جلسة 26 من فبراير سنة 1970
برياسة السيد المستشار/ إبراهيم عمر هندي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدي، والسيد عبد المنعم الصراف, وسليم راشد أبو زيد، ومحمد صدقي البشبيشي.
---------------
(58)
الطعن رقم 560 لسنة 35 القضائية
(أ) محكمة الموضوع. "سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة". عقد. "تكييف العقد". نقض. "سلطة محكمة النقض".
سلطة محكمة الموضوع في تقدير الأدلة والقرائن المقدمة في الدعوى عند التعرف على حقيقة العقد والتحري عن قصد المتصرف في تصرفه. لا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك.
(ب) بيع. "الاحتفاظ بحق الانتفاع". وصية. إثبات. "الإقرار". خلف. وارث. عقد. "تكييف العقد".
احتفاظ المورث بحقه في الانتفاع بالمبيع مدى حياته. لا يحتم ذلك وجوب اعتبار التصرف وصية ولا يتعارض مع تنجيز التصرف متى كانت أدلة الدعوى تفيد هذا التنجيز. إقراره بأنه قصد من التصرف الوصية لا حجية له في حق المتصرف إليهم. لا يعتبرون في خصوص هذا التصرف ورثة أو خلفاء عامين للمورث بل هم خلف خاص له.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن السيدات منيرة ونفيسه وصديقه حسن محمد الشافعي "الطاعنات" أقمن الدعوى رقم 2518 سنة 54 ك القاهرة ضد المطعون عليهم بطلب الحكم بتثبيت ملكيتهم إلى 7 و7/ 32 ط شيوعاً في 24 قيراط في العقارات المبينة بصحيفة الدعوى وذلك بالسوية بينهن مع التسليم وإلغاء عقدي البيع الصادرين من والدهن إلى المطعون عليهم الخمسة الأول في 5/ 4/ 1945 و5/ 10/ 1950 ومحو التسجيل المترتب على تلك العقارات، وقلن شرحاً للدعوى إن المرحوم حسن محمد القاضي مورثهن ومورث المطعون عليهم المذكورين توفى بتاريخ 27/ 2/ 1954 وترك العقارات المبينة بصحيفة الدعوى وانحصر إرثه فيهن وفي زوجته المطعون عليها الأولى وأولادها منه وهم باقي المطعون عليهم عدا الأخيرة، وقد امتنع المدعى عليهم عن تسليمهن نصيبهن في تلك العقارات بدعوى أن المورث باع إليهم كل ما يملك بموجب عقدي بيع رسميين صدر أولهما في 5/ 4/ 1945 ببيع النصف على الشيوع في تلك العقارات إلى المطعون عليهم وصدر الثاني في 5/ 10/ 1950 ببيع النصف الآخر إلى زوجته المطعون عليها الأولى، وإذ كان هذان العقدان باطلين لأنهما يستران وصية قصد بها حرمان المدعيات من حقهن في الإرث، فقد أقمن هذه الدعوى بطلباتهن سالفة البيان. وطلب المدعى عليهم رفض الدعوى استناداً إلى أن العقدين إنما يتضمنان بيعاً صحيحاً طبقاً لنصوصهما الصريحة وما أثبته الموثق الذي حررهما من دفع معظم الثمن أمامه وقيامهم بتسجيل العقدين حال حياة البائع وقيام المدعى عليها الأولى بالتصرف فيما اشترته بموجب العقد الأول إلى ولدها المدعى عليه الثاني في حياة المورث وبغير اعتراض منه، وفي 29/ 2/ 1956 حكمت المحكمة في مواجهة المدعى عليها الأخيرة (أولجا لطف الله شنياره) بطلبات المدعين، واستأنف المدعى عليهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه والحكم برفض الدعوى. وقيد هذا الاستئناف برقم 283 سنة 74 ق، وفي 28 ديسمبر سنة 1958 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف في شطره الخاص بالعقد الأول المؤرخ 15/ 4/ 1945 وتعديله في شطره المتعلق بالعقد الثاني الصادر في 5/ 10/ 1950 وببطلان هذا العقد فيما زاد عن ثلث التركة واعتبار الأربعة قراريط الباقية من الاثنى عشر قيراطاً موضوع هذا العقد تركة للبائع، ولما طعن المحكوم ضدهم في ذلك الحكم بطريق النقض بالطعن رقم 167 سنة 29 ق حكمت هذه المحكمة في 14/ 5/ 1964 بنقض الحكم المطعون فيه وبإحالة القضية إلى محكمة استئناف القاهرة. وبتاريخ 14/ 3/ 1965 قضت محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت المستأنف ضدهن (الطاعنات حالياً) أن تصرف مورثهن إلى المستأنفين بالعقدين سالفى الذكر كان القصد به الإيصاء، وأنهم في الحقيقة لم يدفعوا ثمناً وأن المبلغ المدفوع أمام الموثق لم يكن من مالهم وإنما أفرغ في هذه الصورة لتصوير غير الواقع، وخولت المستأنفين نفي ذلك بذات الطرق. ونفذ هذا الحكم بسماع شهود المستأنف عليهن وذلك لامتناع المستأنفين عن إعلان شهود اكتفاء بالمستندات المقدمة منهم، وفي 20/ 6/ 1965 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى وألزمت المستأنف ضدهن المصروفات و1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. طعنت الطاعنات في هذا الحكم بطريق النقض للسببين الواردين بالتقرير وطلب المطعون عليهم رفض الطعن، وقدمت النيابة العامة مذكرة برأيها وطلبت رفض الطعن.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال, وفي بيان ذلك تقول الطاعنات إن محكمة الاستئناف أحالت الدعوى إلى التحقيق لإثبات أن التصرف قصد به الوصية وأنهن أشهدن كلاً من حسن موسى ومحمود علي الشافعي ومحمود يوسف موسى وجاءت شهادتهم قاطعة في أن المورث لم يكن في حاجة لهذا البيع، وأن المبيع ظل تحت يده حتى وفاته وأنهم لم يعلموا بهذا البيع في حياة المورث ولم يأخذ الحكم المطعون فيه بهذه الأقوال استناداً إلى أنها اقتصرت على عدم علم الشهود بالتصرف إلا بعد وفاة المورث وأن جهلهم بالتصرف فور حصوله بنفي معرفتهم بحقيقة الظروف والملابسات التي تم فيها التعاقد كما ينفي إلمامهم بحقيقة الدافع إليه فلا يمكن الاطمئنان إلى أقوالهم للتعرف على قصد المتعاقدين، وهذا الذي استخلصه الحكم وأقام عليه قضاءه يخالف الوقائع الثابتة في الدعوى والمستندات المقدمة فيها، إذ الثابت من هذه المستندات أن المطعون عليهم كانوا لا يملكون مالاً وقت الشراء وأن الثمن المدفوع أمام الموثق كان من والي محمد محمد منتصر في العقد الأول سداداً لدين يوسف راغب وكان في العقد الثاني من أولجا شنياره سداداً لدين محمد منتصر وأن المبلغ المدفوع لكل دائن يتفق مع الثمن الوارد في العقد وأن قيام البائع طوال حياته بالاحتفاظ بمظاهر الملكية من تأجير وإقامة أبنية في العقار برخصة صادرة باسمه وطبع إيصالات بالأجرة، هما أدلة قاطعة على أن إرادة المورث لم تنصرف إلى اعتبار البيع تصرفاً منجزاً يخفي هبة وإنما انصرفت إلى إضافته إلى ما بعد الموت، ولا يغير من ذلك أن أحداً من الشهود لم يشهد صراحة بأن العقد يخفي وصية لأن شهادتهم بعدم علمهم بصدور التصرف من المورث حال حياته وهم أقرب الأشخاص إليه وبأنه لم يكن في حاجة إلى البيع تدل بذاتها على صحة دفاع الطاعنات في هذا الشأن، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بما يخالف هذا النظر، فإنه يكون قد أخطأ في الاستدلال وأخطأ كذلك في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود في جملته، ذلك أن لمحكمة الموضوع وهي في سبيل التعرف على حقيقة العقد والتحري عن قصد المتصرف من تصرفه سلطة تقدير الأدلة والقرائن المقدمة في الدعوى واستخلاص ما تقتنع به منها متى كان استخلاصها سائغاً متفقاً مع الثابت بالأوراق, وهي إذ تباشر سلطتها في تقدير الأدلة تملك الأخذ بنتيجة دون أخرى, ولا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك متى كانت الأدلة التي أوردتها من شأنها أن تؤدي إلى هذه النتيجة. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن أشار إلى أن أحداً من الشهود لم يشهد صراحة بحقيقة التصرف وأنهم جميعاً جنحوا إلى القول، بأنهم علموا بالتصرف بعد وفاة المورث ورتب على ذلك عدم إلمامهم بالظروف والملابسات التي تم فيها التعاقد وبحقيقة الدافع إليه، رد على قولهم بعدم يسار المطعون عليهم بأن "ليس في الأوراق ما يقطع بصحته فضلاً عن أنه ليس ما يمنع قانوناً أن يكون هذا البيع يستر هبة لأن الفارق بين الهبة المستورة والوصية هو اتجاه قصد المتعاقدين إلى تنجيز التصرف" ثم انتهى إلى أن "دلائل الدعوى وقرائنها تؤدي إلى القول بأن التصرف كان منجزاً في العقدين بدليل مسارعة المستأنفين "المطعون عليهم" إلى تسجيل العقدين ومن تصرف المستأنفة الأولى إلى ابنها وتسجيل هذا التصرف في حياة المورث وأن إقرار المتصرف باستلام جزءاً من الثمن من المستأنفة الأولى ينبئ عن اتجاه النية إلى تنجيز العقد وأنه ليس ما يمنع في القانون أن يحتفظ المتصرف لنفسه بحق المنفعة إذ لا تلازم بين استيفاء حق المنفعة وتنجيز العقد" فإنه يكون قد أقام قضاءه على قرائن متساندة مستخلصة من الأوراق تؤدي في مجموعها إلى ما انتهى إليه من أن العقدين الصادرين من المورث لورثته "المطعون عليهم" هما عقدان منجزان ولا يخفيان وصية، ولا يعدو أن يكون النعي جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة مما لا يجوز إثارته أمام هذه المحكمة.
وحيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الطاعنات تمسكن لدى محكمة الموضوع بأن إقرارات المورث تعتبر صحيحة وملزمة له ولورثته من بعده ما لم يقيموا الدليل على عدم صحتها، وطلبن اعتبار تصرف المورث للورثة المطعون عليهم وصية استناداً إلى إقراره الثابت بصحيفة الدعوى التي أقامها ضدهم لدى محكمة القاهرة باعتبار عقد البيع الصادر في سنة 1945 وصية وإثبات عدوله عنها وإلى إقراره الآخر الثابت في طلبه المقدم لمأمورية الشهر العقاري بالسيدة زينب بتاريخ 25/ 4/ 1954، وبالرغم من تقديم هذين الإقرارين وعجز المطعون عليهم عن إثبات عدم صحتهما وثبوت احتفاظ المورث بحق المنفعة مدى حياته في العقد فقد أخذ الحكم المطعون فيه بدفاع المطعون عليهم اكتفاء بما قرره من أن دلائل الدعوى تؤدي إلى القول بأن هذا التصرف كان منجزاً مقصوداً به التمليك الفوري وأنه ليس ما يمنع في القانون من أن يحتفظ المتصرف لنفسه بحق المنفعة إذ لا تلازم بين استبقاء هذا الحق وتنجيز التصرف دون أن يعرض الحكم للإقرارين المقدمين من الطاعنات رغم وضوح أثرهما في تكييف الدعوى، إذ العبرة في تكييف التصرف هو بما ثبت لدى المحكمة من إرادة المتعاقدين، ومتى كان الثابت من الإقرارين المشار إليهما أن البيع الصادر من المورث قد قصد به الوصية وأن المورث قد أظهر رغبته في العدول عنه حال حياته فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن إرادة المتعاقدين قد اتجهت إلى تنجيز التصرف يكون مخالفاً للقانون.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، إذ يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة بعد أن سردت وقائع النزاع وعرضت لأوجه دفاع الطرفين أعملت حقها في التعرف على حقيقة ما عناه المتعاقدون في العقدين الصادرين من المورث وخلصت إلى أن نية المتعاقدين قد اتجهت فيهما إلى التنجيز ونقل الملك الفوري إلى الورثة المشترين على أساس البيع أو الهبة، ودلل الحكم على ذلك بأدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, ومن ثم فلا يقبل من الطاعنات القول بأن الحكم أخطأ في تكييف هذين العقدين استناداً إلى أن المورث سبق أن أقر في صحيفة دعوى أقامها على المشترين أو في طلب قدمه للشهر العقاري بأنه قد قصد من التعاقد الوصية دون غيرها من التصرفات بدليل احتفاظه لنفسه في العقد بحق الانتفاع بالعقار المبيع مدى الحياة، ذلك لأن احتفاظ البائع بحقه في الانتفاع بالمبيع مدى حياته لا يتحتم معه وجوب اعتبار التصرف وصية ولا يتعارض مع تنجيز التصرف متى كانت أدلة الدعوى تفيد هذا التنجيز, ولا وجه للتحدي بالإقرار الصادر من المورث في شأن تكييف التصرفين الصادرين منه للمطعون عليهم والقول بأن هذا الإقرار ملزم لهم باعتبارهم من ورثته، ذلك أنهم في خصوص هذين التصرفين لا يعتبرون ورثة أو خلفاء عامين للمورث بل هم خلف خاص له، فلا حجية لإقراره في حقهم. ولما تقدم يتعين رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق