جلسة 25 من ديسمبر سنة 1980
برياسة السيد المستشار الدكتور أحمد رفعت خفاجى نائب رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: حسن جمعة، وأحمد محمود هيكل، وصفوت خالد مؤمن، وأحمد
أبو زيد.
---------------------
(218)
الطعن
598 لسنة 50 القضائية
(1)محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع.
"الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بارتكاب الجريمة
بمعرفة آخر. موضوعي. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
عدم التزام المحكمة بتتبع
المتهم في مناحي دفاعه الموضوع.
(2) محكمة
الموضوع. "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". حكم.
"تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "شهود".
حق محكمة الموضوع في
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة
أمامها. ما دام استخلاصها سائغاً. وزن أقوال الشهود. موضوعي.
(3)قتل عمد. مسئولية جنائية.
قصد جنائي. "الخطأ في شخص المجني عليه". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير
معيب".
انتهاء الحكم إلى أن
واقعة الدعوى صورة من حالات الخطأ في الشخص. مؤداه؟
الخطأ في شخص المجني عليه
لا يغير من قصد المتهم، ولا من ماهية الفعل الجنائي الذي ارتكبه تحقيقاً لهذا
القصد. مسئوليته عن الإصابة العمدية. ولو أصاب شخصاً غير الذي تعمد ضربه. العمد
يكون باعتبار الجاني وليس باعتبار المجني عليه.
(4)حكم. "ما لا يعيب
الحكم في نطاق التدليل". "حجية الحكم".
العبرة في الحكم
بالمعاني، لا بالألفاظ والمباني.
(5) عقوبة.
"العقوبة المبررة". قتل عمد. شروع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير
معيب". نقض. "المصلحة في الطعن".
عدم جدوى النعي على الحكم
في صدد جريمتي قتل وشروع فيه. متى أخذ المتهم بجريمة قتل أخرى ثبتت في حقه. وأوقع
عليه عقوبتها بحسبانها العقوبة الأشد.
(6)قتل عمد. سبق إصرار.
مسئولية جنائية.
مساءلة الجاني عن جريمة
القتل التي ارتكبها مع غيره متى توافر سبق الإصرار وإن قل نصيبه في الأفعال
المادية المكونة لها.
ثبوت أن الجاني قد قل
نصيبه في الأفعال المادية المكونة للجريمة أو أنه قام بنصيب أو في من هذه الأفعال،
لا يغير من أساس المسئولية.
(7)وصف التهمة. محكمة
الموضوع. "سلطتها في تعديل وصف التهمة". دفاع. "الإخلال بحق
الدفاع. ما لا يوفره".
حق محكمة الموضوع في رد
الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني الصحيح، دون لفت نظر الدفاع، ما دامت
الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة. هي بذاتها التي اتخذت أساساً للوصف الجديد.
مثال.
--------------------
1 - النعي بالتفات الحكم
عن دفاع الطاعن بعدم ارتكابه الجريمة وأن مرتكبها هو شخص آخر مردود بأن نفي التهمة
من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من
أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم
قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة
المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد
التفاته عنها أنه أطرحها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن
يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى
واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
2 - لما كان من المقرر أن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص
من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة
لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام
استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق
كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي
يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها
من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره
التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات
التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كان الطاعن لا ينازع في صحة ما
نقله الحكم من أقوال شهود الإثبات فإنه لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم في صورة
الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا تعويله في قضائه بالإدانة على
أقوال شهود الإثبات بدعوى أن الجاني كان في إمكانه ارتكاب الجريمة دون أن يراه أحد
إذ أن مفاد ما تناهى إليه الحكم من تصوير للواقعة هو إطراح دفاع الطاعن المخالف
لهذا التصوير.
3 - لا يجدي الطاعن التحدي بأن الحكم لم يفصح عن بيان نية القتل
لمن أخطأ في شخصهم من المجني عليهم لأن تحديد هذا القصد بالمجني عليه الأول بذاته
أو تحديده وانصراف أثره إلى المجني عليهم الآخرين لا يؤثر في قيامه ولا يدل على
انتفائه ما دامت الواقعة كما أثبتها الحكم لا تعدو أن تكون صورة من حالات الخطأ في
الشخص التي يؤخذ الجاني فيها بالجريمة العمدية حسب النتيجة التي انتهى إليها فعله
ولأن الخطأ في شخص المجني عليه لا يغير من قصد المتهم ولا من ماهية الفعل الجنائي
الذي ارتكبه تحقيقاً لهذا الغرض، ومن ثم فإن ما أورده الحكم بياناً لنية القتل
وتوافرها لدى الطاعن بالنسبة لجريمة قتل المجني عليه الأول ينعطف حكمه بطريق
اللزوم إلى جرائم القتل والشروع فيه الأخرى التي دانه بها.
4 - لا يقدح في سلامة الحكم ما سطره في مقام نفي ظرف الاقتران من
القول بأن الطاعن "لم يقصد قتل المجني عليهم من الثاني إلى الرابع وإنما نشأ
هذا القتل والشروع فيه نتيجة إطلاق النار قاصداً قتل المجني عليه الأول، إذ البين
من السياق الذي تخللته هذه العبارة - على ما سلف بيانه - أنها تعني أن الطاعن أطلق
النار على المجني عليه الأول قاصداً قتله فأخطأته بعض الأعيرة وأصابت المجني عليهم
الآخرين ولا تعني انتفاء نية القتل لديه في شأن هؤلاء بل هي ترديد لما ساقه الحكم
من قبل حسبما يبين من مدوناته المتكاملة، ومن ثم فإن صياغتها على النحو المشار
إليه لم تكن بذي أثر على عقيدة المحكمة التي تقوم على المعاني لا على الألفاظ
والمباني وطالما كان المعنى المقصود منها هو توافر نية القتل لا انتفاؤها.
5 - بحسب الحكم ما أثبته من قيام جريمة قتل المجني عليه الأول مع
سبق الإصرار والترصد في حق الطاعن كي يستقيم قضاؤه عليه بالأشغال الشاقة لمدة خمس
عشرة سنة، ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما ينعاه على الحكم بالنسبة لجرائم القتل
والشروع فيه الأخرى ما دام البين من مدوناته أنه طبق نص المادة 32 من قانون العقوبات
وأوقع على الطاعن عقوبة واحدة عن كافة الجرائم التي دانه بها - تدخل في حدود
العقوبة المقررة لجريمة قتل المجني عليه الأول. وإذ كان الحكم قد أثبت مقارفة
الطاعن لجرائم القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار فقد وجب مساءلته عنها سواء
ارتكبها وحده أو مع غيره ولا يغير من أساس المسئولية في حكم القانون أن يثبت أن
الجاني قد قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة لها أو قام بنصيب أوفى من هذه
الأفعال.
6 - لا يعيب الحكم إن هو نسب إلى الطاعن مقارفته لهذه الجرائم مع
غيره في حين أن وصف التهمة المرفوع بها الدعوى قد أفرده بالاتهام دون لفت نظره إلى
ذلك، لما هو مقرر من أن المحكمة لا تتقيد بالوصف الذي تسبغه النيابة على الفعل
المسند إلى المتهم، بل هي مكلفة بتمحيص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها
وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً دون حاجة إلى أن تلفت نظر
الدفاع إلى ذلك ما دام أن الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة
بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم أساساً للوصف الذي دان المتهم بها
دون أن تضيف إليها المحكمة شيئاً. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار
الطاعن فاعلاً مع غيره وهو وصف غير جديد في الدعوى ولا مغايرة فيه للعناصر التي
كانت مطروحة على المحكمة ولا يعد ذلك في حكم القانون تغييراً لوصف التهمة المحال
بها الطاعن بل هو مجرد تصحيح لبيان كيفية ارتكاب الجريمة مما يصح إجراؤه في الحكم
دون تنبيه الدفاع إليه في الجلسة ليترافع على أساسه.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه. (أولاً). قتل....... عمداً مع سبق
الإصرار والترصد وذلك بأن بيت النية على قتله وعقد العزم على ذلك فأعد لذلك أسلحة
نارية سريعة الطلقات وذخيرة وابتدره بعدد من الطلقات النارية قاصداً من ذلك قتله
فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (ثانياً).
قتل...... مع سبق الإصرار وذلك بأن بيت النية على قتل..... وعقد العزم على ذلك
فأعد لذلك سلاحاً نارياً سريع الطلقات وذخيرة وابتدره بعدد من الأعيرة النارية
قاصداً من ذلك قتله فحادث إحدى الطلقات عن الهدف وأصابت ...... فأحدث به الإصابة
الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (ثالثاً). شرع في قتل كل
من..... و...... عمداً وذلك مع سبق الإصرار والترصد. (رابعاً). أحرز بغير ترخيص
سلاحاً نارياً "مدفعاً" مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه.
(خامساً). أحرز ذخيرة مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مصرحاً
له بحمل الأسلحة والذخائر وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات
لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك. ومحكمة جنايات
الجيزة قضت حضورياً عملاً بالمواد 45، 46، 230، 231، 232 من قانون العقوبات
والمواد 1/ 2، 6، 26/ 2 - 4 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة
1954، 75 لسنة 1958 والقسم الثاني من الجدول رقم 3 الملحق بمعاقبة المتهم بالأشغال
الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم
القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار والترصد وإحراز سلاح ناري وذخائر بغير
ترخيص قد شابه القصور والتناقض في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن دفاع
الطاعن قام على أنه لم يرتكب الجريمة وأن مقارفها هو المتهم الآخر - المتوفى -
أخذاً بثأر والده وأنه لا يتصور وقوع الحادث كما رواه شهود الإثبات بل إن طبيعة
مكان الحادث ووجود زراعة محيطة به تمكن الجاني من الاختفاء فيها وارتكاب الجريمة
دون أن يراه أحد إلا أن المحكمة أعرضت عن هذا الدفاع ولم ترد عليه، كما أن الحكم
اقتصر على بيان نية القتل في جريمة قتل المجني عليه الأول دون أن يدلل على توافرها
لدى الطاعن بالنسبة لجرائم القتل والشروع فيه الأخرى التي دانه بها، بل نفى عنه
هذا القصد في حديثه عنها وهو ما يكشف عن اضطراب الواقعة وعدم استقرارها في ذهن
المحكمة، كذلك لم تلفت المحكمة نظر الطاعن لتعديلها وصف التهمة الوارد بأمر
الإحالة حين اعتبرته فاعلاً مع غيره، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن وآخر (توفي) انتويا قتل المجني عليه
الأول لخصومة ثأرية وأعدا لذلك أسلحة نارية سريعة الطلقات وترصدا له في زراعة قصب
أمام المكان الذي اعتاد التردد عليه لصرف مقرراته التموينية وما أن ظفرا به حتى
أطلق عليه الطاعن عدة أعيرة نارية من مدفعه الرشاش كما أطلق عليه الآخر عدة أعيرة
من بندقيته فأردياه قتيلاً، كما أصابت إحدى الأعيرة التي أطلقها الطاعن المجني
عليه الثاني فأرداه قتيلاً وأصابت بعض الطلقات المجني عليهما الثالث والرابع
وأسعفا بالعلاج. وساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة
سائغة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقرير الصفة التشريحية والتقارير الطبية
وتتوافر بها كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وتؤدي إلى ما
رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان النعي بالتفات الحكم عن دفاع الطاعن بعدم
ارتكابه الجريمة وأن مرتكبها هو شخص آخر مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع
الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي
أوردها الحكم، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد
الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم
ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها
ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير
الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا
يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل أن من حق
محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط
البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها
من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق
ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - وكان وزن أقوال الشهود
وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها
من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة
التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت شهادتهم فإن ذلك يفيد
أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كان
الطاعن لا ينازع في صحة ما نقله الحكم من أقوال شهود الإثبات فإنه لا يكون ثمة محل
لتعييب الحكم في صورة الواقعة التي اعتنقتها المحكمة واقتنعت بها ولا تعويله في
قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات بدعوى أن الجاني كان في إمكانه ارتكاب
الجريمة دون أن يراه أحد إذ أن مفاد ما تناهى إليه الحكم من تصوير للواقعة هو
إطراح دفاع الطاعن المخالف لهذا التصوير. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم أنه بعد
أن عرض لنية إزهاق الروح ودلل على توافرها لدى الطاعن في جريمة قتل المجني عليه
الأول من وجود الخصومة الثأرية التي أوغرت صدره نحوه ومن استعماله سلاحاً قاتلاً
بطبيعته وتعدد الأعيرة التي أطلقها وزميله صوب المجني عليه واستهدافهما مقاتل من
جسمه وهو تدليل سائغ وكاف في بيان تلك النية بما لا مطعن عليه من الطاعن، تناول
الحكم جرائم القتل والشروع فيه الأخرى وانتهى إلى مساءلة الطاعن عنها بقوله.
"وحيث إنه من المقرر قانوناً أن المتهم وإن كان قد أطلق النار قاصداً قتل
المجني عليه....... مع سبق الإصرار فحادث بعض الأعيرة عن الهدف وأصابت
إحداها...... فأحدثت به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت
بحياته فإنه يعد مسئولاً عن قتل....... أيضاً عمداً مع سبق الإصرار كما يسأل أيضاً
عن شروعه في قتل كل من........ و....... اللذين أصيبا من جراء إطلاق الأعيرة
النارية لقتل المجني عليه الأول". وكان لا يجدي الطاعن التحدي بأن الحكم لم
يفصح عن بيان نية القتل لمن أخطأ في شخصهم من المجني عليهم لأن تحديد هذا القصد
بالمجني عليه الأول بذاته أو تحديده وانصراف أثره إلى المجني عليهم الآخرين لا
يؤثر في قيامه ولا يدل على انتفائه ما دامت الواقعة كما أثبتها الحكم لا تعدو أن
تكون صورة من حالات الخطأ في الشخص التي يؤخذ الجاني فيها بالجريمة العمدية حسب
النتيجة التي انتهى إليها فعله ولأن الخطأ في شخص المجني عليه لا يغير من قصد
المتهم ولا من ماهية الفعل الجنائي الذي ارتكبه تحقيقاً لهذا الغرض، ومن ثم فإن ما
أورده الحكم بياناً لنية القتل وتوافرها لدى الطاعن بالنسبة لجريمة قتل المجني
عليه الأول ينعطف حكمه بطريق اللزوم إلى جرائم القتل والشروع فيه الأخرى التي دانه
بها ويكون النعي على الحكم بالقصور في هذا الصدد في غير محله. ولا يقدح في سلامة
الحكم ما سطره في مقام نفي ظرف الاقتران من القول بأن الطاعن "لم يقصد قتل
المجني عليهم من الثاني إلى الرابع وإنما نشأ هذا القتل والشروع فيه نتيجة إطلاق
النار قاصداً قتل المجني عليه الأول". إذ البين من السياق الذي تخللته هذه
العبارة - على ما سلف بيانه - أنها تعني أن الطاعن أطلق النار على المجني عليه الأول
قاصداً قتله فأخطأته بعض الأعيرة وأصابت المجني عليهم الآخرين ولا تعني انتفاء نية
القتل لديه في شأن هؤلاء بل هي ترديد لما ساقه الحكم من قبل حسبما يبين من مدوناته
المتكاملة ومن ثم فإن صياغتها على النحو المشار إليه لم تكن بذي أثر على عقيدة
المحكمة التي تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمباني وطالما كان المعنى المقصود
منها هو توافر نية القتل لا انتفاؤها وهو ما تندفع به دعوى تناقض الحكم التي رماه
بها الطاعن، هذا إلى أنه بحسب الحكم ما أثبته من قيام جريمة قتل المجني عليه الأول
مع سبق الإصرار والترصد في حق الطاعن كي يستقيم قضاؤه عليه بالأشغال الشاقة لمدة
خمس عشرة سنة ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما ينعاه على الحكم بالنسبة لجرائم القتل
والشروع فيه الأخرى ما دام البين من مدوناته أنه طبق نص المادة 32 من قانون
العقوبات وأوقع على الطاعن عقوبة واحدة عن كافة الجرائم التي دانه بها تدخل في
حدود العقوبة المقررة لجريمة قتل المجني عليه الأول. لما كان ذلك، وإذ كان الحكم
قد أثبت مقارفة الطاعن لجرائم القتل العمد والشروع فيه مع سبق الإصرار فقد وجب
مساءلته عنها سواء ارتكبها وحده أو مع غيره ولا يغير من أساس المسئولية في حكم
القانون أن يثبت أن الجاني قد قل نصيبه في الأفعال المادية المكونة لها أو قام
بنصيب أوفى من هذه الأفعال وهو ما أثبته الحكم في حق الطاعن ومن ثم فلا يعيب الحكم
إن هو نسب إلى الطاعن مقارفته لهذه الجرائم مع غيره في حين أن وصف التهمة المرفوع
بها الدعوى قد أفرده بالاتهام دون لفت نظره إلى ذلك، لما هو مقرر من أن المحكمة لا
تتقيد بالوصف الذي تسبغه النيابة على الفعل المسند إلى المتهم بل هي مكلفة بتمحيص
الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها وأن تطبق عليها نصوص القانون
تطبيقاً صحيحاً دون حاجة إلى أن تلفت نظر الدفاع إلى ذلك ما دام أن الواقعة
المادية المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي
اتخذها الحكم أساساً للوصف الذي دان المتهم بها دون أن تضيف إليها المحكمة شيئاً،
وإذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار الطاعن فاعلاً مع غيره وهو وصف غير
جديد في الدعوى ولا مغايرة فيه للعناصر التي كانت مطروحة على المحكمة ولا يعد ذلك
في حكم القانون تغييراً لوصف التهمة المحال بها الطاعن بل هو مجرد تصحيح لبيان
كيفية ارتكاب الجريمة مما يصح إجراؤه في الحكم دون تنبيه الدفاع إليه في الجلسة
ليترافع على أساسه، ومن ثم فقد بات النعي على الحكم بالإخلال بحق الدفاع في غير
محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق