الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 أغسطس 2020

دستورية مسئولية المتنازل والمتنازل إليه بالتضامن عما يستحق من ضرائب على أرباح المنشأة المتنازل عنها

الدعوى رقم 111 لسنة 29 ق "دستورية" جلسة 4 / 7 / 2020

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يوليه سنة 2020، الموافق الثالث عشر من ذى القعدة سنة 1441 ه.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو             رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: محمد خيري طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وطارق عبدالعليم أبو العطا             نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى    رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع          أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 111 لسنة 29 قضائية "دستورية".


المقامة من

هيثم حسين محمد حسن

ضد

1- رئيس الجمهورية

2- رئيس مجلس الوزراء

3- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًّا)

4- وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب

5- محمد مصطفى محمد مصطفى

الإجراءات

بتاريخ التاسع من مايو سنة 2007، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة (80) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، فيما نصت عليه من أنه "يكون المتنازل والمتنازل إليه مسئولين بالتضامن عما يستحق من ضرائب على أرباح المنشأة المتنازل عنها حتى تاريخ التنازل، وكذلك عما يستحق من ضرائب على الأرباح الرأسمالية التي تتحقق نتيجة هذا التنازل".


وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى كان قد اشترى من المدعى عليه الخامس، بتاريخ 26/5/2006، الصيدلية الكائنة بالعقار رقم (17) بشارع سلامة عفيفي بالزاوية الحمراء بمحافظة القاهرة، وقد أوهمه البائع أن كل مديونيته لمصلحة الضرائب مبلغ خمسون ألف جنيه، إلا أنه فوجئ بإخطار من مأمورية الضرائب بأن الضريبة المستحقة على بائع الصيدلية منذ عام 1978 حتى عام 1999 تبلغ (108864) جنيهًا، بالإضافة إلى فوائد التأخير، وأنه مسئول بالتضامن مع البائع عن سداد هذا المبلغ، وفقًا لنص الفقرة الثالثة من المادة (80) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، فتقدم بطعن إلى مأمورية الضرائب، وإذ لم تجبه لجنة الطعن الضريبي لطلباته، أقام الدعوى رقم 1879 لسنة 2006 ضرائب كلى، أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، طلبًا للحكم أصليًّا: بإلزام مأمورية الضرائب المختصة بتصويب أسس المحاسبة الضريبية على النحو الذى تم عن السنوات من 2000/2004، لكونها تمثل حقيقة البيع والأرباح. واحتياطيًّا: إحالة الدعوى إلى خبير حسابي لبيان حساب الأرباح الفعلية عن السنوات 1994/1999. وبجلسة 24/3/2007، دفع بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (80) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، أجلت نظر الدعوى لجلسة 26/5/2007، لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.

 

وحيث إن المادة (80) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005 تنص على أنه " في حالة التنازل عن كل أو بعض المنشأة، يلتزم المتنازل بإخطار مأمورية الضرائب المختصة بهذا التنازل خلال ثلاثين يومًا من تاريخ حصوله، وإلا حسبت الأرباح عن سنة ضريبية كاملة.

كما يلتزم المتنازل خلال ستين يومًا من تاريخ التنازل أن يتقدم بإقرار مستقل مبينًا به نتيجة العمليات بالمنشأة المتنازل عنها مرفقًا به المستندات والبيانات اللازمة لتحديد الأرباح حتى تاريخ التنازل، على أن تدرج بيانات هذا الإقرار ضمن الإقرار الضريبي السنوي للمتنازل.

ويكون المتنازل والمتنازل إليه مسئولين بالتضامن عما يستحق من ضرائب على أرباح المنشأة المتنازل عنها حتى تاريخ التنازل، وكذلك عما يستحق من ضرائب على الأرباح الرأسمالية التي تتحقق نتيجة هذا التنازل.

وللمتنازل إليه أن يطلب من مأمورية الضرائب المختصة أن توافيه ببيان عن الضرائب المستحقة لها عن المنشأة المتنازل عنها، وعلى المأمورية أن توافيه بالبيان المطلوب بموجب كتاب موصى عليه مصحوبًا بعلم الوصول، وذلك خلال تسعين يومًا من تاريخ الطلب وإلا برئت ذمته من الضريبة المطلوبة، وتكون مسئوليته محدودة بمقدار المبالغ الواردة في ذلك البيان، ولا يكون للتنازل حجية فيما يتعلق بتحصيل الضرائب، ما لم تتخذ الإجراءات المنصوص عليها قانونًا في شأن بيع المحال التجارية ورهنها".



      وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه يشترط لقبول الدعوى الدستورية توافر المصلحة فيها، ومناط ذلك أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون من شأن الحكم في المسألة الدستورية التأثير فيما أُبدى من طلبات في دعوى الموضوع. متى كان ذلك، وكان مقتضى نص الفقرة الثالثة من المادة (80) من قانون الضرائب على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، أن المتنازل إليه عن المنشأة يكون مسئولاً بالتضامن مع المتنازل عنها عما يستحق من ضرائب على أرباح المنشأة المتنازل عنها حتى تاريخ التنازل، ويكون مسئولاً أيضًا بالتضامن مع المتنازل عما يستحق من ضرائب على الأرباح الرأسمالية التي تتحقق نتيجة هذا التنازل. وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول قرار لجنة الطعن الضريبي بشأن الضرائب المستحقة على أرباح الصيدلية التي اشتراها المدعى من المدعى عليه الخامس، وأسس دعواه على عدم صحة ربط الضريبة، لكون الممول السابق لم يتسلم نموذج (18) ضرائب، فضلاً عن سقوط وتقادم بعض الضرائب المستحقة، وعدم صحة الربط النهائي للضريبة. ومن ثم يكون الفصل في دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (80) من القانون المشار إليه لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المطروحة على محكمة الموضوع، إذ أنشأ نص تلك الفقرة التزامًا على عاتق المدعى – المتنازل إليه عن المنشأة – بأداء الضرائب المستحقة على نشاط المنشأة خلال الفترة السابقة على التنازل عنها، بالتضامن مع المتنازل. ومن ثم تتحقق مصلحة المدعى الشخصية المباشرة في الطعن بعدم دستورية هذه الفقرة، فيما نصت عليه من اعتبار المتنازل إليه مسئولاً بالتضامن مع المتنازل عما يستحق من ضرائب عن أرباح المنشأة المتنازل عنها حتى تاريخ التنازل، دون غيرها من الأحكام التي تضمنتها الفقرة المطعون عليها، وفى هذا الحكم وحده، يتحدد نطاق الدعوى المعروضة.


وحيث إن المدعى ينعى على نص الفقرة الثالثة من المادة (80) من قانون الضرائب على الدخل المشار إليه، أنه فرض مسئولية تضامنية بين المتنازل والمتنازل إليه عن المنشأة، بما يحول دون رقابة القضاء على توافر عناصر قيام هذه المسئولية، ودون اعتبار لإرادة المتنازل والمتنازل إليه، بما ينال من حرية التعاقد باعتبارها فرعًا من الحرية الشخصية، وبالمخالفة لأحكام المادة (279) من القانون المدني، التي توجب أن يكون التضامن بين الدائنين أو المدينين بموجب اتفاق، فضلاً عن أن إلزام المتنازل إليه عن المنشأة بالضريبة المستحقة عن نشاط غيره، يخل بمبدأ المساواة بينه وسائر الأفراد الذين يلتزمون بأداء الضرائب المستحقة عن أنشطتهم، ويخل أيضًا بمبدأ قيام النظام الضريبي على العدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، وذلك كله بالمخالفة لأحكام المواد (8، 38، 40، 41، 61، 64، 68، 119) من دستور سنة 1971.



      وحيث إن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضي إخضاع القواعد القانونية جميعها – أيًّا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القام لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. متى كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعى للنص المطعون عليه – في النطاق السالف تحديده – تندرج تحت المناعي الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي معين لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي. ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها الدستورية على النص المطعون فيه، الذي مازال ساريًّا ومعمولاً بأحكامه، من خلال عرضه على الدستور القائم الصادر في سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.



      وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المطعون فيه للمادة (68) من الدستور الصادر سنة 1971، التي رددت حكمها المادة (97) من الدستور الصادر سنة 2014، ومفادها أن ضمان الدستور لحق التقاضي، مؤداه ألا يُعزل الناس جميعهم أو فريق منهم أو أحدهم من النفاذ إلى جهة قضائية تكفل بتشكيلها، وقواعد تنظيمها، ومضمون القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها أمامها حدًا أدنى من الحقوق التي لا يجوز إنكارها عمن يلجون أبوابها، ضمانًا لمحاكمتهم إنصافًا. وكان لحق التقاضي غاية نهائية يتوخاها تمثلها الترضية القضائية التي يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التي أصابتهم من جراء العدوان على حقوق يطلبونها، فإن أرهقها المشرع بقيود تُعسر الحصول عليها أو تحول دونها، كان ذلك إخلالاً بالحماية التي كفلها الدستور لهذا الحق. ومن المقرر كذلك، أن كفالة حق التقاضي لا تحول دون تنظيم المشرع له كسائر الحقوق الأخرى، على أن يكون ذلك وفق قواعد موضوعية يراها محققة للصالح العام، تلتزم محاكم الجهات القضائية بتطبيقها على وقائع الأنزعة التي تطرح أمامها.



      متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه – في حدود النطاق السالف التحديد - قد تضمن قاعدة موضوعية، تسرى حال التنازل عن المنشأة التي تباشر نشاطًا خاضعًا لقانون الضرائب على الدخل المشار إليه، بموجبها أقام المشرع مسئولية تضامنية بين المتنازل إليه والمتنازل عن هذه المنشأة، عما يستحق من ضرائب على أرباحها حتى تاريخ التنازل، وذلك ضمانًا لتحصيل الضرائب المستحقة على نشاط المنشأة حتى ذلك التاريخ، ومنعًا للتهرب من أداء ما استحق منها خلال الفترة السابقة على التنازل، حفاظًا على حقوق الخزانة العامة للدولة. وقد جاءت الوسيلة التي تضمنها ذلك النص – التضامن – مرتبطة بالغايات التي سعى المشرع لتحقيقها منه، دون تقييد لحق التقاضي أو انتقاص منه، ومن ثم فإن قالة إخلاله بهذا الحق لا تستند إلى أساس سليم.



وحيث إنه عن النعي بمخالفة النص المطعون فيه لنصوص المواد (38، 61، 119) من دستور سنة 1971، التي انتظمت جميع أحكامها المادة (38) من دستور سنة 2014، فإن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الضرائب أو الرسوم أو أى تكاليف أخرى من تلك التي يجوز فرضها على المواطنين بقانون أو في الحدود التي يبينها القانون، وفقًا لنص المادة (38) من الدستور القائم، يتعين أن تكون العدالة الاجتماعية مضمونًا لمحتواها، وغاية يتوخاها المشرع، فلا تنفصل عنها النصوص القانونية التي تقيم النظم الضريبية على اختلاف أنواعها. ذلك أن الضريبة وغيرها من التكاليف العامة التي انتظمتها هذه المادة من الدستور، تمثل في جوهرها عبئًا ماليًّا على المكلفين بها، ويتعين، بالنظر إلى وطأتها، أن يكون العدل من منظور اجتماعي مهيمنًا عليها. وإن كان الدستور قد قرن العدل بكثير من النصوص التي تضمنها – كالمواد (4، 8، 27، 38، 78، 81، 91، 177، 241) – وخلا في الوقت ذاته من تحديد معناه، إلا أن مفهوم العدل يتغيا التعبير عن القيم الاجتماعية التي لا تنفصل عنها الجماعة في حركتها. كذلك فإن اتخاذ العدالة الاجتماعية مضمونًا وإطارًا للنظام الضريبي في الدولة، يقتضي بالضرورة أن يقابل حق الدولة في استئداء الضريبة لتنمية مواردها، للوفاء بالأعباء العامة المنوطة بها، بحق الملتزمين أصلاً بها، والمسئولين عنها، في تحصيلها منهم وفق أسس موضوعية يكون إنصافها نائيًا لتحيفها، وحيدتها ضمانًا لاعتدالها.

 

متى كان ذلك، وكان المتنازل إليه عن المنشأة – المشترى – يجب عليه – وفقًا لمعيار الشخص العادي – أن يحيط بكافة عناصرها، سواء الإيجابية أو السلبية، بما في ذلك ما لها من حقوق، وما عليها من التزامات تجاه الدولة أو الغير، وكان نص المادة (80) من قانون ضريبة على الدخل المشار إليه، قد أتاح – بالفقرة الرابعة – للمتنازل إليه أن يطلب من مأمورية الضرائب المختصة موافاته ببيان عن الضرائب المستحقة لها عن المنشأة المتنازل عنها، وأوجب على المأمورية أن توافيه بهذا البيان خلال تسعين يومًا من تاريخ الطلب، وإلا برئت ذمته من الضريبة المطلوبة، فإذا وافته بهذا البيان خلال المدة المشار إليها كانت مسئوليته محدودة بمقدار المبالغ الواردة به، فضلاً عن الإمكانية المتاحة للمتنازل إليه في أن يطلب هذا البيان من المتنازل. وإذ أقام النص المطعون فيه تضامنًا في المسئولية بين المتنازل إليه والمتنازل عن الضرائب المستحقة على المنشأة حتى تاريخ التنازل، حفاظًا على حقوق الخزانة العامة، وحدًا من حالات التهرب الضريبي، وكان التضامن يجوز بالاتفاق، كما يجوز أن يُفرض بنص في القانون، وفقًا لنص المادة (279) من القانون المدني، متى كان بين المدينين رباط موضوعي يصلح مبررًا لفرضه. وإذ جاء النص المطعون فيه ضمن أحكام القانون المشار إليه، مستندًا إلى أسس موضوعية تقيمه، وتغيا أهدافًا مشروعة تبرره، تحقيقًا للأهداف الدستورية للنظام الضريبي بتنمية موارد الدولة، سعيًّا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، فإن النعي عليه بمخالفة حكم المادة (38) من الدستور القائم تكون على غير أساس صحيح.

 

وحيث إنه عن النعي بإخلال النص المطعون فيه بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما في المواد (4، 9، 53) من الدستور القائم، المقابلة للمادتين (8، 40) من دستور سنة 1971، فهو مردود بأن الدستور القائم قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره – إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص – أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه – بما انطوى عليه من تمييز – مصادمًا لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها أو اعتباره مدخلاً إليها فإن التمييز يكون تحكميًّا وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًّا لمبدأ المساواة. وقد حرص الدستور في المادة (9) منه على كفالة تكافؤ الفرص بين المواطنين، بما يستوجبه ذلك من ترتيب المتزاحمين على الفرص التي كفلها الدستور أو القانون للمواطنين على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعنى أن موضوعية النفاذ إليها مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها، ولا يجوز بالتالي حجبها عمن يستحقها، ولا إنكارها لاعتبار لا يتعلق بطبيعتها ومتطلباتها.

 

لما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لا يتعلق بفرص من تلك التي تتيحها الدولة للمواطنين، مما يلزم معه منحهم فرصًا متكافئة في الحصول عليها، ومن ثم فإن النعي على إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص يكون في غير محله. كذلك فإن هذا النص قد توافر في شأنه شرطا العمومية والتجريد اللازمان في التشريعات المنظمة للحقوق، وبالتالي فإنه ينطبق على كل من توافر له المركز القانوني الموصوف في هذا النص، وهو المتنازل أو المتنازل إليه عن منشأة يسري في شأنها قانون الضريبة على الدخل المشار إليه، فإذا تخلف هذا المركز القانوني في أحد الأفراد، انتفى تبعًا لذلك مناط المساواة بينه وبين من احتل هذا المركز، دون أن يكون في ذلك إخلال بمبدأ المساواة، ذلك أن التمييز في هذه الحالة لا يكون تحكميًّا، وإنما صاغه المشرع لتحقيق أغراض بعينها، هي الحفاظ على موارد الدولة، ومن عناصرها الضريبة على الدخل، تحقيقًا للعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، التي رصدها الدستور هدفًا للنظام الضريبي، ومنعًا – من جهة أخرى – للتهرب الضريبي، الذى اعتبره الدستور جريمة يُعاقب عليها بالقانون. وإذ تعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التي سعى المشرع لبلوغها بالنص المطعون فيه، فإن القول بإخلاله بمبدأ المساواة لا يقوم على أساس صحيح.


وحيث إنه عن النعي بانتهاك النص التشريعي المطعون فيه للحق في الحرية الشخصية، التي تنبثق منها حرية التعاقد، بالمخالفة لنص المادة (54) من الدستور القائم، ولمبدأ سيادة القانون المنصوص عليه في المادة (94) من الدستور، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ضمان الحرية الشخصية لا يعنى غل يد المشرع عن التدخل لتنظيمها، ذلك أن صون الحرية الشخصية يفترض بالضرورة مباشرتها دون قيود جائرة تعطلها، وليس إسباغ حصانة عليها تعفيها من تلك القيود التي تقتضيها مصالح الجماعة وتسوغها ضوابط حركتها، ذلك أن الدستور أعلى قدر الحرية الشخصية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدًا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها. وإذ جاء النص المطعون فيه محققًا سيادة القانون كأساس للحكم في الدولة، مستهدفًا تحقيق مصلحة عامة بضمان استئداء الضريبة المستحقة على نشاط المنشأة المتنازل عنها، عن الفترة السابقة على هذا التنازل، حتى لا يكون هذا التنازل عاملاً مساعدًا على التهرب من أدائها وضياع حق الدولة فيها على نحو يهدر مواردها اللازمة لإنجاز مهامها الدستورية التي ناطها الدستور القائم بها. ومن ثم، فإن قالة إخلال النص المطعون فيه بالحرية الشخصية، وحرية التعاقد قد يكون مفتقرًا – أيضًا – لسنده.

 

لما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه لا يخالف أي نص آخر في الدستور، فقد تعين القضاء برفض الدعوى.

 

فلهذه الأسباب

      حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق