جلسة 12 من ديسمبر سنة 1961
برياسة السيد محمود إبراهيم إسماعيل نائب رئيس المحكمة، وبحضور
السادة: محمد عبد السلام، وعبد الحليم البيطاش، وأديب نصر حنين، ومختار مصطفى
رضوان المستشارين.
---------------
(204)
الطعن
رقم 649 لسنة 31 القضائية
رشوة. قصد جنائي. إثبات.
(أ) توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل، وتوافر نية الإرشاء لدى الراشي:
ذلك متروك لتقدير محكمة الموضوع.
)ب) أركانها. اختصاص
الموظف. لا يلزم أن يكون مختصا وحده بالعمل المتعلق بالرشوة. يكفي أن يكون له فيه
نصيب.
)جـ) القصد الجنائي. نية
الإرشاء: شراء ذمة الموظف. لمحكمة الموضوع أن تستدل على توافره بكافة طرق الإثبات.
-----------------
1 - توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذى عرضت عليه الرشوة من
أجله، وتوافر نية الإرشاء لدى الراشي، هو من الأمور التي يترك تقديرها إلى محكمة
الموضوع بغير معقب عليها مادام تقديرها سائغا مستندا إلى أصل صحيح ثابت في الأوراق.
2 - لا يلزم في جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو أو الذى عرضت
عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتعلق بالرشوة، بل يكفى أن يكون
له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة.
3 - لا يشترط قانونا لقيام جناية عرض الرشوة أن يصرح الراشي للموظف
بقصده من هذا العرض وبأنه يريد شراء ذمته، بل يكفى أن تدل ظروف الحال على توافر
هذا القصد - ذلك بأن الركن المعنوي لهذه الجناية شأنه شأن الركن المعنوي لأية
جريمة أخرى، قد يقوم في نفس الجاني وغالبا ما يتكتمه، ولقاضي الموضوع - إذا لم
يفصح الراشي عن قصده بالقول أو الكتابة - أن يستدل على توافره بكافة طرق الإثبات
وبظروف العطاء وملابساته.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه عرض رشوة على موظف عمومي للإخلال
بواجبات وظيفته بأن قدم للملازم أول عبد الغنى حسن السيد مبلغ عشرين جنيها على
سبيل الرشوة ليسهل له إجراءات التعامل مع سلاح المهندسين ولكن الموظف لم يقبل
الرشوة منه. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 104 و 109 مكررا و 110
من قانون العقوبات المعدل بالقانون 69 لسنة 1953. ومحكمة الجنايات قضت حضوريا عملا
بالمواد 109 مكررا و 110 و 111 من قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 69 لسنة
1953 بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه خمسمائة جنيه وبمصادرة مبلغ
الرشوة المضبوط. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثالث والشطر الأول من الوجه الرابع من
أوجه الطعن المقدمة في 26 من أبريل سنة 1960 هو القصور والخطأ في تطبيق القانون،
ويقول الطاعن في بيان ذلك إن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجناية عرض الرشوة على
الضابط المهندس عبد الغنى حسن قد استند في القول باختصاص هذا الأخير بالعمل الذى
عرضت الرشوة من أجله وهو تسلم الماكينات بعد إصلاحها - استند إلى مجرد أقوال
الضابط مع أن المرجع الصحيح في الاختصاص هو القوانين واللوائح وشهادة رئيسه
المباشر الذى قرر في التحقيق أن المختص بالاستلام لجنة مشكلة من عدة أشخاص. وقد
قدم الطاعن للمحكمة مستندات تثبت ذلك وأغفل الحكم الرد عليها. كذلك لم يدلل الحكم
على الطاعن بذلك الاختصاص المزعوم حتى يصح القول بأن نيته قد انصرفت إلى شراء ذمة
الضابط.
وحيث إنه لما كان الحكم
المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى في قوله..." إن الملازم أول عبد الغنى حسن
السيد وهو القائم بشئون تسليم واستلام الآلات الميكانيكية التي تضيق ورش الصيانة
عن استيعابها فيستعان في إصلاحها بالورش الأهلية ومن بينها ورشة يملكه ويديرها
المتهم تادرس روفائيل شنوده وقد سلمت إليه بضعة ماكينات وقد سلمت إليه بضعة
ماكينات لإصلاحها، ومن اختصاص الملازم المذكور الإشراف على إصلاح الماكينات في فترة
العمل. وفى يوم الحادث 17 من فبراير سنة 1958 احتاج لشراء بعض أدوات للجرارات
(بوجيهات ومانيتوه) على وجه السرعة فانتقل إلى ورشة المتهم مصطحبا أمين المخازن
عمر قمر الدولة سالم لشراء هذه الأدوات وللإشراف ضمنا على سير العمل في إصلاح
الماكينات التي سلمت للورشة. وبعد أن باشر عملية الإصلاح بمصاحبة المتهم في الورشة
انتقلا إلى المحل حتى يستحضر له المتهم الأدوات التي طلبها وعندئذ استأذن قمر
الدولة في الذهاب إلى دورة المياه فصحبه المتهم لإرشاده إليها ثم عاد وقد خلا الجو
بينه وبين الملازم عبد الغنى حسن السيد فدس في جيبه شيئا وجده الملازم أوراقا
مالية قيمتها عشرون جنيها، فلما عاد قمر الدولة أخبره بذلك وطلب منه الاتصال
برئيسه ثم أبلغ البوليس بالحادث". ودلل الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن
بشهادة الملازم وأمين المخازن سابقي الذكر واستظهر اختصاص هذا الملازم بالعمل الذى
عرضت عليه الرشوة من أجله، كما استظهر قصد المتهم من عرضها في قوله إن الملازم
المذكور هو المهندس المختص بعمل مقايسات الإصلاح وهو المختص بالإشراف على أعمال
الإصلاح وأنه عضو في اللجنة التي تتسلم الماكينات بعد إصلاحها وأن المتهم يعرف هذه
الاختصاصات وأنه يبغى من تقديم الرشوة إليه أن يزيد الأعمال المطلوبة من المقايسات
الأولى وأن يتغاضى عن بعض أخطاء الإصلاح مثل وضع قطع غيار مستعملة بدل الجديدة وأن
يتغاضى عن بعض العيوب التي قد تظهر عند الاستلام. لما كان ذلك، وكان توافر عنصر
اختصاص الموظف بالعمل الذى عرضت عليه الرشوة من أجله وتوافر نية الإرشاء لدى الراشي
هو من الأمور التي يترك تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها مادام تقديرها
سائغا مستندا إلى أصل صحيح ثابت في الأوراق، ذلك أنه يبين من مطالعة محضر الجلسة
والمفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقا لهذا الشق من الطعن أن الضابط عبد الغنى
حسن السيد شهد في التحقيق وفى الجلسة باختصاصه بتسلم الماكينات بعد إصلاحها على
النحو الذى قرره الحكم وأن رئيسه الصاغ المهندس شريف حسن مختار شهد في تحقيق
النيابة أن المختص بذلك لجنة أحد أعضائها الملازم المذكور. وكان لا يلزم في جريمة
الرشوة أن يكون الموظف المرشو أو الذى عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام
بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفى أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له
بتنفيذ الغرض من الرشوة. لما كان ذلك، فإن هذا الشق من الطعن يكون قائما على غير
أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني
من الأوجه المقدمة في 26 من أبريل سنة 1960 أن الطاعن دفع باستحالة عرض مبلغ
الرشوة المقول إن الطاعن أخذه من خزانة المحل - دفع بذلك تأسيسا على ما شهد به عبد
الملك نجيب فانوس من أنه يحتفظ بمفتاحي الخزانة وأن أحدا سواه لا يستطيع فتحها لكن
الحكم لم يرد على هذا الدفع إلا في قوله إنه لا يأخذ بشهادة الشاهد وهو رد قاصر لا
ينفى الاستحالة المادية لعرض مبلغ الرشوة.
وحيث إنه لما كان تقدير
أقوال الشهود من إطلاقات محكمة الموضوع، وكانت المحكمة قد عرضت لأقوال شاهد النفي
عبد الملك نجيب فانوس وقالت إنها لا تثق في صحتها وأنها إنما أداها لمجرد خدمة
دفاع الطاعن وأنها تطمئن إلى شهادة الملازم عبد الغنى حسن السيد وكان رد المحكمة
مجزئا في الرد على دفاع الطاعن وتنفيذه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون
سديدا.
وحيث إن الشطر الثاني من
الوجه الرابع من أوجه الطعن المقدمة من 26 من أبريل سنة 1960 يقوم على أن الطاعن
دفع التهمة بأن الملازم عبد الغنى مدفوع إلى اتهامه من شركات تنافسه في العمل لكن
الحكم لم يرد على هذا الدفاع.
وحيث إنه لما كان الحكم
بعد أن اطمأن إلى شهادة شاهدي الإثبات عرض لهذا الدفاع وقال إنه دفاع لا دليل
عليه. وكانت دلالة ما قالته المحكمة أنها لا تثق بهذا الدفاع وهو من أوجه الدفاع
الموضوعية التي لا تلتزم محكمة الموضوع بحسب الأصل بالرد عليه، فإن هذا الشق من
الطعن لا يكون مقبولا.
وحيث إن مبنى الوجه الأول
من أوجه الطعن المقدمة في 28 من أبريل سنة 1960 هو الخطأ في تأويل القانون، ذلك أن
يتعين لقيام جناية عرض الرشوة أن يكون العرض واضحا وأن يكون مفهوما للموظف في غير
غموض أن الراشي قصد شراء ذمته لكن الحكم المطعون فيه استظهر هذا القصد من مجرد
الظن والاستنتاج الذى قام في نفس الملازم عبد الغنى حسن السيد ودون أن يفصح الطاعن
له عن غرضه من عرض المبلغ.
وحيث إنه لما كان الحكم
المطعون فيه قد استظهر قصد الرشوة على ما تقدم بيانه فيما أثبته من أن الطعن يعلم
اختصاصات الضابط وكان يبغى عند تقديم الرشوة إليه أن يزيد الأعمال المطلوبة من
المقايسات الأولى وأن يتغاضى عن بعض أخطاء الإصلاح والعيوب. وكان لا يشترط قانونا
لقيام جناية عرض الرشوة أن يصرح الراشي للموظف بقصده من هذا العرض وبأنه يريد شراء
ذمته أن تدل ظروف الحال على توافر هذا القصد، ذلك بأن الركن المعنوي لهذه الجناية
- شأنه شأن الركن المعنوي لأية جريمة أخرى - قد يقوم في نفس الجاني وغلبا ما
يتكتمه، ولقاضي الموضوع إذا لم يفصح الراشي عن قصده بالقول أو الكتابة أن يستدل
على توافره بكافة طرق الإثبات وبظروف العطاء وملابساته، وهو ما استظهره الحكم
المطعون فيه على ما سلف بيانه. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه
يكون قائما على غير أساس.
وحيث إن الوجه الثاني من
أوجه الطاعن المقدمة من 28 من أبريل سنة 1960 هو ترديد لما جاء في الأوجه الأول
والثالث والرابع من التقرير الأول بشأن اختصاص الضابط عبد الغنى حسن السيد مما سبق
الرد عليه، وزاد الطاعن في هذا الوجه قوله إنه بموجب العقد المبرم مع الطاعن يضمن
هذا الأخير تشغيل الآلات المسلمة عددا معينا من الساعات يبين بعدها مدة صلاحيتها،
بما لا يتصور معه تحقق الغرض من الرشوة. ولما كان هذا القول من جانب الطاعن لا
تلتفت إليه هذه المحكمة، وقد استوفى الحكم استظهار القصد الجنائي من عرض الرشوة
على ما تقدم بيانه.
وحيث إنه لما تقدم جميعه
يكون ما يثيره الطاعن في جملته على غير أساس ويتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق