جلسة 16 من إبريل سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: سليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي، ومحمد سيد أحمد حماد، وعلي عبد الرحمن.
---------------
(104)
الطعن رقم 8 لسنة 36 القضائية
(أ) حكم. "الأحكام الجائز الطعن فيها". "حجية الحكم".
الحكم الصادر بندب خبير. الفصل في أسبابه في النزاع بشأن الأجرة موضوع الدعوى. وجوب الطعن فيه في الميعاد. عدم مراعاة ذلك يترتب عليه اعتبار هذا القضاء نهائي تتقيد به المحكمة التي أصدرته.
(ب) إثبات. "الإثبات المعاينة بالمعاينة". محكمة الموضوع. "سلطتها في إجراءات الإثبات".
انتقال المحكمة للمعاينة من الرخص المخولة لها. لا معقب على سلطتها في ذلك متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لاقتناعها.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الدكتور كمال فوزي الديري وبشارة إبراهيم بشارة استأجرا من ورثة المرحوم حنا تادرس خمسة حوانيت في المبنى المملوك لهم بشارع الحرية بمدينة الفيوم بعقد إيجار مؤرخ 29 نوفمبر سنة 1951 بدأ تنفيذه اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1952 عقب انتهاء البناء وذلك لمدة خمس سنوات وبإيجار شهري قدره 60 ج، على أن يكون للمستأجرين حق التأجير من الباطن، وبتاريخ أول ديسمبر سنة 1952 استعمل المستأجران هذا الحق بتأجير حانوتين منها إلى نجيب إبراهيم بشارة بإيجار شهري قدره عشرون جنيهاً وحانوت ثالث إلى ناشد وهبه في أول يناير سنة 1953 بإيجار شهري قدره عشرة جنيهات ثم الحانوتين الباقيين إلى فائق مجد الله في 19 ديسمبر سنة 1955 بإيجار شهري قدره 17 ج و500 م، وبتاريخ أول سبتمبر سنة 1957 أعلن المستأجران الأصليان رغبتهما في عدم تجديد عقدهما عن الدكاكين الخمسة وأنهما أجراها إلى المستأجرين من الباطن، ولما رفض المستأجرون من الباطن أداء الأجرة طبقاً لقيمتها الواردة بعقد الإيجار الأصلي وأصروا على التزامهم بالأجرة الواردة بعقودهم، فقد أقام المؤجرون الدعوى رقم 112 سنة 1960 كلي الفيوم، بطلب إلزام هؤلاء المستأجرين من الباطن بأن يؤدوا لهم متضامنين 923 ج و500 م على أساس الأجرة الواردة بعقد الإيجار الأصلي حتى 30 يونيه سنة 1958. ثم مخفضة إلى 48 ج من أول يوليه سنة 1958، وبتاريخ 17 نوفمبر سنة 1960 حكمت المحكمة برفض الدعوى. استأنف المدعون هذا الحكم لدى محكمة استئناف بني سويف طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم وقيد هذا الاستئناف برقم 63 سنة 1 قضائية، وبتاريخ 8 فبراير سنة 1964 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وقبل الفصل في الموضوع بندب مكتب خبراء وزارة العدل بالفيوم لتحديد أجرة المثل في أول ديسمبر سنة 1957 للحوانيت المؤجرة مع مراعاة أحكام القانون 55 سنة 1958 من أول ديسمبر سنة 1957 حتى آخر يناير سنة 1960، وبعد أن أدى الخبير مهمته وقدم تقريره عادت وبتاريخ 9 نوفمبر سنة 1965 فحكمت بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام المستأنف عليه الأول نجيب إبراهيم بأن يدفع للمستأنفين 88 ج و200 م وإلزام المستأنف عليه الثاني فائق مجد الله بأن يدفع لهم 77 ج و700 م، وإلزام المستأنف عليه الثالث ناشد وهبه بأن يدفع لهم 22 ج و200 م. طعن الطاعنون في هذا الحكم وفي الحكم الصادر في 8 فبراير سنة 1964 بطريق النقض للسبب المبين بالتقرير وعرض الطعن على هذه الدائرة وقدمت النيابة العامة مذكرة طلبت فيها رفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أصرت على هذا الرأي.
وحيث إن حاصل الوجه الأول من السبب الأول أن الحكم الصادر بتاريخ 8 فبراير سنة 1964 قضى بندب خبير لتقدير أجرة المثل مستنداً في ذلك إلى أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة من نوع خاص، قوامها تمكين القانون للمستأجرين من الباطن من الاستمرار في وضع يدهم على الأعيان المؤجرة لهم وحمايتهم دون أن يعكر المؤجرون صفوهم، الأمر الذي يمكن معه اعتبار هذه الميزة القانونية بالنسبة لهم امتداداً قانونياً ناقصاً الغرض منه تمكينهم من الانتفاع بالعين المؤجرة مقابل أجرة غير تلك المنصوص عليها في العقود المنتهية، وهذا من الحكم خطأ ومخالفة للقانون، إذ أنه في شطره الأول قد حدد العلاقة بين الطرفين بأنها علاقة تأجيرية تخضع لأحكام القانون 121 سنة 1947 ومؤدى ذلك أنه كان يتعين عليه اعتبار النزاع مما يدخل في الاختصاص النوعي لدائرة الإيجارات بالمحكمة الابتدائية، طبقاً لأحكام المادة 15 من القانون المشار إليه والحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظرها أو القضاء بوقف الدعوى حتى يستصدر المطعون عليهم حكماً من دائرة الإيجارات المختصة بقيمة الأجرة، وهو ما تمسك به الطاعنون في دفاعهم أمام محكمة الاستئناف، وإذ اعتبر الحكم الأخير الصادر بتاريخ 9 نوفمبر سنة 1965 أن ما قضى به حكم 8 فبراير سنة 1964 من ندب خبير لتقدير قيمة الأجرة يعتبر قضاء قطعياً بالاختصاص بصفة ضمنية مقيداً له، فإنه يكون بدوره قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم الصادر بتاريخ 8 فبراير سنة 1964 يبين أنه قضى بقبول الاستئناف شكلاً وبندب خبير لتقدير أجرة المثل، ثم أورد في أسبابه أن "انتهاء عقد الإيجار الأصلي يترتب عليه حتماً انتهاء عقد الإيجار من الباطن، وأن القانون 121 سنة 1947 قد أسبغ حمايته على المستأجر وقيد حق المؤجر في إخراجه من المكان المؤجر لغير الأسباب الواردة به، وهو ما تمتد معه عقود الإيجار القائمة امتداداً قانونياً، وأن المستأجرين من الباطن في الدعوى الماثلة إذ انتهت عقودهم بانتهاء العقد الأصلي، فإنهم يصبحون في وضع خاص قوامه تمكين القانون 121 سنة 1947 لهم من مجرد الاستمرار في وضع يدهم على الأعيان المؤجرة لهم بما يفيد امتدادها امتداداً قانونياً ناقصاً. وأنه لما كان البقاء في العين يجب أن يكون نظير مقابل غير الأجرة المنصوص عليها في أي من العقود المنتهية والتي أصبحت غير صالحة لاتخاذها سنداً قانونياً لتحديد الأجرة الواردة بها، فإن تحدي هذا المقابل يجب أن يكون على أساس أجرة المثل مما يقتضي ندب خبير لإجراء هذا التقدير" ومن ذلك يبين أن هذا الحكم قد فصل في أسبابه في النزاع المردد بين الطرفين بشأن الأجرة التي يلتزم بها المستأجرون من الباطن وقطع في أنها هي أجرة المثل فأنهى الخصومة في هذا الشأن، مما كان يوجب على الطاعنين الطعن فيه على استقلال عملاً بالمادة 378 من قانون المرافعات السابق، وبفوات مواعيد الطعن عليه أصبح قضاء نهائياً تتقيد به المحكمة التي أصدرته، إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 9 نوفمبر سنة 1965 قد التزم هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني من السبب الأول والسبب الثاني أن الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 9 نوفمبر سنة 1965 خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وجاء مشوباً بالقصور، وفي بيان ذلك يقول الطاعنون إن الحكم التمهيدي الصادر بتاريخ 8 فبراير سنة 1964 قضى بندب أحد الخبراء المهندسين لتحديد أجرة المثل للأعيان المؤجرة بافتراض أن التأجير قد تم في أول ديسمبر سنة 1957 دون نظر لأية تحفظات قانونية إلى تاريخ العمل بالقانون 55 سنة 1958 والذي قضى بتخفيض الأجرة بواقع 20% اعتباراً من أول يوليه سنة 1958 وقد باشر الخبير هذه المأمورية وانتهى في تقريره إلى تقدير أجرة المثل للحوانيت محل النزاع بمبلغ 56 ج شهرياً في حين أن لجنة الجرد التي جردت تلك الحوانيت قدرت قيمة أجرتها، في سنة 1953 بمبلغ 50 ج وفي سنة 1960 بمبلغ 36 ج و464 م وبالإضافة إلى ذلك فقد قدم الطاعنون تقريراً استشارياً ناقش فيه الخبير الاستشاري الأخطاء التي وقع فيها الخبير المنتدب وانتهى إلى تقدير أجرة المثل بمبلغ 23 ج و920 م، كما قدم الطاعنون مستندات وعقود إيجار مؤيدة لما انتهى إليه الخبير الاستشاري في تقريره، غير أن الحكم المطعون فيه الصادر بتاريخ 9 نوفمبر سنة 1965 قد أغفل بحث هذه المستندات ودلالتها في موضوع النزاع، كما لم يتناول مناقشة التقرير الاستشاري ولم يتعرض لبحث ما انطوى عليه من أسس صحيحة وأدلة جوهرية كاشفة للحقيقة وأغفله تماماً، هذا بالإضافة إلى أنه لم يبين في أسبابه العناصر الجوهرية التي استند إليها في الاطمئنان إلى تقرير الخبير المنتدب وفى إطراح ما قدمه الطاعنون من مستندات، كما لم يستجب إلى طلب المعاينة، مما يعيبه بالقصور ومخالفة أحكام المادة 349 من قانون المرافعات.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه بالرجوع إلى تقرير الخبير المنتدب في الدعوى - والمقدمة صورته ملف هذا الطعن - يبين أنه أورد الأسباب والعناصر التي استند إليها في تقديره لأجرة المثل وبين أن الحوانيت موضوع النزاع وإن ماثلت تلك المسترشد بها من حيث مواد البناء وأعمال التشطيب إلا أنها تفضلها من حيث الموقع والصقع التجاري، وإذ أخذت المحكمة بهذا التقرير فإن ما ورد فيه يندرج ضمن أسباب حكمها وبذلك يكون ما جاء في هذا التقرير متضمناً بذاته الرد على كل ما جاء بالتقرير الاستشاري طالما أن المحكمة لم تر فيما ورد بهذا التقرير الأخير أو فيما قدم من مستندات تأييداً له ما يستحق رداً خاصاً أكثر مما تضمنه التقرير الذي أخذت به، كما أنه لما كان الانتقال للمعاينة هو من الرخص القانونية التي تستعملها المحكمة متى شاءت فلا عليها إن هي لم تستجب إلى ذلك الطلب متى وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لاقتناعها للفصل فيها، مما يصبح معه النعي برمته على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق