جلسة 28 من ديسمبر سنة 1964
برياسة السيد المستشار/
توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: حسين السركي، ومحمد
صبري، وقطب فراج، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.
----------
(173)
الطعن رقم 1766 لسنة 34
القضائية
(أ) وصف التهمة. دفاع.
"الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". ضرب أفضى إلى الموت. ضرب.
لفت المحكمة نظر الدفاع
بالجلسة إلى أن يتناول في مرافعته ما نمت عنه التقارير الطبية من أن الأعراض - لا
الإصابات - هي التي أودت بحياة المجني عليه. عدم اعتباره تغييراً لوصف جناية الضرب
المفضي إلى الموت. هو مجرد بيان لعناصرها. إنهاء المحكمة إلى عدم قيام رابطة
السببية بين فعل المتهم ووفاة المجني عليه واستبعادها تبعاً لذلك وصف الجناية
وإسباغها على الواقعة وصف الجنحة المنطبقة على المادة 242/ 1 عقوبات. لا حاجة إلى
الإشارة في مدونات حكمها إلى ما أجرته بالجلسة.
(ب) مسئولية جنائية.
"علاقة السببية". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
علاقة السببية في المواد
الجنائية. طبيعتها: علاقة مادية. تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني من الناحية
المعنوية بما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً. ثبوت
قيام هذه العلاقة. موضوعي.
(جـ) إجراءات المحاكمة.
حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
المحاكمة الجنائية:
العبرة فيها باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه. لا يصح مطالبته بالأخذ
بدليل معين إلا إذا قيده القانون بذلك.
(د) حكم. "تسبيبه.
تسبيب غير معيب".
وجوب بناء الأحكام
الجنائية على الجزم واليقين.
(هـ) إثبات.
"خبرة". محكمة الموضوع. حكم. "تسبيب. تسبيب غير معيب".
تقدير آراء الخبراء من إطلاقات
محكمة الموضوع. مثال.
---------------
1
- لما كان ما أجرته المحكمة
بالجلسة قد اقتصر على لفت نظر الدفاع إلى أن يتناول في مرافعته أيضاً ما نمت عنه
التقارير الطبية من أن الأعراض - لا الإصابات - هي التي أودت بحياة المجني عليه
مما لا يعد في حكم القانون تغييراً لوصف جناية الضرب الذي أفضى إلى الموت وإنما هو
مجرد بيان لعناصرها. ولما كانت المحكمة قد انتهت - في حدود سلطتها التقديرية - إلى
عدم قيام رابطة السببية بين فعل المتهم ووفاة المجني عليه واستبعدت تبعاً لذلك وصف
الجناية وأسبغت على الواقعة وصفاً جديداً هو وصف الجنحة المنطبقة على المادة 242/
1 من قانون العقوبات، فما كانت إذن بحاجة إلى أن تشير في مدونات حكمها إلى ما
أجرته بالجلسة من تعديل لعناصر جناية الضرب المفضي إلى الموت.
2 - علاقة السببية في
المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني وترتبط من
الناحية المعنوية ما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً.
وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها،
ومتى فصل في شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دام قد أقام
قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.
3 - العبرة في المحاكمة
الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه فلا يصح مطالبته بالأخذ
بدليل معين فقد جعل القانون في سلطته أن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها
دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
4 - من المقرر أن الأحكام
الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين.
5 - تقدير آراء الخبراء
من إطلاقات محكمة الموضوع. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص - مما حوته
التقارير الطبية المقدمة في الدعوى أنه لا يوجد ثمة ما ينفي حدوث وفاة المجني عليه
ذاتياً بسبب مرضه أو بسبب فعله نفسه وما بذله من مجهود لا قبل له به وأنه لا يمكن
بحال الجزم بأن الوفاة كانت نتيجة للفعل الذي قارفه المتهم أو أن ذلك الفعل قد
ساهم بنصيب فيها، وكانت الطاعنتان لا تنازعان في صحة ما نقله الحكم عن هذه
التقارير، فلا يجوز لهما أن تصادرا المحكمة فيما تشككت فيه أو أن تنعيا عليها عدم
أخذها بالنتيجة التي أسفرت عنها التقارير الطبية الشرعية ما دامت المحكمة قد
داخلتها الريبة في صحة هذه النتيجة.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
المطعون ضده بأنه في يوم 7/ 10/ 1960 بناحية بندر شبرا محافظة القليوبية: ضرب حنا
بباوى فأحدث به الإصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله
ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات
لمعاقبته طبقاً للمادة 236/ 1 من قانون العقوبات. فقررت الغرفة ذلك. وقد ادعت
السيدتان/ فوزية ناشد عياد وآجية إبراهيم بحق مدني قدره عشرون ألف جنيه قبل المتهم
والمهندس حسن جميعي بصفته ممثلاً لشركة النصر لصناعة المواسير ومسئولاً مدنياً على
سبيل التعويض. ومحكمة جنايات بنها قضت حضورياً بتاريخ 16/ 11/ 1963 باعتبار
الواقعة جنحة ضرب بالمادة 242/ 1 من قانون العقوبات ومعاقبة المتهم بتغريمه عشرة
جنيهات ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعيها مصروفاتها ومبلغ خمسة جنيهات مقابل
أتعاب المحاماة. فطعنت المدعيتان بالحق المدني في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.
المحكمة
حيث إن الطاعنتين تنعيان
على الحكم المطعون فيه إذ اعتبر الواقعة المسندة إلى المطعون ضده جنحة ضرب منطبقة
على المادة 242/ 1 من قانون العقوبات وقضى بتغريمه عشرة جنيهات ورفض الدعوى
المدنية قد شابه بطلان في الإجراءات وقصور في التسبيب وخطأ في الإسناد وانطوى على
إخلال بحق الدفاع وخطأ في تطبيق القانون وفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك تقول
الطاعنتان أن المحكمة التي أصدرت الحكم لم تسمع شهود الإثبات بعد تغير الهيئة
واكتفت بشهادتهم التي أدلوا بها أمام الهيئة الأولى، كما أصدرت حكمها على أساس
الوصف الذي أحيلت به الدعوى باعتبار الواقعة جنحة ضرب أفضى إلى موت دون أن تفطن
إلى أن الهيئة الأولى قد عدلت الوصف بجلسة 3/ 2/ 1963 إلى أن الضرب وما صحبه من
انفعال نفساني ومجهود جسماني قد أدى إلى الموت وأغفلت مناقشة الوصف الجديد أو
الإشارة إليه ولم تعرض للانفعال النفساني والمجهود الجسماني اللذين صحبا الحادث
ومهدا للنوبة القلبية الحادة التي نجمت عنها الوفاة. ثم إن الحكم استند إلى أقوال
شهود الإثبات لتأييد ما أورده في بيان واقعة الدعوى من أن المطعون ضده صفع المجني
عليه على وجهه في حين أن الثابت من أقوال ثلاثة عشر شاهداً بالتحقيقات وبالجلسة أن
الاعتداء لم يقتصر على مجرد الصفع وإنما تعداه إلى الضرب باليدين وبقبضتيهما وإلى
طرح المجني عليه أرضاً والاستمرار في ضربه بيديه وركله بقدميه في صدره وظهره حتى
أخرجه من المصنع. كما أن ما خلص إليه الحكم من أن وفاة المجني عليه حدثت ذاتياً
وتلقائياً دون أن يكون لفعل المتهم دخل في إحداثها يخالف الثابت من تقرير الصفة
التشريحية ومن تقريري كبير الأطباء الشرعيين والتي تضمنت أن الحالة المرضية
المزمنة المتقدمة بقلب المجني عليه وشرايينه التاجية والأورطى مع الانفعال
النفساني والمجهود الجسماني الذين صحبا الحادث مضافاً إليه المجهود الجسماني الذي
بذله المجني عليه في السير على قدميه من مكان الحادث إلى قسم شرطة بندر شبرا كل
هذه العوامل قد اشتركت في إحداث الوفاة بحيث لا يمكن إخلاء مسئولية الحادث من
الإسهام في حدوثها، ثم ما خلص إليه الحكم يخالف ما استقر عليه الفقه والقضاء من
مساءلة الجاني عن الضرب الذي يفضي إلى موت ولو لم يكن الضرب هو العامل الوحيد
للوفاة، وإنما ساهمت فيه عوامل أخرى سابقة أو لاحقة طالما كان الضرب هو الذي حرك
تلك العوامل الأخرى فأدت مجتمعة إلى حدوث الوفاة.
وحيث إن الحكم المطعون
فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إن المجني عليه حنا بباوى حنا كان يعمل بوظيفة
رئيس قسم التحسين بمصنع مواسير سيفر الواقع بجهة بندر شبرا من أعمال محافظة
القليوبية ويعمل المتهم سيمون نيقولا سيمون - المطعون ضده - مديراً لهذا المصنع
وفي يوم 7 أكتوبر سنة 1960 أثناء كان المدير المذكور يتفقد سير العمل في بالمصنع
وأثناء مروره بالقسم الذي يعمل به المجني عليه لاحظ تقصيراً من هذا الأخير في عمله
حدا به إلى أن يلفت نظره إلى ذلك وأن ينهره فأغلظ له المجني عليه في القول مما
أثار غضب المتهم فصفعه على وجهه وأمر بإجراء تحقيق إداري له فخرج المجني عليه على
إثر ذلك متجهاً إلى مكتب التحقيقات بالدور العلوي فصعد بضع درجات ثم هبطها وسار
مسافة طويلة إلى مبنى قسم شرطة بندر شبرا البعيدة عن المصنع منتوياً تقديم شكوى ضد
المدير وما كاد يبلغ باب مركز الشرطة حتى وقع على الأرض وفارق الحياة أمام الشرطي
درويش إسماعيل عبده الذي كان يقف أمام باب القسم للحراسة فأبلغ الأخير
بالحادث" واستند الحكم في ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو إلى أدلة استقاها
من أقوال حسن هاشم حسن وأحمد عبد المولى الغفاري ومحمد عفيفي رزق ومحمد حسن يوسف
وصابر عطيه البنداري وحسني إبراهيم مذكور وعيد إبراهيم أحمد من عمال المصنع
والشرطي درويش إسماعيل عبده وإلى اعتراف المتهم. لما كان ذلك، وكانت المادة 289 من
قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 قد خولت للمحكمة
الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، ولما كان يبين من
مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن محكمة الجنايات بهيئة أخرى سمعت شهود الواقعة ولما
أعيد نظرها أمام الهيئة الجديدة بحضور المتهم والمحامين عنه وعن المدعيتين بالحق
المدني الطاعنتين - أثبت الدفاع اكتفاءه بتلاوة الشهود كما هي مبينة بالتحقيقات
فأمرت المحكمة بتلاوتها وتليت وما دام قد ثبت أن الدفاع عن الطاعنتين قد تنازل
صراحة عن سماع شهود الإثبات أمام الهيئة الجديدة فلا يجوز لهما من بعد أن تدفعا
ببطلان إجراءات المحاكمة أو تنعيا على الحكم الإخلال بحق الدفاع لاستغنائه عن سماع
هؤلاء الشهود. لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى الأوراق أن الدعوى الجنائية
رفعت على المطعون ضده بوصف أنه ضرب المجني عليه فأحدث به الإصابات الموضحة بتقرير
الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته، وبجلسة 3/ 2/
1963 لفتت المحكمة نظر الدفاع للمرافعة أيضاً على الوصف الآتي "ضرب عمداً حنا
بباوى فأحدث به الأعراض الموضحة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن
الضرب أفضى إلى موته"، وخلصت المحكمة في حكمها إلى عدم قيام رابطة السببية
بين فعل المتهم ووفاة المجني عليه وطبقت في حق المتهم الجنحة المنصوص عليها في
الفقرة الأولى من المادة 242 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان ما أجرته
المحكمة بجلسة 3/ 2/ 1963 قد اقتصر على لفت نظر الدفاع إلى أن يتناول في مرافعته
أيضاً ما نمت عنه التقارير الطبية من أن الأعراض - لا الإصابات - هي التي أودت
بحياة المجني عليه مما لا يعد في حكم القانون تغييراً لوصف جناية الضرب الذي أفضى
إلى الموت وإنما هو مجرد بيان لعناصرها، ولما كانت المحكمة قد انتهت - في حدود
سلطتها التقديرية - إلى عدم قيام رابطة السببية بين فعل المتهم ووفاة المجني عليه
واستبعدت تبعاً لذلك وصف الجناية وأسبغت على الواقعة وصفاً جديداً هو وصف الجنحة
المنطبقة على المادة 242/ 1 من قانون العقوبات، فما كانت إذن بحاجة إلى أن تشير في
مدونات حكمها إلى ما أجرته بالجلسة من تعديل لعناصر جناية الضرب المفضي إلى موت،
من ثم فإن ما تثيره الطاعنتان في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان
الحكم المطعون فيه - عند تحصيله لواقعة الدعوى - قد أسند إلى المتهم أنه اعتدى على
المجني عليه بأن صفعه على وجهه، واستند في قضائه إلى ما اطمأن إليه من أقوال شهود
الواقعة، وأورد مؤدى ما حصله منها بما له سنده من أقوالهم بمحضر جلسة المحاكمة مما
ينفي عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد، على أنه بفرض صحة ما تقوله الطاعنتان من مقارفة
المتهم لأفعال اعتداء أخرى على المجني عليه خلاف الصفع على الوجه، فإن ذلك ليس من
شأنه أن يؤثر في سلامة الحكم مادام قد انتهى في تدليل سائغ وبما له سنده من
التقارير الطبية المقدمة في الدعوى إلى عدم قيام رابطة السببية بين ما وقع على
المجني عليه من اعتداء - مهما تنوعت صوره وبين الوفاة. لما كان ذلك، وكان الحكم
المطعون فيه بعد أن أورد تقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبي الاستشاري وتقرير
كبير الأطباء الشرعيين ورد الطبيب مقدم التقرير الاستشاري وتعليق كبير الأطباء
الشرعيين عليه خلص إلى عدم قيام رابطة السببية بين إصابات المجني عليه ووفاته في
قوله: "وحيث إن الذي يخلص للمحكمة من استقراء كافة هذه التقارير إن الأطباء
المذكورين قد أكدوا بالإجماع فيما بينهم أن الإصابات التي وجدت بالمجني عليه لا
تؤدي بطبيعتها لبساطتها إلى إحداث الوفاة كما أجمعوا على أن المجني عليه كان مصاباً
بمرض في القلب عبارة عن تصلب واثيرومامتكلس بالشرايين التاجية وضمور القلب البني
وأن هذه الحالة المرضية هي حالة مزمنة وسابقة على الحادث كما أكدوا جميعاً أنه من
الممكن أن تفاجئ المريض بهذه الحالة نوبة قلبية في أي وقت تلقائياً، ولكن الخلاف
بينهم قد انحصر فيما ذهب إليه كل من الطبيب الذي أجرى الصفة التشريحية وكبير
الأطباء الشرعيين من ناحية والطبيب الاستشاري من ناحية أخرى من أن للحادث دخل في
حدوث الوفاة.. وأن المحكمة تنتهي من كل ذلك إلى أنه ليس ثمة ما ينفي حدوث الوفاة
للمجني عليه ذاتياً وتلقائياً دون أن يكون لما أتاه المتهم دخل فيها... وأن جريمة
الضرب المفضي إلى الموت تتطلب علاقة السببية بين الفعل الذي يصدر عن الجاني وبين
حدوث وفاة المجني عليه... وأن الفقه والقضاء قد جريا على أنه ينبغي في كل الحالات
أن يثبت بوجه قاطع أن الوفاة لم تكن بسبب مرض أو ضعف شيخوخي وحدهما إذ تنتفي في
ذلك السببية بغير نزاع بين فعل الجاني والوفاة بل لابد أن تكون الوفاة قد حصلت
أصلاً بسبب الاعتداء وأن المرض قد لعب دوراً ثانوياً على الأقل في التعجيل بها.
أما إذا كان لهذا أو لذلك الدور الفعلي لا للإصابة في إحداث الوفاة فإنه ينبغي
القول بانقطاع السببية بين هذه الأخيرة وبين الوفاة. وبأن العلة في إحداث الوفاة
هي المرض الطارئ دون الإصابة أو الإصابة دون المرض الطارئ مسألة موضوعية والشك
فيها ينبغي أن يفسر لصالح المتهم طبقاً للقواعد العامة... ولما كان الثابت في كافة
التقارير الطبية السابق بيانها أن المجني عليه كان مصاباً بمرض في القلب هو تصلب
واثيرومامتكلس بالشرايين التاجية وضمور القلب البني وأن هذا المرض يؤدي ذاتياً إلى
الوفاة، كما ثبت من أوراق الدعوى أن المجني عليه بعد مشاحنة مع المتهم خرج من
المصنع وصعد بضع درجات إلى الدور العلوي ثم هبطها ثانية وخرج منها متوجهاً إلى قسم
الشرطة الذي تفصله عن المصنع مسافة كبيرة فإنه على ضوء ما سلف من آراء طبية مجمع
عليها في كل التقارير المقدمة في الدعوى لا يكون ثمة ما يمكن أن ينفي حدوث وفاة
المجني عليه ذاتياً بسبب المرض الذي كان مزمناً عنده وسابقاً على وقوع الحادث كما
ينفي حدوث الوفاة بسبب فعل المجني عليه نفسه وما بذله من مجهود لا قبل له به وهو
يعاني في هذه الحالة المتقدمة من الضعف والمرض الأمر الذي لا يمكن معه بحال الجزم
بأن الوفاة كانت نتيجة للفعل الذي قارفه المتهم أو أن ذلك الفعل قد ساهم فيها
بنصيب. ولما كانت رابطة السببية - يجب أن تكون ثابتة على وجه اليقين كما سبق
البيان وذلك كعنصر من عناصر المسئولية في هذه الجريمة وأن كل شك يلابسها لا بد وأن
يفسر لصالح المتهم، فإن المحكمة لا ترى من هذه الظروف والملابسات أن رابطة السببية
قد توافر ثبوتها ومن ثم فتكون جناية الضرب المفضي إلى الموت غير متكاملة الأركان
ويكون التكليف الصحيح للجزم الذي يجب أن يساءل المتهم عنه هو أنه ضرب لم يتطلب
علاجاً مما يدخل في حكم نص المادة 242/ 1 من قانون العقوبات ذلك أن تقرير الصفة
التشريحية لم يثبت بالمجني عليه آثاراً تخلفت عن صفع المتهم له وكل ما أثبته من
إصابات علله بالسقوط على الأرض. لما كان ما أورده الحكم تدليلاً على انتفاء قيام
رابطة السببية بين فعل المتهم ووفاة المجني عليه سائغاً في العقل وسديداً في
القانون ويؤدي إلى ما رتبه الحكم عليه، وكانت علاقة السببية في المواد الجنائية
علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية ما
يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وكان ثبوت قيام هذه
العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل في
شأنها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دام قد أقام قضاءه في ذلك
على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. لما كان ذلك
وكانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة
عليه فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ من أي
بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلاً لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص
عليه، وكان من المقرر أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين، ومن
المقرر أيضاً أن تقدير آراء الخبراء من إطلاقات محكمة الموضوع. ولما كان الحكم
المطعون فيه قد استخلص مما حوته التقارير الطبية المقدمة في الدعوى أنه لا يوجد
ثمة ما ينفي حدوث وفاة المجني عليه ذاتياً بسبب مرضه أو بسبب فعله نفسه وما بذله
من مجهود لا قبل له به وأنه لا يمكن بحال الجزم بأن الوفاة كانت نتيجة للفعل الذي
قارفه المتهم أو أن ذلك الفعل قد ساهم بنصيب فيها، وكانت الطاعنتان لا تنازعان في
صحة ما نقله الحكم عن هذه التقارير، فلا يجوز لهما أن تصادرا المحكمة فيما تشككت
فيه أو أن تنعيا عليها عدم أخذها بالنتيجة التي أسفرت عنها التقارير الطبية
الشرعية ما دامت المحكمة قد داخلها الريبة في صحة هذه النتيجة. لما كان ما تقدم،
فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة وإلزام
الطاعنتين المصروفات المدنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق