الدعوى رقم 59 لسنة 37 ق "دستورية" جلسة 4 / 7 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يوليه سنة 2020، الموافق
الثالث عشر من ذى القعدة سنة 1441 ه.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيري طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم
والدكتور حمدان حسن فهمي ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار
والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 59 لسنة 37 قضائية "دستورية".
المقامة من
رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للكيماويات والمستحضرات الدوائية (شركة
أدويا)
ضد
1- رئيس الجمهورية
2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل
4- وزير القوى العاملة
5- عصام إمام محمد طيار
الإجراءات
بتاريخ الرابع والعشرين من مارس سنة 2015، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبة الحكم بعدم دستورية المادتين (6، 122) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليه الأخير، كان قد التحق بالعمل لدى الشركة المدعية، بموجب عقد عمل محدد المدة مؤرخ 1/7/2006، بوظيفة فرد أمن، وإثر خلافات نشبت بين الطرفين، منعته الشركة من دخول مقر العمل، فتقدم بشكوى لمكتب العمل، إلا أن الشركة قامت بفصله، وحرمانه من مستحقاته المالية، فأقام الدعوى رقم 1171 لسنة 2012 عمال كلى، أمام محكمة الجيزة الابتدائية، طالبًا الحكم بإلزام الشركة بأن تؤدى له مبلغ مائة ألف جنيه تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية عن الفصل التعسفي، وإلزامها بأن تؤدى له كافة مستحقاته المالية خلال مدة عمله لديها على النحو الذى أورد تفصيله بصحيفة دعواه. وبجلسة 20/10/2012، قضت المحكمة بعدم اختصاصها محليًّا بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها بحالتها إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية، وقيدت الدعوى أمامها برقم 281 لسنة 2013 عمال كلى شمال القاهرة، وبجلسة 24/12/2014، قضت المحكمة بإجابة المدعى لبعض طلباته، ومن ذلك إلزام الشركة بأن تؤدي له مبلغ خمسة عشر ألف جنيه تعويضًا ماديًّا، ومبلغ خمسة آلاف جنيه تعويضًا أدبيًّا، استنادًا لنص المادة (122) من قانون العمل المشار إليه، وألزمتها بالمصروفات ومبلغ 75 جنيهًا مقابل أتعاب المحاماة، ورفض ما عدا ذلك من طلبات. لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الشركة المدعية، فطعنت عليه بالاستئناف رقم 123 لسنة 19 قضائية، أمام محكمة استئناف القاهرة، طالبة الحكم بإلغاء حكم أول درجة لمخالفته للواقع والقانون، والقضاء مجددًا برفض الدعوى، وإلزام المستأنف ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي. وحال نظر الاستئناف بجلسة 17/3/2015، دفع الحاضر عن الشركة بعدم دستورية المادتين (6، 122) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، صرحت لها بإقامة الدعوى الدستورية، فأقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (6) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003
تنص على أنه " تعفى من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي الدعاوى
الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام هذا القانون التي يرفعها العاملون والصبية
المتدرجون وعمال التلمذة الصناعية أو المستحقون عن هؤلاء، وللمحكمة في جميع
الأحوال أن تشمل حكمها بالنفاذ المعجل وبلا كفالة، ولها في حالة رفض الدعوى أن
تحكم على رافعها بالمصروفات كلها أو بعضها.
وتعفى الفئات المشار إليها في الفقرة السابقة من رسم الدمغة على كل الشهادات والصور التي تعطى لهم والشكاوى والطلبات التي تقدم منهم تطبيقا لأحكام هذا القانون."
فإذا كان الإنهاء بدون مبرر صادرًا من جانب صاحب العمل، للعامل أن
يلجأ إلى المحكمة العمالية المشار إليها في المادة (71) من هذا القانون بطلب
التعويض، ولا يجوز أن يقل التعويض الذي تقرره المحكمة العمالية عن أجر شهرين من
الأجر الشامل عن كل سنة من سنوات الخدمة.
ولا يخل ذلك بحق العامل في باقي استحقاقاته المقررة قانونا".
وحيث إنه بشأن طعن الشركة المدعية على دستورية ما تضمنه نص المادة (122) من قانون العمل المشار إليه، من وضع حد أدنى للتعويض الذي يُحكم به للعامل عند انتهاء عقد عمله دون مبرر، وهو ما ينصرف إلى نص الفقرة الثانية من تلك المادة، فقد سبق للمحكمة الدستورية العليا أن حسمت أمر دستورية هذه الفقرة، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 4/5/2019، في الدعوى رقم 5 لسنة 37 قضائية "دستورية"، الذي قضى برفض الدعوى. وقد نُشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية بالعدد رقم 19 (مكرر) بتاريخ 12/5/2019. وكان مقتضى نص المادة (195) من الدستور، ونصي المادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، أن تكون أحكام هذه المحكمة وقراراتها ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيها أو السعي لنقضها من خلال إعادة طرحها على هذه المحكمة من جديد لمراجعتها، الأمر الذي تكون معه الدعوى المعروضة غير مقبولة في هذا الشق منها.
وحيث إن مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. ويتغيا هذا الشرط أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية أو تصوراتها المجردة. وهو كذلك يقيد تدخلها في تلك الخصومة، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه.
لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع المثار في الدعوى الموضوعية، التي أُقيمت الدعوى الدستورية بمناسبتها، تدور حول مطالبة المدعى عليه الأخير بمستحقاته المالية لدى الشركة المدعية، عن فترة عمله لديها، وتعويضه عن الأضرار التي لحقته جراء إنهاء عقد العمل الخاص به دون مبرر، وقد انتهت محكمة أول درجة إجابته لبعض طلباته، وألزمت الشركة بالمصروفات، فطعنت على الحكم بالاستئناف، طالبة القضاء بإلغاء حكم أول درجة والقضاء مجددًا برفض الدعوى، وإلزام العامل بالمصروفات عن درجتي التقاضي. متى كان ذلك، وكان نص الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل المشار إليه قد قصر الإعفاء من الرسوم القضائية، في جميع مراحل التقاضي، على الدعاوى التي يرفعها العاملون – ومن في حكمهم أو المستحقون عنهم – الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام ذلك القانون، دون أصحاب الأعمال، ومن ثم فإن الفصل في دستورية نص تلك الفقرة يرتب انعكاسًا مباشرًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، عند الفصل في المصروفات، والرسوم القضائية، الأمر الذي يتوافر معه للشركة المدعية مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن على دستورية نص صدر هذه الفقرة، دون نص الفقرة الثانية من تلك المادة، المتعلقة بالإعفاء من رسم الدمغة، لعدم تقديم الشركة المدعية ما يفيد سدادها لرسم الدمغة المستحق على المستندات الواردة في تلك الفقرة. ومن ثم، يتحدد نطاق الدعوى المعروضة فيما انطوى عليه نص الفقرة الأولى من المادة (6) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، من قصر الإعفاء من الرسوم القضائية، في جميع مراحل التقاضي، على الدعاوى التي يرفعها العاملون، ومن في حكمهم، أو المستحقون عنهم، دون أصحاب الأعمال.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على المادة (6) من قانون العمل المشار إليه، في حدود النطاق المحدد سلفًا - إخلالها بمبدأي تكافؤ الفرص، والمساواة، بين العمال وأصحاب الأعمال الخاضعين لأحكامه، بما أوجدته من تمييز بينهما، بتقريرها إعفاء الدعاوى التي يرفعها العاملون – الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام هذا القانون – من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي، حارمة أصحاب الأعمال من هذا الإعفاء، وهو ما يترتب عليه الانتقاص من أموالهم، بقدر الرسوم القضائية التي يتحملون بها، بما يخل بالحماية المقررة للملكية الخاصة، ويؤدى في الوقت ذاته إلى عزوفهم عن استثمار أموالهم في المشروعات المختلفة، بما يعيق فرض الاستثمار.
وحيث إن الدستور قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصون وحدته الوطنية. وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والحريات والواجبات العامة، ومن ذلك حق التقاضي، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) المشار إليهما. بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها، إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم.
وحيث إن المساواة التي يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص – وفقًا لنصوص المواد (4، 9، 53) من الدستور القائم، التي تردد حكمها في الدساتير المصرية السابقة – تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات المنظمة للحقوق، ولكنها ليست مساواة حسابية، ذلك أن المشرع يملك بسلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام، وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية، التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية، وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر، انتفى مناط التسوية بينهم، وكان لمن توافرت فيهم الشروط – دون سواهم – أن يمارسوا الحقوق التي كفلها المشرع لهم. ولا يُعد التجاء المشرع إلى أسلوب تحديد شروط موضوعية يقتضيها الصالح العام للتمتع بالحقوق، إخلالاً بشرطي العموم والتجريد في القاعدة القانونية، ذلك أنه يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا، قد جرى على أن النصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
متى كان ما تقدم، وكان المشرع بموجب النص المطعون فيه، قد أعفى الدعاوى الناشئة عن المنازعات المتعلقة بأحكام قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، التي يرفعها العمال ومن في حكمهم، أو المستحقون عنهم، من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي، دون أصحاب الأعمال، وكانت الغاية من قصر هذا الإعفاء عليهم، تمكين العمال من الدفاع عن حقوقهم بالولوج إلى ساحة القضاء، غير محملين بعبء هذه الرسوم، واضعًا نصب عينيه تباين أوضاعهم المالية التي لا تُمكن قطاعًا كبيرًا منهم من تحمل هذا العبء المالي، وحتى لا يحول هذا العبء بين العامل وطرح دعواه على القضاء. وهي اعتبارات لا تتوافر في أصحاب الأعمال. وقد جاء هذا الإعفاء متضمنًا قاعدة عامة مجردة تنطبق على كافة العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل المشار إليه – أُسوة بما ورد بقوانين العمل السابقة - ولا يقيم تمييزًا بين مراكز قانونية تتحد العناصر التي تكونها، أو يناقض ما بينها من اتساق، بل يظل المخاطبون به ملتزمين بقواعد موحدة في مضمونها وأثرها. ومن ثم، فإن قالة مناقضته لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، أمام القضاء، تكون لغوًا.
وحيث إنه عن النعي بإخلال النص المطعون فيه بالحماية المقررة للملكية الخاصة، فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور وإنْ كان قد كفل حق الملكية الخاصة، وأحاطه بسياج من الضمانات التي تصون هذه الملكية، وتدرأ كل عدوان عليها، فإنه في ذلك كله لم يخرج عن تأكيده على الدور الاجتماعي لحق الملكية، حيث يجوز تحميلها ببعض القيود التي تقتضيها أو تفرضها ضرورة اجتماعية، طالما لم تبلغ هذه القيود مبلغًا يصيب حق الملكية في جوهره أو يُعدم جل خصائصه. وكان من المقرر أيضًا في قضاء هذه المحكمة أن مدلول الرسوم القضائية لا يختلف عن مدلول المصروفات القضائية، في اشتمال كل منهما على رسم الدعوى، ورسوم الصور والشهادات والملصقات والأوراق القضائية والإدارية، وأجر نشر الإعلانات، والمصاريف الأخرى، كأمانة الخبير وبدل سفر الشهود، وغيرها مما كان لازمًا لتحقيق الدعوى أو اتخاذ إجراءات تحفظية أثناء سيرها، وأتعاب المحاماة. إلا أنه حال وجود نص قانونيا يقضي بالإعفاء من الرسوم القضائية، لاعتبارات قدرها المشرع، إما لتيسير السبيل للمطالبة القضائية بما يُعتقد أنه حق، أو تقديرًا من الدولة لرفع العبء عن بعض الجهات أو الهيئات، فإن أثر هذا الإعفاء يقتصر على ما هو مستحق فقط من رسوم للدولة عند رفع الدعوى أو الطعن في الحكم الصادر فيها، باعتبار أن الرسم مبلغ من النقود تحصله الدولة جبرًا من شخص معين مقابل خدمة يؤديها له أحد مرافقها، ومن ذلك مرفق القضاء. أما ما ينفقه الخصم الآخر الذي كسب الدعوى من رسوم أو مصاريف، فإنه إعمالاً لنص المادة (184) من قانون المرافعات، يتعين إلزام خاسر الدعوى بها، وهو من رفعها أو دفعها بغير حق، إذ عليه أن يتحمل ما ألجأ إليه خصمه من دفع رسوم ومصروفات. وأساس الإلزام بالمصاريف أن الخصومة القضائية، كوسيلة قانونية لحماية الحق، يجب ألا يؤدى استخدامها من قبل صاحب الحق إلى إنقاص حقه بمقدار ما تحمله من نفقات في سبيل حمايته، فلا ينبغي أن يكون طلب الحق سببًا للغرم والخسران. وذلك كله، ما لم ينص القانون صراحة على أن الإعفاء من الرسوم القضائية، يشمل ما توجبه المادة (184) من قانون المرافعات، من إلزام خاسر الدعوى بالمصاريف، ويدخل في حسابها مقابل أتعاب المحاماة.
لما كان ذلك، وكانت الرسوم القضائية تؤدى أصلاً للدولة، بحسبان مرفق العدالة قد أدى الخدمة التي طُلبت منه كمقابل لتكلفتها، وعوضًا عما تكبدته من نفقات في تسييره، فإن ما أورده المشرع بالنص المطعون فيه من إعفاء الدعاوى التي يرفعها العاملون ومن في حكمهم، من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي، في منازعاتهم العمالية، كان للاعتبارات التي قدرها، ولا تتوافر في أصحاب الأعمال. وقد ألقى بعبء تلك الرسوم على عاتق الدولة، دون أن يستطيل ذلك لأموال أصحاب الأعمال، ما لم يكن صاحب العمل هو المتسبب في الخصومة القضائية، بإنكاره حقوقًا للعامل، على نحو اضطره إلى ولوج ساحة القضاء، ففي هذه الحالة كان لزامًا تحمل صاحب العمل بالرسوم القضائية، باعتباره خاسر الدعوى. ومن ثم، فإن قالة إخلال النص المطعون فيه بالحماية التي أحاط بها الدستور، في المادتين (33، 35) منه، الملكية الخاصة، تكون مفتقرة لسندها.
وحيث إن الدستور قد أكد في المادتين (27، 28) منه أهمية الاستثمار وتشجيعه، وتوفير المناخ الجاذب له، وجعل ذلك التزامًا دستوريًّا على الدولة، وهدفًا للنظام الاقتصادي تسعى الدولة إلى تحقيقه من خلال خطة التنمية التي تضعها تنفيذًا له. كما اعتبر الحفاظ على حقوق العاملين أحد أهداف هذا النظام، وعنصرًا جوهريًّا في تحقيق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة في علاقة العمل، وقيدًا على كل تشريع يتم إقراره، يتناول بالتنظيم أيًّا من تلك الحقوق. وفى هذا الإطار ضمَّن الدستور نص المادة (92) منه قيدًا عامًا على سلطة المشرع التقديرية في مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات بألا يترتب على ذلك تقييد ممارستها بما يمس أصلها وجوهرها، وإلا وقع في حومة مخالفة الدستور.
متى كان ذلك، وكان ما أورده النص
المطعون فيه من إعفاء الدعاوى الناشئة عن المنازعات المتعلقة بقانون العمل، التي يرفعها
العمال ومن في حكمهم أو المستحقون عنهم، من الرسوم القضائية في جميع مراحل التقاضي،
قصد به حماية حقوقهم، باعتباره أحد أهداف النظام الاقتصادي التي تسعى الدولة إلى
تحقيقه من خلال خطة التنمية التي تضعها تنفيذًا له، وعنصرًا جوهريًا في تحقيق
التوازن بين مصالح طرفي علاقة العمل، بدعم العمال في سبل المطالبة القضائية
بحقوقهم إذا ما ألجأتهم الظروف إلى ذلك، بما يشعرهم بالطمأنينة، وينعكس أثره على
إقبالهم على العمل وتحسين جودته، وزيادة الإنتاج، وهو ما يعود بالنفع على أصحاب
الأعمال، ويشجعهم على زيادة استثماراتهم، والتوسع فيها. ومن ثم، فإن قالة إعاقة
النص المطعون فيه للاستثمار تكون فاقده لسندها.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أيًّا من أحكام الدستور الأخرى، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت الشركة المدعية المصروفات، ومبلغ مائتي
جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق