جلسة 25 من فبراير سنة 1981
برئاسة السيد/ المستشار رئيس المحكمة: مصطفى سليم, وعضوية السادة المستشارين: محمدي الخولي نائب رئيس المحكمة, مصطفى صالح سليم، محمد زغلول ودرويش عبد المجيد.
----------------
(126)
الطعن رقم 980 لسنة 47 القضائية
(1 - 3) إثبات "الإثبات بالبينة". محكمة الموضوع.
(1) جواز الإثبات بشهادة الشهود فيما يجب إثباته بالكتابة عند وجود مانع أدبي. على من يدعي وجود هذا المانع التمسك به. ليس لمحكمة الموضوع أن تقرر من تلقاء نفسها قيامه.
(2) المانع الأدبي. نسبي. يرجع للظروف التي انعقد فيها. تقدير قيامه. استقلال محكمة الموضوع به.
(3) مبدأ الثبوت بالكتابة. شرطه.
(4) إرث.
قاعدة. لا تركة إلا بعد سداد الدين. مؤداها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة, وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده الثالث أقام الدعوى 788 سنة 1975 مدني كلي شمال القاهرة على الطاعنين والمطعون ضدهما الأول والثاني طالباً الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 355 مليم و715 جنيه تأسيساً على أن هذا المبلغ يمثل ما تكبده في علاج وتجهيز ودفع ومأتم مورثتهم المرحومة....... وبتاريخ 4/ 11/ 1975 قضت المحكمة قبل الفصل في الموضوع بالإحالة إلى التحقيق للإثبات محددة جلسة لسماع الشهود، وفيها وقبل سماع الشهود دفع المطعون ضدهما الأول والثاني بعدم جواز الإثبات بغير الكتابة لمجاوزة الحق المطالب به لنصاب البينة على حين سلمت الطاعنة الأولى - عن نفسها وبصفتها وكيلة عن الطاعن الثاني - بالطلبات، وفي 18/ 5/ 1976 حكمت المحكمة برفض الدعوى، استأنف المطعون ضده الثالث الحكم بالاستئناف 2669 سنة 93 ق القاهرة طالباً إلغاءه والقضاء بطلباته المبداة أمام محكمة أول درجة، وبتاريخ 24/ 4/ 1977 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة للطاعنين وبإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمذكور من تركة مورثتهما المبلغ المطالب به، طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، ودفع المطعون ضدهما الأول والثاني ببطلان الطعن وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفي الموضوع برفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مبنى الدفع بالبطلان المبدى من المطعون ضدهما الأول والثاني أن الطاعنين لم يقدما عند إيداع صحيفة الطعن صورة رسمية من كل من الحكم المطعون في والحكم الابتدائي.
وحيث إن هذا الدفع غير صحيح ذلك أن البين من مطالعة حافظة مستندات الطاعنين المقدمة لقلم كتاب محكمة النقض يوم التقرير بالطعن الموافق 21/ 6/ 1977 أنها حوت صورة رسمية من كل من الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي ويتعين لذلك رفض الدفع.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بني على سبب واحد ينعى به الطاعنان على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال من أربعة أوجه، حاصل الثلاثة الأول منها أن الحكم أخطأ إذ ذهب إلى أن المطعون ضده الثالث لم يتمسك بقيام المانع الأدبي بينما لا يلزم قانوناً ذكر هذا المانع صراحة، وأخطأ إذ خلص بأن مستندات المذكور لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة في حين أن من ضمنها خطاباً مرسلاً منه لمحاميه بتاريخ 4/ 11/ 1974 رداً على خطابه إليه ينهي إليه برغبته في عدم رفع دعوى بما من شأنه أن يجعل الحق المطالب به قريب الاحتمال، فضلاً عن أن باقي مستندات المطعون ضده المذكور صادرة عن جهات رسمية كدار الشفاء ومؤسسة الأهرام، كما أخطأ الحكم إذ اعتبر أن علاقة المطعون ضده الثالث بالمتوفاة - وهي خالة زوجته - لم تكن لتحول دون حصوله على دليل كتابي بالحق المدعي به في حين أن زوجها المطعون ضده الأول كان إبان مرضها وحتى وفاتها مريضاً بدوره بالمستشفى بما لم يكن يسمح للمطعون ضده الثالث بالحصول على دليل كتابي.
وحيث إن هذا الوجه مردودة ذلك أنه وإن كان يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته بالكتابة إذا وجد مانع أدبي إلا أنه لا يحل لمحكمة الموضوع أن تقرر من تلقاء نفسها بقيامه وتقضي بالإحالة إلى التحقيق لإثبات ما لا يجوز إثباته بالكتابة بل يجب على من يدعي وجود هذا المانع أن يتمسك به ومن ثم يكون للمحكمة بعد ذلك أن تقدر دفاعه وتجيز الإثبات بالبينة أو لا تجيزه، وإذا كان مجال المانع الأدبي هو التصرفات القانونية فإنه يترتب على ذلك أن المانع الذي يبرر قيامه ليس مطلقاً وإنما هو نسبي عارض لا يرجع إلى طبيعة التصرف بل إلى الظروف التي انعقد فيها أو لحقته، فصله النسبة مهما كانت درجتها لا تعتبر في ذاتها مانعاً أدبياً يحول دون الحصول على سند كتابي بل المرجع في ذلك إلى ظروف الحال التي تقدرها محكمة الموضوع، ومن ثم فإن تقدير قيام المانع الأدبي من المسائل التي تستقل بها تلك المحكمة بغير معقب متى كان ذلك مبيناً على أسباب سائغة، هذا إلى أن مبدأ الثبوت بالكتابة يقتضي فضلاً عن وجود كتابة من شأنها أن تجعل المدعي به قريب الاحتمال، أن تكون هذه الكتابة صادرة من الخصم الذي يحتج عليه بها أو ممن ينوب عنه قانوناً - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في حدود سلطته التقديرية إلى أن العلاقة ما بين المطعون ضده الثالث وبين المتوفاة - خالة زوجته - وزوجها من المطعون ضده الأول - لم تكن لتحول دون حصول المطعون ضده الثالث على دليل كتابي بما أنفقه في سبيل علاج المورثة ودفتها ومأتمها، وأن المستندات التي قدمها تأييداً لدعواه لا تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة يجوز تكملته بالبينة واستند في ذلك إلى أنها غير صادرة من المورثة أو من ينوب عنها فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الرابع أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى إلزام الطاعنين بجميع طلبات المطعون ضده الثالث فخرج عن مدلول الإقرار الصادر منهما إذ أن كل وارث لا يلزم إلا بقدر نصيبه في دين التركة، ومفهوم إقرارهما - المستفاد من تسليمهما بكامل الطلبات - أنهما يعترفان بتحمل التركة وجميع الورثة بالدين المطالب به.
وحيث إن هذا الوجه غير سديد ذلك أن النص في المادة الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 على أنه "يؤدي من التركة بحسب الترتيب الآتي: أولاً ما يكفي لتجهيز الميت ومن تلزمه نفقته من الموت إلى الدفن ثانياً: ديون الميت. ثالثاً: ما أوصى به في الحد الذي تنفذ فيه الوصية ويوزع ما يبقى بعد ذلك على الورثة..". يدل على أن التركة تنفصل عن المورث بوفاته ولا تؤول بصفة نهائية إلى الورثة إلا بعد أداء مصاريف تجهيزه من تلزمه نفقته وما عليه من ديون للعباد وما ينفذ من وصاياه، ومن هنا كانت قاعدة لا تركه إلا بعد سداد الدين، ومؤداها أن تظل التركة منشغلة بمجرد الوفاة بحق عيني تبعي لدائني المتوفى يخولهم تتبعها لاستيفاء ديونهم، وتكون هذه الديون غير قابلة للانقسام في مواجهة الورثة يلتزم كل منهم بأدائها إلى الدائنين طالما كان قد آل إليه من التركة ما يكفي للسداد فإن كان دون ذلك فلا يلزم إلا في حدود ما آل إليه من التركة لأن الوارث لا يرث دين المورث وله الرجوع على باقي الورثة بما يخصهم في الدين الذي وفاه كل بقدر نصيبه في حدود ما آل إليه من التركة بدعوى الحلول أو - بالدعوى الشخصية - لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنين من دون باقي ورثة المرحومة.... هما اللذان سلما أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بطلبات المطعون ضده الثالث، وإقرارهما هذا حجة قاصرة عليهما وحدهما ولا يؤخذ به غيرهما من الورثة، فإنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه إذ ألزمهما بأن يدفعا من تركة مورثتهما كامل الدين المطالب به، ويكون النعي على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.