الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 24 مارس 2023

الطعن 85 لسنة 36 ق جلسة 23 / 4 / 1970 مكتب فني 21 ج 2 ق 114 ص 702

جلسة 23 من إبريل سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: السيد عبد المنعم الصراف، وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، وعلي عبد الرحمن.

----------------

(114)
الطعن رقم 85 لسنة 36 القضائية

(أ) إثبات. "الإقرار". نقض. "أسباب الطعن". "السبب الجديد".
عدم التمسك أمام محكمة الموضوع بالإقرار بعدم وفاء الدين. سبب جديد لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ب). التزام. "انقضاء الالتزام بالوفاء". إثبات. "الإقرار القضائي".
طلب المدعى عليه رفض الدعوى على أساس انقضاء الدين بالوفاء نقداً أو بمقابل. لا يعد إقراراً قضائياً بعدم الوفاء.
(ج) التزام. "انقضاء الالتزام بالوفاء".
تعيين الدين المدفوع عند تعدد الديون لدائن واحد. مناطه. أن تكون جميعها من جنس واحد.

----------------
1 - إذا لم يتمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بإقرار المطعون عليه بعدم وفاء الدين المطالب به، فإنه يعتبر سبباً جديداً لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض.
2 - طلب المدعى عليه رفض الدعوى على أساس انقضاء الدين بالوفاء سواء كان هذا الوفاء نقداً أو بمقابل لا يعتبر ذلك من جانبه إقراراً قضائياً بعدم الوفاء.
3 - المستفاد من نص المادتين 344 و345 من القانون المدني أن تعيين الدين المدفوع إنما يقوم إذا كان على المدين ديون متعددة لدائن واحد وكانت جميعها من جنس واحد.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن يوسف شنوده حنا أقام الدعوى رقم 573 سنة 1963 كلي قنا ضد بيومي محمد عابدين طالباً الحكم بإلزامه بأن يدفع له مبلغ 1567 ج و380 م استناداً إلى سند مؤرخ 18/ 9/ 1959 التزم فيه المدعى عليه بأن يدفع له هذا المبلغ وبأن يسلمه 540.94 قنطاراً من العسل وإلا كان مسئولاً عن ثمنها بواقع 2 ج للقنطار الواحد، وطلب المدعى عليه رفض الدعوى وقرر أن المعاملة تجارية وأنه قام بالوفاء بقيمة المبلغ المطالب به عسلاً، وأنه على استعداد لإثبات ذلك بالبينة، وفي 19/ 3/ 1964 حكمت المحكمة بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعي مبلغ 1567 ج و380 م. استأنف المدعى عليه هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط طالباً إلغاءه والحكم برفض الدعوى تأسيساً على أنه قام بالوفاء بالمبلغ للمدعي بعضه نقداً والبعض الآخر ثمن عسل ورده إليه وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الوفاء. وفي 24/ 11/ 1964 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة أنه قد أوفى بما عليه من دين للمستأنف عليه نقداً وعيناً وأنه لم يبق له في ذمته شيء وصرحت للمستأنف عليه بنفي ما عسى أن يثبته المستأنف، وبعد أن سمعت المحكمة شهود المستأنف حكمت بتاريخ 22/ 12/ 1965 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعن في هذين الحكمين بطريق النقض للأسباب الواردة في التقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة حيث أصر الطاعن على طلب نقض الحكمين المطعون فيهما وطلب المطعون عليه رفض الطعن وصممت النيابة العامة على ما جاء بمذكرتها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب حاصل أولها القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن المطعون عليه أقر أمام محكمة أول درجة بأن الدين قد انقضى بتوريده عسلاً للدائن أي أنه استوفى حقه بمقابل، وهذا الإقرار يفيد بذاته وبطريق اللزوم أن الدين لم يوف، فإذا عاد المطعون عليه وادعى أمام محكمة الاستئناف أن سداد الدين حصل بعضه نقداً وبعضه عن طريق توريد بضاعة، فإن هذا معناه أن الوفاء، بمقابل غير صحيح، ولا يصح للمدين بعد هذا الإقرار الصريح أن يلجأ إلى الدفع بالوفاء وكان على محكمة الاستئناف أن تعرض لهذا الإقرار القضائي الصادر من المطعون عليه وتبين أثره وهل يجوز له بعد هذا الإقرار الصريح أن يلجأ إلى الدفع بالوفاء، وإذ أغفلت ذلك فإن حكمها يكون قاصر البيان، ولا وجه للقول بأن من حق الخصم الذي رخص له في إثبات التخالص بطريق معين أن يلجأ إلى طريق آخر للإثبات، إذ الأمر ليس تغييراً في وسيلة الإثبات بل هو تغيير في طبيعة الشيء الذي شمله الوفاء.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن الطاعن لم يقدم ما يدل على سبق تمسكه أمام محكمة الموضوع بإقرار المطعون عليه بعدم وفاء الدين المطالب به وبالتالي فإنه يعتبر سبباً جديداً لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة النقض. هذا إلى أن الثابت من الحكم المطعون فيه أن المطعون عليه كان يطلب رفض الدعوى تأسيساً على أن الدين المطالب به قد انقضى بالوفاء، ويستوي في ذلك أن يكون هذا الوفاء نقداً أو بمقابل وهذا الدفاع من جانبه لا يعتبر إقراراً قضائياً بعدم الوفاء.
وحيث إن حاصل السبب الثاني القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه بعد أن استند المطعون عليه إلى شهادة الشهود فيما ادعاه من الوفاء بقيمة الدين المطالب به، طلب الطاعن إلى المحكمة الاطلاع على دفاتر المطعون عليه لإجراء مقارنة بين ما ورد فيها وبين ما رواه الشهود عن التخالص، خصوصاً وأن الشاهد رزق عطية لوقا قد شهد بأنه كان يرصد هذه المعاملات في دفاتر المطعون عليه، وقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد على هذا الدفاع الجوهري الذي من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى مما يعيبه بالقصور والإخلال بحقه في الدفاع.
وحيث إن هذا النعي غير صحيح، ذلك أن الأوراق قد خلت مما يفيد أن الطاعن قد طلب من المحكمة الاطلاع على دفاتر المطعون عليه ومقارنة ما ورد بها بما رواه الشهود عن التخالص، وكل ما ذكره الطاعن في هذا الصدد على ما هو ثابت من الصورة الرسمية لمذكرته المقدمة لمحكمة الاستئناف هو أنه لو كان المطعون عليه صادقاً فيما ادعاه من الوفاء بدينه لقدم دفاتره التجارية المثبتة لهذا الوفاء، وقد ساق هذا القول للتدليل على عدم حصول الوفاء الذي ادعاه المطعون عليه وليس فيه ما يفيد طلب تكليفه بتقديم دفاتره التجارية وبالتالي يكون النعي على الحكم بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثالث الخطأ في الإسناد، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن محكمة الاستئناف قد بينت في أسباب حكمها العلة التي جعلتها تطمئن إلى أقوال الشهود وهي أن أغلبهم من التجار الذين لهم صلة بالطرفين ولا مصلحة لأيهم في محاباة أي طرف على حساب الآخر، وأن الطاعن لم يبد بالنسبة لأي منهم ما يضعف الثقة في شهادته، وهذا الذي قرره الحكم مخالف للثابت في الأوراق إذ أن جرح أغلبية الشهود تجريحاً من شأنه أن يؤثر في صحة شهادتهم بقوله إن الشاهد الأول رزق عطية لوقا يعمل كاتباً عند المطعون عليه، وإن الشاهد الثاني فهمي طوفي شنودة كان يعمل عند الطاعن واختلس منه مالاً، وقدم صورة فوتوغرافية من إقرار يؤكد ذلك، كما قرر أن نزاعاً نشب بينه وبين الشاهد الرابع عزيز بشارة في تجارة الأسماك وتبادلا الإنذارات وقد اعترف الشاهد المذكور بذلك، واتضح كذلك أن شفيق مهران أحمد خليل الشاهد الخامس متزوج ببنت المطعون عليه وأن نصحي أمين الشاهد السادس يعمل مديراً لمحل المطعون عليه في القاهرة، وإذ كان لا يعرف ما كانت تنتهي إليه المحكمة لو أنها فطنت إلى حقيقة الواقع في أمر هذه المطاعن التي وجهت إلى الشهود بما يمس جوهر شهادتهم فإن حكمها يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه الصادر في الموضوع يبين أنه بعد أن أورد أقوال شهود المطعون عليه ودفاع الطرفين جرى في قضائه على أنه "يبدو مما تقدم أن النزاع يدور حول وفاء المستأنف (المطعون عليه) ما عليه من دين للمستأنف عليه (الطاعن) نقداً وعيناً، وأنه يبين من استعراض أقوال الشهود أنهم قطعوا بأن المعاملات المالية والتجارية بين الطرفين ظلت مستمرة إلى ما بعد سبتمبر سنة 1959 وهو ميعاد تحرير السند موضوع الدعوى، وقد أدلوا بوقائع من شأنها التدليل على أن الدين الثابت بالسند قد سدد كما سددت مبالغ أخرى نتيجة المعاملة اللاحقة للسند، والمحكمة تطمئن لأقوال الشهود والتي حاصلها أن المستأنف قد وفى الدين الثابت بالسند سواء في ذلك الالتزام النقدي أو ما تعهد بتوريده إليه من عسل وقدره 540.94 قنطاراً، ولا تلتفت المحكمة إلى ما أبداه المستأنف عليه من تجريح للشاهد الثاني فهمي طوفي شنودة بإنهاء عقد عمله بسبب اختلاسه 1806 جنيه لأنه لو صح هذا الادعاء لما سكت المستأنف عن اتخاذ إجراءات ضد الشاهد، ومما يقطع بصحة أقوال الشهود أن الثابت أن السند محرر بتاريخ 18/ 9/ 1959 ولم يتخذ أي إجراء للمطالبة به مع أن المعاملة بين تاجرين لا تحتمل التراخي في المطالبة بحقه هذه المدة، ومن جهة أخرى فإن أغلبية هؤلاء الشهود من التجار الذين لهم صلة بالطرفين ولا مصلحة لأيهم في محاباة أي طرف على حساب الطرف الآخر ولم يبد المستأنف عليه بالنسبة لأي منهم ما يضعف الثقة في شهادته وأنه أخذاً بشهادة هؤلاء الشهود يكون قد ثبت لدى المحكمة أن المستأنف قد أوفى المستأنف عليه بالدين موضوع النزاع وفاء يبرئ ذمته منه" وهذا الذي قرره الحكم سائغ ومن شأنه أن يؤدي إلى ما انتهى إليه، ويفيد أن محكمة الموضوع قد اطمأنت في حدود سلطتها التقديرية إلى الأخذ بشهادة شهود المطعون عليه، وأنه ليس فيما أبداه الطاعن ما يضعف ثقتها في شهادتهم، وبالتالي فإنه ليس فيما قرره الحكم في هذا الصدد مخالفة للثابت في الأوراق، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد عرض لبعض تلك المطاعن ورد عليها رداً سائغاً. لما كان ما تقدم وكان تقدير أقوال الشهود هو مما يستقل به قاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير شهادة الشهود الذي يستقل به قاضي الموضوع دون رقابة من محكمة النقض.
وحيث إن حاصل السبب الرابع الخطأ في تطبيق القانون، وتجاهل خصائص الاتفاق الحاصل بين الطرفين بشأن سداد مبلغ الـ 600 ج، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن دفاع المطعون عليه قام بصفة أصلية على أن سداد الدين تم بتوريد قيمته عسلاً ولم يقدم أمري الدفع الخاصين بمبلغ الـ 600 ج مع أنهما دفعا للطاعن في 9/ 11 و9/ 12/ 1959 أي قبل رفع الدعوى بزمن طويل، مما مفاده أن هذا المبلغ قد خصم من ثمن الـ 540 قنطاراً من العسل المشار إليه في سند المديونية على ما قال به الطاعن، إلا أن الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 24/ 11/ 1964 قرر بشأن هذا المبلغ أن من حق المدين أن يعين الدين الذي يريد الوفاء به وهو خطأ في تطبيق القانون، إذ أن محل ذلك وعلى ما يقضي به نص المادة 344 من القانون المدني أن يحصل التعيين عند الوفاء، أما إذا لم يحصل تعيين فإن الوفاء وعلى ما تقضى به المادة 345 من القانون المدني يكون من الدين الذي حل فإن تعددت الديون الحالة فمن حساب أشدها كلفة على المدين، وإذ كان دين العسل حالاً وأشد كلفة لأنه ستشرط سداد قيمته بواقع 2 ج عن كل قنطار وهو سعر أعلى من سعر السوق، فإنه كان يتعين خصم هذا المبلغ من دين العسل، وإذ خصمه الحكم المطعون فيه من الدين المطالب به وهو أقل كلفة من دين العسل، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه إذ عرض لموضوع العسل رغم خروجه عن حدود النزاع المطروح على المحكمة حين قرر أن المطعون عليه قد وفى الدين الثابت بالسند موضوع الدعوى سواء في ذلك الالتزام النقدي أو ما تعهد بتوريده إليه من عسل، وهو قول لا حجية له بالنسبة لموضوع العسل، إلا أن ذلك من الحكم يدل على أن المحكمة لم تتفهم واقعة النزاع على وجهها الصحيح وأوجه الخلاف التي تنازعها الطرفان مما يعيب حكمها ويوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المستفاد من نص المادتين 344، 345 من القانون المدني أن تعيين الدين المدفوع إنما يقوم إذا كان على المدين ديون متعددة لدائن واحد وكانت جميعها من جنس واحد، وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه ومن السند المؤرخ 18/ 9/ 1959 أن المطعون عليه كان مديناً للطاعن في مبلغ 1567 ج و380 م - كما أنه تعهد بأن يسلمه عيناً عند طلبه 540.94 قنطاراً من العسل وإن تأخر عن التسليم العيني فللطاعن الحق في طلب ثمنها بواقع جنيهين عن كل قنطار، وظاهر من ذلك أن الدينين ليسا من جنس واحد إذ أولهما محله مبلغ من النقود والثاني محله كمية من العسل، وليس للطاعن إجبار المطعون عليه على الوفاء بقيمة هذا العسل نقداً إلا بعد أن يسجل عليه إخلاله بالتزامه بتسليمها عيناً، وبالتالي فإنه لا يكون ثمة محل لإعمال حكم المادتين سالفتى الذكر بالنسبة لمبلغ الستمائة جنيه التي دفعها المطعون عليه للطاعن، وإنما يجب خصمها من قيمة الدين النقدي المطلوب منه، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر، فإنه لا يكون مخطئاً في تطبيق القانون، ولئن كان الحكم الصادر بتاريخ 24/ 11/ 1964 قد ذكر في أسبابه أن للمدين أن يعين الدين الذي يريد الوفاء به، إلا أن هذا التقرير غير ذي أثر على النتيجة الصحيحة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه، كما أنه لا تأثير لما ذكره الحكم المطعون فيه بصدد وفاء المطعون عليه بالدين النقدي وبقيمة العسل الثابتين بالسند المؤرخ 9/ 11/ 1959 لأن أمر دين العسل لم يكن معروضاً على المحكمة وكل ما ورد بشأنه لا يحوز الحجية قبل الطاعن، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق