الأصل في إقرارات
المورث أنها تعتبر صحيحة وملزمة لورثته حتى يقيموا الدليل على عدم صحتها. وإذا كان
القانون قد أعفى من يضار من الورثة بهذه الإقرارات من الدليل الكتابي في حالة ما
إذا طعنوا فيها بأنها في حقيقتها وصية وأنه قصد بها الاحتيال على أحكام الإرث،
فليس معنى هذا أن مجرد طعنهم فيها يكفي لإهدار حجية هذه الإقرارات، بل يجب لذلك أن
يقيموا الدليل على عدم صحتها بأي طريق من طرق الإثبات فإن عجزوا بقيت لهذه
الإقرارات حجيتها عليهم - فإن كان الحكم قد نفى قيام القرينة الواردة في المادة
917 مدني وسجل على الورثة الطاعنين إخفاقهم في إثبات طعنهم في التصرفات بأنها تخفي
وصايا فإنه لا تثريب عليه إذا هو استدل بعد ذلك فيما استدل به عند تكييف هذه
العقود بما تضمنته من تقريرات.
11 - إذا كان الحكم قد
أقيم على أن التصرفات قد صدرت عن المورث منجزة ومستوفية للشروط التي يتطلبها
القانون وأنها على هذا الأساس تكون صحيحة سواء اعتبرت بيوعاً حقيقية أو هبات
مستورة في عقود بيع، فليس في هذا الذي قرره الحكم تناقض يعيبه.
12 - عدم إفصاح الوكيل عن
صفته في العقود التي يبرمها مع الغير لحساب الموكل لا يؤدى بذاته إلى صورية
التوكيل لأن تعامل الوكيل باسمه مع الغير لا يغير من علاقته مع موكله فيلتزم
الموكل بموجب عقد الوكالة بتنفيذ ما التزم به الوكيل - وكل ما يترتب على ذلك من
أثر هو أن الوكيل في هذه الحالة هو الذي يكون ملزماً قبل الغير الذي تعامل معه إلا
إذا كان من المفروض حتماً أن هذا الغير بعلم بوجود الوكالة أو كان يستوي عنده أن
يتعاقد مع الأصيل أو النائب فعندئذ تكون العلاقة بين الغير الذي تعاقد مع الوكيل
وبين الموكل كما هو الحال في الوكالة الظاهرة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقريرين الذين تلاهما السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل
حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعنين في أن المرحوم عبد السميع
علي محمد أمين مورث جميع الطاعنين أقام على المطعون عليهم الدعوى رقم 645 سنة 1952
كلي مصر وطلب بها الحكم: أولاً - بتعيين مصف لتركة المرحوم علي محمد أمين مورثه
ومورث المطعون عليهم. وثانياً - ببطلان عقود البيع الصادرة من المورث المذكور
والمبينة فيما يلي: (1) العقد المؤرخ في 27 سبتمبر سنة 1949 والمسجل في 13 أكتوبر
سنة 1949 والصادر من المورث إلى المطعون عليهم عدا الأولى ببيع 71 فداناً و11
قيراطاً و21 سهماً بناحية مشيرف مركز الباجور. (2) العقد المؤرخ في 30 يناير سنة
1950 والمسجل في أول مارس سنة 1950 والصادر من المورث إلى المطعون عليهم عدا
الأولى ببيع 84 فداناً بناحية ميت مصلا مركز بلبيس و32 فداناً و12 قيراطاً و14
سهماً بناحيتي كفر حقنا وأنشاص الرمل مركز بلبيس. (3) العقد المؤرخ في 6 فبراير
سنة 1950 والمسجل في 23 فبراير سنة 1950 والصادر من المورث إلى المطعون عليهم عدا
الأولى ببيع 58 فداناً و22 قيراطاً و10 أسهم بناحية ديجوى مركز طوخ. (4) العقد
المؤرخ في 19 فبراير سنة 1950 والمسجل في 21 فبراير سنة 1950 والصادر من المورث
إلى المطعون عليهم عدا الأولى ببيع منزل بشارع الإخشيد وقطعة أرض فضاء بشارع عبد
العزيز آل سعود بمنيل الروضة. (5) العقد المؤرخ في 19 فبراير سنة 1950 والمسجل في
21 فبراير سنة 1950 والصادر من المورث إلى المطعون عليها الأولى ببيع منزل بشارع
الشيخ بشبرا ومنزل أخر بشارع المنجلة بالدرب الأحمر. وثالثاً - بتثبيت ملكية
المدعي في نصيب مقداره 4 و1/ 5 قراريط من 24 قيراطاً من جميع الأطيان والعقارات
التي تضمنتها العقود السابقة باعتبار أن ذلك النصيب يوازي الفريضة الشرعية التي
يستحقها بالميراث عن مورثه. ورابعاً - تثبيت ملكية المدعي بمقدار ما يوازي حصته
الميراثية في باقي أعيان التركة بما في ذلك نصف محل التجارة المختلف عن المورث.
خامساً - الحكم بمقدار ما يستحقه المدعي بنسبة حصته الميراثية في ربع جميع أعيان
التركة من تاريخ وفاة المورث إلى وقت التسليم، وقد ذكر المدعي في بيان دعواه أنه
بتاريخ 12 سبتمبر سنة 1951 توفى والده المرحوم علي محمد أمين عنه وعن المطعون
عليها الأولى زوجته وسائر المطعون عليهم أولاده من المطعون عليها المذكورة وأنه
كان قد أوقف أثناء حياته في المدة من سنة 1942 إلى سنة 1947 جميع ما يملكه من
عقارات مبينة وأرض فضاء معدة للبناء وكذلك الجزء الأكبر من أطيانه على نفسه حال
حياته ثم على أولاده بعد وفاته بما فيهم المدعي وهو من زوجة أخرى غير المطعون
عليها الأولى... وإذا كان المورث يقيم مع زوجته المطعون عليها المذكورة وأولاده
منها وهم سائر المطعون عليهم فإنهم قد استغلوا شيخوخته ومرضه للتأثير عليه
بإيثارهم على المدعي وقد أمكنهم حمله على الرجوع عن جميع أوقافه السابقة باشهادين
ضبط أولهما بمحكمة الزقازيق الشرعية في 26 ديسمبر سنة 1949 وضبط الثاني بمحكمة مصر
الشرعية في 14 يناير سنة 1950 واستصدروا منه إثر ذلك العقود المطلوب الحكم
ببطلانها وأسس المدعي طلب بطلان هذه العقود على أنها وإن كانت في ظاهرها عقود بيع
إلا أنها تخفي وصايا بقصد حرمانه من حقه في الإرث. وتمسك المطعون عليهم بأن
التصرفات المطعون فيها هي بيوع صحيحة مستوفية لجميع أركانها القانونية، وأنه بعد
صدور هذه التصرفات فإنهم إذ كانوا إناثا وأحدهم طالب علم فقد وكلوا والدهم البائع
لهم في إدارة الأعيان المبيعة واستغلالها لحسابهم بمقتضى توكيل مصدق عليه في مصلحة
الشهر العقاري بتاريخ 22 إبريل سنة 1950... ومحكمة القاهرة الابتدائية قضت في 30
يونيه سنة 1953. أولاً - برفض تعيين مصف للتركة لانعدام المسوغ. وثانياً -
وبالنسبة لباقي الطلبات بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المدعي بكافة طرق الإثبات
أن المورث قد احتفظ بحيازة الأعيان المبيعة إلى المطعون عليهم وبحق الانتفاع بها
مدى حياته وأن عقود البيع المطعون فيها هي وصايا في حقيقتها على أن يكون للمطعون
عليهم النفي بذات الطرق. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت في 3 يونيه سنة
1954 ببطلان عقود البيع فيما زاد على ثلث تركة المورث البائع اعتباراً بأن تلك
العقود تختفي وصايا وبتثبيت ملكية المدعي لحصة الميراث في حدود ثلثي تركة المورث
المذكور كما قضت بندب خبير لتقدير صافي ما تغله حصة المدعي من وقت وفاة المورث إلى
تاريخ الحكم، استأنف المطعون عليهم هذا الحكم إلى محكمة استئناف القاهرة
بالاستئناف رقم 329 سنة 71 ق، وقد توفى المستأنف عليه (مورث الطاعنين) أثناء نظر
الاستئناف وعجلت الدعوى ضد ورثته. وفي 14 يوليه سنة 1956 قضت محكمة الاستئناف
بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليهم، وفي 29 سبتمبر سنة 1956 قرر جميع
الورثة المحكوم ضدهم بالطعن في ذلك الحكم بطريق النقض وقيد طعنهم برقم 459 سنة 26
ق. وفي 9 أكتوبر سنة 1956 رفع أحد الورثة وهو البكباشي جمال الدين عبد السميع علي
محمد أمين عن نفسه وبصفته وصياً على أخوته من قصر مورثه طعنا آخر في الحكم قيد
برقم 471 سنة 26 ق وبعد استيفاء الإجراءات قدمت النيابة مذكرة برأيها في كل من
الطعنين انتهت فيها إلى طلب نقض الحكم المطعون فيه في خصوص السبب الأول بكل من
الطعنين والذي يقوم على وقوع بطلان في الإجراءات أثر في الحكم وذلك لعدم وضع تقرير
تلخيص على النحو الذي تتطلبه المواد 116، 407 مكرراً، 408 من قانون المرافعات، وقد
عرض الطاعنان على دائرة فحص الطعون بجلسة 17 مايو سنة 1961 فقررت إحالتهما إلى هذه
الدائرة. وفي هذه المرحلة التالية للإحالة قدم المطعون عليهما الثاني والخامسة مذكرة
في كل من الطعنين تأسيساً على أن إعلان تقريري الطعنين إلى كل من المطعون عليهن
الرابعة والسادسة والثامنة فقد وقع باطلاً لخلو صور هذه الإعلانات من بعض البيانات
الجوهرية مما يبطل الطعنين بالنسبة إلى جميع المطعون عليهم لأن الموضوع - وهو
بطلان عقود بيع - غير قابل للتجزئة، وقدم المطعون عليهما المذكوران تدليلاً على
صحة ذلك الدفع صور إعلان تقريري الطعنين إلى المطعون عليهم الثلاثة سالفي الذكر
وقدمت النيابة مذكرة تكميلية صممت فيها على رأيها السابق وعرض الطعنان على هذه
المحكمة بجلسة 22 نوفمبر سنة 1962 فقررت ضمهما معاً وتأجيل نظرهما لجلسة 10 يناير
سنة 1963 حتى تقدم النيابة مذكرة برأيها في الدفع وفي جميع أسباب الطعن. وبتلك
الجلسة صمم الطاعنون على طلب نقض الحكم وتمسك المطعون عليهما الحاضران أصلياً
بالدفع بعدم قبول الطعنين شكلاً وطلباً احتياطياً رفض الطعن وصممت النيابة على
الرأي الذي انتهت إليه في مذكرتها الأخيرة بطلب الحكم أصلياً بعدم قبول الطعنين
شكلاً ورفضهما موضوعاً.
وحيث إن مبنى دفع المطعون
عليهما الحاضرين بعدم قبول الطعنين شكلاً هو بطلان إعلان تقريري الطعنين إلى
المطعون عليهن الرابعة والسادسة والثامنة ذلك أن المحضر قد أثبت في صورة إعلان كل
من الرابعة والسادسة أنه خاطب زوجها دون أن يذكر أنه مقيم معها وأنه سلمه الصورة
لغيابها، وأثبت في صورة إعلان الثامنة اسم شخص خاطبه غيرها دون أي بيان آخر مما
يبطل الطعنين بالنسبة للمطعون عليهن المذكورات ويستتبع ذلك بطلانه بالنسبة لسائر
المطعون عليهم لعدم قابلية الموضع للتجزئة. وأضاف مقاماً الدفع أنه لا يمنع من
وقوع ذلك البطلان أن تكون أصل ورقة إعلان الطعن إلى أولئك المطعون عليهن مستكملة
جميع البيانات اللازمة قانوناً لصحة الإعلان لما هو مقرر من وجوب مطابقة صورة
الإعلان لأصله وأن العبرة بالصورة في حالة اختلافها مع الأصل. كما أضافا أن هذا
البطلان تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها عملاً بالمادة 95 من قانون المرافعات لعدم
حضور المطعون عليهن اللاتي وقع البطلان في إعلانهن.
وحيث إن هذا الدفع مردود
ذلك أنه وإن كانت المادة 12 من قانون المرافعات توجب على المحضر إذا لم يجد
المطلوب إعلانه أن يسلم ورقة الإعلان إلى وكيله أو خادمه أو لمن يكون ساكناً معه
من أقاربه أو أصهاره وأن يبين كل ذلك في حينه بالتفصيل في أصل الإعلان وصورته
ورتبت المادة 24 البطلان جزاء على مخالفة هذه الإجراءات إلا أن هذا البطلان هو من ضروب
البطلان النسبي الغير متعلق بالنظام العام فلا يملك التمسك به إلا من شرع ذلك
البطلان لمصلحته - فإذا وقع بطلان في إعلان تقرير الطعن إلى أحد المطعون عليهم
لخلو الصورة المسلمة إليه من بيان من البيانات الجوهرية الواجب إثباتها فيها والتي
يترتب على إغفالها بطلان هذا الإعلان فيكون له وحده التمسك بهذا البطلان وتقديم
دليله الماثل في صورة إعلانه. وليس لغيره من المطعون عليهم الذين صح إعلانهم أن
يتمسك بالبطلان بسبب العيب اللاحق بتلك الصورة التي لا شأن له بها وبالتالي لا
يقبل منه تقديم الدليل على قيام ذلك البطلان. ولا يغير من ذلك أن يكون الموضوع غير
قابل للتجزئة ذلك أنه في حاله عدم التجزئة فإن إفادة من صح إعلانهم من البطلان
الحاصل في إعلان غيرهم من المطعون عليهم لا يكون إلا بعد أن يثبت هذا البطلان
بالطريق الذي يتطلبه القانون فيتمسك به صاحب الشأن فيه وتحكم به المحكمة وعندئذ
فقط يستتبع الحكم ببطلان الطعن بالنسبة لمن لم يصح إعلانه من المطعون عليهم بطلانه
أيضاً بالنسبة للجميع ومن ثم فلا يسوغ قانوناً للمطعون عليهما الحاضرين التمسك بما
يعيب صور إعلان المطعون عليهن الرابعة والسادسة والثامنة الغائبات حتى لو صح أن
الموضوع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه غير قابل للتجزئة ولا يغير من هذا النظر
أن المادة 95 مرافعات توجب على المحكمة أن تقضي بالبطلان من تلقاء نفسها في حالة
عدم حضور المطعون عليه ذلك أن الحكم بالبطلان في هذه الحالة يقتضي أن يثبت البطلان
للمحكمة من أصل ورقة إعلان الخصم الغائب المقدمة إليها إذ أنه متى كان لا يجوز
لغير الخصم أن يتمسك بالبطلان المترتب على وجود عيب في الصورة المسلمة إليه فإنه
لا يصح بالتالي للمحكمة أن تقضي بالبطلان استناداً إلى وجود عيب في هذه الصورة خلا
منه الأصل المقدم إليها ما دام أن صاحب هذه الصورة لم يحضر ويقدمها متمسكاً
بالبطلان لهذا السبب، ولما كان يبين من أصل ورقة إعلان الطعن إلى المطعون عليهن
الرابعة والسادسة والثامنة أن الإعلان تم صحيحاً بالنسبة إليهن وقد اشتمل هذا
الأصل على جميع البيانات التي يتطلبها القانون بما فيها البيانات المدعي بخلو
الصور الخاصة بأولئك المطعون عليهن من ذكرها. فإنه لذلك يكون الدفع المبدي من
المطعون عليهما الثاني والخامسة بعدم قبول الطعن شكلاً في غير محله.
وحيث إن الطعنين قد
استوفيا الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعنين ينعون
بالسبب الأول من الطعنين بأن الحكم المطعون فيه قد شابه بطلان جوهري أثر فيه ذلك
أن المحكمة قد خالفت المواد 116 و407 مكرراً و408 من قانون المرافعات من ثلاثة
أوجه: الأول - أن الهيئة التي حكمت في الاستئناف كانت قد خلفت هيئة أخرى في نظر
الدعوى ولم تقم بما يفرضه عليها القانون في هذه الحالة من وضع تقرير تلخيص جديد من
عمل أحد أعضائها بل اكتفت بتلاوة التقرير الذي كان قد وضعه أحد أعضاء الهيئة
السابقة مما لا يتحقق معه غرض الشارع الذي أوجب على المستشار المقرر أن يتولى
بنفسه وضع التقرير. والثاني - أن تقرير التلخيص لم يتلى قبل بدء المرافعة بدليل أن
العبارة المثبتة للتلاوة وردت في نهاية محضر الجلسة مما مفاده أن تلاوة التقرير قد
حصلت بعد المرافعة والثالث - أن تقرير التلخيص موجز إيجازاً مخلاً لأنه لم يتضمن
أسانيد الخصوم ولا دفاعهم أو دفوعهم ولا يتبين منه الوضع الذي اتخذته الدعوى في
ذهن القاضي المقرر فقد بلغ من قصور ذلك التقرير أن أحال على عريضة الاستئناف وعلى
مذكرات الخصوم واعتبرها جزءاً متمماً له وبذلك يكون قد خلا من البيانات التي
أوجبها القانون مما يفوت الغرض المقصود من وضع التقرير.
وحيث إن هذا النعي مردود
في وجهه الأول بأن كل ما أوجبه القانون في المادتين 407 مكرراً و408 مرافعات هو -
على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يضع العضو المقرر في الدائرة الاستئنافية
تقريراً يلخص فيه موضوع الاستئناف وطلبات الخصوم وأسانيد كل منهم ودفوعهم ودفاعهم
وأن يتلى هذا التقرير في الجلسة ولم يستلزم القانون وضع تقرير آخر أثناء نظر
الدعوى أمام المحكمة. وفي حالة تغيير بعض أعضاء المحكمة بعد تلاوة التقرير فإنه
وإن كان يحب تلاوة التقرير من جديد إلا أنه لا يشترط أن يكون التقرير الذي يتلى في
هذه الحالة من عمل أحد أعضاء الهيئة الجديدة بل يكفي تلاوة التقرير الذي وضعه
العضو المقرر الأول لأن تلاوة هذا التقرير تفيد أن العضو الذي تلاه قد أقره وتبناه
ولم يجد داعياً لوضع تقرير جديد وتتحقق بهذه التلاوة الغاية من إيجاب وضع التقرير
وتلاوته. ومردود في وجهه الثاني بأنه لما كانت الغاية من اقتضاء حصول تلاوة
التقرير قبل بدء المرافعة هي تمكين الخصوم ومحاميهم من أن يستدركوا عند المرافعة
ما يكون قد سها عنه التقرير وأن يتداركوا ما يكون قد أخطأ في عرضه من عناصر الدعوى
لما كان ذلك، فإن حصول التلاوة بعد انتهاء المرافعة لا يترتب عليه البطلان إلا إذا
ثبت أن أحد الخصوم طلب المرافعة بعد تلاوة التقرير للتعقيب على ما تضمنه وتدارك ما
يكون قد سها عنه أو أخطأ فيه ومنعته المحكمة من ذلك ولما كان الطاعنون لم يقدموا
ما يدل على أنهم طلبوا الكلام بعد تلاوة التقرير ولم تمكنهم المحكمة منه فإنه لا
يجوز لهم رمي الحكم بالبطلان لحصول التلاوة بعد انتهاء المرافعة بفرض أن ذلك هو ما
وقع فعلاً. والنعي مردود في وجهه الثالث - بأنه يبين من الصورة الرسمية لتقرير
التلخيص أن هذا التقرير قد تضمن بياناً لموضوع الدعوى وطلبات الخصوم ودفوعهم
ودفاعهم فيها أمام المحكمة الابتدائية وما أصدرته هذه المحكمة في الدعوى من
الأحكام، ثم أورد التقرير بعد ذلك أن المطعون عليهم قد استأنفوا الحكم الصادر ضدهم
في الموضوع وأشار إلى ما تم في الاستئناف بقوله "وشرح المستأنفون أسباب
الاستئناف رداً على الحكم في عريضتهم سواء من جهة الوقائع أو القانون كما ناقشوا
أقوال الشهود إثباتاً ونفياً مما لا محل معه لترديد ما جاء بالعريضة اكتفاء
بالرجوع إليها باعتبارها جزءاً متمماً لهذا التقرير. وقدم المستأنف عليهم مذكرة
بدفاعهم ناقشوا فيها الوقائع والمبادئ القانونية مما يحسن معه الرجوع إليها كاملة
بغير تلخيص على اعتبار أنها جزء متمم لهذا التقرير، ورد المستأنفون بمذكرة أوضحوا
فيها واقعة الدعوى وناقشوا موضوعها من جهة الوقائع والتطبيق القانوني والمراجع
التي يتمسكون بها كما ناقشوا مستندات الدعوى وشهودها إثباتاً ونفياً مما يحسن معه
الرجوع إليها كاملة بغير تلخيص على اعتبار أنها جزء متمم لهذا التقرير" ولما
كان تقرير التلخيص قد ألم بموضوع الدعوى في مرحلتها الابتدائية وأحال إلى مذكرات
الخصوم المقدمة في الاستئناف بما احتوت عليه من طلباتهم ودفاعهم ودفوعهم واعتبرها
جزءاً متمما له تقريراً منه بوجوب الرجوع إليها وتلاوتها كاملة بغير تلخيص فإن وضع
التقرير على هذا النحو يجعله شاملاً لمذكرات الخصوم بحالتها مضافاً إليها الجزء الذي
وضع تلخيصه العضو المقرر ويعتبر التقرير بهذه المثابة متضمناً جميع البيانات التي
أوجب القانون اشتماله عليها.
وحيث إن الطاعنين ينعون
في السبب الثاني بكل من الطعنين مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون وذلك بخطئه في
تطبيق قواعد الإثبات وخطئه في إدراك معنى التحايل على أحكام الإرث وفي الاستدلال
على تكييف العقود المطعون فيها بتقريرات تلك العقود ذاتها وفي بيان ذلك كله يقول
الطاعنون إن الحكم المطعون فيه أورد في أسبابه ما يفيد أنه لا يعتبر من قبيل
التحيل على أحكام الإرث إلا ما كان متصلاً بقواعد التوريث كاعتبار شخص وارثاً وهو
غير وارث أو اعتباره غير وارث مع أنه من الورثة الشرعيين وكذلك ما يتفرع على هذا
الأصل من التعامل في التركات المستقبلة كإيجاد ورثة قبل وفاة المورث أو الزيادة أو
النقص في الحصص الشرعية. ورتب الحكم على ذلك أن التصرف بالبيع أو الهبة لا يمكن أن
يكون من قبيل التحيل على أحكام الميراث وهو نظر مخالف للقانون ذلك أن مثل هذه
التصرفات قد تكون تحيلاً على أحكام الإرث ولو جاءت في ظاهرها تصرفات منجزة. وقد
أخطأ الحكم أيضاً في الاستدلال بتقريرات العقود المطعون فيها على أنها بيوع منجزة
وفي القول بأنه يجب أن تحمل تلك العقود على هذا المحمل دون غيره بمقولة إن تأويل
الصريح غير جائز في حين أن العبرة في تعرف طبيعة التصرف هي بنية المتعاقدين فإذا
بان أن النية قد اتجهت إلى إضافة التصرف إلى ما بعد الموت كان التصرف وصية ولو
سترها عقد بيع ويعتبر الورثة من الغير بالنسبة لتصرفات المورث التي قصد بها التحيل
على مخالفة أحكام الإرث والإخلال بحقهم في الميراث ويجوز لهم إثبات حقيقة هذا
التصرف بكافة طرق الإثبات ولا يمنعهم من ذلك وضوح عبارات العقد وصراحة دلالتها على
أنه عقد بيع منجز ومن ثم فإن أخذ الحكم بتقريرات العقود دليلاً على تنجيز التصرفات
مخالف لأحكام القانون، إذ أنه على عهد القانون المدني القديم كان يجوز إثبات عكس
هذه التقريرات حتى بمجرد القرائن لأنه لا معنى لإجازة الطعن في العقود إلا إذا
أجيز الطعن في تقريراتها ثم جاء القانون المدني الحديث ونص في المادة 917 على أنه
إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها
وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه
أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك وليس من شك في أن هذا النص يقرر قرينة
قانونية لصالح الورثة غير المتصرف لهم وهو يلزم القاضي إذا تحققت هذه القرينة أن
يعتبر التصرف وصية سواء صيغت في صورة عقد بيع أو عقد هبة إذ الأصل عند المشرع أن
التصرف يعتبر وصية متى اجتمعت فيه واقعتان ماديتان الأولى هي استمرار المورث
حائزاً للعين المتصرف فيها والثانية هي بقاؤه مستغلاً لها ومنتفعاً بها مدى حياته
ولا يشترط المشرع أن يكون الاحتفاظ بالحيازة أو الانتفاع مدى الحياة منصوصاً عليه
في الورقة المثبتة للتصرف بل إنه أيضاً غض الطرف عن نوع الطريقة أي السند الذي
يتخذه المورث المتصرف وسيلة للاحتفاظ بالحيازة. وبذلك فإنه يستوي أن يستبقي
الحيازة بصفته مستأجراً أو مودعاً لديه أو مستعيراً أو وكيلاً، فإذا ما طعن الوارث
على تصرف مورثه بأنه وصية فإنه يكفي لثبوت صحة هذا الطعن أن يثبت واقعتي الاحتفاظ
بالحيازة والمنفعة مدى الحياة ولا يجوز للقضاء أن يطالبه بإثبات واقعة أخرى بعد
ذلك للتدليل على أن نية المورث المتصرف قد اتجهت إلى الإيصاء وإذا أراد الوارث
الصادر له التصرف نقض القرينة القانونية المستمدة من الواقعتين السابقتين فعلية أن
يقدم دليلاً عكسياً على تنجيز التصرف فعلاً حال حياة المورث ويشترط في هذا الدليل
أن يكون مستمداً من خارج نصوص العقد ما دام أن المشرع قد اعتبر هذه النصوص قاصرة
عن التعبير عن النية الحقيقية للمورث وأن المقصود منها التلبيس والتعمية، وقد أهدر
الحكم المطعون فيه القرينة الواردة في المادة 917 من القانون المدني وتجاهلها
تجاهلاً تاماً في جميع بنائه واستند إلى القاعدة الواردة في المادة 150 مدني والتي
تقضي بعدم جواز تأويل الصريح من نصوص العقد وتأسيساً على هذه القاعدة التي لا يجوز
الاستناد إليها في النزاع الحالي قرر الحكم المطعون فيه أن التصرفات المطعون عليها
منجزة أخذاً بما ورد في عقودها من نصوص خاصة بدفع الثمن ووضع يد المتصرف إليهم
وحقهم في التصرف في الأعيان تصرفاً كاملاً والتزامهم بدفع الضرائب المستحقة عليها
وغير ذلك من النصوص الدالة على تنجيز التصرفات وقال إن على من يدعي غير هذا الظاهر
أن يقيم البينة على دعواه وبهذا يكون الحكم قد ألقى عبء إثبات أن التصرف يخفي وصية
على عاتق الوارث الذي يطعن في التصرف على خلاف ما تقضي به المادة 917 من القانون
المدني المنطبقة على واقعة الدعوى والتي أقامت لصالح ذلك الوارث قرينة قانونية على
صحة هذه الواقعة بمجرد ثبوت احتفاظ المورث المتصرف بالحيازة والانتفاع مدى الحياة
وهما الأمران اللذان توافر عليهما الدليل أمام محكمة الموضوع وقد أخطأ الحكم أيضاً
في اتخاذه من التوكيل الصادر من الورثة المتصرف إليهم إلى مورثهم المتصرف دليلاً
على تنجيز التصرف ذلك أن هذا التوكيل إنما هو دليل على إضافة التصرف إلى ما بعد
الموت إذ أنه متى كان الثابت أن المورث قد احتفظ بالحيازة بناء على الوكالة واقترن
هذا الاحتفاظ باحتفاظه بالغلة فإن ذلك من شأنه أن يقيم القرينة القانونية المنصوص
عليها في المادة 917 بأن التصرف في حقيقته وصية ولم يقصد فيه إلى التنجيز، وقد
أخطأ الحكم إذ استلزم في الحيازة ألا تكون عرضية لتحقق أثرها كما لو كان الأمر في
مجال كسب الملكية بالتقادم، وكذلك فإن الحكم المطعون فيه قد تناقض في خصوص الثمن
المسمى في العقود المطعون فيها إذ أنه بعد أن أكد حقيقة ما نص عليه في هذه العقود
من أداء المطعون عليهم لهذا الثمن عاد وقرر أنه ثبت له عجز هؤلاء المشترين عن دفع
الثمن وأنه لم يذكر في العقود إلا بصفة صورية ورتب على ذلك اعتبار العقود عقود
تبرع منجزة بعد أن كان قد اعتبرها عقود بيع صحيحة.
وحيث إن هذا السبب مردود
في شقه الأول المتضمن النعي على الحكم بخطئه في إدراك معنى التحيل على أحكام الإرث
وفي تقرير القواعد القانونية المتصلة بذلك مردود بأن الحكم قرر "أن القاعدة
العامة تقضي بأنه متى كان الشخص سليماً معافى متمتعاً بأهليته القانونية كاملة
فإنه يملك التصرف المنجز في ماله برمته دون أن يعتبر هذا خروجاً منه على القانون
ولا انحرافاً عن نصوصه ولا يتدخل القانون في أمره إلا إذا كان تصرفه بغير عوض
عبثاً بأحكام الميراث وإخلالاً بها" وبعد أن أورد الحكم نقلاً عن حكم لمحكمة
النقض صدر في 23 ديسمبر سنة 1948 ما يعتبر من قواعد الإرث التي لا يجوز التحايل
عليها قال نقلاً عن هذا الحكم أيضاً إن الاعتراض بأن الوارث يعتبر من الغير
بالنسبة إلى التصرفات الضارة به الصادرة من المورث لأحد ورثته لا محل له متى كان
التصرف منجزاً إذ القانون لا يحرم مثل هذا التصرف على الشخص كامل الأهلية ولو كان
فيه حرمان ورثته لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته أما ما
يكون قد خرج من ملكه حال حياته فلا حق للورثة فيه. وقال الحكم في موضع آخر
"وحيث إن المستأنف ضدهم (الطاعنين) أتوا في مذكراتهم بكثير من أحكام المحكمة
العليا التي جعلت من استمرار وضع يد البائع على العقار المبيع دليلاً على أن البيع
يخفي وصية وهذه الأحكام كلها تدور مع التنجيز وجوداً وعدماً حتى إذا انعدم التنجيز
بطل العقد باعتباره بيعاً وصح باعتباره وصية" كما قال "إن فيصل التفرقة
في عقود البيع التي لم يدفع فيها ثمن هو التنجيز دون غيره فمتى ثبت صح العقد وإذا
لم يثبت بطل العقد". ولما كان جميع هذا الذي قرره الحكم صحيحاً في القانون
ويتفق مع ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة في هذا الخصوص وكان الحكم المطعون فيه
خلافاً لما يقوله الطاعنون لم ينكر عليهم حقهم في إثبات طعنهم في عقود البيع
الصادرة إلى المطعون عليهم بأنها تخفي وصايا وذلك بكافة طرق الإثبات القانونية فقد
صرح في أسبابه بحقهم في هذا الإثبات وناقش أقوال شهودهم الذين استشهدوهم في
التحقيق الذي أمرت به المحكمة الابتدائية لهذا الغرض كما ناقش القرائن التي تقدموا
بها وانتهى من ذلك إلى أن ما قدموه من أدلة وقرائن لا يقنع المحكمة بصحة هذا الطعن
لما كان ذلك، ولم يكن فيما قرره الحكم ما يدل على صحة ما يدعيه الطاعنون من أنه لم
يعتبر التصرف المنجز في ظاهره والساتر في حقيقته لوصية تحايلاً على أحكام الميراث
بل إنه قد أجاز للطاعنين على ما سلف القول إثبات طعنهم في العقود على الرغم من
صراحة نصوصها في الدلالة على أنها عقود بيع منجزة وإذ صح لدى المحكمة إخفاق
الطاعنين في إثبات طعنهم في هذه التصرفات فإنها اعتبرتها منجزة في حقيقتها وخالصة
من التحيل على أحكام الإرث. لما كان ما تقدم، فإن النعي يكون على غير أساس والنعي
في شقه الثاني الخاص بخطأ الحكم في إهدار وتجاهل القرينة المنصوص عليها في المادة
917 مدني ومخالفة قاعدة الإثبات الواردة في هذه المادة - هذا النعي مردود بأن
المادة المذكورة تنص على أنه "إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة
كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته اعتبر التصرف
مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك"
ومفاد ذلك أن القرينة القانونية المنصوص عليها في هذه المادة لا تقوم إلا باجتماع
شرطين الأول هو احتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها والثاني احتفاظه بحقه في
الانتفاع بهذه العين - على أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى حياته ولما كان الحكم
المطعون فيه قد انتهي بأسباب سائغة إلى أن حيازة المورث للأعيان المبيعة منه إلى
المطعون عليهم واستغلاله لها بعد البيع لم يكن لحساب نفسه ولكن لحساب هؤلاء
المطعون عليهم تنفيذاً للتوكيل الصادر منهم إليه فإن الحكم يكون بذلك قد نفى
احتفاظ المورث بحقه في الانتفاع بالأعيان المتصرف فيها مدى حياته، مما تنفى به
القرينة القانونية الواردة في المادة 917 من القانون المدني وغير صحيح ما يقوله
الطاعنون من أن مجرد وضع يد المورث على الأعيان المتصرف فيها واستغلاله لها مدى
حياته بصفته وكيلاً عن المطعون عليهم يكفي لقيام تلك القريبة ذلك أن المقصود
باحتفاظ المتصرف بحقه في الانتفاع أن يكون انتفاعه بالعين مدى حياته مستنداً إلى
حق ثابت لا يستطيع المتصرف إليه تجريده منه ويكون ذلك إما عن طريق اشتراط حق
المنفعة وعدم جواز التصرف في العين وإما عن طريق الإيجار مدى الحياة أو عن أي طريق
آخر مماثل. ومن ثم فليس يكفي لقيام القرينة القانونية أن يتحفظ المتصرف بالحيازة
والانتفاع لحساب الغير ولو كان ذلك لمدى حياة المتصرف إذ أنه في هذه الحالة يكون
الحق في الانتفاع لهذا الغير كما لا يكفي أيضاً أن ينتفع المتصرف بالعين انتفاعاً
فعلياً حتى وفاته دون أن يكون مستنداً في هذا الانتفاع إلى مركز قانوني يخوله حقاً
في هذا الانتفاع - لما كان ذلك، وكان الطاعنون حين ادعوا أن المورث ظل بعد صدور
التصرفات المطعون عليها محتفظاً بحيازته للأعيان المتصرف فيها وبالانتفاع بها مدى
حياته مما تتوافر معه القرينة المنصوص عليها في المادة 917 مدني ويستتبع بالتالي
اعتبار هذه التصرفات وصايا على خلاف ما تؤدي إليه العقود الخاصة بتلك التصرفات -
حين ادعى الطاعنون ذلك فإن المحكمة إذ ألقت عليهم عبء إثبات واقعتي احتفاظ المورث
بالحيازة وبحقه في الانتفاع مدى الحياة اللتين تقوم بهما القرينة القانونية التي
ادعوا قيامها فإن المحكمة لا تكون قد خالفت في ذلك قواعد الإثبات - كذلك فإن محكمة
الاستئناف إذ قررت في حكمها بعد أن سجلت على الطاعنين إخفاقهم في إثبات الواقعتين
اللتين كلفوا بإثباتهما أنه يقع عليهم عبء إثبات ما يدعون من أن التصرفات المطعون
فيها تخفي وصايا لا تكون هي أيضاً قد خالفت تلك القواعد. والنعي في شقه الخاص بخطأ
الحكم المطعون فيه في الاستدلال بتقريرات العقود المطعون فيها على تنجيز التصرفات
بمقولة إن تأويل الصريح غير جائز - هذا النعي مردود بأنه وإن كان الحكم المطعون
فيه قد ذكر في أسبابه أن العقود تحوي نصوصاً صريحة تكشف عن طابع التنجيز وعدم
التراخي وأن هذه العقود قد استوفت جميع شرائطها القانونية إلا أن الحكم أردف ذلك
بقوله "ويجب أن تحمل العقود على هذا المحمل دون غيره إلا إذا قام الدليل على
تقيض ذلك" وكرر الحكم قوله هذا في موضع آخر فذكر "وعلى من يدعي غير هذا
الظاهر أن يقيم البينة على دعواه" ولما كان الواقع هو أن محكمة الاستئناف رغم
تقريراتها السابقة لم تعتبر ما حوته العقود من نصوص حجة على الطاعنين فيما يختص
بتنجيز التصرفات المثبتة في هذه العقود بل إنها أجازت لهم إثبات عكس ما تؤدي إليه
هذه النصوص وذلك بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها شهادة الشهود والقرائن وعرضت
في حكمها المطعون فيه لأقوال الشهود الذين استشهدوهم وناقشت القرائن التي قدموها
وانتهت في حدود سلطتها التقديرية إلى أن هذه الأدلة والقرائن قاصرة عن إقناعها
بصحة طعنهم في العقود بأنها تخفي وصايا. لما كان ذلك، وكان تقرير الحكم وهو بصدد
التحدث عن تلك العقود بأن تأويل الصريح غير جائز مما لم يكن له محل في الدعوى
الحالية - هذا التقرير لم يكن له أثر في قضاء الحكم بعد أن ثبت أن المحكمة نهجت
النهج الصحيح وأتاحت للطاعنين سبيل إثبات عكس ما تؤدي إليه نصوص هذه العقود. لما
كان ذلك، وكان النعي على الحكم بخطئه في الاستدلال بتقريرات العقود على تنجيز
التصرفات مردوداً بأن الحكم وقد نفى قيام القرينة الواردة في المادة 917 مدني وسجل
على الطاعنين إخفاقهم في إثبات طعنهم في التصرفات أنها تخفي وصايا فإنه لا تثريب
عليه بعد ذلك إذا هو استدل فيما استدل به عند تكييف هذه العقود بما تضمنته على
تقريرات إذ أن الأصل في إقرارات المورث أنها تعتبر صحيحة وملزمة لورثته حتى يقيموا
الدليل على عدم صحتها وإذا كان القانون قد أعفى من يضار من الورثة بهذه الإقرارات
من الدليل الكتابي في حالة ما إذا طعنوا فيها بأنها في حقيقتها وصية وأنه قصد بها
الاحتيال على أحكام الإرث فليس معنى هذا أن مجرد طعنهم فيما يكفي لإهدار حجية هذه
الإقرارات بل يجب لذلك أن يقيموا الدليل على عدم صحتها بأي طريق من طرق الإثبات
فإذا ما عجزوا بقيت لهذه الإقرارات حجيتها عليهم. أما ما ينعاه الطاعنون على الحكم
المطعون فيه من التناقض بين ما ذكره أولاً - من أن التصرفات المطعون ببطلانها هي
بيوع استوفت أركانها القانونية ومن يبنها الثمن وبين ما انتهى إليه أخيراً من أن
هذه التصرفات هي هبات مستورة لم يدفع فيها الثمن فإن هذا النعي مردود بأن الحكم
أقيم على أن تلك التصرفات قد صدرت منجزة ومستوفية للشروط التي يقتضيها القانون
وأنها لذلك تكون على هذا الأساس صحيحة سواء اعتبرت بيوعاً حقيقية أو هبات مستورة
في عقود بيع وليس في هذا الذي قرره الحكم تناقض يعيبه.
وحيث إن السبب الثالث من
أسباب الطعن رقم 471 سنة 26 ق والسبب الخامس من أسباب الطعن رقم 459 سنة 26 ق يتحصلان
في أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور يبطله ذلك أنه أغفل التحدث عن المستندات
التي قدمها الطاعنون إلى محكمة الموضوع والتي تقطع بأن المورث ظل يتصرف حتى بعد
البيوع الصادرة منه إلى المطعون عليهم وبعد التوكيل الصادر منهم إليه باعتبار أنه
هو المالك صاحب الحق في الأطيان موضوع تلك البيوع وأهم هذه المستندات دفاتر
المتوفى نفسه وإيصالات قبض الأجرة التي أصدرها باسمه للمستأجرين ومحضر الإيداع
الخاص بحسن متولي تاجر الموز وفيه تأشير من المورث نفسه بأنه هو صاحب الحقوق
وتصاريح توريد القمح للحكومة وطلب تجديد إذن الإدارة الخاص بآلة الري وهو صادر
باسم المورث وكذلك تنبيه الدفع وإنذار الحجز المعلنين إليه من الحكومة عن
مطلوباتها لغاية سبتمبر سنة 1951 وكشوف ربط إيجار أطيان ديجوى عن سنة 1951 فجميع
هذه المستندات تحمل تواريخ لاحقة لتواريخ البيوع المطعون فيها ومع ذلك لم يرد فيها
أية إشارة إلى المطعون عليهم ولا إلى التوكيل الصادر منهم إلى المورث بل ظهر
المورث في جميع هذه الأوراق بمظهر المالك صاحب الحق في الأطيان موضوع تلك البيوع
ويقول الطاعنون إن الحكم الابتدائي قد أخذ بهذه المستندات واعتمد عليها في قضائه
غير أن الحكم المطعون فيه عندما ألغى قضاء الحكم الابتدائي أغفل وأهدر تلك
المستندات الحاسمة في الدعوى والتي تصل إلى حد الإقرار الصادر من المورث بصورية
عقود البيع المطعون فيها فلم يعرض لها برد أو إشارة بما يفيد أن محكمة الاستئناف
لم تكلف نفسها مؤونة الاطلاع عليها.
وحيث إن هذا النعي مردود بأن
الحكم المطعون فيه أحال في صدد أسبابه فيما يختص ببيان وقائع الدعوى وأوجه دفاع
الخصوم وما أيدوه من أدلة ومستندات - أحال في خصوص ذلك كله - إلى ورد بشأنه في
أسباب الحكم الابتدائي - ولما كان هذا الحكم قد حوي في أسبابه بياناً مفصلاً
للمستندات التي قدمها مورث الطاعنين ومن بينها جميع المستندات المشار إليها في سبب
الطعن وكان هدف الطاعنين من تقديم المستندات التي يعيبون على الحكم إغفاله الرد
عليها هو الاستدلال بها على احتفاظ المورث بحيازته للأعيان موضوع التصرفات المطعون
فيها وانتفاعه بها طول حياته وكان الحكم قد ناقش هذا الدفاع وفنده وانتهى إلى أن
المورث كان يستغل الأطيان لحساب المطعون عليهم المشترين بصفته وكيلاً عنهم وكانت
الأسباب التي استند إليها الحكم تسوغ هذه النتيجة وتكفي لحمل قضائه في هذا الخصوص
فإنه لم يكن بحاجة بعد ذلك إلى الرد استقلالاً على تلك المستندات إذ أن في قيام
الحقيقة التي اقتنعت بها المحكمة وأوردت دليلها التعليل الضمني لاطراحها هذه
المستندات.
وحيث إن السبب الرابع من
أسباب الطعن رقم 471 سنة 26 ق يتحصل في أن الحكم المطعون فيه مسخ شهادة شهود
الطاعنين في التحقيق الذي أجرته المحكمة الابتدائية وأولها تأويلاً خاطئاً وقطع كل
صلة بينها وبين المستندات المقدمة في الدعوى والتي تؤيد أقوال هؤلاء الشهود كما أن
الحكم أهدر هذه الشهادات جميعاً لمجرد قول أصحابها بأنهم لم يسمعوا بالبيوع
والتوكيل مع أن جهلهم بهما ليس من شأنه أن يؤدي إلى تكذيبهم فيما شهدوا به من
وقائع إذ أن المطعون عليهم أنفسهم أقروا بأن المورث كان حريصاً على إخفاء البيوع
والتوكيل عن جميع الناس حتى لا يعرف عنه أنه تجرد من جميع ملكه ولقد أجمل الحكم
الابتدائي شهادة الشهود جميعاً على وجه صحيح وربط بينها وبين المستندات بما لا يدع
مجالاً للشك في صدق شهاداتهم ولكن الحكم المطعون فيه خالف الحكم الابتدائي ومسخ
شهادة الشهود وأغفل أهم أقوالهم وأهدرها جميعاً للسبب السابق الذي تعلل به.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أجمل في أسبابه الأقوال التي أدلى بها شهود
الطاعنين في التحقيق الذي أجرته المحكمة الابتدائية بما يتفق والثابت بمحضر هذا
التحقيق المقدمة صورة رسمية منه في ملف الطعن ولم يخرج الحكم في تأويله لهذه
الأقوال عما يؤدى إليه مدلولها. ولما كان الطاعنون لم يبينوا مواضع المسخ الذي
يعيبونه على الحكم وكل ما ذكروه في هذا السبب لا يخرج عن أن يكون مجادلة في تقدير
المحكمة لشهادة الشهود بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي أخذ بها الحكم لما كان
ذلك، وكان تقدير أقوال الشهود مرهوناً بما يطمئن إليه وجدان قاضي الموضوع ولا
سلطان لأحد عليه في تقديره إلى أن يخرج بتلك الأقوال إلى ما لا يؤدى إليه مدلولها.
كما أن المحكمة الاستئنافية وهي تباشر سلطتها في التقدير لا تكون مقيدة برأي
المحكمة الابتدائية التي سمعت الشهود. لما كان ذلك، فإن كل ما يثيره الطاعنون في
هذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن السبب الخامس من
أسباب الطعن رقم 471 لسنة 26 ق يتحصل في النعي على الحكم بالقصور لخلوه مما يقنع
بأن المحكمة التي أصدرته فحصت الأدلة التي قدمت إليها أو بحثت النزاع المطروح
عليها بحثاً دقيقاً وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إنهم في سبيل التدليل على التحيل
في التصرفات المطعون فيها ذكروا أن المطعون عليهم لم يتورعوا عن التزوير في
إعلانات مورث الطاعنين لحضور جلسات لمحكمة الشرعية في مواد إلغاء الوقف وأن من
تبلغ بهم الجرأة حد التزوير في أوراق رسمية لا يستغرب منهم التحايل على أحكام
القانون باستصدار تصرفات مخالفة له بقصد حرمان مورث الطاعنين من حقه الشرعي في
الإرث ولكن الحكم المطعون فيه قد غفل عن علة الاستشهاد بتزوير تلك الإعلانات وقال
رداً على هذا الاستشهاد إن الطاعنين ومورثهم لم يبينوا الأثر المترتب على الطعن
بتزوير هذه الإعلانات في الدعوى الحالية. وبهذا يكون الحكم قد غفل عن قرينة قدمها
الطاعنون لإثبات واقعة يجوز إثباتها بالقران وهي واقعة التحيل على أحكام الإرث ولا
يعتبر تزوير الإعلانات متقطع الصلة بالعقود المطعون فيها لأن الإعلانات المزورة
كانت في الحلقة الأولى في إعداد تلك العقود ثم إن الحكم وصف الطعن بتزوير
الإعلانات بأنه مجرد مزاعم لا دليل عليها مع أن الأدلة عليه كانت قائمة من الأوراق
الرسمية التي قدمها مورث الطاعنين. كما أن الحكم جارى المطعون عليهم فيما وجهوه
بالباطل من تهم إلى مورث الطاعنين ومنها أنه نمى ثروته الخاصة على حساب ثروة مورثه
وأنه اختلس أموال المحل التجاري مما حمل مورثه المذكور على عزله من الوصايا
المختارة على أولاده الآخرين واعتبر الحكم أن نية التنجيز في التصرفات المطعون
فيها ثابتة من إيقان المتصرف بتلك التهم رغم أن مورث الطاعنين أثبت للمحكمة
بطلانها وقد خلا الحكم من الإشارة إلى الأدلة التي ساقها هذا المورث لتنفيذ تلك
التهم مما يدل على أن المحكمة لم تطلع على هذه الأدلة ويضيف الطاعنون أن علاوة على
ما يعيب الحكم من قصور في اعتداده بتلك التهم رغم عدم قيام الدليل عليها فإنه
يعيبه في هذا الخصوص أيضاً فساد استدلاله بهذه التهم - بفرض صحتها - على قيام نية
التنجيز لدى المورث ذلك أن إيقان هذا المورث بصحة هذه التهم كما قد يكون سبباً
للتصرف المنجز فإنه يكون أيضاً سبباً للتصرف المضاف إلى ما بعد موته فربط هذه
الواقعة بالمنجز دون المضاف هو ترجيح بغير مرجح.
وحيث إن هذا النعي مردود
بأن الحكم المطعون فيه رد على ما أثاره الطاعنون في شأن تزوير الإعلانات الخاصة
بالدعاوى الشرعية التي رفعها المورث بطلب الرجوع في أوقافه - رد بقوله "وحيث
إنه في صدد إلغاء الأوقاف القديمة وما ادعاه (مورث الطاعنين) من أنه قد عمل على
حرمانه من حضور جلسات إلغاء الوقف فضلاً عن عدم قيام البينة على تلك المزاعم فإن
هذا الذي حرم من الحضور لم يبين الأثر المترتب على ذلك من ناحية القانون وكان أجدر
به وأخلق لو رأى مأخذاً على حكم إلغاء الوقف أن يتناوله بالطعن بالطريق القانوني
ولكنه لم يفعل" وهذا الذي قرره الحكم يكفي للرد على دفاع الطاعنين في هذا
الخصوص ذلك أنه لم يكن لمحكمة الموضوع وهي تنظر الدعوى الحالية أن تفصل في صحة أو
تزوير الإعلانات الخاصة بدعاوى الرجوع في الأوقاف بعد أن حكم في هذه الدعاوى من
الجهة المختصة ولم يسلك مورث الطاعنين سبيل الطعن في هذه الأحكام أمام تلك الجهة
بل كان على محكمة الموضوع أن تعتبر هذه الأحكام صحيحة وألا تلتفت إلى ما أثاره
الطاعنون أمامها خاصاً بصدور الأحكام المذكورة بناء على إجراءات غير صحيحة كتزوير
الإعلانات المدعى به سيما وأن مورث الطاعنين لم يؤسس طلبه إبطال التصرفات موضوع
الدعوى الحالية على أن الأعيان موضوع التصرفات كانت ما تزال وقفاً وقت التصرف فيها
نتيجة لبطلان رجوع المورث في أوقافه الخاصة بها. وإنما أسس هذا الطلب على أن تلك
التصرفات المطلوب إبطالها وإن كانت في ظاهرها بيوعاً منجزة إلا أنها تخفي وصايا
مما يفيد التسليم من جانبه بصحة رجوع المورث في أوقافه السابقة وبالتالي بصحة
الأحكام الشرعية التي صدرت باعتماد هذا الرجوع. أما ما يثيره الطاعنون في سبب
الطعن خاصاً باعتداد الحكم المطعون فيه في استفادة نية المورث في تنجيز التصرفات
بتهم الخيانة والاختلاس التي أسندها المطعون عليهم إلى مورث الطاعنين فإن هذا الذي
يثيرونه مردود بأن الحكم المطعون فيه بعد أن دلل على تنجيز التصرفات المطعون فيها
وعدم حصول تحايل على أحكام الإرث بالمعنى الذي يتطلبه القانون لإبطال هذه التصرفات
قال "ولعل السبب الذي قرره أولئك الآخرون (المطعون عليهم) تعليلاً لما أثاره
مورثهم يقطع في أن التمليك المنجز هو غاية ما كان يهدف إليه هذا المورث إذ بدأ بوقف
أمواله على ورثته على الوجه المتقدم ولكنه لحظ أن حالة ولده عبد السميع قد أخذت في
الازدهار والنمو فاقتنى الأطيان وشيد الأبنية فعظمت حالته المالية واتسعت ثروته
حتى كادت تقارب ثروة الأب بينما رؤى أن متجر الشركة بدأ يعاني آلام الهبوط المالي
والكساد فأيقن الرجل إن حقاً وإن غير حق أن هذا التضخم في ثروة ولده قد انتزع من
المتجر خلال مدة الشركة الطويلة فلم يكن هناك مناص من أن يعوض بناته وابنه عزت
وكان فتى يافعاً لا يزال في دور التعليم وعن له أن يعوضهم جميعاً عن هذا المال
الذي انفرد به الأخ الأكبر دونهم فباع لهم ما باع بمقتضى العقود المطعون فيها -
وهذه البيوع بحكم الظروف التي نشأت فيها لا يمكن أن تكون إلا منجزة لأنه لا معنى
في نظر المورث لأن يقبض عبد السميع ثمرة مشاركته لأبيه في التجارة ويستثمرها في
ماله الخاص ثم يرجئ تمليك هؤلاء الضعاف في نظره إلى ما بعد موته..." وقال الحكم
في موضع آخر "إن علم مورث المستأنف عليهم (الطاعنين) بالتصرفات وقت حصولها
وحضوره في هذا الوقت ما كان ليثنى الرجل عن إتمام تحرير هذه العقود بعد أن صحت
عزيمته على أن يعدل بين أبنائه ويسوي بينهم على الصورة التي اعتزمها فينتصف لأولئك
الصغار من أخيهم الأكبر الذي أغنته تجارته مع والده حيناً من الدهر فأثرى ثراء
كبيراً انفصل على أثره من الشركة... ولا تريد المحكمة أن تتحدث في أمر السرقات
التي أصابت متجر الأب ولا التحقيقات التي عملت ولا الشبهات التي وجهت" ومن
هذا يبين أن الحكم المطعون فيه - خلافاً لما يزعمه الطاعنون - لم يعول في استفادة
نية التنجيز لدى المورث على تهم الاختلاس والخيانة التي أسندها المطعون عليهم إلى
مورث الطاعنين ولم يعتبر هذه التهم ثابتة في حق هذا المورث بل إن الحكم صرح في
أسبابه أنه لم يجد حاجة لبحث أمر هذه التهم، أما ما قرره الحكم من إثراء مورث الطاعنين
خلال مدة قيام الشركة بينه وبين والده في المحل التجاري واقتنائه الأطيان والمباني
فإن هذا القول له أصل ثابت في المستندات المقدمة إلى محكمة الموضوع من المطعون
عليهم ومن مورث الطاعنين نفسه وهي من ضمن المستندات - التي أورد الحكم الابتدائي
بياناً عنها وأحال الحكم المطعون فيه في أسبابه إلى هذا البيان. كذلك فإن استظهار
نية المورث عند إصدار التصرفات المطعون فيها وما يتصل بذلك مما اعتقده هذا المورث
بعد أن لاحظ إثراء ابنه الأكبر (مورث الطاعنين) إبان قيام الشركة بينهما كل ذلك من
المسائل التي تستقل بها محكمة الموضوع ولا تدخل فيها لمحكمة النقض ما دامت
الاعتبارات التي اعتمدت عليها المحكمة فيما استظهرته من ذلك مقبولة عقلاً. لما كان
ذلك، وكان استخلاص المحكمة نية التنجيز لدى المورث من رجوعه في أوقافه السابقة هو
استخلاص سائغ فإن النعي بالسبب المتقدم يكون في جميع ما تضمنه على غير أساس.
وحيث إن السبب الثالث من
أسباب الطعن رقم 459 سنة 26 ق يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور
والخطأ في القانون ذلك لأنه رد على دفاع الطاعنين بأن المورث ظل واضعاً يده على
الأعيان المتصرف فيها ومستغلاً لها حتى وفاته - بقوله إن هذا الدفاع غير مطابق
للواقع لصدور توكيل من المتصرف إليهم إلى المورث عقب صدور التصرفات واتخذ الحكم من
قيام هذا التوكيل دليلاً على تنجيز تلك التصرفات وقال إنه ما دامت صفة المورث
كوكيل كانت هي الصفة الظاهرة لوضع يده فقد حق اعتبارها دون سواها وأنه لا يهم بعد
هذا أن تكون عقود الإيجار حررت باسم المورث أو بأسماء أبنائه طالما أن صفة المورث
في الإدارة معلومة محددة وأنه على من يدعي غير هذا أن يقيم البينة على صواب قوله
ويقول الطاعنون إن هذا الذي قرره الحكم لا يصلح رداً على دفاعهم سالف الذكر لأن
تحرير التوكيل في ذاته لا يفيد مجال أن صفة المورث في إدارة الأعيان أصبحت ظاهرة
وقاطعة في أن هذه الإدارة لحساب الغير كما لا يمكن أن يستفاد من مجرد صدور التوكيل
أن الوكيل قد باشر فعلاً الأعمال المسندة إليه في سند التوكيل ولقد دفع الطاعنون
بأن هذا التوكيل كان صورياً هدف به صانعوه إلى التعمية والتضليل وأنه لم ينفذ
أبداً وأن المورث ظل كما كان قبل إصداره التصرفات المطعون عليها يدير الأعيان
المتصرف فيها لشخصه ولحساب نفسه ولم يواجه الحكم المطعون فيه كل هذا الذي تمسك به
الطاعنون كما أن قول الحكم بأن صفة الوكالة المستمدة من ذلك التوكيل تصبح ظاهرة
واضحة لمجرد صدوره ينطوي على خطأ في فهم أحكام الوكالة ذلك أنه يشترط قانوناً لأن
تكون هناك نيابة عن الغير أن يكون التعامل باسم الأصيل لا باسم النائب فلو تعامل
الوكيل باسمه لما كانت هناك نيابة وتكون الوكالة مقصورة على علاقة الوكيل بالموكل
ومن ثم يضاف أثر العقد إلى الوكيل دائناً أو مديناً ولا يضاف إلى الموكل.
وحيث إن هذا العني مردود
بأن الحكم المطعون فيه رد على دفاع الطاعنين المتضمن أن المورث ظل بعد صدور
التصرفات منه وبعد صدور التوكيل إليه من المتصرف إليهم يستغل الأعيان المبيعة
لحسابه الخاص - رد الحكم على هذا الدفاع بقوله "وحيث إن هذا القول غير مطابق
للواقع ذلك أنه عقب صدور هذه التصرفات من المورث عمد الورثة في 23 أبريل سنة 1950
إلى توكيله في إدارة أملاكهم وفي استغلالها والتوقيع نيابة عنهم على عقود
الإيجار... وحيث إنه فضلاً عن أن ذاك التوكيل يبين حقيقة صفة المورث في وضع يده
على الأملاك المبيعة عقب خروجها من ملكيته ويكشف عن أن هذه اليد كانت يداً عارضة
لا يد مالك يستثمر ملكة ويستمتع به لحسابه فإنه يعتبر في الواقع قرينة أخرى على
تنجيز البيوع الصادرة منه لأولئك المشترين الذين لم يروا ترك الأمر غامضاً وهم
يعملون أن هناك وارثاً آخر يبغي مقاسمتهم ويقف لهم بالمرصاد ففصلوا بين حقوقهم
وحقوق أبيهم حتى لا يختلط الأمر ويذيع الشك وقد رؤى أن المشترين وهم كثيرون مختلفو
المذاهب ومنهم المتزوجة وغير المتزوجة وشقيقهم الوحيد كان شاباً يتلقى العلم ولا
يستطيع النهوض بهذه المهمة أنه لا بد من وكيل يستمتع بثقة الجميع ويحفظ لهم مالهم
ويعني به العناية الكافية والوالد بطبيعة الحال هو خير من يحمل هذه المؤهلات فوقع
اختيارهم عليه - وحيث إنه ما دامت هذه هي الصفة الظاهرة لوضع اليد فقد حق اعتبارها
دون سواها ولا يهم بعد هذا أن تكتب عقود الإيجار باسمه أو باسم أبنائه طالما أن
صفته في الإدارة معلومة محدودة وعلى من يدعي غير هذا أن يقدم البينة على صواب قوله
- وحيث إن هذه المحكمة الابتدائية رأت أن تمكن المستأنف عليهم (الطاعنين) من إثبات
مزاعمهم عن طريق التحقيق" وبعد أن عرض الحكم لأقوال الشهود الذين استشهدهم
الطاعنون في هذا التحقيق وناقشها وبين مواطن الضعف فيها التي جعلته لا يطمئن إليها
قال "وحيث إنه يبين من كل ما تقدم أن المستأنف عليهم قد عجزوا عن إثبات هذا
الشق من الدعوى ومن ثم يتعين إهدار قولهم في خصوصه" وذكر الحكم في موضع آخر
"وحيث إنه قيل أخيراً بأن الورثة لم يحاسبوا أباهم عن إرادته وأن هذه قرينة
أخرى على عدم جدية التوكيل وبالتالي على عدم جدية تنجيز البيع لهم. وحيث إن الورثة
يقولون إن الحساب كان يجرى بطريقة صحيحة ولا دليل على عدم صدقهم وفضلاً عن هذا فإن
العلاقة بين الوالد وأبنائه تحمل هؤلاء على الرضاء بكل ما يقول الأب للثقة التي
يستمتع بها وقد يصل الأمر إلى إعفائه من كل حساب ولا غضاضة في ذلك ولا مخالفة فيه
للعرف والتقاليد والواقع أن تحميل الورثة عبء ضرورة محاسبة أبيهم مغايرة لطبائع
الأمور فلا غرابة إذن إذا خلت أيدي الورثة من أوراق الحساب" ولما كانت هذه الأسباب
سائغة وتتضمن الرد الكافي على جميع ما أثاره الطاعنون في شأن صورية التوكيل وعدم
تنفيذه وكان الحكم المطعون فيه بإجازته للطاعنين أن يثبتوا بكافة طرق الإثبات ما
ادعوه من استغلال المورث الأعيان المبيعة لحساب نفسه بعد صدور البيوع منه إلى
المطعون عليهم وبعد توكيله من هؤلاء يكون قد أجاز لهم ضمناً إثبات دفاعهم بصورية
التوكيل وعدم تنفيذه إذ أن هذا الدفاع يثبت تبعاً لثبوت الواقعة التي أجاز الحكم
إثباتها وينتفي بانتفائها لما كان ذلك، وكانت محكمة الاستئناف قد رأت في حدود
سلطتها التقديرية إطراح أقوال شهود الطاعنين والقرائن التي قدموها ورتبت على ذلك
اعتبار الطاعنين عاجزين عن إثبات ما كلفوا بإثباته - وكان ما قرره الحكم من أن عدم
إفصاح المورث عن صفته كوكيل في عقود الإيجار التي أبرمها مع الغير لحساب المطعون
عليهم لا يؤدي بذاته إلى صورية التوكيل. هذا القول لا مخالفة فيه للقانون لأن
تعامل الوكيل باسمه مع الغير لا يغير من علاقته مع موكله فيلتزم الموكل بموجب عقد
الوكالة بتنفيذ ما التزم به الوكيل وكل ما في الأمر أن الوكيل في هذه الحالة هو
الذي يكون ملزماً قبل الغير الذي تعامل معه إلا إذا كان من المفروض حتماً أن هذا
الغير يعلم بوجود الوكالة أو كان يستوي عنده أن يتعاقد مع الأصيل أو النائب فعندئذ
تكون العلاقة بين الغير الذي تعاقد مع الوكيل وبين الموكل كما هي الحال في الوكالة
الظاهرة. لما كان ما تقدم، فإن النعي على الحكم بالقصور ومخالفة القانون يكون على
غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب
الرابع من أسباب الطعن رقم 459 سنة 26 ق. وبعد استبعاد ما سبق إيراده من هذا السبب
في الأسباب المتقدم ذكرها هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ فهم الواقع كما أخطأ في
الاستدلال وخالف القانون وذلك أولاً - إنه سلك في ترتيب مسائل البحث التي تناولها
سبيل المنطق المعكوس فبدأ يبحث التكييف القانوني للتصرفات المطعون فيها ثم أردف
ذلك يبحث ما إذا كانت هذه التصرفات صدرت إخلالاً بأحكام الإرث وتحايلاً عليها وما
إذا كانت قد قرنت بوضع يد المتصرف إليهم على الأعيان المبيعة وأثر ذلك من الناحية
القانونية وحكم القانون في التحدي بعدم دفع الثمن هذا في حين أن هذه المسائل التي
تناولها الحكم بعد بحث التكييف هي عناصر التعرف على هذا التكييف وبحثها هو وسيلة
ذلك التعرف مما كان يقتضي من الحكم أن يبدأ يبحثها ليصل إلى التكييف الصحيح وإذ
فعل العكس فإنه يكون قد أخطأ فهم القانون وأدى به ذلك إلى الخطأ في الاستدلال:
ثانياً - إن الحكم أهدر جميع الأدلة والقرائن التي قدمها الطاعنون لتأييد طعنهم في
البيوع الصادرة من المورث إلى المطعون عليهم بأنها تخفي وصايا وأغفل الرد عليها
وزعم أن الطاعنين اتخذوا من أقوال الشهود الذين سمعتهم المحكمة الابتدائية مصداقاً
للقول بالوصية مما يفيد أن محكمة الاستئناف لم تطلع على الأدلة الأخرى التي قدمها
الطاعنون للتدليل على صدق هذا القول وأهم هذه الأدلة أن المورث المتصرف ظل واضعاً
اليد على الأعيان ومنتفعاً بها لحين وفاته مما تتوافر به القرينة المنصوص عليها في
المادة 917 من القانون المدني ومنها بخس الثمن في العقود بخساً فاحشاً وعدم قدرة
المشتري على دفع هذا الثمن وتعاقب البيوع وتقاربها وتناولها جميع ما يملك المورث
فيما عدا النذر اليسير. ثالثاً - إن الحكم استند في القول بتنجيز التصرفات إلى
أدلة ليس من شأنها أن تفيد هذا التنجيز ذلك أنه استدل على ذلك بما زعم أنه الباعث
الذي حدا بالمورث إلى إصدار التصرفات إلى المطعون عليهم وهذا الباعث المزعوم هو
سوء مسلك مورث الطاعنين مع والده وخيانته له في التجارة وإثرائه على حساب أخوته
الآخرين من مال المتجر المشترك بينه وبين وأبيهم (المورث) مع أن هذه الوقائع فضلاً
عن عدم قيام الدليل عليها فإنه ليس من شأنها حتى ولو صحت أن تؤدى في العقل أو في
القانون إلى إفادة تنجيز التصرفات إذ أن أمرها متعلق بالبواعث البعيدة عن أركان
العقود وشروط صحتها والتي لا يصح أن يقام لها وزن في تفسير العقود وتكييفها كما أن
استدلال الحكم على تنجيز التصرفات وعلى نفي القرينة القانونية التي أقامتها المادة
917 مدني برجوع المورث في أوقافه السابقة لا يؤدي بذاته في العقل إلى القطع
بالرغبة في التنجيز إذ ليس ثمة ما يمنع الراجع في وقفه المضاف فيه الاستحقاق إلى
ما بعد وفاته من التصرف في أعيانه بعد تحريرها من الوقف بكافة أنواع التصرفات
المنجزة وغير المنجزة كذلك فإن استدلال الحكم على تنجيز التصرفات بتسجيلها في حياة
المورث وعقب صدورها مباشرة غير منتج أيضاً لأن التسجيل بذاته ظاهرة لا صفة بالعقود
حكمه حكم النصوص الواردة في هذه العقود فحصوله لا يمنع من الطعن على العقود
بالصورية ولا يمكن بالتالي أن يستمد منه الدليل على نفي هذه الصورية. رابعاً - إن
الحكم أسند إلى مورث الطاعنين أنه طعن في التصرفات بحصولها تحت تأثير الإكراه وبعد
أن رفض هذا الطعن لافتقاره للإثبات قال إن هذا الطعن يتضمن تسليماً بانطواء
التصرفات على بيوع حالة منجزة بعيدة عن فكرة الإيصاء هذا في حين أنه لم يصدر من
مورث الطاعنين أي طعن بوقوع إكراه مبطل للتصرفات وكل ما قاله هو أن والده حين أصدر
هذه التصرفات كان واقعاً تحت تأثير زوجته الشابة وأولاده منها الذين استغلوا ضعف
إرادته في شيخوخته وتداعي صحته وهذا القول لا يتضمن طعناً ببطلان التصرفات لحصولها
تحت تأثير الإكراه - على أنه حتى لو صح وكان هذا القول ينطوي على طعن بهذا المعنى
فإن ربط الحكم واقعة الإكراه أو التأثير بتنجيز التصرف لا أصل له ولا دلالة فيه،
هذا إلى أنه لا يصح في العقل أن يجرد الحكم الإدعاء بالإكراه المزعوم من شبهة
الإثبات ثم يعود فيستمد من هذا الإدعاء دليلاً على صاحبه وفي مثابة الإقرار منه
بتنجيز التصرفات. خامساً - إن الحكم المطعون فيه رغم أنه نعى على المحكمة
الابتدائية تمكينها الطاعنين من إثبات مطاعنهم بشهادة الشهود لأن المراد إثباته
وهو قصد الإيصاء أمر يخفي على الشهود لتعلقه بهواجس نفس المورث وحقيقة مقاصده وما
يكنه في قلبه على الرغم من هذا النعي الذي كان سياقه ومنطقه يقتضيان استبعاد نتيجة
هذا التحقيق من حساب الحكم المطعون فيه فإن هذا الحكم عرج على أقوال الشهود الذين
سمعوا في هذا التحقيق وناقش أقوالهم وانتهى منها إلى القول بأنها جاءت غير مقنعة
ورتب على ذلك اعتباره أن الطاعنين قد عجزوا عن إثبات هذا الشق من الدعوى وبذلك
يكون الحكم قد صادر أقوال الشهود وأبدى رأيه فيها قبل أن يعرض لها ويناقشها وذلك
بتقريره مقدماً أن الإثبات بشهادة الشهود في مثل هذه الدعوى عقيم غير منتج.
وحيث إن هذا النعي في شقه
الأول مردود بأن الحكم المطعون فيه وإن كان عند تعداده للمسائل التي رأى بحثها قد
بدأ بذكر مسألة التكييف القانوني إلا أنه على ما يبين من أسبابه لم يلتزم الترتيب
الوارد في هذا التعداد بل إنه بعد سرد الظروف التي لابست صدور التصرفات المطعون
فيها وأورده الأدلة والقرائن التي استفاد منها تنجيز هذه التصرفات وعرض لبحث ما
إذا كانت تلك التصرفات المنجزة تعتبر إخلالاً بأحكام الميراث ولو كان القصد منها
إيثار بعض الورثة على البعض الآخر وبعد أن نفى ذلك عرض للقرائن التي ساقها الطاعنون
لإثبات طعنهم بإضافة التصرفات إلى ما بعد الموت ومن هذه القرائن ما قالوه عن
احتفاظ المورث بوضع يده على الأطيان المبيعة وبحقه في الانتفاع بها طوال حياته وما
ذكروه عن عدم دفع الثمن وبعد أن فند هذه القرائن انتهي إلى أن التصرفات المطعون
فيها بيوع صحيحة ولا تخفي وصايا - وإذ سلك الحكم في بحثه هذا المسلك القويم فإن
النعي عليه بسلوك سبيل المنطق المعكوس يكون غير صحيح. ومردود في شقه الثاني بأن
الحكم وإن كان قد أورد في أسبابه أن المطعون عليهم اتخذوا من أقوال الشهود الذين
سمعتهم المحكمة الابتدائية مصداقاً للقول بالوصية فإنه - على ما يفيد سياقه - لم
يعن بذلك أن أقوال الشهود هي كل ما استدل به الطاعنون على قولهم بالوصية بل إن
الحكم أورد بعد ذلك جميع الأدلة والقرائن الأخرى التي قدموها للتدليل على هذا
القول وفندها ومن بين ما تناوله منها بالرد للقرائن التي يعيب الطاعنون على الحكم
إغفاله لها والنعي مردود في شقه الثالث بأن الحكم استند فيما انتهى إليه من تنجيز
التصرفات إلى ما استخلصه من رجوع المورث في أوقاته السابقة التي كانت واردة على
الأعيان موضوع التصرفات المطعون فيها من أن نية المورث اتجهت إلى تمليك هذه
الأعيان بعد تحريرها من الواقف تمليكاً منجزاً للمطعون عليهم وذلك لما قاله الحكم
من أنه "لو كان المورث يهدف إلى إرجاء هذا التمليك إلى ما بعد الموت لما كان
هناك مبرر لرجوعه في الوقف ولترك الاستحقاق متراخياً إلى ما بعد وفاته ولو كان
الأمر مقصوداً به مجرد تعجيل قبض الاستحقاق لاقتصر على عمل هذا التعديل بإشهاد
شرعي يلحق بحجة الوقف خصوصاً وأن الواقف كان قد احتفظ بحقه في الشروط العشرة"
كما استند الحكم في استخلاصه لقصد المورث في التنجيز إلى الظروف التي دعته إلى
العدول عن تلك الأوقاف والتصرف إلى المطعون عليهم ومن بين هذا الظروف ما لاحظه من
إثراء ابنه الأكبر مورث الطاعنين إثراءاً كبيراً مدة قيام الشركة بينهما مما جعل
المورث يفكر في بيع معظم أملاكه إلى أولاده الآخرين لتحقيق المساواة بينهم وبين
أخيهم الأكبر واستدل الحكم فوق ذلك بقرائن أخرى منها صدور توكيل من المشترين إلى
المورث البائع لإدارة الأعيان المبيعة نيابة عنهم وقيام هؤلاء المشترين بتسجيل
العقود الصادرة إليهم حال حياة المورث وعقب صدور هذه العقود بمدة وجيزة وتحرير
استمارة الحيازة في 31/ 7/ 1951 عن الأطيان المبيعة بأسمائهم وتقديمهم طلباً على
الجهة الإدارية لإنشاء عزبة باسمهم على تلك الأطيان وإتمام التحريات الرسمية
الخاصة بهذه العزبة بأسمائهم أيضاً وذلك كله حال حياة المورث - ولما كانت العبرة
في تكييف طبيعة التصرف هي بقصد المتعاقدين وكانت الأسباب التي استند إليها الحكم
المطعون فيه سائغة ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبته عليها المحكمة من اعتبار
التصرفات المطعون عليها منجزة ولا تخفي وصايا فإنه لا سبيل إلى الجدل في ذلك أمام
محكمة النقض. والنعي مردود في شقه الرابع بأن ما أورده الحكم رداً على ما قاله
مورث الطاعنين من صدور التصرفات من المورث تحت تأثير زوجته الشابة وأولاده منها لم
يكن له أثر في قضائه بتنجيز هذه التصرفات لأن الحكم كما سلف القول قد استخلص قصد
التنجيز من أدلة وقرائن أخرى تكفي لحمله في هذا الخصوص ومن ثم يكون الخطأ الذي
يعيبه الطاعنون على الحكم في هذا الشق بفرض تحققه قد وقع فيما قرره الحكم زائداً
على حاجة الدعوى وفيما يستقيم الحكم بدونه ومن ثم فلا يؤثر هذا الخطأ في سلامة
الحكم. والنعي مردود في شقه الخامس بأن ما وصفه الطاعنون بأنه نعي من الحكم
المطعون فيه على المحكمة الابتدائية لتمكينهم من إثبات قصد الإيصاء بشهادة الشهود
هو قول الحكم "يجب أن يراعى أن معيار التمييز بين ما إذا كان المورث يضع اليد
لحساب نفسه أو لحساب ورثته في نطاق التوكيل الواسع الصادر إليه منهم دقيق جداً لأن
الأمر في الواقع خفي للغاية لتعلقه بهواجس نفس المورث وحقيقة مقاصده وما يكنه في
قلبه ويخفيه في نفسه ولا يمكن أن يكون لأقوال الشهود في هذا المقام اعتبار إلا أن
يكونوا على اتصال دائم بالوكيل وسمعوا عنه بعض الشيء خصوصاً وأن الفترة التي انقضت
بين انعقاد التوكيل في 20 أبريل سنة 1950 ووفاته في 12 سبتمبر سنة 1950 لم تكن من
الاتساع بدرجة تكشف للمتصلين به اتصالاً وثيقاً... وتجعلهم يتبينون ما يجيش في صدر
الرجل أو ما يجول في خاطره" وهذا الذي قرره الحكم لم يقصد به نقد مسلك
المحكمة الابتدائية في تمكين الطاعنين من إثبات انطواء التصرفات على وصايا بشهادة
الشهود بل أن الحكم نفسه قد صرح في أسبابه بأن من حق الطاعنين أن يمكنوا من هذا
الإثبات. وإنما قصد بذلك الذي ساقه أن ينبه إلى ضرورة تقدير أقوال الشهود في صدد
ما يقررونه خاصاً بصفة المورث في وضع يده على الأعيان المبيعة بالحيطة والحذر لأنه
قد يدق عليهم التمييز بين ما إذا كان وضع يده لحساب نفسه أو لحساب المطعون عليهم
بصفته وكيلاً عنهم وليس في هذا الذي قرره الحكم ما يعتبر مصادرة لأقوال الشهود أو
إبداء لرأي فيها قبل التعرض لها بالمناقشة والتحليل.
وحيث إنه لما تقدم ذكره
جميعه يكون الطعنان برمتهما على غير أساس ويتعين رفضهما.
(1) راجع نقض 15/ 2/ 1962 طعن 354 س 26 ق السنة 13 ص 279، ونقض 30/ 10/
1958 طعن 146 س 24 ق السنة التاسعة ص 670.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق