الدعوى رقم 161 لسنة 36 ق "دستورية" جلسة 4 / 7 / 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع من يوليه سنة 2020،
الموافق الثالث عشر من ذى القعدة سنة 1441 ه.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم
والدكتور حمدان حسن فهمى ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار
والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 161 لسنة 36 قضائية "دستورية"، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الحادية عشر- فحص طعون) بحكمها الصادر بجلسة 7/7/2014، ملف الطعنين رقمى 19926 و20393 لسنة 55 قضائية "عليا".
المقام أولهما من
1- رئيس محكمة جنوب القاهرة الابتدائية،
بصفته رئيس اللجنة المشرفة على انتخابات نقابة المحامين
2- وزير العدل
ضد
1- خالد محمد أحمد بدوى، وشهرته "خالد
بدوى"
2- رئيس اللجنة المشرفة على إدارة نقابة المحامين
والمقام ثانيهما من
خالد محمد أحمد بدوى، وشهرته "خالد بدوى"
ضد
1- رئيس محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، بصفته رئيس اللجنة المشرفة
على انتخابات نقابة المحامين
2- رئيس اللجنة المشرفة على إدارة نقابة المحامين
3- وزير العدل
الإجراءات
بتاريخ الثالث عشر من سبتمبر سنة 2014، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الطعنين رقمي 19926، 20393 لسنة 55 قضائية "عليا"، بعد أن حكمت (الدائرة الحادية عشرة- فحص طعون) بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 7/7/2014، بوقف الطعنين تعليقًا، وإحالة أوراقهما إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادتين (44، 134) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم
فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أنه بتاريخ 19/4/2009، أقام المطعون ضده في الطعن الأول (الطاعن في الطعن الثاني) الدعوى رقم 35262 لسنة 63 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، ضد كل من رئيس محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، بصفته رئيس اللجنة المشرفة على انتخابات نقابة المحامين، ورئيس اللجنة المشرفة على إدارة تلك النقابة، ووزير العدل، طالبًا الحكم بقبولها شكلاً، وبوقف تنفيذ القرارين، الصادر أولهما: باستبعاده من كشوف الناخبين بالجمعية العمومية لنقابة المحامين، وثانيهما: بفتح باب الترشيح لانتخابات النقابة العامة للمحامين، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها إدراج اسمه في كشوف المرشحين للانتخابات المزمع إجراؤها في 23/5/2009، وذلك على سند من صدور حكم ضده في الجناية رقم 18 لسنة 1999 جنايات عسكرية عليا، بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وقد نفذ العقوبة وأُفرج عنه شرطيًّا في 8/10/2002، إلا أنه فوجئ بصدور قرار باستبعاد اسمه من كشوف الناخبين بالجمعية العمومية لنقابة المحامين، فتظلم من هذا القرار دون جدوى، مما حدا به إلى إقامة دعواه، ناعيًّا على القرار المطعون فيه صدوره مشوبًا بعيب إساءة استخدام السلطة والانحراف بها، وعيب اغتصاب السلطة، وكذلك عدم قيامه على سبب يتفق وصحيح حكم القانون. وبتاريخ 30/4/2009، أقام أيضًا الدعوى رقم 36755 لسنة 63 قضائية، أمام المحكمة ذاتها، طالبًا الحكم بوقف تنفيذ القرار الصادر بتاريخ 29/4/2009، باستبعاد اسمه من كشوف المرشحين لمنصب نقيب المحامين للانتخابات المزمع إجراؤها بتاريخ 23/5/2009، وتنفيذ الحكم بموجب مسودته الأصلية وبدون إعلان، وما يترتب على ذلك من آثار، أخصها وقف إجراء انتخابات نقابة المحامين. وفى الموضوع بإلغاء ذلك القرار، وما يترتب على ذلك من آثار. وذلك استنادًا إلى أنه بتاريخ 4/4/2009، تم فتح باب الترشيح لانتخابات النقابة العامة للمحامين، وبتاريخ 13/4/2009، تقدم إلى اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات بطلب ترشحه لمنصب نقيب المحامين، وبتاريخ 29/4/2009، صدر القرار المطعون فيه باستبعاده من كشوف المرشحين لهذا المنصب، على سند من استبعاده من كشوف الناخبين، فتظلم من هذا القرار دون جدوى، مما حدا به إلى إقامة الدعوى المشار إليها، ناعيًّا على القرار المطعون فيه مخالفته للدستور والقانون، وصدوره منسوبًا بعيب إساءة استخدام السلطة والانحراف بها. تدوولت الدعويان أمام المحكمة، وتم ضمهما ليصدر فيهما حكم واحد، وقضت المحكمة فيهما بجلسة 10/5/2009، بوقف تنفيذ القرارين الصادرين من رئيس محكمة جنوب القاهرة، بصفته رئيس اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقابة المحامين، فيما تضمناه من استبعاد المدعى من كشوف الجمعية العمومية لنقابة المحامين ومن كشوف المرشحين لمنصب نقيب المحامين للانتخابات المزمع إجراؤها يوم 23/5/2009، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً لدى الطاعنين في الطعن رقم 19926 لسنة 55 قضائية عليا، فقد أقاما ذلك الطعن، ناعيين على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، لأسباب حاصلها أن الفصل في ذلك النزاع يخرج عن نطاق الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة، إعمالاً لنصوص قانون المحاماة، التي ناطت بجهة القضاء العادي الفصل في الطعن على قرارات الاستبعاد من كشوف الناخبين أو المرشحين، فضلاً عن أن القرارين المطعون فيهما قد صدرا من السلطة المختصة بإصدارهما، على سند من السبب المبرر لهما قانونًا، بحسبان المدعى، وقد صدر ضده حكم في جناية، قد فقد شرطًا من شروط القيد، وسقط قيده في عضوية النقابة بقوة القانون، منذ ذلك التاريخ، إعمالاً للمادة (13) من قانون المحاماة المعدلة بالقانون رقم 197 لسنة 2008، ومن ثم وجب على اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات استبعاده من كشوف الناخبين والمرشحين عند قيامها بمباشرة اختصاصها بمطابقة الكشوف للواقع الفعلي. ومن جانب آخر، وإذ لم يلق حكم محكمة القضاء الإداري قبولاً لدى الطاعن في الطعن رقم 20393 لسنة 55 قضائية عليا، فقد أقام الطعن المشار إليه، ناعيًّا على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون. وتدوول نظر الطعنين أمام المحكمة الإدارية العليا، وبعد أن قررت ضمهما ليصدر فيهما حكم واحد، قضت فيهما بجلسة 7/7/2014، بوقف الطعنين تعليقًا، وإحالة أوراقهما إلى هذه المحكمة للفصل في دستورية المادتين (44) و(134) من قانون المحاماه المشار إليه.
وحيث إن المادة (44) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة
1983 تنص على أن "لمجلس النقابة بعد سماع أقوال المحامي أو بعد إعلانه في حالة
تخلفه عن الحضور، أن يصدر قرارًا مسببًا بنقل اسمه إلى جدول المحامين غير
المشتغلين إذا فقد شرطًا من شروط القيد في الجدول العام المنصوص عليها في هذا
القانون.
ويكون للمحامي حق الطعن أمام الدائرة الجنائية بمحكمة النقض في القرار الذي يصدر في هذا الشأن خلال الأربعين يومًا التالية لإعلانه بهذا القرار".
ويُعد مجلس النقابة قائمة المرشحين خلال عشرة أيام على الأكثر من قفل باب الترشيح، وتعلن على المحامين في النقابات الفرعية. ولمن أغفل إدراج اسمه بها أن يتظلم إلى مجلس النقابة أو أن يطعن في قراره أمام محكمة استئناف القاهرة خلال عشرة أيام من تاريخ نشر كشوف المرشحين، ويفصل في الطعن على وجه الاستعجال".
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع الدستوري، بدءًا من دستور سنة 1971، قد حرص على دعم مجلس الدولة، الذى أصبح بنص المادة (172) منه، جهة قضائية قائمة بذاتها، محصنة ضد أي عدوان عليها أو على اختصاصها المقرر دستوريًّا، وهو ما أكده الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011، الذى أورد الحكم ذاته في المادة (48) منه، وكذلك المادة (174) من الدستور الصادر عام 2012، وأخيرًا المادة (190) من الدستور الحالي، التي تنص على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية ..... ". ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود التي كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، فاستحدث بالمادة (68) من دستور سنة 1971، نصًّا يقضى بأن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، وأن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وهو ما انتهجه نص المادة (21) من الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011، ونص المادة (75) من الدستور الصادر عام 2012، وقد سار الدستور الحالي على النهج ذاته في المادة (97) منه، وبذلك سقطت جميع النصوص القانونية التي كانت تحظر الطعن في القرارات الإدارية، وأزيلت جميع العوائق التي كانت تحول بين المواطنين والالتجاء إلى مجلس الدولة، بوصفه القاضي الطبيعي للمنازعات الإدارية . وإذ كان المشرع الدستوري بنصه في عجز المادة (97) من الدستور الحالي على أن " ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي "، قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة، تتكافأ فيه مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم والدفاع عن مصالحهم الذاتية، وأن الناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائمًا أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة، سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها. وفى ضوء تلك الأحكام، فقد غدا مجلس الدولة قاضى القانون العام، وصاحب الولاية العامة، دون غيره من جهات القضاء، في الفصل في كافة المنازعات الإدارية، عدا ما استثناه الدستور ذاته بنصوص صريحة ضمنها وثيقته.
وحيث إن الدستور الحالي قد نص في الفقرة الأولى من مادته (76) على أن "إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتمارس نشاطها بحرية، وتسهم في رفع مستوى الكفاءة بين أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم". كما نص في المادة (77) منه على أن " ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقًا لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية ....."
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد استقر على أن الحق في تكوين التنظيم النقابي، فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يتمحض تصرفًا إراديًّا حرًا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها، ليظل بعيدًا عن سيطرتها، ومن ثم تنحل الحرية النقابية، إلى قاعدة أولية في التنظيم النقابي، تمنحها بعض الدول – ومن بينها جمهورية مصر العربية – قيمة دستورية في ذاتها، لتكفل لكل عامل أو مهني حق الانضمام إلى المنظمة النقابية التي يطمئن إليها، أو أن يَعدل عن البقاء فيها مُنهيًّا عضويته بها. وهذه الحقوق التي تتفرع عن الحرية النقابية، تُعد من ركائزها، ويتعين ضمانها لمواجهة كل إخلال بها.
وحيث إن قانون المحاماة الصادر بالقانون
رقم 17 لسنة 1983، قد نص في مادته المائة والعشرين على إنشاء نقابة للمحامين، تكون
لها الشخصية الاعتبارية، تضم المحامين في جمهورية مصر العربية المقيدين بجداولها.
وقد أضفى هذا القانون على النقابة شخصية اعتبارية مستقلة، وخولها حقوقًا من نوع ما
تختص به الهيئات الإدارية العامة، مما يدل على أنها جمعت بين مقومات الهيئة العامة
وعناصرها من شخصية مستقلة وقيامها على إدارة مرفق عام، مستعينة في ذلك ببعض مزايا
السلطة العامة التي منحها لها القانون، تمكينًا لها من أداء المهام الموكلة لها في
خدمة المهنة القائمة عليها، ورعاية أعضائها، والدفاع عن حقوقهم، وحماية مصالحهم،
ومن أجل ذلك جعل عضويتها إجبارية على المشتغلين بمهنة المحاماة، كما ألزم المنتمين
للنقابة بأداء رسم قيد واشتراكات سنوية، وأنشأ هيئة تأديبية يحاكم أمامها الأعضاء
الذين يخالفون قانون النقابة أو لائحتها الداخلية أو يرتكبون أمورًا مخلة بواجبات
المهنة أو ماسة بكرامتها، ومن ثم تغدو نقابة المحامين من أشخاص القانون العام،
وتُعد الطعون المتعلقة بالقرار الصادر بنقل اسم المحامي إلى جدول المحامين غير
المشتغلين إذا فقد شرطًا من شروط القيد في الجدول العام، والطعون المتعلقة بإغفال
إدراج اسم المحامي طالب الترشيح في قائمة المرشحين لعضوية مجلس النقابة، من قبيل
المنازعات الإدارية، التي ينعقد الاختصاص بنظرها والفصل فيها لمحاكم مجلس الدولة
بهيئة قضاء إداري دون غيرها، طبقًا لنص المادة (190) من الدستور. وإذ
أسندت الفقرة الثانية من كل من المادتين (44، 134) من قانون المحاماة الصادر
بالقانون رقم 17 لسنة 1983، الفصل في تلك المنازعات إلى الدائرة الجنائية بمحكمة
النقض ومحكمة استئناف القاهرة، التابعتين لجهة القضاء العادي، فإن مسلك المشرع،
على هذا النحو يكون مصادمًا لنص المادة (190) من الدستور، الذي أضحى، بمقتضاه،
مجلس الدولة، دون غيره، هو صاحب الولاية العامة في الفصل في المنازعات الإدارية
وقاضيها الطبيعي، الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم دستورية هذين النصين.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من كل من المادتين (44 و134) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، فيما تضمنه أولهما من إسناد الفصل في الطعن على القرار الصادر بنقل اسم المحامي إلى جدول المحامين غير المشتغلين، إلى الدائرة الجنائية بمحكمة النقض، وما تضمنه ثانيهما من إسناد الفصل في الطعن على إغفال إدراج اسم المحامي بقائمة المرشحين لعضوية مجلس النقابة، إلى محكمة استئناف القاهرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق