دائرة توحيد المبادئ
جلسة 28 من يونيه سنة
1987
برئاسة السيد الأستاذ
المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يوسف
شلبي يوسف وعبد الفتاح السيد بسيوني وعادل عبد العزيز بسيوني، نبيل أحمد سعيد
وفؤاد عبد العزيز عبد الله رجب وعبد العزيز أحمد سيد أحمد حمادة ومحمد المهدي عبد
الله مليحي والدكتور محمد جودت أحمد الملط وحسن حسنين علي وصلاح عبد الفتاح سلامة
- المستشارين.
-----------------
(2)
الطعن رقم 502 لسنة 31
القضائية
)أ) موظف - تأديب - الدعوى التأديبية - الحكم فيها
- وجوب إيداع مسودة الحكم عند النطق به - مخالفة ذلك - بطلان الحكم.
المادتان 3 و43 من قانون
مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 - المادتان 20 و175 من قانون
المرافعات المدنية والتجارية - المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية. إعمال
قانون الإجراءات الجنائية في مجال التأديب يجد حده في أمرين: أولهما: وجود نص صريح
في قانون مجلس الدولة يحيل إلى قانون الإجراءات الجنائية - مثال ذلك: نص المادة 51
من قانون مجلس الدولة الذي يجيز الطعن بطريق التماس إعادة النظر في أحكام المحاكم
التأديبية طبقاً للأحوال المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية - ثانيهما:
الأحكام التي ترد في قانون الإجراءات الجنائية متفقة مع طبيعة المنازعة التأديبية
- مثال ذلك: - انقضاء الدعوى التأديبية بوفاة المحال فيها إلى المحاكمة التأديبية
أسوة بالدعوى الجنائية أخذاً بفكرة شخصية العقوبة - مؤدى ذلك: أنه إذا أوجب المشرع
إيداع مسودة الحكم الصادر من المحكمة التأديبية مشتملة على أسبابه موقعة عند النطق
به وإلا كان الحكم باطلاً طبقاً للمادة (43) من قانون مجلس الدولة والمادتين 20
و175 من قانون المرافعات المدنية والتجارية فلا وجه لإعمال المادة (312) من قانون
الإجراءات الجنائية التي تجيز تراخي إيداع أسباب الحكم عند النطق به بما لا يزيد
على ثلاثين يوماً من يوم النطق به - تطبيق.
(ب) جامعة - أعضاء هيئة
التدريس - تأديب
- قرارات مجالس التأديب - وجوب إيداع مسوداتها المشتملة على
أسبابها عند النطق بها - مخالفة ذلك - بطلان القرار. المادة (109) من قانون تنظيم
الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972. أخضع المشرع مساءلة أعضاء هيئة
التدريس بالجامعة أمام مجلس التأديب للقواعد الخاصة بالمحاكمة أمام المحاكم
التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة - المقصود بالمساءلة هو المحاكمة -
أثر ذلك: خضوع مساءلة أعضاء هيئة التدريس لقواعد المحاكمة التأديبية الواردة
بقانون مجلس الدولة سواء كانت هذه القواعد موضوعية أو إجرائية - مؤدى ذلك: أن
قرارات مجالس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالجامعات يجب إيداع مسوداتها المشتملة على
أسبابها والموقعة من مصدريها عند النطق بها وإلا كانت باطلة - أساس ذلك: نص المادة
(43) من قانون مجلس الدولة دون المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 19
من يناير سنة 1986، أودع الأستاذ سعد أبو عوف المحامي، بصفته وكيلاً عن الدكتور
مهندس.....، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 502
لسنة 31 القضائية ضد السيد رئيس جامعة القاهرة بصفته، في القرار الصادر من مجلس
تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة في 25 من سبتمبر سنة 1985 والقاضي
بمجازاة الطاعن بعقوبة العزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة، وطلب
الطاعن، للأسباب المبينة في تقرير الطعن، الحكم بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون
فيه. وأعلن تقرير الطعن إلى الجهة المطعون ضدها على النحو الثابت في الأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة
تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي
الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وبإعادة الأوراق إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة
التدريس بجامعة القاهرة للفصل فيه مجدداً.
وعين لنظر الطعن جلسة 26
من نوفمبر سنة 1986 أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، ونظرته على
الوجه الثابت بالمحاضر حتى قررت بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1986 إحالة الطعن إلى
المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" لنظره بجلسة 17 من يناير
1987 فنظرته الدائرة المذكورة على الوجه المبين بالمحاضر حتى قررت بجلسة 18 من
إبريل سنة 1986 إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة وفقاً للمادة 54 مكرراً من
القانون رقم 47 لسنة 1972 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1984.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة
تقريراً تكميلياً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفض وجه الطعن على قرار
مجلس التأديب المطعون فيه بالبطلان لعدم إيداع أسبابه عند النطق به.
ونظرت هذه الدائرة الطعن
بجلسة 2 من يونيه سنة 1987، وفيها استمعت إلى ما رأت لزومه من إيضاحات على الوجه
الثابت بالمحضر ثم قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته
المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر هذه
المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أنه بتاريخ 13 من أكتوبر سنة 1984 أصدر
السيد رئيس جامعة القاهرة القرار رقم 314 لسنة 1984 بإحالة الدكتور....... الأستاذ
المساعد بكلية الهندسة جامعة القاهرة إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس لمحاكمته
عما نسب إليه من خروجه عن مقتضيات الواجب الوظيفي والمسلك الجامعي لإقراره بما
يخالف الحقيقة في استمارة جواز السفر الخاص به وهو أنه لا يعمل في الحكومة مما
ترتب عليه استخراج جواز سفر لم تثبت فيه وظيفته. وأصدر مجلس التأديب قراراً في 25
من سبتمبر سنة 1985 بمجازاة المحال بعقوبة العزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش
أو المكافأة. وأقام مجلس التأديب قراره على أن ما نسب إلى المحال ثابت في حقه
وينعكس أثره على كرامة وظيفته كعضو هيئة التدريس بالجامعة ويضعف من هيبتها ويسئ إلى
سمعته ويخل بالثقة الواجب توافرها فيه مما يوجب محاسبته حساباً عسيراً وأخذه
بالشدة. وطعن المحكوم عليه في هذا القرار بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة التأديبية
لمستوى الإدارة العليا في 21 من نوفمبر سنة 1985، وقيد الطعن بجدولها تحت رقم 4
لسنة 20 القضائية وقضت المحكمة في 15 من يناير سنة 1986 بعدم اختصاصها بنظر الطعن.
وبنت قضاءها على أن الهيئة المشكلة بالمحكمة الإدارية العليا طبقاً للمادة 54
مكرراً من قانون مجلس الدولة، قضت بأن الاختصاص بنظر الطعون في قرارات مجالس
التأديب التي لا تخضع لتصديق من جهات إدارية، ينعقد للمحكمة الإدارية العليا
وحدها، مما يوجب على المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا القضاء بعدم
اختصاصها بنظر الطعن مع الوقوف عند هذا الحد لأنه لا تجوز الإحالة من محكمة أدنى
إلى محكمة أعلى. وطعن المحكوم عليه في قرار مجلس التأديب، بتقرير طعن أودع قلم
كتاب المحكمة الإدارية العليا في 19 من يناير سنة 1986، وقيد بجدولها تحت رقم 502
لسنة 31 القضائية وبني الطعن أصلياً على أن قرار مجلس التأديب باطل لعدم إيداع
أسبابه عند النطق به طبقاً للمادة 175 من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي
تسري في شأن مجلس التأديب عملاً بالفقرة الأخيرة من المادة 109 من القانون رقم 49
لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، واحتياطياً على أن قرار مجلس التأديب عاقبه عن
واقعة سبقت مجازاته عنها ضمن قرار مجلس التأديب الصادر في 8 من مايو سنة 1983،
واحتياطياً كلياً على أن ما عوقب من أجله لا يشكل جريمة جنائية أو إدارية مم يوجب
تبرئته منه. وقررت الدائرة الرابعة بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 18 من إبريل
سنة 1986 إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة طبقاً للمادة 54 مكرراً من القانون رقم
47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984، لأن المادة 43 من قانون مجلس الدولة
قضت تصدر أحكام المحاكم التأديبية مسببة ويوقعها الرئيس والأعضاء، ومقتضى ذلك أنه
يجب على المحكمة التأديبية إيداع أسباب حكمها عند النطق به. في حين أن ذات الدائرة
كانت قد جرت أحكامها على خلاف ذلك في أحكام سابقة كما هو الشأن في الحكم الصادر
منها بجلسة 20 من فبراير سنة 1982 في الطعن رقم 302 لسنة 27 القضائية، الذي جاء
فيه أنه لا وجه للنعي بعدم إيداع حيثيات قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس
بالجامعة لحظة النطق به. إذ لا يوجد نص في قانون تنظيم الجامعات يرتب البطلان جزاء
لذلك، كما أن قانون مجلس الدولة الذي تحيل إليه المادة 109 من قانون تنظيم
الجامعات في مقام بيان قواعد المحكمة التأديبية وإجراءاتها لم يتضمن ما يلزم
المحاكم التأديبية بإيداع مسودة الحكم أو التوقيع على نسخته الأصلية خلال أمد
معين. فضلاً عن أن المحاكمة الجنائية والمحاكمة التأديبية تنبعان من أصل واحد
وتستهدفان تطبيق شريعة العقاب كل منها في مجاله بما يقتضيه ذلك من وجوب الاستهداء
في مجال المحاكمة التأديبية بالأصول العامة للمحاكمة الجنائية دون الإجراءات
المدنية. وبذلك تطبق المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية التي نصت على أن يحرر
الحكم بأسبابه كاملاً خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره بقدر الإمكان ولا يجوز
تأخير توقيع الحكم عن الثمانية أيام المقررة إلا لأسباب قوية، غير أنها لم تقض
ببطلان الحكم إلا بعد مضي ثلاثين يوماً دون حصول التوقيع عليه ما لم يكن صادراً
بالبراءة.
ومن حيث إن حكم هذه
الهيئة بجلسة 15 من ديسمبر 1985 في الطعن رقم 28 لسنة 29 ق. ع قضى باختصاص المحكمة
الإدارية العليا بنظر الطعون في قرارات مجالس التأديب التي لا تخضع للتصديق من
جهات إدارية - ومنها مجالس تأديب أعضاء هيئات التدريس بالجامعات - تأسيساً على
أنها مشكلة تشكيلاً خاصاً وفقاً لأوضاع وإجراءات معينة رسمها القانون: تقوم أساساً
على إعلان العامل مقدماً بالتهمة المنسوبة إليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه على
غرار المتبع أمام المحاكم التأديبية. فهي تقضي في ذات أنواع المنازعات التي تفصل
فيها المحاكم المذكورة، وتسير إجراءاتها بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في
القوانين المنظمة لها وفي كنف قواعد أساسية كلية هي تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان
وكفالة حق الدفاع. فهي تؤدي ذات وظيفة تلك المحاكم بالفصل في المساءلة التأديبية،
فكلاهما سلطة تأديبية تفصل في محاكمة مسلكية تأديبية وتوقع جزاءات تأديبية من نفس
النوع على من يثبت إخلاله بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها. والقرارات
التي تصدرها مجالس التأديب التي لم يخضعها القانون لتصديق من جهات إدارية عليا
قرارات نهائية، لا تسري عليها الأحكام الخاصة بالقرارات الإدارية، فلا يجوز التظلم
منها أو سحبها أو الرجوع فيها أو تعديلها كما ينغلق ذلك على الجهات الإدارية.
وبذلك فإن قرارات هذا المجلس أقرب في طبيعتها إلى الأحكام التأديبية منها إلى
القرارات الإدارية. فلا يجوز أن توصف بأنها قرارات نهائية لسلطات تأديبية بالمعنى
المقصود في البند تاسعاً من المادة (10) من قانون مجلس الدولة المشار إليه التي
تختص بنظرها المحاكم التأديبية، كما أنها ليست من القرارات الإدارية التي تدخل في
اختصاص محكمة القضاء الإداري أو المحاكم التأديبية. وتحديد طبيعة هذه المجالس
وتكييف محلها على هذا الوجه هو ما انتهى إليه واستقر عليه قضاء مجلس الدولة
الفرنسي منذ الحكم موافر
Moiveau في 2 فبراير 1945 الذي
اعتبر مجلس تأديب نقابة الأطباء جهة قضاء وعمله قضاء يطعن فيه بالنقض أمام مجلس
الدولة لا المحاكم الإدارية (أو مجالس الأقاليم قبل إنشائها) وتأكد بحكم ديير ď Aillieres في 7 فبراير 1947، ولهذا
أوجب أن يكون القرار نهائياً غير قابل للطعن فيه أمام أية جهة أخرى أو للتعقيب
عليه من أي جهة أخرى ولا يقبل الطعن عليه من كل ذي مصلحة بل فقط ممن كان طرفاً في
المنازعة التي انتهت بصدوره (حكم دسو
Desseaux في 12 أكتوبر 1956 وحكم
دلافي Delaville في 16 فبراير 1951، وحكما وزارة الصحة في 12 مارس
سنة 1954 وفي 12 نوفمبر 1954)، وأسباب الطعن المذكور هي عدم الاختصاص وعيب الشكل
ومخالفة القانون فيخرج عنها عيب الانحراف بالسلطة (حكم أبيه جلوتو giloteaux Ablie في
16 مارس سنة 1953 وشركة فرنسا المالية 15 أكتوبر 1954. وقد اعتمد مجلس الدولة في
هذا القضاء على تحليل تشكيل تلك المجالس وطبيعة الإجراءات أمامها وطبيعة عملها
وكيفية أدائه بمراعاة أصل المواجهة وكفالة حق الدفاع، وبصفة أساسية على معيار
طبيعة المهمة الموكولة إليها وموضوع المنازعة التي تفصل فيها (بايو Bayo 12 ديسمبر 1953 وEpoux Deltel 16 ديسمبر 1955 وبايا مونثرو Paya
Monzo في 29 مارس 1957 ود فوست
ودنوا دي سان مارك
Devoste Denoix de Saint - Marc في 12 يوليه 1969. وبذلك وعلى ما استظهره قضاء هذه
الهيئة السابق فإن نشاط هذه الجهات قضاء والعمل الصادر منها يفصل في منازعة فهو في
طبيعته قضاء حاسم لمنازعة تأديبية، وبذلك فهو أقرب إلى الحكم التأديبي، وحقيقة أنه
ليس قراراً إدارياً لا يخضع للأحكام الخاصة بالقرار الإداري على ما سبق. بل يخضع
أساساً للأحكام المنظمة لتكوين كل من تلك المجالس ونشاطه وعمله بالأداة التشريعية
التي قررته مع مراعاة توفير الضمانات الأساسية الواجب توفيرها للعمل القضائي وخاصة
من حيث أصل المواجهة وحق الدفاع. وإذ كان مجلس تأديب أعضاء هيئات التدريس
بالجامعات مما يندرج تحت المجالس المذكورة وكانت المادة 109 من قانون تنظيم
الجامعات نصت على أنه مع مراعاة حكم المادة 105 من القانون المذكور يسري على
المساءلة التأديبية أمام المجلس المذكور القواعد الخاصة بالمحاكمة أمام المحاكم
التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، ومن ثم وجب البدء بتحديد حكم إيداع
أسباب الحكم بالنسبة للمحاكمة التأديبية طبقاً لقانون مجلس الدولة الذي أحال إليه
قانون الجامعات، ذلك أن القواعد الخاصة بالمحاكمة تتضمن كل ما يتصل بالمحاكمة
ويحكم شئونها ومنها كيفية إصدار الحكم والنطق به وإيداع مسودة أسبابه، وهذا بالذات
سبب الإحالة إلى هذه الهيئة للخلاف في هذا الشأن في قضاء الدائرة الرابعة بالمحكمة
الإدارية العليا وبذلك يدور الخلاف المعروض حول ما إذا كان من الواجب على المحاكم
التأديبية بمجلس الدولة أن تودع أسباب حكمها عند النطق بها طبقاً للمادة 43 من
قانون مجلس الدولة وللمادة 175 من قانون المرافعات المدنية والتجارية أم أن ذلك
الحكم لا يسري عليها فيجوز لها إيداع الأسباب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور الحكم
طبقاً للمادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية. ومتى تحدد ذلك وجب بحث سريان ذلك
على مجالس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وفقاً للمادة 109 من قانون تنظيم
الجامعات.
ومن حيث إن قانون
الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 نص في المادة 312 منه
الواردة في الباب الثاني الخاص بمحاكم المخالفات والجنح والمطبقة أمام محاكم
الجنايات طبقاً للمادة 381 الواردة في الباب الثالث الخاص بمحاكم الجنايات على
أنه.. يحرر الحكم بأسبابه كاملاً خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره بقدر الإمكان.
ويوقع عليه رئيس المحكمة وكاتبها... ولا يجوز تأخير توقيع الحكم على الثمانية أيام
المقررة إلا لأسباب قوية، وعلي كل حال يبطل الحكم إذا مضى ثلاثون يوماً دون حصول
التوقيع، ما لم يكن صادراً بالبراءة... وينص قانون المرافعات المدنية والتجارية
الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 - تنص المادة 20 منه على أنه "يكون الإجراء
باطلاً إذا نص القانون صراحة على بطلانه أو إذا شابه عيب لم تتحقق بسببه الغاية من
الإجراء.." ونص في المادة 175 منه على أنه "يجب في جميع الأحوال أن تودع
مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعة من الرئيس ومن القضاة عند النطق بالحكم وإلا
كان الحكم باطلاً... أما قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 فقد
نص قانون الإصدار في المادة 3 منه على أنه "تطبق الإجراءات المنصوص عليها في
هذا القانون، وتطبق أحكام قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص، وذلك إلى أن يصدر
قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي"، وتناول قانون مجلس الدولة
الإجراءات أمام المحاكم التأديبية في البند ثانياً من الفصل الثالث من الباب الأول
فنص في المادة 43 على أنه "لا يجوز تأجيل النطق بالحكم أكثر من مرة، وتصدر
الأحكام مسببة ويوقعها الرئيس والأعضاء" كما أورد في البند رابعاً من ذات
الفصل أحكاماً عامة: فنص في المادة 51 منه على أنه "يجوز الطعن في الأحكام
الصادرة من محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية بطريق
التماس إعادة النظر في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات
المدنية والتجارية أو قانون الإجراءات الجنائية حسب الأحوال وذلك بما لا يتعارض مع
طبيعة المنازعة المنظورة أمام هذه المحاكم...".
ومن حيث إنه يستفاد من
النصوص المتقدمة أن القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، بنص صريح في
المادة الثالثة من قانون إصداره، أحال فيما لم يرد بشأنه نصوص إجرائية فيه إلى
قانون المرافعات المدنية والتجارية. وقد أوجب القانون الأخير في المادة 17 منه
إيداع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعة من الرئيس والقضاة عند النطق بالحكم
وإلا كان حكماً باطلاً. ومؤدى هذا أنه يتعين على محاكم القسم القضائي بمجلس
الدولة، أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعة من الرئيس والأعضاء عند
النطق به حتى لا يبطل الحكم، صدعاً بالمادة 175 من قانون المرافعات والمدنية
والتجارية والمادة 3 من قانون إصدار قانون مجلس الدولة. غير أن قانون مجلس الدولة
لم يقنع بهذه الإحالة التي تنبسط في عمومها وإطلاقها إلى جميع محاكم القسم القضائي
بمجلس الدولة ومن بينها المحاكم التأديبية، وإنما خص المحاكم التأديبية وحدها على
صعيد إجراءاتها بالمادة 43 التي قضت بأن تصدر أحكامها مسببة ويوقعها الرئيس
والأعضاء. وجاءت هذه المادة قاطعة في أن تكون الأحكام عند صدورها مسببة وموقعة،
وهو ما لا يتأتى إلا بإيداع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه والموقعة من قضاته
عند النطق به، وذلك على غرار الأحكام الصادرة عن المحاكم الأخرى بالقسم القضائي
بمجلس الدولة. ولم يورد قانون مجلس الدولة حكم المادة 43 لمجرد استصحاب سابق نص
المادة 28 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية
والمحاكمات التأديبية وإلا كان إيرادها على هذا النحو لغواً وتزيداً ينزه المشرع
عنهما، وإنما أوردها عن قصد واضح إلى إبعاد ما قد كان يمكن عند صدوره أن يثور من
شبهة اللجوء في هذه الخصوصية إلى المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية التي
أوجبت توقيع الحكم خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره وإلا كان حكماً باطلاً ما لم
يكن صادراً بالبراءة. وهو أمر يؤكد أن إعمال قانون الإجراءات الجنائية في مجال
التأديب يجد حده فيما ورد بشأنه نص صريح يقضي بذلك مثل المادة 51 من قانون مجلس
الدولة التي تضمنت جواز الطعن بطريق التماس إعادة النظر في أحكام المحاكم
التأديبية في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية. ويجده
حده أيضاً فيما تقتضيه طبيعة المنازعة التأديبية مثل انقضائها بوفاة المحال فيها
إلى المحاكمة التأديبية صدوراً عن شخصية العقوبة المستهدفة من الدعوى التأديبية
أسوة بالدعوى الجنائية طبقاً للمادة 14 من قانون الإجراءات الجنائية. وبذلك قطع
قانون مجلس الدولة في المادة 43 منه بوجوب صدور أحكام المحاكم التأديبية مقترنة
بأسبابها الموقعة من قضاتها عند النطق بها، سواء كانت صادرة في دعاوى تأديبية أو
في طعون تأديبية تستوي مع غيرها من الدعاوى الإدارية حيث يتعين إيداع الأسباب
موقعة عند النطق بالحكم شأن سواها من محاكم القسم القضائي بمجلس الدولة. وذلك
تأكيداً منه لمقتضى المادة 3 من قانون إصداره بتطبيق حكم المادة 175 من قانون
المرافعات المدنية والتجارية، بما رمت إليه هذه المادة من كفالة إتمام المداولة
والاستقرار على الحكم وتحرير أسبابه والتوقيع عليها قبل إصداره، كضمانة أساسية
لأطراف النزاع حتى يقر في روعهم أن الحكم صدر وتم النطق به بعد دراسة متأنية
ومداولة قانونية تمخضت عن أسباب مسطورة في مسودة ممهورة عند النطق به. ولذلك فإنه
رغم خلو المادة 43 من قانون مجلس الدولة، من عبارة صريحة ببطلان الحكم جزاء
مخالفتها، فهذا البطلان هو الأثر المقرر قانوناً للإحالة في المادة (3) من قانون
إصداره إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية بإعمال كل من المادة 175 منه في
نصها صراحة على بطلان الحكم إذا لم تودع مسودته المشتملة على أسبابه الموقعة من
قضاته عند النطق به. وكذلك بإعمال المادة 20 منه في تقريرها بطلان الإجراء الذي لم
ينص القانون صراحة على بطلانه إذا شابه عيب منع تحقق الغاية منه وهو ما اصطلح على
تسميته بالإجراء الجوهري. ومفاد هذا أن الحكم الصادر من المحكمة التأديبية يجب أن
تودع مسودته المشتملة على أسبابه موقعة عند النطق به. وإلا كان حكماً باطلاً،
طبقاً للمادة 43 من قانون مجلس الدولة، والمادتين 20 و175 من قانون المرافعات
المدنية والتجارية، عملاً بالإحالة إلى هذا القانون في المادة 3 من قانون إصدار
قانون مجلس الدولة.
ومن حيث إن قانون تنظيم
الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972، حدد في المادة 105 السلطة المختصة
بالإحالة إلى التحقيق ومن يباشره والسلطة المختصة بالبت في نتيجته بأحد أمور من
بينها الإحالة إلى مجلس التأديب، ثم نص في المادة 109 على أنه "تكون مساءلة
جميع أعضاء هيئة التدريس أمام مجلس تأديب يشكل من..... ومع مراعاة حكم المادة
(105).....، تسري بالنسبة إلى المساءلة أمام مجلس التأديب القواعد الخاصة
بالمحاكمة أمام المحاكم التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة. "وجلي
أن المادة 109 إذ أخضعت المساءلة أمام مجلس التأديب للقواعد الخاصة بالمحاكمة أمام
المحاكم التأديبية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، فإنها جاءت عامة مطلقة في
أن المقصود بالمساءلة هو المحاكمة وبما الإحالة إلى هذه القواعد التي تنظم أمر
المحاكمة التأديبية في قانون مجلس الدولة سواء كانت قواعد موضوعية أو إجرائية: ذلك
مثل المادة 43 من قانون مجلس الدولة وكذلك المادتين 20 و175 من قانون المرافعات
المدنية والتجارية عملاً بالإحالة الواردة في المادة 3 من قانون إصدار قانون مجلس الدولة.
ومن ثم فإن قرارات مجالس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، يجب أن تودع
مسوداتها المشتملة على أسبابها والموقعة من مصدريها عند النطق بها، وإلا كانت
باطلة، أسوة بأحكام المحاكم التأديبية في مجلس الدولة. ولا يسري في شأنها حكم
المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية التي أجازت تراخي إيداع أسباب الحكم عند
النطق به بألا يزيد على ثلاثين يوماً من يوم النطق به. ومن حيث إنه لكل ما تقدم
فإن الهيئة لا تجد مقنعاً في الاتجاه القضائي السابق من الدائرة الرابعة بالمحكمة
الإدارية العليا إلى تطبيق المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية، على أحكام
المحاكم التأديبية وبالتالي على قرارات مجالس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالجامعات،
بمقولة خلو قانون مجلس الدولة وقانون تنظيم الجامعات من نص في هذا الصدد، وبدعوى
الاستهداء في مجال المحاكمة التأديبية بالأصول العامة للمحاكمة الجنائية، بعد إذ
بينت هذه الهيئة تضمن قانون مجلس الدولة المادة 43 التي أكدت في خصوص المحاكم
التأديبية مقتضى الإحالة في المادة 3 من قانون الإصدار بتطبيق المادتان 20 و175 من
قانون المرافعات المدنية والتجارية، وبذلك نفت شبهة إعمال المادة 312 من قانون
الإجراءات الجنائية. كما حوى قانون تنظيم الجامعات المادة 109 التي أحالت في شأن
المساءلة أمام مجلس التأديب إلى القواعد المطبقة في شأن المحاكمة أمام المحاكم
التأديبية. ومن ثم فإن أحكام المحاكم التأديبية وكذلك قرارات مجالس تأديب أعضاء
هيئة التدريس بالجامعات، يجب أن تودع مسوداتها المشتملة على أسبابها والموقعة من
مصدريها عند النطق بها وإلا كانت باطلة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بوجوب إيداع
المسودة المشتملة على أسباب قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالجامعة والموقعة
من رئيسه وأعضائه عند النطق به وإلا كان باطلاً، وقررت إعادة الطعن إلى الدائرة
المختصة للفصل فيه.