الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 3 أكتوبر 2021

الطعنان27029 ، 27784 لسنة 57 ق جلسة 28 / 6 / 2016 إدارية عليا مكتب فني 61 ج 2 ق 102 ص 1311

جلسة 26 من يونيه سنة 2016
الطعنان رقما 27029 و27784 لسنة 57 القضائية (عليا)
(الدائرة الحادية عشرة)
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ أحمد عبد العزيز إبراهيم أبو العزم نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد حجازي حسن مرسي، ومحمود فؤاد محمود عمار، وسيد أحمد جميع محمد، وخالد محمد محمود حسنين العتريس. نواب رئيس مجلس الدولة

-----------------

 )أ‌) دعوى:
طلبات في الدعوى- سلطة المحكمة في تكييف طلبات الخصوم- تكييف الدعوى من تصريف المحكمة، إذ عليها بما لها من هيمنة على تكييف الخصوم لطلباتهم أن تتقصى هذه الطلبات، وأن تستظهر مراميها، وما قصده الخصوم من إبدائها، وأن تعطي الدعوى وصفها الحق، وتكييفها القانوني الصحيح، على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابساتها، ومن سياق الدعوى، وما قدم فيها من مذكرات ومستندات، وذلك دون أن تتقيد في هذا الصدد بتكييف الخصوم لها، بل بحكم القانون فحسب، إلا أنه يتعين عليها ألا يصل الأمر إلى حد التعديل في الطلبات بإضافة طلبات لم يطلبوا الحكم بها، أو أن تحور في تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصود الخصوم ونيتهم من وراء إبدائها.

 (ب‌) دعوى:
طلبات في الدعوىالطلبات الأصلية والاحتياطية- يجب أن تكون هناك علاقة تربط بين الطلبات الأصلية والاحتياطية- تحديد هذه العلاقة من الأمور التي تخضع لتقدير المحكمة في ضوء ما طرحه الخصوم من طلبات ووقائع وملابسات المنازعة المعروضة عليها، غير مقيدة بوصف الخصوم لطلباتهم- إذا قضت المحكمة للمدعي بالطلب الأصلي، فإنه يمتنع عليها التعرض للطلب الاحتياطي، حيث لا يجوز لها أن تتعرض له إلا في حالة حكمها بعدم قبول الطلب الأصلي أو رفضه، أو إذا قرر المدعي ترك الخصومة فيه- إذا قضت المحكمة بالطلبين الأصلي والاحتياطي فإنها تكون قد قضت بغير ما طلب منها، ويكون قضاؤها معيبا بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه.

 (ج‌) دعوى:
الطعن في الأحكام- الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يطرح المنازعة في الحكم المطعون فيه برمتها، ويفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون، وزنا مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه- لهذه المحكمة أن تنزل حكم القانون على المنازعة على الوجه الصحيح، غير مقيدة بأسباب الطعن على الوجه الذي تم طرحه في خصومة الطعن، أو بطلبات الخصوم، أو بما آلت إليه الطلبات المرتبطة في الحكم المطعون فيه، فالمراد هو مبدأ الشرعية، نزولا على سيادة القانون.

 (د‌) هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة:
تخصيص العقارات- المنازعة المتعلقة بعلائق وقعت بعد تخصيص الوحدة تعد من المنازعات العقدية، فلا تتقيد بميعاد دعوى الإلغاء.

 (هـ) هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة:
تخصيص العقارات- التنازل عن التخصيص وأثره- من حالات إلغاء التخصيص: تنازل المخصص له عنه- التنازل عن العقد هو نقض له، ويترتب عليه انحلال الرابطة العقدية، وانفساخ العقد، وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها عند التعاقد، شريطة أن يلاقي هذا التنازل قبولا لدى المتعاقد الآخر، وأن تكون إرادة الطرفين صادرة عمن هو أهل لها، وخالية مما يعيبها- لا يعتد بطلب بطلان التنازل عن الوحدة تأسيسا على القول إن الدافع إلى التنازل كان استرداد كامل ما سدده المتعاقد من ثمنها طبقا لقواعد التيسيرات المقررة بالهيئة، في حين أن الجهة الإدارية عاملته في ذلك الشأن بالقواعد العامة في الاسترداد؛ ذلك لأن أثر هذا الدافع لا شأن له بصحة التنازل، إذ إنه يصب فحسب على آثار فسخ العقد، وتحديد ما يجب أن يسترده المتنازل من ثمن الوحدة.

 )و) هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة:
تخصيص العقارات- إلغاء التخصيص- لم يرتب المشرع على مجرد وقوع المخالفة لقواعد التخصيص بالانتفاع بالعقارات والمنشآت الداخلة في المجتمعات العمرانية الجديدة إلغاء التخصيص، إذ استلزم لإصدار قرار الإلغاء أن يسبقه الإخطار بالمخالفة لذوي الشأن بموجب كتاب موصى عليه بعلم الوصول، وأن يضمن هذا الكتاب تحديد أجل معين يتم في خلاله تصحيح المخالفة- تطبق هذه الإجراءات على جميع الأعمال والقرارات، سواء السابقة منها على صدور القرار بإلغاء التخصيص أو اللاحقة على صدوره؛ لأنها تعد من الضمانات الجوهرية، التي قصد المشرع منها أن تستبين جهة الإدارة مدى إصرار صاحب الشأن وعزوفه عن تصحيح موقفه، وفي الوقت نفسه إعلانه بما سيتخذ ضده من قرار أو ما اتخذ بسبب هذه المخالفة، وتمكينا له من توضيح موقفه- بناء على ذلك يترتب على مخالفة هذه الإجراءات بطلان القرار الصادر بإلغاء التخصيص) (.
- المادة رقم (14) من القانون رقم 59 لسنة 1979 في شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة.
- المادة رقم (16) من اللائحة العقارية الخاصة بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والأجهزة التابعة لها، الصادرة بقرار رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم 3 لسنة 2001.

 )ز) هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة:
تخصيص العقارات- التحري عن طالب التخصيص- لأن بعض البيانات التي يضمنها الحاجز للوحدة في الاستمارة المخصصة لهذا الغرض عرضة للتغير والتعديل بطبيعتها؛ يلزم على الجهة المنوط بها التحري عن صحة هذه البيانات ألا تتراخى زمنا في تحريها، كما يلزم في حال ما أسفرت هذه التحريات عن عدم صحة البيانات كلها أو بعضها، سواء أكان التحري قد تم في زمن معقول أم تم بعد انقضاء فترة زمنية طويلة من تقديم الاستمارة، أن تخطر صاحب الشأن بنتائج هذه التحريات بالوسيلة التي حددها القانون بموجب كتاب موصى عليه بعلم الوصول- هذه الوسيلة تعد من الإجراءات الضرورية والضمانات الجوهرية، لأنها تتيح لصاحب الشأن فرصة الرد على ما جاء بالتحريات، وبيان موقفه منها- مخالفة ذلك من شأنه أن يجعل ما تم إجراؤه من تحريات، وما صدر بناء عليها من قرارات موصوما بالبطلان- تطبيق: يبطل قرار عدم تطبيق قواعد التيسيرات على المتنازل عن التخصيص بحجة سبق انتهاء لجنة التحريات إلى عدم صحة البيانات المقدمة منه، رغم تراخي اللجنة في إجراء التحريات، وعدم إخطاره بنتيجتها.

-------------

الوقائع

في يوم السبت الموافق 7/5/2011 أودع الأستاذ/... المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا، بصفته وكيلا عن الطاعنين (بصفتيهما)، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها العام برقم 27029 لسنة 57 القضائية عليا، طعنا في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري- لدائرة الثانية- بجلسة 13/3/ 2011 في الدعوى رقم 34174 لسنة 59ق، القاضي بقبول الدعوى شكلا، وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أحقية المدعي في استمرار تخصيص الوحدة، وإلزام جهة الإدارة المدعى عليها أن تؤدي له مبلغا مقداره ستة وعشرون ألفا وسبعون جنيها وأحد عشر قرشا، وفوائده القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد، وإلزامها المصروفات.
وطلب الطاعنان (بصفتيهما) -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.
- وفى يوم الأربعاء الموافق 11/5/2011 أودع الأستاذ/... المحامي المقبول للمرافعة أمام المحكمة الإدارية العليا، بصفته وكيلا عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها العام برقم 27784 لسنة 57 القضائية عليا، طعنا على الحكم المشار إليه.

وطلب الطاعن (بصفته) -للأسباب الواردة بتقرير الطعن- الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا: (أصليا) بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد، و(احتياطيا) برفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.

وقد أعلن كل من تقريري الطعن قانونا على النحو الثابت بالأوراق.
وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلا، وبتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إلغاء تخصيص الوحدة محل الطعن للمطعون ضده، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ورفض طلب استرداد مبلغ مقداره ستة وعشرون ألفا وسبعون جنيها وأحد عشر قرشا وفوائده القانونية، على الوجه المبين بالأسباب، وإلزام الخصوم المصروفات مناصفة بينهما.

وقد تحدد لنظر الطعنين أمام هذه المحكمة بدائرة فحص الطعون جلسة 13/5/ 2015، وفيها قررت الدائرة ضم الطعنين ليصدر فيهما حكم واحد، وفيها قدم الحاضر عن المطعون ضده مذكرة وحافظتي مستندات، وبجلسة 26 /7/ 2015 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 28/9/2015 مع التصريح بمذكرات فى أسبوعين، قـدم خلالهما الطاعنان مذكرة دفاع، وبجلسة 28/9/2015 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع لنظره بجلسة 1/11/2015، وبها نظر و تدوول الطعن أمام هذه الدائرة على النحو المبين بمحاضر جلساتها، وبجلسة 17/1/2016 قدم الحاضر عن المطعون ضده مذكرة وحافظة مستندات، وبجلسة 6/3/2016 قدم الحاضر عن الهيئة الطاعنة مذكرة وحافظة مستندات، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 24/4/2016، وفيها تم مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة 29/5/2016 لاستكمال المداولة، وفيها تقرر مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم لإتمام المداولة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وإتمام المداولة.

وحيث إن الطاعنين يهدفان من الطعنين الماثلين إلى الحكم بقبولهما شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددا: (أصليا) بعدم قبول الدعوى شكلا، و(احتياطيا) برفضها موضوعا، وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي.

وحيث إن الطعنين قد استوفيا جميع أوضاعهما الشكلية المقررة قانونا، فمن ثم تقضي المحكمة بقبولهما شكلا.

وحيث إن عناصر المنازعة الماثلة تخلص -حسبما هو ثابت من الأوراق- في أنه بتاريخ14/7/2005 أقام المدعي (المطعون ضده) الدعوى رقم 34174 لسنة 59ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طالبا في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ، ثم إلغاء قرار لجنة التحريات فيما تضمنه من عدم استحقاقه للوحدة رقم 6 مربع 3 عمارة 116 منطقة 1 مجاورة 45 إسكان مبارك للشباب بمدينة العاشر من رمضان بمساحة (100) متر مربع، وإلزام المدعى عليهم (المطعون ضدهم) صرف كامل المستحقات المدفوعة من المدعي للوحدة، مضافا إليها فائدة مقدارها 4% من تاريخ المطالبة القضائية، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

وذكر المدعي (المطعون ضده) شرحا لدعواه أنه تقدم بطلب للحصول على شقة بمدينة العاشر من رمضان طبقا للإعلان الذي تم من قبل الهيئة، وبتاريخ 30/6/1996 تم تخصيص الوحدة رقم 6 مربع 3 عمارة 116 منطقة 1 مجاورة 45 إسكان مبارك للشباب بمدينة العاشر من رمضان (100) متر مربع، وبتاريخ 1/7/1997 قام بالتعاقد مع بنك الإسكان والتعمير، كما قام بسداد كامل قيمة الوحدة عدا القرض التعاوني، وتسلم الوحدة بتاريخ 13/7/1997، وأنه بتاريخ 16/10/2004 قرر وزير الإسكان عدم خصم الغرامات المقررة على (إسكان الشباب) أو (المستقبل)، والبالغة 7% من ثمن الوحدة، أو ألف جنيه سنويا منذ تسليم الوحدة من الراغبين فى ردها لأجهزة المدن، سواء ممن أقاموا بها أو ممن تصعب عليهم الإقامة بها لظروفهم الخاصة، ورد مستحقاتهم بشكل فوري، فتقدم على إثر ذلك بتاريخ 1/12/2004 بطلب إلى رئيس جهاز إسكان الشباب للتنازل عن الوحدة المشار إليها، وتم قبول التنازل بعد التحري عن أنه ليس من المخالفين، وتمت الموافقة على التنازل، وقام رئيس الجهاز بمخاطبة رئيس هيئة المجتمعات للإفادة بتسلم الشقة ولا توجد بها تلفيات، وأصبحت في حوزة الجهاز، كما تمت مخاطبة مدير بنك الإسكان -فرع العاشر من رمضان- لاتخاذ اللازم نحو صرف مستحقاته المالية المدفوعة، إلا أنه تم رفض صرف مستحقاته استنادا إلى أنه غير مستحق للوحدة، فتوجه إلى لجنة التحريات للاستفسار عن سبب عدم استحقاقه، فأفادته بأنه تمت مراسلته دون أن يحضر إليهم، وتظلم من القرار دون جدوى، ولجأ إلى لجنة فض المنازعات، ونعى المدعى على هذا القرار صدوره مشوبا بعيب عدم الاختصاص الجسيم، ومخالفته للقانون، والانحراف بالسلطة، وعدم صحة سببه، بالإضافة إلى تحصن قرار استحقاقه للوحدة، وهو ما حداه على إقامة الدعوى الماثلة بغية الحكم بطلباته المبينة سلفا.

وإبان نظر محكمة القضاء الإدارى للشق العاجل من الدعوى، قررت إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها، وعند تحضير الدعوى قدم الحاضر عن المدعي (المطعون ضده) صحيفة معلنة بطلب عارض -حسب نعته له- في الدعوى حدده في الآتي:

(1) إلغاء قرار لجنة التحريات بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية فيما تضمنه من عدم استحقاقه للوحدة رقم 6 مربع 3 عمارة 116 منطقة 1 مجاورة 45 إسكان مبارك للشباب بمدينة العاشر من رمضان (100) متر مربع، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها إلزام المطعون ضدهم رد الوحدة السابق تخصيصها له بالحالة التي كانت عليها وقت تسلمها منه، وبطلان تنازله عن الوحدة واعتباره كأن لم يكن.

(2) إلزام المدعى عليهم بالتضامن تعويضه بمبلغ مئة ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء خطئهم.

(3) إبقاء الطلب الوارد بأصل صحيفة الدعوى طلبا احتياطيا.

وقد أعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المدعى عليها تعويض المدعي عما لحقه من أضرار بالمبلغ الذي تقدره عدالة المحكمة، وذلك كله على النحو المبين بالأسباب، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

وبعد تداول نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري أصدرت حكمها المتضمن في أسبابه عدم قبول الدعوى بالنسبة لمستشار وزير الإسكان لكونه غير ذي صفة في الدعوى، وإخراجه منها بلا مصروفات، وأبانت في حكمها أنها قد اكتفت بذكر ذلك في الأسباب. كما تضمنت الأسباب الحكم بعدم قبول الطلبين الأصليين فى الدعوى -بعد تعديل الطلبات فيها- والخاص (أولهما) بإلغاء القرار المطعون فيه ورد الوحدة السابق تخصيصها للمدعي، والخاص (ثانيهما) بطلب التعويض عن القرار المطعون فيه بمبلغ مئة ألف جنيه، وذلك استنادا إلى عدم سابقة قيام المدعى باللجوء بشأنهما إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات، وقد جاء منطوق الحكم خاليا من القضاء الأخير، إذ قضت المحكمة في منطوق حكمها بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها أحقية المدعي في استمرار تخصيص الوحدة، وإلزام جهة الإدارة المدعى عليها أن تؤدي إلى المدعي مبلغا مقداره ستة وعشرون ألفا وسبعون جنيها وأحد عشر قرشا، وفوائده القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد، وألزمتها المصروفات.

وشيدت المحكمة قضاءها الوارد بمنطوق الحكم على أساس ما ثبت لها من الأوراق أن الهيئة المدعى عليها أعلنت عن فتح باب الحجز لعدد من الوحدات السكنية بمساحة 100 متر مربع بمشروع مبارك القومي لإسكان الشباب بمدينة العاشر من رمضان، طبقا للشروط والضوابط الواردة بكراسة الشروط الخاصة بهذا المشروع، وقد تقدم المدعي بطلب للحصول على وحدة سكنية من هذه الوحدات استنادا إلى توفر جميع الشروط في شأنه، وقامت الهيئة بتخصيص الوحدة رقم 6 مربع 3 عمارة 116 منطقة 1 مجاورة 45 إسكان شباب مبارك للشباب بمدينة العاشر من رمضان، وقام بسداد المستحقات المالية الواجبة الأداء نتيجة هذا التخصيص بمبلغ مقداره ستة وعشرون ألفا وسبعون جنيها وأحد عشر قرشا، وطبقا للتيسيرات الواردة بإعلان الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية بالصحف القومية بتاريخ 16/10/2004 قام المدعي بإعادة الوحدة إلى جهاز المدينة بالحالة التي تسلمها عليها، ولا توجد بها تلفيات، وبعد أن أصبحت في حوزة الجهاز قام بمخاطبة بنك الإسكان بتنازل المدعي عن الوحدة، وبالشروط المقررة بالتيسيرات من أن تكون الوحدة بالحالة التي تسلمها بها، فإنه طبقا لهذه التيسيرات يحق له استرداد كامل مستحقاته التي أداها في هذه الوحدة بمبلغ مقداره ستة وعشرون ألفا وسبعون جنيها وأحد عشر قرشا، إلا أن البنك لم يقم بسداد كامل هذه المستحقات له استنادا إلى أنه تقرر عدم أحقيته فى تخصيص الوحدة؛ لأن لجنة التحريات سبق أن أخطرته للحضور إلا أنه لم يحضر أمامها، وقد خلت أوراق الدعوى مما يفيد أن جهة الإدارة المدعى عليها (لجنة التحريات) قد قامت بإرسال إخطار إليه وتسلمه لهذا الإخطار، كما أنها لم تقدم ما يفيد أن إخطارها له كان بمناسبة تخلفه عن أداء التزام من الالتزامات المقررة قانونا، بل جاءت مجرد قول مرسل لا دليل عليه، ومن ثم يكون تقرير عدم أحقيته فى تخصيص الوحدة، مع ما ترتب عليه من الامتناع عن رد المبالغ السابق تحصيلها منه بسبب ما انتهت إليه لجنة التحريات من عدم استحقاقه للوحدة غير قائم على سند من القانون جديرا بالإلغاء، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها صرف كامل مستحقاته المالية التي دفعها في الوحدة، ومقداره ستة وعشرون ألفا وسبعون جنيها وأحد عشر قرشا.

أما عن طلب المدعى الفوائد القانونية فالمسلم به على وفق حكم المادة (226) مدني أنه متى كان محل الإلزام مبلغا من النقود معلوم المقدار عند الطلب، وتأخر المدين في الوفاء به، فإنه يكون ملزما أن يدفع إلى الدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد مقدارها 4% سنويا في المسائل المدنية، وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، وإذ كان الثابت مما تقدم أنه قد استحق للمدعى مبلغ مقداره ستة وعشرون ألفا وسبعون جنيها وأحد عشر قرشا، وامتنعت جهة الإدارة المدعى عليها عن الوفاء به، فإنها تلزم بأداء الفوائد القانونية المستحقة عليه بواقع 4% سنويا من تاريخ المطالبة القضائية به وحتى تمام السداد.

وإذ لم يلق هذا الحكم قبولا لدى رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة (بصفته) ورئيس جهاز تنمية مدينة العاشر من رمضان (بصفته)، فقد أقاما الطعن رقم 27029 لسنة 57 ق.ع.

وأقام الطاعن الأول (رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بصفته) كذلك الطعن الثاني رقم 27784 لسنة 57 ق.ع، بغية الحكم بالطلبات المذكورة سلفا.

- وقد تضمن الطعن الأول أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه، وحددها في مخالفته للقانون، والخطأ في تطبيقه وتأويله، والإخلال بحق الدفاع، استنادا إلى الآتي:

(أولا) أن المطعون ضده أقام الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري بعد المواعيد المنصوص عليها قانونا، حيث إنه تم رفض التظلم المقدم منه من قرار لجنة التحريات بتاريخ 16/1/2005، ثم قدم طلبه إلى لجنة التوفيق في بعض المنازعات بتاريخ 26/5/2005، ثم أقام دعواه بتاريخ 14/7/2005، وقد كان يتعين عليه إقامة الدعوى في ميعاد غايته 8/7/2005.

(ثانيا) عدم لجوء المطعون ضده إلى لجنة التوفيق فى بعض المنازعات بعد تعديل طلباته، لا سيما أن الطلبات المعدلة لم تتضمن شقا عاجلا.

(ثالثا) التناقض بين أسباب الحكم ومنطوقه، فقد جمع حكم المحكمة بين نقيضين، وهما رد المبالغ التي سبق للمطعون ضده سدادها، مع استمرار تخصيص له.

- أما الطعن الثاني (رقم 27784 لسنة 57 ق.ع) فقد أضاف للأسباب المتقدمة أن المطعون ضده خالف شروط التخصيص المنصوص عليها بكراسة الشروط؛ وذلك بقيامه بالتنازل عن الوحدة لشقيقه:...، وذلك لثبوت إقامته بالوحدة، ولقيام المطعون ضده بعمل توكيل له يبيح له التنازل عن الوحدة لنفسه، وبناء على ذلك تم إلغاء التخصيص لهذه الوحدة، وحتى يتجنب المطعون ضده خسارة المبالغ السابق دفعها للوحدة تقدم بطلب لاستردادها بعد صدور قرار الإلغاء، وتيسيرا من الهيئة الطاعنة على المطعون ضده قبلت طلبه فى مقابل خصم مقابل الانتفاع بالوحدة، إلا أنه رفض خصم هذه المبالغ.

واختتم تقريرا الطعنين بالطلبات المبينة سلفا.

وحيث إنه عن موضوع الطعنين، فإن المستقر عليه أن الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا يطرح المنازعة فى الحكم المطعون فيه برمتها، ويفتح الباب أمامها لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون وزنا مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه، ومن ثم فإن لهذه المحكمة أن تنزل حكم القانون على المنازعة على الوجه الصحيح، غير مقيدة بأسباب الطعن على الوجه الذي تم طرحه في خصومة الطعن، أو بطلبات الخصوم، أو بما آلت إليه الطلبات المرتبطة في الحكم المطعون فيه، مادام المراد هو مبدأ الشرعية، نزولا على سيادة القانون في روابط القانون العام.

وحيث إنه وإن كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تكييف الدعوى إنما هو من تصريف المحكمة، إذ عليها بما لها من هيمنة على تكييف الخصوم لطلباتهم أن تتقصى هذه الطلبات، وأن تستظهر مراميها، وما قصده الخصوم من إبدائها، وأن تعطي الدعوى وصفها الحق، وتكييفها القانوني الصحيح، على هدي ما تستنبطه من واقع الحال وملابساتها، ومن سياق الدعوى، وما قدم فيها من مذكرات ومستندات، وذلك دون أن تتقيد في هذا الصدد بتكييف الخصوم لها، بل بحكم القانون فحسب، إلا أنه يتعين ألا يصل الأمر إلى حد التعديل في الطلبات بإضافة طلبات لم يطلبوا الحكم بها، أو أن تحور في تلك الطلبات بما يخرجها عن حقيقة مقصود الخصوم ونيتهم من وراء إبدائها.

ومن المقرر أنه يجب أن تكون هناك علاقة تربط بين الطلبات الأصلية والاحتياطية، وأن تحديد هذه العلاقة من الأمور التي تخضع لتقدير المحكمة في ضوء ما طرحه الخصوم من طلبات ووقائع ملابسات المنازعة المعروضة عليها، غير مقيدة بوصف الخصوم لطلباتهم، ولا يجوز للمحكمة أن تقضي للمدعي بالطلبين الأصلي والاحتياطي، وإلا قضت بما لا يطلب منها، وكان قضاؤها معيبا بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ومن ثم فإن هي قضت للمدعي بالطلب الأصلي، فإنه يمتنع عليها التعرض للطلب الاحتياطي، ومن ثم فهي لا تتعرض للأخير إلا في حالة حكمها بعدم قبول أو رفض الطلب الأصلي، أو إذا قرر المدعي ترك الخصومة في الطلب الأصلي.

وحيث إنه فيما يتعلق بالطلبات في الخصومة الماثلة، فإن تحديدها يقتضي الوقوف على أهداف المدعي (المطعون ضده) من إقامة دعواه، وذلك باستجلاء مراميه من واقع صحيفة دعواه، والمستندات المقدمة من الطرفين فيها.

وحيث إنه بالاطلاع على المستندات يتضح أنه على إثر صدور قرار بقواعد التيسيرات في 16/10/2004 من وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة بعدم خصم الغرامات المقررة على (إسكان الشباب) أو (المستقبل) والبالغة 7% من ثمن الوحدة أو ألف جنيه سنويا منذ تسليم الوحدة من الراغبين فى ردها لأجهزة المدن، سواء ممن أقاموا بها، أو ممن تصعب عليهم الإقامة بها لظروفهم الخاصة، ورد مستحقاتهم بشكل فوري ونقدي، تقدم المطعون ضده لجهاز تنمية مدينة العاشر من رمضان بالتنازل رقم (4460) بتاريخ 1/12/2004 عن الوحدة السكنية التي خصصت له بتاريخ 30/6/1996 في مشروع الهيئة الطاعنة بإسكان مبارك للشباب بمدينة العاشر من رمضان، والتي لم يقم فيها المطعون ضده منذ تسلمها في 13/7/1997 وحتى إعادتها بموجب تنازله إلى جهاز مدينة العاشر من رمضان، لكونه غير راغب فيها منذ تخصيصها لبعدها عن مقر عمله، لذا طلب في 10/10/1996 (بعد تخصيصها له من بنك الإسكان والتعمير) تغيير التخصيص ليكون في مدينة الشروق، كما طلب في تنازله إما استبدال وحدة أخرى بمدينة الشروق بها، أو استرداد المبالغ التي دفعها، وأن جهة الإدارة وافقت على تنازله، ورد جميع ما سدده ثمنا للوحدة، وأنه عقب إعادة الوحدة إلى الجهاز بالحالة نفسها التي تسلمها بها وبلا تلفيات، صدر كتاب رئيس جهاز الشباب بالهيئة الطاعنة إلى بنك الإسكان والتعمير برد جميع ما سدده ثمنا للوحدة على وفق قواعد التيسيرات، وأنه لدى استرداد هذه المبالغ لم تطبق عليه قواعد التيسيرات المشار إليها استنادا إلى ما كانت قد انتهت إليه لجنة التحريات في غضون 22/9/2001 من عدم استحقاق المطعون ضده للوحدة، واستنادا إلى القواعد التي وضعتها اللجنة الرئيسية بشأن تنفيذ قواعد التيسيرات على المستحقين، والمستحقون هم فقط الذين يستردون مقدم الحجز كاملا دون أي خصم، أما غير المستحقين فلا تطبق عليهم التيسيرات، بل يتم خصم نسبة 11% من مقدم الحجز، بالإضافة إلى مقابل الانتفاع الذي يحسب من تاريخ تسلم الوحدة، ذلك الأمر الذي حدا المطعون ضده على إقامة دعواه المفتتح بها الخصومة بغية الحكم له باسترداد كامل ما سدده من ثمن الوحدة.

كما أنه أثناء نظر الدعوى قام المطعون ضده بموجب صحيفة معلنة بإضافة طلبين: (أولهما) بوقف تنفيذ وإلغاء قرار لجنة التحريات بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية فيما تضمنه من عدم استحقاقه للوحدة السكنية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها إلزام جهة الإدارة رد هذه الوحدة إليه، وبطلان تنازله عنها، واعتباره كأن لم يكن، والثابت أن إعادة هذه الوحدة كان بتنازل المطعون ضده، وأنه لم يصدر قرار عن السلطة المختصة بإلغاء التخصيص وسحب الوحدة السكنية بناء على ما انتهت إليه لجنة التحريات، وآية ذلك أن صدور مثل هذا القرار بسحب التخصيص من شأنه أن يحرم المطعون من جميع المبالغ التى دفعها على وفق ما تضمنته كراسة الشروط التي تم على أساسها التخصيص للمطعون ضده، فى حين أن الجهة الإدارية وافقت على رد هذه المبالغ للمطعون ضده، مخصوما منها نسبة 11% ومقابل الانتفاع.

أما عن (الطلب الثاني) فهو تعويضه بمبلغ مئة ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء خطأ المدعى عليهم، ثم طلب اعتبار الطلبين المتقدمين طلبين أصليين، والطلب الذي ضمته صحيفة دعواه طلبا احتياطيا.

وبناء على ما تقدم، وحيث إن المنازعة الماثلة تعد من المنازعات العقدية؛ لتعلقها بعقد إداري وبعلائق وقعت بعد ما تم تخصيص الوحدة السكنية محل النزاع، فإن طلبات المدعي (المطعون ضده) تتحدد في الآتي: الحكم بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع:

(أولا) -أصليا- الحكم ببطلان تنازله رقم (4460) بتاريخ 1/12/2004 عن الوحدة السكنية رقم 6 مربع 3 عمارة 116 منطقة 1 مجاورة 45 إسكان مبارك للشباب بمدينة العاشر من رمضان بمساحة (100) متر مربع، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها إلزام جهة الإدارة رد هذه الوحدة له.

و-احتياطيا- إلزام جهة الإدارة أن تؤدي إليه جميع المبالغ التي سددها من ثمن للوحدة السكنية طبقا لقواعد التيسيرات.

(ثانيا) بتعويضه بمبلغ مئة ألف جنيه عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقت به من جراء خطأ الجهة الإدارية الطاعنة في عدم تطبيق قواعد التيسيرات عليه، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

وحيث إن الدعوى قد استوفت جميع أوضاعها الشكلية المقررة قانونا، فمن ثم تكون مقبولة شكلا.

وحيث إنه عن موضوع الطلب الأصلي الأول (الخاص ببطلان تنازل المطعون ضده) فإن المادة (147) من القانون المدني تنص على أن: "العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون".

وتنص المادة (148) من هذا القانون على أنه: "1- يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية...".

وتنص المادة (16) من اللائحة العقارية لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، الصادرة بقرار مجلس إدارة الهيئة رقم (14) لسنة 1994 على أنه: "تتخذ إجراءات إلغاء تخصيص الأراضى والعقارات بالمجتمعات العمرانية الجديدة فى الحالات الآتية: (1) بناء على طلب صاحب الشأن...".

وحيث إنه من المقرر أن المشرع فى المادتين (147) و(148) من القانون المدنى، قد وضع أصلا من أصول القانون ينطبق على العقود المدنية والإدارية على حد سواء، مقتضاه أن العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاقهما أو للأسباب التي يقررها القانون، وأن تنفيذه يجب أن يكون طبقا لما اشتمل عليه، وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، ومن مقتضى ذلك مراعاة حسن النية فى تنفيذ العقد، فلا يتعسف أي طرف في المطالبة بحقوقه الناشئة منه والمنبثقة عنه.

ومن المقرر أن التنازل الصادر عن أحد أطراف العقد يعد من الحالات التي يترتب عليها إلغاء التخصيص على وفق نص المادة (16/1) من اللائحة العقارية، وأن التنازل هو نقض للعقد، ويترتب عليه انحلال الرابطة العقدية وانفساخ العقد، وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها عند التعاقد، شريطة أن يلاقي هذا التنازل قبولا لدى المتعاقد الآخر، وأن تكون إرادة الطرفين صادرة عمن هو أهل لها، وخالية مما يعيبها.

وهديا بما تقدم، ولما كان الثابت أن تنازل المطعون ضده المقيد برقم (4460) بتاريخ 1/12/2004 عن الوحدة السكنية المخصصة له كان -بحسب الأصل- بسبب عدم رغبته منذ تخصيصها له؛ لبعدها عن مقر عمله، وأنه على إثر الفرصة التي سنحت له بموجب قواعد التيسيرات الصادرة بتاريخ 16/10/2004 عن وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة، لجميع الحاجزين والمخصص لهم وحدات سكنية (سواء ممن أقاموا بها أو ممن تصعب عليهم الإقامة بها لظروفهم الخاصة) قام المطعون ضده بإعادة الوحدة السكنية المخصصة له بموجب تنازله المشار إليه في الموعد المحدد فى قواعد التيسيرات، وأن هذا التنازل صادف قبولا لدى الجهة الإدارية، وتم تشكيل لجنة لتسلم الوحدة، وقام المطعون ضده بتسليمها في 19/12/2004، ومن ثم فإن هذا التنازل قد وقع صحيحا، وبإرادة صحيحة لا يشوبها غش ولا تدليس، وأنه بهذا التنازل تم إلغاء تخصيص الوحدة المشار إليه، وفسخ التعاقد، ومن ثم لا يحق له -والحال كذلك- أن يطلب رد الوحدة السكنية المتنازل عنها منه.

ولا ينال من ذلك ما ذكره المطعون ضده من أن دافعه على التنازل عن الوحدة كان هو استرداده لكامل ما سدده من ثمنها على وفق قواعد التيسيرات المشار إليها، فى حين أن الجهة الإدارية عاملته فى ذلك الشأن بالقواعد العامة فى الاسترداد؛ ذلك لأن أثر هذا الدافع لا شأن له بصحة التنازل، إذ إنه يصب فحسب على آثار فسخ العقد، وتحديد ما يجب أن يسترده المطعون ضده من ثمن الوحدة السكنية فقط، لا سيما أنه قد اشترك مع هذا الدافع دافع آخر، هو زهد المطعون ضده وعدم رغبته فى الوحدة السكنية محل النزاع لبعدها عن مقر عمله، وهو ما أفصحت عنه الأوراق المقدمة منه فى الدعوى، وبناء عليه يكون هذا الطلب غير قائم على سند صحيح من الواقع والقانون، جديرا بالرفض.

وحيث إنه عن الطلب الاحتياطى للطلب الأصلي الأول (الذي تم القضاء برفضه) والخاص بإلزام جهة الإدارة أن تؤدي للمطعون ضده جميع المبالغ التي سددها من ثمن للوحدة السكنية طبقا لقواعد التيسيرات، مضافا إليها فوائد بنسبة 4% من تاريخ المطالبة القضائية، فإن المادة (14) من القانون رقم (59) لسنة 1979 فى شأن إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة تنص على أنه: "يكون الانتفاع بالأراضي والمنشآت الداخلة في المجتمعات العمرانية الجديدة طبقا للأغراض والأوضاع ووفقا للقواعد التي يضعها مجلس إدارة الهيئة وتتضمنها العقود المبرمة مع ذوي الشأن، وفي حالة المخالفة يكون لمجلس إدارة الهيئة إلغاء ترخيص الانتفاع أو الامتياز إذا لم يقم المخالف بإزالة المخالفة خلال المدة التى تحددها الهيئة بكتاب موصى عليه بعلم الوصول، وينفذ قرار الإلغاء بالطريق الإداري".

وحيث إن مفاد هذا النص أن المشرع لم يشأ أن يرتب على مجرد وقوع المخالفة لقواعد التخصيص بالانتفاع بالعقارات والمنشآت الداخلة فى المجتمعات العمرانية الجديدة إلغاء التخصيص، إذ استلزم لإصدار قرار الإلغاء أن يسبقه الإخطار بالمخالفة لذوي الشأن بموجب كتاب موصى عليه بعلم الوصول، وأن يتضمن هذا الكتاب تحديد أجل معين يتم في خلاله تصحيح المخالفة، ومن ثم لا يجوز اللجوء إلى إصدار قرار الإلغاء إلا بعد هذا الإخطار، وعدم تصحيح المخالفة من ذوي الشأن خلال الأجل المحدد لهم.

وحيث إنه من المقرر أنه بالنظر لجسامة القرار الصادر بإلغاء التخصيص، مع ما يترتب عليه من فوات فرصة استغلال ما تم تخصيصه من وحدات سكنية أو أراض ونحو ذلك، فإن الإجراءات التي استلزمتها المادة (14) من القانون رقم (59) لسنة 1979 تطبق على جميع الأعمال والقرارات، سواء السابقة منها على صدور القرار بإلغاء التخصيص، أو اللاحقة على صدوره؛ لأنها تعد ضمانة جوهرية، قصد منها المشرع أن تستبين جهة الإدارة مدى إصرار صاحب الشأن وعزوفه عن تصحيح موقفه، وفي الوقت نفسه إعلانه بما سيتخذ ضده من قرار أو ما اتخذ بسبب هذه المخالفة، وتمكينا له من توضيح موقفه، وبناء عليه يترتب على مخالفة هذه الإجراءات بطلان القرار الصادر بإلغاء التخصيص.

وحيث إن كراسة الشروط التي على أساسها تم طرح الوحدات السكنية (بما فيها الوحدة محل النزاع) قد حددت الحالات التي يلغى فيها التخصيص أو التعاقد، ومنها: "عدم صحة البيانات الواردة بالاستمارة عند تقديمها".

وحيث إنه من المعلوم بالضرورة أن هناك بعض البيانات التي يضمنها الحاجز للوحدة في الاستمارة المخصصة لهذا الغرض عرضة للتغير والتعديل بطبيعتها، كالبيانات المتعلقة بمحل إقامته، وعدد أولاده، واسم زوجته، ونحو ذلك، لذلك صار لازما على الجهة المنوط بها التحري عن صحة هذه البيانات ألا تتراخى زمنا في تحريها عن هذه البيانات، وتلزم في حال إذا ما أسفرت هذه التحريات عن عدم صحة البيانات كلها أو بعضها، سواء أكان التحري قد تم في زمن معقول أم تم بعد انقضاء فترة زمنية طويلة من تقديم الاستمارة، أن تخطر صاحب الشأن بنتائج هذه التحريات بالوسيلة التي حددها القانون بموجب كتاب موصى عليه بعلم الوصول، وأن هذه الوسيلة تعد من الإجراءات الضرورية والضمانات الجوهرية، لأنها تتيح لصاحب الشأن فرصة الرد على ما جاء بالتحريات، وبيان موقفه منها، وأن مخالفة ذلك من شأنه أن يجعل ما تم إجراؤه من تحريات، وما صدر بناء عليها من قرارات موصوما بالبطلان.

وحيث إن الثابت أنه بتاريخ 16/10/2004 صدر قرار وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة بقواعد التيسيرات، التي تضمنت عدم خصم الغرامات المقررة على (إسكان الشباب) أو (المستقبل)، والبالغة 7% من ثمن الوحدة أو ألف جنيه سنويا منذ تسليم الوحدة، وذلك بالنسبة لحاجزي هذه الوحدات الراغبين في ردها لأجهزة المدن الجديدة، سواء منهم من أقاموا فيها أو من صعبت عليهم الإقامة بها لظروفهم الخاصة، ورد مستحقاتهم بشكل فوري ونقدي من قبل أجهزة المدن الجديدة، وذلك في موعد أقصاه 21/12/2004، على أن تقوم لجان التحريات بالوزارة بتحديد قائمة بأسماء حاجزي تلك الوحدات من المخالفين لقواعد التعاقد، على أن يتم خصم الغرامة المحددة عقب ذلك التاريخ.

والثابت أن المطعون ضده قد تقدم بتنازله عن الوحدة السكنية بتاريخ 1/12/2004 فى المدة المحددة لتطبيق قواعد التيسيرات المشار إليها، إلا أنه لم يعامل بها في استرداد كامل ما سدده من مبالغ ثمنا لهذه الوحدة، وذلك بسبب ما انتهت إليه لجنة التحريات في 22/9/2001 بمناسبة إعادة الاستعلام عن المطعون ضده وآخرين من حاجزي الوحدات السكنية والمتعاقدين، إذ انتهت هذه اللجنة إلى عدم استحقاق المطعون ضده للوحدة المتعاقد عليها بسبب عدم صحة البيانات الواردة باستمارة الحجز؛ لكونه غير مقيم مع والدته بالعنوان الذي حدده في هذه الاستمارة، وذكرت الجهة الإدارية أن اللجنة أخطرته بهذه المخالفة بالخطاب رقم (20) المؤرخ في 9/10/2002، إلا أنه لم يحضر أمامها، ولم يبد سببا لذلك، وهو ما حدا اللجنة على إخطار بنك التعمير وجهاز إسكان الشباب بهذه المخالفة التي كانت سببا في عدم استفادة المطعون ضده من قواعد التيسيرات، ومن ثم قامت بتطبيق القواعد العامة المقررة في هذا الشأن بخصم نسبة 11% من مقدم الحجز، بالإضافة إلى مقابل الانتفاع الذي يتم حسابه من تاريخ تسلم الوحدة وحتى تاريخ تسليمها بالجهاز.

وحيث إن الثابت مما تقدم أن هذه التحريات قد أجرتها لجنة التحريات بعد مرور ما يزيد على خمس سنوات من تخصيص الوحدة للمطعون ضده، وهو ما يحتمل معه حدوث تغييرات ببعض بيانات المطعون ضده في هذه الفترة، لاسيما المتعلقة بإقامته، كما أن الثابت أن الجهة الإدارية لم تقدم ما يفيد إخطار المطعون ضده بموجب كتاب موصى عليه بعلم الوصول بالمخالفة المنسوبة إليه في هذه التحريات، كما لم تقدم صورة خطابها رقم (20) المؤرخ في 9/10/ 2002 كما جاء فى ردها على الدعوى، كما أن الثابت من هذه التحريات أنها لم تكن الأولى، إذ إنها -حسبما جاء بخطاب الإدارة العامة للتفتيش المالى والإداري بالهيئة الطاعنة المقدم منها في الدعوى- كانت بمناسبة إعادة الاستعلام على المطعون ضده، بما مؤداه أن التحريات الأولى أو السابقة لم تنجم عنها أية مخالفات في جانب المطعون ضده.

وحيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن عبء الإثبات في المنازعة الإدارية يقع على عاتق الجهة الإدارية، وذلك خروجا على الأصل العام المقرر في هذا الشأن، وبناء عليه تكون الجهة الإدارية الطاعنة قد أغفلت أحد الإجراءات المهمة والضمانات الجوهرية اللازمة لصحة ما انتهت إليه لجنة التحريات، إذ إنها عولت على ما انتهت إليه هذه اللجنة -رغم ما أصابه من عوار- في حرمان المطعون ضده من تطبيق قواعد التيسيرات، وما يترتب عليها من أحقيته في صرف جميع المبالغ التى سددها من ثمن للوحدة السكنية، وهو ما يتعين معه -والحال كذلك- القضاء بإلزام الجهة الإدارية الطاعنة أن تؤدي للمطعون ضده كامل هذه المبالغ؛ عملا بقواعد التيسيرات المشار إليها.

وحيث إنه عن طلب المطعون ضده التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به من جراء خطأ الجهة الإدارية الطاعنة في عدم تطبيق قواعد التيسيرات عليه، فإن المستقر عليه أن المسئولية -سواء أكانت تقصيرية أم كانت عقدية- تنهض على أركان ثلاثة: الخطأ والضرر وعلاقة السببية، وقد ثبت فيما تقدم تحقق عنصر الخطأ بامتناع الجهة الإدارية الطاعنة عن تطبيق قواعد التيسيرات المعلنة منها على المطعون ضده، ومن ثم لم تقم بصرف جميع المبالغ التى سددها من ثمن الوحدة السكنية محل النزاع، إذ عرضت عليه هذه المبالغ مخصوما منها نسبة 11% من مقدم الحجز، بالإضافة إلى مقابل الانتفاع بالوحدة السكنية، وقد ترتبت بسبب هذا الخطأ أضرار حاقت بالمطعون ضده، والمحكمة فى مجال سلطتها التقديرية تقدر التعويض المستحق للمطعون ضده عن جميع ما أصابه من أضرار بمبلغ يحدد بنسبة 4% من المبالغ التي امتنعت عن سدادها، وذلك اعتبارا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد.

وحيث إن الحكم المطعون قد خالف هذا النظر، وتضمن القضاء للمطعون ضده باستمرار تخصيص الوحدة السكنية، وإلزام الجهة الإدارية رد ثمن هذه الوحدة للمطعون ضده، فإنه يكون بذلك أخطأ فى تطبيق القانون، وهو ما يتعين معه إلغاؤه، والقضاء مجددا بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلزام الجهة الإدارية الطاعنة أن تؤدي للمطعون ضده جميع المبالغ التي سددها ثمنا للوحدة السكنية، وتعويضه بمبلغ يحدد بنسبة 4% من المبالغ التي امتنعت عن سدادها، وذلك اعتبارا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.

وحيث إنه عن المصروفات فإن المحكمة تلزم بها الطرفين مناصفة عن درجتي التقاضي؛ عملا بحكم المادة (186) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بقبول الدعوى شكلا، وفي الموضوع بإلزام الجهة الإدارية الطاعنة أن تؤدي للمطعون ضده جميع المبالغ التي سددها ثمنا للوحدة السكنية، وتعويضه بمبلغ يحدد بنسبة 4% من المبالغ التي امتنعت عن سدادها من هذا الثمن، اعتبارا من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد، على النحو المبين بالأسباب، ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت الطرفين المصروفات مناصفة عن درجتي التقاضي.

الطعن 13010 لسنة 59 ق جلسة 22 / 4 / 2015 إدارية عليا مكتب فني 60 ج 2 ق 82 ص 851

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ ربيع عبد المعطي أحمد الشبراوي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد عبد الرحمن القفطي، وسمير يوسف الدسوقي البهي، وعاطف محمود أحمد خليل، ود. محمود سلامة خليل السيد نواب رئيس مجلس الدولة

--------------

1 - قواعد فقهية.

قاعدة "لا تكليف بمستحيل"- لا ترتيب لأثرِ التكليفِ في غفلةٍ من أهلِه, أو المكلَّفِينَ به, أو حال افتقادِهم الإرادةَ والتفكيرَ لعذرٍ قهريٍ حاق بهم، ومنها ما يَذَرُ المكلَّفَ بِمَعْزَلٍ عمَّا يَدُورُ حوله من أحداثٍ، وما يُؤَاخَذُ به من إجراءاتٍ, لذلك كان منطقُ الحقِّ والعدلِ أن يُرْفَعَ عنه القلمُ رفعًا يُوقِفُ كلَّ أثرٍ لهذه الإجراءاتِ، ولا يعُودُ لهذا القلمِ مسيرُه حتى يَزُولُ ما أَلَمَّ به من عذرٍ قَهَرَ إرادتَهُ- تطبيق: إذا جعلَ المشرِّعُ الأصلَ المقرَّرَ عدم جوازِ بقاءِ الطالبِ بالفرقة الدراسية أكثر من سنتين, فإنه بذلك يخاطبُ الطالبَ صاحبَ الإرادةِ والتفكير, والتدبر والمفاضلة بين البدائل؛ لأنه لا تكليفَ بمستحيلٍ، وهذا المستحيلُ يتحققُ بترتيبِ أثرٍ يمسُّ الحقَّ في التعليم, بما يؤدي إلى إهدارِه أو الانتقاصِ منه, إذا أَلَمَّ بالطالبِ عذرٌ قهريٌ حالَ دون دخولِه الامتحان.

2 - جامعات.

جامعة الأزهر- شئون الطلاب- التخلف عن الامتحان لعذر قهري- يتعين على الطالب التقدم بالعذر القهري إلى جهة الإدارة قبل ميعاد الامتحان, أو أثناءه, بطريقة قاطعة- إذا استحال عليه ذلك وتقدم بعذره لاحقًا, فإنه لا يحول دون اعتباره عذرًا قهريًّا منتجًا لأثره- يجب على الجامعة في هذه الحالة بحث الأمر, والتحقق مما إذا كان ثابتًا قيام العذر فعلا, وما صاحبه من أمور قهرية طارئة حالت بين الطالب والتقدم بالعذر بالذات أو بالواسطة.

3 - جامعات.

جامعة الأزهر- شئون الطلاب- تخلف الطالب عن حضور الامتحان لعذرٍ قهري لا يُعَدُّ رسوبًا, أيًّا كان عدد مرات تخلفه- تعيين حدٍّ أقصى للأعذار القهرية كمبررٍ للتغيب عن الامتحان لا ينسجم وطبيعة العذر القهري ويتنافر مع مدلوله- تحديد حد أقصى لعدد مرات الأعذار يجد مجالًا للتطبيق حال الأعذار التي لا تنال من القدرة على التفكير والإرادة, دون تلك التي تقوضهما.

4 - جامعات.

جامعة الأزهر- شئون الطلاب- إذا أدى الطالب الامتحان حال إصابته بمرض نفسي يُعَدُّ عذرًا قهريًا يحول بينه وبين إرادته، ولم ينجح فيه، فإنه لا يعد راسبا، ولا تحسب هذه الفرصة ضمن الحد الأقصى لعدد مرات دخول الامتحان.

5 - إثبات.

الخبرة- للمحكمة أن تسترشد في حكمها برأي فني سبق أن أُبْدِيَ في دعوى مماثلة، بناء على حكم صادر عنها بندب خبير فيها.

-----------

الوقائع

بتاريخ 5/3/2013، أودع الأستاذ/ ... المحامي المقبول أمام محكمتي النقض والإدارية العليا، بصفته وكيلا عن الطاعن، قلم كتاب هذه المحكمة تقريرًا بالطعن الماثل في الحكم المشار إليه، القاضي منطوقه برفض الدعوى موضوعًا، وإلزام المدعي المصروفات.

وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن -لِما ورد به من أسباب- الحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من اعتباره راسبًا مُستَنفِدًا مرات الرسوب بالفرقة الثانية بكلية الطب- جامعة الأزهر، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجامعة المطعون ضدها المصروفات.

وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريرًا بالرأي القانوني في الطعن. وتدوول نظر الطعن أمام المحكمة على النحو الثابت من محاضر الجلسات, حيث أرجأت إصدار الحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.

-------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماح الإيضاحات، والمداولة قانونًا.

وحيث إن الطاعن يطلب الحكم بطلباته المبينة سالفًا.

وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، فمن ثم يكون مقبولا شكلا.

وحيث إن عناصر المنازعة تخلص -حسبما يبين من الأوراق- في أنه بتاريخ 7/2/2009، أقام الطاعن دعواه الصادر فيها الحكم الطعين بموجب عريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (الدائرة السادسة) بطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من اعتباره راسبًا ومُستَنفِدًا مرات الرسوب بالفرقة الثانية بكلية الطب- جامعة الأزهر، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان، وإلزام الجامعة المصروفات.

وقال شرحًا للدعوى إنه التحق بكلية الطب بجامعة الأزهر، وقيد بالفرقة الثانية بالعام الجامعي 2001/2002، ولم يتمكن من دخول الامتحان بدوريه لعذر مرضي ألم به عام 2003، كما لم يدخل الامتحان بدوريه في العام 2003/2004، وكذا دوري عام 2005، ثم دخل الامتحان دور مايو 2006، ورسب في ثلاث مواد هي: الهستولوجي, والكيمياء, والتشريح، واعتبرته الكلية راسبًا مُستَنفِدًا مرات الرسوب, ونعى المدعي على هذا القرار مخالفته لحكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3604 لسنة 45ق. عليا بجلسة 9/4/2000، وحكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 3130 لسنة 58ق بجلسة 24/4/2005، وخلص المدعي في ختام عريضة دعواه إلى طلباته المبينة سالفًا.

وتدوول نظر الدعوى أمام المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 27/6/2010 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلا، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المدعي مصروفاته، وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها، والتي أعدت تقريرًا، وتدوول نظر الدعوى أمام المحكمة التي أصدرت حكمها الطعين بجلسة 6/1/2013، على نحو ما تقدم، على سند من حكم المادة (220) من اللائحة التنفيذية لقانون إعادة تنظيم الأزهر، وحكم المادة الثانية من قرار شيخ الأزهر رقم 182 لسنة 2006 بتعديل اللائحة الداخلية لكليات الطب التي تقضي بأنه لا ينقل الطالب للفرقة الثالثة إلا إذا كان ناجحًا في جميع المقررات الطبية الأساسية للفرقتين الأولى والثانية, وأنه ولئن كان المدعي ينعى على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون, لكونه مصابًا بالمرض النفسي منذ عام 2001، إلا أن الأوراق خلت مما يفيد تقدمه بعذر مرضي عن امتحان دور مايو 2008، كما لم يقدِّم أيَّ مستندٍ يفيدُ مرضه أثناء انعقاد الامتحان المذكور, بل الثابت أنه دخل الامتحان، وحصل على بعض الدرجات، ولكنه رسب في مادة الكيمياء الحيوية بتقدير ضعيف جدًا، ورسب في مادة الهستولوجي بتقدير ضعيف، وهاتان المادتان من المواد الطبية الأساسية التي لا يجوز نقل الطالب إلى الفرقة الثالثة إلا إذا كان ناجحًا فيها, طبقًا لحكم المادة الثانية من قرار شيخ الأزهر المبين سالفًا، مما يكون معه راسبًا ومُستَنفِدًا لمرات الرسوب, بحسبانه حصل على فرصتين لدخول امتحان الفرقة الثانية، وفرصة من الخارج، كما حصل على جميع الفرص التي اعتذر فيها عن دخول الامتحان، وفرصة دور مايو 2008، تنفيذًا للحكم الصادر لمصلحته عن محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 89 لسنة 61ق بجلسة 25/3/2007، بيد أنه رسب، وخلصت المحكمة إلى حكمها الطعين.

وإذ لم يلقَ هذا القضاء قبولا من الطاعن، فقد أقام طعنه الماثل بطلباته المبينة سالفًا، لأسباب حاصلها الفساد في الاستدلال، ذلك أنه نجح بالفرقة الأولى بتقدير جيد جدًا، بيد أنه لظروف عائلية طارئة عانى من الاكتئاب النفسي، الذي أقعده عن مواصلة الدراسة، ما أدى لرسوبه في المادتين المشار إليهما.

وحيث إنه عن موضوع الطعن، فإن المادة (33) من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها تنص على أن: "تختص جامعة الأزهر بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر...".

كما تنص المادة (38) من القانون نفسه -مُعدَّلة بالقانون رقم 71 لسنة 1970- على أن: "تتساوى فرص القبول للتعليم بالمجان في كليات الجامعة ومعاهدها المختلفة للطلاب المسلمين, من كل جنس, ومن كل بلد, في حدود الإمكانيات والميزانية والأعداد المقرر قبولها وفقًا لما تقضي به اللائحة التنفيذية...".

ونصت المادة (99) من القانون ذاته -مُعدَّلة بالقانون رقم 53 لسنة 1981- على أن: "تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون المسائل الآتية, وغيرها مما وردت الإشارة إليه في هذا القانون:- 1-... 8- مدة الدراسة، ومدة الامتحان، ومدة العطلة. 9-...".

كما يبين من الاطلاع على المادة (220) من اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه (الصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1975، والمعدَّلة بقرارات رئيس الجمهورية أرقام 22 لسنة 1984، و26 لسنة 1992، و184 لسنة 1996) أنها نصت على أن: "لا يجوز أن يبقى الطالب بالفرقة أكثر من سنتين، ويجوز لمجلس الكلية الترخيص للطلاب الذين قضوا بفرقتهم سنتين في التقدم إلى الامتحان من الخارج في السنة التالية في المقررات التي رسبوا فيها... ويجوز لمجلس الكلية علاوة على ما تقدم الترخيص لطلاب الفرقة قبل النهائية والفرقة النهائية بفرصتين إضافيتين للتقدم للامتحان من الخارج، وبالنسبة للكليات التي تكون مدة الدراسة بها خمس سنوات على الأقل, يعامل طلاب الفرقة الثانية بالكليات التي بها فرقة إعدادية, وكذلك طلاب الفرقة الثالثة بالكليات التي ليس بها فرقة إعدادية, معاملة طلاب الفرقة قبل النهائية... وإذا تخلف الطالب عن دخول الامتحان بعذر قهري يقبله مجلس الكلية فلا يحسب غيابه رسوبًا، وبشرط ألا يزيد التخلف عن مرتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنين الدراسة بالكلية...".

ونصت المادة (280) من اللائحة التنفيذية المشار إليها (مُعدَّلة بالقرارين الجمهوريين رقمي 375 لسنة 1991, و148 لسنة 2005) على أن: "مدة الدراسة لنيل درجة الإجازة العالية (البكالوريوس) في الطب والجراحة ست سنوات وفقًا لأحكام اللوائح الداخلية لكليات الطب. ومدة الدراسة لنيل درجة الإجازة العالية (البكالوريوس) في العلوم الصيدلية خمس سنوات وفقًا لأحكام اللائحة الداخلية لكلية الصيدلة".

وحيث إن مفاد ما تقدم -وبالقدر اللازم للفصل في المنازعة- أن جامعة الأزهر تعد إحدى المؤسسات الدينية العلمية التي تختص بكل ما يتصل بالتعليم العالي في الأزهر، والتي تتساوى في كلياتها المختلفة فرص القبول للتعليم بالمجان، بصرف النظر عن الجنس أو الجنسية، على وفق أطر وقواعد قانونية، وأنه وبسند مما قرره قانون تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها, فقد عنيت اللائحة التنفيذية له ببيان مدة الدراسة اللازم اجتيازها بنجاح لنيل درجة البكالوريوس في الطب والجراحة، إذ حددتها بست سنوات، دون سنة إعدادية، كما نصت على عدم جواز بقاء الطالب في الفرقة الدراسية أكثر من سنتين، وأجازت لمجلس الكلية أن يرخص للطالب في التقدم إلى الامتحان من الخارج في السنة التالية فيما رسب فيه من مواد, ما لم يكن من طلاب الفرقة قبل النهائية، إذ يجوز لمجلس الكلية أن يرخص له بفرصتين إضافيتين للامتحان من الخارج، ويُعَامَل المعاملة نفسها طلابُ الفرقة الثالثة بالكليات التي بها فرقة إعدادية, متى كانت مدة الدراسة بها خمس سنوات على الأقل، كما يبين من النصوص آنفة البيان أن التخلف عن دخول الامتحان بعذر قهري يقبله مجلس الكلية لا يحسب رسوبًا, وإن قيد المشرع عدد مرات التخلف عن دخول الامتحان بمرتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنوات الدراسة بالكلية.

وحيث إنه ولئن كان المشرع قد جعل الأصل المقرر عدم جواز بقاء الطالب بالفرقة الدراسية أكثر من سنتين, وجاء خطابه موجهًا إلى الطالب: "لا يجوز للطالب", بما مفاده أنه على الطالب أن يستنهض إرادته, ويستدعى عزيمته وقدراته المستمدة من إدراكه وتقديره وإرادته, لنهو الفرقة الدراسية في الأجل المشار إليه، وهو بذلك (أي المشرِّع) إنما يخاطبُ صاحبَ الإرادة والتفكير, والتدبر والمفاضلة بين البدائل، وجميعها لازمة للتأهيل للبحث, والمثابرة والجد في تحصيل الدرس, وأداء الامتحان، إذ لا تكليف بمستحيل، والذي يتحقق (أي المستحيل) بترتيب أثرٍ يمسُّ الحقَّ في التعليم بما يؤدي إلى إهداره أو الانتقاص منه, إذا ما أَلَمَّ بالطالبِ ما يُعَدُّ عذرًا قهريًّا حال دون دخوله الامتحان, فإذا كان الشارعُ الحكيمُ لا يكلِّفُ نفسًا إلا وُسْعَهَا, فالقاعدةُ الأصوليةُ أنه لا تكليفَ بمستحيلٍ، ولا ترتيبَ لأثرِ التكليفِ في غفلةٍ من أهلِه, أو المكلَّفِينَ به, أو حال افتقادِهم الإرادةَ والتفكيرَ لعذرٍ قهريٍ حاق بهم، ومنها ما يَذَرُ المكلَّفَ بمعزلٍ عمَّا يدورُ حوله من أحداثٍ، وما يُؤَاخَذُ به من إجراءاتٍ, لذلك كان منطقُ الحقِّ والعدلِ أن يُرفَعَ عنه القلمُ رفعًا يُوقِفُ كلَّ أثرٍ لهذه الإجراءات، ولا يعودُ لهذا القلمِ مسيرُه حتى يزول ما أَلَمَّ به من عذرٍ قَهَرَ إرادتَه.

كما أن البين من النصوص القانونية المبينة سالفًا، أن لمجلس الكلية منحَ الطالبِ فرصة للتقدم للامتحان من الخارج في السنة التالية فيما رسب فيه من مواد, وإدراكًا من المشرِّع لما قد يُلِمُّ بالطالب من عذرٍ قهريٍ من شأنه تخلفه عن أداء الامتحان، فقد قرر في إفصاح جهير عدم حساب تغيبه عن الامتحان رسوبًا، وإنْ قَيَّدَ ذلك بألا يزيدُ عددُ مراتِ التخلفِ عن مرتين متتاليتين أو متفرقتين خلال سنوات الدراسة.

وحيث إنه فضلا عما يمثله تعيين الحد الأقصى للأعذار كمبرر للتغيب عن الامتحان من عدم انسجامه وطبيعة العذر القهري, وتنافره مع مدلوله، بحسبانه حدثًا غير مألوف تنتظمه فكرة المفاجأة, التي يستحيل توقعها, ويتعذر دفعها من جانب أشد الناس يقظة وبصرًا بالأمور, (حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 297 لسنة 25ق. دستورية جلسة 13/2/2005), فإنما هو أمر قد يجد مجالا للتطبيق حال الأعذار التي لا تنال من القدرة على التفكير والإرادة, دون تلك التي تقوضهما، فإذا كان الشارع الحكيم لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فإنه من غير المستساغ واقعًا والمقبول قانونًا التكليف بما لا طاقة به، آية ذلك أن المشرع قد نص على منح الفرصة لأداء الامتحان من الخارج فيما رسب فيه الطالب من مقررات، حال أنه قد جعل -وبموجب لفظ صريح في معناه ومبناه- عدم اعتبار التغيب عن أداء الامتحان لعذرٍ قهريٍ رسوبًا، بما يعني أن إتاحة الفرصة لأداء الامتحان من الخارج, إنما تكون في حق من رسب, وليس من بينهم من تخلف عن أداء الامتحان لعذر قهري. (راجع في هذا المعنى: حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 34016 لسنة 54ق. عليا بجلسة 23/11/2011، وكذا حكمها في الطعن رقم 2068 لسنة 57ق. عليا بجلسة 28/1/2015، وبذات الجلسة حكمها في الطعن رقم 2069 لسنة 57ق. عليا).

وحيث إنه بمطالعة ملف الطعن يبين أن الطاعن قد تقدم بطلب إلى عميد كلية الطب- جامعة الأزهر, يلتمس فيه الموافقة على قبول عذره عن دخول الامتحان في جميع المواد عن الفرقة الثانية, التي تبدأ من 18/8/2002 حتى 12/9/2002, حيث تمت مخاطبة رئيس اللجنة الطبية المختصة التي ناظرته وفحصته وأوصت في 4/9/2002 بأنه عذر طبي مقبول، ثم قام الطاعن في 1/5/2005 بمخاطبة عميد الكلية يلتمس تحويله إلى اللجنة الطبية، لظروفه المرضية، لتأجيل الامتحان (دور مايو 2005) في مواد التشريح, والكيمياء, والهستولوجي, وأرفق بطلبه شهادة من الدكتور/ ... أستاذ الأمراض العصبية والنفسية بطب الأزهر تفيد بأنه يعاني من حالة اكتئاب نفسي مصحوب بقلق, وهو يحتاج إلى علاج, حيث تم التأشير على الطلب المذكور بأنه "عذر مرضي- مايو 2005- في المواد المذكورة- الفترة من 7/5/2005 حتى 2/8/2005", ثم جاء ملف الطعن مكدسًا بالتقارير الطبية الصادرة عن المستشفيات الحكومية وغير الحكومية، وكذا عن أساتذة الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الأزهر وغيرهم, حيث بلغت هذه التقارير عشرين تقريرًا، جاءت كلها تفيد بأن الطاعن قد ألم به مرض نفسي, هو اضطراب نفسي شديد واكتئاب نفسي حاد، وأن من أعراض هذا المرض عدم القدرة على التركيز, وعدم الانتظام في الدراسة، وفقدان الشهية، وعدم القدرة على النوم، وذلك في الفترة من 5/5/2002 حتى 30/8/2008 (العام السابق على إقامة الدعوى الصادر فيها الحكم الطعين, إذ أقيمت في 7/2/2009)، ومن ثم فإن التقارير المذكورة سالفًا تنبئ بصدقها عن موافقتها للحقيقة الصحية للطاعن، والتي من شأنها سلب إرادته، والتأثير عليها في أوجه حياته المعيشية، ومنها حياته التعليمية على نحو ما سلف ذكره.

والجدير بالذكر في هذا المقام أن هذه المحكمة في طعن مماثل قد انتدبت القومسيون الطبي لمناظرة الحالة وإبداء الرأي, حيث تم تشكيل لجنة طبية نفسية بمعرفة إدارة المجالس الطبية المتخصصة بوزارة الصحة، وأعدت تقريرًا في هذا الخصوص، وبمناقشة هذه اللجنة في التقرير المذكور, أفادت بأن الحالة لم تقدم أية مستندات تفيد بإصابته أو أحد أقاربه بمرض نفسي، وأن الاكتئاب النفسي يمر بمراحل ثلاث: الخفيف والمتوسط والشديد, وأن المرحلة الأخيرة هي التي تسلب الإرادة والتفكير, (حكم هذه المحكمة في الطعن رقم 5133 لسنة 58ق. عليا بجلسة 25/3/2015).

وترتيبًا على ما تقدم جميعه، فإن الحالة المرضية للطاعن تعد عذرًا قهريًا يَحُولُ بينه وبين أدائه للامتحان، بحسبان أن هذا العذر قد سلبه إرادته، ومن ثم فإن تخلفه وغيابه عن دخول الامتحان لا يُحسَبُ عليه رسوبًا، وأن عدم قبول العذر في هذه الحالة من مجلس الكلية هو أمرٌ مخالفٌ لحكم القانون, الذي جعلَ التخلف عن دخولِ الامتحانِ رسوبًا للشخص كامل الإرادة، وليس للشخص مسلوب الإرادة, كما هو الحال في الطعن الماثل, خاصةً أن الجامعة التي يدرسُ بها الطاعن على علمٍ بهذا المرض, فهي التي شخَّصت حالتَه, ووضعت له العلاجَ المناسب عن طريق المستشفى الجامعي التابع لهذه الجامعة, (تقرير اللجنة الطبية التابعة لكلية الطب- جامعة الأزهر في 4/9/2002، وتقرير مستشفى الطلبة الجديد التابعة للإدارة العامة للشئون الطبية بجامعة الأزهر في 10/12/2002، وكذا تقرير المستشفى المذكور في 10/5/2004).

ولا ينال مما تقدم ما ذهب إليه الحكم الطعين من عدم تقدم الطاعن إلى جهة الإدارة بأعذار تبرر مرضه أثناء الامتحان، فذلك مردود عليه بأنه يتعين على صاحب الشأن التقدم بالعذر القهري قبل الميعاد المقرر للامتحان, أو أثناءه, بطريقةٍ قاطعة, غير أنه إذا استحال عليه ذلك، وتقدم بعذره لاحقًا, فعلى الجامعة -في هذه الحالة- بحث الأمر, والتحقق عما إذا كان ثابتًا قيام العذر فعلا, وما صاحبه من أمور قهرية طارئة حالت بين الطالب والتقدم بالعذر بالذات أو بالواسطة, (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3089 لسنة 37ق. عليا بجلسة 2/5/1993), هذا فضلا عن أن ما ألم بالطاعن من مرضه المذكور أقعده عن التفكير والتدبير -وهو قضاء الله وقدره- مما لا يتسنى معه إلزامه بما أشار إليه الحكم الطعين.

متى كان ذلك كذلك، ولئن كان الطاعن قد أدى امتحان الفرقة الثانية دور مايو 2008، ورسب في مادة الكيمياء الحيوية بتقدير ضعيف جدًا، ورسب في مادة الهستولوجي بتقدير ضعيف, مما ترتب عليه أن صدر بشأنه قرار مجلس الكلية رقم 562 في 16/9/2008، بفصله لاستنفاد مرات الرسوب, كونه حصل على فرصتين لدخول امتحان الفرقة الثانية، وفرصة من الخارج، كما حصل على جميع الفرص التي اعتذر فيها عن دخول الامتحان، وفرصة دور مايو 2008 -على النحو الثابت من استقراء بيان حالته الدراسية, طي حافظة مستندات الجامعة المطعون ضدها, أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 26/4/2009-، بيد أن الطاعن قد أدى ذلك الامتحان حال إصابته بالمرض النفسي المبين سالفًا مما يُعَدُّ معه عذرًا قهريًا حال بينه وبين إرادته، الأمر الذي من شأنه ألا يعد الطاعن راسبًا، بما لا يستوي معه على الصحة القرار المطعون فيه, فيما تضمنه من فصله من الكلية لاستنفاد مرات الرسوب، وهو ما يستوجب القضاء بإلغائه.

وحيث إنه وهديًا بما تقدم جميعه, تقضي المحكمة بإلغاء الحكم الطعين، والقضاء مجددًا: بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من فصل الطاعن من كلية الطب- جامعة الأزهر، مع ما يترتب على ذلك من آثار, أخصها إعادة قيده بالفرقة الثانية بالكلية المشار إليها, وتنفيذ الحكم بمسودته عملا بحكم المادة (286) مرافعات لتوفر موجباته.

وحيث إن من خسر الطعن يلزم المصروفات عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا, وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار, وتنفيذ الحكم بمسودته دون إعلان، وألزمت الجامعة المطعون ضدها المصروفات.

الطعن 11540 لسنة 49 ق جلسة 3 / 12 / 2006 إدارية عليا مكتب فني 52 ق 21 ص 138

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد الباري محمد شكري نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ السعيد عبده جاهين ، محمد الشيخ علي/ د . سمير عبد الملاك منصور، أحمد منصور محمد نواب رئيس مجلس الدولة 

وحضور السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ أسامة راشد مفوض الدولة 

وحضور السيد/ وائل محمد عويس أمين السر

---------------

هيئة قضايا الدولة - تعيين - التزام اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظيفة القضائية بالشروط المحددة التي وضعتها لاختيار أفضل المتقدمين لشغل الوظيفة.

سلطة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظيفة القضائية أضحت أمرا مسلما غير منكور بحيث لا يسوغ الخوض فيما رخص لها من تقدير أو تعلق بأعناق أعضائها من أمانة أمام الله وأمام التاريخ, أو فرض أي رقابة قضائية على قدرة تلك اللجان في اصطفاء أفضل العناصر المناسبة لشغل الوظيفة القضائية ممن تقدم لها من مرشحين، إلا أن مقتضى ذلك ولازمه أن يقدم لها المرشحون المستوفون للاشتراطات العامة التي تقتضيها الوظيفة طبقا للقوانين واللوائح، وما تفصح عنه الجهة الإدارية من اشتراطات يتم اختيار المرشحين على أساسها قبل أن يقدموا إلى اللجنة المشار إليها لاختيار أفضلهم لشغل الوظيفة المعلن عنها 

- لا ريب في أن استيفاء المرشحين للاشتراطات العامة للوظيفة هي مسألة قانونية تخضع لرقابة القضاء للتأكد من مراعاة الجهة الإدارية للتطبيق السليم للقانون واحترامها لتعهداتها واشتراطاتها التي وضعتها بنفسها لنفسها وأفصحت عنها لجميع المتقدمين احتراما لمبدأ المساواة أمام الوظائف العامة 

– مقتضى ذلك: إذا ما أفصحت الجهة الإدارية عن إرادتها في شغل إحدى الوظائف القضائية, ووضعت لها شروطا محددة وجب عليها أن تلتزم بالقواعد التي وضعتها وأعلنت جميع المواطنين بها، فلا تقدم للجنة المشار إليها إلا من توافرت في حقه الاشتراطات التي أعلنت عنها, وإلا تكون قد أوقعت في غلط يؤثر في تكوينها لعقيدتها وتفقد القرارات الصادرة منها ركنا من أركانها هو ركن الإرادة, ويضحى قرارها مخالفا للقانون خليقا بالإلغاء 

- تطبيق.

------------

الوقائع

في يوم 5/7/2003 أودع الأستاذ / محمود محمد صبحي المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا عريضة الطعن طالبا الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 43 لسنه 2003 وذلك فيما تضمنه من تخطى الطاعن في التعيين في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة وما يترتب على ذلك من آثار.

وقد تم إعلان عريضة الطعن إلى المطعون ضدهم على النحو المبين بالأوراق .

وقد قدم مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.

وقد نظرت المحكمة الطعن على النحو المبين بمحاضر الجلسات وقررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وقد صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

---------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة .

ومن حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.

ومن حيث إن واقعات الطعن تخلص حسبما يبين من الاطلاع على الأوراق في أن الطعن حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1993 بتقدير عام جيد وحاصل على الماجستير بحصوله على دبلوم القانون الجنائي عام 1995 ودبلوم القانون العام عام 1997 وقد أعلنت هيئة قضايا الدولة عن حاجتها للتعيين في وظيفة مندوب مساعد من خريجي أعوام 1995 وما قبلها وقد تقدم الطاعن بأوراقه وأجتاز المقابلة الشخصية بنجاح إلا أنه فوجئ بصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 43 لسنة 2003 خاليا من أسمه وقد تظلم من هذا القرار في 6/3/2003 وقد نعي الطاعن على هذا القرار بأنه صدر على خلاف أحكام القانون لأن هذا القرار تخطاه في التعيين دون سبب قانوني رغم توافر شروط التعيين فيه الأمر الذي يوجب إلغاء هذا القرار فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في الوظيفة المشار إليها.

ومن حيث أن المادة 13 من القانون رقم 75 لسنه 1963 في شأن تنظيم هيئة قضايا الدولة تنص على أنه

( يشترط فيمن يعين عضوا بالهيئة :

1 ) أن تكون له جنسية جمهورية مصر العربية ويكون متمتعا بالأهلية المدنية الكاملة .

2 ) أن يكون حاصلا على درجة الليسانس من أحدى كليات الحقوق بجمهورية مصر العربية.............. .

3 ) إلا يكون قد حكم عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف ولو كان قد رد إليه اعتباره .

4 ) أن يكون محمود السيرة حسن السمعة .

5 ) ألا يكون متزوجا من أجنبية ... ) .

ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة " دائرة توحيد المبادئ " قد جرى على أن اجتياز مقابلة اللجنة المشكلة لمقابلة المتقدمين للتعيين بالوظيفة القضائية يكون شرطا لازما يضاف إلى شروط التعيين المنصوص عليها في القانون والتي تنحصر في التمتع بجنسية جمهورية مصر العربية والحصول على إجازة الحقوق , وعدم صدور أحكام من المحاكم أو مجالس التأديب في أمر مخل بالشرف ولو تم رد الاعتبار , وحسن السمعة وطيب السيرة وأن تلك اللجنة غير مقيدة في اختيار المتقدمين سوى بمدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة القضائية المتقدمين إليها , فهي لا تتقيد بأي اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات والعناصر الدالة على توافر أو عدم توافر تلك الأهلية وأن سلطتها في الاختيار تكون سلطة تقديرية لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة لأن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية سيظل على وجه الدوام واجبا يبتغى الصالح العام باختيار أكفأ العناصر وأنسبها وهو أمر سيبقى محاطا بإطار المشروعية التي تتحقق باستهداف المصلحة العامة دون سواها وذلك بالتمسك بضرورة توافر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها في إرساء العدالة دون ميل أو هوى وأن تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي تقيم الميزان بين كل من توافرت فيه الشروط العامة المنصوص عليها في القانون في شغل الوظائف القضائية وبين فاعلية مرفق القضاء وحسن تسييره فلا يتقلد وظائفها إلا من توافرت له الشروط العامة وحاز بالإضافة إليها الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل القضائي على الوجه الأكمل , ومن ثم فإنه إذا اجتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة المنوط بها استخلاص مدى أهليته في تولى الوظيفة القضائية والمشكلة من قمم الجهة القضائية التي تقدم لشغل وظائفها فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الصادر بتخطيه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف عن المصلحة العامة وعندئذ يقع على عاتقه عبء إثبات هذا العيب , ولا يجوز للمحكمة أن تحل نفسها محل اللجنة في أعمال معايير وضوابط استخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة وأل ترتب على ذلك إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة وحلول المحكمة محلها بناء على ضوابط يصنعها القاضي ليحدد على أساسها مدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة وتلك نتيجة يأباها التنظيم القضائي .

ومن حيث أنه لا مندوحة من أن يترك لأعضاء تلك اللجان بما أوتو من حكمة السنين التي رقت بهم الوظائف القضائية حتى بلغت منتهاها وأضحوا شيوخا لرجال القضاء والهيئات القضائية إن يسيروا أغوار شخصية كل متقدم لشغل الوظيفة القضائية لاستخلاص مدى توافر الشروط التي يتعذر على الأوراق والشهادات أن تثبتها أو تشير إليها لاختيار أفضل العناصر لتولى الوظيفة القضائية التي تتطلب في شاغلها فضلا عن الكفاءة العلمية أعلى قدر من الحيدة والنزاهة والتعفف والاستقامة والبعد عن الميل والهوى والترفع عن الدنايا والمشتبهات والقدرة على مجاهدة النفس الأمارة بالسوء في ظل ظروف الحياة الصعبة وضغوطها التي تجعل من النفوس الضعيفة فريسة للأهواء والنزوات وتسخير المناصب القضائية الحساسة لتحقيق أهدافها والانحراف بها عن جادة الصالح العام .

فلا مناص من أن توضع مسئولية اختيار العناصر المناسبة لشغل تلك الوظائف أمانه في عنق شيوخ رجال القضاء والهيئات القضائية يتحملونها أمام الله وأمام ضمائرهم فيكون لهم حق استبعاد الأشخاص الذين لا علم لهم بالحق ولا قدرة لهم على الصدع به ولا يتمكنون من ضبط أنفسهم ولا كبح جماحها ومنعها من الميل إلى الهوى , فتلك أمانة وأنها بحق يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها ولا معقب عليهم في ذلك من القضاء ما لم يقم الدليل صراحة على الانحراف بالسلطة أو التعسف في استعمالها تحقيقا لأهداف خاصة .
وإذ كانت سلطة اللجنة المشار إليها قد أضحت أمرا سليما غير منكورا بحيث لا يسوغ الخوض فيما رخص لها من تقدير أو تعلق بأعناق أعضائها من أمانه أمام الله وأمام التاريخ , أو فرض أي رقابة قضائية على قدرة تلك اللجان في اصطفاء أفضل العناصر المناسبة لشغل الوظيفة القضائية فيما تقدم لها من مرشحين إلا أن مقتضى ذلك ولازمه أن يقدم لها المرشحون المستوفون للاشتراطات العامة التي تقتضيها الوظيفة طبقا للقوانين واللوائح وما تفصح عنه الجهة الإدارية من اشتراطات يتم اختيار المرشحين على أساسها قبل أن يقدموا إلى اللجنة المشار إليها لاختيار أفضلهم لشغل الوظيفة المعلن عنها , ولا ريب في إن استيفاء المرشحين للاشتراطات العامة للوظيفة هي مسألة قانونية تخضع لرقابة القضاء للتأكد من مراعاة الجهة الإدارية للتطبيق السليم للقانون واحترامها لتعهداتها واشتراطاتها التي وضعتها بنفسها لنفسها وأفصحت عنها لجميع المتقدمين احتراما لمبدأ المساواة أمام الوظائف العامة , فإذا ما أفصحت الجهة الإدارية عن أرادتها في شغل أحدى الوظائف القضائية , ووضعت لها شروطا محددة وجب عليها إن تلتزم بالقواعد التي وضعتها وأعلنت جميع المواطنين لها فلا تقدم للجنة المشار إليها إلا من توافرت في حقه الاشتراطات التي أعلنت عنها , والإ تكون قد أوقعت في غلط يؤثر في تكوينها لعقيدتها , وتفقد القرارات الصادرة منها ركنا من أركانه هو ركن الإرادة , وإذ كلت للإدارة في شتى مجالاتها سلطة تقديرية واسعة في وضع الشروط التي تراها مناسبة لشغل الوظيفة القضائية فان إعلانها لتلك الشروط يفرغ سلطتها التقديرية في قاعدة تنظيمية تتيح لكل من استوفى الشروط المعلن عنها أن يتقدم لشغل الوظيفة , ويحظر على من افتقدها أو أخطأها التقدم لها , وتكون سلطة الإدارة في هذا الشأن سلطة مقيدة لا تملك في شأنها تقديرا أو تترخص فيه بأي تجاوز أو استثناء فإذا تجاهلت الإدارة تلك الشروط أو أغفلت إحداها عند قبول المرشحين أو النظر في تعيينهم أضحى قرارها مخالفا للقانون خليقا بالإلغاء .

ومن حيث أنه وعلى هدى ما تقدم فإن القواعد التي أقرتها وأفصحت عنها الهيئة للمتقدمين لشغل وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة حسبما ورد في كتاب المستشار الأمين العام للهيئة والمودع ملف الطعن رقم 10225 لسنه 45 ق عليا المقام من عادل ماهر سيد أحمد الألفي طعنا على القرار رقم 43 لسنه 2003 وهو ذات القرار محل الطعن الماثل والصادر فيه حكم هذه المحكمة بجلسة 4/9/2005 أن الهيئة اشترطت في المرشح للتعيين أن يكون حاصلا على تقدير جيد على الأقل في درجة الليسانس فضلا عن حصوله على درجة الماجستير .
ومن حيث أن الثابت من استعراض قرار رئيس الجمهورية المطعون فيه أنه قد تضمن تعيين عدد من المرشحين غير المستوفين للاشتراطات المعلن عنها , وكانت أكثر الحالات طرافة وأشدها جسامه إمعانا في مخالفة القانون ما أشتمل عليه القرار المطعون فيه من تعيين / محمد إسماعيل محمود على الذي يتضح من الإفادة الرسمية الصادرة عن كلية الحقوق جامعة القاهرة والمودعة ملف الطعن رقم 10225 لسنه 49 ق. عليا سالف الذكر أنه التحق بها عام 1981 وتخرج منها في عام 1989 بتقدير مقبول 7ر52 % وأمضى في السنة الأولى الأعوام 1981 /1982 / 1983 والسنة الثانية عامي 1983 , 1984 والسنة الثالثة من عام 1984 حتى 1987 والسنة الرابعة من عام 1987 حتى عام 1989 أي تبلغ قدرته في التحصيل 7ر52 % على مدار تسع سنوات تقريبا وتلك مخالفة صارخة لا يجبها أو يهون من خطورة تسترها وراء موافقة اللجنة المشكلة لاختيار المرشحين وما لها من سلطة تقديرية واسعة أو تدثرها بما تسميه الهيئة بسرية المداولات في المجلس الأعلى بها فتلك حجة واضحة ولا تقوم لها قائمة إلا إذا راعت الهيئة توافر الشروط العامة التي وضعتها لجميع المرشحين قبل أن تقدم أيا منهم لحضور المقابلة التي تجريها اللجنة المشار إليها فإذا ما أدخلت على اللجنة عددا من المرشحين رغم تدنى مستواهم العلمي وفقدانهم القدرة على التحصيل , فإن قرار المجلس الأعلى ومن بعده القرار المطعون فيه لا يكون مشوبا بعيب في التقدير وإنما يكون مشوبا بعيب مخالفة القانون لمخالفة الإدارة للاشتراطات الأساسية التي يتعين عليها مراعاتها قبل عرض الأمر على اللجنة مما يجعل قرار اللجنة بما تضمنه تقديرا قائما على غير محل لعدم اكتمال العناصر الشرعية التي بنى عليها الاختيار الأمر الذي يوجب على الإدارة إعادة الحال في ما كانت عليه وعرضت الأمر على اللجنة لاختيار بعد تنقية قوائم المرشحين واستبعاد من لا يتوافر فيه الاشتراطات التي أفصحت عنها وإذ كانت المحكمة لا تملك أجراء المفاضلة بين الطاعن والمطعون ضدهم لاتصال ذلك بتقدير اللجنة المشكلة لهذا الغرض فقد غدا من المتعين إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تعيين غير المستوفين للشروط العامة للوظيفة وبصفة خاصة الحصول على تقدير جيد على الأقل لإزالة المخالفة القانونية التي تصم القرار بعدم المشروعية لتسترد الجهة الإدارية سلطتها التقديرية في اختيار المرشحين المستوفين لمتطلبات الوظيفة على أسس قانونية سليمة من آخر إجراء صحيح قانونا .

ومن حيث أن المحكمة وهى تقضى بذلك تدرك الصعوبات التي تواجه الإدارة عند تنفيذ حكمها إلا أنها تؤكد أنه لا مناص للهيئة بعد أن تكشف لها الحق أن ترجع إليه فان الحق قديم لا يبطله شيء والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل , ولا يمنعن الهيئة من ذلك خشيتها على ما استقر من مراكز قانونية لأعضائها فما دام الطعن قد رفع في الميعاد المقرر قانونا فقد أورد القرار الطعين وما تضمنه من مراكز قانونية موارد الزعزعة وعدم الاستقرار حتى يصدر حكم القضاء وإذا كانت العدالة البطيئة أقرب إلى الظلم عينه أن تحيد عن الحق بعد أن تقصدت الحقيقة وأن يطوى القضاء جناحيه على كل قرار غير مشروع حفاظا على ما استقر بطلانا وظلما , من أجل ذلك حق على القضاء أن يقضى بما تكشف له من الحق وعلى السلطة المختصة إن تسارع إلى تنفيذ مقتضاه مهما كلفها ذلك من عناء فبلوغ الحق أغلى من كل عناء .

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:- بقبول الطعن شكلا , وفى الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 43 لسنه 2003 فيما تضمنه من تعيين الحاصلين على تقدير مقبول في درجة الليسانس في وظيفة مندوب مساعد بهيئة قضايا الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار .

صدر هذا الحكم وتلي علنا بجلسة يوم الأحد الموافق 1427 هجرية والموافق 3/12/2006 وذلك بالهيئة المبينة بصدره