جلسة 11 من يناير سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد عبد اللطيف، وأحمد حسن هيكل، وأمين فتح الله، والسيد عبد المنعم الصراف.
-----------------
(11)
الطعن رقم 488 لسنة 30 القضائية
(أ) حكم "الطعن في الأحكام" استئناف "الأحكام الجائز استئنافها". أمر أداء.
قضاء الحكم في شق من الموضوع هو اعتبار الشيك المطالب بقيمته سنداً غير حال الأداء. لا يجوز اقتضاؤه بطريق استصدار أمر بالأداء. جواز الطعن في هذا الحكم. رفض الدفع بعدم جواز الاستئناف المرفوع عنه. لا خطأ.
(ب) استئناف. "طريقة رفع الاستئناف". أمر أداء. "المعارضة في أمر الأداء".
الحكم الصادر في المعارضة في أمر الأداء. وجوب رفع الاستئناف عنه بطريق التكليف بالحضور. م 118 و405/ 2 و4 من قانون المرافعات.
(ج) أوراق تجارية "طبيعة الكمبيالة وطبيعة الشيك". "التظهير". "التظهير على بياض".
اختلاف طبيعة الكمبيالة عن الشيك. عدم سريان حكم المادتين 134 و135 من قانون التجارة في شأن تظهير الكمبيالة على تظهير الشيك. جريان العرف على اعتبار التوقيع على ظهر الشيك تظهيراً ناقلاً للملكية. عرف واجب التطبيق ما لم يثبت أن المقصود بالتوقيع التظهير التوكيلي.
(د) أوراق تجارية "التظهير". "الحامل سيء النية". حكم. "قصور". "ما يعد كذلك".
للساحب - في دعوى رجوع الحامل عليه بقيمة الشيك - الاحتجاج ضده بكافة الدفوع التي كانت له قبل المظهر متى كان الحامل سيء النية.
تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بسوء نية حامل الشيك وعلمه بأن الشيك حرر للوفاء بثمن بضاعة اشتراها الساحب من المظهر - وهو شقيق الحامل - ولم يسلمها إليه. دفاع جوهري يتغير به وجه الرأي في الدعوى. إغفال الرد عليه. قصور
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضده الأول استصدر في 8/ 12/ 1959 أمراً بالأداء قيد برقم 242 سنة 1959 كلي المنصورة بإلزام الطاعن بأن يدفع له مبلغ 900 ج تأسيساً على شيك مؤرخ 16/ 11/ 1959 مسحوب على البنك العربي ومحول للمطعون ضده الأول من شقيقه المرحوم الطاف أحمد عبده مورث المطعون ضدها الثانية. عارض الطاعن في هذا الأمر بالدعوى رقم 1116 سنة 1959 مدني كلي المنصورة طالباً إلغاءه، وبنى معارضته على أن الشيك الذي صدر بموجبه هو في حقيقته كمبيالة أو سند إذني لأنه حرر في 5/ 11/ 1959 مقابل ثمن بضاعة اشتراها الطاعن من مورث المطعون ضدها الثانية بمقتضى فاتورة محررة في نفس التاريخ أقر بها البائع بأن يكون ميعاد استحقاق الشيك في 16/ 11/ 1959 بشرط تسليم البضاعة وأن هذا الشرط لم يتحقق بسبب إفلاسه، هذا فضلاً عن أن الشيك المذكور باطل لأنه بوصفه كمبيالة لم ينص فيه على بيان جوهري وهو ذكر وصول القيمة. دفع المطعون ضده الأول الدعوى بأن الشيك موضوع النزاع هو أداة وفاء لأنه لا يحمل إلا تاريخاً واحداً وأنه إذ ظهر إليه تظهيراً تاماً ناقلاً للملكية فإن الطاعن يلزم بالوفاء بقيمته بمجرد التوقيع عليه. وقرر المطعون ضدهما أنهما لا يعلمان أن المحيل المرحوم ألطاف أحمد عبده حرر الفاتورة المؤرخة 5/ 11/ 1959 ووقع عليها. وبتاريخ 14 يونيه سنة 1960 حكمت المحكمة الابتدائية بوقف النفاذ المعجل المشمول به أمر الأداء وقبل الفصل في الموضوع بتوجيه اليمين إلى كل من المطعون ضدهما بالصيغة الآتية (أحلف بالله العظيم أنني لا أعلم أن الإمضاء المنسوب صدورها للمرحوم ألطاف أحمد عبده على الفاتورة المؤرخة 5/ 11/ 1959 هي إمضاؤه). استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 51 سنة 12 ق المنصورة، ودفع الطاعن بعدم جواز الاستئناف استناداً إلى أن الحكم الابتدائي صادر قبل الفصل في الموضوع مما لا يجوز استئنافه إلا مع الموضوع. ومحكمة الاستئناف حكمت في 29/ 11/ 1961 برفض هذا الدفع وبجواز الاستئناف وقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض المعارضة في أمر الأداء الصادر في 6/ 12/ 1959 وتأييد الأمر المذكور - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض بتقرير في 29/ 12/ 1960 وقدمت النيابة مذكرة طلبت فيها نقض الحكم وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه الدائرة حيث نظر أمامها بجلسة 30/ 11/ 1959 وفيها أصرت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب حاصل أولها مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام محكمة الاستئناف بعدم جواز الاستئناف استناداً إلى أن الحكم الابتدائي هو قضاء صادر قبل الفصل في الموضوع لم ينه الخصومة كلها أو بعضها، إلا أن الحكم المطعون فيه قضى برفض هذا الدفع تأسيساً على أن محكمة الدرجة الأولى فصلت في جوهر النزاع بأن اعتبرت الشيك الصادر به أمر الأداء بمثابة كمبيالة وأجرت عليه أحكامها بأن قررت أن التظهير الصادر للمطعون ضده الأول هو تظهير ناقص لخلوه من بيان تاريخ التحويل مما يجعله تظهيراً توكيلياً يبيح للطاعن التمسك ضد المطعون ضده الأول بكافة الدفوع التي كان يمكن إبداؤها ضد المظهر (مورث المطعون ضدها الثانية) هذا في حين أن محكمة الدرجة الأولى لم تعرض في أسباب حكمها للموضوع بقصد الفصل فيه وإنما عرضت له لتتحسس مبلغ الجد في النزاع بشأنه وهي بسبيل الفصل في طلب وقف التنفيذ - وهو طلب وقتي لا يجوز الطعن في الحكم الصادر فيه استقلالاً لأنه لا يقيد المحكمة التي أصدرته عند الفصل في الموضوع كما أن قضاء المحكمة الابتدائية بتوجيه اليمين إلى المطعون ضدهما هو حكم متعلق بالإثبات لا يجوز الطعن فيه إلا مع الطعن في الموضوع.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي أنه أقام قضاءه على ما قرره من أن الشيك موضوع النزاع حرر للوفاء بثمن بضاعة اشتراها الطاعن من مورث المطعون ضدها الثانية بمقتضى فاتورة مؤرخة 5/ 11/ 1959 أقر فيها البائع بألا تصرف قيمة الشيك إلا في 16/ 11/ 1959 بعد تسليم البضاعة للطاعن وأخذ إيصال عليه بالاستلام، مما يعتبر معه الشيك المذكور ورقة تجارية تسري عليها القواعد الخاصة بالكمبيالات والسندات الإذنية وأنه إذ حول مورث المطعون ضدها الثانية هذه الورقة إلى المطعون ضده الأول دون أن يذكر تاريخ التحويل فإنه يعتبر تحويلاً ناقصاً يبيح للطاعن الاحتجاج على المظهر له (المطعون ضده الأول) بكافة الدفوع التي له قبل المحيل. ثم رتب الحكم على ذلك اعتبار التزام الطاعن بدفع قيمة الشيك للمظهر معلقاً على شرط واقف هو تسليم البضاعة إليه، وإذ لم يتم هذا التسليم يكون الدين غير حال الأداء، وبالتالي يكون أمر الأداء المعارض فيه قد حرر بناء على سند لم تتوافر فيه الشروط التي تتطلبها المادة 851 من قانون المرافعات وقرر الحكم بعد ذلك بأنه إزاء ادعاء المطعون ضدهما بعدم علمهما بأن المظهر (مورث المطعون ضدها الثانية) حرر الفاتورة المؤرخة 5/ 11/ 1959 ووقع عليها بإمضائه فإنه يتعين توجيه اليمين إلى كل منهما وقضى في منطوقه بوقف النفاذ المعجل المشمول به أمر الأداء المعارض فيه وبتوجيه اليمين إلى كل من المطعون ضدهما بشأن التوقيع المنسوب صدوره إلى مورث المطعون ضدها الثانية على الفاتورة المذكورة. ولما كان مؤدى هذا الذي قرره الحكم الابتدائي أنه قضى قضاء قطعياً في شق من الموضوع هو اعتبار الشيك المطالب بقيمته سنداً غير حال الأداء لا يجوز اقتضاؤه بطريق استصدار أمر الأداء، وأنهى النزاع بين الطرفين في هذا الخصوص وحصر الخصومة بعد ذلك في الفاتورة المؤرخة 5/ 11/ 1959 ووجه بشأنها اليمين ومن ثم يكون الطعن في هذا الحكم جائزاً وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم جواز الاستئناف فإنه لا يكون قد خالف القانون.
وحيث إن مبنى السبب الرابع مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون ذلك أنه لم يقض تلقائياً ببطلان الاستئناف لرفعه بغير الطريق القانوني، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم إذ اعتبر السند الذي صدر بمقتضاه أمر الأداء شيكاً فقد كان يتعين عليه أن يقضي ببطلان الاستئناف لرفعه بتكليف بالحضور، لأن الأصل طبقاً للمادة 405 مرافعات أن يرفع الاستئناف بعريضة تقدم لقلم الكتاب، وأن الدعاوى التي يرفع الاستئناف عنها بورقة تكليف بالحضور قد وردت استثناء من هذا الأصل في المادة 118 مرافعات وليس من بينها الدعاوى المتعلقة بالشيكات.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن المادة 118 من قانون المرافعات تنص على أن الدعاوى المستعجلة ودعاوى شهر الإفلاس والدعاوى البحرية متى كانت السفينة في الميناء ودعاوى السندات الإذنية والكمبيالات وكل الدعاوى التي ينص القانون على وجوب الفصل فيها على وجه السرعة ودعاوى التماس إعادة النظر جميعها تقدم مباشرة إلى المحكمة دون عرضها على التحضير ودون اتباع أحكام المادة 406 مكرر وما بعدها - كما تنص المادة 405 منه المعدلة بالقانون رقم 264 سنة 1953 في فقرتيها الثانية والرابعة على أن الدعاوى المنصوص عليها في المادة 118 يرفع الاستئناف عنها بورقة تكليف بالحضور تراعى فيه الأوضاع المقررة بصحيفة افتتاح الدعاوى وإذا لم يحصل الاستئناف على الوجه المتقدم كان باطلاً وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه. ولما كانت المعارضة في أمر الأداء يحكم فيها على وجه السرعة طبقاً لما تنص عليه المادة 855 مرافعات، فإن الحكم الذي يصدر فيها يسري عليه - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - وبغض النظر عن الطلبات الموجهة فيها - ما يسري على الدعاوى المبينة في المادة 118 مرافعات من وجوب رفع الاستئناف في الحكم الصادر فيها بطريق التكليف بالحضور عملاً بحكم الفقرتين الثانية والرابعة من المادة 405 مرافعات، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر - وقضى بجواز استئناف الحكم الصادر في المعارضة في أمر الأداء بورقة تكليف بالحضور فإنه لا يكون قد خالف القانون.
وحيث إن السبب الثالث يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون، ذلك أنه اعتبر أن الشيك لا يخضع للقواعد المتعلقة بالكمبيالة مع أنها هي الأحكام العامة التي تسري على الأوراق التجارية الأخرى في المواطن التي سكت فيها المشرع عن تنظيم خاص بها ما دامت لا تتعارض مع طبيعتها، وإذ اعتبر الحكم أن التظهير على بياض الوارد على الشيك موضوع الدعوى تظهير ناقل للملكية يكون قد خالف القانون لأنه يلزم في التظهير الناقل للملكية أن تتوافر فيه البيانات المنصوص عليها في المادة 134 تجاري بالنسبة للكمبيالة، وكان يتعين لذلك اعتبار تظهير الشيك على بياض تظهيراً توكيلياً طبقاً للمادة 135 تجاري مما يحق معه للمدين (الطاعن) التمسك في مواجهة الحامل "المطعون ضده الأول" بكامل الدفوع التي كان يمكن التمسك بها قبل المظهر "مورث المطعون ضدها الثانية".
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه لا محل لإعمال حكم المادتين 134 و135 تجاري الخاصتين بتظهير الكمبيالة على الشيك لاختلاف طبيعة الكمبيالة عن الشيك، وإذ لم يضع القانون التجاري أحكاماً خاصة بتظهير الشيك وكان العرف قد جرى على أن مجرد التوقيع على ظهر الشيك يعتبر تظهيراً ناقلاً للملكية، وذلك تيسيراً لتداوله وتمكيناً له من أداء وظيفته كأداة وفاء، فإن هذا العرف يكون هو الواجب التطبيق ما لم يثبت صاحب الشأن أنه أراد بالتوقيع أن يكون تظهيراً توكيلياً، وإذا لم ينزل الحكم المطعون فيه نص المادتين 134 و135 تجاري على الشيك موضوع النزاع، واعتبر التظهير على بياض ناقلاً للملكية فإنه لا يكون قد خالف القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن في السبب الخامس على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب ذلك أنه افترض أن التظهير الصادر إلى المطعون ضده الأول هو تظهير ناقل للملكية وأن هذا الافتراض لا يترتب عليه إهدار أثر الفاتورة المؤرخة 5/ 11/ 1959 في علاقة الطاعن بالمطعون ضده الأول لأن ساحب الشيك يملك التمسك في مواجهة الحامل السيء النية بما له من دفوع قبل المستفيد الأول، وقد تمسك الطاعن في دفاعه أمام محكمة الموضوع بسوء نية المطعون ضده الأول لعلمه بمضمون الفاتورة المذكورة والشروط التي صدر الشيك على أساسها واستدل على ذلك بأن المطعون ضده الأول هو شقيق المحيل "مورث المطعون ضدها الثانية" وأنه يعمل لديه في محلاته، إلا أن الحكم المطعون فيه أغفل هذا الدفاع ولم يعن بالرد عليه.
وحيث إن هذا النعي في محله ذلك أنه يجوز للساحب في دعوى الرجوع التي يرفعها عليه الحامل بالمطالبة بقيمة الشيك الاحتجاج ضده بكافة الدفوع التي كانت له قبل المظهر متى كان هذا الحامل سيء النية. ولما كان الثابت من مذكرة الطاعن المقدمة لمحكمة الاستئناف في 20/ 12/ 1960 والمودعة صورتها الرسمية بملف الطعن إنه تمسك فيها بأن حامل الشيك "المطعون ضده الأول" سيء النية لأنه شقيق للمظهر (مورث المطعون ضدها الثانية) ويعمل في محل تجارته ويعلم أن الشيك موضوع الدعوى حرر للوفاء بثمن بضاعة اشتراها الطاعن من المظهر المذكور بمقتضى الفاتورة المؤرخة 5/ 11/ 1959 ولم يسلمها إليه، وكان الحكم المطعون فيه لم يعن بالرد على هذا الدفاع الذي لو صح لكان من شأنه أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون قد شابه قصور في التسبيب مما يستوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق