الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 23 أبريل 2020

الطعن 518 لسنة 34 ق جلسة 15 / 6 / 1964 مكتب فني 15 ج 2 ق 98 ص 493

جلسة 15 من يونيه سنة 1964
برياسة السيد المستشار/ عادل يونس، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومحمد صبري، ومحمد محمد محفوظ، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.
-----------------
(98)
الطعن رقم 518 لسنة 34 القضائية
حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما يوفره". إثبات. "شهود". شهادة.
الشهادة. طبيعتها: تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه.
مناط التكليف فيها: هو القدرة على أدائها. اقتضاؤها فيمن يؤديها العقل والتمييز. لا يمكن أن تقبل من مجنون أو صبي لا يعقل.
-------------
الشهادة في الأصل هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه وهي تقتضي بداهة فيمن يؤديها العقل والتمييز، إذ أن مناط التكليف فيها هو القدرة على أدائها. ومن ثم فلا يمكن أن تقبل الشهادة من مجنون أو صبي لا يعقل أو غير ذلك مما يجعل الشخص غير قادر على التمييز - فإذا كان ما أورده الحكم يفيد حداثة سن الطفلة (الشاهدة) واهتزاز إدراكها، وفي الوقت الذي أورى فيه عدم تعويله كثيراً على أقوالها فإنه نوه بأخذه بشهادتها في التحقيقات في خصوص ظروف الحادث والأداة المستعملة فيه ومكانه على الرغم من منازعة الدفاع في قدرتها على التمييز وتمسكه بوجوب دعوتها لمناقشتها في ذلك مما كان يقتضي من المحكمة تحقيق مدى قدرتها على تحمل الشهادة والركون إليها وهو ما يعيبه، ذلك بأنه لا يصح عند الطعن في شاهد بأنه غير مميز الاعتماد على أقواله دون تحقيق هذا الطعن واتضاح عدم صحته. ولا يعصم الحكم ما استطرد إليه من قول بأن اقتصر في التعويل على أقوال هذه الطفلة في نطاق الصورة العامة للحادث إذ أن الواضح من مدونات الحكم انه أخذ في الاعتبار ما أدلت به الشاهدة المذكورة في صدد استعمال الجناة أداة القتل في إطلاق النار على أحد الأشخاص وأن أحد المعتدين كان يجري وهو يحمل بندقية يطلق النار منها - مساندة لما رواه شهود الرؤية - وهذه الشهادة على هذا النحو تعتبر عنصراً من العناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها في الدعوى وظاهرت بها رواية شهود الرؤية بل إنها اعتمدت عليها من بين ما اعتمدت في ترجيح نوع الأداة التي استعملت في الحادث وقد كانت موضع مجادلة من الدفاع عن الطاعنين واختلف فيها أهل الفن وذلك على الرغم من أن تلك الشهادة كانت في عقيدة الحكم خالية من الضمانة القانونية التي يصح معها الركون إليها مما لا يمكن معه تعيين نصيبها من التأثير على المحكمة عند تكوين عقيدتها في الدعوى. وإذ ما كانت الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فإن فساد استدلال الحكم بتلك الشهادة يعيبه فضلاً عما تردى فيه من إخلال بحق الدفاع مما يتعين معه نقضه.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما في يوم 7/ 10/ 1960 بناحية بني حسين مركز أسيوط محافظة أسيوط: أولاً - المتهمان الأول والثاني قتلا عز العرب محمد إبراهيم عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن عقدا العزم المصمم على قتله وأعدا لهذا الغرض سلاحين ناريين "مسدس وبندقية" وترصداه في الطريق الذي أيقنا مروره فيه وما أن ظفرا به حتى أطلق عليه المتهم الأول عيارين ناريين قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً - المتهم الثاني: أولاً - شرع في قتل سعده عبد الحفيظ عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن عقد العزم المصمم على قتلها بأن انتوى قتلها وما أن ظفر بها أطلق عليها عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليها بالعلاج. ثانياً - أحرز بغير ترخيص سلاحين ناريين أحدهما مششخن "مسدس" والثاني غير مششخن "بندقية خرطوش". ثالثاً - أحرز ذخيرة مما تستعمل في السلاحين الناريين سالفي الذكر دون أن يكون مرخصاً له في إحرازهما أو حيازتهما. رابعاً - سرق البندقية المبينة وصفاً وقيمة لعز العرب محمد إبراهيم حالة كونه يحمل سلاحاً نارياً ظاهراً. وطلبت إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 45، 46، 230، 231، 232، 317/ 6 من قانون العقوبات و1 و6 و26/ 1 - 2 - 4 من القانون رقم 394 سنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 سنة 1954 و75 سنة 1958 والجدولين الثاني والثالث المرافقين. فقررت الغرفة ذلك. وقد ادعت حميدة جاد أحمد بحق مدني قدره قرش صاغ واحد على سبيل التعويض قبل المتهمين متضامنين. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً بتاريخ 13 مارس سنة 1963 عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة وبمعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعية بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.

المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه - أنه إذ دانهما بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحراز السلاح والذخيرة والسرقة قد انطوى على فساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع - ذلك بأنه أسس قضاءه بإدانتهما على أقوال سعدة عبد الحفيظ دردير - وهي طفلة صغيرة غير مميزة لا يجاوز سنها الأربع السنوات وما نقلته والدتها عنها - وذلك على الرغم من منازعة الدفاع عن الطاعنين في قدرتها على التمييز وإصراره على دعوتها استجلاء لمدى إدراكها ووعيها - وقد التفت الحكم عن هذا الطلب بحجة عدم جدواه بقوله إنه مع عدم تعويله كثيراً على شهادتها فإنه اقتصر على الاستشهاد بأقوالها في التحقيقات في نطاق كيفية وقوع الحادث وظروفه دون واقعة تعرفها على الجناة التي لم تدعيها - وهو ما لا يستقيم به الرد على ذلك الدفاع ويصم استدلال الحكم المطعون فيه بالفساد فضلاً عن إخلاله بحق الدفاع الذي يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه: "أنه في صبيحة يوم 7 من أكتوبر سنة 1960 خرج المجني عليه من منزله يحمل بندقية الخرطوش المرخص له بحملها متوجهاً إلى منزل عمه في قرية بني حسين وكان حتماً عليه أن يسلك طريقاً يعتبر مغرق السبل في ظاهر البلدة التي كانت تحيط بها مياه الفيضان في ذلك الوقت - ونظراً لمقتل ابن شقيق الطاعن الأول منذ خمسة أشهر سابقة، واتهم في مقتله عم المجني عليه فقد أحكم الطاعنان تدبيرهما طيلة هذه المدة للأخذ بثأر قتيلهما ورأياً أن الوسيلة لارتكاب جرمهما في عزم وروية وهدوء هي الجلوس بجوار إحدى المقاهي التي لم تكن قد فتحت أبوابها بعد - انتظاراً لقدوم المجني عليه الذي كان لا بد من مروره من هذا الطريق وبعد قليل أهل المجني عليه عليهما وقابل صديقه مصطفى محمد عبد الهادي ولبث يتحدث معه بعض الوقت ثم انصرف كل منهما لبعض شأنه ولم يكد يخطو كل منهما بعض خطوات حتى سمع الصديق صوت أعيرة نارية متتابعة فاستدار إلى الخلف ورأى كلاً من الطاعنين وهو ممسك بمسدس ويطلق منه أولهما على المجني عليه عدة أعيرة نارية أوقعته على الأرض وسقطت بندقيته إلى جواره فتناولها الطاعن الثاني من جواره وأطلق منها مقذوفين إلى يمين ويسار تسهيلاً لفرارهما وإرهاباً للأهالي وإظهاراً للفرحة بعد أن أفلحا في الأخذ بثأر قتيلهما ولاذا بالفرار - وقد تبين أن هذه المقذوفات التي أطلقت قد أصابت أيضاً فتاة صغيرة في الرابعة من عمرها وهي سعدة عبد الحفيظ دردير رأت الحادث عند وقوعه ولكنها لم تتعرف على أحد من الطاعنين" وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال شهود الرؤية الثلاثة وشهادة الطفلة سعدة عبد الحفيظ دردير ووالدتها - نقلاً عنها - وباقي شهود الإثبات ومعاينة النيابة العامة والتقارير الطبية الشرعية وما أدلى به مساعد كبير الأطباء الشرعيين بالجلسة - وقد حصل الحكم أقوال الطفلة سعدة في قوله "وقررت سعده عبد الحفيظ دردير في محضر النيابة - وهي طفلة في الرابعة من عمرها أنها كنت تسير بمفردها في الطريق متوجهة إلى منزل جدها حين رأت شخصاً يطلق النار من - مسدس على آخر كان واقعاً على الأرض - كما رأت شخصاً آخر يجري وفى يده بندقية يطلق منها النار وأردفت أنها لم تستطع أن تميز هؤلاء الأشخاص. ولم تستطيع التعرف عليهم وأثبت وكيل النيابة المحقق أنه لم يتمكن من مواصلة سؤالها نظراً لصغر سنها" - ثم عرض إلى ما أثاره الدفاع عن الطاعنين في شأن منازعته في قدرة هذه الشاهدة على التمييز ورد عليه في قوله "وحيث إنه على الرغم من أن المحكمة لا تعول كثيراً على شهادة سعدة عبد الحفيظ دردير ووالدتها إلا فيما تنم عليه من أن الواقعة حصلت فعلاً على النحو الذي ساقه شهود الرؤية إذ أن أقوال هذه الطفلة الصغيرة جاءت صريحة واضحة في أن شخصاً أطلق على آخر مسدسه وأن شخصاً ثانياً حمل بندقيته وأطلق منها أعيرة في الهواء - دالة في أن مكان إصابتها هو نفس المكان الذي حصلت فيه جريمة القتل...." واستطرد الحكم في رده على ما تقدم وعلى ما تمسك به الدفاع من وجوب دعوة هذه الطفلة لتحقيق ما أثاره في شأن عدم قدرتها على التمييز في قوله "وإنما الواقعة التي تستحق الذكر هي أن حدوث إصابة هذه الطفلة في نفس المكان وإدلائها بصورة رغم اهتزازها - لا تتجافى والتصوير الذي ورد على ألسنة شهود الرؤية مصداق لأقوال هؤلاء "الشهود" ومؤيد لرأيهم في غير جدال وفي حدود هذا النطاق الذي تستظهره المحكمة لشهادة هذه الطفلة ووالدتها - يبدو ألا مساغ لمطلب الدفاع من إعادة مناقشتها لأنه لا جدوى من هذه المناقشة بعد أن نفت هذه الطفلة إمكان استعرافها على أحد من المتهمين وبعد إذ بدا أن أقوالها في خصوص التفصيلات لا يمكن أخذها على علاتها إلا في الصورة العامة والتي لا تضيف دليلاً جديداً إلى الاتهام أو تقلل من سداده" - لما كان ذلك، وكان ما خلص إليه الحكم فيما تقدم - غير سديد - ذلك بأن الشهادة في الأصل هي تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه وهي تقتضي بداهة فيمن يؤديها العقل والتمييز إذ أن مناط التكليف فيها هو القدره على أدائها. ومن ثم فلا يمكن أن تقبل الشهادة من مجنون أو صبي لا يعقل أو غير ذلك مما يجعل الشخص غير قادر على التمييز - وكان ما أورده الحكم يفيد حداثة سن الطفلة واهتزاز إدراكها، وفي الوقت الذي أورى فيه عدم تعويله كثيراً على أقوالها فإنه نوه بأخذه بشهادتها في التحقيقات في خصوص ظروف الحادث والأداة المستعملة فيه ومكانه على الرغم من منازعة الدفاع في قدرتها على التمييز وتمسكه بوجوب دعوتها لمناقشتها في ذلك مما كان يقتضي من المحكمة تحقيق مدى قدرتها على تحمل الشهادة والركون إليها - وهو ما يعيبه، ذلك بأنه لا يصح عند الطعن في شاهد بأنه غير مميز الاعتماد على أقواله دون تحقيق هذا المطعن واتضاح عدم صحته - ولا يعصم الحكم ما استطرد إليه من قول بأن اقتصر في التعويل على أقوال هذه الطفلة في نطاق الصورة العامة للحادث إذ أن الواضح من مدونات الحكم انه أخذ في الاعتبار ما أدلت به الشاهدة المذكورة في صدد استعمال الجناة أداة القتل (المسدس) في إطلاق النار على أحد الأشخاص وأن أحد المعتدين كان يجري وهو يحمل بندقية يطلق النار منها - مساندة لما رواه شهود الرؤية - وهذه الشهادة على هذا النحو تعتبر عنصراً من العناصر التي استنبطت منها المحكمة معتقدها في الدعوى وظاهرت بها رواية شهود الرؤية بل إنها اعتمدت عليها من بين ما اعتمدت في ترجيح نوع الأداة التي استعملت في الحادث وقد كانت موضع مجادلة من الدفاع عن الطاعنين واختلف فيها أهل الفن وذلك على الرغم - أن تلك الشهادة كانت في عقيدة الحكم خالية من الضمانة القانونية التي يصح معها الركون إليها مما لا يمكن معه تعيين نصيبها من التأثير على المحكمة عند تكوين عقيدتها في الدعوى. وإذ ما كانت الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فإن فساد استدلال الحكم بتلك الشهادة يعيبه فضلاً عما تردى فيه من إخلال بحق الدفاع مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه والاحالة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن مع إلزام المطعون ضده المصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق